الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس/عزوة السبرة
الخبر عن خروج أمير المسلمين الى غزوة السبرة
خرج اليها من الجزيرة فى أول يوم من ربيع الثانى من سنة اثنتين وثمانين وست مائة فسار حتى وصل قرطبة فغزا بلادها وغنم حصونها وخرب معمورها وارتحل نحو السبرة وترك محلّته على بياسة بالمغانم والانتقال وترك منها خمسة الاف فارس من حماة الابطال وكان في ذلك رياسة وسياسة فانها دارت بها بلدانهم فجد أمير المسلمين السير إلى السبرة فسار يومين بارض خالية حتى وصل الى العمران، فاغارت الخيل حتى وصلوا إلى أحواز طليطلة، ولم يبق بين أمير المسلمين وبينها غير مرحلة واحدة، وما صده عن غزوها الا كثرة ما بايدى المسلمين من الأموال والسبى والقتل وقُتل في هذه الغزوة من الروم الوفا لا تحصى ورجع أمير المسلمين على طريق أخرى يحرق ويخرب ويسبى ويقتل حتى وصل إلى مدينة أبره فقاتلها ساعة من النهار، فرماه علج بسهام من سورها أصاب الفرس الذي كان عليه وسلم الله تعالى أمير المسلمين منه فرحل عنها إلى محلته التي تركها على بياسة فقام بها ثلاثة أيام حتى استراح الناس وارتحل عنها بعد ما دمرها فسار الى الجزيرة وقدم بين يديه من السبى والاموال والكراع ما يعجز عنه الوصف فدخلها في شهر رجب من سنة اثنتين وثمانين وست مائة، فقسم بها الغنائم بين المسلمين وجاز الى العدوة في أول يوم من شعبان فاقام بطنجة ثلاثة أيام وارتحل إلى مدينة فاس فدخلها فى العشر الاواخر من شعبان المذكور، فصام بها رمضان وعيد بها عيد الفطر وارتحل الى مراكش فوصل رباط الفتح فاقام بها شهرين ثم ارتحل إلى حضرة مراكش فدخلها في محرم من سنة ثلاث وثمانين وست مائة وبعث ولده الأمير أبا يعقوب الى بلاد السوس برسم غزو العرب ومن بها من القبائل الخارجة ففرت العرب أمامه إلى الصحراء فتبعهم حتى بلغ الساقية الحمراء ومات أكثر العرب الفارين جوعا ومرض أمير المسلمين أبو يوسف بمراكش حتى أشرف على الموت وكتب إلى الامير ابى يعقوب أن يسرع بالوصول قبل أن يعاجله الموت فارتحل نحو مراكش فلما وصل الى والده فرح به وسر الناس بقدومة ووجد أمير المسلمين الراحة واستقل من مرضه وعاد الى صحته وارتحل عن مراكش برسم بلاد الاندلس عازما على الجهاد وذلك في اخر جمادى الاخرى من سنة ثلاث وثمانين وست مائة، فدخل رباط الفتح في نصف شعبان من السنة المذكورة فصام بها شهر رمضان المعظم من السنة المذكورة ووفد عليه برباط الفتح اشياخ بلاد المغرب وفقهاؤها برسم السلام عليه والتهنئة بصحته، وكان في ذلك العام قحط شديد ولم ير الناس ماء الا في اخر رمضان المعظم يوم موت الحرة المذكورة وفي ءاخر شوال من هذه السنة ارتحل امير المسلمين من رباط الفتح الى قصر المجاز فكتب إلى قبائل المغرب يستنفرهم للجهاد ثم شرع في تجويز الجيوش الى الاندلس بقية سنة ثلاث وثمانين المذكورة، فلما كان في أول يوم من صفر من سنة أربع وثمانين وست مائة وقد تكامل الناس بالجواز ، جاز الى الاندلس، فنزل بطريف ثم سار منها الى الخضراء*