أسرار ترتيب القرآن/سورة المسد
قال الإمام: وجه اتصالها بما قبلها: أنه لما قال: "لكُم دينكُم وَلي دين" فكأنه قيل: إلهي وما جزائي فقال الله له: النصر والفتح فقال: وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام فقال: "تبت يدا أَبي لهبٍ" وقدم الوعد على الوعيد ليكون النصر معللاً بقوله: "ولي دين" ويكون الوعيد راجعاً إلى قوله: "لَكُم دينكُم" على حد قوله: "يومَ تبيضُ وجوه وتَسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم" قال: فتأمل في هذه المجانسة الحافلة بين هذه السور مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل قال: ووجه آخر وهو: أنه لما قال "لَكُم دينكُم ولي دين" كأنه قيل: يا إلهي ما جزاء المطيع قال: حصول النصر والفتح فقيل: وما ثواب العاصي قال: الخسارة في الدنيا والعقاب في العقبى كما دلت عليه سورة تبت سورة الاخلاص قال بعضهم: وضعت ههنا للوزان في اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة تَّبت وأقول: ظهر لي هنا غير الوزان في اللفظ: أن هذه السورة متصلة بقل يا أيها الكافرون في المعنى ولهذا قيل: من أسمائها أيضاً الإخلاص وقد قالوا: إنها اشتملت على التوحيد وهذه أيضاً مشتملة عليه ولهذا قرن بينهما في القراءة في الفجر والطواف والضحى وسنة المغرب وصبح المسافر ومغرب ليلة الجمعة وذلك أنه لما نفى عبادة ما يعبدون صرح هنا بلازم ذلك وهو أن معبوده أحد وأقام الدليل عليه بأنه صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ولا يستحق العبادة إلا من كان كذلك وليس في معبوداتهم ما هو كذلك وإنما فصل بين النظيرتين بالسورتين لما تقدم من الحكمة وكأن إيلاءها سورة تبت ورد عليه سورة الفلق والناس أقول: هاتان السورتان نزلنا معاً كما في الدلائل للبيهقي فلذلك قُرتنا مع ما اشتركتا فيه من التسمية بالمعوذتين ومن الافتتاح بقل أعوذ وعقب بهما.