أسرار ترتيب القرآن/سورة الإنسان
أقول: وجه اتصالها بسورة القيامة في غاية الوضوح فإنه تعالى ذكر في حر تلك مبدأ خلق الإنسان من نطفة ثم ذكر مثل ذلك في مطلع هذه السورة مفتتحاً بخلق آدم أبي البشر ولما ذكر هناك خلقه منهما قال هنا "فجَعلَ منهُ الزوجينِ الذكرَ والأُنثى" ولما ذكر هناك خلقه منهما قال هنا "فجعلناهُ سميعاً بصيراً" فعلق به غير ما علق بالأول ثم رتب عليه هداية السبيل وتقسيمه إلى شاكر وكفور ثم أخذ في جزاء كل ووجه آخر هو أنه لما وصف حال يوم القيامة في تلك السورة ولم يصف فيها حال النار والجنة بل ذكرهما على سبيل الإجمال فصلهما في هذه السورة واطنب في وصف الجنة وذلك كله شرح لقوله تعالى هناك "وجوهٌ يَومَئذٍ ناضِرة" وقوله هنا "إِنّا أَعتدنا للكافِرينَ سَلاسِلا وأَغلالا وسَعيراً" شرح لقوله هناك "تظنُ أَن يُفعل بها فاقرة" وقد ذكر هناك "كلا بل تحبونَ العاجِلة وتذَرونَ الآخِرة" وذكر هنا في هذه السورة "إِن هؤلاء يحبون العاجِلة ويَذرونَ وراءهم يوماً ثقيلا" وهذا من وجوه المناسبة.