انتقل إلى المحتوى

يا دار مية لم يترك لنا علما

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

يَا دَارَ مَيَّة َ لَمْ يَتْرُكْ لَنَا عَلَماً

​يَا دَارَ مَيَّة َ لَمْ يَتْرُكْ لَنَا عَلَماً​ المؤلف ذو الرمة


يَا دَارَ مَيَّةَ لَمْ يَتْرُكْ لَنَا عَلَماً
تَقَادُمُ الْعَهْدِ وَالْهُوجُ الْمَرَاوِيدُ
سقياً لأهلكِ منْ حيٍّ تقسمهمْ
رَيْبُ الْمَنُونِ وَطِيَّاتٌ عَبَادِيدُ
يا صاحبيَّ انظرا، آواكما درجٌ
عَالٍ وَظِلٌّ مِنَ الْفِرْدَوْسِ مَمْدُودُ
هلْ تبصرانِ حمولاً بعدما اشتملتْ
مِنْ دُونِهِنَّ حِبَالُ الأَشْيَمِ القُودُ
عَوَاسِفَ الرَّمْلِ يَسْتَقْفِي تَوَالِيَهَا
مُسْتَبْشِرٌ بِفِرَاقِ الْحَيّ غِرّيدُ
ألقى عصيَّ النَّوى عنهنَّ ذو زهرٍ
وَحْفٌ عَلَى أَلْسُنِ الرُّوَّادِ مَحْمُودُ
حَتَّى وَجَفَتْ بُهْمَى لِوَى لَبَنٍ
وابيضَّ بعدَ سوادِ الخضرةِ العودُ
وغادرَ الفرخُ في المثوى تريكتهُ
وحانَ منْ حذارِ البينِ مورودُ
أَقُولُ لِلرَّكْبِ لَمَّا أَعْرَصَتْ أُصُلاً
أُدْمَانَةٌ لَم تُرَبِّيْهَا الأَجَالِيدُ
ظلَّتْ حذاراً على مطلنفئٍ خرقٍ
تبدي لنا شخصها والقلبُ مزؤودُ
هذَا مَشَابِهُ مِن خَرْقَآءَ نَعْرِفُهَا
العينُ واللَّونُ والكشحانِ والجيدُ
إِنَّ الْعَرَاق لأَهْلِي لَم يَكُنْ وَطَناً
والبابُ دونَ أبي غسَّانَ مشدودُ
إِذَا الْهُمُومُ حَمَاكَ النَّوْمَ طَارِقُهَا
وحانَ منْ ضيفها همٌّ وتسهيدُ
فانمِ القتودِ على عيرانةٍ حرجٍ
مهريَّةٍ مخطتها غرسها العيدُ
نَظَّارَةٍ حِينَ تَعْلُو الشمْسُ رَاكِبَهَا
طرحاً بعيني لياحٍ فيهِ تجديدُ
ثبْجَاءَ مُجفَرَةٍ سَطْعَاءَ مُفْرِعَةٍ
في خلقها منْ وراءِ الرَّحلِ تنضيدُ
مَوَّارَةِ الضَّبْعِ مِسْكَاتٍ إِذَا رُحِلَتْ
تهوي انسلالاً إذا ما اغبرَّتْ البيدُ
كأنَّها أغبريٌّ بالفروقِ لهُ
عَلَى جَوَاذِبَ كَالأَدْرَاكِ تَغْرِيدُ
منَ العراقيَّةِ اللاَّتي يحيلُ لها
بَيْنَ الْفَلاَةِ وَبَيْنَ النَّخْلِ أُخدُودُ
تربَّعتْ جانبي رهبى فمعقلةٍ
حَتَّى تَرَقَّصَ فِيَ الآلِ الْقَرَادِيدُ
تَسْتَنُّ أَعْدَآءَ قُرْيَانٍ تَسَنَّمَهَا
غرُّ الغمامِ ومرتجَّاتهُ السُّودُ
حتَّى كأنَّ رياضَ القفِّ ألبسها
مِنْ وَشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وَتَنْجِيدُ
حتَّى إذا ما استقلَّ النَّجمُ في غلسٍ
وأحصدَ البقلُ أو ملوٍ ومحصودُ
وظلَّ للأعيسِ المزجي نواهضهُ
فِي نَفْنَفِ اللُّوحِ تَصْوِيبٌ وَتصْعِيدُ
رَاحَتْ يُقَحِّمُهَا ذُو أَزْمَلٍ وَسَقَتْ
لهُ الفرائشُ والسُّلبُ القياديدُ
أَدْنَى تَقَاذُفِهِ التّقْرِيبُ أَوْ خَبَبٌ
كَمَا تَدَهْدَى مِنَ الْعَرِضِ الْجَلاَمِيدُ
ما زلتُ مذْ فارقتْ ميٌّ لطيَّتها
يعتادني منْ هواها بعدها عيدُ
كانَّني نازعٌ يثنيهِ عنْ وطنٍ
صرعانِ: رائحةٌ عقلٌ وتقييدُ