هو الدهر لا يخشى القنا والقواضبا
المظهر
هُوَ الدهرُ لا يخشى القَنا والقواضِبَا
هُوَ الدهرُ لا يخشى القَنا والقواضِبَا
ولكن يهابُ الدهرُ منكَ المَوَاهِبَا
فَلا تَكُ مَغرُوراً بنفسكَ غافِلاً
حَقِيقَتَها فَاعلَم وَحدّ العَوَاقِبَا
ولا تَكُ ممّن طَيّشتَه مَطامِع
فَيَأبى بأن يَقضي لدى الحَقّ واجِبَا
عَلى أثَري يا مَن أرَاهُ مُجَاهِداً
لِيَبلُغَ في هذا الزّمانِ الرّغائِبَا
فَما أنا بالشّاني ولكن أنا الّذي
عَلى منبرِ الإخلاصِ ما زالَ خاطِبَا
فَمِن دَرَكاتِ الذلّ تصبحُ صَاعِداً
عَلى دَرَجاتِ العِزِّ تَعلو مَراتِبا
فَقَد جَمَعَتني وَاللّيالي حَوَادِثٌ
فكانَت مَوَاثِيقُ اللَيَالي كَوَاذبَأ
فَنَكّبتُ عن صِدقِ الزّمانِ لأنّني
رأيتُ زماني عن هوَى الصّدقِ ناكبا
وقَد صَحِبَتني هشمّةٌ لا تخُونني
وَلَو أنشَبَت فيّ الخُطوبُ مَخَالِبَا
إِذا لم يكن لي غيرُ نَفسٍ أبِيّةٍ
أبى اللهُ إِلاّ أن تُلَبّي المَطالِبَا
فَحَسبي افتخاراً أن أجوُدَ بِبَذلها
لِخدمَةِ خَلقِ اللهِ والعَدلِ راغِبَا
فَمَا قَصَبَاتُ السبقِ إِلاّ لمَن غَدا
بميدان هذا الدّهرِ للدّهرِ حاسبَا
وما المَرءُِإلاّ مَن تَرَاهُ مُدافِعاً
عَنِ الوَطَنِ المَحبوبش قَلباً وقالبَا
فَقُل للّذي يَبغي اهتِضَامَ حُقوقِنَا
ستُصبِحُ مَغلُوباً وإن كنتَ غَالِبَا
فَما هيَ إِلاّ النّفس نسمَة خَالِق
فَحاشا لها أن تَستَلِذّ المَصَائِبَا
وَكُن فَطِناً يا مَن مَلَكَتَ عنانها
إِذا جَمَحَت مادَت بهَا الأرضُ جانبَا
فَلَيسوا بقَومي مَن ترَاهم أذِلّةً
ولكِن قَومي مَن أذَلّوا المَصاعِبَا
لَنا كلّ قَلبٍ فِيهِ كلّ عزيمَة
تَجَرّدُ مِنهَا للدّفاعِ كَتائِبَا
فنحنُ بَنو الأعرَابِ كُنّا ولم نَزَل
بما خَصّنضا المَولى نَفُوقُ الأجَانِبَا
فَمَن يا ترى أعلى الوَرَى كمحَمّدٍ
وأرفَعهُم مَجداً وأسمى مَنَاقِبَا
وَمَن مِثل مَن قادوا الخلافةَ بعده
وكانوا لِصرحِ العَدلِ مِنهُ جَوَانِبَا
ألَسنَا الألى سادوا العِبادَ ودَوّخوا ال
بِلادَ وأبدَوا في الحُرُوبِ عَجَائِبَا
وقَصّرَ عن إِدرَاكِهم كلُّ لاحِقِ
غَداةَ امتَطوا ظِهرَ العُلى والمَناكِبَا
فَكَم دولَةٍ شدنا وسُدنا بِهمّةٍ
أحَدّ مِنَ البِيضِ الرّقاقِ مضارِبَا
وَكُنّا قديماً مثلما اليوم قومُنَا
إِذا صُفّتِ الأقوامُ نَعلو المَناصِبَا
فما رَوَتِ الأيامُ من عَهدِ آدمٍ
إِلى اليَومِ عن شَعبٍ يفوق الأعاربَا
كَذاكَ بَنَينَا للعُلُومِ مَعاهِداً
وَشدنا لأهلِ الأرضِ فِيهَا مكاتِبَا
وقد أخذَت عَنّا الشعوبُ مَعارِفاً
كما أخَذت عَنّا قديماً مَذاهِبَا
ونحنُ الألى في النّثرِ فاقوا بَلاغَةً
وأبدوا لَدى نَظمِ القَريضِ غَرَائِبَا
وسارَت بِنَا الأمثَالُ من فرطِ جودنا
فَكُنّا بُحُوراً بِالنّدى وَسحائِبَا
كذا قَد وَرَدنَا في الأصُولِ وعِندنا
نُفُوسٌ أبِيّاتٌ تَنَالُ المآربَا
بموطِنِنَا لَولا الّذي جلّ عرشُهُ
لَفَاخَرَتِ الأرضُ السما والكواكِبَا
جَنى شَرفاً من فضلِ عيسى واحمد
يَجُرّ عَلى هَامِ الثّرَيّا ذوَائِبَا
مَطَالِعُ أنوَارٍ وَمَهبطُ حِكمَةٍ
وَآياتُ إِلهَامٍ تَظَلّ نَجَائِبَا
فَيَا وَطَني لا زلتَ أوّلَ بُقعَةٍ
من الأرضِ أبدَت للبَرَايا عَجَائِبَا
طَوَيتَ من الآثارِ ما لو نشرتَهُ
لضاقت بِهِ الدّنيَا حِجىً ومَوَاهبَا
فَلا تحسَبَنّ القومَ شَطّ مَزَارُهُم
ولا تحسَبَنّ البَحرَ أصبحَ حاجِبَا
جَذبَتَ قلوبَ الناس حتى رَأيتهُم
يَحُجّونَ أفوَاجاً فَحَسبكَ جَاذبَا
وَحُرمَةِ عَهدٍ بَينَنَا قَد عهدتها
وَعِزّةِ نَفسٍ لا تَهَابُ التّجارِبَا
لأنتَ مَنيعٌ وَسطَ مَن قد عرَفتهم
يَصُدّونَ بالأروَاحِ منكَ النّوَائِبَا
كماة لَقَد صاغوا النفوس أسِنّةً
ومن عَزمِهم سَلّوا قناً وقَوَاضِبَا
وَحقِّك يا حرّية قَد عَشِقتُها
وأنفَقتُ عمري في هوَاها محاربَا
وسرِّ جَمالٍ فِيك هامَ بحبّه
بنو الشرقِ إِجلالاً فَحَلّوا المَغارِبَا
وحسن انعِطافٍ منك يعذُبُ دونهُ
عَذابٌ لقد أمسى على الناس واصبَا
وَوَصف سَنَاءٍ لاحَ مِنك حَسِبتهُ
شهاباً عَلى وَجهِ البسيطَةِ ثاقِبَا
لأنتِ مُنى الدُنيَا وغاية سُؤلها
وأفضَلُ شيء قد رَأتهُ مُنَاسِبَا
فلا يُختَشى ظلمٌ وأنت عدالةٌ
ولا ظُلَمٌ فالنّورُ يمحو الغَيَاهِبَا