انتقل إلى المحتوى

نهت الكواشح عنه والعذالا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

نَهَتِ الكواشحَ عنهُ والعُذّالا

​نَهَتِ الكواشحَ عنهُ والعُذّالا​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


نَهَتِ الكواشحَ عنهُ والعُذّالا
فكأنَّما ملأتْ يديه وصالا
أتظنّها رَحِمَتْهُ من ألمِ الجوى
بمخللٍ يسترحمُ الخلخالا
ظمآنُ يستقي أُجاجَ دموعِهِ
من عارضِ البردِ الشنيبِ زلالا
حتى إذ لَذَعَ الغرامُ فؤادَهُ
شربَ الغليلَ وأُشرِبَ البلبالا
مُضْنىً أزارتْهُ خيالاً عائدا
فكأنما زارَ الخيالُ خيالا
لا يستجيب لسائلٍ فكأنهُ
طللٌ، وهل طلل يجيب سؤالا؟
كم سامعٍ بالعين من آلامهِ
قيلاً بأفواه الدموعِ وقالا
إني طُرِفْتُ بأعينٍ في طرْفِهَا
سحرٌ يَحُلّ من العقول عقالا
وفحصتُ عن سببٍ عصيتُ به النهى
فوجدتُهُ ذُلاًّ يُطيعُ دلالا
وأنا الذي صيّرتُ عِلقَ صبابتي
بصبابتي للغانيات مُذالا
فتصيّدتْني ظبيةٌ إنسيَّةً
وأنا الذي أتصيّدُ الرئبالا
تُجري الأراك على الأقاح وظلمُها
ريقٌ، أذُقْتَ الشهد والجريالا؟
وتريكَ ليلاً في الذوائب يجتلي
نورا عليك ظلامُهُ وصقالا
وإذا تداولتِ الولائدُ مشطهُ
عَرُضَ السُّرى بالمشط فيه وطالا
وتنفّستْ بالنّد فيه فخيّمتْ
نارٌ مواصلةٌ به الإشعال
يا هذه لقدِ انفردت بصورةٍ
للحسنِ صُوّرَ خلقها تمثالا
أمّا الجفون فقد خلقنَ مقاتلاً
مني، فكيف خلقنَ منكِ نبالا؟
هل تطلعينَ عليّ بدرا عن رضىً
فأراكِ عن غضبٍ طلعتِ هلالا
ألفيتُ برقكِ في المخيلةِ خُلباً
ويمين عَهدكِ في الوفاء شمالا
ما هذه الفتكات في مهجاتنا
هل كان عندك قتلهنّ حلالا؟
لم لا ترقُّ لنا بقلبك قسوة
اخُلِقَتِ إلا غادة مكسالا؟
وظُباكِ تصرعُ دائباً أهلَ الهوى
وَظُبا عليّ تصرعُ الأبطالا
ملكٌ لنصر الله سلّ مجاهدا
عَضْباً تَوَقّدَ بالمتونِ وسالا
وإذا شدا في الهام خلتَ صليلَهُ
عملاً وهزّ غِرارهِ استهلالا
وكأنهُ من كلّ درع قدّها
يُغْرِي بأحداقِ الجرادِ نمالا
ملكٌ إذا نظَمَ المكارمَ مَثّلَتْ
يدهُ بها التتميمَ والإيغالا
فدعِ الهباتِ إذا ذكرْتَ هباتِهِ:
تُنْسي البحورُ ذكرها الأوشالا
ماضٍ على هَوْلِ الوقائع مُقْدِمٌ
كالسيف صمّمَ، والغضنفر صالا
يرمي بثالثةِ الأثافي قِرنَهُ
فالأرضُ منها تشْتكي الزلزالا
فبأي شيءٍ تتقي من بأسه
ما لو رَمى جبلاً به لانهالا
يصلى حرورَ الموت من مدّتْ له
يمناهُ من ورقِ الحديد ظلالا
هَدّ الضّلالَ فلم تقُمْ عُمُدٌ له
وأقامَ من عمد الهدى ما مالا
من سادةٍ أهلاقهمْ وحلومهمْ
تتعرضانِ بسائطاً وجبالا
أقْيالُ حِمْيَرَ لا يَرُدّ زمانُهُمْ
لهمْ، بما أمُروا به، أقْوالا
وإذا الكريهة بالحتوف تسعّرَتْ
وغدتْ نواجذُها قناً ونصالا
واستحضرَ الليلُ النّهارُ بظلمةٍ
طلعتْ بها زُهرُ النجومِ إلالا
نبذوا الدّرُوع وقاربت أعمارهم
نيل اللّهاذم، والظُّبا الآجالا
حتى كأنهم بهجرِ حياتهم
يجدونَ منها بالحِمامِ وصالا
فهمُ همُ أُسْدُ الأسود براثناً
وأرقّ أبناءِ الملوكِ نِعالا
يا منْ تضَمّنَ فضلهُ إفضالهُ
والفضلُ ما يَتَضَمّنُ الإفضالا
عَيّدْتَ بالإسْلامِ مُهْتبِلاً لهُ
في زينةٍ خلعتْ عليه جمالا
ولبستَ فيه على شعارِكَ بالتّقى
من ربّكَ الإعظام والإجْلالا
قدّمْتَ عدّ بنيك فيه لمن يَرى
ليثَ الكفاح يُرَشّحُ الأشبالا
في جحفلٍ ملأ الهواء خوافقاً
والسمعَ رِكزاً، والفضاءَ رعالا
وكأن أطراف الذوابل فوقه
تُذكي لإطفاء النفوس ذُبّالا
بالخيل جُرداً، والسيوف قواضباً
والبُزْلُ قُودا، والرماح طوالا
وبعارضِ الموتِ الذي في طبّه
وَبْلٌ يصبّ على عِداكَ وبالا
تركتْ ثعابين القفارِ شعابها
وأُسُودُها الآجام والأغيالا
وأتت معوّلةً على جيفِ العدى
وحسبنَ سلمكَ بالعجاج قتالا
خَفَقَتْ بنودٌ ظللت عَذَباتها
بُهْماً تبيدُ سيوفُها الضُّلاّلا
من كلّ جسمٍ يحتسي من ريحه
روحاً يقيم بخلقهِ أشكالا
وكأن أجياداً حباك جياده
فكسوتهنّ من الجلالِ جُلالا
من كلّ وَرْدٍ رائقٍ كسميّهِ
فتخالُ من شَفَقٍ له سربالا
أو أشقرٍ كالصبح يعقلُ رادعاً
هَيْقَ الفلاةِ وجأبها الذيّالا
أو أشعلٍ كالسيد عرّضَ سابحاً
فحسبته بالأيطلين غزالا
أو مُشْبِهٍ لَعَسَ الشفاهِ فكلما
رَشَفَتْهُ بالنّظَرِ العيونُ أحالا
أو لابسٍ ثوباً عليه مرَيَّشاً
وصلتْ قوائمه به أذيالا
أو أدهمٍ كالليل، أمّا لونه
فلكم تمنّى الحسنُ منه خيالا
يطأ الصفا بالجزع منه زبرجدٌ
فيثيرهُ في جوّه قَسْطالا
والبُزْلُ تجنحُ بالقِبابِ كأنَّها
سُفُنٌ مدافعةٌ صَباً وشمالا
وكأنَّما حملت رُبى قد نوّرَتْ
وَسُقَينَ من صَوْبِ الربيع سجالا
وكأنَّما زُفّتْ لهنّ عرائساً
لتحلّ مَغْنَى عزّكَ المحلالا
بكرت تعالى للهلال وما انثنتْ
حتى رأيت ها الهلال تعالى
صلّيتَ ثم نحرتَ في سُننِ الهدى
بُدناً كنحركَ في الوغى الأقتالا
وتبعتَ سنَّةَ أحمدٍ وأريتنا
مِنْ فِعْلِهِ في الفعلِ منك مثالا
ثمّ انصرفتَ إلى قصورك تبتني
مجداً وتهدمُ بالمكارم مالا
وتؤكد الأسماءَ في ما تشتهي
من همة، وتصرّفُ الأفعالا