نص بيعة أبي العلاء ملك برنو لأحمد المنصور الذهبي سنة 990 هجرية
ورد على المنصور سنة 990 هجرية رسالة يحملها رسول حاكم مملكة برنو يطلب فيها المدد بالعسكر والجند والبنادق والمدافع للمحاربة والجهاد بالسودان، فأجابهم بأن الجهاد لا يتم لهم الا بعد حصولهم على اذن من إمام الجماعة الصفة التي خص بها الله أمير المؤمنين وطالبهم بالبيعة، فقبلو بيعة أحمد المنصور وطلب رسول أبي العلاء نسخة مكتوبة من عقد البيعة لتكون حجة لهم وعليهم، فحررها كاتب الدولة أبو فارس عبد العزيز الفشتالي.
نص البيعة
[عدل]الْحَمد الله الَّذِي أَعلَى لكلمة الْحق منارا يسامي فِي مطالعها النُّجُوم وأزاح بهَا عَن شمس الْهِدَايَة المنيرة غياهب الغباوة المدلهمة وسحائب الغواية المركوم وَحي على الْفَلاح بهَا دَاعِي التَّوْفِيق الَّذِي نشر للنجاح كِتَابه الموقوت واستنجز للسعادة أجلهَا الْمَعْلُوم وَشرف هَذَا الْمَوْجُود والعالم الْمَوْجُود بالخلافة النَّبَوِيَّة والإمامة الحسنية العلوية الَّتِي صرفت الْوُجُوه إِلَى قبلتها الْمَشْرُوعَة واستبان الْحق بتبلج الصَّباح فِي مبايعتها والانقياد لدعوتها المسموعة وَنسخ بدولتها الغراء دوَل الحيف الَّتِي هِيَ بِسيف النُّبُوَّة المصلت مقطوعه وبلسان السّنة مدفوعه وقوض بهَا مباني الادعاء الَّتِي هِيَ على غير أساس الشَّرْع الصَّحِيح مدفوعه وَفرق بكلمتها الْمَجْمُوعَة على التَّوْحِيد فرق التَّثْلِيث الَّتِي هِيَ على مشاقة الله وَرَسُوله تَابِعَة ومتبوعة وخلع بظهورها على أعطاف الحنيفية السمحة رِدَاء الْعِزّ الفضفاض واستل بتأييدها للدّين المحمدي سيف الأنفة والامتعاض وَأَشَارَ للأعادي من بأسها المروع بِلِسَان الْحَيَّة النضناض وفجر للْمُؤْمِنين ينبوع رحمتها الْجَارِي على حصا عدلها الرضراض ومهد بسيوفها المنتضاة الْآفَاق والأقطار تمهيدا أَزَال عَن حكمه الِاعْتِرَاض وجلا بأنوارها المتألقة سدف الْجَهَالَة الَّتِي ادلهم جوها وغيم وأسعد الْوُجُود بيمنها الَّذِي لبث فِي أكناف مجدها وخيم وَقضى لهاب بتراحم الأَرْض وَمن عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي تعاضدت الْبَرَاهِين القاطعة على صدق رسَالَته البارعة ونهج الدّين القويم طَريقَة الْحق المثلى ومادته الشارعة وسوغ لمن آمن بِهِ مناهل الْهدى النميرة الزلَال وموارده العذبة ومشارعه نَبِي الرَّحْمَة وشفيع الْأمة وعَلى آله وَأَصْحَابه الْكِرَام أَئِمَّة الْهدى ومصابيح الظلام وَالدُّعَاء لمولانا الإِمَام الْعلوِي الْهمام أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ نجل سيد الْمُرْسلين وَخَاتم النَّبِيين وسليل الْوَصِيّ والسبطين وَبعد فَإِنَّهُ لما أذن الله فِي ليل الْجَهَالَة أَن ينجاب وَفِي شمس الْحق الوهاجة أَن يرْتَفع عَنْهَا الْحجاب وَفِي الْعِزّ الْخلق الجلباب أَن يعود إِلَى الشَّبَاب وَفِي النجاح والاستقامة أَن يفتح لَهما الْبَاب وَفِي الْإِمَارَة أَن تستند إِلَى السّنة وَالْكتاب وتتعلق من الشَّرْع بِأَسْبَاب تدارك الله سُبْحَانَهُ الْوُجُود وأعز الْعَالم الْمَوْجُود واستطارت الْأَنْوَار المضيئة للأغوار والنجود بِطُلُوع شمس الْخلَافَة النَّبَوِيَّة والإمامة الهاشمية العلوية فَفَاضَتْ على أَدِيم البسيطة أنوارها وارتفع إِلَى حَيْثُ السها والفرقدين منارها وتبلج بالأصباح نَهَارهَا ولاحت فِي سَمَاء الْمجد بدورها وأقمارها وكادت تنهب نُجُوم السَّمَاء أتباعها وأنصارها وانتشرت فِي الْآفَاق والأقطار على الْبعد والقرب آثارها وهزت عطف الزَّمَان انتشاء مناقبها وأخبارها وفاض ببركتها على أكناف الْمَعْمُور يمها الزاخر وتيارها خلَافَة ينتمي إِلَى النُّبُوَّة عنصرها وتستنبط من رِسَالَة الْوَحْي أسطرها ويناط بعروتها الوثقى خنصرها وإمامة عَليّ وَليهَا وَالله نصيرها والسبط بدرها الَّذِي حَيَّاهُ منبرها وسريرها وَالْحَمْد لله الَّذِي اصْطفى من هَذِه الدوحة النَّبَوِيَّة الشماء والشجرة الطّيبَة الهاشمية الَّتِي أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء إِمَامًا ألْقى الله لَهُ فِي الْقُلُوب حبا جميلا وَمولى جعله الله على مرضاته سُبْحَانَهُ عَلامَة ودليلا وَخَلِيفَة استرعاه فَكَانَ بِحسن الرَّعْي لخلقه وعباده كَفِيلا وانتضى من بأسه وبسالته لحماية حمى الشَّرِيعَة حساما صقيلا مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَخَلِيفَة الله فِي الْأَرْضين وسليل خَاتم النَّبِيين ووارث الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ المفترضة طَاعَته على الْخلق أَجْمَعِينَ والممنون بإمامته المقدسة على الْعَالمين بَحر الندى والباس وعصمة الله للنَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه مَوْلَانَا أَبَا الْعَبَّاس صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى آله الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة الطيبين الطاهرين وَطيب بِأَنْفَاسِ الْمَغْفِرَة لحودهم أَجْمَعِينَ إِمَام تهتز لذكره أعطاف المنابر وتتقلد من شرِيف دَعوته أبهى من نَفِيس الْجَوَاهِر وتستضيء الْبِلَاد بإكليل شرفه الزَّاهِر وتسكن الْعباد تَحت ظلّ رَحمته الوارف الوافر أبقى الله أَيَّامه الغر بَقَاء يصحب النَّصْر دَوَامه وخلد لَهُ ولأعقابه هَذَا الْأَمر الْكَرِيم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلما طلعت أيده الله على هَذِه الأصقاع الزنجية طلائع إِمَامَته النَّبَوِيَّة وخلافته ولاحت فِي سمائها شهب مناقبه المنيفة الدَّالَّة على فخامة شرفه وأنافته وتليت لمجده الْآيَات الْبَينَات الَّتِي تشهد لَهُ بتراث الرسَالَة وتقضي لَهُ على الْإِسْلَام وعَلى الْأَنَام بِحكم الْوَلَاء وَالْكَفَالَة وأوضح الله سُبْحَانَهُ للنَّاس من اعْتِقَاد وجوب طَاعَته والاقتداء بإمامته والانقياد لدعوته وتقليد بيعَته مَا جَاءَ بِهِ كِتَابه الْحَكِيم ووردت بِهِ سنة نبيه الْكَرِيم كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تزَال الْخلَافَة فِي قُرَيْش مَا بَقِي مِنْهُم اثْنَان) وكما ورد فِي صَحِيح الْخَبَر (إِن الْخلَافَة فِي قُرَيْش وَالْقَضَاء فِي الْأَنْصَار وَفِي الْحَبَشَة الْأَذَان) وَيدل على هَذَا تعاضد الْخَبَر والعيان فَلَا ناكر أَن لَيْسَ فِي الْمَعْمُور على هَذَا الشَّرْط غَيره أيده الله من ثَان فَنَهَضَ بِدَلِيل الشَّرْع أَنه إِمَام الْجَمَاعَة حَقًا المستوفي شُرُوطهَا وَالْوَارِث للخلافة النَّبَوِيَّة والحريص على بَيْضَة الْإِسْلَام أَن يحوطها وَأَن الْقَائِم بِهَذَا الْأَمر على الْإِطْلَاق غَيره دعِي ومحاوله دون إِذْنه الْمَشْرُوع بدعي فَتعين لذَلِك أَن الرُّجُوع إِلَى الْحق فَرِيضَة واستبان بِمَا تقرر وَعلم أَن إِمَارَة لَا تلاقي فِي الشُّرُوع محلهَا الْمَشْرُوع منبوذة مرفوضة وعروتها لذَلِك مفصومة ومنقوضة فَانْتدبَ لهَذِهِ الْآثَار صَحِيح الْأَخْبَار وَصرف إِلَى رضى الله الْعِنَايَة ووقف من الشَّرَائِع الْمَشْرُوعَة حَيْثُ مَرْكَز الرَّايَة ومنتهى الغية الرئيس أَبُو الْعَلَاء إِدْرِيس أكْرمه الله انتداب من وقفت بِهِ مَطِيَّة التَّوْفِيق على حَضْرَة الْإِخْلَاص والتصديق وَأخذت بزمامه السَّعَادَة إِلَى حَيْثُ الْفَوْز بِرِضا الله ورضا رَسُوله حقيق والتأييد صَاحب ورفيق وَروض الآمال أنيق وَرَاح الرَّاحَة والاطمئنان عَتيق إِلَى تقلد إِمَام بيعَة الْجَمَاعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه زَاده الله تقديسا وتشريفا الَّتِي تؤسس إِن شَاءَ الله على تقوى من الله ورضوان وَتشهد عقدهَا الْكَرِيم مَلَائِكَة الرَّحْمَن وآثر أسعده الله أَن يُؤَدِّي فَرضهَا الْمَعْدُود من فروض الْأَعْيَان وَحكمهَا الَّذِي توجه بِهِ خطاب الشَّرْع الْعَام إِلَى القاصي والدان وينشر سنتها الْمَشْرُوعَة فِي صقعه وَمَا يَلِيهِ من الأصقاع وَالْبِقَاع بالسودان تقلدا يستضيء إِن شَاءَ الله بأنواره ويستشرف بِهِ للعز المكين على مناره ويخمد بِهِ للْجَهْل جذوة ناره وتنتظم بِهِ فِي اتِّبَاع الْحق زمر أنصاره ويجتلي بِهِ صُورَة إنسانه ويستوجب من الله عوارف صنعه وإحسانه ويرهف بِهِ لِلْعَدو على العزمات حد سَيْفه وسنانه ويقرع بِهِ لرضا الله بَاب الْقبُول ويتضاعف لَهُ ببركته الْعَمَل المقبول ويستنشق بمشهد عقده الْكَرِيم نواسم النُّبُوَّة وَيعود لَهُ بِهِ الزَّمَان للشباب والفتوة وَيرْفَع بِهِ منار الْإِمَارَة على قَوَاعِد الشَّرْع الْوَثِيقَة ويعدل بِهِ فِي كل الْأَحْوَال عَن الْمجَاز إِلَى الْحَقِيقَة وتتسنى لَهُ بِهِ وَهِي الْمَقْصد الْأَسْنَى والخاتمة الْحسنى الأسوة الْحَسَنَة بإمامي بني الْعَبَّاس السفاح والمنصور وَيحيى سنتهما الَّتِي نقلهَا ثِقَات الْأَعْلَام والصدور فِي مبايعتهما الإِمَام الْخَلِيفَة الْمهْدي الْأَكْبَر سليل سيد الْمُرْسلين وجد مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي رأى إِمَام دَار الْهِجْرَة أَنه بتراث الْخلَافَة النَّبَوِيَّة أولى وأحق وَفِي منصب الْإِمَامَة على شَرطهَا أعرق وبسريرها ومنبرها أليق فتأكد للمنتدب أكْرمه الله بِهَذِهِ الْآثَار الشَّرِيفَة والمناقب المنيفة الْعَزْم وَالْقَصْد وأنجز لَهُ فِيمَا أَرَادَهُ صَادِق الْوَعْد وساعد نِيَّته الصَّالِحَة فِيهِ السعد فَبَايعهُ أَعلَى الله يَده على الْأَمْن وَالْأَمَانَة والعفاف والديانة وَالْعدْل الَّذِي يشيد للمجد أَرْكَانه مبايعة شايعه على عقدهَا الْكَرِيم أكْرمه الله أَتْبَاعه وجموعه وأشياعه بِحكم الْوِفَاق والاتفاق والمواثيق الشَّدِيدَة الوثاق وبجميع الْأَيْمَان الصادقة الْأَيْمَان أعْطوا بهَا صَفْقَة أَيْديهم وَرفع بهَا العقيرة مناديهم عارفين أَن يَد الله فِيهَا فَوق أَيْديهم وأمضوها على السّمع وَالطَّاعَة والانتظام فِي سلك الْجَمَاعَة إِمْضَاء يدينون بِهِ فِي السِّرّ والجهر واليسر والعسر والرخاء والشدة والأزمان المشتدة والتزموا شُرُوطهَا طَوْعًا واستوعبوها جِنْسا ونوعا بنيات مِنْهُم خَالِصَة صَادِقَة وعدة من الله لَهُم بِالْخَيرِ سَابِقَة وسعادة بِالْحُسْنَى لاحقة أبرموا عقدهَا وأحكموا وعدها وعهدها على حكم الْكتاب وَالسّنة وَالْجَمَاعَة وَالْأَخْذ بسنتها أعقابا من أعقاب وأحقابا أثر أحقاب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة واقتراب السَّاعَة لَا يلْحق عقدهَا الْكَرِيم فسخ وَلَا يعقبه بحول الله نسخ وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ نقض وَلَا نكث وَلَا يشوبه بشوائب الشُّبُهَات بحث وَأجْمع على هَذَا أسعده الله بالمواثيق المستفيضة والأيمان اللَّازِمَة الْمُغَلَّظَة هُوَ وَأَتْبَاعه إِجْمَاعًا شَرْعِيًّا وحتموه على أنفسهم حتما مقضيا واعتقده اعتقادا أبديا وعرضوا على الْتِزَامه بمشهد عقده الْمُبَارك أفرادا وأزواجا وحدانا وأفواجا وَأشْهدُوا على الْوَفَاء بِهِ بأيمانهم الصادقة البرور ومواثيقهم المثلجة للصدور قائلين بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْملك القدوس الْعَلِيم بالخفيات والخبير بالآجال والوفيات وبجميع الرُّسُل الْكِرَام والأنبياء وملائكة الرَّحْمَن فِي الأَرْض وَالسَّمَاء وعَلى أَنهم إِن حادوا عَن هَذَا السَّبِيل وانقادوا لدعاء دَاعِي التَّغْيِير والتبديل أَو انحرفوا عَن هَذَا الْمِنْهَاج وسنته فهم برَاء من حول الله وقوته وَمن دينه وعصمته ومستوجبون لعذابه وغضبه وَسخطه ونقمته وبعداء من رَحمته وَمن شَفَاعَة نبيه الْكَرِيم يَوْم الْقِيَامَة لأمته وَأَنَّهُمْ خالعون لربقة الْإِسْلَام وخارجون عَن سنة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْلنُوا بِهَذَا إعلانا تعضده النَّجْوَى وأدوه بِشُرُوطِهِ الْجَارِيَة على مَذَاهِب الْفَتْوَى وَأَحْكَامه اللَّازِمَة لكلمة التَّقْوَى استرضاء لله وللخلافة النَّبَوِيَّة والإمامة العلوية ورياضة للنفوس على بيعتها الْمُبَارَكَة الميمونة النقيبة وَاسْتِيفَاء لشروطها وأقسامها الْوَاجِبَة والمستحبة والمندوبة مستسلمين إِلَى الله بالقلوب الخاشعة ومتضرعين إِلَى بَابه الْكَرِيم بالأدعية النافعة فِي أَن يعرفهُمْ خير هَذَا العقد الْكَرِيم والعهد الصميم بَدَأَ وختاما وَأَن يمنحهم بركته الَّتِي تصحبهم حَالا ودواما لَا رب غَيره وَلَا خير إِلَّا خَيره أشهد على نَفسه بِمَا فِيهِ وعَلى رَعيته الرئيس أَبُو الْعَلَاء إِدْرِيس أسعده الله وأكرمه وبتاريخ الْمحرم الْحَرَام من عَام تسعين وَتِسْعمِائَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة انْتهى