انتقل إلى المحتوى

نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الرابع/الجزء الأول

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله رب يسر برحمتك.

إن هذا الجزء الأول من الإقليم الرابع مبدؤه من المغرب الأقصى حيث البحر المظلم ومنه يخرج خليج البحر الشامي ماراً إلى المشرق وفي هذا الجزء المرسوم بلاد الأندلس المسماة باليونانية اسبانيا وسميت جزيرة الأندلس جزيرة لأنها شكل مثلث وتضيق من ناحية المشرق حتى تكون بين البحر الشامي والبحر المظلم المحيط بجزيرة الأندلس خمسة أيام ورأسها العريض نحو من سبعة عشر يوماً وهذا الرأس هو في أقصى المغرب في نهاية إنتهاء المعمور من الأرض محصور في البحر المظلم ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم ولا وقف بشر منه على خبر صحيح لصعوبة عبوره وظلام أنواره وتعاظم موجه وكثرة أهواله وتسلط دوابه وهيجان رياحه وبه جزائر كثيرة ومنها معمورة ومغمورة وليس أحد من الربانيين يركبه عرضاً ولا ملججا وإنما يمر منه بطول الساحل لا يفارقه وأمواج هذا البحر تندفع منغلقة كالجبال لا ينكسر ماؤها وإلا فلو تكسر موجه لما قدر أحد على سلوكه.

والبحر الشامي فيما يحكى أنه كان بركة منحازة مثل ما هو عليه الآن بحر طبرستان لا يتصل ماؤه بشيء من مياه البحور وكان أهل المغرب الأقصى من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الإضرار وأهل الأندلس أيضاً يكابدونهم ويحاربونهم جهد الطاقة إلى أن كان زمان الإسكندر ووصل إلى أهل الأندلس فأعلموه بما هم عليه من التناكر مع أهل السوس فأحضر الفعلة والمهندسين وقصد مكان الزقاق وكان أرضاً جافة فأمر المهندسين بوزن الأرض ووزن سطوح ماء البحربن ففعلوا ذلك فوجدوا البحر الكبير يشف علوه على البحر الشامي بشيء يسير فرفعوا البلاد التي على الساحل من بحر الشام ونقلها من أخفض إلى أرفع ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين بلاد طنجة وبلاد الأندلس فحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض وبنى عليها رصيفاً بالحجر والجيار إلى إفراغاً وكان طول البناء اثني عشر ميلاً وهو الذي كان بين البحرين من المسافة والبعد وبنى رصيفاً آخر يقابله مما يلي أرض طنجة وكان بين الرصيفين سعة ستة أميال فقط فلما أكمل الرصيفين حفر للماء من جهة البحر الأعظم فمر ماؤه بسيله وقوته بين الرصيفين ودخل البحر الشامي ففاض ماؤه عليه وهلكت بذلك مدن كثيرة كانت على الشطين معاً وفرق أهلها وطغا الماء على الرصيفين نحو إحدى عشرة قامة، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر في جهة الموضع المسمى بالصفيحة ظهوراً بيناً طوله على خط مستقيم والربيع قد ذرعه وقد رأيناه عياناً وجريناً على أصوله بطول الزقاق مع هذا البناء وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة ووسط هذا البناء يوافق الموضع الذي فيه حجر الأيل على البحر وأما الرصيف الآخر الذي بناه الإسكندر في جهة بلاد طنجة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض وما استقر ذلك منه حتى وصل إلى الجبال من كلتا الناحيتين.

وطول هذا المجاز المسمى بالزقاق اثنا عشر ميلاً وعلى طرفه من جهة المشرق المدينة المسماة بالجزيرة الحضراء وعلى طرفه من ناحية المغرب المدينة المسماة بجزيرة طريف ويقابل جزيرة طريف في الضفة الثانية من البحر مرسى القصر المنسوب لمصمودة ويقابل الجزيرة الحضراء في تلك العدوة مدينة سبتة وعرض البحر بين سبتة والجزيرة الخضراء ثمانية عشر ميلاً وعرض البحر بين جزيرة طريف وقصر مصمودة اثنا عشر ميلاً وهذا البحر قي كل يوم وليلة يجزر مرتين ويمتلىء مرتين فعلاً دائماً ذلك تقدير العزيز الحكيم.

فأما ما على ضفة البحر الكبير من المدن الواقعة في هذا الجزء المرسوم فهي طنجة وسبتة ونكور وبادس والمزمة ومليلة وهنين وبنو وزار ووهران ومستغانم.

فأما مدينة سبتة فهي تقابل الجزيرة الخضراء وهي سبعة جبال صغار متصلة بعضها ببعض معمورة طولها من المغرب إلى المشرق نحو ميل ويتصل بها من جهة المغرب وعلى ميلين منها جبل موسى وهذا الجبل منسوب لموسى ابن النصير وهو الذي كان على يديه إفتتاح الأندلس في صدر الإسلام وتجاوره جنات وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة وقصب سكر وأترج يتجهز به إلى ما جاور سبتة من البلاد لكثرة الفواكه بها ويسمى هذا المكان الذي جمع هذا كله بليونش وبهذا الموضع مياه جارية وعيون مطردة وخصب زائد. ويلي المدينة من جهة المشرق جبل عال يسمى جبل المينة وأعلاه بسيط وعلى أعلاه سور بناه محمد بن أبي عامر عندما جاز إليها من الأندلس وأراد أن ينقل المدينة إلى أعلى هذا الجبل فمات عند فراغه من بنيان أسوارها وعجز أهل سبتة عن الإنتقال إلى هذه المدينة المسماة بالمينة فمكثوا في مدينتهم وبقيت المينة خالية وأسوارها قائمة وقد نبت حطب الشعراء فيها وفي وسط المدينة بأعلى الجبل عين ماء لطيفة لكنها لا تجف البتة وهذه الأسوار التي تحيط بمدينة المينة تظهر من عدوة الأندلس لشدة بياضها ومدينة سبتة سميت بهذا الأسم لأنها جزيرة منقطعة والبحر يحيط بها من جميع جهاتها إلا من ناحية المغرب فإن البحر يكاد يلتقي بعضه ببعض هناك ولا يبقى بينهما إلا أقل من رمية سهم واسم البحر الذي يليها شمالاً يسمى بحر الزقاق والبحر الآخر الذي يليها من جهة الجنوب يقال له بحر بسول وهو مرسى حسن يرسى به فيكن من كل ريح.

وبمدينة سبتة مصايد للحوت ولا يعدلها بلد في إصابة الحوت وجلبه ويصاد بها من السمك نحو من مائة نوع ويصاد بها السمك المسمى التن الكبير الكثير وصيدهم له يكون زرقاً بالرماح وهذه الرماح لها في أسنتها أجنحة بارزة تنشب في الحوت ولا تخرج وفي أطرافها عصيها شرائط القنب الطوال ولهم في ذلك دربة وحكمة سبقوا فيها جميع الصيادين لذلك.

ويصاد بمدينة سبتة شجر المرجان الذي لا يعدله صنف من صنوف المرجان المستخرج بجميع أقطار البحار وبمدينة سبتة سوق لتفصيله وحكه وصنعه خرزاً وثقبه وتنظيمه ومنها يتجهز به إلى سائر البلاد وأكثر ما يحمل إلى غانة وجميع بلاد السودان لأنه في تلك البلاد يستعمل كثيراً.

ومن مدينة سبتة إلى قصر مصمودة في الغرب اثنا عشر ميلاً وهو حصن كبير على ضفة البحر تنشأ به المراكب والحراريق التي يسافر منها إلى بلاد الأندلس وهي على رأس المجاز الأقرب إلى ديار الأندلس ومن قصر مصمودة إلى مدينة طنجة غرباً عشرون ميلاً.

ومدينة طنجة قديمة أزلية وأرضها منسوبة إليها وهي على جبل مطل على البحر وسكنى أهلها منه في مسند الجبل إلى ضفة البحر وهي مدينة حسنة لها أسواق وصناع وفعلة وبها إنشاء المراكب وبها إقلاع وحط وهي على أرض متصلة بالبر فيها مزارع وغلات وسكانها برابر ينسبون إلى صنهاجة.

ومن مدينة طنجة ينعطف البحر المحيط الأعظم آخذاً في جهة الجنوب إلى أرض تشمس وتشمس كانت مدينة كبيرة ذات سور من حجارة تشرف على نهر سفدد وبينها وبين البحر نحو ميل ولها قرى عامرة بأصناف من البربر وقد أفنتهم الفتنة وأبادتهم الحروب المتوالية عليهم.

ومن تشمس إلى قصر عبد الكريم وهو على مقربة من البحر وبينه وبين طنجة يومان وقصر عبد الكريم مدينة صغيرة على ضفة نهر لكس وبها أسواق على قدرها يباع بها ويشترى والأرزاق بها كثيرة والرخاء بها شامل.

ومن مدينة طنجة إلى مدينة أزيلا مرحلة خفيفة جداً وهي مدينة صغيرة وما بقي منها الآن إلا قدر يسير وفي أرضها أسواق قريبة وأزيلا هذه ويقال أصيلا علها سور وهي متعلقة على رأس الخليج المسمى بالزقاق وضرب أهلها من مياه الآبار.

وعلى مقربة منها في طريق القصر مصب نهر سفدد وهو نهر كبير عذب تدخله المراكب ومنه يشرب أهل تشمس التي تقدم ذكرها وهذا الوادي أصله من مائين يخرج أحدهما من بلد دنهاجة من جبلي البصرة والماء الثاني من بلد كتامة ثم يلتقيان فيكون منهما نهر كبير وفي هذا النهر يركب أهل البصرة في مراكبهم بأمتعتهم حتى يصلوا البحر فيسيروا فيه حيث شاؤوا. وبين تشمس والبصرة دون المرحلة على الظهر والبصرة كانت مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالحصين ولها قرى وعمارات وغلات وأكثر غلاتها القطن والقمح وسائر الحبوب بها كثيرة وهي عامرة الجهات وهواؤها معتدل وأهلها أعفاء ولهم جمال وحسن أدب.

وعلى نحو ثمانية عشر ميلاً منها مدينة باباقلام وهي من بناء عبد الله بن إدريس بين جبال وشعار متصلة والمدخل إليها من مكان واحد وبالجملة إنها خصيبة كثيرة المياه والفواكه وعلى مقربة منها مدينة قرت وهي على سفح جبل منيع لا سور عليها ولها مياه كثيرة وعمارات متصلة وأكثر زراعاتهم القمح والشعير وأصناف الحبوب وكل هذه البلاد منسوبة إلى بلاد طنجة ومحسوبة منها.

وفي جنوب البصرة على نهر سبو الآتي من ناحية فاس قرية كبيرة كالمدينة الصغيرة يقال لها ماسنة وكانت قبل هذا مدينة لها سور وأسواق وهي الآن خراب.

وعلى مقربة منها مدينة الحجر وكانت مدينة محدثة لآل إدريس وهي على جبل شامخ الذرى حصينة منيعة لا يصل أحد إليها إلا من طريق واحد والطريق صعب المجاز يسلكه الرجل بعد الرجل وهي خصيبة رفهة كثيرة الخيرات وماؤها فيها ولها بساتين وعمارات.

ومن مدينة سبتة السابق ذكرها بين جنوب وشرق إلى حصن تطاون مرحلة صغيرة وهو حصن في بسيط الأرض وبينه وبين البحر الشامي خمسة أميال وتسكنه قبيلة من البربر تسمى مجكسة.

ومنه إلى انزلان وهو مرسى فيه عمارة نحو خمسة عشر ميلاً وانزلان مرسى عامر وهو أول بلاد غمارة وبلاد غمارة جبال متصلة بعضها ببعض كثيرة الشجر والغياض وطولها نحو من ثلاثة أيام ويتصل بها من ناحية الجنوب جبال الكواكب وهي أيضاً جبال عامرة كثيرة الخصب وتمتد في البرية مسير أربعة أيام حتى تنتهي قرب مدينة فاس وكان يسكنها غمارة إلى أن طهر الله منهم الأرض، والفنى جمعهم وخرب ديارهم لكثرة ذنوبهم: وضعف إسلامهم وكثرة جرأتهم وإصرارهم على الزناء المباح والمواربة الدائمة وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق وذلك من الله جزاء الظالمين.

وبين سبتة وفاس على طريق زجان ثمانية أيام وأيضاً إلى مرسى الانزلان وعلى مقربة من انزلان حصن تيقساس على البحر وبينهما نصف يوم وهو حصن معمور في غمارة لكن أهله بينهم وبين غمارة حرب دائمة.

ومن تيقساس إلى قصر تازكا خمسة عشر ميلاً وله مرسى ومنه إلى حصن مسطاسة نصف يوم وهو لغمارة ومن مسطاسة إلى حصن كركال خمسة عشر ميلاً وهو أيضاً لغمارة.

ومن حصن كركال إلى مدينة بادس مقدار نصف يوم وبادس مدينة متحضرة فيها أسواق وصناعات قلائل وغمارة يلجؤون إليها في حوائجهم وهي آخر بلاد غمارة ويتصل بها هناك طرف الجبل وينتهي طرفه الآخر في جهة الجنوب إلى أن يكون بينه وبين مدينة تاودا أربعة أميال وكان بهذا الجبل قوم من أهل مزكلدة أهل جرأة وسفاهة وتجاسر على من جاورهم فأبادهم سيف الفتنة وأراح الله منهم.

ومن مدينة بادس إلى مرسى بوذكور عشرون ميلاً، وكانت مدينة فيما سلف لكنها خربت ولم يبق لها رسم وتسمى في كتب التواريخ نكور وبين بوذكور ومدينة بادس جبل متصل يعرف بالأجراف ليس فيه مرسى. ومن بوذكور إلى المزمة عشرون ميلاً وكانت به قرية عامرة ومرسى توسق المراكب فيه: من المزمة إلى واد بقربها ومنه إلى طرف ثغلال اثنا عشر ميلاً وهذا الطرف يدخل في البحر كثيراً ومنه إلى مرسى كرط عشرون ميلاً وبشرقي كرط واد يأتي من جهة صاع ومن كرط إلى طرف جون داخل في البحر عشرون ميلاً.

ومن كرط إلى مدينة مليلة في البحر اثنا عشر ميلاً وفي البر عشرون ميلاً ومدينة مليلة مدينة حسنة متوسطة ذات سور منيع وحال حسنة على البحر وكان لها قبل هذا عمارات متصلة وزراعات كثيرة: ولها بئر فيها عين أزلية كثيرة الماء ومنها شربهم ويحيط بها من قبائل البربر بطون بطوية.

ومن مليلة إلى مصب الوادي الذي يأتي من اقرسيف عشرون ميلاً وأمام مصب هذا النهر جزيرة صغيرة ويقابل هذا الموضع من البرية مدينة جراوة. ومن مصب وادي اقرسيف إلى مرسى تافركنيت على البحر وعليه حصن منيع صغير أربعون ميلاً.

ومن تافركنيت إلى حصن تابحريت ثمانية أميال وهو حصن حصين حسن عامر آهل وله مرسى مقصود ومن تابحريت إلى هنين على البحر أحد عشر ميلاً ومنها إلى تلمسان في البر أربعون ميلاً وفيما بينهما مدينة ندرومة وهي مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات سور وسوق موضعها في سند ولها مزارع كثيرة ولها واد يجري في شرقيها وعليه بساتين وجنات وعمارة وسقي كثير. وهنين مدينة حسنة صغيرة في نحو البحر وهي عامرة عليها سور متقن وأسواق وبيع وشراء وخارجها زراعات كثيرة وعمارات متصلة وكذلك من هنين إلى تلمسان في البر أيضاً أربعون ميلاً.

ومن هنين على الساحل إلى مرسى الوردانية ستة أميال ومنها إلى جزيرة القشقار ثمانية أميال.

ومنها إلى جزيرة أرشقرل ويروى أرجكون وكانت فيما سلف حصناً عامراً له مرسى وبادية وسعة في الماشية والأموال السائمة ومرساها في جزيرة فيها مياه ومواجل كثيرة للمراكب وهي جزيرة مسكونة ويصب بحذاثها نهر ملوية ومن مصب الوادي إلى حصن اسلان ستة أميال على البحر ومنه إلى طرف خارج في البحر عشرون ميلاً.

ويقابل الطرف في البحر جزيرة الغنم وبين جزائر الغنم واسلان اثنا عشر ميلاً ومن جزائر الغنم إلى بني وزار سبعة عشر ميلاً وبنو وزار حصن منيع حسن في جبل على البحر ومنه إلى الدفالى وهو طرف خارج في البحر اثنا عشر ميلاً.

ومن طرف الدفالى إلى طرف الحرشا اثنا عشر ميلاً ومنه إلى وهران اثنا عشر ميلاً وقد ذكرنا وهران وأحوالها فيما صدر من ذكر الإقليم الثالث والله المستعان.

ولنرجع الآن إلى ذكر الأندلس ووصف بلادها ونذكر طرقاتها وموضوع جهاتها ومقتضى حالاتها ومبادي أرديتها ومواقعها من البحر ومشهور جبالها وعجائب بقعها ونأتي من ذلك بما يجب بعون الله تعالى.

فنقول أما الأندلس في ذاتها فشكل مثلث يحيط بها البحر من جهاتها الثلاث فجنوبها يحيط به البحر الشامي وغربها يحيط به البحر المظلم وشمالها يحيط به بحر الانقليشين من الروم والأندلس طولها من كنيسة الغراب التي على البحر المظلم إلى الجبل المسمى بهيكل الزهرة ألف ميل ومائة ميل وعرضها من كنيسة شنت ياقوب التي على أنف بحر الانقليشين إلى مدينة المرية التي على بحر الشام ست مائة ميل.

وجزيرة الأندلس مقسومة من وسطها في الطول بجبل طويل يسمى الشارات وفي جنوب هذا الجبل تأتي مدينة طليطلة ومدينة طليطلة مركز لجميع بلاد الأندلس وذلك أن منها إلى مدينة قرطبة بين غرب وجنوب تسع مراحل ومنها إلى لشبونة غرباً تسع مراحل ومن طليطلة إلى شنت ياقوب على بحر الانقليشين تسع مراحل ومنها إلى جاقا شرقاً تسع مراحل ومنها إلى مدينة بلنسية بين شرق وجنوب تسع مراحل ومنها أيضاً إلى مدينة المرية على البحر الشامي تسع مراحل.

ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم مدينة الملك ومداراً لولاتها وبها وجدت مائدة سليمان ابن داؤود عليه السلام مع جملة ذخائر يطول ذكرها وما خلف الجبل المسمى بالشارات في جهة الجنوب يسمى اسبانية وما خلف الجبل قي جهة الشمال يسمى قشتالة ومدينة طليطلة في وقتنا هذا يسكنها سلطان الروم القشتاليين.

والأندلس المسماة اسبانية أقاليم عدة ورساتيق جملة وفي كل إقليم منها عدة مدن نريد أن نأتي بذكرها مدينة مدينة بحول الله تعالى ولنبدأ الآن منها بإقليم البحيرة وهو إقليم مبدؤه من البحر المظلم ويمر مع البحر الشامي وفيه من البلاد جزيرة طريف والجزيرة الخضراء وجزيرة قادس وحصن اركش وبكة وشريش وطشانة ومدينة ابن السليم وحصون كثيرة كالمدن عامرة سنأتي بها في موضعها.

ويتلوه إقليم شذونة وهو من إقليم البحيرة شمالاً وفيه من المدن مدينة إشبيلية ومدينة قرمونة وغلسانة وحصون كثيرة.

ويتلوه إقليم الشرف وهو ما بين إشبيلية ولبلة والبحر المظلم وفيه من المعاقل حصن القصر ومدينة لبلة وولبة وجزيرة شلطيش وجبل العيون.

ثم يليه إقليم الكنبانية وفيه من المدن قرطبة والزهراء واستجة وبيانة وقبرة واليشانة وبه جملة حصون كبار سنذكرها بعد هذا.

ويلي إقليم الكنبانية إقليم إشونة وفيه حصون عامرة كالمدن منها لورة وإشونة وهو إقليم صغير.

ويليه مع الجنوب إقليم رية وفيه من المدن مدينة مالقة وأرشذونة ومربلة وببثستر وحصن وبشكصار وغير هذه من الحصون.

ويتلو هذا الإقليم إقليم الشارات وفيه من المدن جيان وجملة حصون وقرى كثيرة تشف على ست مائة قرية يتخذ بها الحرير.

ثم إقليم بجانة وفيه من المدن المرية ويرجة وحصون كثيرة منها مرشانة وبرشانة وطوجالة وبالش.

ويتلوه في جهة الجنوب إقليم البيرة وفيه من المدن غرناطة ووادي آش والمنكب وحصون وقرى كثيرة ومنها إقليم فريرة وهو يتصل بإقليم البشارات وفيه مدينة بسطة وحصن طشكر الموصوف بالمنعة وفيه حصون كثيرة وسنأتي بها بعد.

ثم كورة تدمير وفيها من المدن مرسية وأوريولة وقرطاجنة ولورقة ومولة وجنجالة ويتصل بكورة كونكة وفيها أوريولة والش ولقنت وكونكة وشقورة ويليه إقليم أرغيرة وفيه من البلاد شاطبة وشقر ودانية وفيه حصون كثيرة. ويليه إقليم مرباطر وفيه من البلاد بلنسية ومرباطر وبريانة وحصون كثيرة ويليه مع الجوف إقليم القواطم وفيه من البلاد الفنت وشنت مارية المنسوبة لابن رزين ويتصل به إقليم الولجة وفيه من البلاد مرتة وفتة وقلعة رباح ويلي هذا الإقليم إقليم البلالطة وفيه حصون كثيرة منها ومن أكثرها بطروش وغافق وحصن ابن هارون وغيرها دونها في الكبر.

ويلي هذا الإقليم غرباً إقليم الفقر وفيه من البلاد شنت مارية ومارتلة وشلب وحصون كثيرة وقرى ويلي هذا الإقليم إقليم القصر وفيه القصر المنسوب لأبي دانس وفيه يابورة وبطليوس وشريشة وماردة وقنطرة السيف وقورية ويليه إقليم البلاط وفيه مدينة البلاط ومدلين ويلي هذا الإقليم إقليم بلاطة وفيه شنترين ولشبونة وشنترة.

ويليه إقليم الشارات وفيه طلبيرة وطليطلة ومجريط والفهمين ووادي الحجارة واقليش ووبذة ويليه أيضاً إقليم أرنيط وفيه من البلاد قلعة أيوب وقلعة دروقة ومدينة سرقسطة ووشقة وتطيلة ثم يليه إقليم الزيتون وفيه جاقة ولاردة ومكناسة وإلى راغة.

ويليه إقليم البرتات وفيه طرطوشة وطركونة وبرشلونة ويلي هذا الإقليم غرباً إقليم مرمرية وفيه حصون خالية ومما يلي البحر حصن طشكر وكشطالي وكتندة فهذه كلها أقاليم اسبانية المسمى جملتها الأندلس.

فأما جزيرة طريف فهي على البحر الشامي في آخر المجاز المسمى بالزقاق ويتصل غربيها ببحر الظلمة وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب ويشقها نهر صغير وبها أسواق وفنادق وحمامات وأمامها جزيرتان صغيرتان تسمى إحداها القنتير وهما على متقربة من البر ومن جزيرة طريف إلى الجزيرة الخضراء ثمانية عشر ميلاً تخرج من الجزيرة إلى وادي النساء وهو نهر جار ومنه إلى الجزيرة الخضراء.

وهي مدينة متحضرة لها سور حجارة مفرغ بالجيار ولها ثلاثة أبواب ودار صناعة داخل المدينة ويشقها نهر يسمى نهر العسل وهو حلو عذب ومنه شرب أهل المدينة ولهم على هذا النهر بساتين وجنات بكلتي ضفتيه معاً وبالجزيرة الخضراء إنشاء وإقلاع وحط وبينها وبين مدينة سبتة مجاز البحر وعرضه هنالك ثمانية عشر ميلاً وأمام المدينة جزيرة تعرف بجزيرة أم حكيم وبها أمر عجيب وهو أن فيها بئراً عميقة كثيرة الماء حلوة والجزيرة في ذاتها صغيرة مستوية السطح يكاد البحر يركبها.

والجزيرة الخضراء أول مدينة افتتحت من الأندلس في صدر الإسلام وذلك في سنة تسعين من الهجرة وافتتحها موسى بن نصير من قبل المروانيين ومعه طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي ومعه قبائل البربر فكانت هذه الجزيرة أول مدينة افتتحت في ذلك الوقت وبها على باب البحر مسجد يسمى بمسجد الرايات ويقال إن هناك اجتمعت رايات القوم للرأي وكان وصولهم إليها من جبل طارق وإنما سمي بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي لما جاز بمن معه من البربر وتحصنوا بهذا الجبل أحس في نفسه أن العرب لا تثق به فأراد أن يزيح ذلك عنه فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها فتبرأ بذلك عما اتهم به.

وبين هذا الجبل والجزيرة الخضراء ستة أميال وهو جبل منقطع عن الجبال مستدير في أسفله من ناحية البحر كهوف وفيها مياه قاطرة جارية وبمقربة منه مرسى يعرف بمرسى الشجرة ومن الجزيرة الخضراء إلى مدينة إشبيلية خمسة أيام وكذلك من الجزيرة الخضراء إلى مدينة مالقة خمس مراحل خفاف وهي مائة ميل وكذلك من الجزيرة الخضراء إلى مدينة إشبيلية طريقان طريق في الماء وطريق في البر.

فأما طريق الماء فمن الجزيرة الخضراء إلى الرمال في البحر إلى موقع نهر برباط ثمانية وعشرون ميلاً ثم إلى موقع نهر بكة ستة أميال ثم إلى الحلق المسمى شنت بيطر اثنا عشر ميلاً ثم إلى القناطر وهي تقابل جزيرة قادس اثنا عشر ميلاً وبينهما مجاز سعته ستة أميال ومن القناطر تصعد في النهر إلى رابطة روطة ثمانية أميال ثم إلى المساجد ستة أميال ثم إلى مرسى طربشانة إلى العطوف إلى قبتور إلى قبطال وقبطال وقبتور قريتان في وسط النهر ثم إلى جزيرة ينشتالة ثم إلى الحصن الزاهر إلى مدينة إشبيلية فذلك من إشبيلية إلى البحر ستون ميلاً.

وأما طريق البر فالطريق من الجزيرة إلى الرتبة ثم إلى نهر برباط إلى قرية فيسانة وبها المنزل وهي قرية كبيرة ذات سوق عامرة وخلق كثير ومنها إلى مدينة ابن السليم إلى جبل منت ثم إلى قرية عسلوكة وبها المترل ثم منها إلى المدائن إلى ذيرد الحبالة وبها المنزل ثم إلى إشبيلية مرحلة.

ومدينة إشبيلية مدينة كبيرة عامرة ذات أسوار حصينة وأسواق كثيرة وبيع وشراء وأهلها مياسير وجل تجاراتهم بالزيت يتجهز به منها إلى أقصى المشارق والمغارب براً وبحراً وهذا الزيت عندهم يجتمع من الشرف وهذا الشرف هو مسافة أربعين ميلاً وهذه الأربعون ميلاً كلها تمشي في ظل شجر الزيتون والتين أوله بإشبيلية وآخره بمدينة لبلة وكله شجر الزيتون وسعته اثنا عشر ميلاً وأكثر وفيه فيما يذكر ثمانية آلاف قرية عامرة آهلة بالحمامات والديار الحسنة وبين الشرف وإشبيلية ثلاثة أميال والشرف سمي بذلك لأنه مشرف من ناحية إشبيلية ممتد من الجنوب إلى الشمال وهو تل تراب أحمر وشجر الزيتون مغروسة به من هذا المكان إلى قنطرة لبلة وإشبيلية على النهر الكبير. وهو نهر قرطبة.

ومدينة لبلة مدينة حسنة أزلية متوسطة القدر ولها سور منيع وبشرقيها نهر يأتيها من ناحية الجبل ويجاز عليه في قنطرة إلى مدينة لبلة وبها أسواق وتجارات ومنافع جمة وشرب أهلها من عيون في مرج من ناحية غربيها وبين مدينة لبلة والبحر المحيط ستة أميال وهناك على ذراع من البحر تطل مدينة ولبة وهي مدينة صغيرة متحضرة عليها سور من حجارة وبها أسواق وصناعات وهي مطلة على جزيرة شلطيش وجزيرة شلطيش يحيط بها البحر من كل ناحية ولها من ناحية الغرب اتصال بأحد طرفيها إلى مقربة من البر وذلك يكون مقدار نصف رمية حجر ومن هنالك يجوزون لاستقاء الماء لشربهم وهي جزيرة طولها نحو من ميل وزائد والمدينة منها في جهة الجنوب وهناك ذراع من البحر يتصل به موقع نهر لبلة ويتسع حتى يكون أزيد من ميل ثم لا يزال الصعود فيه في المراكب إلى أن يضيق ذلك الذراع حتى يكون سعة النهر وحده مقدار نصف رمية حجر ويخرج النهر من أسفل جبل عليه مدينة ولبة ومن هناك تتصل الطريق إلى لبلة.

ومدينة شلطيش ليس لها سور ولا حظيرة وإنما هي بنيان يتصل بعضه ببعض ولها سوق وبها صناعة الحديد الذي يعجز عن صنعه أهل البلاد لجفائه وهي صنعة المراسي التي ترسي بها السفن والمراكب الحمالة الجافية وقد تغلب عليها المجوس مرات وأهلها إذا سمعوا بالمجوس يخطرون عليهم فروا عنها وأخلوها ومن مدينة شلطيش إلى جزيرة قادس مائة ميل ومن جزيرة قادس المتقدم ذكرها إلى جزيرة طريف ثلاثة وستون ميلاً.

ومن جزيرة شلطيش مع البحر ماراً في جهة الشمال إلى حصن قسطلة على البحر ثمانية عشر ميلاً وبينهما موقع نهر يانة وهو نهر ماردة وبطليوس وعليه حصن مارتلة المشهور بالمنعة والحصانة وحصن قسطلة على نحر البحر وهو عامر آهل وله بساتين وغلات شجر التين كثيراً ومنه إلى قرية طيرة على مقربة من البحر أربعة عشر ميلاً ومن القرية إلى مدينة شنت مارية الغرب اثنا عشر ميلاً.

ومدينة شنت مارية على معظم البحر الأعظم والسور منها يصعد ماء البحر فيه إذا كان المد وهي مدينة متوسطة القدر حسنة الرتيب لها مسجد جامع ومنبر وجماعة وبها المراكب واردة وصادرة وهي كثيرة الأعناب والتين ومن مدينة شنت مارية إلى مدينة شلب ثمانية وعشرون ميلاً.

ومدينة شلب حسنة في بسيط من الأرض وعليها سور حصين ولها غلات وجنات وشرب أهلها من واديها الجاري بجنوبها وعليه أرجاء البلد. والبحر منها غرباً على ثلاثة أميال ولها مرسى في الوادي وبها الإنشاء والعود بجبالها كثير يحمل منها إلى كل الجهات والمدينة في ذاتها حسنة الهيئة بديعة المباني مرتبة الأسواق وأهلها وسكان قراها عرب من اليمن وغيرها وهم يتكلمون بالكلام العربي الصريح ويقولون بالشعر وهم فصحاء نبلاء خاصتهم وعامتهم وأهل بوادي هذا البلاد في غاية من الكرم لا يجاريهم فيه أحد ومدينة شلب على إقليم الشنشين وهو إقليم به غلات التين الذي يحمل منها إلى أقطار الغرب كلها وهو تين طيب علك لذيذ شهي.

ومن مدينة شلب إلى بطليوس ثلاث مراحل وكذلك من شلب إلى حصن مارتلة أربعة أيام ومن مارتلة إلى حصن ولبة مرحلتان خفيفتان ومن مدينة شلب إلى حلق الزاوية عشرون ميلاً وهو مرسى وقرية ومنه إلى قرية شقرش على مقربة من البحر ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى طرف الغوب وهو طرف خارج في البحر الأعظم اثنا عشر ميلاً ومنه إلى كنيسة الغراب سبعة أميال وهذه الكنيسة من عهد الروم إلى اليوم لم تتغير عن حالها ولها أموال يتصدق بها عليها وكرامات يحملها الروم الواردون عليها وهي في قرطيل خارج في البحر وعلى رأس الكنيسة عشرة أغربة لا يعرف أحد فقدها ولا عهد زوالها وقسيسو الكنيسة يخبرون عن تلك الأغربة بغرائب يتهم المخبر بها ولا سبيل لأحد من المجتازين بها أن يخرج منها حتى يأكل من ضيافة الكنيسة ضريبة لازمة وسيرة دائمة لا ينتقلون عنها ولا يتحولون منها ورثها الخلف عن السلف وهو متعارف دائم والكنيسة في ذاتها كنيسة عامرة بالقسيسين والرهبان وبها أموال مدخرة وأحوال واسعة وأكثر هذه الأموال محبسة عليها في أقطار الغرب وبلاده وينفق منها على الكنيسة وخدامها وجمع من يلوذ بها مع ما يكرم به الأضياف الواردون على الكنيسة المذكورة قلوا أم كثروا. ومن كنيسة الغراب إلى القصر مرحلتان وكذلك من شلب إلى القصر أربع مراحل والقصر مدينة حسنة متوسطة على ضفة النهر المسمى شطوبر وهو نهر كبير تصعد فيه السفن والمراكب السفرية كثيراً وفيما استدار بها من الأرض كلها أشجار الصنوبر وبها الإنشاء الكثير وهي في ذاتها رطبة العيش خصيبة كثيرة الألبان والسمن والعسل واللحوم وبين القصر والبحر عشرون ميلاً ومن القصر إلى يبورة مرحلتان.

ويبورة مدينة كبيرة عامرة بالناس ولها سور وقصبة ومسجد جامع وبها الخصب الكثير الذي لا يوجد بغيرها من كثرة الحنطة واللحم وسائر البقول والفواكه وهي أحسن البلاد بقعة وأكثرها فائداً والتجارات إليها داخلة وخارجة ومن مدينة يبورة إلى مدينة بطليوس مرحلتان في شرق.

ومدينة بطليوس مدينة جليلة في بسيط الأرض وعليها سور منيع وكان لها ربض كبير أكبر من المدينة في شرقها فخلاً بالفتن وهي على ضفة نهر يانة وهو نهر كبير ويسمى النهر الغؤور لأنه يكون في موضع يحمل السفن ثم يغور تحت الأرض حتى لا يوجد منه قطرة فسمي الغؤور لذلك وينتهي جريه إلى حصن مارتلة ويصب في قريب من جزيرة شلطيش ومن مدينة بطليوس إلى مدينة إشبيلية ستة أيام على طريق حجر ابن أبي خالد إلى جبل العيون إلى إشبيلية ومن مدينة بطليوس إلى مدينة قرطبة على الجادة ستة مراحل ومن بطليوس إلى مدينة ماردة على نهر يانة شرقاً ثلاثون ميلاً وبينهما حصن على يمين المار إلى ماردة.

ومدينة ماردة كانت دار مملكة لماردة بنت هرسوس الملك وبها من البناء آثار ظاهرة تنطق عن ملك وقدرة وتعرب عن نخوة وعزة وتفصح عن عظة وعبرة فمن هذه البنأت في غربي المدينة قنطرة كبيرة ذات قسي عالية الذروة كثيرة العدد عريضة المجاز وقد بني على ظفر القسي أقباء تتصل من داخل المدينة إلى آخر القنطرة ولا يرى الماشي بها وفي داخل هذا الداموس قناة ماء تصل المدينة ومشي الدواب والناس على أعلى تلك الدواميس وهي متقنة البناء وثيقة التأليف حسنة الصنعة والمدينة عليها سور حجارة منجورة من أحسن صنعة وأوثق بناء ولها في قصبتها قصور خربة وفيها دار يقال لها دار الطبيخ وذلك أنها في ظهر مجلس القصر وكان الماء يأتي دار الطبيخ في ساقية هي الآن بها باقية الأثر لا ماء بها فتوضع صحاف الذهب والفضة بأنواع الطعام في تلك الساقية على الماء حتى تخرج بين يدي الملكة فترفع على الموائد ثم إذا فرغ عن أكل ما فيها وضعت في الساقية فتستدير إلى أن تصل إلى يد الطباخ بدار الطبخ فيرفعها بعد غسلها ثم يمر بقية ذلك الماء في سروب القصر ومن أغرب الغريب جلب الماء الذي كان يأتي إلى القصر على عمد مبنية تسمى الأرجالات وهي أعداد كثيرة باقية إلى الآن قائمة على قوام لم تخل بها الأزمان ولا غيرتها الدهور ومنها قصار ومنها طوال بحسب الأماكن التي وجب فيها البناء وأطولها يكون غلوة سهم وهي على خط مستقيم وكان الماء يأتي عليها في قني مصنوعة خربت وفنيت وبقيت تلك الأرجالات قائمة يخيل إلى الناظر إليها أنها من حجر واحد لحكمة إتقانها وتجويد صنعتها وفي وسط هذه المدينة أحناء قوس يدخل عليه الفارس بيده علم قائم عدد أحجاره أحد عشر حجراً فقط في كل عضادة منها ثلاثة أحجار وفي القوس أربعة حجار حنيات وواحد قفل فكانت الجملة أحد عشر حجراً وفي الجنوب من سور المدينة قصر آخر صغير وفي برج منه كان مكان مرآة كانت الملكة ماردة تنظر إلى وجهها فيه ومحيط دوره عشرون شبراً وكان يدور على حرفه وكان دورانه قائماً ومكانه إلى الآن باق ويقال إنما صنعته ماردة لتحاكى به مرآة ذي القرنين التي صنعها في منار الإسكندرية.

ومن مدينة ماردة إلى قنطرة السيف يومان وقنطرة السيف من عجائب الأرض وهو حصن منع على نفس القنطرة وأهلها متحصنون فيه ولا يقدر لهم أحد على شيء والقنطرة لا يأخذها القتال إلا من بابها فقط ومن مدينة قنطرة السيف إلى مدينة قورية مرحلتان خفيفتان وقورية الآن مدينة في ملك الروم ولها سور منيع وهي في ذاتها أزلية البناء واسعة الفناء من أحصن المعاقل وأحسن المنازل ولها بواد شريفة خصيبة وضياع طيبة عجيبة وأصناف من الفواكه كثيرة وأكثرها الكروم وشجر التين.

ومن قورية إلى قلمرية أربعة أيام ومدينة قلمرية مدينة على جبل مستدير وعليها سور حصين ولها ثلاثة أبواب وهي في نهاية من الحصانة وهي على نهر منديق وجريه بغربيها ويتصل جري هذا النهر إلى البحر وعلى مصبه هناك حصن منت ميور ولها على النهر أرحاء وعليه كروم كثيرة وجنات ولها حروث كثيرة متصلة بالغربي منها إلى ناحية البحر ولها أغنام ومواش وأهلها أهل شوكة في الروم.

ومن القصر المتقدم ذكره إلى مدينة لشبونة مرحلتان ومدينة لشبونة على شمال النهر المسمى تاجه وهو نهر طليطلة وسعته أمامها سته أميال ويدخله المد والجزر كثيراً وهي مدينة حسنة ممتدة مع النهر ولها سور وقصبة منيعة وفي وسط المدينة حمات حارة في الشتاء والصيف ولشبونة على نحر البحر المظلم وعلى ضفة النهر من جنوبه قبالة مدينة لشبونة حصن المعدن وسمي بذلك لأنه عند هيجان البحر يقذف هناك بالذهب والتبر فإذا كان زمن الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء وهو من عجائب الأرض وقد رأيناه عياناً.

ومن مدينة لشبونة كان خروج المغررين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أي إنتهاؤه كما تقدم ذكرهم ولهم بمدينة لشبونة بموضع بمقربة الحمة درب منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين إلى آخر الأبد وذلك أنهم اجتمعوا ثمانية رجال كلهم أبناء عم فأنشؤوا مركباً حمالاً وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية فجروا بها نحواً من أحد عشر يوماً فوصلوا إلى بحر غليظ الموج كدر الروائح كثير التروش قليل الضوء فأيقنوا بالتلف فردوا قلاعهم في اليد الأخرى وجروا مع البحر في ناحية الجنوب اثني عشر يوماً فخرجوا إلى جزيرة الغنم وفيها من الغنم ما لا يأخذه عد ولا تحصيل وهي سارحة لا راعي لها ولا ناظر إليها فقصدوا الجزيرة فتزلوا بها فوجدوا فيها عين ماء جارية وشجرة تين بري عليها فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها فوجدوا لحومها مرة لايقدر أحد على أكلها فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب اثني عشر يوماً إلى أن لاحت لهم جزيرة فنظروا فيها إلى عمارة وحرث فقصدوا إليها ليروا ما فيها فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر فأزلوا بها فرأوا فيها رجالاً شقراً زعراً شعور رؤوسهم سبطة وهم طوال القدود ولنسائهم جمال عجيب فاعتقلوا منها في بيت ثلاثة أيام ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي فسألهم عن حالهم وفيما جاؤوا وأين بلدهم فأخبروه بكل خبرهم فوعدهم خيراً وأعلمهم أنه ترجمان الملك فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم أحضروا بين يدي الملك فسألهم عما سألهم الترجمان عنه فأخبروا بما أخبروا به الترجمان بالأمس من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب ويقفوا على نهايته فلما علم الملك ذلك ضحك وقال للترجمان خبر القوم أن أبي أمر قوماً من عبيده. بركوب هذا البحر وأنهم جروا في عرضه شهراً إلى أن انقطع عنهم الضوء وانصرفوا من غير حاجة ولا فائدة تجدي ثم أمر الملك الترجمان أن يعد القوم خيراً وأن يحسن ظنهم بالملك ففعل ثم انصرفرا إلى موضع حبسهم إلى أن بدأ جري الريح الغربية فعمر بهم زورق وعصبت أعينهم وجرى بهم في البحر برهة من الدهر قال القوم قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها حتى جيء بنا إلي البر فأخرجنا وكتفنا إلى خلف وتركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار وطلعت الشمس ونحن في ضنك وسوء حال من شدة الكتاف حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس فصحنا بجملتنا فأقبل القوم إلينا فوجدونا بتلك الحال السيئة فحلونا من وثاقنا وسألونا فأخبرناهم خبرنا وكانوا برابر فقال لنا أحدهم أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم فقلنا لا فقال إن بينكم وبين بلدكم مسيرة شهرين فقال زعيم القوم وا أسفي فسمي المكان إلى اليوم آسفي وهو المرسى الذي في أقصى المغرب وقد ذكرناه قبل هذا.

ومن مدينة لشبونة مع النهر إلى مدينة شنترين شرقاً ثمانون ميلاً والطريق بينهما لمن شاء في النهر أو في البر وبينهما فحص بلاطة ويخبر أهل لشبونة وأكثر أهل الغرب أن الحنطة في تزرع في هذا الفحص فتقيم في الأرض أربعين يوماً فتحصد وأن الكيل الواحد منها يعطي مائة كيل وربما زاد ونقص ومدينة شنترين على جبل عال كثير العلو جداً ولها من جهة القبلة حافة عظيمة ولا سور لها وبأسافلها ربض على طول النهر وشرب أهلها من مياه عيون ومن ماء النهر أيضاً ولها بساتين كثيرة وفواكه عامة ومباقل وخير شامل ومن مدينة شنزين إلى مدينة بطليوس أربع مراحل وعلى يمين طريقها مدينة يلبش وهي في سفح جبل ولها سور منيع ورقعة فرجة وبها عمارة وأسواق وديار كثيرة ولنسائها جمال فائق ومنها إلى بطليوس اثنا عشر ميلاً ومن ماردة إلى حصن كركوى ثلات مراحل ومن كركوى إلى مدينة قلعة رباح على ضفة نهر يانة وهذا النهر يأتي من مروج فوقها فيمر بقرية يانة إلى قلعة رباح ثم يصير منها إلى حصن أرندة ومنه إلى ماردة ثم يمر ببطليوس فيصير منها إلى مقربة من شريشة ثم يصير إلى حصن مارتلة فيصب في البحر المظلم ومن قلعة رباح إلى قلعة أرلية يومان وهو حصن منيع ومنه إلى طليطلة مرحلة ومن قلعة رباح في جهة الشمال إلى حصن البلاط مرحلتان ومن حصن البلاط إلى مدينة طلبيرة يومان وكذلك من مدينة قنطرة السيف إلى المخاضة أربعة أيام ومن المخاضة إلى طلبيرة يومان وكذلك من مدينة ماردة إلى حصن مدلين مرحلتان خفيفتان وهو حصن عامر آهل وفيه خيول ورجال لهم سرايا وطرقات في بلاد الروم ومن حصن مدلين إلى ترجالة مرحلتان خفيفتان. ومدينة ترجالة كبيرة كالحصن المنيع ولها أسوار منيعة وبها أسواق عامرة وخيل ورجل يقطعون أعمارهم في الغارات على بلاد الروم والأغلب عليهم اللصوصية والخدع ومنها إلى حصن قاصرش مرحلتان خفيفتان وهو حصن منيع ومحرس رفيع فيه خيل ورجل يغاورون في بلاد الروم ومن مكناسة إلى مخاضة البلاط يومان ومن البلاط إلى طلبيرة يومان.

ومدينة طلبيرة على ضفة نهر تاجه وهي مدينة كبيرة وقلعتها أروع القلاع حصناً ومدينتها أشرف البلاد حسناً وهو بلد واسع المساحة شريف المنافع وبه أسواق جميلة الترتيب وديار حسنة التركيب ولها على نهر تاجه أرحاء كثيرة ولها عمل واسع المجال وإقليم شريف الحال ومزارعها زاكية وجهاتها حسنة مرضية أزلية العمارة قديمة الآثار وهي من مدينة طليطلة على سبعين ميلاً. ومدينة طيطلة من طلبيرة شرقاً وهي مدينة عظيمة القطر كثيرة البشر حصينة الذات لها أسوار حسنة ولها قصبة فيها حصانة ومنعة وهي أزلية من بناء العمالقة وقليلاً ما رؤي مثلها إتقاناً وشماخة بنيان وهي عالية الذرى حسنة البقعة زاهية الرقعة وهي على ضفة النهر الكبير المسمى تاجه ولها قنطرة من عجبب البنيان وهي قوس واحدة والنهر يدخل تحت تلك القوس كله بعنف وشدة جري ومع آخر القنطرة ناعورة ارتفاعها في الجو تسعون ذراعاً وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة والماء يجري على ظهرها فيدخل المدينة ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم دار مملكتهم وموضع قصدهم ووجد أهل الإسلام فيها عند إفتتاح الأندلس ذخائر تكاد تفوت الوصف كثرة فمنها أنه وجد بها مائة وسبعون تاجاً من الذهب مرصعة بالدر وأصناف الحجارة الثمينة ووجد بها ألف سيف مجوهر ملكي ووجد بها من الدر والياقوت أكيال وأوساق ووجد بها من أنواع آنية الذهب والفضة ما لا يحيط به تحصيل ووجد بها مائدة سليمان بن داؤود وكانت فيما يذكر من زمردة وهذه المائدة اليوم في مدينة رومة ولمدينة طليطلة بساتين محدقة بها وأنهار مخترقة ودواليب دائرة وجنات يانعة وفواكه عديمة المثال لا يحيط بها تكييف ولا تحصيل ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة: وقلاع منيعة وتكتنفها وعلى بعد منها في الجهة الشمالية الجبل العظيم المتصل المعروف بالشارات وهو يأخذ من ظهر مدينة سالم إلى أن يأتي قرب مدينة قلمرية في آخر المغرب وفي هذا الجبل من الغنم والبقر الشيء الكثير الذي يتجهز به الجلابون إلى سائر البلاد ولا يوجد شيء من أغنامه وأبقاره مهزولاً بل هي في نهاية من السمن ويضرب بها في ذلك المثال في جميع أقطار الأندلس وعلى مقربة من مدينة طليطلة قرية تسمى بمغام وجبالها وترابها الطين المأكول الذي ليس على قرارة الأرض مثله يتجهز به منها إلى أرض مصر وجميع بلاد الشام والعراقات وبلاد الترك وهو نهاية في لذاذة الأكل وفي نظافة غسل الشعر ولطليطلة في جبالها معادن الحديد والنحاس ولها من المنابر في سفح هذا الجبل مجريط وهي مدينة صغيرة وقلعة منيعة معمورة وكان لها في زمن الإسلام مسجد جامع وخطبة قائمة ولها أيضاً مدينة الفهمين وكانت مدينة متحضرة حسنة الأسواق والمباني وبها مسجد جامع ومنبر وهي اليوم كلها مع طليطلة في أيدي الروم وملكها من القشتاليين وينتسب إلى الأذفونش الملك.

وفي الشرق من مدينة طليطلة إلى مدينة وادي الحجارة خمسون ميلاً وهي مرحلتان ومدينة وادي الحجارة حصينة حسنة كثيرة الأرزاق والخيرات جامعة لأسباب المنافع والغلات وهي مدينة ذات أسوار حصينة ومياه معينة ويجري فيها بجهة غربيها نهر صغير لها عليه بساتين وجنات وكروم وزراعات وبها من غلات الزعفران الشيء الكثير يتجهز به منها ويحمل إلى سائر العمالات والجهات وهذا النهر يجري إلى جهة الجنوب فيقع في نهر تاجه الأكبر فيمده ونهر تاجه المذكور يخرج من ناحية الجبال المتصلة بالقلعة والفنت فينزل ماراً مع المغرب إلى مدينة طليطلة ثم إلى طلبيرة ثم إلى المخاضة ثم إلى القنطرة ثم إلى قنيطرة محمود ثم إلى مدينة شنترين ثم إلى لشبونة فيصب هناك في البحر. ومن مدينة وادي الحجارة إلى مدينة سالم شرقاً خمسون ميلاً ومدينة سالم هذه مدينة جليلة في رضاء من الأرض كبيرة التهطر والعمارات والبساتين والجنات ومنها إلى مدينة شنت مارية ابن رزين ثلاث مراحل خفاف ومنها إلى الفنت أربع مراحل وبين شنت مارية والفنت مرحلتان وشنت مارية والفنت بلدان جليلان عامران بهما أسواق قائمة وعمارات متصلة دائمة وفواكه عامة وكانا في الإسلام منازل القواطم ومن مدينة سالم إلى مدينة قلعة أيوب خمسون ميلاً شرقاً وهي مدينة رائقة البقعة حصينة شديدة المنعة بهية الأقطار كثيرة الأشجار والثمار عيونها مخترقة وينابيعها مغدودقة كثيرة الخصب رخيصة الأسعار وبها يصنع الغضار المذهب ويتجهز به إلى كل الجهات. ومن مدينة قلعة أيوب في جهة الجنوب إلى قلعة دروقة ثمانية عشر ميلاً ودروقة مدينة صغيرة متحضرة كثيرة المياه غزيرة البساتين والكروم وكل شيء بها كثير رخيص ومن دروقة إلى مدينة سرقسطة خمسون ميلاً وكذلك أيضاً من مدينة قلعة أيوب إلى مدينة سرقسطة خمسون ميلاً ومدينة سرقسطة قاعدة من قواعد مدن الأندلس كبيرة القطر آهلة ممتدة الأطناب واسعة الشوارع والرحاب حسنة الديار والمساكن متصلة الجنات والبساتين ولها سور مبني من الحجارة حصين وهي على ضفة النهر الكبير المسمى ابره وهو نهر كبير يأتي بعضه من بلاد الروم وبعضه من جهة جبال قلعة أيوب وبعضه من نواحي قلهرة فتجتمع مواد هذه الأنهار كلها فوق مدينة تطيلة ثم تنصب إلى مدينة سرقسطة إلى أن تنتهي إلى حصن جبرة إلى موقع نهر الزيتون ثم إلى طرطوشة فيجتاز بغربها إلى البحر ومدينة سرقسطة هي المدينة البيضاء وسميت بذلك لكثرة جصها وجيارها ومن خواصها أنها لا تدخلها حية البتة وإن جلبت إليها وأدخلت المدينة ماتت وهيا بلا تأخير ولمدينة سرقسطة جسر عظيم يجاز عليه إلى المدينة ولها أسوار منيعة ومبان رفيعة.

ومن مدينة سرقسطة إلى وشقة أربعون ميلاً ومن وشقة إلى لاردة سبعون ميلاً ومن سرقسطة إلى تطيلة خمسون ميلاً ومدينة لاردة مدينة صغيرة متحضرة ولها أسوار منيعة وهي على نهر كبير.

ومن مكناسة إلى طرطوشة مرحلتان وهما خمسون ميلاً. ومدينة طرطوشة مدينة حصينة على سفح جبل ولها سور حصين وبها أسواق وعمارات وصناع وفعلة وإنشاء المراكب الكبار من خشب جبالها وبجبالها يكون خشب الصنوبر الذي لا يوجد له نظير في الطول والغلظ ومنه تتخذ الصواري والقرى وهذا الخشب الصنوبر الذي بجبال هذه المدينة أحمر صافي البشرة دسم لا يتغير سريعاً ولا يفعل فيه السوس ما يفعله في غيره وهو خشب معروف منسوب ومن طرطوشة إلى موقع النهر في البحر اثنا عشر ميلاً.

ومن مدينة طرطوشة إلى طركونة خمسون ميلاً ومدينة طركونة على البحر وهي مدينة اليهود ولها سور رخام وبها أبنية حصينة وأبراج منيعة ويسكنها قوم قلائل من الروم وهي حصينة منيعة ومنها إلى برشلونة في الشرق ستون ميلاً.

ومن مدينة طركونة غرباً إلى موقع نهر ابره أربعون ميلاً وهذا الوادي ها هنا يتسع سعة كثيرة ومن موقع النهر إلى رابطة كشطالي غرباً على البحر ستة عشر ميلاً وهي رابطة حصينة منيعة على نحر البحر الشامي يمسكها قوم أخيار وبالقرب منها قرية كبيرة ويتصل بها عمارات ومزارع ومن رابطة كشطالي غرباً إلى قرية يانة قرب البحر ستة أميال ومنها إلى حصن بنشكلة ستة أميال وهو حصن منيع على ضفة البحر وهو عامر آهل وله قرى وعمارات ومياه كثيرة ومن حصن بنشكلة إلى عقبة أبيشة سبعة أميال وهو جبل معترض عال على البحر والطريق عليه ولا بد من السلوك على رأسه وهو صعب جداً ومنه إلى مدينة بريانة غرباً خمسة وعشرون ميلاً ومدينة بريانة مدينة جليلة عامرة كثيرة الخصب والأشجار والكروم وهي في مستو من الأرض وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة أميال ومن بريانة إلى مرباطر وهي قرى عامرة وأشجار ومستغلات ومياه متدفقة عشرون ميلاً وكل هذه الضياع والأشجار على مقربة من البحر ومنها إلى بلنسية اثنا عشر ميلاً غرباً.

ومدينة بلنسية قاعدة من قواعد الأندلس في مستو من الأرض عامرة القطر كثيرة التجار والعمار وبها أسواق وتجارات وحط وإقلاع وبينها وبين البحر ثلاثة أميال مع النهر وهي على نهر جار ينتفع به ويسقي المزارع وعليه بساتين وجنات وعمارات متصلة ومن مدينة بلنسية إلى سرقسطة تسع مراحل على كتندة وبين بلنسية وكتندة ثلاثة أيام ومن كتندة إلى حصن الرياحين مرحلتان وهو حصن حسن كثير الخلق عامر بذاته ومن حصن الرياحين إلى الفنت يومان ومن مدينة بلنسية إلى جزيرة شقر ثمانية عشر ميلاً وهي على نهر شقر ومدينة شقر المذكورة حسنة البقاع كثيرة الأشجار والثمار والأنهار وبها ناس وجلة وهي على قارعة الطريق الشارع إلى مرسية ومن جزيرة شقر إلى مدينة شاطبة اثنا عشر ميلاً ومدينة شاطبة مدينة حسنة ولها قصاب يضرب بها المثل في الحسن والمنعة ويعمل بها من الكاغذ ما لا يوجد له نظير بمعمور الأرض ويعم المشارق والمغارب ومن شاطبة إلى دانية خمسة وعشرون ميلاً وكذلك من شاطبة إلى بلنسية اثنان وثلاثون ميلاً وكذلك من بلنسية إلى مدينة دانية على البحر مع الجون خمسة وستون ميلاً ومن بلنسية إلى حصن قلييرة خمسة وعشرون ميلاً - ومن قلييرة إلى دانية أربعون ميلاً - وحصن قلييرة قد أحدق البحر به وهو حصن منيع على موقع نهر شقر ومنه إلى مدينة دانية أربعون ميلاً ومدينة دالية على البحر عامرة حسنة لها ربض عامر وعليها سور حصين وسورها من ناحية المشرق في داخل البحر قد بني بهندسة وحكمة ولها قصبة منيعة جداً وهي على عمارة متصلة وشجرات تين كثيرة وكروم وهي مدينة تسافر إليها السفن وبها ينشأ أكثرها لأنها دار إنشاء السفن ومنها يخرج الأسطول للغزو ومنها تخرج السفن إلى أقصى المشرق وفي الجنوب منها جبل عظيم مستدير يظهر من أعلاه جبال يابسة في البحر ويسمى هذا الجبل جبل قاعون ومن مدينة شاطبة إلى بكيران غرباً أربعون ميلاً وحصن بكيران حصن منيع عامر كالمدينة وله سوق مشهودة وحوله عمارات متصلة وتصنع به ثياب بيض تباع بالأثمان الغالية ويعمر الثوب منها سنين كثيرة وهي من أبدع الثياب عتاقة ورقة حتى لا يفرق بينها وبين الكاغذ في الرقة والبياض ومن بكيران إلى دانية أربعون ميلاً وعن صن بميران إلى مدينة الش أربعون ميلاً.

وهي مدينة في مستو من الأرض ويشقها خليج يأتى إليها من نهرها يدخل المدينة من تحت السور فيتصرفون فيه ويجري في حمامها ويشق أسواقها وطرقاتها وهو نهر ملح سبخي وشرب أهل هذه المدينة من الخوابي يجلب إليها من خارجها ومياهها المشروبة من مياه السماء ومن مدينة الش إلى مدينة أوريولة ثمانية وعشرون ميلاً ومدينة أوريولة على ضفة النهر الأبيض والنهر الأبيض هو نهرها ونهر مرسية وسورها من الناحية الغربية على جرية النهر ولها قنطرة تدخل إليها على مراكب ولها قصبة في نهاية من الإمتناع على قنة جبل ولها بساتين وجنات ورياضات دانية وبها من الفواكه ما لا تحصيل له وفيها رخاء شامل وبها أسواق وضياع وبين أوريولة والبحر عشرون ميلاً وبين أوريولة ومدينة مرسية اثنا عشر ميلاً ومن مدينة أوريولة إلى قرطاجنة خمسة وأربعون ميلاً ومن مدينة دانية المتقدم ذكرها على الساحل إلى مدينة لقنت غرباً على البحر سبعون ميلاً.

ولقنت مدينة صغيرة عامرة وبها سوق ومسجد جامع ومنبر ويتجهز منها بالحلفاء إلى جميع بلاد البحر وبها فواكه وبقل كثير وأعناب ولها قصبة منيعة عالية جدا في أعالي جبل يصعد إليه بمشقة وتعب وهي أيضاً مع صغرها تنشأ بها المراكب السفرية والحراريق وبالقرب من هذه المدينة وبالغرب منها جزيرة تسمى أبلناصة وهي على ميل من البر وهى مرسى حسن وهي مكمن لمراكب العدو وهي تقابل طرف الناظور ومن طرف الناظور إلى مدينة لقنت عشرة أميال ومن مدينة لقنت في البر إلى مدينة الش مرحلة خفيفة ومن مدينة لقنت إلى حلوق بالش سبعة وخمسون ميلاً وبالش مراسي أفواه أودية تدخلها المراكب ومن بالش إلى جزيرة الفيران ميل وبين هذه الجزيرة والبر ميل ونصف ومنها إلى طرف القبطال اثنا عشر ميلاً ومنه إلى برتمان الكبير وهو مرسى ثلاثون ميلاً ومنه إلى مدينة قرطاجنة اثنا عشر ميلاً ومدينة قرطاجنة هي فرضة مدينة مرسية وهي مدينة قديمة أزلية لها ميناء ترسى بها المراكب الكبار والصغار وهي كثيرة الخصب والرخاء المتتابع ولها إقليم يسمى الفندون وقليلاً ما يوجد مثاله في طيب الأرض وجودة نمو الزرع فيه ويحكى أن الزرع فيه يثمر بسقي مطرة واحدة وإليه المنتهى في الجودة.

ومن مدينة قرطاجنة مع الساحل إلى شجانة أربعة وعشرون ميلاً وهو مرسى حسن وعليه بقربه قرية ومنه إلى حصن آقلة اثنا عشر ميلاً وهو حصن صغير على البحر وهو فرضة لورقة وبينهما في البر خمسة وعشرون ميلاً ومن حصن آقلة إلى وادي بيرة في قعر الجرن اثنان وأربعون ميلاً وعلى مصب النهر جبل كبير وعليه حصن بيرة مطل على البحر ومن الوادي إلى جزيرة قربنيرة اثنا عشر ميلاً، ثم إلى الرصيف ستة أميال ثم إلى الشامة البيضاء ثمانية أميال ثم إلى طرف قابطة ابن أسود ستة أميال ومن طرف القابطة إلى المرية اثنا عشر ميلاً ومن مدينة قرطاجنة إلى مرسية في البر أربعون ميلاً ومدينة مرسية قاعدة أرض تدمير وهي في مستو من الأرض على النهر الأبيض ولها ربض عامر آهل وعليها وعلى ربضها أسوار حصينة وحظائر متقنة والماء يشق ربضها وهي على ضفة النهر المعروف ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب ولها أرحاء طاحنة في المراكب مثل طواحن سرقسطة التي هي تركب في مراكب تنتقل من موضع إلى موضع وبها من البساتين والأشجار والعمارات ما لا يؤخذ بتحصيل ولها كروم وبها شجر التين كثير ولها حصون وقلاع وقواعد وأقاليم معدومة المثال ومن مرسية إلى مدينة بلنسية خمس مراحل ومن مرسية إلى المرية على الساحل خمس مراحل ومن مرسية إلى قرطبة عشر مراحل ومن مرسية إلى حصن شقورة أربع مراحل ومن مرسية إلى جنجالة خمسون ميلاً.

ومدينة جنجالة مدينة متوسطة القدر حصينة القلعة منيعة الرقعة ولها بساتين وأشجار وعليها حصن حسن ويعمل بها من وطاء الصوف ما ليس يمكن صنعه في غيرها باتفاق الهواء والماء ولنسائها جمال وحصافة ومن جنجالة إلى قونكة يومان وهي مدينة أزلية صغيرة على منقع ماء مصنوع قصداً ولها سور وليس لها ربض ويصنع بها من الأوطية المتخذة من الصوف كل غريبة ومن قونكة إلى قلصة ثلاث مراحل شرقاً وقلصة حصن منيع تتصل به أجبل كثيرة بها شجر الصنوبر الكثير ويقطع بها الخشب ويلقى في الماء ويحمل إلى دانية وإلى بلنسية في البحر وذلك أنها تسير في النهر من قلصة إلى جزيرة شقر ومن جزيرة شقر إلى حصن قلييرة وتفرغ هناك على البحر فتملأ منها المراكب وتحمل إلى دانية فتنشأ منها السفن الكبار والمراكب الصغار ويحمل إلى بلنسية منه ما كان عريضاً فيصرف في الأبنية والديار ومن قلصة إلى شنت مارية ثلاث مراحل وكذلك من قلصة إلى الفنت أيضاً مثل ذلك ومن قونكة إلى وبذى ثلاث مراحل ووبذى واقليش مدينتان متوسطان ولهما أقاليم ومزارع عامرة وبين وبذى واقليش ثمانية عشر ميلاً.

ومن اقليش إلى شقورة ثلاث مراحل وحصن شقورة كالمدينة عامر بأهله وهو في رأس جبل عظيم متصل منيع الجهة حسن البنية ويخرج من أسافله نهران أحدهما نهر قرطبة المسمى بالنهر الكبير والثاني هو النهر الأبيض الذي يمر بمرسية وذلك أن النهر الذي يمر بقرطبة يخرج من هذا الجبل من مجتمع مياه كالغدير ظاهر في نفس الجبل ثم يغوص تحت الجبل ويخرج من مكان في أسفل الجبل فيتصل جريه غرباً إلى جبل نجدة إلى غادرة إلى قرب مدينة أبدة إلى أسفل مدينة بياسة إلى حصن أندوجر إلى القصير إلى قنطرة اشتشان إلى قرطبة إلى حصن المدور إلى حصن الجرف إلى حصن لورة إلى حصن القليعة إلى حصن قطنيانة إلى الزرادة إلى إشبيلية إلى قبطال إلى قبتور إلى طربشانة إلى المساجد إلى قادس ثم إلى بحر الظلمات وأما النهر الأبيض الذي هو نهر مرسية فإنه يخرج من أصل الجبل ويحكى أن أصلهما واحد أعني نهر قرطبة ونهر مرسية ثم يمر نهر مرسية في عين الجنوب إلى حصن أفرد ثم إلى حصن مولة ثم إلى مدينة مرسية ثم إلى أوريولة إلى المدور إلى البحر ومن شقورة إلى مدينة سرتة مرحلتان كبيرتان وهي مدينة متوسطة القدر حسنة البقعة كثيرة الخصب وبمقربة منها حصن فتة ومن حصن فتة إلى طيطلة مرحلتان.

ومن أراد من مرسية إلى المرية سار من مرسية إلى قنطرة اشكابة إلى حصن لبرالة إلى حصن الحمة إلى مدينة لورقة وهي مدينة غراء حصينة على ظهر جبل ولها أسواق وربض في أسفل المدينة وعلى الربض سور وفي الربض السوق والرهادرة وسوق العطر وبها معادن تربة صفراء ومعادن مغرة تحمل إلى كثير من الأقطار ومن حصن لورقة إلى مرسية أربعون ميلاً، ثم من لورقة إلى آبار الرتبة إلى حصن بيرة مرحلة وهذا الحصن حصن منيع على حافة مطلة على البحر ومن هذا الحصن إلى عقبة شقر وهي عقبة صعبة المرقى لا يقدر أحد على جوازها راكباً وإنما يأخذها الركبان رجالة ومن العقبة إلى الرابطة مرحلة وليس هناك حصن ولا قرية وإنما بها قصر فيه قوم حراس للطريق ومن هذه الرابطة إلى المرية مرحلة خفيفة.

ومدينة المرية كانت في أيام الملثم مدينة الإسلام وكان بها من كل الصناعات كل غريبة وذلك أنه كان بها من طرز الحرير ثماني مائة طراز يعمل بها الحلل والديباج والسقلاطون والأصبهاني والجرجاني والستور المكللة والثياب المعينة والخمر والعتابي والمعاجر وصنوف أنواع الحرير وكانت المرية قبل الآن يصنع بها من صنوف آلات النحاس والحديد إلى سائر الصناعات ما لا يحد ولا يكيف وكان بها من فواكه واديها الشيء الكثير الرخيص وهذا الوادي المنسوب إلى بجانة بينه وبين المرية أربعة أميال وحوله جنات وبساتين وأرحاء وجميع نعمها وفواكهها تجلب إلى المرية وكانت المرية إليها تقصد مراكب الطريق من الإسكندرية والشام كله ولم يكن بالأندلس كلها أيسر من أهلها مالاً ولا أتجر منهم في جميع أنواع التجارات تصريفاً وإدخاراً والمرية في ذاتها جبلان وبينهما خندق معمور وعلى الجبل الواحد قصبتها المشهورة بالحصانة والجبل الثائي منها فيه ربضها ويسمى جبل لاهم والسور يحيط بالمدينة وبالربض ولها أبواب عدة ولها من الجانب الغربي ربض كبير عامر يسمى ربض الحوض وهو ربض له سور عامر بالأسواق والديار والفنادق والحمامات والمدينة في ذاتها مدينة كبيرة كثيرة التجارات والمسافرون إليها كثيرون وكان أهلها مياسير ولم يكن في بلاد أهل الأندلس أحضر من أهلها نقداً ولا أوسع منهم أحوالاً وعدد فنادقها التي أخذها عد الديوان في التعنيب ألف فندق إلا ثلاثين فندقاً وكان بها من الطرز أعداد كثيرة قدمنا ذكرها وموضع المرية من كل جهة استدارت به صخور مكدسة وآحجار صلبة مضرسة لا تراب بها كإنما غربلت أرضها من التراب وقصد موضعها بالحجر والمرية في هذا الوقت الذي ألفنا كتابنا هذا فيه صارت ملكاً بأيدي الروم وقد غيروا محاسنها وسبوا أهلها وخربوا ديارها وهدموا مشيد بنيانها ولم يبقوا على شيء منها.

وللمرية منابر منها مدينة برجة ودلاية وبين المرية وبرجة مرحلة كبيرة وبين برجة ودلاية نحو من ثمانية أميال وبرجة أكبر من دلاية وبها أسواق وصناعات وحروث ومزارع ومن المرية لمن أراد مالقة طريقان طريق في البر وهو تحليق وهو سبعة أيام والطريق الآخر في البحر وهو مائة وثمانون ميلاً وذلك أنك تخرج من المرية إلى قرية البجانس على البحر ستة أميال ومن قرية البجانس يمر الطريق في البر إلى برجة ودلاية ومن قرية البجانس إلى آخر الجون وعليه برج مبني بالحجارة مصنوع لوقيد النار فيه عند ظهور العدو في البحر ستة أميال ومن هذا الطرف إلى مرسى النبيرة اثنان وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية عذرة على البحر اثنا عئر ميلاً وقرية عذرة مدينة صغيرة لا سور لها وبها الحمام والفندق وبها بشر كثير وبغربيها ينزل نهر كبير منبعه من جبل شلير ويجتمع بمياه برجة وغيرها فيصب عند عذرة في البحر ومن عذرة إلى قرية بليسانة عشرون ميلاً وهي قرية آهلة على شاطىء البحر ومنها إلى مرسى الفروح اثنا عشر ميلاً وهو مرسى كالحوض صغير ومنه إلى قرية بطرنة ستة أميال وبها معدن التوتيا التي فاقت جميع معادن التوتيا طيباً ومنها إلى قرية شلوبنية اثنا عشر ميلاً ومن شلوبنية إلى مدينة المكب في البحر ثمانية أميال.

والمنكب مدينة حسنة متوسطة كثيرة مصايد السمك وبها فواكه جمة وفي وسطها بناء مربع قائم كالصنم أسفله واسع وأعلاه ضيق وبه حفيران من جانبيه متصلان من أسفله إلى أعلاه وبإزائه من الناحية الواحدة في الأرض حوض كبير يأتي إليه الماء من نحو ميل على ظهر قناطر كثيرة معقودة من الحجر الصلد فيصب ماؤها في ذلك الحوض ويذكر أهل المعرفة من أهل المنكب أن ذلك الماء كان يصعد إلى أعلى المنار وينزل من الناحية الأخرى فيجري هناك إلى رحى صغيرة كانت وبقي موضعه الآن على جبل مطل على البحر ولا يدرى المراد من ذلك ما كان ومن مدينة المنكب في البر إلى اغرناطة أربعون ميلاً ومن المنكب على البحر إلى قرية شاط اثنا عشر ميلاً وبقرية شاط زبيب حسن الصفة كبير المقدار أحمر اللون يصحب طعمه مزازة ويتجهز به إلى كل البلاد الأندلسية وهو منسوب إلي هذه القرية ومن قرية شاط إلى قرية طرش على ضفة البحر اثنا عشر ميلاً ومنها إلى قصبة مرية بلش اثنا عشر ميلاً وهو حصن على ضفة البحر صغير المقدار ويصب بمقربة منه في جهة المغرب نهر الملاحة وهو نهر يأتي من ناحية الشمال فيمر بالحمة ويتصل بأحواز حصن صالحة فيقع فيه هناك جميع مياه صالحة وتتزل إلى قرية الفشاط وتصب هناك في غربي حصن مرية بلش في البحر ومن مرية بلش إلى قرية الصيرة ولها طرف يدخل في البحر سبعة أميال ومن طرف قرية الصيرة إلى قرية بزليانة سبعة أميال وهي قرية كالمدينة في مستو من الأرض وأرضها رمل وبها الحمام والفنادق وشباك يصاد بها الحوت الكثير ويحمل منها إلى تلك الجهات المجاورة لها.

ومن بزليانة إلى مدينة مالقة ثمانية أميال ومدينة مالقة مدينة حسنة عامرة آهلة كثيرة الديار متسعة الأقطار بهية كاملة سنية أسواقها عامرة ومتاجرها داثرة ونعمها كثيرة ولها فيما استدار بها من جميع جهاتها شجر التين المنسوب إلى رية وتينها يحمل إلى بلاد مصر والشام والعراق وربما وصل إلى الهند وهو من أحسن التين طيباً وعذوبةً ولمدينة مالقة ربضان كبيران ربض فنتنالة وهو ربض التبانين وشرب أهلها من مياه الآبار وماؤها قريب الغور كثير عذب ولها واد يجرى في أيام الشتاء والربيع وليس بدائم الجري وسنذكرها بعد هذا بحول الله.

ولزجع الآن إلى ذكر مدينة المرية فنقول إن الطريق من مدينة المرية إلى اغرناطة البيرة فمن أراد ذلك خرج من المرية إلى مدينة بجانة ستة أميال ومدينة بجانة كانت المدينة المشهورة قبل المرية فانتقل أهلها إلى المرية فعمرت وخربت بجانة فلم يبق منها الآن إلا آثار بيانها ومسجد جامعها قائم بذاته وحول بجانة جنات وبساتين ومتنزهات وكروم وأموال كثيرة لأهل المرية وعلى يمين بجانة وعلى ستة أميال منها حصن الحمة والحمة في رأس جبل ويذكر المتجولون في أقطار الأرض أن ما مثل هذه الحمة في المعمور من الأرض ولا أتقن منها بناء ولا أسخن منها ماء والمرضى والمعلون يقصدون إليها من كل الجهات فيلزمون المقام بها إلى أن تستقل عللهم ويشفوا من أمراضهم وكان أهل المرية في أيام الربيع يرحلون إليها مع نسائهم وأولادهم باحتفال في المطاعم والمشارب والتوسع في الإنفاق وربما بلغ المسكن بها في الثهر ثلاثة دنانير مرابطة وأكثر وأقل وجبال هذه الحمة كلها جص يحتفر ويحرق وتنقل جملته إلى مدينة المرية وبه جميع عقد بنيانهم وتجصيصهم وهو بها وعندهم كثير رخيص لكثرته.

ومن مدينة بجانة إلى قرية بنى عبدوس سته أميال ومنها إلى حصن مندوجر ستة أميال وبه المنزل لمن خرج من المرية وهي مرحلة خفيفة وحصن مندوجر على جبل تراب أحمر والجبل على ضفة نهر والمنزل في القرية منها ويباع بها للمسافرين الخبز والسمك وجميع الفواكه كل شيء منها في إبانه ثم إلى حمة غششر ثم إلى الحمة المنسوبة إلى وشتن ومنها إلى حصن مرشانة وهو على مجتمع النهرين وهو من أمنع الحصون مكاناً وأوثقها بنياناً وأكثرها عمارة ومنها إلى قرية بلذوذ ثم إلى حصن القصير وهو حصن منيع جداً على فم مضيق في الوادي وليس لأحد جواز إلا بأسفل هذا الحصن ومنه إلى خندق فبير ثم إلى الرتبة ثم إلى قرية عبلة وبها المنزل ومن قرية عبلة إلى حصن فنيانة ثم إلى قرية صنصل ثم إلى أول فحص عبلة وطول هذا الفحص اثنا عشر ميلاً وليس به عرج ولا أمت وعن شمال المار جبل شلير الثلج في حضيض هذا الجبل حصون كثيرة منها حصن فريرة ينسب إلى الجوز وذلك أن بها من الجوز شيئاً ينفرك من غير رض ولا يعدله في طعمه جوز غيرها من البلاد ومن حصون هذا الجبل حصن ذلر وبه من الكمثرى كل عجيبة وذلك أن الكمثرى به يكون منها في وزن الحبة الواحدة رطل أندلسي وأما الأعم منها فكثراتان في رطل واحد ولها مذاق عجيب.

ومن آخر فحص عبلة إلى خندق آش ثم إلى مدينة وادي آش وهي مدينة متوسطة المقدار لها أسوار محدقة ومكاسب مؤنقة ومياه متدفقة ولها نهر صغير دائم الجري ومنها إلى قرية دشمة وبها المنزل ومنها إلى الرتبة ثم إلى قرية أفرافريدة ثم إلى قرية ود وهي قرى متصلة ومنها إلى مدينة اغرناطة ثمانية أميال ومدينة وادي آش رصيف يجتمع به طرق كثيرة فمن أراد منها مدينة بسطة خرج من وادي آش إلى جبل عاصم ثم إلى قرية يورا إلى مدينة بسطة وبينهما ثلاثون ميلاً ومدينة بسطة مدينة متوسطة المقدار حسنة الموضع عامرة آهلة لها أسوار حصينة وسوق نظيفة وديار حسنة البناء رائقة المغنى وبها تجارات وفعلة لضروب من الصناعات وعلى مقربة منها حصن طشكر الذي فاق جميع حصون الأندلس منعة وعلواً ورفعة وطيب تربة وهواء وليس لأحد موضع يصعد منه إلى هذا الحصن إلا موضعان وبين الموضع والموضع اثنا عشر ميلاً على طرق مثل شراك النعل ومدارج النمل وبأعلاه الزرع والحصاد والمياه وإليه الإنتهاء في الخصب وجودة الحصانة.

وكذلك من وادي آش إلى مدينة جيان مرحلتان كبيرتان ومن مدينة بسطة إلى جيان ثلاث مراحل خفاف ومدينة جيان مدينة حسنة كثيرة الخصب رخيصة الأسعار كثيرة اللحوم والعسل ولها زائد على ثلاثة آلاف قرية كلها يربى بها دود الحرير وهي مدينة كثيرة العيون الجارية تحت سورها ولها قصبة من أمنع القصاب وأحصنها يرتقى إليها على طريق مثل مدرج النمل ويتصل بها جبل كور وبمدينة جيان بساتين وجنات ومزارع وغلات القمح والشعير والباقلاء وساثر الحبوب وعلى ميل منها نهر بلون وهو نهر كبير وعليه أرحاء كثيرة جداً وبها مسجد جامع وجلة وعلماء.

ومن مدينة جيان إلى مدينة بياسة عشرون ميلاً وبياسة تظهر من جيان وجيان تظهر من بياسة وبياسة على كدية تراب مطلة على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة وهي مدينة ذات أسوار وأسواق ومتاجر وحولها زراعات ومستغلات الزعفران بها كثيرة ومنها إلى مدينة أبدة في جهة الشرق سبعة أميال وهي مدينة صغيرة وعلى مقربة من النهر الكبير ولها مزارع وغلات قمح وشعير كثيرة جداً وفيما بين مدينة جيان وبسطة ووادي آش حصون كثيرة عامرة ممدنة آهلة لها خصب وغلل نافعة كثيرة فمن ذلك أن بشرقي جيان وقبالة بياسة حصناً عظيماً يسمى شوذر وإليه ينسب الخلاط الشوذري ومنه في الشرق إلى حصن طوية اثنا عشر ميلاً ومنه إلى حصن قيشاطة وهو حصن كالمدينة له أسواق وربض عامر وحمام وفنادق وعليه جبل يقطع به من الخشب الذي تخرط منه القصاع والمخابيء والأطباق وغير ذلك ما يعم بلاد الأندلس وأكثر بلاد المغرب أيضاً وهذا الجبل يتصل ببسطة وبين جيان وهذا الحصن مرحلتان ومنه إلى وادي آش مرحلتان ومنه إلى اغرناطة مرحلتان ومن وادي آش المتقدم ذكرها إلى اغرناطة أربعون ميلاً.

ومدينة اغرناطة محدثة من أيام الثوار بالأندلس وإنما كانت المدينة المقصودة البيرة فخلت وانتقل أهلها منها إلى اغرناطة ومدنها وحصن أسوارها وبنى قصبتها حبوس الصنهاجي ثم خلفه ابنه باديس بن حبوس فكملت في أيامه وعمرت إلى الآن وهي مدينة يشقها نهر يسمى حدروا وعلى جنوبها نهر الثلج المسمى شنيل ومبدؤه من جبل شلير وهو جبل الثلج وذلك أن هذا الجبل طوله يومان وعلوه في غاية الإرتفاع والثلج به دائماً في الشتاء والصيف ووادي آش واغرناطة في شمال الجبل ووجه الجبل الجنوبي مطل على البحر يرى من البحر على مجرى ونحوه وفي أسفله من ناحية البحر برجة ودلاية وقد ذكرناهما فيما سبق ومن اغرناطة إلى مدينة المنكب على البحر أربعون ميلاً ومن اغرناطة إلى مدينة لوشة مع جرية النهر خمسة وعشرون ميلاً ومن المنكب إلى مدينة المرية مائة ميل في البحر ومن المنكب إلى مدينة مالقة ثمانون ميلاً.

ومدينة مالقة مدينة حسنة حصينة ويعلوها جبل يسمى جبل فاره ولها قصبة منيعة وربضان لا أسوار لهما وبهما فنادق وحمامات وبها من شجر التين ما ليس بأرض وهو التين المنسوب إلى رية ومالقة قاعدة رية ومن مالقة إلى قرطبة في جهة الشمال أربعة أيام ومن مالقة أيضاً إلى اغرناطة ثمانون ميلاً ومن مالقة إلى الجزيرة الخضراء مائة ميل ومن مالقة إلى إشبيلية خمس مراحل ومن مالقة إلى مربلة في طريق الجزيرة أربعون ميلاً ومربلة مدينة صغيره متحضرة ولها عمارات وأشجار تين كثيرة وفي الشمال منها قلعة ببشتر وهي قلعة في نهاية الامتناع والتحصين والصعود إليها على طريق صعب وأما ما بين مالقة وقرطبة من الحصون العامرة التي هي حواضر في تلك النواحي فمنها مدينة أرشذونة وانتقيرة وبينهما وبين مالقة خمسة وثلاثون ميلاً وكانت أرشذونة هذه وانتقيرة مدينتين أخلتهما فتن الثوار بالأندلس بعد دولة ابن أبي عامر القائم بدولة بني أمية ومن أرشذونة إلى حصن أشر عشرون ميلاً وهو حصن حسن حصين كثير العمارة آهل وله سوق مشهودة. ومنه إلى مدينة باغه ثمانية عشر ميلاً وباغه مدينة صغيرة القدر لكنها في غاية الحسن لكثرة مياهها والماء يشق بلدها وعليه الأرحاء داخل المدينة ولها من الكروم والأشجار ما لا مزيد عليه وهي في نهاية الخصب والرخاء ويليها في جهة المشرق الحصن المسمى بالقبذاق وبينهما مرحلة خفيفة ومن القبذاق إلى جيان مرحلة خفيفة وحصن القبذاق كبير عامر وهو في سفح جبل ينظر إلى جهة الغرب وبه سوق مشهودة ومنه إلى حصن بيانة مرحلة صغيرة وبيانة حصن كبير في أعلى كدية تراب قد حفت بها أشجار الزيتون الكثيرة ولها مزارع الحنطة والشعير ومن حصن بيانة إلى قبرة مرحلة خفيفة وحصن قبرة كبير كالمدينة حصين المكان وثيق البنيان وهو على متصل أرض وطيئة وعمارات ومزارع ومنه إلى مدينة قرطبة أربعون ميلاً.

ويتصل به بين جنوب وغرب مدينة اليسانة وهي مدينة اليهود ولها ربض يسكنه المسلمون وبعض اليهود وبه المسجد الجامع وليس على الربض سور والمدينة مدينة متحصنة بسور حصين ويطوف بها من كل ناحية حفير عميق القعر والسروب وفائض مياهها قد ملأ ذلك الحفير واليهود يسكنون بجوف المدينة ولا يداخلهم فها مسلم البتة وأهلها أغنياء مياسير أكثر غنى من اليهود الذين ببلاد المسلمين ولليهود بها حذر وتحصن ممن قصدهم ومن اليسانة إلى مدينة قرطبة أربعون ميلاً ويلي هذه الحصون حصن بلاي وحصن منترك وهي حصون يسكنها البربر من أيام الأمويين ومن حصن بلاي إلى مدينة قرطبة عشرون ميلاً وبالقرب من بلاي حصن شنت ياله وهو حصن على مدرة والماء بعيد ومنه إلى استجة في الغرب خمسة عشر ميلاً ومن حصن شنت ياله إلى قرطبة ثلاثة وعشرون ميلاً ومدينة استجة على نهر اغرناطة المسمى شنيل وهي مدينة حسنة ولها قنطرة عجيبة البناء من الصخر المنجور وبها أسواق عامرة ومتاجر قائمة ولها بساتين وجنات ملتفة وحدائق زاهية ومن استجة إلى قرطبة خمسة وثلاثون ميلاً.

ومن أستجة في جهة الجنوب إلى حصن أشونة نصف يوم وحصن أشونة حصن ممدن كثير الساكن ومنه إلى بلشانة عشرون ميلاً ومدينة بلشانة حصن كبير عامر له حصانة ووثاقة وهو حصن يحيط به شجر الزيتون ومن استجة إلى مدينة قرمونة خمسة وأربعون ميلاً وهي مدينة كبيرة يضاهي سورها سور إشبيلية وكانت فيما سلف بأيدي البرابر ولم يزل أهلها أبداً أهل نفاق وهي حصينة وعلى رأس جبل حصين منيع وهي على فحص ممتد جيد الزراعات كثير الإصابة في الحنطة والشعير ومنه في الغرب إلى إشبيلية ثمانية عشر ميلاً وقد ذكرنا إشبيلية فيما سبق ومن مدينة قرمونة إلى شريش من كورة شذونة ثلاث مراحل وكذلك من مدينة إشبيلية إلى شريش مرحلتان كبيرتان جداً ومدينة شريش مدينة متوسطة حصينة مسورة الجنبات حسنة الجهات وقد أطافت بها الكروم الكثيرة وشجر الزيتون والتين والحنطة بها ممكنة وأسعارها موافقة ومن شريش إلى جزيرة قادس اثنا عشر ميلاً فمن شريش إلى القناطر ستة أميال ومن القناطر إلى جزيرة قادس ستة أميال.

ومن إشبيلية المتقدم ذكرها إلى قرطبة ثلاث مراحل ولها ثلاث طرق طريق الزنبجار وطريق لورة وطريق الوادي فأما طريق الزنبجار فقد ذكرناها وهي من إشبيلية إلى مدينة قرمونة مرحلة ومن قرمونة إلى مدينة استجة مرحلة ومن استجة إلى قرطبة مرحلة وأما طريق لورة فمن إشبيلية إلى منزل إبان ثم إلى مرلش ثم إلى حصن القليعة وبه المنزل وعند مسيرك من مرلش إلى القليعة تبصر حصن قطنيانة على الشمال والمنزل القليعة وهو على ضفة النهر الكبير يجاز إليها في المركب ومن حصن القليعة إلى الغيران إلى حصن لورة وهو يبعد عن الطريق نحو رمية سهم وعلى يمين المار حصن كبير عامر على ضفة النهر الكبير ومن لورة إلى قرية صدف ويقابلها على يسار السالك على جبل عال حصن منيع وقلعة متحصنة تسمى شنت فيلة وهي معقل للبربر من قديم الزمان ومن صدف إلى قلعة ملبال وهي على نهر ملبال وهو نهر مدينة فرنجولش ومن هذه القنطرة إلى مدينة فرنجولش اثنا عشر ميلاً ومن القنطرة إلى قرية شوشبيل وهي قرية كبيرة على نهر قرطبة المسمى بالنهر الكبير ومنها إلى حصن مراد وبه المنزل ومن حصن مراد إلى الخنادق إلى حصن المدور ثم إلى السواني ثم إلى قرطبة وهي المنزل وبين إشبيلية وقرطبة ثمانون ميلاً على الطريق ومن حصن المدور الذي ذكرناه إلى فرنجولش اثنا عشر ميلاً وهي مدينة حصينة منيعة كثيرة الكروم والأشجار ولها على مقربة منها معادن الفضة في موضع يعرف بالمرج ومنها إلى حصن قسطنطينة الحديد ستة عشر ميلاً وهذا الحصن حصن جليل عامر آهل وبجباله معادن الحديد الطيب المتفق على طيبه وكثرته ومنه يتجهز به إلى جميع أقطار الأندلس وبقرب منه حصن فريش وبه مقطع للرخام الرفيع الجليل الخطير المنسوب إليه والرخام الفريشي أجل الرخام بياضاً وأحسنه ديباجاً وأشده صلابة ومن هذا الحصن إلى جبل العيون ثلاث مراحل خفاف ومن شاء المسير إلى قرطبة أيضاً من إشبيلية ركب المراكب وسار صاعداً في النهر إلى أرحاء الزرادة إلى عطف منزل إبان إلى قطنيانة إلى القليعة إلى لورة إلى حصن الجرف إلى شوشبيل إلى موقع نهر ملبال إلى حصن المدور إلى وادي الرمان إلى أرحاء ناصح إلى قرطبة.

ومدينة قرطبة قاعدة بلاد الأندلس وأم مدنها ودار الخلافة الإسلامية وفضائل أهل قرطبة. أشهر من أن تذكر ومناقبها أظهر من أن تستر وإليهم الإنتهاء في السناء والبهاء بل هم أعلام البلاد وأعيان العباد ذكروا بصحة المذهب وطيب المكسب وحسن الزي في الملابس والمراكب وعلو الهمة قي المجالس والمراتب وجميل التخصيص في المطاعم والمشارب مع جميل الخلائق وحميد الطرائق ولم تخل قرطبة قط من أعلام العلماء وسادات الفضلاء وتجارها مياسير لهم أموال كثيرة وأحوال واسعة ولهم مراكب سنية وهمم علية وهي في ذاتها مدن خمسة يتلو بعضها بعضاً بين المدينة والمدينة سور حاجز وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق والحمامات وسائر الصناعات وطولها من غربيها إلى شرقيها ثلاثة أميال وكذلك عرضها من باب القنطرة إلى باب اليهود بشمالها ميل واحد وهي في سفل جبل مطل عليها يسمى جبل العروس ومدينتها الوسطى هي التي فيها باب القنطرة وفيها المسجد الجامع الذي ليس بمساجد المسلمين مثله بنية وتنميقاً وطولاً وعرضاً.

وطول هذا الجامع مائة باع مرسلة وعرضه ثمانون باعاً ونصفه مسقف ونصفه صحن للهواء وعدد قسي مسقفه تسع عشرة قوساً وفيه من السواري أعني سواري مسقفه بين أعمدته وسواري قبلته صغاراً وكباراً مع سواري القبة الكبيرة وما فيها ألف سارية وفيه مائة وثلاث عشرة ثريا للوقيد أكبر واحدة منها تحمل ألف مصباح وأقلها تحمل اثني عشر مصباحاً وسقفه كله سماوات خشب مسمرة في جوائز سقفه وجميع خشب هذا المسجد الجامع من عيدان الصنوبر الطرطوشي ارتفاع خد الجائزة منه شبر وإفر في عرض شبر إلا ثلاثة أصابع في طول كل جائزة منها سبعة وثلاثون شبراً وبين الجائزة والجائزة غلظ جائزة والسماوات التي ذكرناها هي كلها مسطحة فيها ضروب الصنع المنشأة من الضروب المسدسة والموربي وهي صنع الفص وصنع الدوائر والمداهن لا يشبه بعضها بعضاً بل كل سماء منها مكتف بما فيه من صنائع قد أحكم ترتيبها وأبدع تلوينها بألوان الحمرة الزنجفرية والبياض الاسفيذاجي والزرقة اللازوردية والزرقون الباروقي والخضرة الزنجارية والتكحيل النقسي تروق العيون وتستميل النفوس بإتقان ترسيمها ومختلفات ألوانها وتقسيمها وسعة كل بلاط من بلاطات مسقفه ثلاثة وثلاثون شبراً وبين العمود والعمود خمسة عشر شبراً ولكل عمود منها رأس رخام وقاعدة رخام وقد عقد بين العمود والعمود على أعلى الرأس قسي غريبة فوقها قسي آخر على عمد من الحجر المنجور متقنة وقد جصص الكل منها بالجص والجيار وزينت عليها بحور مستديرة ناتية بينها ضروب صناعات الفص بالمغرة وتحت كل سماء منها إزار خشب فيه مكتوب آيات القرآن.

ولهذا المسجد الجامع قبلة تعجز الواصفين أوصافها وفيها إتقان يبهر العقول تنميقها وكل ذلك من الفصفص المذهب والملون مما بعث به صاحب القسطنطينة العظمى إلى عبد الرحمن المعروف بالناصر لدين الله الأموي وعلى هذا الوجه أعني وجه المحراب سبع قسي قائمة على عمد وطول كل قوس منها أشف من قامة وكل هذه القسي مزججة صنعة القرط قد أعيت الروم والمسلمين بغريب أعمالها ودقيق تكوينها ووضعها وعلى أعلى الكل كتابان مسجونان بين بحرين من الفص المذهب في أرض الزجاج اللازوردي وكذلك تحت هذه القسي التي ذكرناها كتابان مثل الأولين مسجونان بالفص المذهب في أرض اللازورد من الفص الملون وعلى وجه المحراب أنواع كثيرة من التزيين والنقش وفي عضادتي المحراب أربعة أعمدة اثنان أخضران واثنان زرزوريان لا تقوم بمال وعلى رأس المحراب خصة رخام قطعة واحدة مشوكة محفورة منمقة بأبدع التنميق من الذهب واللازورد وسائر الألوان وعلى المحراب مما استدار به حظيرة خشب بها من أنواع النقش كل غريبة.

ومع يمين المحراب المنبر الذي ليس بمعمور الأرض مثله صنعة خشبه أبنوس وبقس وعود المجمر ويحكى في كتب تواريخ بني أمية أنه صنع في نجارته ونقشه سبعة سنين وكان عدد صناعه ستة رجال غير من يخدمهم تصرفاً ولكل صانع منهم في اليوم نصف مثقال محمدي وعن شمال المحراب بيت فيه عدد وطسوت ذهب وفضة وحسك وكلها لوقيد الشمع في كل ليلة سبعة وعشرين من رمضان المعظم ومع ذلك ففي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله فيه أربعة أوراق من مصحف عثمان بن عفان وهو المصحف الذي خطه بيمينه وفيه نقط من دمه وهذا المصحف يخرج في صبيحة كل يوم ويتولى إخراجه رجلان من قومة المسجد وأمامهم رجل ثالث بشمعة وللمصحف غشاء بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش وأدقه وأعجبه وله بموضع المصلى كرسي يوضع عليه ويتولى الإمام قراءة نصف حزب منه ثم يرد إلى موضعه.

وعن يمين المحراب والمنبر باب يفضى منه إلى القصر بين حائطي الجامع في ساباط متصل وفي هذا الساباط ثمانية أبواب منها أربعة تنغلق من جهة القصر وأربعة تنغلق من جهة الجامع ولهذا الجامع عشرون باباً مصفحة بصفائح النحاس وكواكب النحاس وفي كل باب منها حلقتان في نهاية من الإتقان وعلى وجه كل باب منها في الحائط ضروب من الفصفص المتخذ من الأجر، الأحمر المحكوك أنواع شتى وأجناس مختلفة من الصناعات والترييش وصدورر البزاة وفيما استدار بالجامع في أعلاه لتمدد الضوء ودخوله إلى المسقف متكآت رخام طول كل متكأ منها قدر قامة في سعة أربعة أشبار في غلظ أربعة أصابع وكلها مسدسة ومثمنة محزمة منفوذة لا يشبه بعضها بعضاً.

وللجامع في الجهة الشمالية الصومعة الغريبة الصنعة الجليلة الأعمال الرائقة الأشكال التي ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بالذراع الرشاشي منها ثمانون ذراعاً إلى الموضع الذي يقف عليه المؤذن بقدميه ومن هناك إلى أعلاها عشرون ذراعاً ويصعد إلى أعلى هذه المنارة بدرجين أحدهما من الجانب الغربي والثاني من الجانب الشرقي إذا افترق الصاعدان أسفل الصومعة لم يجتمعا إلا إذا وصلا الأعلى منها ووجه هذه الصومعة كله مبطن بالكذان اللكي منقوش من وجه الأرض إلى أعلى الصومعة صنع مقسمة تحتوي على أنواع من الصنع والتزويق والكتابة والملون وبالأوجه الأربعة الدائرة من الصومعة صفان من قسي دائرة على عمد الرخام الحسن والذي في الصومعة من العمد بين داخلها وخارجها ثلاث مائة عمود بين صغير وكبير وفي أعلى الصومعة بيت له أربعة أبواب مغلقة يبيت فيه كل ليلة مؤذنان وللصومعة ستة عشر مؤذناً يؤذنون فيها بالدولة لكل يوم مؤذنان على توال وفي أعلى الصومعة على القبة التي على البيت ثلاث تفاحات ذهب واثنتان من فضة وأوراق سوسنية تسع الكبيرة من هذه التفاحات ستون رطلاً زيتاً ويخدم الجامع كله ستون رجلاً وعليهم قائم ينظر في أمورهم وهذا الجامع متى سها إمامه لا يسجد لسهوه قبل السلام بل يسجد بعد السلام.

ومدينة قرطبة في حين تأليفنا لهذا الكتاب طحنتها رحى الفتنة وغيرها حلول المصائب والأحداث مع اتصال الشدائد على أهلها فلم يبق بها منهم الآن إلا الخلق اليسير ولا بلد أكبر أسمى منها في بلاد الأندلس.

ولقرطبة القنطرة التي علت القناطر فخراً في بنائها وإتقانها وعدد قسيها سبع عشرة قوساً بين القوس والقوس خمسون شبراً وسعة القوس مثل ذلك خمسون شبراً وسعة ظهرها المعبور عليه ثلاثون شبراً ولها ستائر من كل جهة تستر القامة وارتفاع القنطرة من موضع المشي إلى وجه الماء في أيام جفوف الماء وقلته ثلاثون ذراعاً وإذا كان السيل بلغ الماء منها إلى نحو حلوقها وتحت القنطرة يعترض الوادي رصيف سد مصنوع من الأحجار القبطية والعمد الخاشنة من الرخام وعلى هذا السد ثلاث بيوت أرحاء في كل بيت منها أربع مطاحن ومحاسن هذه المدينة وشماختها أكثر من أن يحاط بها خبراً. ومن مدينة قرطبة إلى مدينة الزهراء خمسة أميال وهي قائمة الذات بأسوارها ورسوم قصورها وفيها قوم سكان بأهليهم وذراريهم وهم قليلون وهي في ذاتها مدينة عظيمة مدرجة البنية مدينة فوق مدينة سطح الثلث الأعلى يوازي علي الجزء الأوسط وسطح الثلث الأوسط يوازي علي الثلث الأسفل وكل ثلث منها له سور فكان الجزء الأعلى منها قصوراً يقصر الوصف عن صفاتها والجزء الأوسط بساتين وروضات والجزء الثالث فيه الديار والجامع وهي الآن خراب في حال الذهاب.

ومن مدينة قرطبة إلى المرية ثمانية أيام ومن قرطبة إلى إشبيلية ثمانون ميلاً ومن قرطبة إلى مالقة مائة ميل ومن قرطبة إلى طليطلة تسع مراحل فمن أرادها سار من قرطبة في جهة الشمال إلى عقبة أرلش أحد عشر ميلاً ومنها إلى دار البقر ستة أميال ثم إلى بطروش أربعون ميلاً وحصن بطروش حصن كثير العمارة شامخ الحصانة لأهله جلادة وحزم على مكافحة أعدائهم ويحيط بجبالهم وسهولهم شجر البلوط الذي فاق طعمه طعم كل بلوط على وجه الأرض وذلك أن أهل هذا الحصن لهم اهتمام بحفظه وخدمته لأنه لهم غلة وغياث في سني الشدة والمجاعة.

ومن حصن بطروش إلى حصن غافق سبعة أميال وحصن غافق حصن حصين ومعقل جليل وفي أهله نجدة وعزم وجلادة وحزم وكثيراً ما تسرى إليهم سرايا الروم فيكتفون بهم في إخراجهم عن أرضهم وإنتقاذ غنائمهم ت منهم والروم يعلمون بأسهم وبسالتهم فينافرون أرضهم ويتحامون عنهم ومن قلعة غافق إلى جبل عافور مرحلة ثم إلى دار البقر مرحلة ثم إلى قلعة رباح وهي مدينة حسنة وقد سبق ذكرها وكذلك الطريق من قرطبة إلى بطليوس.

من قرطبة إلى دار البقر التي تقدم ذكرها مرحلة ومنها إلى حصن بيندر مرحلة ثم إلى زواغة مرحلة وزواغة حصن عليه سور تراب وهو على كدية تراب ومنه إلى نهر اثنة مرحلة ومنه إلى حصن الحنش مرحلة وحصن الحنش منيع شامخ الذروة مطل العلوة شاهق البنية حامي الأفنية ومنه إلى مدينة ماردة مرحلة لطيفة ثم إلى بطليوس مرحلة خفيفة فذلك من قرطبة إلى بطليوس سبع مراحل.

وبشمال مدينة قرطبة إلى حصن أبال مرحلة وهو الحصن الذي به معدن الزيبق ومنه يتجهز بالزيبق والزنجفر إلى جميع أقطار الأرض وذلك أن هذا المعدن يخدمه أزيد من ألف رجل فقوم للنزول فيه وقطع الحجر وقوم لنقل الحطب لحرق المعدن وقوم لعمل أواني سبك الزيبق وتصعيده وقوم لشان الأفران والحرق قال المؤلف وقد رأيت هذا المعدن فأخبرت أن من وجه الأرض إلى أسفله أكثر من مائتي قامة وخمسين ومن قرطبة إلى اغرناطة أربع مراحل وهي مائة ميل وبين اغرناطة وجيان خمسون ميلاً وهي مرحلتان. وأما بحر الشام الذي عليه جنوب بلاد الأندلس فمبدؤه من المغرب وآخره حيث أنطاكية ومسافة ما بينهما إجراء في البحر ستة وثلاثون مجرى فأما عروضه فمختلفة وذلك أن مدينة مالقة يقابلها من الضفة الأخرى المزمة وبادس وبينهما عرض البحر مجرى يوم بالريح الطيبة المعتدلة وكذلك المرية يوازيها في الضفة الأخرى هنين وعرض البحر بينهما مجريان وكذلك أيضاً مدينة دانية يقابلها من العدوة الأخرى مدينة تنس وبينهما ثلاث مجار وكذلك مدينة برشلونة تقابلها من عدوة الغرب الأوسط بجاية وبينهما أربعة مجار في عرض البحر والمجرى مائة. وأما جزيرة يابسة فإنها جزيرة حسنة كثيرة الكروم والأعناب وبها مدينة حسنة صغيرة متحضرة وأقرب الأندلس إليها مدينة دانية وبينهما مجرى وفي شرقي جزيرة يابسة جزيرة ميورقة وبينهما مجرى وبها مدينة كبيرة لها مالك وحارس ذو رجال وعدد وأسلحة وأموال وبالشرق منها أيضاً جزيرة منورقة تقابل مدينة برشلونة وبينهما مجرى ومن منورقة إلى جزيرة سردانية أربعة مجار فذلك ما أردنا ذكره والحمد لله. نجز الجزء الأول من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله.