انتقل إلى المحتوى

نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الخامس/الجزء السابع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


إن الذي تضمنه هذا الجزء السابع من الإقليم الخامس هو معظم البحر الطبرستاني المسمى ببحر الخزر وما حوله من أقطار الخزر والغزية ونريد أن نتكلم عليه بما قل ووجب ليكمل تمامنا على ما بدأنا به بحول الله تعالى.

فنقول إن بحر طبرسان بحر منقطع غير متصل بشيء من البحار طوله من المغرب إلى المشرق مع تحريف يسير إلى الشمال ثمان مائة ميل وعرضه ست مائة ميل وفيه أربع جزائر وحكى الحوقلي في كتابه أن هذا البحر أيضاً منفصل غير متصل بشيء من البحار التي على وجه الأرض على سبيل المادة والأختلاط الممد للبحور إلا ما يدخل إليه من نهر الروس المعروف باثل فإن هذا النهر يخرج من أرض الترك ويمر جاريا من جهة المشرق إلى إن يصل بلغار فينقسم قسمين فيمر القسم الأول إلى بحر الباب والأبواب التي قد ذكرناه فيما تقدم ويمر القسم الثاني منه مغربا حتى يصل بحر بنطس الخارج من أرض القسطنطينة المتصل بالبحر المحيط من جهة الزقاق حتى لو أن رجلا طاف بهذا البحر حتى يرجع إلى مكانه الذي ابتدأ منه لا يمنعه مانع ولايقطعه قاطع إلا ما وصفناه من نهر اثل أو غيره من الأنهار الواقعة فيه وهو بحر ملح لا مد له ولا جزر وهو مظلم القعر بخلاف بحر القلزم وغيره لأن تراب قعره طين حمئي وحكى صاحب كتاب العجائب أن هذا البحر متصل ببحر بنطس من تحت الأرض وبينهما نحو من ست مائة ميل بر متصل ولا يرتفع من هذا البحر شيء سوى السموك ويركب فيه التجار بأمتعتهم من أرض المسلمين إلى أرض الخزر وهو فيما بين الران والجبل وطبرستان وجرجان وقد يسافر فيه أهل اثل إلى جرجان وغيرها من البلاد الساحلية ثم يرجعون إلى اثل ويركبون في مراكب خفاف في نهر اثل ويصعدون فيه إلى أن يتصلوا بالبلغارية ثم ينحدرون في الشعبة المنصبة حتى يصلوا بحر بنطس.

وفي هذا البحر أربع جزائر غير معمورة لكن منها جزيرتان فيهما مياه وأشجار لكنهما غير مسكونتين فالواحدة منهما تسمى سياه كوه وتقابل آبسكون وهي غير مسكونة وهي الكبيرة وبها عيون وأشجار وغياض ودواب ووحش وتليها جزيرة حذو الكر وهي جزيرة كبيرة فيها غياض وأشجار ومياه ترتفع منها الفوة ويخرج إليها من نواحي مدينة برذعة منتجعة الفوة وطالبوها وتحمل إلها الدواب من نواحي هذه البلاد القريبة إليها فتسرح فيها للسمن وليس فيما يليها أو يقرب منها جزيرة ومع الشمال من هذه الجزيرة جزيرة سهيلان وهي جزيرة كبيرة رملية لا نبات بها ولا خصب ويأوي إليها طير كثير أسود على لون الغراب إلا أنه أصفى من الغراب ولا يوجد هذا الصنف من الطير إلا في هذه الجزيرة فقط.

وليس من الضفة الشرقية من هذا البحر مدينة ولا قرية إلا دهستان وهي من آبسكون على مائة ميل وخمسين ميلاً وهي مدينة كالقرية فيها قوم قلة وفي مائهم غور وهي في دخلة من البحر تستر فيها السفن في هيجان البحر ويقصد إليها قوم كثير فيقيمون بها للصيد وبها سمك كثير جداً ذو ألوان وصفات مختلفة طيبة الطعم حسنة.

وبالشرقي من هذا البحر بلدان صغيران كالقرى على الساحل يسمى أحدهما جوثوه والآخر تيتيرى وهما على نحر البحر ويكنفهما من ظهورهما في ناحية المشرق الجبل الكبير المتصل بالبحر وهو جبل صعب المسالك فلا يتوصل إلى هذين البلدين إلا بعد جهد ومشقة وأهلهما يصيدون السمك ويدخرونه ومنه يأكلون وجبلهم المتصل بهم تنبت به الحلفاء الكثيرة فهم يجمعونها ويسافرون بها إلى نواحي جرجان وغيرها من البلاد فيبيعونها هناك ومنها يتقوتون و يكتسبون.

وأما جزيرة سياه كوه فإنها في هذا الوقت معمورة بقوم من الأتراك وقع بينهم وبين قومهم شنآن فانقطعوا عنهم واتخذوها داراً ومأوى وفيها مراع ومياه كثيرة كما قدمناه.

ومن آبسكون عن شمالها إلى الخزر عمارة متصلة إلا شيء يسير في ناحية باب الأبواب والخزر وذلك أنك إذا سرت من آبسكون على حدود جرجان وطبرستان والديلم والجبل تدخل في حدود الران إذا جزت موقان إلى ناحية باب الأبواب على مسيرة يوم وبعض من بلاد شروان شاه ومن باب الأبواب إلى مدينة سمندر أربعة أيام عمارة وكذلك من مدينة سمندر إلى مدينة اثل سبعة أيام.

واثل مدينة الخزر وقصبتها وهما مدينتان عامرتان من ضفتي النهر المسمى بها والملك يسكن المدينة التي في الضفة الغربية من النهر والتجار والسوقة وعامة الناس يسكنون المدينة التي في الضفة الشرقية وطول مدينتي اثل نحو ثلاثه أميال ويحيط بهما سور منيع وأكثر أبنيتها خركاهات لبود وهي قباب يتخذها الأتراك من ذلك وجلتهم يبنون بالتراب والطين وقصر ملكها مبني بالآجر ولا يتعدى أحد هناك على أن يبني بالآجر خوفاً من الملك والخزر نصارى ومسلمون وفيهم عبادة أوثان ولا يعير أحد على أحد شيئاً من أمر دينه وزراعات اثل على ما جاور النهر من الأرضين فإذا زرعوا وحان أوان حصاده خرجوا إليه بأجمعهم كان قريباً أو بعيداً فحصدوه ثم ينقلونه بالعجل إلى ضفة النهر ثم يحتملونه بالمراكب في النهر وأكثر طعامهم الأرز والسمك. ونهر اثل جانبه الشرقي من ناحية بسجرت فيجري ما بين البجناكية وبلغارية وهو الحد بينهما وجريته غرباً حتى يصل ظهر بلغار فيعود راجعاً إلى ما يلي المشرق حتى يجوز على الروس ثم على بلغار ثم على برطاس ثم على الخزر حتى يقع في بحر الخزر ويقال إنه يتشعب منه نيف وسبعون نهراً ويبقى عمود النهر يجري إلى بحر الخزر ويقال إن هذه المياه المفترقة إذ هي مجتمعة في أعلى النهر تزيد على مياه جيحون ونهر بلخ كبرا وغزر مياه وسعة على وجه الأرض ويصل من هذا النهر شعبة تمر فب جهة الغرب حتى تصب في بحر بنطس وقد قدمنا ذكرها.

وأما مدينة سمندر فإنها كانت فيما سلف مدينة كبيرة عامرة وهي من بناء أنوشروان وكان من الأشجار والكروم ما لا يحصى عددها فأتت قبيلة الروس عليها فأهلكتها فغيرت حالاتها.

ومن مدينة سمندر إلى آخر عمالتها ثلاثون ميلاً ومن آخر حدودها إلى أول حدود أعمال صاحب السرير أحد وخمسون ميلاً وصاحب السرير وأهل مدينته نصارى وسميت المدينة بالسرير لأن ملكاً من ملوك الفرس اتخذ بها لنفسه سرير ذهب يقصر الوصف عنه صنع في سنين فهلك وتغلبت الروم على ملكه فأبقوا السرير على حاله وملوكهم يسمون به.

والذي من آبسكون إلى بحر الخزر نحو تسعة مائة ميل وهو طول البحر ومن آبسكون إلى دهستان ست مراحل ومن اثل إلى سمندر ثمانية أيام ومن سمندر إلى باب الأبواب أربعة أيام ومن اثل إلى أول حدود برطاس عشرون يوماً ويقطع هذا البحر إذا طابت الريح عرضاً من طبرستان إلى باب الأبواب في سبعة أيام ويقطع طوله بالريح الطيية في تسعة أيام ورياح هذا البحر طواريس طويلة إذا بدأت الريح دامت نحو الثلاثين ثم تتحول إلى ريح غيرها فتدوم أيضاً نحو ذلك وهذا كله تدبير الحكيم العليم.

نجز الجزء السابع من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه ان شاء الله.