نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الثاني/الجزء السادس
إن هذا الجزء السادس من الإقليم الثاني تحصل فيه من البلاد المعمورة والكور المشهورة ما نذكره الآن مجملاً ثم نفسره بعد ذلك باستقصاء من القول على حسب ما سبق لنا في ذلك بعون الله ففي هذا الجزء من قواعد البلاد المعلومة جرش وبيشة وتبالة وعكاظ ونجران وعلو يحصب وظفار ومأرب والشحر وسفل يحصب وشبام وحضرموت وصور وقلهات ومسقط وصحار والعفر وسعال ومنح وسرعمان وبثرون وحجر وحضرمة والقريتين ووجرة ورامة ومعدن النقرة وسلمية وبرقة واضح وهجر وبيرمان والجيل وجلفار.
وفي البحر الفارسي مما تضمنته حصته جزيرة ابرون وجزيرة خير وجزيرة كيش وجزيرة ابن كاوان والدردور وجبلا كسير وعوير وفيه من بلاد كرمان السبرين وجبال مسكن وهذه البلاد كلها قواعد وبلاد يعمرها طوائف وأمم نذكرهم الآن بحول الله.
فنقول إن مدينة جرش ومدينة خيوان ومدينة نجران كلها بلاد تتقارب في المقدار والعمارة وبها تدبغ الجلود اليمانية التي لا يبلغها شيء في الجودة كما سبق ذكره ولها مزارع وضياع ومكاسب وتجارات يتقلبون فيها ويتعيشون منها وبين جرش وخيوان أربع مراحل وبين خيوان ونجران ست مراحل وكذلك من جرش إلى نجران مثل ذلك.
وأما تبالة فإنها من مخاليف مكة وبينهما أربع مراحل ومدينة تبالة صغيرة بها عيون متدفقة ومزارع ونخل وهي في أسفل أكمة تراب ولها وليها الحجاج بن يوسف من قبل عبد الملك بن مروان (و) صار إليها وبلغ إليها لم يرها فسأل عنها فقيل له إنها في أسفل هذه الأكمة التي بين يديك فقال إن بلدة تسترها أكمة لخليق أن يقال فيها أهون بها ثم انصرف عنها فصار ذلك مثلاً فيقال أهون من تبالة على الحجاج.
ومن تبالة إلى بيشة خمسون ميلاً وكذلك من بيشة إلى جرش أربع مراحل ومن تبالة إلى سوق عكاظ ثلاث مراحل وسوق عكاظ قرية كالمدينة جامعة لها مزارع ونخل ومياه كثيرة ولها سوق يوماً في الجمعة وذلك يوم الأحد يقصد إليها في ذلك اليوم بأنواع من التجارات المحوج إليها أهل تلك الناحية فإذا أمسى المساء انصرف كل أحد إلى موضعه ومكانه ومن سوق عكاظ إلى مدينة نجران خمس مراحل.
وظفار هي قصبة يحصب وكانت ظفار فيما سلف من البلاد الكبار المشهورة وكان بها قصر ريدان المشهور وبه كانت تنزل ملوك اليمن وهي الآن خراب أكثرها قد تهدم بناؤها وقل ساكنها لكن بها في هذا الوقت بقايا من أهلها ساكنون بها ولهم فضول أموال وبضائع ولهم مزارع قليلة ونخل فيه كفاية لأهله.
ومن مدينة يحصب التي اسمها ظفار إلى ذمار ستة وثلاثون ميلاً وكذلك من ذمار إلى صنعاء أربعون ميلاً ومن علو يحصب إلى حصن الثجة ستة وثلاثون ميلاً ومن الثجة إلى الجند سبعة وعشرون ميلاً والجند حصن عامر وبه قوم من خولان وبه آبار ماء وهو على تل كبير ومن الجند إلى صنعاء مائة وأربعون ميلاً ومن ظفار إلى حصن علق أربعة عشر ميلاً وهو حصن يحصب وبه جلة من العرب القديمة وبه مياه جارية وقليل نخيلات ومنه إلى حصن سفل يحصب ستة عشر ميلاً وبه نخل ومياه جارية من عيون عذبة.
ومن ظفار إلى قرية مأرب ثلاث مراحل وهذه القرية كانت في القدم مدينة كبيرة عامرة بالخلق مشهورة في بلاد العرب وبها قصر سليمان بن داود ويسمى هذا القصر صرواح ولم يبق منه الآن إلا طلل دارس وأثر غابر وبمأرب قصر القشيب وهو قصر بلقيس زوج سليمان وبها كان السد المسمى بالعرم وهذا السد ذكره مشهور وخبره معلوم في جميع الأمم وذلك أن هذه المدينة المسماة مأرب كان أكثر أهلها سبأ من قبائل العرب الحميرية وكان لهم من التيه والعجب والكبر على سائر الأمم ما قد شاع ذكره وكانوا مع ذلك يكفرون بأنعم الله سبحانه وكان لهم بهذه المدينة في مجرى الماء سد عظيم البناء وثيق الصنعة قد أمنوا من خلله وكان الماء يرتدع فيه نحو من عشرين قامة وكان الماء محصوراً من جوانبه قد أتقنوه وأوثقوا صناعته وكانت مساكنهم عليه وكان لكل قبيلة شرب معلوم ينصب إليهم فيسقون منه ويصرفونه في مزارعهم بقسمة عدل وكان السد يعلو هذه المدينة كالجبل المنيف فلما أراد الله انقطاع دولهم وتشتت جماعتهم وانصرام أيامهم أرسل عليهم السيل الكبير فجاءهم وهم نائمون فرفع السد ومر بالمدينة وما جاورها من القرى والأمم والبهائم والبناءات وقتل الكل بالكل وفرقهم شذر شذر وتفرقت العرب وتبلبلت الألسن وصاروا في المشارق والمغارب وبقي من المدينة آثار تراجع إليها قوم من حضرموت فعمروها إلى الآن.
ومن مأرب إلى مدينة شبام من بلاد حضرموت أربع مراحل ومدينتا حضرموت إحداهما تريم والثانية شبام فأما تريم فقد تقدم ذكرها وأما شبام فهو حصن منيع جامع بأهله في قنة جبل شبام وهو جبل منيع جداً لا يرتقى إلى أعلاه إلا بعد جهد وفي أعلاه قرى كثيرة عامرة ومزارع ومياه جارية وغلات ونخل وخصب زائد ويوجد في هذا الجبل أحجار العقيق وأحجار الجمست وأحجار الجزع وهي في ذاتها عند وجودها أحجار مغشاة بأغشية ترابية لا يعرفها إلا طلابها بعلاماتها المشهورة لها فتعمل هذه الأحجار فإذا عملت وصقلت ظهر حسنها وصفاء جوهرها ويحكي طلابها ومستخرجوها أنهم يجدون هذه الأحجار في أودية محصاة وحصاها ملون بأنواع من الألوان الحسنة فيلقطون هذه الأحجار من بينها ويأتون بها إلى صناعها فيحكمونها ويتجهز بها التجار من هذه البلاد.
وتتصل بأرض حضرموت من جهه شرقيها أرض الشحر وبها قبائل مهرة وهم عرب صرح والإبل المنتجة عند هؤلاء العرب لا يعدل بها شيء في سرعة جريها ومن غريب ما ينسب إليها أنها تفهم الكلام وتعلم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه ولها أسماء إذا دعيت بها جاءت وأجابت من غير تأخير ولا توان في ذلك وقصبة أرض مهرة تسمى الشحر ولسان أهل مهرة مستعجم جداً لا يكاد يفهم وهو اللسان الحميري القديم وأكثر هذه الأرض قفر لا يعمرها إلا رواحل مهرة وجل مكاسبهم الإبل والمعز وجملة دوابهم التي في بلادهم تعتلف السمك المعروف بالوزق يصاد في ذلك البحر من بلاد عان وهو حوت صغير جداً يصاد ويشمس وتعلف به الدواب والإبل وأهل مهرة لا يعرفون الحنطة ولا خبزها وإنما أكلهم السموك والتمور وشربهم الألبان وقليل الماء قد اعتادوه وألفوه فلا يعولون على غيره من الأغذية ومتى دخل أحدهم البلاد المجاورة لهم وأكل شيئاً من الحنطة وجد لذلك ألماً وربما مرض لذلك ويقال إن طول بلاد مهرة تسع مائة ميل وعرضها في جميع طولها من خمسة وعشرين ميلاً إلى خمسة عشر ميلاً إلى ما دون ذلك وهذه الأرض كلها رمل سيال والرياح لاعبة به تنقله من مكان إلى مكان ومن آخر بلاد الشحر إلى عدن ثلاث مائة ميل.
ويتصل بأرض مهرة بلاد عمان وهي مجاورة لها في جهة الشمال وبلاد عمان مستقلة بذاتها عامرة بأهلها وهي كثيرة النخل والفواكه الجرومية من الموز والرمان والتين والعنب ونحو ذلك ومن بلاد عمان مدينتا صور وقلهات وهما على ضفة البحر الملح الفارسي وهما مدينتان صغيرتان لكنهما عامرتان وشربهما من الآبار ويصاد بهاتين المدينتين اللؤلؤ قليلاً وبين صور وقلهات مرحلة كبيرة في البر وفي البحر دون ذلك.
ومن صور إلى رأس المحجمة خمسة أيام في البر وفي البحر مجريان ورأس المحجمة هو جبل عال على ضفة البحر يمر في شرقي غب الحشيش ويندفن في الماء فلا يعلم حيث يصل وربما تكسرت المراكب عليه وفي رأس المحجمة مغايص لؤلؤ.
ومن قلهات على الساحل إلى مدينة صحار مئتا ميل وبقرب منها على الساحل قرية دما وهي قرية يكون في الشتاء عامرها قليلاً ومعايشها كاسدة وتصرف أهلها قليل وأما في الصيف فإنها تكون كالمدينة العامرة لأن بها مغاص اللؤلؤ الجيد جداً وهي مشهورة بجيد اللؤلؤ المستخرج بها.
ومن مسقط إلى صحار وهما مدينتا عمان أربع مائة وخمسون ميلاً لا ساكن بها ومدينة صحار على ضفة البحر الفارسي وهي أقدم مدن عمان وأكثرها أموالاً قديماً وحديثاً ويقصدها في كل سنة من تجار البلاد ما لا يحصى عددهم وإليها يجلب جميع بضائع اليمن ويتجهز منها بأنواع التجارات وأحوال أهلها واسعة ومتاجرهم مربحة وبها نخل كثير ومن الفواكه الموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار العجيبة الطيبة وكان في القديم من الزمان تسافر منها مراكب الصين فانقطع ذلك وسبب انقطاع السفر من مدينة عمان أن في وسط بحر فارس مما يقابل مسقط جزيرة تسمى جزيرة كيش وهي جزيرة مربعة طولها اثنا عشرة ميلاً في عرض اثني عشرة ميلاً وفيها مدينة كيش فوليها عامل من اليمن فحصنها وأحسن إلى أهلها وعمرها وأنشأ بها أسطولاً فغزا به يلاد اليمن الساحلية فأضر بالمسافرين والتجار ولم يترك لأحد مالاً وأضعف البلاد وانقطع بذلك السفر من عمان وعاد إلى عدن وصاحب جزيرة كيش يغزو بهذا الأسطول مدينة الرانج ويصل إلى بلاد القامرون وأهل الهند يخافونه ويهابون شره ويواسونه بالمراكب المسماة المشعيات وقد ذكرناها في بلاد الهند وحكينا عمن أخبرنا بها أن هذه المشعيات يكون طول المركب منها طول الغراب الكامل من عود واحد يجذف فيه مائتا رجل وأخبر مخبر في وقت هذا التأليف أن عند صاحب مدينة كيش من هذه المراكب المسماة بالمشعيات خمسون مركباً كل واحد منها من قطعة واحدة وعنده من سائر المراكب الملفقة جملة عديدة وهو الآن على هذه الحال يغزو ويسبي وعنده أموال كثيرة وليس لأحد به طاقة وبمدينة كيش زروع وأغنام وأبقار وكروم وفيها مغايص اللؤلؤ الجيد ومن صحار إلى هذه الجزيرة مجريان ويحاذي هذه الجزيرة من بلاد اليمن مسقط وبينهما مجرى ومن ساحل كرمان التيزوشط.
ويقابل صحار في البرية على مسير يومين بلدان متصلان بينهما واد يسمى وادي الفلح واسم أحد البلدين سعال والأخر العفر وهما مدينتان صغيرتان عامرتان بهما نخل كثير ومزارع وحدائق نخل وتمر وهما متقاربتان في القدر وشربهما من نهر الفلح وتسمى الأرض التي هما فيها نزوة ويتصل بهاتين المدينتين على قدر نصف يوم مدينة منح وهي مدينة صغيرة في أسفل جبل يسمى جبل شرم بها نخيل وعيون ماء وهي على ضفة نهر الفلح ومن منح إلى سر عمان غرباً مرحلتان وهي في أسفل جبل شرم حيث منبعث نهر الفلح وهو نهر كبير عليه قرى وعمارات متصلة إلى أن يصب في البحر بمقربة قرية جلفاره.
والغالب على أهل بلاد عمان الشراة وأكثر الشراة في وقتنا هذا منحشرون عامرون بلدة تسمى بثرون في غربي بلاد عمان ولهم هناك قرى وعمارات وهم متحصنون بجبل لهم وبثرون في أسفله.
وفيما يقال إن حدود بلاد عمان دوراً تكون تسع مائة ميل وهي بالجملة بلاد حارة ويذكر بأن جبل شرم ينزل بأعلاه ثلج قليل وبين نجد وبلاد عمان برار متصلة وفي بلاد عمان حية تسمى العربد وإليها ينسب السكران المعربد وهي حية تنفخ ولا توذى وهي كثيرة التقافز ويحكى أنها متى أخذت ووضعت في آنية زجاج وتوثق من رأسها ووضعت في وعاء وأخرجت عن بلاد عمان ثم تفقدت الآنية لم توجد الحية فيها بوجه وهذا مثبوت في هذه الحية والإخبار بها شائع وفي بلاد عمان أيضاً دويبة صغيرة تسمى القراد إذا ظفرت بجارحة من الإنسان عضته فلا تزال عضتها تربو وتتزايد إلى أن تقيح وتتذود ولا يزال ذلك الدود يسعى في جوف الإنسان حتى يموت وبجبال عمان قردة كثيرة تضر بأهلها إضراراً كلياً وربما اجتمع منها العدد الكثير حتى لا يطاق دفاعها إلا بالخروج إليها بالقسي والسهام والسلاح العام وحينئذ يقدر على دفاعها.
ومن مدينة صحار إلى بلاد البحرين نحو من عشرين مرحلة وطريق عمان في البرية إلى مكة أو غيرها صعبة جداً لكثرة القفار وقلة السكان وإنما يسافرون في المراكب على البحر إلى مدينة عدن ومن عدن يسافرون إن شاؤوا براً أو بحراً وكذلك من صحار التي من أرض عمان إلى البحرين في جهة الشمال طرق متعذرة السلوك لتنازع العرب بها ومحاربتهم وغاراتهم بعضهم على بعض فليس لمسافر معهم أمان في نفسه ولا في شيء من ماله.
ويتصل بأرض عمان من جهة الغرب ومع الشمال أرض اليمامة وهي بلاد الزرقاء اليمامة وكانت هذه الزرقاء اليمامة في عهد الجاهلية ولها أخبار مشهورة مذكورة في الكتب وتولى قتلها وسبيها وأخذ أموالها وال من قبل عمر بن الخطاب وبلادها محدقة بواد يسمى افنان وعلى هذا الوادي عماراتهم وقراهم ومدينتهم المعروفة تسمى الحضرمة وهي مدينة عامرة بها مزارع ونخيل وتمر كثير وتمرها أكثر من سائر التمر ببلاد الحجاز.
ومن مدنها حجر وهي الآن خراب وبها كانت اليمامة الملكة ساكنة في وقتها ويتصل بها برقة وسلمية وهما مدينتان متقاربتان في القدر والعمارة والصغر من البلاد.
ومن اليمامة إلى مكة طريق وهو من اليمامة إلى العرض مرحلة ثم إلى الحذيقة مرحلة ثم إلى الثنية مرحلة ثم إلى السفرا مرحلة ثم إلى صدا مرحلة ثم إلى حصن القريتين الذي في طريق البصرة مرحلة وبالقريتين تجتمع الطرق ومن القريتين إلى رامة مرحلة ثم إلى طقجة مرحلة ثم إلى صربة مرحلة ثم إلى جديلة مرحلة ثم إلى قلجة مرحلة ثم إلى الرقيبة مرحلة ثم إلى قباء مرحلة ثم إلى مران مرحلة ثم إلى وجرة مرحلة ثم إلى اوطاس مرحلة ثم إلى ذات عرق مرحلة وهي بتهامة ثم إلى بستان ابن عامر إلى مكة مرحلة وسنذكر هذه المراحل من هذه الحصون والقرى والأماكن في مواضعها ذكراً شافياً بحول الله.
ومن بلاد اليمامة وأعراضها حجر التي ذكرناها وبين الحضرمة وحجر مرحلتان ومعنى العرض في هذه الأرض هو وادي افنان وهو يشق اليمامة من أعلاط إلى أسفلها وعليه قرى عامرة ومزارع متصلة ونخل وحدائق أشجار.
وهذه القرى هي منفوخة ووبرة والقرفة وعبرا وبهيشة والسال والعامرية ونيسان وبرقة ضاحك وسلمية وتوضح والمقراة والمجازة.
وبين هذه القرى مسافات متقاربة لتجاورها بعضها ببعض وبين سلمية والسال مرحلة وبين السال وحضرمة اليمامة مرحلة وسلمية قرية حسنة عامرة قد أحدقت بها حدائق النخل وفيها تمور حسنة الألوان شهية المأكل وكذلك السال قرية صغيرة بها قوم من العرب مستضعفون قليلون وبها آبار وعين ماء خوارة.
ومن أراد المسير من اليمامة إلى البصرة سار من حضرمة إلى السال مرحلة ثم إلى سلمية مرحلة ثم يمر في صحراء متصلة إلى المراب وهي قرية صغيرة بها قوم من العرب ثلاث مراحل ينزل على مياه آبار في مواضع قفرة ثم يسير ثلاث مراحل أخرى إلى الصمان وهي قرية عامرة يسكنها قوم من العرب جياع عراة قد كتب الفقر لهم بأمان ومن الصمان إلى طقجة مرحلة وهي قرية صغيرة يتصل أرضها بأرض البحرين ومنها إلى المدينة المسماة كاظمة أربع مراحل وكاظمة حصن منيع على جبل عالي الذروة وهذه الأربع مراحل ينزلها المسافرون مع العرب على مياه وآبار وعيون ومن كاظمة إلى قرية دهمان مرحلة ثم إلى البصرة مرحلة فجملة هذا الطريق من اليمامة إلى البصرة خمس عشرة مرحلة ومن اليمامة إلى البحرين نحو ثلاث عشرة مرحلة وكذلك من اليمامة إلى عمان نحو ثلاث عشرة مرحلة.
ومن عمان الطريق على الساحل إلى بلاد البحرين وذلك من صحار ودما إلى مسقط إلى الخيل إلى جلفار وهاتان قريتان بهما مغايص اللؤلؤ ويقابلهما في البحر طرف جبل كبير غائص في البحر يظهر منه القليل في بعض الأماكن ويغيب في غيرها فإذا وصلت المراكب الصاعدة من البصرة إلى عمان ووصلت إلى هذا الحد فرغت في الساحل ما فيها من الأمتاع حتى تخف السفينة وتجوز ذلك الطرف ثم توسق بعد ذلك وتسير إلى عمان.
ومن جلفار وأنت نازل إلى البحرين تصير إلى مرسى السبخة وهو مرسى فيه عين نابعة عذبة ومنه إلى شقاب وبوار وبحر عويص صعب السلوك وتسمى هذه الأمكنة ببحر قطر وفي هذا البحر عدة جزائر خالية لا عامر بها يأوي إليها أجناس من الطير البحري والبري فيجتمع بها
من زبولها المقادير الكثيرة فإذا طاب ماء هذا البحر للسفر قصدت إليها المراكب فتوسق تلك الزبول التي قد كومتها الطير في تلك الجزائر وتصير بها إلى البصرة وغيرها فيببعونها هناك بالثمن الكثير وتلك الزبول تصرف في عمارات الكروم والنخل والجنات والبساتين وليس على بحر قطر ساكن ولا يأوي إليه أحد وهو مكان مخوف براً وبحراً ومنه يسار إلى مرسى المفقود وهو مرسى جليل مكن من رياح شتى وبه عين ماء غزير عذب ومنه إلى ساحل هجر وهو أول بلاد البحرين ومن ساحل هجر إلى البصرة طريق على الساحل غير معمورة وسنذكره إذا جاء موضع ذكره في الإقليم الثالث بعون الله تعالى.
وأما معدن النقرة فهو قرية كبيرة عامرة يجتمع بها حاج البصرة وحاج الكوفة ومن أراد المسير إلى المدينة سار ذات اليمين إلى الغسيلة وهو منزل فيه أعراب وبها آبار ملحة ستة وأربعين ميلاً ومنها إلى بطن نخل وهي قرية كثيرة الماء والنخل ستة وثلثون ميلاً ثم إلى الطرف وهو منزل خلا وربما قصده بعض العرب فنزله وعمره وبه برك يجتمع بها ماء السماء اثنان وعشرون ميلاً ثم إلى المدينة خمسة عشر ميلاً وأما الطريق من مكة إلى بغداذ على القريتين فسنذكره في موضعه بعد هذا بعون الله تعالى.
وأما بحر فارس فإنا قد ذكرنا أنه خليج مبدؤه من البحر الكبير الهندي وأنه يخالف سائر البحور والخلجان في بحره وموجه وفيه مما يلي شط اليمن جبلاً كسير وعوير ويحاذي هذين الجبلين المكان المسمى دردوراً ويسمى بحر موضعه بحر عزرة والدردور موضع يدور فيه الماء كالرحى دوراناً دائماً من غير فترة ولا سكون فإذا سقط إليه مركب أو غيره لم يزل يدور حتى يتلف وهذا الماء موضعه يكون في جنوب جزيرة ابن كاوان وجزيرة ابن كاوان بينها وبين جزيرة كيش اثنان وخمسون ميلاً وهو نصف مجرى وجزيرة ابن كاوان مقدارها اثنان وخمسون ميلاً في عرض تسعة أميال وأهلها شراة اباضية وفيها عمارة وزروع ونارجيل وغير ذلك وترى منها جبال اليمن وعندها الدردور المذكور وهو مضيق على مقربة من جبلي كسير وعوير تسلكه السفن الصغار ولا تسلكه السفن الصينية وهذان الجبلان غائران تحت الماء لا يظهر منها شيء والماء يكسر على أعلاهما والربانيون يعرفون مكانيهما فيجنبونهما وهذه الدردورات الثلاثة منها هذا الواحد والثاني بمقربة جزيرة قمار والدردور الثالث منها هو في آخر الصين وفيما بين سيراف ومسقط سيف بن الصفاق وهو أنف قائم في البحر وبإزائه جزيرة صغيرة.
وفي هذا البحر سمك يسمى الدفسين له رأس مربع فيه قرنان في طول الاصبع إلى الدقة ما هي وجسد هذا السمك قليل وفمه شبيه بالقمع لا يفتحه ولا يغلقه وداخل فمه شيء أشبه بالقمع أحمر غض وفي فمه شق ذو أسنان به يقطع ويبلع ويقال إن هذا السمك إذا أكله الأجذم ودام على أكله برئ من علته وهذا مشهور في أرض فارس وفي أرض كرمان.
نجز الجزء السادس من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله تعالى.