نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/طليحة بن خويلد الأسدي
طليحة بن خويلد
هو الشجاع المشهور، وفَدَ على النبي صل الله عليه وسلم هو وجماعة من قومه، فقال له: أتيناك نتدرَّع الليل البَهيم في سنة شهباء ولم تَبْعث إلينا بعثًا فنزل فيهم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}[الحجرات:17] الآية، ثم ارتد طُلَيحة قبيل وفاة النبي، وادَّعى النبوة، وكان كاهنًا في الجاهلية، فصار يسجَع لقومه الأسجاع فتبعوه هم وقبائل من غطفان، فأرسل له أبو بكر خالد بن الوليد في جيش من المسلمين، وأرسل خالد أمامه طليحة عُكاشة بن محصن الصحابي المشهور، وثابت بن أقرم حليف الأنصار فوقعا على جيش لطليحة وهو معهم فاقتتلا معهم فاستشهدا فقال في ذلك طليحة مفتخرًا بقتله عكاشة وثابتًا:
فلقيهم خالد فهزمهم، وهرب طليحة إلى الشام ثم تاب وأسلم في خلافة عمر، وقدم مُحرِمًا بالحج فرآه عمر، فقال له: إني لا أحبك بعد قتلك الرجلين الصالحين عكاشة وثابتًا، فقال طليحة: هما رجلان أكرمهما الله بيدي، ولم يِهنِّى بأيديهما، وحسن إسلامه وحضر القادسية وفتوح العراق مع المسلمين وذكر له أصحاب المغازي فيها مواقف عظيمة، وقد كتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص: انظر عمرو بن معد يكرب وطليحة فاستعن بهما في حربك وشاروهما؛ فإن كل صاحب صنعة أعلم بصنعته.
وقال جابر بن عبد الله: لقد اتهْمنَا ثلاثةَ نفر فما رأينا كما هجمنا عليه من أمانتهم وزهدهم طليحة وعمرو بن معد يكرب، وقيس بن مكشوح، وأرسل سعد هؤلاء الثلاثة في حرب القادسية يستكشفون له العدو فساروا يومًا وليلة ولم يروا شيئًا، فرجع عمرو بن معد يكرب وقيس وقالا لطليحة: ارجع فأبى ومضى لحاله بقية يومه، فلما جاء الليل وقع على جيش الفرس فانتظر حتى طلع القمر، ثم دخل جيشهم فنظر إلى خيمة عظيمة في طرف الجيش لأحد عظمائهم فهجم على الخيمة وقتل صاحبها وأخذ فرسه فقاده ورجع فلحقه ابن عم المقتول وكان بطلًا يطلب الثأر فكرَّ عليه طليحة فقتله أيضًا وأخذ فرسه فلحقه فارس ثالث فحمل عليه طليحة فصرَعه وأخذه أسيرًا وقيده وقدم به مع الفرسين على جيش المسلمين بعد أن ظنوا به السوء لمَّا رأوه لم يرجع مع عمرو وقيس، وقالوا: رجع طليحة إلى الكفر، فقال له سعد: ما هذا؟ قال: لا تسألني وأسأل هذا الأسيرَ فسألوا الفارسيَّ، فقال: يا معشر العرب، ما رأيت بطلًا أشجع من هذا، هجم على جيش كِسرى وحدَه، وقتل شجاع فارس، وأخذ فرسه فلحقه ابن عم المقتول وهو ليس بدون الأول في الشجاعة فقتله أيضًا، ولحقته أنا وأنا أظن نفسي مثلهما، فأسَرَني فما رأيت مثل هذا، فشكره سعد، واستشهد بنهاوند رضي الله عنه.