انتقل إلى المحتوى

نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/دريد بن الصمة الجشمي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


دريد بن الصمة

وأما دريد بن الصمة، فكان فارس عَلْيا هَوازِن وثَقيف وهو صاحب ربيعة بن مكَدَّم في القصة المتقدمة لما أعطى رمحه لربيعة، وكان دُرَيد من المعمَّرين قيل: عاش مائتي سنة، وكان شاعرًا مجيدًا وأدرك الإسلام شيخًا هرمًا وحضر حُنينًا مع قومه هوازن، وكانوا أركبوه في هودج وأحضروه معهم للمشورة وولوا أمرهم مالك بن عوف النصْرى وساقوا معهم نساءهم وأموالهم ونزلوا أوْطاس، وكان دُريد قد عمي، فقال لهم: بأي وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نِعْم مجال الخيل لا حَزْن ضَرْسٌ1 ولا سهل دَهْسٌ2 مالي أسمع رُغاء البعير ونهيق الحمير وبكاء الصغير ويُعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك ودُعي له فقال: يا مالك؛ إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ما هذا الذي أسمعه؟ قال: سقتُ مع الناس أموالهم ونساءهم، قال: ولمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال له دريد راعِىَ ضأن والله وهل يرد المنهزمَ شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضِحْت في أهلك ومالك، ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهد منهم أحد قال: غاب الحدُّ والجِد ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب،ثم قال: يا مالك، إنك لم تصنع شيئًا بتقديمك بيْضة هوازن إلى نحور الخيل أرفعهم إلى متمنّع بلادهم وعَليا قومهم، ثم ألْقَهُم على ظهور الخيل، فإن كانت لك لحق بك مَنْ وَراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزتَ مالَك وأهلكَ، فقال مالِك: لا والله إنك قد كبرت وخرَفت والله لتطيعُنَّني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون لدُريْد فيها ذِكر أو رأي قالوا: أطعناك، فقال دُريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ثم أنشد:

يا ليتني فيها جذَع
أَخُبُّ فيها وأضَعْ
أقود وطْفاءَ الزَّمَعْ
كأنها شاةٌ صَدَعْ

فلما التقى المسلمون مع هوازن وكُسِرت هوازن وتبعتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق ربيعة3 بن رفيع السُّلَمي درَيْد بن الصَّمة وأخذ بخطام جمله وأناخه وهو يظنه امرأة وإذا به شيخ كبير في محفة فقال له دُريْد: ماذا تريد بي؟ قال: أقتلك، قال: ومن أنت؟ قال: ربيعة بن رفيع السُّلَمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن فيه شيئًا، فقال دريد بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفي هذا من مُؤخّر الرحل، ثم اضرب به وأرفع عن العظام واخفض عن الدماغ فكذلك كنت أضرب الرجال، وإذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فربَّ والله يومٍ منعتُ فيه نساءك فزعمتْ بنو سُليم أن ربيعة قال لما ضربتُه وقع فتكشف فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله، فقالت: حرق الله يدك إنما قال ذلك ليذكرنا نعمه عليك، صدق فوالله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا في غداة أنا وأمي وأم أبيك.


  1. خرس: شديد خشن.
  2. دهس: ليس برمل ولا تراب.
  3. ربيعة: هو ابن الدغنة. والدغنة: أمه.