نجوى المحتضرة
المظهر
نجوى المحتضرة
دنا الموت مني " أبا جعفر "
وغاض الجمال, وزاغ البصر
سأقضي غدا فالوداع وداع
وداع الفراق وداع العمر
واعبر برزخ هذي الحياة
وكل عناء له مستقر
لك الله سعرت نار الجوى
بقلبي وجانبت لما استعر
فكنت أنادي الحريق الحريق
وناديت يا نار كوني أحر
وما كنت تعطف عطف العشيق
وتحنو حنو الحبيب الأبر
تعذبت في الحب من في الهوى
تذوق ما ذقت, من في البشر؟
أهنت عزيزي وأسلمتن نفسي
إليك لترضى ألا تذكر؟
وخالفت أهلي وعاديتهم
وهم مثلما قد علمت الغسر
وحاذرت منك النوى والصدود
ولم يغن عني شديد الحذر
وها أنت قد بنت واحسرتاه
وغادرتني لعذاري أخر
ولم يبق منك سوى الذكريات
ولم يبق لي منك إلا صور
فها أنت في الدير تشكو
الهوى ومن ألم البعد لا تختصر
وها أنت تبكي بكاء الرضيع
فأمتص من مقلتيك العبر
وأرمي بنفسي على ساعديك
فترفق بالخصر لا ينكسر
تدغدغ نهدي يا للغرام
ويا لزمان تقضي ومر
وهاأنذا في فراش الممات
أتسمع نجوى التي تحتضر؟
يقولون بي خفقان الفؤاد
وقد كَذَب القائلون الخبر
بعيني رأيت فؤادي الكسير
من الصدر خف اذ طرت وفَرَّ
فأتبعته زفرات الحزين
وشيعته بدموعي الهُمُر
يرف حواليك رفَّ الاقاح
ويحميك من كل عادٍ وشرّ
عجبت لقلبي يصون العهود
ويوفي الوعود لمن قد غدر
فليتك يا قلب لما علقت
به صرعتك أيادي القدر
لقد قدتني لسبيل الفناء
ومن كان هاديه أعمى عثر
لم الذل يا ربه الكبرياء
لإذلالك النفس إحدى الكبر
ستقضين عما قريب فما
يهمك هجر الذي قد هجر
تناسيه لا يزدهيه الغرور
فيشمت قلب له كالحجر
أموت وتهوى من الغيد غيري
لهذا من الموت عندي أمر
أبعدي تهون على من تحب
لي الله غائرة تستعر
وددت لو انك بين اليدين
أضمك للصدر ضما عسر
والتف لف الأفاعي عليك
وانظر سمي فيك انتشر
ويجمعنا ميتين السرير
ويا طالما جمعتنا السرر
وتقضي ويقضين حزنا عليك
وما نال منك سواي الوطر
ولكن لماذا بل ابق إبراهيم
وخذ في هوى الغيد بعدي وذر
سأصبر باقي هذي الحياة
وأي الأحبة مثلي صبر؟
ولكن تعال وقف فوق رأسي
وقبل معين اللمى والحور
وبلل مصوح ورد الخدود
بمدمعك الساجم المنهمر
أموت أبا جعفر فالوداع
وداع الفراق وداع العمر