ملك العبد بن أبرهة
قال أبو محمد عبد الملك: عن محمد بن السائب الكلبي: لما مات أبرهة ذو المنار ولي الملك بعده ابنه العبد بن أبرهة وهو ذو الأشرار، وإنما له ذو الأشرار لأن الحبشة هم الأشرار وكان العبد هو الذي غلب على جميع أرض الحبشة وسباهم أمماً وسقاهم في الأغلال إلى مكة، وهو أول من رأت العرب في زمانه داء الكلب. وداء الكلب داء يعرو الدماغ فيسكن من حركته فلا يبرأ حتى يسقى الخمر بدم من دماء بني مذحج، قال عبد الله ابن حزم الأزدي:
- وجوه بني زبيد إن تجلت ... إلى الأبصار تخطف كالبروق
- إذا نطقوا يزينوه لعدل ... وإن صمتوا على علم حقيق
- وإن فخروا آتوك بعز بأس ... وبالأفعال والحسب العتيق
- دماؤهم على الأشفار أشهى ... إلى الكلبي من المسك الفتيق
- وقال حصين بن الحمام المري لبني العنقاء حين أعطاهم ابنه ديا رهينة فأبوا:
- خذوا ديا بما أحدثت فيكم ... فليس بكم على دأب غلاء
- فلستم من بني عمرو بن عمرو ... ملوك والملوك لهم نماء
ولا العنقاء ثعلبة بن عمرو دماء القوم للكلبي شفاء زعم إنه من بني زبيد وذلك أن بني مرة بن سعد بن ذبيان يزعمون أنهم من بني زبيد وأما عبد الله بن حزم في قوله: دماؤهم على الأشفار أشهى ... إلى الكلبي من المسك الفتيق أراد أن دماءهم أطيب من المسك الذي يبري الدماغ عن داء الكلب وذلك أن النتن إذا خامر الدماغ أفسد طبيعته وأضعف قواه.
قال عبد الملك: وولي أمر الملك العبد بن أبرهة بن الصعب فغزا الملوك ودانت له العرب والعجم وخضعت له الملوك فأقام في الملك ستين عاماً، ثم سقط من الفالج، فلم يغز بنفسه وكان يرسل الجيوش فدخل عليه الوهن في ملكه، ثم عدا عليه الفالج فمات وكان ملكه ستين عاماً.