ملحمة السراب
المظهر
ملحمة السراب
...
...
كيف للنازح الحبيبِ ارتحالي
وجناحاي السقم والبرحاءُ
ادركي زورقي فقد عبث اليم
به والعواصف الهوجاءُ
أفق لا يحد للعين قد ضاق
فأمسى والسجن هذا الفضاءُ
عجبي من ترقبي ما الذي أرجو
ولما يعدْ لقلبي رجاء
التقينا كما التقى بعد تطوافٍ
على القفر في السرى انضاءُ
في ذراعي أو ذراعيك أمن
وسلامٌ ورحمةٌ ونجاءُ
كم أناديك في التنائي فترتد
بلا مغنم ليَ الا صداء
وأناديك في التداني وما أطمع
إلا أن يستجاب النداءُ
لفظة لاتبين تنطلق الأقدارُ
عن قوسها ويرمي القضاءُ
وهي في الطرس قصةٌ تذكر الأحبابُ
فيها وتحشد الأنباءُ
فقليلٌ من السعادةِ لا يكمل
فيه ولا يطولُ الهناءُ
ما بقائي وأجمل العمر ولّى
وانتظاري حتى يحين الشتاءُ
وبنفسي دب المساءُ وحل الليل
من قبل أن يحين المساءُ
ولك الوجه أومض الحسنُ فيه
والتقى السحرُ عنده والذكاءُ
ولك الجيد أتلعا أودع الصانعِ
فيه من قدرة ما يشاءُ
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي
السماوات والذرى الشماءُ
مرحباً بالهوى الكبير، فإن يبقَ
وإن تسلمي يطبْ لي البقاءُ
مرّ يومي كأمسِه مسرحاً تعرض
فيه الحياةُ والأحياءُ
لم يحلْ طبعه ولا ذات يوم
لبست غير نفسها حواءُ
والحطامُ الفاني عليه اقتتالٌ
والأماني بريقُها إغراءُ
والغيوبُ المحجباتُ رحابٌ
تعبت في رموزها الحكماءُ
مرّ يومي كأمسه وأتى ليلٌ
بهيج تزف فيه السماءُ
لم تزل تسكب السلاف وللأقـ
ـداحِ فيها تجددٌ وامتلاءُ
غير نجم في جانب الليل يقظان،
له روعة بها وجلاءُ
كم أغنِّيهِ بالحنين كما غنت
على فرعِ غصنها الورقاءُ
موقداً للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداءُ...
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاءُ
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ
حسنات كانت يد الدهر عندي
فانطوت بانطوائك الآلاءُ
...
...
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا
لمركب فزع في الشط إرساءُ!
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ
ومن تنفست حر الوجد في فمه
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ
***
***
يا سجين الحياة أين الفرارُ
أوصد الليلُ بابه والنهارُ
والتعلات من هوى وشباب
قصة مسدلٌ عليها الستارُ
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض
وفي المضجع الغضا والنارُ
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي
تتهاوي كشامخ ينهارُ
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش
وفي ركبها اللظى والدمارُ
وذراعيَّ في انتظارٍ، وصدري
فيه بالضيف فرحةٌ واحتفاءُ
موقداً للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداءُ...
لمَ خليتني وباعدت مسراك
ومالي إلى ذراك ارتقاءُ
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاءُ
ما تراني وقد ذهبت بحظي
اخطأتني من بعدك النعماءُ
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ
ومشى الحسن في ركابك والإحسان
طراً والغرة السمحاءُ
حسنات كانت يد الدهر عندي
فانطوت بانطوائك الآلاءُ
لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا
ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ،
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ
يا شافي الداء قد أودى بي الداءُ
أما لذا الظمأ القتال إرواءُ
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا
لمركب فزع في الشط إرساءُ!
عندي سماء شتاءٍ غير ممطرةٍ
سوداء في جنبات النفسِ جرداءُ
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ
وكيف تخدعني البيداءُ غافية
وللسوافي على البيداء إغفاء
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ
لبيكِ لو عند روحي ما تطير به
وكيف ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
وآخرون كسالى في أماكنِهم
كأنهمْ في رمال الشط أنضاءُ
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ
ضاقت نفوسٌ باحقادٍ ولو سلمت
فإنها كسماء البحر روحاءُ...
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ
طابت من الظل، ظل القلب ناحيةٌ
لنا، وقد صَلِيَتْ بالحرِّ أنحاءُ
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنةٍ
ومدةُ الحلم بالجفنين إغفاءُ
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ
إذا نطقت فما بالقول منتفعٌ
وان سكت فإن الصمتَ افشاءُ
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
يا ليل من علم الأطيارَ قصتنا
وكيف تدري الصبا أنا أحِباءُ
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
شابت ذوائبُ، وانحلت غدائَرُها
شهباء في ساعة التوديع صفراءُ
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ
يا من تنفس حر الوجد في عنقي
كما تنفس في الأقداح صهباءُ
ومن تنفست حر الوجد في فمه
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد
ولن تواريك عن عينيّ ظلماءُ..
يا سجين الحياة أين الفرارُ
أوصد الليلُ بابه والنهارُ
فلمنْ لفتةٌ وفيم ارتقابٌ
ليس بعد الذي انتظرت انتظارُ
والتعلات من هوى وشباب
قصة مسدلٌ عليها الستارُ
ما الذي يبتغي العليلُ المسجَّى
قد تولى العوادُ والسمارُ
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض
وفي المضجع الغضا والنارُ
وهَب السجنُ بابه صار حرا
لكَ لا حائل ولا أسوارُ
وعفا القيدُ عنك كفاً وساقاً
فإذا الأرض كلها لك دارُ
أين أين الرحيل والتسيار
بعدت شقة وشط مزار
والخطى المثقلاتُ باليأس أغلالٌ
لساقيك والمشيبُ عثارُ
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجنة
واجتاح دوحَها الأعصارُ
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي
تتهاوي كشامخ ينهارُ
تحت عيني ويذبل الحسنُ فيها
ويموتُ الربيعُ والأنوارُ
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ
وبقاء البساط بعد الندامي
كأس سم بها يدور البوارُ
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش
وفي ركبها اللظى والدمارُ
الدمار الرهيب والعدم الشامل
واللفحُ والضنى والأوارُ
يا ديار الحبيب هل كان حلما
ملتقى دون موعد يا ديارُ؟
يا عزيز الجنى عليك سلام
كيف جادت بقربك الأقدار
بورك الكرم والقطوف واوقات
كأن العناقَ فيها اعتصارُ
كلما أطلقتك كفي استردتك
كما يحفز الغريم الثارُ