مفيد العلوم ومبيد الهموم/کتاب فوائد الدين/الباب الأول
الباب الأول في فوائد المال
وهي أربع (أحدها) دنيوي وهو الأكل والشرب والتمتع والاستغناء عن الناس وصيانة النفس وقوة العين فإن الفقير حي كالميت (الثاني) الانفاق على نفسه واستنفاده في وجوه العبادات كالحج والغزو والرباط والمساجد واقراء الضيف وكل مالًا يوصل إلى العبادة إلا به فهو عين العبادة بقدر القوت والكفاية فمن لم يكن له كفاية فيصبح مشغولًا بطلبها متحيرًا في وجهها فأين يتفرغ إلى العبادة (حكاية الشيخ أبي القاسم كركان) كان فريغ عمره في الزهد وكان له ضيعة منها كفايته فأخذ يومًا حفنة من الغلة وقال ترون هذا أحب إلي من توكل المتوكلين يعني فراغ قلبه ذكر سلطان العارفين أبو علي الفارمدي قدس الله روحه وهي اشارة صحيحة أن النفس لا تطمئن ما لم تحرز قوتها (الثالثة) يتصدق وينفق على الفقراء والغرباء ويستغنم دعاءهم وينفق في وجوه المروآت والحرمات ويسترق الاحرار بالهدايا والمواساة ويستجلب به قلوب العلماء ويدخر به ذكر الجميل والثناء الجزيل ويصون به عرضه باعطائه الشعراء ولهذا قال النبي ﷺ اقطع عني لسانه يعني بذلك الشاعر الذي مدحه يعني اعطه شيئًا يرضى به (الفائدة الرابعة) يصرفه إلى الخدم والحشم يستميل به قلوبهم ويشتري به أعراضهم فإنهم يكفونه كل خدمة ومؤنة من الغسل والطبخ والكنس والبيع والشراء فلو احتاج ۸۹ أن يتولى ذلك بنفسه لذهب عمره في أحادها دون البلوغ الى كلياتها فاذا تولوا ذلك يتفرغ إلى عبادة الله وذلك حظ الآخرة وأيضا المال يحيى ذكر الرجال ويبقى بناء الناس فانهم اذا وقفوا على الفقراء والعلماء واتخذوا المساجد والرباطات وسائر الخيرات فلا يخفى فائدتها كماقيل الدنيا بالأموال والآخرة بالاعمال - الباب الثاني في آفات المال - وهي ثلاثة ( الآفة الأولى ) ان المال سبب المعصية يسهل على صاحبه طريق الفسق والفجور فيبعث الشهوات من صميم قلبه وبتبع الخطرات من سويداء فؤاده فتلاطم دواعي الفساد من كل جانب اديده متسعه وامواله مجتمعة والنفس أمارة بالسوء فبطلت الرئاسة ومن كان جليس المسجد وينافس الرؤساء ومن كان معمولا وباري الاغنياء ومن كان معدودا في حملة الفقراء فيكون ذلك سبب هلا كه ( الآفة الثانية ) من لم يجد المال يمكنه التصبر والقناعة أياس استفني فقد طغى وبغى كما قال الله تعالى كلا ان الانسان ليطغى أن رءاه استغنى فلا يمكنه أن يحفظ دينه ونفسه فيمرغ في نسيم الدنيا فيأ كل حلوا ويلبس ناعما يغدوا ببلدة ويروح بأخرى فتصير دنياه جنته فينسي الآخرة ويكره الموت وذكره لايتهيا لأحد أسباب التهم في الدوام من وجه حلال فان المال غاد ورائحو الدنيا اقبال وأدبار الايام دول يوم لنا ويوم علينا فتغير الأحوال ولا يمكنه كسب الحلال فبقع في الشهبة ثم في الحرام فيحتاج الى خدمة الاتراك وخدمة السلاطين الشياطين فيداهنهم في الدين خوفاعلى دنياه ويمازحيم رياء ونفاقا وكذبا فيصبح مرائيا مداهن ليس ورعا قنوعا وتتشعب به الهموم فمن شغل واحد من أشغال الدنيا تنبعث عدة أشغال فاذا فرغ من واد وقع في واد آخر وجعل الله المقر بين عينيه فلا يتفرغ من