مفاتيح العلوم/المقالة الثانية/الباب الأول
الباب الأول: في الفلسفة، وهو ثلاثة فصول
الفصل الأول
[عدل]في أقسام الفلسفة
الفلسفة، مشتقة من كلمة يونانية، وهي فيلاسوفيا، وتفسيرها: محبة الحكمة، فلما أعربت قيل: فيلسوف، ثم اشتقت الفلسفة منه، ومعنى الفلسفة: علم حقائق الأشياء، والعمل بما هو أصلح.
وتنقسم قسمين: أحدهما: الجزء النظري.
والآخر: الجزء العملي.
ومنهم من جعل المنطق حرفاً ثالثاً غير هذين، ومنهم من جعله جزءاً من أجزاء العلم النظري، ومنهم من جعله آلة للفلسفة، ومنهم من جعله جزءاً منها وآلة لها.
وينقسم الجزء النظري إلى ثلاثة أقسام.
وذلك أن منه ما الفحص فيه عن الأشياء التي لها عنصر ومادة، ويسمى: علم الطبيعة.
ومنه ماالفحص فيه عما هو خارج عن العنصر والمادة، ويسمى: الأمور الإلهية، ويسمى باليونانية: تاولوجيا.
ومنه ما ليس الفحص فيه عن أشياء لها مادة، لكن عن أشياء موجودة في المادة، مثل المقادير والأشكال والحركات وما أشبه ذلك، ويسمى: العلم التعليمي والرياضي، وكأنه متوسط بين العلم الأعلى، وهو الإلهي، وبين العلم الأسفل، وهو الطبيعي.
وأما المنطق فهو واحد، لكنه كثير الأجزاء، وقد ذكرتها في بابه.
وأما الفلسفة العملية، فهي ثلاثة أقسام: أحدها تدبير الرجل نفسه، أو واحداً خاصاً، ويسمى: علم الأخلاق.
والقسم الثاني، تدبير الخاصة، ويسمى: تدبير المنزل.
والقسم الثالث، تدبير العامة، وهو سياسة المدينة والأمة والملك.
ولم أودع هذا الكتاب باباً لهذه الأقسام الثلاثة، إذ كانت مواضعات أهل هذه الصناعة مشهورة بين الخاصة والعامة.
فأما العلم الإلهي فليست له أجزاء ولا أقسام، وقد ذكرت نكتاً منها في الفصل الثاني من هذا الباب.
وأما العلم الطبيعي، فمن أقسامه: علم الطب، وعلم الآثار العلوية، أعني الأمطار والرياح والرعود والبروق ونحوها، وعلم المعادن والنبات والحيوان وطبيعة شيء شيء مما تحت فلك القمر، وصناعة الكيمياء تدخل تحت أقسامه، لأنها باحثة عن المعدنيات.
وأما العلم التعليمي والرياضي، فهو أربعة أقسام: أحدها: علم الارتماطيقي، وهو علم العدد والحساب.
والثاني: الجومطريا، وهو علم الهندسة.
والثالث: علم الأسطرنوميا، وهو علم النجوم.
والرابع: علم الموسيقى، وهو علم اللحون.
فأما علم الحيل فعلم لا يشارك هذه الأربعة وغيرها أيضاً، وقد أفردت لهذه الأقسام أبواباً يشتمل كل باب منها على عدة فصول، وبينت فيها جوامعها، ومواضعات أهلها، وبالله التوفيق.
الفصل الثاني
[عدل]في جمل العلم الإلهي الأعلى
الله تبارك وتعالى وعز وعلا هو موجد العالم، وهو السبب الأول والعلة الأولى، وهو الواحد والحق، وما سواه لا يخلو من كثرة من جهة أو جهات، وصفته الخاصة أنه واجب الوجود وسائر الموجودات ممكنة الوجود.
العقل الفعال: هو القوة الإلهية التي يهتدي بها كل شيء في العالم العلوي والسفلي من الأفلاك والكواكب والجماد ولحيوان غير الناطق والإنسان لاجتلاب مصلحته وما به قوامه وبقاؤه، على قدر ما تتهيأ له، وعلى حسب الإمكان، وهذه القوة التي في الأشياء التي في العالم الطبيعي تسمى: الطبيعة.
العقل الهيولاني، هو القوة في الإنسان، وهي في النفس بمنزلة القوة الناظرة في العين.
والعقل الفعال لها بمنزلة ضوء الشمس للبصر، فإذا خرجت هذه القوة، التي هي العقل الهيولاني، إلى الفعل، تسمى، العقل المستفاد.
النفس، هي القوة التي بها جسم الحي حياً، فإنما يستدل على إثباتها بما يظهر من الأفاعيل عن جسم الحي عند تصوره بها.
النفس الكلية، في مثل الإنسان الكلي الذي هو نوع، كزيد وعمرو، وجميع أشخاص الناس كذلك.
النفس العامة، هي التي تعم نفس زيد وعمرو، وكل شخص من أشخاص الحيوان، ولا وجد لها إلا بالوهم، كما لا وجود للإنسان الكلي إلا بالوهم، وكذلك العقلي الكلي وأما أن تكون النفس نفساً كلية لها وجود بالذات، كما يقوله كثير من المتفلسفة فلا.
الطبيعة، هي القوة المدبرة لكل شيء مما في العالم الطبيعي، والعالم الطبيعي مما تحت فلك القمر إلى مركز الأرض.
الفصل الثالث
[عدل]في ألفاظ يكثر ذكرها في الفلسفة وفي كتبها
هيولي: كل جسم هو الحامل لصورته، كالخشب للسرير، والباب، وكالفضة للخاتم. والخلخال، وكالذهب للدينار والسوار.
فأما الهيولي إذا أطلقت فإنه يعني طينة العالم، أعني جسم الفلك الأعلى وما يحويه من الأفلاك والكواكب.
ثم العناصر الأربعة وما يتركب منها: الصورة، هي هيئة الشيء وشكله التي يتصور الهيولي بها، وبها يتم الجسم كالسريرية والبابية، في السرير والباب، والدينارية والسوارية، في الدينار والسوار.
فالجسم مؤلف من الهيولي، والصورة، ولا وجود لهيولي يخلو عن الصورة إلا في الوهم، وكذلك لا وجود لصورة تخلو عن الهيولي إلا في الوهم.
والهيولي يسمى المادة، والعنصر، والطينة.
والصورة تسمى الشكل والهيئة والصيغة.
الأسطقس، هي الشيء البسيط الذي منه يتركب المركب، كالحجارة والقراميد والجذوع، التي منها يتركب القصر، وكالحروف التي منها يتركب الكلام، وكالواحد الذي منه يتركب العدد، وقد يسمى الأسطقس: الركن.
والأسطقسات الأربعة، هي: النار، والهواء، والماء، والأرض، وتسمى: العناصر.
الكيفيات الأول: هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وإنما سميت أولاً، لأن عند الطبيعيين أن سائر الكيفيات كالألوان، والأراييج، والمذوقات، والثقل، والخفة، والرخاوة، والصلابة، والعلوكة، والهشاشة، متولدة عن هذه الكيفيات الأربع.
مكان الشيء، هو سطح تقعير الهواء الذي فيه الجسم، أو سطح تقعير الجسم الذي يجويه هواء.
الخلاء، عند القائلين به، هو المكان المطلق الذي لا ينسب إلى متمكن فيه، وعند أكثر الفلاسفة: أنه لا خلاء في العالم، ولا خارج العالم.
الزمان، مدة تعدها الحركة، مثل حركة الأفلاك وغيرها من المتحركات.
والمدة، عند بعضهم، الزمان المطلق الذي لا تعده حركة.
وعند أكثرهم: أنه لا توجد مدة خالية عن حركة إلا بالوهم.
الجسم الطبيعي، هو المتمكن الممانع المقاوم، والقائم بالفعل في وقته ذلك، كهذا الحائط، وهذا الجبل، وذلك الإنسان.
الجسم التعليمي، هو المتوهم الذي يقام في الوهم، ويتصور تصوراً فقط.
التجزؤ، ضربان: ضرب تعليمي، أي وهمي، ولا نهاية له، لأنه يمكن أن يتوهم أصغر من كل صغير يتوهم.
وضرب طبيعي، أي مادي ولا نهاية له، لأن المتجزىء من الأجسام يتناهى بالفعل إلى صغير هو أصغر شيء في الطبع، وهو ما لطف عن إدراك حس إياه.
هذا على ما تقوله الفلاسفة، فأما على ما تقوله المعتزلة، فقد مر في باب الكلام.
الحواس الخمس، هي البصر والسمع والذوق والشم واللمس، وفعلها الحس، بالحاء.
قال الخليل: هي الجواس، أيضاً، بالجيم، من التجسيس.
فالمعروف عند المتكلمين والفلاسفة فهو بالحاء، وتسمى أيضاً: المشاعر.
الحاس العام، هو قوة في النفس تؤدي إليها الحواس ما تحسه فيتقبله.
فنطاسيا: هي القوة المخيلة من قوة النفس، وهي التي يتصور بها المحسوسات في الوهم، وإن كانت غائبة عن الحس، وتسمى: القوة المتصورة والمصورة.
والأرواح، عند الفلاسفة، هي ثلاث: الروح الطبيعية، وهي في الحيوان في الكبد، وهي مشتركة بين الحيوان والنبات، وتنبعث في العروق غير الضوارب إلى جميع البدن.
والروح الحيوانية، هي للحيوان الناطق وغير الناطق، وهي في القلب، وتنبعث منه في الشرايين، وهي العروق الضوارب، إلى أعضاء البدن.
والروح النفسانية، وهي في الدماغ تنبعث منه إلى أعضاء البدن في الأعصاب.
النفس، هي للإنسان دون غيره من الحيوان.
الحيوان، هو كل جسم حي.
الموات، هو الجسم غير الحي، وكذلك الجماد. وبعضهم يسمى الجماد: ما لا ينمو، كالحجر ونحوه.
الروح الطبيعية، تسمى، النفس النباتية، والنامية، والشهوانية.
والروح الحيوانية، تسمى، النفس الغضية.
الكمون، هو إستتارالشيء عن الحس، كالزبد الذي في اللبن قبل ظهوره، وكالدهن في السمسم.
الإستحالة: أن يخلع الشيء صورته ويلبس صورته ويلبس صورة أخرى، مثل الطعام الذي يصير دماً في الكبد.
الإرادة: قوة يقصد بها الشيء دون الشيء.
المحال، كجمع المتناقضين في شيء واحد في زمان واحد في جزء واحد وإضافة واحدة.
العالم: جرم الكل.
الكيان، هو الطبع بالسريانية، وبه سمي كتاب سمع الكيان، وهو بالسريانية: شمعاً كياناً.
النواميس، هي السنن التي تضعها الحكماء للعامة لوجه من المصلحة، واحدها: ناموس.