انتقل إلى المحتوى

مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/17

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.


الفصل السابع عشر. حاجي بابا يرتدي ثياباً جديدة ويذهب إلى الحمام ويظهر بصورة جديدة

[عدل]

وبعد أن نجوت من هذه القضية المزعجة وأدركت أنها كانت برمّتها غلطتي أنا، هنأت نفسي أن خلاصي منها كان بهذه الكلفة الزهيدة. فتوجهت من جديد إلى سوق الأقمشة والملابس، وفي المحل الأول الواقع عند باب السوق سألت عن ثمن قطعة قماش أحمر وددتُ أن أجعلها رداءً؛ فقد اعتقدتُ أن ذلك سيضفي علي الاحترام الذي كنت أشعر به دائماً تجاه من يرتدي مثل هذا الرداء. وقال صاحب المتجر بعد أن نظر إلي من رأسي إلى قدمي: «إنه رداء عظيم حقاً! ولمن تريد شراءه، ومن سيدفع ثمنه؟»

فأجبته: «أريده لي بالتأكيد.»

فقال: «ولم يطلب رجل فقير مثلك رداءً كهذا؟ هذا القماش جدير بميرزا أو خان، ولا يبدو عليك أنك واحد منهم.»

هممت بالرد عليه وقد بدأ الغيظ يخنقني حين تقدم مني «دلّال»، أي بائع متجول، يحمل على ظهره كل ألوان الأزياء المستعملة ليبيعها فالتفتُّ إليه وأدرت ظهري إلى صاحب المتجر الذي بقي يناديني وقد ندم إذ نفّر زبوناً بطول لسانه. توجهنا إلى قرنة عند مسجد قريب، حيث أنزل الدلال حمله عن ظهره ونشر بضائعه أمام عيني. أعجبتني سترة فخمة من الحرير مطرزة بخيوط ذهبية من الأمام وأزرارها بلون الذهب فسألته عن سعرها. فشرع الدلال يمدح في جمال السترة ورفعة ذوقي وحلف أنها كانت لجارية جورجية في بيت حريم الشاه ولم تلبسها إلا مرتين فقط، وأجبرني على قياسها وشرع يمشي حولي وهو يصيح: «ما شاء الله! ما شاء الله!»، وسرّني هذا فأردت أن أختار شالاً أتمنطق به يناسب السترة، فأخرج شال كشمير بالياً كله ثقوب ورتوق وأكد لي أنه كان ملكاً لإحدى حريم الشاه، وأضاف أنه سيعطيه لي مقابل ثمن معقول. ودفعني غروري إلى تفضيل هذا الشال على شال كرماني جديد لا يختلف ثمنه عن ثمن الشال الكشميري البالي. تمنطقت بالشال وضبطته لإخفاء عيوبه ولم يبق إلا أن أضع خنجراً تحت النطاق ليكتمل ثوبي، وهذا أيضاً كان موجوداً عند الدلال. وبعد أن ارتديت هذا كله أعجبني منظري فشكرت الدلال الذي لم يتوان عن أن يؤكد لي أن طهران كلها لن تجد فيها رجلاً أنيقاً ووسيماً مثلي.

وعند المحاسبة بدأ الجد. استهل الدلال كلامه بالتأكيد على أنه ليس كسائر الدلالين الذين يطلبون مئةً ثم يبيعون بخمسين، وأنه إذا قال كلمة يمكنني أن أثق بصحتها. ثم طلب مني خمس تومانات مقابل السترة وخمسة عشر مقابل الشال وأربعة مقابل الخنجر، والمجموع أربعة وعشرون توماناً.

عندما سمعت هذا زالت فرحتي إذ لم يكن في جيبي أكثر من عشرين توماناً فبدأت أخلع هذا الزي الفاخر لأعود إلى ملابسي البالية، إلا أن الدلال أوقفني وقال: «قد تعتقد أن هذا السعر باهظ، ولكن برأسي وروحك، لقد اشتريتها بهذا السعر ولا أربح منها شيئاً، فقل لي، كم تعطيني مقابلها؟» فأجبته أن لا مجال لمساومته بهذه الشروط، ولكن إن باعني هذه الأغراض بخمسة تومانات فسأشتريها. فرفض ذلك بازدراء، فخلعت الملابس وأعدتها إليه. وبعد أن وضبها كلها وبدا أن التعامل بيننا قد انتهى تماماً، قال: «أشعر بمودّة نحوك، ولذا سأفعل من أجلك ما لا أفعله من أجل أخي: سأعطيك إياها مقابل عشرة تومانات.» فرفضت مرة أخرى، فبقينا نتساوم حتى اتفقنا على أن أدفع له ستة، فسددتها فوراً فاستلمها وهو يقسم أنه خسر مثلها، وأعطاني أغراضي ثم انصرف.

أما أنا فقد جمعت ملابسي وقررت الذهاب إلى الحمام لتجهيز نفسي. وفي طريقي اشتريت حذاء أخضر ذا كعب عالٍ وقميصاً أزرق من حرير وسروالاً قرمزياً حريرياً، ثم ربطت كل هذا في صرة وتوجهت إلى الحمام.

لم ينتبه إلي أحد وأنا أدخل إلى الحمام، فمنظري الوضيع لم يكن يلفت الأنظار، وخطر على بالي أن الأمور ستتغير حالما أرتدي أزيائي الجديدة. وضعت صرتي في زاوية وخلعت ملابسي هناك لم لففت شرشفاً حول جسمي وتوجهت إلى غرفة الاستحمام.

وهنا كان جميع الناس يظهرون بالهيئة نفسها، وربما أتميز عنهم بقوة جسمي وعرض كتفي وخصري الرفيع. ناديت أحد الدلاكين ليطبق علي جميع العمليات من الفرك باليد ثم التدليك بالليفة كما طلبت منه أن يحلق رأسي ويحضر ما يلزم لصباغة لحيتي وشاربيّ وخصل شعري فضلاً عن راحة اليد وأخمص القدم، وأن يجهز أيضاً لنتف الشعر، أي أنني أعلنت نيتي بأن أرتب جسمي ترتيباً كاملاً.

وحالما بدأ الدلاك بتدليكي مدح بعرض صدري، وتصرفت كمن اعتاد على مثل هذا المديح ومثل هذه المعاملة، وأنا أفكر بالانطباع الذي تتركه الملابس الجديدة على الناظرين. وقال الدلاك أنني أتيت في ساعة سعد لأنه خدم قبلي مباشرةً خاناً أكرمه الشاه بثوب بمناسبة إحضاره باكورة محصول البطيخ من إصفهان، فنصحه المنجمون بالذهاب إلى الحمام في هذا الوقت تحديداً لأن الساعة ملائمة لارتداء ملابس جديدة.

وبعد الانتهاء من كل هذا، أحضر الدلاك بعض الشراشف الناشفة وأخذني إلى حيث تركت ملابسي. كم استمتعت بفتح الصرة وفحص لباسي الفاخر! وشعرت أنني أتجدد كلما ارتديت قطعة منها. لم ألبس الحرير سابقاً. ربطت سروالي بالطريقة العصرية، وعندما سمعت حفيف سترتي تلفتُّ حولي لأرى إن كان أحدٌ ينظر إلي. وتمنطقت بالشال على الطراز العصري، ينخفض من الأمام وينفرد من الوراء، وعندما لمع الخنجر في نطاقي شعرت ألا شيء يفوق هندامي أناقةً ورونقاً. حززت أعلى قبعتي على الطريقة القاجارية أي الملكية ووضعتها على رأسي مائلة إلى الجنب. وعندما أحضر الدلاك لي المرآة في إشارة أن علي أن أحاسبه درت أمامها وقتاً ليس بقصير لأفحص نفسي وألوي شعري وراء أذني وأفتل شاربي نحو عيني. ثم حاسبته بسخاء وتركت ملابسي القديمة له وخرجت بمشية متبخترة.