انتقل إلى المحتوى

معلقة امرئ القيس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​معلقة امرئ القيس​ المؤلف امرؤ القيس


قِفَا نَبْـكِ مِنْ ذِكْـرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّـوَى بَيـْنَ الدَّخُول فَحَوْملِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْـراةِ لمْ يَعْـفُ رَسْمُها
لِمَا نَسَجَتْـهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْـألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَا
وَقِيْـعَانِهَا كَأنَّـهُ حَبُّ فُلْـفُلِ
كَأنِّـي غَدَاةَ البَيْـنِ يَوْمَ تَحَمَّـلُوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْـظَلِ
وُقُوْفاً بِهَا صَحْـبِي عَلَّي مَطِيَّـهُمُ
يَقُوْلُوْنَ:لاَ تَهْـلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّـلِ
وإِنَّ شِفائِي عَبْـرَةٌ مُهْـرَاقَةٌ
فَهَلْ عِنْدَ رَسْـمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْـرِثِ قَبْـلَهَا
وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْـكُ مِنْـهُمَا
نَسِيْـمَ الصَّـبَا جَاءَتْ بِرَيَّـا القَرَنْفُلِ
فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْـنِ مِنِّي صَبَابَةً
عَلَى النَّـحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي مِحْـمَلِي
ألاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْـهُنَّ صَالِحٍ
وَلاَ سِيَّـمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْـجُلِ
ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْـعَذَارَي مَطِيَّـتِي
فَيَا عَجَباً مِنْ كورها المُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِيْـنَ بِلَحْـمِهَا
وشَحْـمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْـسِ المُفَتَّـلِ
ويَوْمَ دَخَلْـتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْـزَةٍ
فَقَالَتْ:لَكَ الوَيْـلاَتُ!،إنَّـكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْـطُ بِنَا مَعاً:
عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْـزِلِ
فَقُلْـتُ لَهَا:سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَه
ولاَ تُبْـعدِيْـنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّـلِ
فَمِثْـلِكِ حُبْـلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ
فَأَلْـهَيْـتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْـوِلِ
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْـفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ
بِشَقٍّ،وتَحْـتِي شِقُّـهَا لَمْ يُحَوَّلِ
ويَوْماً عَلَى ظَهْـرِ الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ
عَلَيَّ، وَآلَتْ حَلْـفَةً لم تَحَلَّـلِ
أفاطِمَ مَهْـلاً بَعْـضَ هَذَا التَّـدَلُّلِ
وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزمعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَةٌ
فسُلّـي ثيابي من ثيابِكِ تَنْـسُلِ
أغَرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِي
وأنَّـكِ مَهْـمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ؟
وَمَا ذَرَفَتْ عَيْـنَاكِ إلاَّ لِتَضْـرِبِي
بِسَهْـمَيْـكِ فِي أعْـشَارِ قَلْـبٍ مُقَتَّلِ
وبَيْـضَةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَا
تَمَتَّـعْـتُ مِنْ لَهْـوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
تَجَاوَزْتُ أحْـرَاساً إِلَيْـهَا وَمَعْشَراً
عَلَّـي حِرَاصاً لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْـتَلِي
إِذَا مَا الثُّـرَيَّـا فِي السَّـمَاءِ تَعَرَّضَتْ
تَعَرُّضَ أَثْـنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّـلِ
فَجِئْـتُ وَقَدْ نَضَّـتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا
لَدَى السِّـتْـرِ إلاَّ لِبْـسَةَ المُتَفَضِّلِ
فَقَالتْ:يَمِيْـنَ اللهِ، مَا لَكَ حِيْـلَةٌ،
وَمَا إِنْ أَرَى عَنْـكَ الغَوَايَةَ تَنْـجَلِي
خَرَجْـتُ بِهَا تمْـشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا
عَلَى أَثَرَيْـنا ذيل مِرْطٍ مُرَحَّـلِ
فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى
بِنَا بَطْـنُ خَبـْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رَأْسِهَا فَتَمَايَلَتْ
عَليَّ هَضِيْـمَ الكَشْـحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ
إذا التفتت نحوي تضوّع ريحُها
نسيمَ الصَّـبا جاءت بريا القرنفُلِ
مُهَفْـهَفَةٌ بَيْـضَاءُ غَيْـرُ مُفَاضَةٍ
تَرَائِبُهَا مَصْـقُولَةٌ كَالسَّـجَنْـجَلِ
كَبِكْـرِ المُقَانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْرَةٍ
غَذَاهَا نَمِيْـرُ المَاءِ غَيْـرُ مُحَلَّـلِ
تَصُدُّ وتُبْـدِي عَنْ أسِيْـلٍ وَتَتَّـقي
بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْـشِ وَجْـرَةَ مُطْـفِلِ
وجِيْـدٍ كَجِيْـدِ الرِّيمِ لَيْـسَ بِفَاحِشٍ
إِذَا هِيَ نَصَّـتْـهُ وَلاَ بِمُعَطَّـلِ
وفَرْعٍ يَزِيْـنُ المَتْـنَ أسْـوَدَ فَاحِمٍ
أثِيْـثٍ كَقِنْـوِ النَّـخْـلَةِ المُتَعَثْكِلِ
غَدَائِرُهُ مُسْـتَشْـزِرَاتٌ إلَى العُلا
تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ
وكَشْـحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْـلِ مُخَصَّرٍ
وسَاقٍ كَأُنْـبُوبِ السَّـقِيِّ المُذَلَّـلِ
وَتُضْـحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَا
نَؤُومُ الضَّـحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
وتَعْـطُو بِرَخْـصٍ غَيْـرَ شَشْـنٍ كَأَنَّهُ
أَسَارِيْـعُ ظَبْـيٍ أَوْ مَسَاويْـكُ إِسْـحِلِ
تُضِيءُ الظَّـلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّـهَا
مَنَارَةُ مُمْـسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّـلِ
إِلَى مِثْـلِهَا يَرْنُو الحَلِيْـمُ صَبَابَةً
إِذَا مَا اسْـبَكَرَّتْ بَيْـنَ دِرْعٍ ومِجْـوَلِ
تَسَلَّـتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصّـِبَا
ولَيْـسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاكِ بِمُنْـسَلِ
ألاَّ رُبَّ خَصْـمٍ فِيْـكِ أَلْـوَى رَدَدْتُهُ
نَصِيْـحٍ عَلَى تَعْـذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَلِ
ولَيْـلٍ كَمَوْجِ البَحْـرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ
عَلَيَّ بِأَنْـوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْـتَلِي
فَقُلْـتُ لَهُ لَمَّـا تَمَطَّـى بِصُلْـبِهِ
وأَرْدَفَ أَعْـجَازاً وَنَاءَ بِكَلْـكَلِ
ألاَ أَيُّـهَا اللَّـيْـلُ الطَّـوِيْـلُ ألاَ انْـجَلِي
بِصُبْـحٍ، وَمَا الإصْـبَاحُ منِكَ بِأَمْثَلِ
فَيَا لَكَ مَنْ لَيْـلٍ كَأنَّ نُجُومَهُ
بكل مُغار الفتل شُدّت بيذبل
كَأَنَّ الثُرَيّـا عُلِّـقَت في مَصامِها
بِأَمْـرَاسِ كَتَّـانٍ إِلَى صُمِّ جَنْـدَل ِ
وَقَدْ أغْـتَدِي والطَّـيْـرُ فِي وُكُنَاتِهَا
بِمُنْـجَرِدٍ قَيْـدِ الأَوَابِدِ هَيْـكَلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْـبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً
كَجُلْـمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّـيْلُ مِنْ عَلِ
كَمَيْـتٍ يَزِلُّ اللَّـبْـدُ عَنْ حَالِ مَتْـنِهِ
كَمَا زَلَّـتِ الصَّـفْـوَاءُ بِالمُتَنَزَّلِ
مِسِحٍّ إِذَا مَا السَّـابِحَاتُ عَلَى الوَنى
أَثَرْنَ الغُبَارَ بِالكَدِيْـدِ المَرَكَّلِ
عَلَى الذبل جَيَّـاشٍ كأنَّ اهْـتِزَامَهُ
إِذَا جَاشَ فِيْـهِ حَمْـيُهُ غَلْـيُ مِرْجَلِ
يزل الغُلاَمُ الخِفَّ عَنْ صَهَوَاتِهِ
وَيُلْـوِي بِأَثْـوَابِ العَنِيْـفِ المُثَقَّـلِ
دَرِيْـرٍ كَخُذْرُوفِ الوَلِيْـدِ أمَرَّهُ
تقلب كَفَّـيْـهِ بِخَيْـطٍ مُوَصَّـلِ
لَهُ أيْـطَلا ظَبْـيٍ، وَسَاقَا نَعَامَةٍ
وإِرْخَاءُ سَرْحَانٍ، وَتَقْـرِيْـبُ تَتْـفُلِ
كَأَنَّ عَلَى الكتفين مِنْهُ إِذَا انْتَحَى
مَدَاكُ عَرُوسٍ أَوْ صَلايَةَ حَنْـظَلِ
وبَاتَ عَلَيْـهِ سَرْجُهُ ولِجَامُهُ
وَبَاتَ بِعَيْـنِي قَائِماً غَيْرَ مُرْسَلِ
فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ
عَذَارَى دَوَارٍ فِي مُلاءٍ مُذيَل
فَأَدْبَرْنَ كَالجِزْعِ المُفَصَّـلِ بَيْنَهُ
بِجِيْـدٍ مُعَمٍّ فِي العَشِيْـرَةِ مُخْوِلِ
فَأَلْـحَقَنَا بِالهَادِيَاتِ ودُوْنَهُ
جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تُزَيَّـلِ
فَعَادَى عِدَاءً بَيْـنَ ثَوْرٍ ونَعْـجَةٍ
دِرَاكاً، وَلَمْ يَنْـضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ
وَظَلَّ طُهَاةُ اللَّـحْمِ مِن بَيْنِ مُنْـضِجٍ
صَفِيفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيْـرٍ مُعَجَّلِ
ورُحْـنَا وَراحَ الطَّـرْفُ ينفض رأسه
مَتَى تَرَقَّ العَيْـنُ فِيْـهِ تَسَفَّلِ
كَأَنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بِنَحْـرِهِ
عُصَارَةُ حِنَّـاءٍ بِشَيْـبٍ مُرَجَّـلِ
وأنت إِذَا اسْـتَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ
بِضَافٍ فُوَيْـقَ الأَرْضِ لَيْـسَ بِأَعْزَلِ
أحارِ تَرَى بَرْقاً أُرِيْـكَ وَمِيْـضَهُ
كَلَمْـعِ اليَدَيْـنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ
يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِبٍ
أَمان السَّـلِيْـطَ بالذُّبَالِ المُفَتَّلِ
قَعَدْتُ لَهُ وصُحْـبَتِي بَيْنَ حامر
وبَيْـنَ إكام، بُعْـدَمَا مُتَأَمَّـلِي
فأَضْـحَى يَسُحُّ المَاءَ عن كل فيقةٍ
يَكُبُّ عَلَى الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ
وتَيْـمَاءَ لَمْ يَتْـرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْـلَةٍ
وَلاَ أُطُمـاً إِلاَّ مَشِيداً بِجِنْـدَلِ
كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ المُجَيْـمِرِ غُدْوَةً
مِنَ السَّـيْـلِ وَالغُثّـاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ
كَأَنَّ أباناً فِي أفانين ودقه
كَبِيْـرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّـلِ
وأَلْـقَى بِصَحْـرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَهُ
نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المحملِ
كَأَنَّ سباعاً فِيْـهِ غَرْقَى غُديّـة
بِأَرْجَائِهِ القُصْـوَى أَنَابِيْشُ عَنْصُلِ
عَلَى قَطَنٍ، بِالشَّـيْـمِ، أَيْـمَنُ صَوْبِهِ
وَأَيْـسَرُهُ عَلَى السِّـتَارِ فَيَذْبُل
وَأَلْـقى بِبَيسانَ مَعَ الليلِ بَرْكَهُ
فَأَنْـزَلَ مِنْـهُ العُصْـمَ مِنْ كُلِّ مَنْزِلِ