معاني وغريب القرآن
( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) البقرة 2 لا ريب : لا شك. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( ومما رزقناهم ينفقون ) البقرة 3 أي : يزكون ويتصدقون. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) البقرة 24 وقودها : بالفتح : الحطب، وبالضم : التوقد. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون ) البقرة 25 وأتوا به متشابها : أي يشبه بعضه بعضا في المناظر دون الطعوم. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها..) البقرة 26 فما فوقها :أي دونها في الصغر، وقيل أكبر منها. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) البقرة28 وكنتم أمواتا : أي نطفا في الأرحام. المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي
( ونحن نسبح بحمدك ونقدس ) البقرة 30 ونقدس : نطهر، وقيل نعظمك ونكبرك. المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي
( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا ) البقرة 35 رغدا : واسعا. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ) البقرة 36 فأزلهما : فأزالهما بالألف من الزوال أي نحّاهما، وبغير الألف من الزلل أي استزلهما. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) البقرة 37
فتلقى: قبلها وأخذ بها.
المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي
(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) البقرة44 تنسون أنفسكم : تتركونها. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) البقرة 45 واستعينوا بالصبر : أي الصوم، والصائم صابر لحبسه نفسه عن الأكل والشرب، والصبر : أصله الحبس عن الشيء. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) البقرة 46 الذين يظنون أنهم : أي يعلمون ويوقنون المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي . التفسير الكبير.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) البقرة47 على العالمين : على عالم زمانهم ، فضلهم على عالم ذلك الزمان ,لان الذين فضلهم على العالمين مطلقا هم أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، لقوله ( كنتم خير امة اخرجت للناس ) آل عمران. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الطبري.
( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ) البقرة 48 لا تجزي نفس : أي لا تغني . عدل : فدية . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) البقرة 49 يسومونكم : يذيقونكم . يستحيون : يستبقون نساءكم أي: بناتكم. وإنما استبقوا نساءكم للاستذلال والخدمة. وفي ذالكم بلاء من ربكم عظيم : أي نعمة عظيمة ، وبه قال ابن عباس ومجاهد. المصدر: . زاد المسيرلابن الجوزي. . تفسير الجلالين.
( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ) البقرة 53 الفرقان : ما فرق به بين الحق والباطل . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ) البقرة55 الصاعقة : أي الموت. يدلك على ذلك قوله: ثم بعثناكم من بعد موتكم. المصدر : . غريب القرآن لابن قتيبة.
( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) البقرة 57 الغمام : السحاب . المن : سائل يقع على الشجر يُشْبِهُ العَسَلَ، وقيل: نَوْعٌ مِنَ الحَلْوَى. المصدر : . زاد المسيرلابن الجوزي. . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) البقرة 60 تعثوا : تفسدوا وهو أشد الفساد . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
(فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها) البقرة 61 فومها :الثوم . قاله الربيع بن أنس . وعن ابن عباس يقول: الحنطة والخبز . المصدر : . تفسير الطبري.
( وباءوا بغضب من الله ) البقرة 61 وباؤوا : ورجعوا . المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي
( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ) البقرة62
والصابئين : قوم يعبدون الملائكة ، يصلون إلى القبلة ، ويقرءون الزبور . قاله قتادة .
المصدر : . تفسير الطبري.
( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) البقرة 65 اعتدوا : تعدوا . خاسئين : مبعدين من رحمة الله . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين)البقرة66 جعلناها نكالا : فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة- نكالا. قاله ابن عباس . المصدر : . تفسير الطبري.
(قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) البقرة68 لا فارض : أي لا مسنة . ولا بكر : صغيرة . عوان : أي بين صغيرة وكبيرة . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
قوله تعالى ( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) البقرة (71) لا ذلول: ليست منقادة؛ صعبة. تثير الأرض: أي تُقَلِّبها للزراعة. مسلمة: من العمل في السقيا ونحوها، وصحيحة؛ مبرأة من العيوب. لا شية فيها: لا بياض فيها، ولا لون فيها سوى لون جلدها الأصفر. _____ المصدر: أنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير مقاتل، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي.
( قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ) البقرة 71 لا ذلول :غير مذللة بالعمل . تثير الأرض :تقلب الأرض للحرث - تُقَلِّبها للزراعة . لا تسقي الحرث : لا تعمل في الحرث . مسلمة :من العيوب وآثار العمل - صحيحة لا عيب فيها . لا شية فيها : لا لون فيها سوى لون جلدها - لونها واحد . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الطبري. . تفسير ابن كثير.
(وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون)البقرة72 فادارئتم : الدرء: الدفع فالمتخاصِمُونَ كل منهم يدفع عن نفسه التهمة. المصدر : . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) البقرة 78 قال ابن عباس: يريد إلا قولاً يقولونه بأفواههم كذباً . وبه قال مجاهد واختاره الفراء . أماني : إلا أن يتلى عليهم. المصدر : . زاد المسيرلابن الجوزي. . المفردات في غريب القرآن للأصفهاني.
( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) البقرة 80 وقالوا : أي اليهود ، أياما معدودة: أربعين يوماً، قاله ابن عباس وعكرمة، وأبو العالية، وقتادة، والسدي. المصدر : . زاد المسيرلابن الجوزي.
(وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون) البقرة 84 أي: لا يسفك بعضكم دم بعض، ولا يخرج بعضكم بعضاً من داره . ثم أقررتم : أي ثم قبلتم ذلك وأقررتم به. - والخطاب لبني قريظة وبني النضير من اليهود وبني قينقاع. المصدر : . زاد المسيرلابن الجوزي. . غريب القرآن لابن قتيبة.
( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان .. ) البقرة 85 تظاهرون عليهم : تعاونون عليهم . المصدر : . المفردات في غريب القرآن للأصفهاني.
( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) البقرة 87
وقفينا من بعده بالرسل : أتبعنا وأردفنا . وأيدناه : قويناه. روح القدس : جبريل . المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي . زاد المسيرلابن الجوزي.
( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) البقرة: (88) قوله ( غُلْفٌ): بمعنى أنها في أغشية، وأغطية. قاله الطبري. قالت كاملة الكواري: جمع: أغلف، وهو كل شيء جعلته في غلاف، فزعموا أن قلوبهم في أغلفة مغطاة لا تصل إليها دعوة الرسل. _____ المصدر: تفسير الطبري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) البقرة 93 وأشربوا في قلوبهم العجل : أي حب العجل . المصدر : . التبيان لابن الهائم.
( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ) البقرة 104 كلمة كان اليهود يقولونها للنبي - ﷺ - بقصد السب، ونسبته إلى الرعونة. المصدر : . السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) البقرة 106 ننسها : نمحها من القلوب . قال مكي : ننساها : أي ننسكها يا محمد من النسيان. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي) القرة 114 نزلت في الرّوم حين ظهروا على بيت المقدس فخرّبوه. فلا يدخله أحد أبدا منهم إلّا خائف. لهم في الدنيا خزي : أي هوان, وذكر المفسرون: أنه فتح مدينتهم رومية المصدر : . غريب القرآن لابن قتيبة.
( وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون ) البقرة 116 كل له قانتون : أي مقرون بالعبودية، وفي غير هذا طول القيام . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )| البقرة 124
بكلمات : أي بشرائع وأوامر ونواه . فأتمهن : أي عمل بهن كلهن. المصدر : . غريب القرآن لابن قتيبة. . تفسير ابن كثير.
( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ) البقرة 125 مثابة : أي الناس يعودون إليه مرة بعد مرة، من قولك: ثبت إلى كذا. وليس معناه من الثواب . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . زاد المسيرلابن الجوزي.
( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) البقرة 127 قواعد : أساس البيت، مفردها قاعدة، ومفرد قواعد النساء، قاعد : وهي العجوز . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا) البقرة 128 وأرنا مناسكنا : أي علمناها. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) البقرة 130 سفه نفسه : أي إلا من أهلك نفسه، قاله أبو عبيدة. وقيل : سفه نفسه، قاله الأخفش . المصدر : . زاد المسيرلابن الجوزي.
( وإن تولوا فإنما هم في شقاق ) البقرة 137 في شقاق : أي في عداوة . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ) البقرة143 أي : صلاتكم الى بيت المقدس، قبل أن تحول القبلة الى الكعبة . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) البقرة 147 الممترين : الشاكين . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( ولكل وجهة هو موليها) البقرة 148 أي : قبلة، هو موليها وجهه. وقال السعدي : كل أهل دين وملة له وجهة يتوجه إليها في عبادته.. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير السعدي.
( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) البقرة 157 صلاة الله : ثناء. المصدر : . تفسير السعدي.
( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ) البقرة 167 كرة : رجعة. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) البقرة 170 ألفينا : أي وجدنا. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) البقرة 171 أي : مثل الذين كفروا كمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت،فلو قال لها أرعي أو اشربي، لم تدر ما يقول لها. فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن وانذار الرسول. المصدر : . معاني القرآن للفراء.
(فما أصبرهم على النار ) البقرة 175 أي : فما أجرأهم على النار. وقيل : ما أعملهم بعمل أهل النار. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) البقرة 178 كتب عليكم : أي فرض عليكم . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
(فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) البقرة 178 أي :ترك له، وقيل هي قبول الدية في العمد . قال ابن الجوزي :من دم أخيه أي: ترك له القتل، ورضي منه بالدية. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . زاد المسيرلابن الجوزي.
( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) البقرة 178 أي : قتل بعد أخذ الدية من الجاني، قال قتادة : يقتل ولا يقبل منه الدية . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) البقرة 187 الرفث : الجماع . قاله ابن عباس . المصدر : . تفسير الطبري.
( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ) البقرة 187 تختانون : تخنون . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ) البقرة 187 وابتغوا : الولد . قاله ابن عباس . المصدر : . تفسير الطبري.
( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) البقرة 187 أي : سواد الليل من بياض الفجر . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام) البقرة188 أي : شهادات الزور . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) البقرة 189 وهو أنهم كانوا إذا حجوا، ثم قدموا المدينة، لم يدخلوا من باب، ويأتون البيوت من ظهورها، فنسي رجل، فدخل من باب، فنزلت: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها هذا قول البراء بن عازب. المصدر : . زاد المسيرلابن الجوزي.
( واقتلوهم حيث ثقفتموهم )البقرة 191 ثقفتموهم : وجدتموهم . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( والفتنة أشد من القتل) البقرة 191 الفتنة : الشرك أشد من القتل في الحرم. المصدر : . غريب القرآن لابن قتيبة.
( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) البقرة 196 فإن احصرتم : الإحصار كل ماحبس الحاج من مرض أو خوف . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) البقرة 196 فما استيسر من الهدي : أي فما تيسر من الهدى وأمكن. والهدى ما أهدي إلى البيت . المصدر : . غريب القرآن لابن قتيبة.
( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) البقرة197 فلا رفث : لا جماع . ولا فسوق : أي لاسباب . ولا جدال : أي لا مراء . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( واذكروا الله في أيام معدودات ) البقرة 203
أي : ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق .
والأيام المعلومات : عشر ذي الحجة.
المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . غريب القرآن لابن قتيبة. . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) البقرة 204 ألد الخصام : أي أشدهم خصومة . قال الجلالان : شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك وهو الأخنس بن شريق كان منافقا . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الجلالين.
( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) البقرة205 واذا تولى :أي خرج من عندك. وعن ابن عباس : غضب. ويهلك الحرث : أي الزرع بالحرق . والنسل : نسل كل دابة . قاله ابن عباس . المهاد : الفراش . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الطبري. . زاد المسيرلابن الجوزي.
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) البقرة 207 يشري أي : يبيعها . يشري: أي يبيع؛ لأن شرى بمعنى باع، فإذا حذفت التاء فهي للبائع المعطي، أما اشترى فهو بمعنى ابتاع، فإذا وجدت التاء فهي للمشتري الآخذ. المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) البقرة 214 وزلزلوا : خوفوا وحركوا بما يؤذي . وقيل: معناه جاءتهم الشّدائد من قبل أعدائهم المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . التبيان لابن الهائم. . زاد المسير.
( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير ) البقرة 215 ماذا ينفقون : ماذا يعطون ويتصدقون . من خير : أي من مال. دليله قوله ( وانه لحب الخير لشديد ( . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . غريب القرآن لابن قتيبة.
( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) البقرة 216
كتب عليكم القتال : أي فرض عليكم .
كره : الكره بالضم المشقة .
عن معاذ بن مسلم، قال: الكُرْه المشقة، والكَرْه الإجبار.
المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الطبري.
( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) البقرة 217 حبطت أعمالهم : أي بطلت. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( يسألونك عن الخمر والميسر ) البقرة 219 الميسر : القمار . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) البقرة 219 قل العفو : أي يعطي ما فضل عن قوته ووقوت عياله وما يصلحه . قال ابن الجوزي : أنه ما يفضل عن حاجة المرء وعياله، رواه مقسم عن ابن عباس. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . زاد المسيرلابن الجوزي.
( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) البقرة 223 نساؤكم حرث لكم : أي هن لكم للولد بمنزلة الارض للزارع . أنى شئتم : أي كيف شئتم في موضع الولد . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
(ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ) البقرة 224 أي لا تجعلوا يمينكم به مانعا من أن تبروا, ولكن اذا خلفتم على أن لا تطيعوا أو على أن تعصوا فكفروا واطيعوا ولا تعصوا المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) ابقرة 225 باللغو : : اللغو في اليمن أن يحلف على الشيء يتحققه ثم يظهر له أنه بحلاف ذلك . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) البقرة 226 يؤلون : أي يحلفون ألا يقربوا نساءهم . فإن فاؤا : أي رجعوا الى وطئ نسائهم . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) البقرة 228 قروء :هو الطهر أو الحيض قولان، وهذا في المدخول بهن أما غيرهن فلا عدة عليهم . المصدر : . تفسير الجلالين.
( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ) البقرة 228 وبعولتهن : أزواجهن . أحق بردهن : بمراجعتهن ولو أبين. في ذلك : أي في زمن التربص . يعني لهم الرجعة مالم تدخل في الحيضة الثالثة . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الجلالين.
( وللرجال عليهن درجة ) البقرة 228 درجة : فضيلة في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما ساقوه من المهر والإنفاق. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ) البقرة 232 تعضلوهن : تمنعوهن من التّزوّج. خطاب للأولياء أي لا تمنعوهن من {أن ينكحن أزواجهن} المطلقين لهن . المصدر : . التبيان لابن الهائم. . تفسير الجلالين.
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة : 233 قوله ( فإن أرادا فصالاً ): أي فطاما للصبي عن الرضاعة؛ قبل الحولين ( السنتين )؛ عن اتفاقٍ بين الزوجين؛ ومشاورةٍ منهم للأهل الخبرة؛ إن أخبروا أن الفطام في ذلك الوقت لا يضر بالولد؛ كل ذلك كي لا يظلم الصبي. وليس معناه الطلاق؛ كما يتوهم البعض؛ وأن التشاور والتراضي عليه؛ وهذا خطأ. والصواب ما ذُكر. ومنه قوله تعالى ( وفصاله في عامين ): قال يحيى بن سلام، وابن فورك: فطامه. قال الماوردي( في النكت والعيون ): يعني بالفصال الفطام من رضاع اللبن. وقال السمرقندي: يعني: فطامه بعد سنتين من وقت الولادة وقوله ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ): قال الزجاج، وابن أبي زمنين: فطامُه. قال ابن المظفر الرازي: الفصال هو الفطام. قال الشافعي ( في تفسيره)؛ في قوله ( فإن أرادا فصالا عن تراض منهما ): وذلك لا يكون - والله أعلم - إلا بالنظر للمولود من والديه، أن يكون يريان أن فصاله قبل الحولين خير له من إتمام الرضاع له، لِعلَّةِ تكون به، أو بمرضعته، وأنه لا يقبل رضاع غيرها، أو ما أشبه ذلك. قال الراغب الأصفهاني: والفصال: التفريق بين الصبي والرضاع. قال ابن قتيبة: و ( الفصال ) : الفطام. يقال: فصلت الصبي؛ إذا فطمته. ومنه قيل للحوار إذا قطع عن الرضاع فصيل؛ لأنه فصل عن أمه. قال أحمد صقر؛ محقق الكتاب ( غريب القرآن لابن قتيبة ) في الحاشية : والحوار: ولد الناقة في عامه الأول، وفصاله في أول الثاني كما في آداب الشافعي 242. قال الزجاج: أي فطاما وتراضيا بذلك بعد أن تشاورا وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا. قال مجاهد( في تفسيره ): قوله: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما، فلا جناح عليهما. و روى ابن أبي حاتم بسنده إلى مجاهد فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور قال: التشاور: ما دون الحولين، ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى، وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى. قال القاسمي: فإن أرادا، يعني الزوج والمرأة فصالا: أي فصال الصبي عن اللبن قبل الحولين- يعني: فطاما عن تراض منهما، بتراضي الأب والأم وتشاور بمشاورتهما فلا جناح عليهما، أي: على الأب والأم إن لم يرضعا ولدهما سنتين. _____ المصدر أنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني غريب القران لابن قتيبة تحيق أحمد صقر، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، التصاريف ليحيى بن سلام، معاني القرآن للزجاج، تفسير الشافعي، تفسير مجاهد، تفسير ابن أبي حاتم، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير البغوي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير السمرقندي،تفسير ابن فورك،النكت والعيون للماوردي.
( لا تكلف نفس إلا وسعها ) البقرة 233 وسعها : طاقتها . المصدر: . التبيان لابن الهائم.
( لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ) البقرة 235 أي : أي: نكاحا . يقول: لا تواعدوهن بالتزويج - وهن في العدة - تصريحا بذلك. أن تقولوا قولا معروفا : أي ما عرف شرعا من التعريض فلكم ذلك . المصدر : . غريب القرآن لابن قتيبة. . تفسير الجلالين.
( ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى ) البقرة 246
أي : الجماعة - وجوه القوم وأشرفهم . {من بني إسرائيل من بعد} موت {موسى} المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الجلالين.
( وزاده بسطة في العلم والجسم ) البقرة 247 بسطة : أي سعة . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي ( وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ) البقرة 248 عن ابن عباس قال : عصاه ورضاض ( فتات ) الألواح . وكذا قال قتادة والسدي والربيع بن أنس وعكرمة وزاد : والتوراة . المصدر : . تفسير الطبري. . لسان العرب ابن منظور.
( ولا يئوده حفظهما ) البقرة 255 يؤوده : يثقله . والوأد الثقل ، ومنه سميت الموؤدة ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيئدها ، أي يثقلها حتى تموت . المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير البغوي.
( ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ) البقرة256 لا انفصام لها : أي لا انكسار لها . وقيل : لا تنفك ولا تنحل بحال من الأحوال. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وهي خاوية على عروشها ) القرة 259 عروشها : العروش السقوف. وقيل: ساقطة بعضها على بعض. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . السراج في بيان غريب القرآن.
( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما ) البقرة 259 ننشزها : نركب بعضها على بعض، من النشز وهو الارتفاع، فركب العظم على العظم الثاني في مكانه حتى صار الحمار عظاما، ثم كساه الله لحما. المصدر : . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا )البقرة 264 صفوان : الصخرة الملساء . وابل : مطر شديد . صلدا : صلبا أملس لا شيء عليه . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الجلالين.
(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل) البقرة 265 وتثبيتا من أنفسهم :احتسابا. قاله قتادة، وقيل : يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم على يقين بالثواب. قاله الشعبي. بربوة : المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار . أكلها : ثمرها. وابل : مطر شديد. فطل : كل ما صغر من نقط المطر. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الجلالين. . تفسير البغوي. . تفسير القرطبي.
( فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) البقرة 266 إعصار : الريح الشديدة تعصف وتسدير وترتفع إلى السماء بتراب كأنه عمود. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) البقرة 267 ولا تيمموا الخبيث : أي لا تقصدوا له فتصدقوا به، وهو الرديء من التمر والمال. إلا أن تغمضوا فيه : بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله. المصدر: تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الجلالين.
( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا ) البقرة 273 الجاهل هنا الذي لم يختبرهم، فهو جاهل بحالهم. إلحافا :أي إلحاحا، يقال ألحف الرجل إذا ألح. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي
( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) البقرة 275
الذين يأكلون الربا لا يقومون : يعني: يوم القيامة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه، أي: يصرعه الشيطان . المس : الجنون . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير البغوي.
( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) البقرة 279 فأذنوا : فاعلموا . عن ابن عباس رضي الله عنهما: يقال لآكل الربا يوم القيامة: خذ سلاحك للحرب. المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير البغوي.
( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد ) البقرة282 أن تضل إحداهما : أن تنسى الشهادة . ولا تسأموا أن تكتبوه : تمولوا أن تكتبوه ، ولو كان الدين صغيرا مبلغه. أقسط : أعدل . يضار كاتب : أي لا يكتب مالم يملل عليه .وقيل : لا يضارر «كاتب» أي يأتيه فيشغله عن سوقه وصنعته. ولا شهيد : أي لا يشهد بما لم يشهد عليه . المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . غريب القرآن لابن قتيبة. . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( لا نفرق بين أحد من رسله ) البقرة 285
أي : فنؤمن بواحد، ونكفر بواحد. قال الجلالان : فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى . المصدر : . تفسير الجلالين. . غريب القرآن لابن قتيبة.
( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ) البقرة 286 إصرا : أمرا يثقل علينا حمله . وقال البغوي : أي عهدا ثقيلا وميثاقا لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه . وقيل : مشقة وثقلا. وقيل : تكليفا شاقا يثقل علينا ويأسرنا، فيحبسنا عن العمل. أنت مولانا : ولينا المصدر : تفسير المشكل لمكى القيسي . تفسير الجلالين. . تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري. . السراج في بيان غريب القرآن للخضيري. . تفسير البغوي.
( وما يذكر إلا أولو الألباب) آل عمران 7 أي : ذوو العقول . المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي
( كدأب آل فرعون ) آل عمران 11 أي : كعادتنا في اهلاكهم. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي.
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) آل عمران 14 المقنطرة : المكملة، وقيل المضاعفة. وقال السيوطي : المجمعة. المسومة : الراعية. وقال السيوطي : الحسان. المآب : المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره . المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي , تفسير الجلالين
( الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) آل عمران 17 القانتين : المصلين . وقال السيوطي : المطيعين . بالأسحار : بآخر الليل. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي , تفسير الجلالين السراج في بيان غريب القرآن
( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) آل عمران 24 يفترون : يختلقون من الكذب . المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي.
( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) آل عمران 27 تولج الليل في النهار : أي يدخل هذا في هذا، فما زاد في واحد نقص من الآخر مثله . قال ابن عباس، ومجاهد: ما ينقص من أحدهما يدخل في الآخر. وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي : يخرج الحي من الميت، كما يخرج الزروع والأشجار المتنوعة من بذورها، والمؤمن من الكافر؛ والميت من الحي، كما يخرج الحب والنوى، والزروع من الأشجار، والبيضة من الطائر فهو الذي يخرج المتضادات بعضها من بعض، وقد انقادت له جميع العناصر. المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي , زاد المسير لابن الجوزي تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري
( إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ) آل عمران 35
محررا : عتيقا خالصا من شواغل الدنيا لخدمة بيتك المقدس . وقال غلام ثعلب : معتقا معدا لطاعتك فِي بَيت الْمُقَدّس. المصدر : تفسير الجلالين ياقوتة الصيراط لغلام ثعلب
( وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ) آل عمران 39 حصورا :الذي لا يأتي النساء. قاله ابن عباس . وقال ابن الهائم : الذي لا يأتي النساء، لا حاجة له فيهن بلغة كنانة. المصدر : مسائل نافع بن الازرق لعبدالله بن عباس التبيان لابن الهئم
( قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) آل عمران 41 آية : علامة . رمزا :أي إشارة بالعين أو اليد والإيماء بالرأس. وقال ابن عباس : الإشارة باليد، والوحي بالرأس. المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري , مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس
( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) آل عمران 44 أقلامهم : في الماء يقترعون ليظهر لهم {أيهم يكفل} يربي {مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به وإنما عرفته من جهة الوحي . قالت كاملة الكواري: أقلامهم: التي يكتبون بها، وقيل: إن المراد بها سهامهم التي تكون في النصل يرمون بها. وقال ابن قتيبة : أي: قداحهم، يقترعون على مريم. المصدر: تفسير الجلالين تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري , غريب القرآن لابن قتيبة,
( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين ) آل عمران 61
فمن حاجك فيه: في عيسى.
وأنفسنا وأفسكم: أي اخواننا واخوانكم.، كقوله (ولا تلمزوا أنفسكم) أي: لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين. ثم نبتهل: نتضرع في الدعاء، ندع باللعنة على الكاذب منا.
المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي تفسير الجلالين السراج في بيان غريب القرآن زاد المسير لابن الجوزي , غريب القرآن لابن قتيبة,
( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) آل عمران 64 سواء : أي عدل بيننا وبينكم. قاله ابن عباس . المصدر : , مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس
( ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ) آل عمران 75 قال السيوطي : أي إثم لاستحلالهم ظلم من خالف دينهم . وقال مكي : كانت اليهود تقول : ليس للأميين يعنون العرب الذين أسلموا، حرمة اهل الكتاب ، تحل لنا اموالهم بغير حق . المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي تفسير الجلالين ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ) آل عمران78 يلوون : يقلبون ألسنتهم بالتحريف والزيادة. المصدر : , غريب القرآن لابن قتيبة,
( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب ) آل عمران 79 ربانيين :عن ابن عباس : كونوا حكماء فقهاء . قال سيبويه: الرباني: المنسوب إلى الرب بمعنى كونه عالما به ومواظبا على طاعته. وقال السيوطي .علماء عاملين منسوبين إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيما . المصدر : تفسير الجلالين تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري . تفسير الطبري.
( قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) آل عمران 81 إصري : أي العهد الثقيل. المصدر : تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري
( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) آل عمران 101
يعتصم : يتمسك.
قاله السيوطي.
وقال مكي : يمتنع.
المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي تفسير الجلالين
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) آل عمران 103
بحبل الله : أي بالقرآن. قاله مكي. وقال السيوطي : دينه. المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي تفسير الجلالين
( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) آل عمران 112
ضربت عليهم : أي اليهو . إلا بحبل من الله وحبل من الناس : أي بعهد من الله وعهد من الناس .
قاله ابن عباس ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، والربيع بن أنس . وقال الزجاج : أي إلا أن يعطوا الذمة والعهد. المصدر : . معاني القرآن للزجاج. تفسير ابن كثير . أيسر التفاسير.
( مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر ) آل عمران 117 صر : برد شديد، وهي الريح التي تقتل الزرع وتفسده.. وقال السيوطي : حر أو برد شديد . المصدر : تفسير الجلالين تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري
( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم.. ) آل عمران 118
لا يألونكم خبالا : الخبْل والخبال: الفساد. ودوا ما عنتم : أي ودوا ما أعنتكم وهو ما يتولى بكم من مكروه أو شر. وقال السدي : ودوا ما ضللتم عن دينكم. _ تفسير الطبري ، تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير القرطبي _
( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ) آل عمران 121 تبوئ المؤمنين : تنزل المجاهدين الأماكن التي رأيتها صالحة للنزول فيها في ساحة المعركة. وقال ابن عباس : توطئ المؤمنين لتسكن قلوبهم. المصدر : تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري . اللغات في القرآن لحسنون السامري.
( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ) آل عمرن 122 أن تفشلا : تجبنا عن القتال وترجعا . وقال حسنون : تجبنا بلغة حمير . المصدر : تفسير الجلالين . اللغات في القرآن لحسنون السامري.
( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) آل عمران 125 فورهم : وقتهم . وقال حسنون : يعني من وجوههم بلغة هذيل وقيس عيلان وكنانة. مسومين : أي معلمين بعلامة الحرب . قال ابن عباس : الملائكة عليهم عمائم بيض مسومة . المصدر : تفسير الجلالين , مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس . اللغات في القرآن لحسنون السامري.
( ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ) آل عمران 127 أو يكبتهم : يذلهم بالهزيمة . وقال ابن الهائم : يغيظهم ويحزنهم. ويقال: يكبتهم: يصرعهم لوجوههم . المصدر : تفسير الجلالين التبيان لابن الهئم
( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) آل عمران133 عرضها السماوات والأرض : أي سعتها ولم يرد العرض الذي هو ضد الطول، تقول العرب هذه بلاد عريضة أي واسعة . قال ابن قتيبة : أي سعتها كسعة السماء والأرض . المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي , غريب القرآن لابن قتيبة,
(ولم يصروا على ما فعلوا) آل عمران 135 أي : لم يقيموا عليه. وقال الحسن : إتيان العبد ذنبا إصرار ، حتى يتوب. وقال قتادة : قدما قدما في معاصي الله!! لا تنهاهم مخافة الله ، حتى جاءهم أمر الله. المصدر :
التبيان لابن الهائم ، تفسير الطبري، تفسير المشكل لمكي القيسي ، غريب القرآن لابن قتيبة ، غريب القرآن للسجستاني.
( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) آل عمران 139 تهنوا : يعني تضعفوا بلغة قريش. قاله حسنون . المصدر : . اللغات في القرآن لحسنون السامري.
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) آل عمران 140 "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، فيوم لهم ويوم عليهم، ومن الحكم في ذلك أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، فيداول الله الأيام بين الناس، يوم لهذه الطائفة، ويوم للطائفة الأخرى؛ لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية، وهذا بخلاف الدار الآخرة، فإنها خالصة للذين آمنوا. " وليعلم الله الذين آمنوا " هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء، ليتبين المؤمن من المنافق؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء، تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام، في الضراء والسراء، واليسر والعسر، ممن ليس كذلك
( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) آل عمران 141
- ليمحص : أي يخلص الله الذين آمنوا من ذنوبهم وينقيهم منها.
يقال : محص الحبل يمحص محصا، إذا ذهب منه الوبر حتى يتخلص ويتملص، وقولهم : ربنا محص عنا ذنوبنا، أي أذهب ما تعلق بنا من ذنوب. وقال البغوي : يطهرهم من الذنوب. وهو قول الزجاج وابن كثير والمبرد والفراء. وقال ابن عباس ومجاهد والسدي : ليبتلي.
- ويمحق : يهلكهم - ينقصهم ويفنيهم.
وبنحوه قال ابن عباس. المصدر : تفسير الطبري ، التبيان لابن الهائم، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير ابن كثير، تفسير البغوي.
(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ) آل عمران 146
- ربيون :أي جموع كثيرة .
قاله ابن عباس وبه قال عكرمة ومجاهد والربيع والضحاك ، وزاد : قتل نبيهم . وقيل : علماء صبروا ـ أتقياء صُبُر .
- وهنوا: يعني الضعف قاله ابن عباس وابن قتيبة.
فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح.
- استكانوا: استذلوا بلغة قريش.
وقيل : الخضوع مع ذل. وقال النحاس : أي فما ضعف من بقي منهم. قال الطبري : وما ذلوا فيتخشعوا لعدوهم بالدخول في دينهم ومداهنتهم خفية منهم. المصدر : اللغات في القرآن لابن حسنون السامري، تفسير الطبري ، معاني القرآن للزجاج ، مسائل نافع بن الأزرق ، غريب للسجستاني ، معاني القرآن للنحاس ، غريب القرآن لابن قتيبة ، إيجاز البيان عن معاني القرآن
( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون..) آل عمران 152
- تحسونهم : تستأصلونهم قتلا.
أي : يقتلونهم قتلا ذريعا . والحس هو القتل. قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وابن اسحاق والسدي.
- فشلتم : جبنتم عن عدوكم.
قاله الزجاج. والفشل :الجبن .قاله ابن عباس. والفشل : ضعف مع جبن . قاله الأصفهاني. المصدر : مسائل نافع بن الأزرق، غريب القرآن لابن قتيبة، زاد المسير لابن الجوزي ، الكشاف للزمخشري ،تفسير الطبري ،معاني القرآن للزجاج ، المفردات للأصفهاني ، غريب القرآن للسجستاني ، تفسير المشكل لمكي القيسي ، المفردات ، تفسير ابن كثير .
( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ) آل عمران 153
- تصعدون : صعودهم في الجبل.
قاله ابن عباس ومجاهد.
واختاره الأصفهاني.
وقال الحسن : جعل الصعود في الجبل كالصعود في السلم. وقيل: الإبعاد في الهزيمة.
- تلوون : تعرجون، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض.
- يدعوكم في أخراكم : إلي عباد الله ارجعوا، إلي عباد الله ارجعوا!.
قاله ابن عباس وقتادة والربيع والسدي. قال ابن زيد: هذا يوم أحد حين انكشف الناس عنه.
- فأثابكم غما بغم : على غم.
أي جازاكم غما مع غم، فالأول الجراح والقتل والثاني أنهم سمعوا أن النبي ﷺ قتل فأنساهم الغم الأول. وقال الفراء : الإثابة هنا بمعنى عقاب. المصدر : معاني القرآن للنحاس، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير المشكِل لمكي القيسي ، معاني القرآن للزجاج ، المفردات للأصفهاني، تفسير البغوي.
( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ) آل عمران 154 أمنة :أمنا، وعدم خوف. المصدر : تفسير الجلالين السراج في بيان غريب القرآن
( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) آل عمران 156
- ضربوا في الأرض : تباعدوا - الإبعاد فيها سيرًا ، و تقديره فماتوا.
ذكره ابن الجوزي. قال القرطبي : سافروا فيها وساروا لتجارة أو غيرها فماتوا.
- أو كانوا غزى : جمع غازي.
- ليجعل الله ذلك : ليجعل ما ظنوا من أنهم لو كانوا عندهم ، سلموا.
قاله ابن عباس. المصدر : التبيان لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة ، زاد المسير لابن الجوزي ، تفسير المشكل لمكي ، تفسير القرطبي، تفسير الطبري.
( وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) آل عمران 161 وما كان لنبي أن يغل : أي يخون في الغنائم. قال الطبري : أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم. المصدر :
ياقوتة الصيراط لغلام ثعلب، معاني القرآن للزجاج ، تفسير الطبري، تفسير المشكل لمكي القيسي ، غريب القرآن لابن قتيبة التبيان لابن الهائم .
( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) آل عمران (165)
- أصبتم مثليها : يوم بدر بأن قتلتم منهم سبعين وأسرتم سبعين، ثم قتل المشركون منكم يوم أحد سبعين.
وبه قال ابن عباس وقتادة والضحاك. وحكى الطبري الإجماع عليه.
- من عند أنفسكم : أي بمخالفتكم وذنوبكم، لأن الرماة خالفوا النبي ﷺ ولم يثبتوا في أماكنهم.
وقال قتادة والربيع : يعني سؤالهم النبي ﷺ أن يخرج بعد ما أراد الإقامةبالمدينة . المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي، زاد المسير لابن الجوزي ، إيجاز البيان عن معاني القرآن ، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للنحاس، تفسير القرطبي .
(وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) ال عمران167
- ادفعوا : كثروا سواد المسلمين.
وبه قال ابن عباس وعكرمة وابن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي وابن جريج. . قال الزجاج : أي بتكثير السواد إن لم تقاتلوا. وقيل : افعوا بالدعاء. وقيل : رابطوا إن لم تقاتلوا. وقيل : ادفعوا عن أنفسكم و حريمكم.
- قالوا لو نعلم قتالا لتبعناكم : لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم، ولكن لا تلقون قتالا.
قاله مجاهد. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان عن معاني القرآن، تفسير الطبري، معاني القرآن للزجاج، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير ابن كثير ، تفسير القرطبي.
( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) آل عمران (168)
- فادرءوا : أي ادفعوه.
يقال : درأ الله عنك الشرك أي دفعه. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة ، تفسير المشكل لمكي القيسي.
( إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران (175) قوله ( يخوف أولياءه ): أي يخوفكم بأولياءه. بدليل السياق ( فلا تخافوهم ). ونظيره قوله تعالى ( لينذر بأسا شديدا ): أي ببأس. ____ المصدر: أنظر: معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري.
( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) آل عمران 175
يخوف أولياءه : أي يخوفكم بأوليائه.
وقال الفراء : يخوفكم أولياءه. وبه قال الطبري وبنحوه قال ابن عباس وابن إسحاق وسالم ابن الأفطس. وقيل : يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي ياقوتة الصيراط لغلام ثعلب. غريب القرآن لابن قتيبة, . إيجاز البيان عن معاني القرآن. . معاني القرآن للفراء.
( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) آل عمران 180 سيطوقون ما بخلوا :
أي سيجعل الله ما بخل به المانعون الزكاة، طوقا ةفي أعناقهم كهيئة الأطواق المعروفة. قاله الطبري. وقال مكي :يلزم أعناقهم إثمه وهو إثم منع الزكاة. انتهى. وفي الحديث : ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع حتى يطوق عنقه. صحيح الجامع ( 5676(. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي التبيان لابن الهئم. غريب القرآن لابن قتيبة, . تفسير الطبري. . معاني القرآن للفراء. . المفردات للأصفهاني. . صحيح الجامع للألباني.
( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) آل عمران (184)
* الزبر : الكتب المتقدمة - الكتب المتلقاة من السماء.
قال الزجاج : كل كتاب ذو حكمة. وقرأ ابن عباس : ( وبالزبر ) ذكره الرازي. وقال النحاس : وهو الكتاب يقال زبرت إذا كتبت. وقيل : الزبور من الزبر بمعنى الزجر.
- والكتاب : التوراة والإنجيل.
- المنير : البين الواضح يبين الحق لمن التبس عليه ويوضحه.
المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة ، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري، التفسير الكبير، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير.
( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) آل عمران 185
- زحزح : أي نحي عنها وأبعد.
وقال الأصفهاني : أزيل عن مقره فيها.
- فاز : فقد نجا وظفر بحاجته.
- الغُرور : بالضم الدنيا، وبالفتح الشيطان.
المصدر : المفردات للأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب، التبيان لابن الهائم، تفسير القرطبي، تفسير الطبري.
( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ) أل عمران 188 بمفازة : أي بمنجاة من العذاب. قاله ابن زيد. ومنه يقال : فاز فلان أي نجا. وقيل : بمكان ينجون فيه. وقال الزجاج : ليسوا ببعد من العذاب. وبنحوه قال الفراء. وقال الأصفهاني : لا تحسبنهم يفوزون ويتخلصون من العذاب. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي زاد المسير لابن الجوزي التبيان لابن الهئم , غريب القرآن لابن قتيبة, . تفسير الطبري. . معاني القرآن للفراء. . المفردات للأصفهاني.
( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ) آل عمران 196 تقلب الذين كفروا : أي تصرفهم في التجارات والأموال. وقال الفراء : كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال، فقال الله عزوجل : لا يغرنك ذلك. وبنحوه قال ابن عباس. وقال النحاس : أي يغرنك تصرفهم وسلامتهم فإن آخر مصيرهم إلى النار فمن كان آخر مصيره إلى النار لم يغبط. المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي تفسير الجلالين , غريب القرآن لابن قتيبة, . البحر المحيط. . معاني القرآن للنحاس.
( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ) آل عمران 198
نزلا من عند الله:
النزل: الثواب. قاله ابن عباس. وقال مكي وابن قتيبة : ثوابا ورزقا. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي زاد المسير لابن الجوزي , غريب القرآن لابن قتيبة, . تفسير الطبري. . معاني القرآن للفراء. . البحر المحيط. . تفسير القرطبي.
( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) آل عمران 200
اصبروا : على البلاء والجهاد. قاله ابن عباس.
وقال الحسن والقرظي والزجاج : الدين. وقال قتادة : طاعة الله. صابروا : العدو. قاله ابن عباس والجمهور. وبه قال الزجاج وابن قتيبة. ورابطوا : الجهاد للأعداء. قاله ابن عباس والحسن وقتادة. وقال سلمة بن عبدالرحمن : لم يكن في زمان النبي ﷺ غزو يرابط فيه، ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة. انتهى وفي الحديث (... وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرباط فذالكم الرباط) رواه مسلم وقال الاصفهاني : احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواكم..
تفلحون : أي تفوزون ببقاء الأبد.
المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي زاد المسير لابن الجوزي. غريب القرآن لابن قتيبة, . تفسير الطبري. . معاني القرآن للزجاج. . المفردات للأصفهاني. . التفسير الكبير.
( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد ) المائدة (1) العقود : العهود. قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والضحاك والسدي. وقال السيوطي : العهود المؤكدة التي بينكم وبين الله والناس. وقال ابن الهائم : أي بالعهود في لغة بني حنيفة. وقال نجم الدين النيسابوري : ما عقدها الله عليكم، وما تعاقدتم بينكم. وقال الزجاج : العقود : أوكد العهود. قال الطبري :إجماع جميعهم على أن معنى العقود، العهود. المصدر : التبيان لابن الهائم، إيجاز البيان عن معاني القرآن، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير المشكل لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري، تفسير الجلالين .
(30 يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) المائدة 2
لا تحلوا شعائر الله : كل شيء جعل علما من أعلام طاعته، مثل الحرم . ولا الهدي : ما أهدي إلى البيت،فلا تستحلوه حتى يبلغ محله. ولا القلائد : كان الرجل يقلد بعيره من لحاء شجر الحرم فيأمن بذلك حيث سلك. ولا آمين : أي قاصدين البيت الحرام، يعني الكعبة فلا تتعرضوا لهم؛ والواحد آمٌّ. فضلا من ربهم : الرزق بالتجارة. ورضوانا : بالحج ؛ على زعمهم، لأن الكافرين لا نصيب لهم في الرضوان. وإذا حللتم : خرجتم من إحرامكم. ولا يجرمنكم شنآن قوم : أي بغض قوم، أي لا يحملنكم بغضهم على العدوان.
فائدة وتنبيه : هذه الآية منسوخة بقوله ( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( قال الزجاج : وهذا كله منسوخ. المصدر : التبيان لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير البغوي.
( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) المائدة 3
وما أهل لغير الله به :أي ذبح لغير الله، وذكر عند ذبحه غير اسم الله. والمنخنقة : أي بحبل ونحوه فماتت، ولم تدرك ذكاتها. والموقوذة : المقتوله ضربا.
وقال ابن عباس : التي تضرب بالخشب حتى تموت فتأكلها العرب.
والمتردية : الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر .
وقال السيوطي : الساقطة من علو إلى أسفل فماتت.
والنطيحة : هي التي تَنطِح أو تُنطَح فتموت.
والنطيحة : المنطوحة ،فهي فعيلة بمعنى مفعولة.
وما أكل السبع : أي ما أكلها الذئب وغيره من الحيوانات المفترسة. إلا ما ذكيتم : أي أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه.
وقال الفراء : كل ذلك محرم إذا لم تدرك ذكاته. وما ذبح على النصب : الأصنام. قال الزجاج : النصب التي كانوا يعبدونها، وهي الأوثان واحدها نصاب. وأن تستقسموا : أي تطلبوا من جهة الأزلام ما قسم لكم من أحد الأمرين. بالأزلام: والأزلام كانت لقريش في الجاهلية مكتوب عليها أمر ونهي وافعل ولا تفعل. ذكره ابن منطور. قال ابن عباس : القداح كانوا يستقسمون الأمور بها مكتوب على أحدهما: (أمرني ربي) ، وعلى الآخر: (نهاني ربي) ، وإذا أرادوا الحرب، أتوا بيت أصنامهم ثم غطوا على القداح، فأيهما خرج عملوا به.
في مخمصة : يعني مجاعة بلغة قريش. قاله حسنون. غير متجانف لإثم : أي غير مائل إلى إثم. وقال ابن الهائم : متعمد.
المصدر : اللغات في القرآن لحسنون السامري، مسائل نافع بن الأزرق، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير الجلالين، لسان العرب .
( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب) المائدة 4
الجوارح : الكواسب من الكلاب والسباع والطير.
وأصل الإجتراح : الإكتساب. يقال امرأة لا جارح لها أي : لا كاسب. وقال مكي : كلاب الصيد.
مكلبين : معلمين لها الصيد.
وقال ابن قتيبة : أصحاب كلاب. قال ابن الهائم : يقال رجل مكلّب، أي صاحب صيد . قال الرازي : إنما يحل إذا كانت الجوارح معلمة. المصدر : غريب القران لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القران، التبيان لابن الهائم،تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير الجلالين، التفسير الكبير.
( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) المائدة12
نقيبا : نقيب القوم : من ينقب عنهم ويبحث عن شئونهم ويتولى أمورهم.
وقال مكي : النقيب : الكفيل على القوم. وقيل : فوق العريف. وقال ابن عباس : اثني عشر وزيرا.
وعزرتموهم : عظمتموهم.
والتعزير : التعظيم. وقال السيوطي : نصرتموهم.
وأقرضتم الله قرضا حسنا : بالإنفاق في سبيله.
وقال في البحر المحيط : وأقرضتم الله قرضا حسنا: إيتاء الزكاة هو في الواجب، وهذا القرض هو في المندوب.
سواء السبيل : أي قصد الطريق ووسطه.
المصدر : مسائل نافع بن الأزرق، التبيان لابن الهائم، تفسير المشكل لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، البحر المحيط لأبي حيان، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، أيسر التفاسير للجزائري. ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ) المائدة13
قاسية : القاسية والعاسية واحد وهي اليابسة. وبه قال ابن عباس. ونسوا حظا : تركوا. ومنه قوله ( نسوا الله فنسيهم ) أي : تركهم.
قاله النحاس. وقال ابن قتيبة : أي تركوا نصيبا مما أمروا به. مما ذكروا به : أمروا به في التوراة من اتباع محمد.
ولا تزال تطلع على خائنة منهم : الخائنة في هذا الموضع : الخيانة. قاله الطبري.
المصدر :غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ) المائدة (19) على فترة من الرسل : فتور وسكون وانقطاع. قال الطبري : على انقطاع من الرسل؛ والفترة في هذا الموضع الإنقطاع. قال ابن الهائم : أي سكون وانقطاع لأن النبي بعث بعد انقطاع الرسل لأن الرسل كانت إلى وقت رفع عيسى متواترة. المصدر : التبيان لابن الهائم، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير الطبري.
( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) المائدة 20 قوله ( وجعلكم ملوكا ( يعني أحرارا بلغة هذيل وكنانة. قاله حسنون. أي : تملكون أمركم بعد أن كنتم مملوكين لفرعون وقومه. وقال ابن عباس : يعني أصحاب خدم وحشم. قال قتادة: كانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم. وقال السدي: وجعلكم ملوكا أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط يستعبدونكم. قال الشوكاني : والظاهر أن المراد من الآية الملك الحقيقي. المصدر : اللغات في القرآن لحسنون السامري، التبيان لابن الهائم، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير البغوي، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين.
( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (21) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون (22) ) المائدة. قوله ( المقدسة ) : المطهرة، وهي بيت المقدس. قوله ( ولا ترتدوا ) : لا ترجعون عن قتالكم. وقال الطبري : لا ترجعوا القهقري مرتدين. قوله ( على أدباركم ) : يعني إلى ورائكم. قوله ( جبارين ) : أقوياء عظام الأجسام. والجبار : القهار. وقيل طوالا. المصدر التبيان لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) المائدة26 قوله ( يتيهون في الأرض ) أي : يسيرون ضائعين متحيرين. وقال أبو بكر السجستاني :أي يحارون ويضلون. قال أبوعبيدة : ومعنى :يتيهون: يحورون ويضلون. قال ابن عباس: حرم الله على الذين عصوا دخول بيت المقدس، فلبثوا في تيههم أربعين سنة، وماتوا في التيه، ومات موسى وهارون، ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع وكالب بأبناء القوم، وناهض يوشع بمن بقي معه مدينة الجبارين فافتتحها. حكاه ابن الجوزي. وقال مجاهد: تاهوا أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا. قوله ( فلا تأس على القوم الفاسقين ) : أي فلا تحزن على مثل هؤلاء القوم. المصدر السراج في بيان غريب القرآن، تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) المائدة قوله ( لئن بسطت ) أي: مددت. قوله ( ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) : ما أنا بمنتصر لنفسي. قاله ابن عباس. وقال الزجاج : أي ما أنا بمجازيك ولا مقاتلك، ولا قاتلك. قوله ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) أي : تنقلب وتنصرف بإثمي أي: بقتلى. وإثمك: ما أضمرت في نفسك من حسدي وعداوتي. قاله ابن قيبة.
وقال البغوي :أي بإثم قتلي إلى إثمك، أي: إثم معاصيك التي عملت من قبل.
هذا قول أكثر المفسرين. قاله البغوي. قوله ( فطوعت له نفسه ) : أي شجعته وتابعته. وقال غلام ثعلب : فسامحت. وقال مكي : أي انقادت، وسوغت. وقال الأخفش : رخصت. وقال قتادة : زينت له . المصدر: ياقوتة الصيراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، مسائل نافع بن الأزرق، التبيان لابن الهائم، تفسير المشكل لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للأخفش، تفسير الطبري، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة: 35 قوله ( وابتغوا إليه الوسيلة ): أي القربة. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة، ومكي، وأبو حيان الأندلسي، وابن الهائم. وزاد ابن قتيبة: والزلفة. قال أبو عبيدة: أي اطلبوا، واتخذوا ذلك بطاعته، ويقال: توسلت إليه تقربت. قال ابن عباس: الحاجة. حكاه نافع ابن الأزرق. قال الزجاج: معناه اطلبوا إليه القربة. قال مكي في الهداية: المعنى: خافوه فيما أمركم به واطلبوا إليه القربة. والوسيلة: القربة. وقيل: هي المحبة. قال الراغب الأصفهاني: "الوسيلة" التوصل إلى الشيء برغبة وهي أخص من الوصيلة، لتضمنها لمعنى الرغبة. قال تعالى: ( وابتغوا إليه الوسيلة ) وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسل: الراغب إلى الله تعالى. _____ المصدر: مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي.
( سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) المائدة 42 قوله ( سماعون للكذب ) أي : يسمعون منك ليكذبوا عليك. وقال ابن الهائم : أي قائلون له. قوله ( أكالون للسحت) : أي للرُّشى. وقال الجمل : أي للمال الحرام أو الخبيث الذي يسحت الدين والمرءة. وقال ابن الهائم : كسب ما لا يحل. وقال الراغب : لما يسحت دينهم. المصدر: غريب القرآن للسجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، المفردات للأصفهاني، مخطوطة الجمل.
( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة 44
أسلموا : سلموا لحكم الله. وقال البغوي : أي أسلموا وانقادوا لأمر الله. قوله ( للذين هادوا ) : أي علماء اليهود؛ نسبة إلى جدهم يهوذا؛ أكبر ولد يعقوب عليه السلام. وقال ابن عباس في قوله ( للذين هادوا ( أي : تابوا من الكفر. قوله ( والربانيون ) : جمع رباني، وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم. قاله الطبري. وقال ابن قيبة : العلماء. وقال السدي : الربانيون : العلماء، والأحبار : القراء. قوله ( والأحبار ) : جمع حبر، وهو العالم من أهل الكتاب. وقال مجاهد : الربانيون والأحبار : العلماء والفقهاء، والربانيون فوق الأحبار. قال الطبري : وهذا القول حسن، لأن الأحبار هم العلماء، والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر للسياسة. وقيل : الربانيون : علماء النصارى، والأحبار : علماء اليهود. قوله ( بما استحفظوا ) : استودعوا من كتاب الله وهو التوراة. قاله ابن عباس . قوله ( وكانوا عليه شهداء ) : كانوا على ما في التوراة من الرجم شهداء. روي عن ابن عباس. المصدر :غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي تفسير الجلالين.
( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) المائدة45 قوله ( وكتبنا عليهم فيها ) :أي وفرضنا على اليهود في التوراة. قاله النسفي وابن الجوزي. قوله ( فمن تصدق به ) :أي القصاص. قوله ( فهو كفارة له ) : أي الجارح إذا عفى عنه المجروح، كفر عنه ما جنى. وهذا قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل. حكاه ابن الجوزي. قلت ( عبدالرحيم ) : وهو قول الثوري وابن قتيبة ومكي. قال ابن عطية : فذلك العفو كفارة للجارح عن ذلك الذنب. وقال مكي : للجارح، والهاء عائدة على الجارح، وقيل الهاء تعود على المجروح، وقيل تعود على ولي المقتول. وقال النسفي : فالتصدق به كفارة للمتصدق بإحسانه. قال سفيان الثوري : كفارة للجارح، وأجر المجروح على الله تبارك وتعالى. المصدر تفسير الثوري، تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير النسفي،زاد المسير لابن الجوزي، المحرر الوجيز لابن عطية. ( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ) المائدة 46
قوله ( وقفينا ) : أردفنا و أتبعنا.
قاله الثعلبي. وقال مقاتل : أي بعثنا. قال ابن عباس : أتبعنا على آثار الأنبياء، أي بعثنا على آثارهم. وبه قال ابن الجوزي. وقال القشيري : وأردفنا رسولا بعد رسول.
قوله ( على آثارهم ) : أي آثار الأنبياء الذين أسلموا.
قاله البغوي. قلت ( عبدالرحيم ) : إشارة دقيقة منه رحمه الله بقوله ( أسلموا )، لما في التنزيل ( يحكم بها النبيون الذين أسلموا ) المائدة 44، وبنحوه قال ابن عطية والرازي والنفسي والشوكاني .انتهى قال في فتح القدير : أي جعلنا عيسى بن مريم يقفو آثار النبيين الذين أسلموا من بني إسرائيل. المصدر مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تذكرة الأريب لابن الجوزي ، التفسير لابن أبي حاتم، تفسير الثعلبي، لطائف الإشارات للقشيري، تفسير البغوي، المحرر الوجيز لابن عطية، مفاتيح الغيب، تفسير النسفي، فتح القدير للشوكاني.
( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) المائدة 48 قوله ( ومهيمنا ) : أي أمينا. وقيل : شاهدا . قاله أبو بكر السجستاني . وقيل: رقيبا . قوله ( شرعة ) : الشرعة والشريعة واحد، أي سنة وطريقة. قاله ابن الهائم، وبنحوه قال أبو حيان .وقيل : ملة. قوله ( ومنهاجا ) : طريقة دين . قاله غلام ثعلب. وقال ابن عباس : الشريعة : الدين. والمنهاح : الطريق. المصدر: ياقوتة الصيراط لغلام ثعلب،مسائل نافع بن الأزرق، التبيان لابن الهائم، غريب القرآن للسجستاني، تحفة الأريب لأبي حيان .
( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) المائدة 52
قوله ( في قلوبهم مرض ) : أي نفاق. قلت ( عبدالرحيم ) : شاهده قوله حكاية عن المنافقين ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ) البقرة. قوله ( يسارعون فيهم ) : أي يبادرون في مودة اليهود ونحوهم. وقال السمعاني : يعني في مودتهم وموالاتهم. وبنحوه قال البغوي وابن الجوزي. وقال ابن قتيبة : أي في رضاهم. وقال الجمل : أي يرغبون في مولاة الكفار ويخفون مسرعين إليها. قوله ( يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ) : معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور الأمر علينا. قاله ابن عباس. وقال ابن قتيبة : أي يدور علينا الدهر بمكروه. قوله ( فعسى الله أن يأتي بالفتح ) : بالقضاء الفصل من نصر محمد ﷺ على من خالفه. قاله قتادة ومقاتل. وقال الضحاك : فتح قرى اليهود مثل خيبر وفدك. وقال السدي : فتح مكة. قوله ( فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم ) : أي من موالاتهم ودس الأخبار إليهم. قاله البغوي. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تذكرة الأريب لابن الجوزي، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، مخطوطة الجمل.
( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) المائدة 53 قوله ( أقسموا بالله ) : أي حلفوا بالله. قوله ( جهد أيمانهم ) : أي حلفوا بأغلظ الأيمان. قاله البغوي، وبنحوه قال ابن الهائم. وقال النسفي : أي أقسموا لكم بأغلظ الأيمان أنهم أولياؤكم. وقال الجمل : أي أقسموا وبالغوا في اليمين جاهدين فيها. وفي السراج : مجتهدين في الحلف بأوكد الأيمان. قوله ( إنهم لمعكم ) : أي في الدين. قاله السيوطي. قوله ( حبطت أعمالهم ) : أي بطلت. وبه قال البغوي وابن عطية وابن قتيبة وأبو حيان والسجستاني وابن الهائم و ابن قتيبة والسيوطي. وقال أبو عبيدة : بطلت وذهبت. وقال غلام ثعلب : بطلت وسقطت. وقال السمعاني : وبطلان العمل في الدنيا : ألا يقبل. وفي الآخرة : أنه لا يجازى عليه بالثواب. المصدر : المجاز لأبي عبيدة، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن للسجستاني، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، المحرر الوجيز لابن عطية، تفسير النسفي، تحفة الأريب لأبي حيان، التبيان لابن الهائم، تفسير الجلالين مخطوطة الجمل، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) المائدة 59 قلت ( عبدالرحيم ) : قوله ( هل تنقمون منا ) أمروا بسؤال أهل الكتاب في هذه الآية، وفي آية البروج كأنها جواب بالرد والتقرير قال الله ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) البروج، وإنما قلت كأنها لأن البروج مكية بخلاف المائدة. قوله ( تنقمون منا ) : أي هل تكرهون منا. قاله السمعاني والبغوي. وقال الزجاج :ومعنى نقمت : بالغت في كراهية الشيء. وقال أبو بكر السجستاني : تكرهون منا وتنكرون. وقال في بحر العلوم : ما تطعنون فينا وتعيبوننا . وقال القرطبي : بمعنى تعيبون.
أي هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله وقد علمتم أنا على الحق.
المصدر : غريب القرآن للسجستاني، التبيان لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، تفسير البغوي، تفسير القرطبي،تفسير السمعاني، بحر العلوم للسمرقندي.
( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) المائدة 64
قوله ( مغلولة ) : قالوا: الله بخيل غير جواد! قاله قتادة. وقال السدي أرادوا بذلك أن يده مغلولة حتى يرد علينا ملكنا. وقال السمعاني : أي ممسكة لا ينفق، كأنهم نسبوه إلى البخل. وقال ابن قتيبة وابن الجوزي : أي ممسكة عن العطاء منقبضة. وقال الجمل : يرمونه سبحانه تعالي عما يصفون بالبخل. وقال الطبري : يعنون : أن خير الله ممسك وعطاؤه محبوس عن الاتساع عليهم. وبنحوه قال أبو عبيدة في المجاز. وفي السراج : محبوسة عن فعل الخير. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، مجاز القرآن لأبي عبيدة، تفسير السمعاني، المحرر الوجيز لابن عطية، تفسير الطبري، مخطوطة الجمل.
( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) المائدة 66 قوله ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) : أي من مطر السماء، ونبات الأرض. وقال السيوطي : بأن يوسع عليهم الرزق ويفيض من كل جهة . المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير الجلالين .
( والله يعصمك من الناس ) المائدة 67 يعصمك : أي يمنعك. وقال ابن الجوزي : أي يمنعك من القتل والأسر فاما عوارض الاذى فلا يمنع عصمة الجملة. وقال ابن الهائم : يمنعك عنهم فلا يقدرون عليك. المصدر: تذكرة الأريب لابن الجوزي، التبيان لابن الهائم، تفسير المشكل لمكي.
( انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ) المائدة 75 أنى يؤفكون : كيف يصرفون عن دين الله بعدما تبينت أدلته واتضحت معالمه إلى الكفر. وقال ابن الجوزي : من اين يصرفون عن الحق. المصدر : تذكرة الأريب لابن الجوزي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ( 82) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين (83) المائدة تنبيه: هذه الآية نزلت في الذين آمنوا من النصارى بدليل السياق، ولقوله ( يقولون آمنا فاكتبنا مع الشاهدين )، سواء قلنا المراد من آمن بعيسى أنه رسول قبل بعثة محمد عليهما السلام، أو بعدها؛ ولقوله ( منهم أمة مقتصدة ) : أي مومنة. قال ابن زمنين : يعني الذين آمنوا منهم؛ ( وأنهم لا يستكبرون ) عن عبادة الله والإيمان بالله. وقال مكي : نزلت في نفر نصارى الحبشة لما سمعوا القرآن أسلموا. قال قتادة : نزلت في النجاشي وأصحابه. وقال عطاء : هم ناس من الحبشة آمنوا. وقال ابن جبير : بعث النجاشي وفدا إلى النبي ﷺ، فقرأ عليهم النبي ﷺ فأسلموا. قوله ( قسيسين ) : أي علماء. قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم. قاله الثعلبي والبغوي. قوله ( رهبانا ) : أي الرهبان العباد أصحاب الصوامع،واحده راهب. المصدر : تفسير ابن زمنين، تفسير عبدالرزاق، الهداية إلى بلوغ النهاية، تفسير الطبري، تفسير البغوي،تفسير ابن أبي حاتم. ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ) المائدة89 قوله ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) : بمعنى ما لم تقصدوه يمينا ولم توجبوه على أنفسكم. قاله ابن الهائم. وقال السيوطي : وهو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف نحو والله وبلى والله فلا إثم عليه ولا كفارة. وقال ابن قتيبة : واللغو في اليمين : ما يجري في الكلام على غير قصد. ويقال : اللغو أن تحلف على الشيء ترى أنه كذلك وليس كذلك. انتهى وفي السراج : ما لا يقصده الحالف. قالت كاملة الكواري : لا يعاقبكم الله باللغو الذي هو ما كان بغير قصد اليمين. قوله ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) : عزمتم عليها بقلوبكم بأن تفعلوا أو لا تفعلوا. قال البغوي : أي وكدتم، أي قصدتم وتعمدتم. وفي السراج : عقدتم : قصدتم عقده بقلوبكم. المصدر : التبيان لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين
( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ) المائدة 93 قوله ( فيما طعموا ) : أي ما شربوا من الخمر قبل التحريم. قلت ( عبدالرحيم ) : يطلق الإطعام على الشراب أحيانا، وشاهده قوله عن لسان طالوت ( فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني ) البقرة. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي.
( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) المائدة 95 قوله ( فجزاء مثل ما قتل ) : أي فعليه بدل ما قتل - أي شبهه في الخلقة. قوله ( من النعم ) : فى هذا الموضع الإبل والبقر والغنم، والغالب على النعم الإبل. قاله أبوعبيدة البصري ومكي . المصدر: مجاز القرآن لآبي عبيدة، تفسير المشكل لمكي، تذكرة الآريب لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) المائدة 96 قوله ( صيد البحر ) : أي اصطياد ما في البحر. قاله الراغب. وقال مكي : ما صيد منه. وبه قال عمر بن الخطاب. حكاه البغوي. قوله ( البحر ) : جميع المياه. قاله البغوي. قوله ( وطعامه ) : ما قذفه الماء إلى الساحل ميتا. قاله ابن عباس. حكاه البغوي والقرطبي. وقال مكي : ما نضب عنه الماء ( ذهب في الأرض ) وصادفه وهو حي أو ميت. قوله ( متاعا لكم ) : أي منفعة لكم. قوله ( وللسيارة ) : المسافرين منكم يتزودونه. قاله السيوطي. فائدة : قال البغوي وغيره : صيد البحر حلال للمحرم، كما هو حلال لغير المحرم، قلت ( عبدالرحيم ) : وهو محل إجماع، كما في الإقناع لابن القطان، والإجماع لابن المنذر، والمجموع للنووي. قال ابن المنذر : وأجمعوا على أن صيد البحر للمحرم مباح اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، المفردات للراغب الأصفهاني، الإجماع لابن المنذر، تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير البغوي، الإقناع في مسائل الإجماع، تفسير القرطبي، المجموع للنووي، تفسير الجلالين، السراج في بيان غريب القرآن، تاج العروس للزبيدي.
( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) المائدة103 {بحيرة} : التي تقطع أذنها، وتخلى للطواغيت؛ إذا ولدت عددا من البطون. {سائبة} : التي تترك للأصنام؛ بسبب برء من مرض، أو نجاة من هلاك. {وصيلة} : التي تتصل ولادتها بأنثى بعد أنثى؛ فتترك للطواغيت. {حام} : الذكر من الإبل إذا ولد من صلبه عدد من الإبل، لا يركب، ولا يحمل عليه. المصدر: السراج في بيان غريب القرآن.
( فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ) المائدة 107 {فإن عثر} ظهر - اطلع بعد حلفهما . {على أنهما استحقا إثما} أي فعلا ما يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو وصى لهما به. {فآخران يقومان مقامهما} في توجه اليمين عليهما . {من الذين استحق عليهم} الوصية وهم الورثة ويبدل من آخران. {الأوليان} الوليان - بالميت أي الأقربان إليه وفي قراءة الأولين جمع أول صفة أو بدل من الذين. {فيقسمان بالله} على خيانة الشاهدين ويقولان. {لشهادتنا} يميننا {أحق} أصدق {من شهادتهما} يمينهما. {وما اعتدينا} تجاوزنا الحق في اليمين. قال السعدي : فإن عثر على أنهما أي: الشاهدين استحقا إثما بأن وجد من القرائن ما يدل على كذبهما وأنهما خانا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان أي: فليقم رجلان من أولياء الميت، وليكونا من أقرب الأولياء إليه. فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما أي: أنهما كذبا، وغيرا وخانا. وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين أي: إن ظلمنا واعتدينا، وشهدنا بغير الحق. ثم قال رحمه الله :وحاصل هذا، أن الميت - إذا حضره الموت في سفر ونحوه، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين- أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين. فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين، جاز أن يوصي إليهما، ولكن لأجل كفرهما فإن الأولياء إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة، أنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا غيرا، ولا بدلا فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما. فإن لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين، فإن شاء أولياء الميت، فليقم منهم اثنان، فيقسمان بالله: لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين، وأنهما خانا وكذبا، فيستحقون منهما ما يدعون. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، تذكرة الآريب لابن الجوزي، تفسير الجلالين، تفسير السعدي.
( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ) المائدة110 قوله ( إذ أيدتك ) : أي قويتك وأعنتك. قوله ( بروح القدس ) :أي جبريل عليه السلام. والقدس المطهر. قوله ( تكلم الناس في المهد) : أي طفلا. قوله ( وكهلا ) : كهُل الشخص : صار كهلا ؛ جاوز سن الشباب ولم يصل سن الشيخوخة. وقال أبو بكر السجستاني : الذي انتهى شبابه. قال ابن الهائم : يكلمهم في المهد آية وأعجوبة، ويكلمهم كهلا بالوحي والرسالة. قوله ( وإذ علمتك الكتاب ) :أي الخط. قاله مكي والطبري. قوله ( وتبرء الأكمه ) : الذي يولد أعمى. قاله ابن قتيبة وابن الهائم. وقال الراغب : هو الذي يولد مطموس العين. قلت (عبدالرحيم ) : وهذا عين الإعجاز والتحدي، والتأييد من الله ، فمن ولد أعمى مطموس العين، من أين له البرء، وفتح العينين، سيما وقد انتشر الطب في زمانه، فلا يقدر على ذلك إلا من يملك السمع والأبصار والأفئدة. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، غريب القرآن للسجستاني، التبيان لابن الهائم، المفردات للأصفهاني، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد بن مختار.
( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ) المائدة111 قوله ( أوحيت إلى الحواريين ) : أي قذفت في قلوبهم. قاله السدي وأبو بكر السجستاني وابن الهائم. وقال الحسن البصري : ألهمهم الله . عز وجل ذلك . قلت (عبدالرحيم ) : ومنه ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) القصص، وقوله ( وأوحى ربك إلى النحل ) النحل : أي : ألهمناها. وقال الراغب : فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السلام . قال ابن كثير : ويحتمل أن يكون المراد : وإذ أوحيت إليهم بواسطتك ، فدعوتهم إلى الإيمان بالله وبرسوله ، واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك... قوله ( الحواريين ) : هم وزراء عيسى على دينه. قاله الطبري. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، التبيان لابن الهائم، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير.
( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ) المائدة 114 قوله ( تكون لنا عيدا ) : العيد: يوم مجمع. وقيل: يوم العيد معناه الذي يعود فيه الفرح والسرور. والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح أو الحزن. قاله ابن الهائم. وقيل : عائدة من الله تعالى ذكره علينا، وحجة وبرهانًا. وعن السدي قوله : نتخذ اليوم الذي نـزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا. وقال سفيان الثوري : يعني يوما نصلي فيه. وقيل : عظة لنا ولمن بعدنا. قال الطبري : وأولى الأقوال بالصواب، قول من قال : معناه: تكون لنا عيدا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنـزل فيه، ونصلي له فيه، كما يعبد الناس في أعيادهم. قوله ( لأولنا وآخرنا ) : الذين هم أحياء منهم يومئذ وآخرنا ، من بعدهم منهم. وعن ابن عباس : أكل منها آخر الناس، كما أكل منها أولهم. قال الطبري : وأما قوله: لأولنا وآخرنا، فإن الأولى من تأويله بالصواب، قول من قال: تأويله: للأحياء منا اليوم، ومن يجيء بعدنا منا. المصدر : التبيان لابن الهائم، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير.
( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) الأنعام (1(
قوله ( وجعل الظلمات والنور ) : أظلم ليلهما، وأنار نهارهما. قاله الطبري قوله ( يعدلون ) : يشركون. قاله قتادة. وقال السيوطي : يسوون غيره في العبادة. وفي السراج : يسوون به غيره، ويشركون. وقالت كاملة الكواري : أي يسوون به غيره فيعبدونه معه، فالعدل هو التسوية، تقول: عدلت فلانا بفلان إذا سويته به. وقيل : الباء بمعنى عن، أي : عن ربهم يعدلون، أي يميلون وينحرفون من العدول، قال الله تعالى (عينا يشرب بها عباد الله) أي: منها. حكاه البغوي. وقال الراغب : أي يجعلون له عديلا فصار كقوله: هم به مشركون، وقيل: يعدلون بأفعاله عنه وينسبونها إلى غيره، وقيل: يعدلون بعبادتهم عنه تعالى. انتهى وقال غلام ثعلب : أي: يسوون، وهو: الكفر الصراح، أي: يجعلون لله عدلا، أي: مثلا، عز وجل عن ذلك. وقال البغوي : أي: ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون، أي: يشركون. المصدر :ياقوتة الصيراط لغلام ثعلب، المفردات للأصفهاني، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري،تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ) الأنعام 2 قوله ( ثم قضى أجلا ) : قضى أجل الحياة. قاله الطبري. قوله ( وأجل مسمى عنده ) : أجل البعث. صوب الطبري هذين القولين. لأنه قيل : بخلق أبيكم آدم، ثم قضى أجلا لكم تموتون عنده. قوله ( تمترون ) : أي تشكون في البعث. قاله البغوي. وقال ابن زيد : الشك. ذكره الطبري. وقال ابن الهائم : تشكون، وقيل : تختلفون. وفي السراج : تشكون. وقال السيوطي : تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر على الإبتداء فهو على الإعادة أقدر. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه (فلا تك في مرية منه ) هود : أي في شك منه. المصدر :التبيان لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) الأنعام 3 قوله ( وهو الله في السماوات وفي الأرض ) : أي مستحق للعبادة. قاله السيوطي. وقال القرطبي : وهو الله المعظم أو المعبود في السماوات وفي الأرض ; ... ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض ; ... ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى : وهو الله في السماوات وهو الله في الأرض . وقيل : المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض فلا يخفى عليه شيء ; قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل فيه. المصدر : تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ) الأنعام (6 قوله ( قرن ) : القرن ثمانون سنة، وقيل ثلاثون سنة. قاله مكي. وقال البغوي : القرن الجماعة من الناس. قوله ( مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ) : أعطيناهم ما لم نعطكم. قاله قتادة. وقال ابن عباس: أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعاد وثمود. قوله ( مدرارا ) أي: مطرا متتابعا متواصلا غزيرا. قاله الطبري. وقال أيضا : غزيرة دائمة. وقال ابن عباس: مدرارا أي: متتابعا في أوقات الحاجات. وقال ابن كثير : أي : شيئا بعد شيء. وقال القرطبي : يريد المطر الكثير؛ عبر عنه بالسماء لأنه من السماء ينزل. قوله ( وجعلنا الأنهار ) : أي خلقنا وابتدأنا. قاله البغوي. قوله ( وأنشانا من بعدهم قرنا آخرين ) أي : جيلا آخر لنختبرهم ، فعملوا مثل أعمالهم فهلكوا كهلاكهم . المصدر : تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير.
( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) الأنعام 23 لم تكن فتنتهم : أي مقالتهم. وقيل : حجتهم . وقال قتادة : معذرتهم. وبه قال السيوطي. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ) الأنعام 25 قوله ( ومنهم من يستمع إليك ) : أي إذا قرأت. قوله ( أكنة ) : أغطية. قاله نجم الدين النيسابوري و البغوي والسيوطي، وبنحوه الزجاج. قوله ( أن يفقهوه ) : أي يعلموه. وقال السيوطي : يفهموا القرآن. قوله ( وفي آذانهم وقرا ) : صمما وثقلا. قاله البغوي. وقال الزجاج : الوقر ثقل السمع. وقالت كاملة الكواري : الصمم الشديد. وبنحوه قال مكي بن حموش. قال قتادة : يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئًا كمثل البهيمة التي تسمع النداء، ولا تدري ما يقال لها. قوله ( أساطير الأولين ) : يعني أحاديثهم وأقاصيصهم. وفي السراج : حكاياتهم التي لا حقيقة لها. فائدة : قوله ( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه )،
بمعنى: أن لا يفقهوه، كما قال: ( يبين الله لكم أن تضلوا ) : بمعنى: أن لا تضلوا، لأن الكن إنما جعل على القلب، لئلا يفقهه، لا ليفقهه.
قاله الطبري. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان لنجم الدين النيسابوري،تفسير البغوي، تفسير الطبري ،تفسير الجلالين.
( وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ) الأنعام 26 قوله ( وهم ينهون عنه ) : أي محمد ﷺ، أو القرآن. عن ابن عباس قال : ينهون الناس عن محمد ﷺ أن يؤمنوا به .
حكاه ابن كثير
وقال محمد بن الحنفية : كان كفار قريش لا يأتون النبي - ﷺ - ، وينهون عنه. قال ابن كثير : وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك ، وغير واحد . وهذا القول أظهر ، والله أعلم ، وهو اختيار ابن جرير . قلت ( عبدالرحيم ) : يشير رحمه الله إلى قول من قال نزلت في أبي طالب كما سترى، سيما وقد قال محمد بن كعب القرظي في قوله ( وهم ينهون عنه ) : قال : ينهون الناس عن قتله. قوله ( وينأون عنه ) : يتباعدون عنه. وقال ابن كثير : يتباعدون منه. قال مكي : أي يبعدون عنه يعني أبا طالب عم النبي ﷺ؛ كان يمنع من أذى النبي ﷺ ، ويمتنع من إلايمان به. المصدر : التبيان لابن الهائم،تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير غريب القران لكاملة الكواري، تفسير ابن كثير.
) وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) الأنعام 35 كبر : أي عظم. عليك إعراضهم : عن الإسلام لحرصك عليهم. نفقا في الأرض : يريد دخولا في الأرض. قاله الأخفش. والنفق: سرب له مخلص إلى مكان آخر. أو سلما في السماء : أي مصعدا، وقيل: سببا، وسمي سلما لتسليمه إلى المقصد. قاله ابن الهائم المصدر : التبيان لابن الهائم، معاني القرآن للأخفش، السراج في بيان غريب القرآن ، تفسير الجلالين.
( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) الأنعام 45 فقطع دابر القوم الذين ظلموا : أي آخرهم ، والمعنى استؤصلوا فلم يبق منهم أحدا. قال السيوطي : {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} أي آخرهم بأن استؤصلوا. {والحمد لله رب العالمين} على نصر الرسل وإهلاك الكافرين. المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير الجلالين.
( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) الأنعام53 قوله ( وكذلك فتنا ) : أي ابتلينا. قاله البغوي ومكي. قوله ( بعضهم ببعض ) : أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير، بأن قدمناه بالسبق إلى الإيمان. قوله ( ليقولوا ) : أي الشرفاء والأغنياء منكرين. قوله ( أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) بالهدى والرشد، وهم فقراء ضعفاء أذلاء. وعن ابن عباس : يعني أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء، فقال الأغنياء للفقراء : أهؤلاء من الله عليهم من بيننا، يعني: هداهم الله.
وإنما قالوا ذلك استهزاء وسخريا .
المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ) الأنعام 60 قوله ( يتوفاكم بالليل ) : يقبض أرواحكم عند النوم. وقال قتادة : يعني بذلك نومهم. قوله ( جرحتم بالنهار ) : كسبتم. وقال قتادة : ما عملتم بالنهار .وقال ابن عباس يعني : ما اكتسبتم من الإثم . وبه قال السدي. وقال قتادة : ما عملتم من ذنب فهو يعلمه ، لا يخفى عليه شيء من ذلك . وقال الطبري : ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار . قلت (عبدالرحيم ) : ومنه (وما علمتم من الجوارح ) : أي الكواسب؛ لأنها تكسب الرزق ( الصيد) لأصحابها. قوله ( ثم يبعثكم فيه ) : أي النهار من نومكم. قاله مجاهد وقتادة والسدي . وقال القرطبي : ويعني اليقظة .وقال السيوطي : أي النهار برد أرواحكم. وقيل : يبعثكم من القبور. قوله (ليقضى أجل مسمى ) : هو أجل الحياة. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي،تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين،فتح القدير للشوكاني.
( لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ) الأنعام (67) قوله ( لكل نبأ مستقر ) : أي حقيقة. قاله ابن عباس. وقال مكي : غاية. قال ابن كثير: أي لكل خبر وقوع، ولو بعد حين، كما قال: {ولتعلمن نبأه بعد حين}، وقال {لكل أجل كتاب} . وقالت كاملة الكواري : المستقر: موضع الاستقرار، والنبأ: الخبر العظيم. وعن ابن عباس أيضا :لكل نبأ مستقر فعل وحقيقة ، ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة. قال النحاس : وهذا تهديد إما بعذاب يوم القيامة وإما بالأمر بالحرب . وقال السدي: لكل نبإ مستقر أي ميعاد وحد تكتموه، فسيأتيكم حتى تعرفوه. وقال ابن الجوزي : أي خبر يخبرالله به وقت يقع فيه. وقال مكي أي: لكل خبر قرار يستقر عنده، ونهاية ينتهي إليها فيعلم حقه وصدقه من كذبه. وقيل : أي غاية يعرف عندها صدقه من كذبه، وسوف تعلمون تهديد محض ووعيد. ذكره ابن عطية وقال ابن الهائم : أي لكل خبر وقيل: وقت يقع فيه ويظهر. وقيل: لكل عمل جزاء. انتهى وقال مقاتل : لكل نبإ مستقر يقول لكل حديث حقيقة ومنتهى يعنى العذاب منه في الدنيا وهو القتل ببدر، ومنه في الآخرة نار جهنم . وعن الحسن أنه قرأ : لكل نبأ مستقر قال : حبست عقوبتها ، حتى إذا عمل ذنبها أرسلت عقوبتها . قوله ( وسوف تعلمون ) : صحة ما أقول لكم، وهو ما أوعدهم به من العذاب، فظهر ذلك يوم بدر. قاله مكي. قال ابن كثير : وهذا تهديد ووعيد أكيد؛ ولهذا قال بعده: {وسوف تعلمون} المصدر : تذكرة الأريب لابن الجوزي، التبيان لابن الهائم، تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي زمنين، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير مقاتل، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي، المحرر الوجيز،تفسير ابن كثير، التحرير والتنوير.
( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) الأنعام 68 يخوضون في آياتنا : بالاستهزاء. وقال مجاهد : يكذبون. قال القرطبي : وهذا دليل على أن مجالسة أهل المنكر لا تحل . وقيل : لا تجالسوا أهل الخصومات ، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله . وعن ابن عباس قوله: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ), وقوله: ( الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا )؛ وقوله:( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ )؛ وقوله: ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة, وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله . المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي.
( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) الأنعام 70 أن تبسل نفس بما كسبت : يعني أن تحبس نفس بما كسبت في النار. قاله ابن عباس. وقيل : أي ترتهن، وتسلم للهلكة. وقال مكي : تُسلم للهلكة. أبسلوا بما كسبوا : فضحوا. قاله ابن عباس. وقيل : حرموا الثواب. المصدر : مسائل نافع بن الأزرق، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير المشكل لمكي القيسي، المفردات للراغب.
( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) الانعام (71) قوله ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض ) : أي هوت به وذهبت. قاله ابن قتيبة وكذا مكي. وقال السجستاني : هوت به وأذهبته. وبه قال ابن الهائم وقيل : حملته على اتباع الهوى. قاله الراغب. وقالت كاملة الكواري : أوقعته في الهوى. وفي السراج : هوت به؛ فأضلته. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، المفردات للأصفهاني، التبيان لابن الهائم، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن.
( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين (75) فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين (76) فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (77) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون (78) الأنعام قوله ( ملكوت السماوات والأرض ) : أي خلق السماوات والأرض. قاله ابن عباس. وقال ابن قتيبة : ملكها. قوله ( فلما جن عليه الليل ) : أي أظلم. وقال أبو بكر السجستاني : غطى عليه، وأظلم. قوله ( بازغا ) : أي طالعا. وقال الراغب : طالعا منتشر الضوء. قوله ( أفلت ) : غابت. وقال ابن عباس : فلما زالت الشمس عن كبد السماء. قوله ( قال لا أحب الأفلين ) : أن أتخذهم أربابا لأن الرب لا يجوز عليه التغيير والإنتقال. قاله السيوطي. قوله ( إني وجهت وجهي ) : أي قصدت بعبادتي. قاله السيوطي. قوله ( وحاجه قومه ) : أي جادلوه وحاولوا غلبه بالحجة. المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، تفسير المشكل لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات للأصفهاني، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير الجلالين.
( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الأنعام 82 ولم يلبسوا إيمانهم بظلم : أي لم يخلطوه بشرك. المصدر: تفسير المشكل لمكي القيسي.
( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) الانعام 91 قوله ( وما قدروا الله حق قدره ) : أي: ما وصفوه حق صفته ولا عرفوه حق معرفته. قاله ابن قتيبة. وقال ابن عباس : ما آمنوا أنه على كل شيء قدير .
وقال السيوطي : أي ما عظموه حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته.
قوله ( قراطيس ) : أي صحفا. قال ابن الهائم : أي في صحيفة، والجمع قراطيس، وفيه لغتان كسر القاف وضمها. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم،تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) الأنعام 93 قوله ( غمرات الموت ) أي : في سكراته وغمراته وكرباته. عذاب الهون : أي الهوان. وقال ابن عباس : الدائم الشديد. وقالت كاملة الكواري : أي عذاب الذل والمهانة. المصدر : مجاز القرآن لأبي عبيدة، غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، تفسير المشكل لمكي القيسي، المفردات للأصفهاني، التبيان لابن الهائم، تفسير ابن كثير، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) الأنعام94
خولناكم : ملكناكم. وقال الراغب : ما أعطيناكم. وقال السدي: وتركتم ما خولناكم، من المال والخدم وراء ظهوركم، في الدنيا. وبنحوه قال البغوي. قوله ( لقد تقطع بينكم ) : أي تقطعت الوُصَل التي كانت بينكم في الدنيا من القرابة والحِلْف والمودة. وقال الطبري : يعني تواصلهم الذي كان بينهم في الدنيا... المصدر : تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني،تفسير البغوي، تفسير الطبري.
( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) الأنعام 96 حسبانا : الحسبان والحساب واحد. وقال ابن الهائم : أي بحساب، أي جعلهما يجريان بحساب معلوم عنده. وقيل: جمع حساب مثل شهاب وشهبان والحاصل أنه مصدر أو جمع. المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي، التبيان لابن الهائم.
( وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) الأنعام98 قوله ( أنشأكم ) : أي خلقم. قوله ( من نفس واحدة ) : آدم عليه السلام. قوله ( فمستقر ) : أي في الصلب. قاله ابن قتيبة. قوله ( ومستودع ) : أي في الرحم. قاله مكي.
وقال ابن مسعود : فمستقر في الرحم إلى أن يولد، ومستودع في القبر إلى أن يبعث.
قالت كاملة الكواري : وأكثر أهل التفسير يقولون : المستقر ما كان في الرحم، والمستودع ما كان في الصلب.
وقال ابن الهائم : يعني الولد في صلب الأب. ومستودع : أي في الرحم. وقال ابن الهائم : يعني الولد في صلب رحم الأم. وقيل: فمستقر في الدنيا ومستودع في القبر. وقيل: فمستقر في الدنيا ومستودع في الآخرة. المصدر :التبيان لابن الهائم، تفسير المشكل لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي،تفسير الجلالين.
( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) الأنعام 99 قوله ( خضرا ) : بمعنى أخضر؛
أي : زرعا وشجرا أخضر.
قوله ( متراكبا ) : يركب بعضه فوق بعض، مثل سنابل القمح والشعير. قوله ( طلعها ) : الكفري، والوعاء قبل ظهور القنو منه، فيخرج من ذلك الوعاء. وفي السراج : ما تنشأ فيه عذوق الرطب. قوله ( قنوان دانية ) : عذوق قريبة. وقال السيوطي : عراجين قريب بعضها من بعض. وقال مكي : عذوق النخل، واحدها قنو، جمع على لفظ تثنيته، ومثله صنوان. قوله ( مشتبها وغير متشابه ) : يعني وشجر الزيتون وشجر الرمان، مشتبها وغير متشابه. قال قتادة : معناه مشتبها ورقها، مختلفا ثمرها. وبنحوه قال السيوطي.
وقال ابن الهائم :
قيل مشتبه في المنظر وغير متشابه في الطعم منه حلو ومنه حامض. وقيل : يشبه بعضها بعضا من وجه وتختلف من وجه. انتهى قوله ( وينعه ) : نضجه وبلوغه حين يبلغ. وقال مكي : ادراكه. المصدر : تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون ) الأنعام 100 قوله ( وجعلوا لله شركاء الجن ) : يعني الكافرين جعلوا لله الجن شركاء. قاله البغوي. وقال ابن قتيبة ومكي : يعني من زعم من الزنادقة أن إبليس يخلق الشر والله يخلق الخير. وعن الكلبي وابن جريج : هم الزنادقة. قوله ( وخلقهم ) : أي خلق الجن. قوله ( وخرقوا له) : أي اختلقوا. وقال ابن الهائم : معناه : فعلوا مرة بعد أخرى. وحرقوا أي بالمهملة أي افتعلوا ما لا أصل له، وهي قراءة ابن عباس. وقال ابن عباس : جعلوا له. وقال مجاهد : كذبوا. وبه قال غلام ثعلب. وقال الضحاك : وصفوا له. وفي السراج : اختلقوا وافتروا له سبحانه. المصدر : ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب،تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير الطبري،تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون ) الأنعام 105 قوله ( وليقولوا درست ) : الكتب، ودارست أهل الكتاب. قاله مكي. وعن ابن عباس : أي قرأت وتعلمت. وبه مجاهد وابن الهائم. وقال البغوي : قرأت على غيرك. وقال غلام ثعلب : أي قرأت أنت وحدك حتى حفظت. وقال السيوطي : ذاكرت أهل الكتاب. وفي السراج : تعلمت. المصدر : ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ) الأنعام 111 قوله ( قبلا ) : أي فوجا فوجا. وقال البغوي : أي جماعة. وقال ابن الهائم : أي أصنافا. وقالت كاملة الكواري : مقابلة ومواجهة ومعاينة. وفي السراج : مواجهة. المصدر : التبيان لابن الهائم، تفسير البغوي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) الأنعام 112 قوله ( يوحي بعضهم إلى بعض ) : فذلك بالوسواس. قاله الراغب. قوله ( زخرف القول غرورا ) : أي باطل القول غرورا. قاله ابن عباس. وقال ابن الهائم : أي الباطل المزين المحسن. قال أبو عبيدة : كل شيء حسنته وزينته وهو باطل فهو زخرف. وقال أبو بكر السجستاني : يعني الباطل المزين المحسن. وقال غلام ثعلب : أي حسن القول بترقيش الكذب. وقال ابن قتيبة : ما زين منه وحسن وموه. وقال الراغب : أي المزوقات من الكلام. وفي السراج : القول الباطل الذي زينه قائله. قوله ( غرورا) : أي خداعا. وقال السيوطي : أي ليغروهم. وقال البغوي : يعني لهؤلاء الشياطين يزينون الأعمال القبيحة لبني آدم، يغرونهم غروا. قوله ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) : أي الإيحاء المذكور. قاله السيوطي. وقال البغوي : أي ما ألقاه الشيطان من الوسوسة في القلوب. قوله ( يفترون ) : أي يختلقون من كذب وزور. فائدة : قال السيوطي : وهذا قبل الأمر بالقتال. المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، مجاز القرآن لأبي عبيدة، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ) الأنعام 113 قوله ( ولتصغى ) : تميل. قاله أبو حيان وابن الهائم. وقال غلام ثعلب : أي لتميل إليه، ومنه قوله : { فقد صغت قلوبكما } أي: مالت. وقال الراغب : الصغو: الميل. يقال: صغت النجوم، والشمس صغوا : مالت للغروب... قوله ( وليقترفوا ) : وليكتبوا، أما هم يكتبون فإنهم يوم القيامة يجازون بأعمالهم. قاله ابن عباس. وفي السراج : ليكتسبوا. وقال الفراء: الاقتراف: الكسب . وقال ابن قتيبة : ليكتسبوا وليدعوا ما هم مدعون. قاله ابن قتيبة. وقالت كاملة الكواري : والإقتراف يكون في الحسنة والسيئة، وفي الإثم أكثر. المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، التبيان في غريب القرآن لابن، تحفة الآريب بما في القرآن من الغريب، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، معاني القرآن للفراء ، المفردات للراغب الأصفهاني.
( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) الأنعام 116 قوله ( يخرصون ) : يكذبون بلغة تميم. قاله ابن حسنون السامري وغلام ثعلب. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى ( قتل الخراصون ) : أي لعن الكذابون.
وقال أبو عبيدة : أي: يظنون ويوقعون، ويقال: يتخرص، أي يتكذب.
وقال ابن الهائم : يحدسون. وبه قال أبو بكر السجستاني. وفي السراج : يظنون ويكذبون. المصدر : اللغات في القرآن لابن حسنون السامري، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة، غريب القرآن للسجستاني، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ) الأنعام [120] قوله ( ظاهر الإثم وباطنه ) : علانيته وسره. وقال ابن قتيبة : ( ظاهر الإثم ) : الزنا. و( باطنه ) : المخالة. وقيل : ذروا المعاصي، سرها وعلانيتها. وهذا مذهب أبي العالية ومجاهد وقتادة والزجاج. وقيل : الإثم : الزنا. روي عن ابن عباس. ظاهره : الإعلان به. وباطنه : الإستتار به. قاله الضحاك والسدي وابن الجوزي. وقال ابن جبير : ظاهر الإثم نكاح المحرمات، وباطنه الزنا. قال أبو عبيدة : فأما ظاهره : فالفجور والزنى، وأما باطنه فالمخالة : أن تتخذ المرأة الخليل، وأن يتخذها. قال النحاس : قال قتادة أي علانيته وسره، وقال غيره ظاهر الإثم : الزنا وباطنه : اتخاذ الأخدان والأشبه باللغة قول قتادة. وقال الزجاج : والذي يدل عليه الكلام أن المعنى - والله أعلم - اتركرا الإثم ظهرا، أو بطنا، أي لا تقربوا ما حرم الله عليكم جهرا ولا سرا. وقال ابن الأنباري : ذروا الإثم من جميع جهاته. قلت ( عبدالرحيم ) : وفي الآية وبضميمة قوله تعالى ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) دليل على منع تعمد تخيل الزنا و استرساله، وكذا المنع من تخيل جماع أجنبية، حال جماع أهله؛ قال ابن مفلح : وقد جزم ابن عقيل... أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أنه يأثم...
قوله ( بما كانوا يقترفون ) : يكتسبون في الدنيا. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تذكرة الآريب في تفسير الغريب، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين، الآداب الشرعية لابن مفلح.
( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام 122 قوله تعالى ( أومن كان ميتا فأحييناه ) : أي كافرا فهديناه. قاله مكي وبه قال ابن قتيبة. وقال نجم الدين النيسابوري : أي: ضالا فهديناه. وبه قال قتادة بن دعامة قال الزجاج : ويجوز أن تكون هذه الآية عامة لكل من هداه الله ولكل من أضله الله. وقال أيضا : وهذا جائز في خطاب الناس، يقول القائل لمن لا يفقه عنه ما فيه صلاحه: أنت ميت. قوله ( وجعلنا له نورا ) : أي إيمانا. قال ابن قتيبة. قوله ( يمشي به في الناس ) : أي يهتدي به. قوله ( كمن مثله في الظلمات ) أي: في الكفر. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري.
( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) الانعام 123 قوله ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ) : أي جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر.
وهم العظماء.
قاله ابن قتيبة. وقال ابن الهائم : أكابر مجرميها : أي عظماء مذنبيها. وقال مجاهد وقتادة : عظمائهم. وقال أبو عبيدة : أي العظماء. قال البغوي أي: كما أن فساق مكة أكابرها، كذلك جعلنا فساق كل قرية أكابرها، أي: عظماءها. وقيل : وخص العظماء والرؤساء لانهم أقدر على الفساد. قال الزجاج : لأن الأكابر ما هم فيه من الرياسة والسعة أدعى لهم إلى المكر والكفر. قوله ( ليمكروا فيها ) : قال ابن عباس: ليقولوا فيها الكذب. قاله ابن عباس. وقال أبو عبيدة : مصدره المكر، وهو الخديعة والحيلة بالفجور والغدر والخلاف. قوله (وما يمكرون الا بأنفسهم) أي ان وبال ذلك يرجع عليهم. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في غريب القران لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، مجاز القرآن لأبي عبيدة، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الطبري.
( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ) الأنعام 124 قوله ( صغار ) : الصغار: أشد الذل، والصغار في القدر والصغر في السن وغيره. قاله ابن الهائم. وقال مكي وابن قتيبة : ذلة. وقال الزجاج : أي هم وإن كانوا أكابر في الدنيا سيصيبهم صغار عند الله أي مذلة. وقال غلام ثعلب : ذل. وبه قال السيوطي. وقال البغوي : ذل وهوان. قوله ( عند الله ) أي من عند الله. قاله الفراء. وقيل: صغار في الدنيا وعذاب شديد في الآخرة. المصدر : ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، مجاز القرآن لأبي عبيدة، معاني القرآن للزجاج، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام 125 قوله ( يشرح صدره ) : أي: يوسع قلبه للتوحيد والإيمان. قاله ابن عباس. وقال البغوي : أي يفتح قلبه وينوره حتى يقبل الإسلام. وقال ابن قتيبة ومكي : أي يفتحه. قال السيوطي : بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله. قالت كاملة الكواري : شرح الصدر: توسعته لقبول الحق وتحمل الوارد عليه من أنوار الإيمان. قوله ( حرجا ) : شديد الضيق. قاله النحاس. وقال غلام ثعلب : الحرج: أشد الضيق. وقال نجم الدين النيسابوري : ذا حرج. وقال الزجاج : والحرج في اللغة أضيق الضيق. وقال أيضا : فالمعنى عند أهل اللغة إنه ضيق جدا. وقال مجاهد والسدي : ( ضيقا حرجا ) : شاكا. قوله : (كأنما يصعد في السماء) : قال ابن عباس : فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه ، حتى يدخله الله في قلبه . وقال نجم الدين النيسابوري : من ضيق صدره عن الإسلام كمن يراد على ما لا يقدر. وقال الفراء: ضاق عليه المذهب، فلم يجد إلا أن يصعد في السماء، وليس يقدر على ذلك. حكاه ابن الجوزي. وقال الزجاج : كأنه قد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه. وقال أيضا : ويجوز أن يكون...كأن قلبه يصعد في السماء نبوا على الإسلام واستماع الحكمة. قوله ( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) : الرجس : الشيطان . قاله ابن عباس. وقال مجاهد : الرجس : كل ما لا خير فيه . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرجس : العذاب . المصدر : ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان لنجم الدين النيسابوري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين.
( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) الأنعام 128 قوله ( يا معشر الجن ) : قال ابن الجوزي وغيره : والمراد بالجن في هذه الآية: الشياطين. قوله ( قد استكثرتم من الإنس ) : من إغوائهم وإضلالهم. وقال ابن عباس : أضللتم منهم كثيرًا . وبه قال مجاهد والحسن وقتادة ، وبنحوه قال ابن قتيبة ومكي. وقال النحاس : أي كثر من أغويتم. وقال الطبري : استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم. قوله ( ربنا استمتع بعضنا ببعض ) : انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات ، والجن بطاعة الإنس لهم . قاله السيوطي. وهو قول نجم الدين النيسابوري. وقال ابن قتيبة ومكي : أي: أخَذَ كلٌ من كلٍ نصيبا. وقال ابن جريج : كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض، فيقول : أعوذ بكبير هذا الوادي : فذلك استمتاعهم ، فاعتذروا يوم القيامة؛ وأما استمتاع الجن بالإنس فإنه كان ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعانتهم بهم ، فيقولون : قد سدنا الإنس والجن . وبنحوه قال الكلبي. وقيل : الجن أغوت إذا الانس وقبلت الانس منهم. حكاه النحاس. وقال البغوي : أي استكثرتم من الإنس بالإضلال والإغواء، أي: أضللتم كثيرا. قوله ( وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) : أي الموت. وبه قال ابن قتيبة والحسن والسدي. وقال البغوي : يعني القيامة والبعث. قوله ( النار مثواكم ) : مقامكم. قاله البغوي. وقال الزجاج : المثوى المقام. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، إيجاز البيان لنجم الدين، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين.
( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) الأنعام 135 قوله ( مكانتكم ) : طريقتكم. قال القرطبي : والمكانة الطريقة؛ والمعنى اثبتوا على ما أنتم عليه فأنا أثبت على ما أنا عليه . وعن ابن عباس والحسن والنخعي : على ناحيتكم . وقال القتبي : على موضعكم. وبه قال مكي. وقال الزجاج: اعملوا على ما أنتم عليه. قال النحاس : فإن قيل كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار؟، فالجواب أن هذا تهدد كما قال جل وعز (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) ودل عليه قوله (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) والمعنى على هذا اثبتوا على ما أنتم عليه إن رضيتم بالنار. قوله ( إني عامل ) : فإني عامل على طريقتي التي شرعها لي ربي. قوله ( تكون له عاقبة الدار ) : أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة. قوله( إنه لا يفلح ) : لا ينجح و يفوز- لايسعد. قوله ( الظالمون ) الكافرون. قاله السيوطي وغيره. قال ابن الجوزي : الظالمون ها هنا: المشركون. المصدر : السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للزجاج، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين، التفسير الميسر.
( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) الأنعام 136 قوله (وجعلوا لله مما ذرأ) : أي خلق. قاله البغوي وبيان الحق. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) : أي خلقنا لجهنم. قوله (من الحرث) : الزروع. قال مجاهد : كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فإذا ذهب ما لشركائهم عوضوا منه مما لله وإذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه شيئا قال الأنعام البحيرة والسائبة. حكاه النحاس. وقال قتادة : كانوا يجعلون لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فإذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما لله فجعلوه لشركائهم وإذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه وقالوا الله مستغن عن هذا وإذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز فنحروه وأكلوه. حكاه النحاس. قال بيان الحق الغزنوي : سمُّوا لله حرثا، ولأصنامهم حرثا، ثم ما حملته الريح من حرث الله، واختلط بحرث الأصنام تركوه، وقالوا الله غني عن هذا وعلى العكس. وقال البغوي :
كان المشركون يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيبا، وللأوثان نصيبا فما جعلوه لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين، وما جعلوه للأصنام أنفقوه على الأصنام وخدمها، فإن سقط شيء مما جعلوه لله تعالى في نصيب الأوثان تركوه وقالوا: إن الله غني عن هذا، وإن سقط شيء من نصيب الأصنام فيما جعلوه لله ردوه إلى الأوثان، وقالوا: إنها محتاجة، وكان إذا هلك أو انتقص شيء مما جعلوه لله لم يبالوا به، وإذا هلك أو انتقص شيء مما جعلوا للأصنام جبروه بما جعلوه لله، فذلك قوله تعالى.
وقال ابن قتيبة: مما ذرأ من الحرث والأنعام أي: مما خلق من الحرث وهو الزرع. والأنعام الإبل والبقر والغنم. نصيبا أي حظا؛ وكانوا إذا زرعوا خطوا خطا فقالوا: هذا لله، وهذا لآلهتنا؛ فإذا حصدوا ما جعلوا لله فوقع منه شيء فيما جعلوا لآلهتهم تركوه؛ وقالوا: هي إليه محتاجة. وإذا حصدوا ما جعلوا لألهتهم فوقع منه شيء فيما جعلوه لله، أعادوه ألى موضعه؛ وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا لله. فإذا ولدت إناثها ميتا أكلوه؛ وإذا جعلوا لآلهتهم شيئا من الأنعام فولد ميتا، عظموه ولم يأكلوه فقال الله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله. وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون. المصدر : باهر البرهان لبيان الحق الغزنوي، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للنحاس، تفسير البغوي، السراج في بيان غريب القرآن،تفسير الطبري.
( وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) الأنعام 137 قوله (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم) : أي زينوا لهم من قتْل أولادهم . قاله ابن عباس. وقال مجاهد: شياطينهم، يأمرونهم أن يَئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة. وقال السدي : أمرتهم الشياطين أن يقتلوا البنات. قوله ( ليردوهم ) : أي ليهلكوهم. والردى: الهلاك. قاله ابن قتيبة وابن الهائم. قوله ( وليلبسوا عليهم دينهم ) : ليخلطوا عليهم. قال ابن عباس: ليدخلوا عليهم الشك في دينهم، وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بلبس الشيطان. قال القرطبي : وليلبسوا عليهم دينهم الذي ارتضى لهم . أي يأمرونهم بالباطل ويشككونهم في دينهم . وكانوا على دين إسماعيل ، وما كان فيه قتل الولد؛ فيصير الحق مغطى عليه؛ فبهذا يلبسون . قوله ( ولو شاء الله ما فعلوه ) أي: لو شاء الله لعصمهم حتى ما فعلوا ذلك من تحريم الحرث والأنعام وقتل الأولاد. قوله ( فذرهم) :أي اتركهم. قوله ( وما يفترون) : يختلقون من الكذب. المصدر : التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الطبري.
( وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) الأنعام 138 قوله ( وقالوا هذه أنعام ) : يعني بالأنعام: البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. قاله مجاهد. قوله ( وحرث حجر ) أي زرع حرام. قاله ابن قتيبة. وقال قتادة والأخفش :الحجر :الحرام. قوله ( لا يطعمها إلا من شاء ) : يعنون الرجال دون النساء. قاله البغوي. قوله ( وأنعام حرمت ظهورها ) : يعني الحوامي كانوا لا يركبونها. قال السيوطي : فلا تركب كالسوائب والحوامي. وقال الطبري : فلا يركبون ظهورها، وهم ينتفعون برِسْلِها ونِتَاجها وسائر الأشياء منها غير ظهورها للركوب. قوله ( وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) :عند ذبحها بل يذكرون اسم أصنامهم. وقال الطبري : وحرموا من أنعامهم أنعاما أخر، فلا يحجُّون عليها، ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحال، ولا إن حلبوها، ولا إن حمَلوا عليها. وقال شقيق بن سلمة : معناه لا يحجون عليها ولا يركبونها لفعل الخير. قوله ( افتراء عليه ) : الإفتراء : العظيم من الكذب. قاله ابن الهائم. قال البغوي :يعني أنهم يفعلون ذلك ويزعمون أن الله أمرهم به افتراء عليه. المصدر : التبيان لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للنحاس، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأنعام 141 قوله ( وهو الذي أنشأ ) : خلق وابتدع. قاله النحاس. وقال الطبري : أحدث وابتدع خلقا، لا الآلهة والأصنام. قوله ( جنات ) : بساتين. قاله البغوي. قوله ( جنات معروشات ) : قد عرش عنبها. قوله ( وغير معروشات ) : من سائر الشجر الذي لا يعرش، ومن النخل. وقال ابن عباس : فالمعروشات : ما عرش الناس، وغير معروشات : ما خرج في البر والجبال من الثمرات. وقال الطبري : لا ينبته الناس ولا يرفعونه، ولكن الله يرفعه وينبته وينميه. وقال البغوي : مرفوعات وغير مرفوعات. وقالت كاملة الكواري : ما يعمل له العريش من العنب، وما لا يعرش له من سائر الأشجار. وفي السراج :معروشات : محتاجة إلى العريش؛ كالعنب،
والعريش: أعواد تنصب ليتمدد عليها الشجر، ويرتفع عن الأرض.
وغير معروشات : قائمة على ساقها؛ كالنخل. قوله ( مختلفا أكله ) : ثمره وطعمه منها الحلو والحامض والجيد والرديء. قاله البغوي. قوله ( متشابه ) : في المنظر. قال ابن جريج ومعمر. قوله ( وغير متشابه ) : في المطعم مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف. قاله البغوي. قوله ( وآتوا حقه يوم حصاده ) : الزكاة المفروضة من العشر ونصف العشر. قاله ابن عباس وطاووس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب. حكاه البغوي. وقال ابن قتيبة أي: تصدقوا منه. قلت ( عبدالرحيم ) : ولا منافاة بين قول ابن قتيبة، وقول من سلف ذكره ، من أنها الزكاة ، لأن الله سمى الزكوات صدقات كما في قوله ( إنما الصدقات للفقراء )؛ سيما وقد قال قتادة وابن المسيب في قوله ( وآتوا حقه يوم حصاده ) : الصدقة المفروضة؛ اللهم إلا إن صرح بغيره. وقال إبراهيم النخعي : هو الضغث. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري، مجاز القرآن لأبي عبيدة، تفسير البغوي،تفسير الطبري.
( ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) الأنعام (142) قوله ( حمولة ): "الحمولة " ما حمل عليه من الإبل وغيرها. قاله الطبري. قال الفراء: يقول: وأنشأ لكم من الأنعام حمولة، يريد ما أطاقَ الحمل والعمل. قوله ( وفرشا ): والفرش : الصغار من الأنعام. قاله ابن عباس. قال الطبري: " الفرش"صغار الإبل التي لم تدرك أن يُحْمَل عليها. قال غلام ثعلب: الحمولة: القوية على الحمل، والفرش: الصغيرة الضعيفة عن الحمل. _____ المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للفراء، تفسير الطبري.
( وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) الأنعام 142 قوله ( حمولة وفرشا ) : قال ابن عباس: الحمولة: ما تحمل عليه. والفرش: الصغار من الأنعام. وقال مكي : والحمولة كبار الإبل، والفرش : الصغار ما دون الحقاق. وقال غلام ثعلب :الحمولة: القوية على الحمل، والفرش: الصغيرة الضعيفة عن الحمل. وقيل : الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل ما حمل عليه.
والفرش: الغنم.
حكاه السجستاني. وقال السيوطي: ( من الأنعام حمولة ) صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار. (وفرشا ) : لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم سميت فرشا لأنها كالفرش للأرض لدونها منها. المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، ياقوتة الصراط في تفسيرغريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير الجلالين.
( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ۖ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) الأنعام 143 قوله ( ثمانية أزواج ) : أي ثمانية أفراد. والفرد يقال له: زوج. والإثنان يقال لهما: زوجان وزوج. قاله ابن قتيبة. وقال الراغب : أي أصناف. قال البغوي : نصبها على البدل من الحمولة والفرش، أي: وأنشأ من الأنعام ثمانية أزواج أصناف. قوله ( من الضأن اثنين ) أي: الذكر والأنثى. وفي السراج : ثمانية أنواع ذكورا وإناثا؛ من الإبل والبقر والضان والمعز. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، تفسير البغوي.
( قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الأنعام 145 قوله ( أو دما مسفوحا ) : سائلا؛ بخلاف غيره كالكبد والطحال. قاله السيوطي. وقيل : مصبوبا. قاله أبو بكر السجستاني وأبو حيان وابن الهائم. قال قتادة : المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال. وقال معمر البصري : أي مهراقا مصبوبا، ومنه قولهم: سفح دمعى، أي: سال. وفي السراج : دما مراقا؛ وهو ما يخرج عند الذبح. قوله ( رجس ): حرام. وقال أبو حيان : الرجس : القذر والنتن. وبه قال ابن الهائم وغيره. قوله ( فسقا أهل لغير الله به ) : أي ذبح على اسم غيره. قال النحاس : أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لأنه خارج عن الدين. فائدة : قال السيوطي : ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة البصري، معاني القرآن للنحاس، غريب القرآن للسجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) الأنعام 146 قوله ( وعلى الذين هادوا ) : أي اليهود. قوله ( حرَّمنا كل ذي ظفر ) : وهو ما لم تفرق أصابعه كالإبل والنعام. قال ابن قتيبة : أي كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ظلف ليس بمشقوق. يعني الحافر. وقال سعيد بن جبير: كل شيء متفرق الأصابع، ومنه الديك .مشقوق. يعني الحافر. قالت كاملة الكواري : أي: التي لا تفرق أصابعه كالإبل والنعام، وذلك أن بعض الحيوانات أو الطيور نجد تشقق أصبعها ظاهرا والأصابع مفصلة ومنفرجة بعضها عن بعض، فهذه ليست حراما عليهم، ونوعا نجد أصابعها غير مفصولة وغير منفرجة مثل الإبل والنعام والبط والإوز وهي ذو الظفر وهي المحرمة على اليهود. قوله ( إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) : أي تحرم شحوم البقر والغنم إلا الشحوم التي على ظهورها والشحوم التي تكون حول الحوايا وهي الأمعاء، وإلا الشحوم التي اختلطت بعظم؛
قال بعضهم: والحاصل أن الذي حرم عليهم شحم الجوف، وشحم الكلية، وما عداهما حلال لهم.
قوله ( أو الحوايا ) : الأمعاء. وقال ابن قتيبة ومكي : المباعر. قوله ( أو ما اختلط بعظم ) : شحم الإلية فإنه أحل لهم. وفي السراج : كألية الضأن... وقال أبو موسى المديني: أو ما اختلط بعظم من مخ. المصدر : المجموع المغيث في غريب القرآن والحديث لأبي موسى المديني، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) 151 قوله ( قل تعالوا أتل ) : أقرأ. قوله ( من إملاق ) : مخافة الفقر. قاله ابن عباس. وقال حسنون السامري : يعني من جوع؛ بلغة لخم. وبه قال القاسم بن سلام وابن الهائم. وقيل : بل نهي عن تضييع البذر بالعزلة ووضعه في غير موضعه. حكاه الراغب. قوله ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ): أي علانيتها وسرها. قوله ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) : إلا بالحق : يعني القود، وحد الردة، ورجم المحصن. المصدر : اللغات في القرآن لحسنون السامري، لغات القبائل في القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير الجلالين.
( أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ۗ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ) الأنعام 157 قوله ( وصدف عنها ): أعرض. قاله ابن عباس وقتادة. قال حسنون السامري : يعني أعرض بلغة قريش. وقال السدي: فصد عنها . قال الراغب : صدف عنه: أعرض إعراضا شديدا يجري مجرى الصدف، أي: الميل في أرجل البعير، أو في الصلابة كصدف الجبل أي: جانبه، أو الصدف الذي يخرج من البحر. قوله ( يصدفون ) : يعرضون. قال ابن قتيبة : يقال: صدف عني وصد أي: أعرض. المصدر: اللغات في القرآن لحسنون السامري، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني.
( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ) الأنعام158 قوله ( هل ينظرون ) : أي ينتظرون. وقالت كاملة الكواري أي: ما ينتظر التاركون الدخول في الإسلام؟. قوله ( إلا أن تأتيهم الملائكة ) : أي عند الموت. وبه قال قتادة والسدي وابن جريج. وقال السيوطي : لقبض أرواحهم. وقيل: بالعذاب.
قوله ( أو يأتي ربُّك ) : يوم القيامة.
قال البغوي : بلا كيف، لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة. قوله ( أو يأتي بعض آيات ربِّك ) : طلوع الشمس من مغربها. قال البغوي: عليه أكثر المفسرين. وقال السيوطي : أي علاماته الدالة على الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين. قوله ( أو كسبت في إيمانها خيرا ) : يريد: لا يقبل إيمان كافر ولا توبة فاسق. قاله البغوي. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) الأنعام 159 قوله ( فرقوا دينهم ) : جعلوه طرائق ومذاهب تتعادى. قال السيوطي : باختلافهم فيه فأخذوا بعضه وتركوا بعضه. قوله ( وكانوا شيعا ) : طوائف وأحزابا. وقال ابن قتيبة ومكي : أي فرقا وأحزابا. وقال أبو بكر السجستاني وأبو حيان : فرقا. وفي السراج : بدلوا دينهم وغيروه فأخذوا بعضا وتركوا بعضا. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى ( ...وجعل أهلها شيعا )، وقوله (أو يلبسكم شيعا ) : قال ابن الهائم : فرقا أي أحزابا متفرقين فتفرق كلمتكم.
قوله ( لست منهم في شيء ) : أي ليس إليك شيء من أمرهم.
قاله ابن قتيبة.
وقال السيوطي : أي فلا تتعرض لهم.
فائدة : قوله ( لست من قتالهم في شيء )، نسختها آية القتال وهذا على قول من يقول: المراد في الآية اليهود والنصارى، ومن قال: أراد بالآية أهل الأهواء قال: المراد من قوله( لست منهم في شيء ) أي أنت منهم بريء وهم منك برآء، تقول العرب: إن فعلت كذا فلست مني ولست منك أي: كل واحد منا بريء من صاحبه. قاله البغوي. وقال السيوطي: وهذا منسوخ بآية السيف. المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن للسجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام 162 قوله ( ونسكي) أي : ذبائحي. جمع نسيكة. وأصل النسك: ما تقربت به إلى الله. قاله ابن قتيبة وقال قتادة : ذبيحتي. وعن مقاتل بن حيان: يعني: الحج. وعن مجاهد، قال: ذبيحتي في الحج والعمرة.
وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك.
حكاه الماوردي. ويقال: ونسكي يعني: أضحيتي وحجتي لله رب العالمين. حكاه السمرقندي. وقيل: معناه ديني.
قاله الحسن.
وقيل : معناه عبادتي. قاله الزجاج، من قولهم فلان ناسك أي عابد. وبه قال نظام الدين النيسابوري. قوله ( ومحياي ) أي : حياتي. قوله ( ومماتي ) أي: وفاتي. المصدر : غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري، غريب القرآن لابن قتيبة، بحر العلوم للسمرقندي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير عبدالرزاق، تفسير ابن أبي حاتم، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن حموش.
( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) الأنعام 165 قوله ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) : أي سكانا في الأرض يخلف بعضهم بعضا، والواحد خلفية. قاله مكي. وبنحوه قال ابن الهائم. وفي السراج : تخلفون من سبقكم.
قوله ( ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) : أي فضل في المال والشرف.
قاله ابن قتيبة. وعن السدي: ( ورفع بعضكم فوق بعض درجات)، يقول: في الرزق. وقال مقاتل : يعنى بالدرجات الفضائل والرزق . وقال السيوطي : بالمال والجاه وغير ذلك. قوله ( ليبلوكم في ما آتاكم ) : أي يختبركم فيعلم كيف شكركم. المصدر : التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير مقاتل، تفسير الطبري،تفسير الجلالين. ( كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الأعراف [2] قوله ( فى صدرك حرج منه ) : يعني الشك بلغة قريش. قاله حسنون السامري، وابن الهائم.
وقال معمر البصري : أي ضيق.
وقال ابن قتيبة : أي: شك. وأصل الحرج: الضيق؛ والشاك في الأمر يضيق صدرا؛ لأنه لا يعلم حقيقته. فسمى الشك حرجا. وفي السراج : شك، وضيق من تبليغه. وقال الراغب : والمتحرج والمتحوب: المتجنب من الحرج والحوب. المصدر : اللغات في القرآن لابن حسنون السامري، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة البصري، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، السراح في بيان غريب القرآن للخضيري.
( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ) الأعراف 4
قوله ( فجاءها بأسنا ) : عذابنا.
قوله ( بياتا ) : ليلا.
قوله ( أو هم قائلون ) : نائمون بالظهيرة، والقيلولة استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم.
وقال ابن الهائم : أي نائمون وقت القيلولة من النهار.
وقال ابن قتيبة : من القائلة نصف النهار.
قال ابن كثير : من القيلولة ، وهي : الاستراحة وسط النهار . وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو. قلت ( عبدالرحيم ) : قول ابن كثير : وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو: شاهده من تفسير الغريب
قوله تعالى ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها...) الغفلة هنا : القائلة وسط النهار.
قال السيوطي : أي مرة جاءها ليلا ومرة جاءها نهارا. فائدة : قال البغوي رحمه الله : فإن قيل : ما معنى أهلكناها فجاءها بأسنا فكيف يكون مجيء البأس بعد الهلاك ؟ قيل : معنى قوله ( أهلكنا ) أي : حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا . المصدر : التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين.
( فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [5] قوله ( فما كان دعواهم ) : أي دعاؤهم، أي قولهم وكلامهم. قاله أبو بكر السجستاني وابن الهائم. وقال السيوطي : قولهم. وقال ابن قتيبة : قولهم وتداعيهم. قال ابن الجوزي : الدعوى ها هنا بمعنى الدعاء والقول. قلت ( عبدالرحيم ) : و مثله من تفسير الغريب قوله تعالى ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ...) أي : دعاؤهم. قال ابن الأنباري: وللدعوى في الكلام موضعان: أحدهما: الإدعاء. والثاني: القول والدعاء. قال الراغب : والدعوى: الدعاء. قال ابن الجوزي : والمعنى: ما كان قولهم وتداعيهم إذ جاءهم العذاب إلا الإعتراف بالظلم. وقيل : ادعاؤهم. المصدر : التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن للسجستاني، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ) الأعراف 7 قوله ( فلنقصَّن عليهم بعلم ) : أي لنخبرنهم عن علم. قاله البغوي. وقال السيوطي : أي لنخبرنهم عن علم بما فعلوه.
وعن ابن عباس : (فلنقصن عليهم بعلم)، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم.
وفي رواية عنه رضي الله عنه : يوضع الكتاب، فيتكلم بما كانوا يعملون. وقالت كاملة الكواري : أي: على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منه تعالى لأعمالهم.
قوله ( وما كنا غائبين ) : عن إبلاغ الرسل فيما بلغوا، وعن الأمم فيما أجابوا.
قاله البغوي. وقال السيوطي : أي عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا. وقال ابن الجوزي :وما كنا غائبين عن الرسل والأمم. المصدر تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) الأعراف [12] قوله ( ما منعك ألا تسجد ) : أي أن تسجد، و(( لا )) صلة تلقي للتأكيد. قاله ابن قتيبة ومكي. قال الراغب : أي ما حملك؟ قال معمر البصري : مجازه: ما منعك أن تسجد، والعرب تضع «لا» فى موضع الإيجاب وهى من حروف الزوائد. قال البغوي : و(( لا )) زائدة؛ كقوله تعالى( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ). قلت( عبدالرحيم ) : قوله تعالى ( لا يرجعون ) : يعني يرجعون؛ ومثله من تفسير الغريب قوله ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) : أي ليعلم أهل الكتاب. قال ابن قتيبة: وقد تزاد «لا» في الكلام؛ والمعنى: طرحها لإباء في الكلام، أو جحد، كهذه الآية. وإنما زاد (( لا )) لأنه لم يسجد. المصدر : المجموع المغيث لأبي موسى المديني، تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة البصري، غريب القرآن لابن قتيبة، تأويل المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي.
( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [13] قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [14]) الأعراف قوله ( إنك من الصاغرين ) : أي الذليلين. وقال البغوي : من الأذلاء، والصغار : الذل والمهانة. وقال ابن الهائم : الصاغرين : الأذلاء جمع صاغر، وقيل: من المبعدين. وفي السراج : الحقيرين، الذليلين. وقال معمر البصري : الصغار: هو أشد الذل. قوله ( أنظرني ) : أي أخرني. قاله ابن الهائم. قال البغوي : أخرني وأمهلني فلا تمتني. وفي السراج : أمهلني. قوله ( إنك من المنظرين ) : المؤخرين. _____ المصدر : التبيان في تفسير غريب لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة البصري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ۖ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ) الأعراف [18] قوله ( قال اخرج منها مذءوما ) : أي مذموما بأبلغ الذم. قاله ابن قتيبة و مكي وابن الهائم. وقال السيوطي : بالهمزة معيبا أو ممقوتا. وقال معمر البصري : وهى من ذأمت الرجل، وهى أشد مبالغة من ذممت... قوله ( مدحورا ) : أي مقصيا مبعدا. قاله ابن قتيبة و مكي و معمر البصري. وقال صاحب الياقوتة : أي: مطرودا، ويقال: منفيا.
وقال السجستاني : مبعدا.
يقال: ادحر عنك الشيطان، أي أبعده. وقال في اللسان : أي مقصى وقيل : مطرودا. وقال السيوطي : مبعدا عن الرحمة. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه من تفسير الغريب قوله تعالى ( دحورا ولهم عذاب واصب ) دحورا : أي إبعادا وطردا. ___ المصدر : ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، مجاز القرآن لمعمر البصري، التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير الجلالين، لسان العرب لابن منظور.
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [20] وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [21] ) الأعراف قوله ( ليبدي لهما ) أي : ليظهر. قاله ابن قتيبة. قوله ( ما ووري عنهما ) : أي أظهر لهما ما غطي وستر عنهما من عوراتهما. قاله البغوي.
وقال ابن قتيبة : ستر. والتواري والمواراة منه.
وفي السراج : ما ستر، وأخفي. قوله ( وقاسمهما ) : أي وأقسم وحلف لهما. وقال السيوطي : أي أقسم لهما بالله. وقال قتادة : حلف لهما بالله حتى خدعهما. قال أبو حيان وابن الهائم والزجاج : حلف لهما. قال معمر البصري : أي حالفهما. وقال ابن الجوزي : قال الزجاج: حلف لهما، فدلاهما في المعصية بأن غرهما. قال ابن عباس: غرهما باليمين، وكان آدم لا يظن أن أحدا يحلف بالله كاذبا. انتهى فائدة: قال البغوي : قيل: اللام فيه لام العاقبة وذلك أن إبليس لم يوسوس بهذا ولكن كان عاقبة أمرهم ذلك، وهو ظهور عورتهما، كقوله تعالى: (فالتقطته آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا). _____ المصدر : التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، مجاز القرآن لمعمر أبي عبيدة البصري، معالم التنزيل للبغوي، زاد المسير لابن الجوزي.
( فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ) الأعراف [22] قوله ( فدلاهما بغرور ) أي: فخدعهما بغرور. قاله الطبري. وفي السراج : فجرأهما، وغرهما. قال البغوي : خدعهما، يقال: ما زال فلان يدلي لفلان بغرور، يعني: ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف باطل من القول. وقال ابن الهائم : يقال لكل من ألقى إنسانا في بلية: قد دلاه في كذا؛ والغرور هو: إظهار النصح مع إبطان الشر. وقال السيوطي : حطهما عن منزلتهما. وقال أبو حيان : ألقاهما من أعلى إلى أسفل، أي: أخرجهما. وقال الزجاج: حلف لهما، فدلاهما في المعصية بأن غرهما. حكاه ابن الجوزي. قوله ( فلما ذاقا الشجرة ) : أي أكلا منها - طعماه. قوله ( بدت لهما سوآتهما ) : انكشف لهما سوءاتهما.
قال السيوطي : أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره؛
وسمي كل منها سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه.
قوله ( وطفقا ) : أقبلا وجعلا. قوله ( يخصفان ) : يرقعان ويلزقان ويصلان.
قاله البغوي. قال مجاهد : يرقعان كهيئة الثوب. وقال السيوطي : أخذ يلزقان. ____ المصدر : التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف [26] قوله ( يواري ) : أي يستر. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ) : و مثله من تفسير الغريب قوله ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه ) : يواري : أي يستره بالتراب بعد أن قتله. قوله ( وريشا ) : الريش والرياش: ما ظهر من اللباس. قاله ابن قتيبة ومكي. وبنحوه قال ابن الهائم. وقال ابن عباس : الرياش: المال. حكاه نافع ابن الأزرق. وبه قال مجاهد والضحاك والسدي. قال البغوي : يقال تريش الرجل إذا تمول. وقال عطاء: المال والنعيم. وقال غلام ثعلب : كل شيء يعيش به الإنسان، فهو ريش من مال أو متاع أو مأكول أو مشروب، قال: والرياش مثله. وقال سفيان الثوري : الريش: المال، والرياش: الثياب. حكاه ابن الجوزي. وقال الزجاج: الريش: اللباس وكل ما ستر الإنسان في جسمه ومعيشته. يقال: تريش فلان، أي: صار له ما يعيش به. وقال ابن زيد : الريش الجمال. قال البغوي : أي: ما يتجملون به من الثياب.
وفي السراج : لباس الزينة.
وقيل: هو اللباس. وقيل: العفاف. قاله ابن السائب. قوله (ولباس التقوى ) : لباس التقوى هو الإيمان. قاله قتادة والسدي.
وقال الحسن: هو الحياء؛ لأنه يبعث على التقوى.
وبه قال غلام ثعلب. و عن ابن عباس: هو العمل الصالح. وعن عثمان بن عفان، أنه قال: السمت الحسن. وهو مروي عن ابن عباس. وقيل : الإيمان . قاله قتادة وابن جريج والسدي. قال ابن الجوزي : فعلى هذا، سمي لباس التقوى، لأنه يقي العذاب. وقيل : خشية الله تعالى. قاله عروة بن الزبير. وقيل : الحياء، قاله معبد الجهني، وابن الانباري. وقيل : العفاف، قاله ابن السائب. ____ المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف [27] قوله ( يا بني آدم لا يفتننكم ) : لا يضلنكم الشيطان. وفي السراج : يضلنكم، ويخدعنكم. قوله ( كما أخرج أبويكم ) : أي كما فتن أبويكم آدم وحواء فأخرجهما. قوله ( يراكم هو وقبيله ) : أي أصحابه وجنده. قاله ابن قتيبة.
وقال ابن عباس: هو وولده.
وقال ابن الهائم : أي جيله وأمته. وقيل : نسله. قاله عبدالرحمن بن زيد. وقال قتادة : قبيله : الجن والشياطين. وبه قال مجاهد. قوله ( إنا جعلنا الشياطين أولياء ) : أعوانا وقرناء. وقال الطبري: نصراء الكفار. ____ المصدر : التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف (31) قوله ( خذوا زينتكم ): أي لباسكم عند كل صلاة. قاله أبو بكر السجستاني. وقال السيوطي :ما يستر عورتكم. قالت كاملة الكواري : أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يجعل البدن قبيحا مشوها، وقيل: اللباس: النظيف الحسن. انتهى. وقال البغوي : يعني الثياب. وقال مجاهد: ما يواري عورتك ولو عباءة. قال ابن الهائم : أي ثيابكم عند كل صلاة؛ وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بالبيت عراة: الرجال بالنهار والنساء بالليل إلا الحمس، وهم قريش ومن دان بدينهم، فإنهم كانوا يطوفون في ثيابهم. وكانت المرأة تتخذ نسائج من سيور فتعلقها على حقويها... وبنحوه قال ابن قتيبة. وفي السراج : ساترين عوراتكم، متزينين. ___ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأنعام [33] قوله ( ما لم ينزل به سلطانا ) : حجة. قاله ابن قتيبة ومكي والزجاج والبغوي والسيوطي. وقالت كاملة الكواري : حجة وبرهانا، والسلطان: القوة والقدرة، وسميت الحجة سلطانا لقوتها على دفع الباطل. وقال معمر البصري : أي ما لم يجعل لكم فيه حجة، ولا برهانا، ولا عذرا. قوله ( والبغي ) : الظلم والكبر. قاله البغوي. ____ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري،مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر البصري، تفسير البغوي، معاني القرآن للزجاج، تفسير الجلالين.
( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ) الأعراف [37]
قوله ( أولئك ينالهم ) : يصيبهم. قوله ( نصيبهم من الكتاب ) : أي حظهم مما كتب عليهم من العقوبة. قاله ابن قتيبة ومكي. وقيل : يعني أعمالهم التي عملوها وكتب عليهم من خير وشر يجزي عليها. قاله ابن عباس وقتادة والضحاك. حكاه البغوي وقيل : ما كتب لهم من العذاب وقضى عليهم من سواد الوجوه وزرقة العيون. قاله الحسن والسدي. حكاه البغوي. و قال سعيد بن جبير: من الشقوة والسعادة. حكاه النحاس. وقيل : ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار والأعمال.
قاله الربيع والقرظي وهو قول السيوطي.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا، ورزق وعمل وأجل. قوله ( قالوا ضلوا ) : غابوا. قاله السيوطي. وقال البغوي : أي بطلوا وذهبوا. ____ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للنحاس، تفسير البغوي، تفسير الطبري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف [38] قوله ( قال ادخلوا ) : يعني: يقول الله لهم يوم القيامة. قوله ( ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم ) : أي ادخلوا مع أمم. قاله مكي. وقال البغوي : أي مع جماعات. قوله ( قد خلت ) : مضت. قوله ( حتى إذا اداركوا فيها ) : أي اجتمعوا. قاله أبو حيان وابن الهائم. وقال السيوطي : تلاحقوا. قال ابن قتيبة : تتابعوا فيها واجتمعوا. قال البغوي : أي: تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا في النار. قوله ( جميعا قالت أخراهم ) : يعني أخراهم دخولا النار وهم الأتباع. قاله مقاتل. قوله ( لأولاهم ) : أي لأولاهم دخولا وهم القادة، لأن القادة يدخلون النار أولا.
وقال ابن عباس: يعني آخر كل أمة لأولاها. وقال السدي: أهل آخر الزمان لأولاهم الذين شرعوا لهم ذلك الدين.
حكاه البغوي.
قوله ( فآتهم عذابا ضعفا من النار ) : أي ضعف عليهم العذاب.
قوله ( قال ) : الله تعالى. قوله ( لكل ضعف ) : أي عذاب مضعف : يعني للقادة والأتباع ضعف من العذاب.
قوله ( ولكن لا تعلمون ) : ما لكل فريق منكم من العذاب.
___ المصدر : تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [40] لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [41] ) الأعراف قوله ( لا تفتَّح لهم أبواب السماء ) : لأرواحهم لأنها خبيثة لا يصعد بها بل يهوى بها إلى سجين، إنما تفتح أبواب السماء لأرواح المؤمنين وأدعيتهم وأعمالهم. حكاه البغوي عن ابن عباس. وقال السيوطي : إذا عرج بأرواحهم إليها بعد الموت فيهبط بها إلى سجين بخلاف المؤمن فتفتح له ويصعد بروحه إلى السماء السابعة. قوله ( حتى يلج الجمل ) : يدخل. قوله ( في سمِّ الخياط ) : ثقب الإبرة. قال البغوي : أي حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة، والخياط والمخيط الإبرة. قال معمر البصري : أي في ثقب الإبرة وكل ثقب من عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك فهو سم والجميع سموم. قوله ( لهم من جهنم مهاد ) : فراش. قوله ( ومن فوقهم غواش ) : أغطية من النار جمع غاشية. وقال ابن الهائم : أي ما يغشاهم فيغطيهم من أنواع العذاب. وقال ابن قتيبة : ما يغشاهم من النار. وفي السراج : أغطية تغشاهم. وقال البغوي : أي لحف، وهي جمع غاشية، يعني ما غشاهم وغطاهم، يريد إحاطة النار بهم من كل جانب. ___ المصدر : غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن، غريب القرآن لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [44] الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ [45] ) الأعراف قوله ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) : تقريرا أو تبكيتا.
قوله ( أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا ) : من الثواب.
قوله ( حقا ) : أي صدقا.
قوله ( فهل وجدتم ما وعد ربكم ) : من العذاب.
قوله ( فأذن مؤذن بينهم ) : أي نادى مناد أسمع الفريقين. قوله ( الذين يصدون ) : أي يصرفون الناس. قوله ( عن سبيل الله ) : طاعة الله. وقال السيوطي : دينه.
قوله ( ويبغونها عوجا ) : أي معوجة. وقال البغوي : يطلبونها زيغا وميلا أي: يطلبون سبيل الله جائرين عن القصد.
____ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، معالم التنزيل للبغوي، تفسير الجلالين.
( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) الأعراف [46]
قوله (وبينهما) : أي بين أصحاب الجنة والنار. قوله (حجاب) : أي بين النار والجنة حاجز عظيم يقال له الأعراف. قال القرطبي : أي سور ؛ وهو السور الذي ذكره الله في قوله : فضرب بينهم بسور . قالت كاملة الكواري : أي بين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجاب يقال له الأعراف لا من الجنة ولا من النار، يشرف على الدارين، وينظر من عليه حال الفريقين، وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بعلامات. قال الراغب : ليس يعني به ما يحجب البصر، وإنما يعني ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة إلى أهل النار، وأذية أهل النار إلى أهل الجنة، كقوله عز وجل: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب. قوله (وعلى الأعراف) وهو سور الجنة. قال القرطبي : أي على أعراف السور؛ وهي شرفه. ومنه عرف الفرس وعرف الديك . وعن ابن عباس أنه قال : الأعراف الشيء المشرف . قوله (رجال) استوت حسناتهم وسيئاتهم. وبه قال عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وابن عباس والشعبي والضحاك وابن جبير. وقيل : هم الشهداء. وقيل :هم ملائكة موكلون بهذا السور. وقيل : أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم ، وهم في كل أمة .
قال النحاس : وهو من أحسن ما قيل فيه.
وقيل : أولاد الزنى. وقيل غير ذلك. قوله (يعرفون كلا) من أهل الجنة والنار. قوله (بسيماهم) بعلامتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين لرؤيتهم لهم إذ موضعهم عال. قاله السيوطي. قالت كاملة الكواري : السيما: العلامة، وسيما المؤمنين بياض الوجوه ونضرتها، فوجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة، وسيما الكافرين سواد الوجوه، فوجوههم عليها غبرة ترهقها قترة. قوله (لم يدخلوها) : أهل الأعراف لم يدخلوا الجنة بعد، وهم يرجون دخولها. قوله (وهم يطمعون) في دخولها. قال الحسن: لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها بهم. وعن حذيفة قال : بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم. ___ المصدر : المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين، التفسير الميسر.
( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) الأعراف [53]
قوله (هل ينظرون ) : ما ينتظرون.
قوله ( إلا تأويله ) : أي عاقبة ما فيه.
يعني : هل ينتظرون إلا عاقبته. قال ابن قتيبة : يريد ما وعدهم الله من أنه كائن. قال السنيد : أي ما وُعدوا في القرآن وما يؤول إليه أمرهم من جنة أو نار. وقال قتادة : أي ثوابه. وقال مجاهد : جزاءه.
قوله ( يوم يأتي تأويله ) : هو يوم القيامة.
قال السنيد : أي يوم القيامة، وليس معناها تفسيره.
قوله ( يقول الذين نسوه من قبل ) : تركوا الإيمان به.
قاله السيوطي. وقال مكي : أي تركوه وأعرضوا عنه. قوله ( نُرد ) : أي إلى الدنيا. قوله ( فنعمل غير الذي كنا نعمل ) : نوحد الله ونترك الشرك، فيقال لهم: لا. قوله ( قد خسروا أنفسهم ) : إذ صاروا إلى الهلاك.
قوله ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) : أي ذهب دعوى الشريك.
يعني : ذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون الله، ويفترونه في الدنيا مما يعدهم به الشيطان. ____ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، التفسير الميسر، أكثر من 100 كلمة قرآنية تفهم خطأ لعبدالمجيد السنيد.
( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [54] ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [55] الأعراف
قوله ( يغشي الليل النهار ) : مخففا ومشددا أي يغطي كلا منهما بالآخر طلبا. قالت كاملة الكواري : يأتي بالليل على النهار فيغطيه حتى يذهب بنوره.
قوله ( يطلبه حثيثا ) : سريعا. قال البغوي: وذلك أنه إذا كان يعقب أحدهم الآخر ويخلفه، فكأنه يطلبه.
قالت كاملة الكواري : أي: سريعا بلا انقطاع كأنه لسرعة مضيه يطلب النهار، والمعنى: كل ما جاء الليل ذهب النهار، وكل ما جاء النهار ذهب الليل وهكذا أبدا على الدوام حتى يقضي الله هذا العالم وينتقل العباد إلى دار غير هذه الدار. قوله ( مسخرات ) : مذلَلات. قوله ( ألا له الخلق والأمر ) : له الخلق لأنه خلقهم وله الأمر، يأمر في خلقه بما يشاء. قاله البغوي.
فائدة :
قلت ( عبدالرحيم ) : قوله ( ألا له الخلق والأمر ) : فيه دليل على اثبات صفة الكلام لله على ما يليق به، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، فقد غاير الله في الآية بين الخلق والأمر؛ لذا قال سفيان بن عيينة : فرق الله بين الخلق والأمر، فمن جمع بينهما فقد كفر. قلت : يشير رحمه إلى كفر من قال إن القرآن مخلوق، وبكفره قال جماعة من أئمة السلف.
قوله ( تبارك ) : تعاظم وتعالى.
قاله الطبري. وفي السراج : تعالى وتعاظم وتنزه. وقال البغوي : تعالى الله وتعظم. وقيل: ارتفع. والمبارك المرتفع. وقيل: تبارك تفاعل من البركة وهي النماء والزيادة، أي: البركة تكتسب وتنال بذكره. وعن ابن عباس قال : جاء بكل بركة.
وقال الحسن: تجيء البركة من قبله. وقيل: تبارك : تقدس. والقدس: الطهارة.
وقيل: تبارك الله أي : باسمه يتبرك في كل شيء.
قال البغوي : قال المحققون: معنى هذه الصفة ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال. وأصل البركة الثبوت. ويقال: تبارك الله ولا يقال: متبارك ولا مبارك، لأنه لم يرد به التوقيف. قوله ( الله رب العالمين ) : مالك.
قوله ( ادعوا ربكم تضرعا ) : تذللا واستكانة. قوله ( وخفية ) : أي سرا. قالت كاملة الكواري : التضرع: الدعاء بتذلل، وخفية بدون جهر بالدعاء. فائدة:
قال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، وإن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله سبحانه يقول: ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) ، وإن الله ذكر عبدا صالحا ورضي فعله فقال: ( إذ نادى ربه نداء خفيا) .
قلت ( عبدالرحيم ) : فلا غرو أن يقول هذا الإمام مثل هذه الكلمات فقد قيل فيه : كان كلامه يشبه كلام الانبياء؛
فليتق الله أقوام في رفعهم أصواتهم في الدعاء سيما اذا كاموا في صلاة الجماعة لأنهم بذلك يخالفوا ما جاء به الكتاب والسنة ويؤذوا اخوانهم والله يقول ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .
___ المصدر : غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الأعراف [57] قوله ( بشرا بين يدي رحمته ) : كأنها تبشر؛ ورحمته ها هنا: المطر، سماه رحمة: لأنه كان برحمته. قاله ابن قتيبة. قال البغوي أي: قدام المطر؛ ومن قرأها (نشرا بين يدي رحمته) أراد جمع نشور ونشر الشيء ما تفرق منه. يقال: اللهم اضمم إلي نشري. أي ما تفرق من أمري. قوله ( أقلت ) : حملت. قوله ( سحابا ثقالا ) : محملة بالماء. قال الراغب : أقلت سحابا ثقالا :
أي: احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوتها.
قال أبو بكر السجستاني : يعني الريح حملت سحابا ثقالا بالماء. يقال: أقل فلان الشيء واستقل به إذا أطاقه وحمله. وفلان لا يستقل بحمله أي لا يطيق. وبنحوه قال ابن الهائم.
قوله ( سقناه ) : أي السحاب.
قوله ( لبلد ميت ) : لا نبات به أي لإحيائها.
قوله ( فأنزلنا به الماء ) : بالبلد.
وقيل : بالسحاب. قاله البغوي.
قوله (فأخرجنا به ) : أي بالماء.
قوله ( من كل الثمرات كذلك ) : أي كذلك الإخراج. قوله ( نخرج الموتى ) : أي من قبورهم بالإحياء. قال البغوي : استدل بإحياء الأرض بعد موتها على إحياء الموتى. قوله ( لعلكم تذكرون ) : فتؤمنون. ___ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) الأعراف [58] قوله ( والبلد الطيب ) : العذب التراب. وقال القرطبي : أي التربة الطيبة.
قوله ( يخرج نباته ) : حسنا. قوله ( بإذن ربه ) : هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها. قوله ( والذي خبث ) : ترابه.
قال قتادة: هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن.
قوله ( إلا نكدا ) : قليلا .
قاله ابن قتيبة ومكي. وقال أبو حيان وابن الهائم : قليلا عسرا. وقال السيوطي: عسرا بمشقة وهذا مثل للكافر. قال البغوي : أي عسرا قليلا بعناء ومشقة. وقال أبو عبيدة معمر البصري : أي قليلا عسرا فى شدة. وقالت كاملة الكواري : إلا عسرا بمشقة، والنكد: العسر الممتنع عن إعطاء الخير، فيكون نباتا خاسا لا نفع فيه ولا بركة. كذلك كما بينا ما ذكر.
قوله ( نُصرف الآيات ) : نبين.
____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين. ( قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [60] قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [61] أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [62] أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [63] ) الأعراف. قوله ( قال الملأ ) : أشرافهم ووجوههم. قال ابن قتيبة : وكذلك ( الملأ من قومه ) في كل موضع. قوله ( إنا لنراك في ضلالٍ ) : خطأ وزوال عن الحق.
قوله ( مبين ) : أي بيَّن.
قوله ( على رجل منكم ) : أي على لسان رجل منكم. ___ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [69] قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [70] قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [71] ) الأعراف قوله «على رجل منكم » : أي على لسان رجل منكم. قوله «واذكروا إذ جعلكم خلفاء» : يعني في الأرض. قوله «وزادكم في الخلق بسطة» : قوة وطولا. وفي السراج : قوة، وضخامة.
قال السيوطي : وكان طويلهم مائة ذراع وقصيرهم ستين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ثمانون ذراعا. قوله «فاذكروا آلاء الله» : أي نعم الله. قال أبو بكر السجستاني : نعمه واحدها إلى وألى وإلي.
قوله «لعلكم تفلحون» : أي تفوزون.
قوله «قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر» : نترك.
قوله «فأتنا بما تعدنا» : به من العذاب.
قوله «قال قد وقع» : أي وجب ونزل.
قوله «عليكم من ربكم رجس» أي عذاب، والسين مبدلة من الزاي.
قاله البغوي. وقال أبو عبيدة معمر البصري : عذاب وغضب. قال ابن عباس : الرجس: اللعنة، والغضب والعذاب.
قوله «أتجادلونني في أسماء سميتموها» : أي سميتم بها.
قيل :كانت لهم أصنام يعبدونها سموها أسماء مختلفة حكاه البغوي.
قوله «أنتم وآباؤكم» : أصناما تعبدونها. قوله «ما نزل الله بها» : أي بعبادتها.
قوله «من سلطان» : حجة وبرهان. قوله «فانتظروا» : العذاب. قوله «إني معكم من المنتظرين» : ذلكم بتكذيبكم لي فأرسلت عليهم الريح العقيم. ___ المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) الأعراف [74]
قوله «واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد» : تخلفون عادا في الأرض بعد هلاكها. قاله الطبري.
قوله «وبوأكم» : أسكنكم.
قاله السيوطي. وقال أبو بكر السجستاني وأبو حيان وابن الهائم ومكي : أنزلكم. وقال البغوي : أسكنكم وأنزلكم. وقال الطبري : أنـزلكم في الأرض وجعل لكم فيها مساكن وأزواجا. قوله « تتخذون من سهولها قصورا» : أي تبنون القصور بكل موضع . قاله القرطبي.
قال السيوطي : تسكنونها في الصيف.
وقالت كاملة الكواري : أي من الأراضي السهلة التي ليست بجبال. قوله «وتنحتون الجبال بيوتا» : تسكنونها في الشتاء. قاله السيوطي. قال القرطبي : اتخذوا البيوت في الجبال لطول أعمارهم؛ فإن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم. قال البغوي : كانوا ينقبون في الجبال البيوت ففي الصيف يسكنون بيوت الطين، وفي الشتاء بيوت الجبال؛ وقيل: كانوا ينحتون البيوت في الجبل لأن بيوت الطين ما كانت تبقى مدة أعمارهم لطول أعمارهم.انتهى «فاذكروا آلاء الله » : أي نعمه وما خولكم من الفضل والرزق والقوة. قوله «ولا تعثوا في الأرض مفسدين» : لا تسيروا في الأرض مفسدين. قاله قتادة. قال ابن قتيبة : العثو والعيث أشد الفساد. وقال معمر بن المثنى : أي لا تفسدوا، من عثيت تعثى عثوا، وعثا يعثوا عثوا وهو أشد الفساد. وبنحوه قال غلام ثعلب. ___ المصدر : ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، مجاز القرآن لمعمر بن المثنى، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [78] فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [79] ) الأعراف قوله «فأخذتهم الرجفة» : الصيحة؛ والرجفة : الموت. قاله مكي.
قال السيوطي : الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء.
قال البغوي : وهي زلزلة الأرض وحركتها وأهلكوا بالصيحة والرجفة. وقال الراغب : الرجف: الاضطراب الشديد، يقال: رجفت الأرض ورجف البحر، وبحر رجاف. قال تعالى: يوم ترجف الراجفة [النازعات/ 6] ، يوم ترجف الأرض والجبال [المزمل/ 14]. قوله «فأصبحوا في دارهم جاثمين» : خامدين ميتين. وفي السراج : هالكين، لاصقين بالأرض على ركبهم، ووجوههم. وقال معمر بن المثنى وابن الهائم : أي بعضهم على بعض. وزاد ابن الهائم : وجاثمين: باركين على الركب أيضا. وقال مكي : لا يتحركون. وقال السجستاني : واقعين بعضهم على بعض. وقال السيوطي : باركين على الركب ميتين. وبنحوه قال أبو حيان. قال البغوي : قيل: سقطوا على وجوههم موتى عن آخرهم. وقالت كاملة الكواري :
أصل الجثوم البروك على الركب، وقيل: جثم الناس أي: قعدوا لا حراك بهم، وهو التعبير الدقيق الذي يدل على أن الواحد منهم إن كان واقفا ظل على وقوفه، وإن كان قاعدا ظل على قعوده، وإن كان نائما ظل على نومه، فالجاثم هو من لزم مكانه فلم يبرح أو لصق بالأرض.
قوله «فتولى عنهم وقال يا قوم...» : فتولى : أعرض صالح. قاله البغوي والسيوطي. _____ المصدر : تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لمعمر بن المثنى، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
(فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) ) الأعراف قوله «كانت من الغابرين» الباقين في العذاب. قاله السيوطي. وفي السراج : الهالكين، الباقين في العذاب. قال أبو بكر السجستاني :أي الباقين، قد غبرت في العذاب، أي بقيت فيه، ولم تسر مع لوط عليه السلام. وقالت كاملة الكواري : أي الهالكين، والغابر يطلق على المنقضي، ويطلق على الباقي؛ فهو من أسماء الأضداد وأشهر إطلاقيه هو المنقضي، ولذلك يقال: غبر بمعنى هلك، وهو المراد هنا، أي: كانت من الهالكين وهلكت مع من هلك، ويطلق على الباقي فيكون قوله تعالى: {إلا امرأته كانت من الغابرين} أي: الباقين في عذاب الله. وقيل: معناه كانت من الباقين المعمرين، قد أتى عليها دهر طويل فهلكت مع من هلك من قوم لوط. حكاه البغوي وبه قال معمر بن المثنى.
قوله «وأمطرنا عليهم مطرا» أي حجارة حارة شديدة، من سجيل، وجعل الله عاليها سافلها. قال السيوطي : هو حجارة السجيل فأهلكتهم.
____ المصدر : غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) الأعراف [89] قوله «ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق» : أي احكم بيننا؛ ويقال للحاكم : الفتاح. وقال ابن عباس يقول: اقض بيننا وبين قومنا. وعن ابن عباس قال: ما كنت أدري ما قوله: ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) ، حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول: تعالَ أفاتحك؛ تعني: أقاضيك. قالت كاملة المواري : وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح؛ لأنه يفتح مواضع الحق. قوله «وأنت خير الفاتحين» : الحاكمين. ___ المصدر: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني، مجاز القرآن لأبي عبيدة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۚ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف [92]
قوله «كأن لم يَغنوا» : أي كأنهم لم يقيموا فيها ولم يعيشوا فيها قط - أي في ديارهم - حيث استؤصلوا، فلم يبق لهم أثر. قال السنيد : وليس معناها يغتنوا وتكثر أموالهم . وقال البغوي : أي لم يقيموا ولم ينزلوا فيها. قال ابن عباس : كأن لم يكونوا في الدنيا حين عذبوا. وقال القاسم بن سلام : (كأن لم يغنوا فيها) وقوله في يونس عليه السلام " كأن لم تغن بالأمس " يتمتعوا بلغة جرهم. وقال ابن الهائم : يقيموا فيها، ويقال: ينزلوا فيها، ويقال: يعيشوا فيها مستغنين. والمغاني: المنازل، جمع مغنى. ____ المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير البغوي، أكثر من 100 آية قرآنية تفهم خطأ لعبدالمجيد السنيد، التفسير الميسر.
( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) الأعراف
قوله «وما أرسلنا في قرية من نبي» : يعني فكذبوا. قوله «إلا أخذنا» : أي عاقبنا. قوله «أهلها بالبأساء» : أي شدة الفقر. قوله «والضراء» : المرض. قال الزجاج : البأساء كل ما نالهم من الشدة في أحوالهم ، والضراء ما نالهم من الأمراض. حكاه الرازي. قوله «لعلهم يضرعون» : أي يتذللون فيؤمنون. قال الرازي : وهو عبارة عن الانقياد وترك التمرد ، وأصله من الضراعة وهي الذلة. وقال أيضا : التضرع هو الخضوع والانقياد لله تعالى. قوله «ثم بدلنا» : أي حولنا الحال. وقال السيوطي : أعطيناهم. قال الطبري : أهل القرية التي أخذنا أهلها بالبأساء والضراء. قوله «مكان السيئة» : العذاب. قاله السيوطي. وقال البغوي : مكان البأساء والضراء. قوله «الحسنة» : الرخاء والصحة والنعمة والسعة في المعيشة. قال ابن عباس : مكان الشدة الرخاء. قوله «حتى عفوا» :أي كثروا. قاله ابن قتيبة ومكي. قال ابن عباس : حتى كثروا وكثرت أموالهم. وبه قال مجاهد. وقال قتادة : حتى سُرُّوا بذلك. قال ابن الهائم : أي كثروا، يقال: عفا الشيء، إذا زاد وكثر. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله ( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) : ما كثر وزاد عن حاجتهم؛ وكذلك في الحديث ( أعفوا اللحى ) : أي كثروها. قوله «وقالوا» : يعني كفرا للنعمة. قوله «قد مس آباءنا الضراء والسراء» : أي كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه. قوله «فأخذناهم» : بالعذاب.
قوله «بغتة» : أي فجأة آمن.
قوله «وهم لا يشعرون» :يعني بوقت مجيئه قبله. _____ المصدر : التبيان في غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير البغوي، تفسير الطبري، التفسير الكبير للرازي، تفسير الجلالين.
( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ [97] أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ [98] ) الأعراف
قوله «أفأمن أهل القرى» : أي الذين كفروا وكذبوا؛ يعني: أهل مكة وما حولها. قاله البغوي. قوله «أن يأتيهم بأسنا» : أي عذابنا. قوله «بياتا» : ليلا قبل أن يصبحوا. قال أبو بكر السجستاني وابن الهائم : أي ليلا. وكذلك بيتهم العدو. قوله «وهم نائمون» : غافلون عنه. قاله السيوطي. قوله «أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى» : نهارا. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ) : يعني النهار كله؛ وليس وقت الضحى الذي ينصرم قبيل الزوال؛ ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى ( والشمس وضحاها ) : أي نهارها كله، كما قال قتادة وتبعه ابن قتيبة وغيره؛ لذا قال ابن جرير : والصواب أن يقال : أقسم الله بالشمس ونهارها؛ لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار . قوله « وهم يلعبون » : ساهون لاهون. قاله البغوي. ____ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ) الأنعام [100] قوله «أو لم يهد» : أي يُبَيَّنْ لهم. قاله ابن قتيبة. قال ابن عباس : أو لم يتبين لهم. قوله «للذين يرثون الأرض» : بالسكنى. قال السدي : هم المشركون. قوله «من بعد» : هلاك. قوله «أهلها» : الذين كانوا فيها قبلهم. قوله «لو نشاء أصبناهم» أي : أخذناهم وعاقبناهم. قاله البغوي.
قوله «بذنوبهم» : أي بالعذاب كما أصبنا من قبلهم.
قوله «نطبع» : أي نختم. قوله «على قلوبهم فهم لا يسمعون» : أي لا يسمعون الموعظة سماع تدبر. والمعنى : أولم يتبين للذين سكنوا الأرض من بعد إهلاك أهلها السابقين بسبب معاصيهم، فساروا سيرتهم، أن لو نشاء أصبناهم بسبب ذنوبهم كما فعلنا بأسلافهم، ونختم على قلوبهم، فلا يدخلها الحق، ولا يسمعون موعظة ولا تذكيرًا؟ ____ المصدر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، التفسير الميسر.
( وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ۖ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) الأعراف [102] قوله «وما وجدنا لأكثرهم» : أي الناس. قاله السيوطي. وقال مجاهد: يعني: القرون الماضية. قوله «من عهد » : أي وفاء ولا حفيظة و «من» من حروف الزوائد. قاله أبو عبيدة معمر البصري. قال ابن عباس: يريد الوفاء بالعهد الذي عاهدهم حين أخرجهم من صلب آدم. حكاه ابن الجوزي. وقالت كاملة الكواري : أي: وما وجدنا لأكثر الأمم الذين أرسل إليهم الرسل من عهد، أي: من ثبات والتزام الوصية لله التي أوصى بها جميع العالمين، ولا انقادوا لأوامره التي ساقها إليهم على ألسنة رسله. قال البغوي : أي وفاء بالعهد الذي عاهدهم يوم الميثاق، حين أخرجهم من صلب آدم. قلت ( عبدالرحيم ) : يشير - رحمه الله – إلى ما يسمه العلماء : ميثاق عالم الذر؛ الوارد ذكره في قوله تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )؛ لذا قال ابن عباس : إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه...). قوله «وجدنا أكثرهم لفاسقين» : أي ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين ناقضين للعهد. قاله البغوي. ___ المصدر: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى البصري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين.
( حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الأعراف [105]
قوله «حقيق» : أي جدير. حكاه الراغب الأصفهاني، وبه قال السيوطي. قالت كاملة الكواري : فعيل بمعنى فاعل، وهو مشتق من حق بمعنى وجب وثبت أي متعين وواجب على قول الحق على الله. وقال أبو بكر السجستاني : حق علي، وواجب علي. وقال نجم الدين النيسابوري و معمر بن المثنى : حريص. قوله «على أن لا أقول على الله إلا الحق» : أي أنا حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق. قاله أبو بكر السجستاني. وقال ابن الهائم : معناه حقيق بألا أقول. قال الأخفش : واجب علي أن لا أقول. وقال البغوي : فتكون " على " بمعنى الباء كما يقال: رميت بالقوس ورميت على القوس. قال الفراء : وفي قراءة عبد الله (حقيق بأن لا أقول) ومثله في الكلام أتيتك أنك تعطي فلم أجدك تعطي، تريد: أتيتك على أنك تعطي فلا أراك كذلك. قوله «قد جئتكم ببينة» : يعني العصا. قاله ابن عباس. حكاه عنه ابن الجوزي، وبه قال البغوي.
قوله «من ربكم فأرسل معي» : أي إلى الشام.
قاله السيوطي. قوله «بني إسرائيل» : وكان استعبدهم. قال البغوي : أي أطلق عنهم وخلهم يرجعون إلى الأرض المقدسة، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة... ____ المصدر: باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن لبيان الحق، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للفراء، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ) الأعراف [111] قوله «قالوا أرجه وأخاه» : أي أخِّرْ أمرهما. وقال مكي : أخره. قال الزجاج : ومعناه أخر أمره ولا تعجل في أمره بحكم فتكون عجلتك حجة عليك. قالت كاملة الكواري : أخر، وقيل: احبسهما وأمهلهما. قلت ( عبدالرحيم ) : وإنما سميت المرجئة بهذا الإسم : لتأخيرهم العمل عن الايمان. قوله «وأرسل في المدائن» : وهي مدائن الصعيد من نواحي مصر، قالوا: أرسل إلى هذا المدائن رجالا يحشرون إليك من فيها من السحرة، وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد، فإن غلبهم موسى صدقناه وإن غلبوا علمنا أنه ساحر. قاله البغوي . وقال السنيد : المدائن المقصود بها مدائن مصر ، جمع مدينة والتي كانت تحت سطوة فرعون وملكه ، وليس المراد منطقة المدائن المعروفة. قوله «حاشرين» : أي الشرط؛ لأنهم يحشرون الناس: أي يجمعونهم. قاله أبو موسى المديني.
وقال السيوطي : جامعين.
قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى( والطير محشورة ) : أي مجموعة؛ وقوله ( وإذا الوحوش حشرت ) : أي : جمعت؛ وما يدل على الحشر : فهو بمعنى الجمع كقوله (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر.. ) الآية : يعني اليهود أجلاهم النبي – ﷺ _ لأول الجمع وهي أرض الشام، ثم يحشر ( يجمع ) الناس فيها تارة أخرى يوم القيامة. لذا قال ابن عباس: من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية فكان هذا أول حشر إلى الشام...). ____ المصدر: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، غريب القرآن لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، أكثر من 100 كلمة قرآنية تفهم خطأ لعبدالمجيد السنيد.
( قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [116] وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [117] ) الأعراف قوله «قال» : أي موسى. قوله «ألقوا» : أمر للإذن بتقديم إلقائهم توصلا به إلى إظهار الحق. قاله السيوطي. قوله «فلما ألقوا» : يعني حبالهم وعصيهم. قوله «سحروا أعين الناس» : أي صرفوها عن حقيقة إدراكها. قاله السيوطي. وقال البغوي : صرفوا أعينهم عن إدراك حقيقة ما فعلوه من التمويه والتخييل، وهذا هو السحر. قوله «واسترهبوهم» : أي أرهبوهم وأفزعوهم. قاله البغوي.
وقال السيوطي : خوفوهم حيث خيلوها حيات تسعى.
وفي السراج : خوفوهم، وأرهبوهم. قوله «بسحر عظيم» : أي بتخييل عظيم كبير، من التخييل والخداع. قاله الطبري. قوله «فإذا هي تلقف» : تلتهم وتلقم. قاله ابن قتيبة وقال أبو حيان :تبتلع. وقال غلام ثعلب : أي تأخذ. قال أبو بكر السجستاني : تلقف وتلقم وتلهم بمعنى واحد. قال ابن الهائم : ويقال: تلقفه والتقفه إذا أخذه أخذا سريعا. قال السيوطي : بحذف إحدى التاءين في الأصل؛ تبتلع.
قلت ( عبدالرحيم ) : يعني رحمه الله : أن قوله ( تلقف ) : أصلها تتلقف، أدغم إحدى التاءين في الأخرى كما نص عليه الرازي وغيره؛ وكقوله تعالى ( إذ تلقونه بألسنتكم ) : أصلها تتلقونه، وكذلك قوله ( لو تسوى بهم الأرض ) : أصلها : تتسوى،
وقوله ( تنزل على كل أفاك أثيم ) : أصلها : تتنزل؛ وكقوله ( تساقط عليك رطبا ) : أصلها : تتساقط. وكقوله ( ويوم تشقق السماء بالغمام ): أصلها : تتشقق.
قوله «ما يأفكون» يقلبون بتمويههم.
قاله السيوطي. وفي السراج : ما يفعلونه من الكذب والتزوير. قالت كاملة الكواري : يكذبون: أي: بلعت كل شيء أتوا به من السحر، وأصل الإفك قلب الشيء عن غير وجهه الأصلي، ومنه قيل للكذاب أفاك؛ لأنه يقلب الكلام عن وجهه الصحيح إلى الباطل، فالإفك يكون في القول بالكذب، ويكون في العمل بالسحر.
قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه من تفسير الغريب قوله ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم...) الآية : أي بالكذب.
وقال ابن الهائم : أسوأ الكذب. ____ المصدر : ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الرازي، تفسير الجلالين.
( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [118] فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ [119] ) الأعراف
قوله «فوقع الحق» :أي ظهر الحق.
قاله الحسن ومجاهد.
وقال السيوطي : أي ثبت وظهر.
وقال الفراء : فتبين الحق من السحر.
وقال ابن الهائم : أي ظهر، وهو أمر الله ونبوة موسى عليه السلام.
قوله «وبطل ما كانوا يعملون» : يعني من السحر.
قال البغوي : وذلك أن السحرة قالوا: لو كان ما يصنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصينا فلما فقدت علموا أن ذلك من أمر الله. قوله «فغُلبوا» : أي فرعون وقومه. قوله «هنالك وانقلبوا صاغرين» : صاروا ذليلين. قاله السيوطي. وقال البغوي : ذليلين مقهورين. قالت كاملة الكواري : أي حقيرين قد اضمحل باطلهم، وتلاشى سحرهم، ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله. ___ المصدر: التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، معاني القرآن للفراء، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [124] قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ [125] وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [126] ) الأعراف قوله «لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف» : وهو أن يقطع من كل شق طرفا. قاله البغوي.
قال الكلبي: لأقطعن أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى.
وبه قال أبو موسى المديني وابن الهائم. وقال الراغب : أي إحداهما من جانب والأخرى من جانب آخر. قال ابن عباس: أول من فعل ذلك، وأول من صلب، فرعون. حكاه ابن الجوزي. قال السنيد : ( من خلاف ) : أي لأقطعن اليد اليمنى للواحد منكم ورجله اليسرى أو العكس ، وليس المقصود قطع يديه ورجليه من ورائه. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى في المائدة (...أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) الآية . قوله «ثم لأصلِّبنَّكم أجمعين» : ثم لأعلقنَّكم جميعًا على جذوع النخل. قوله «قالوا إنا إلى ربنا» : أي بعد موتنا بأي وجه كان. قوله «منقلبون» : راجعون. كذا في السراج.
وقال البغوي : راجعون في الآخرة.
قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى في الزخرف ( وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) : أي راجعون في الآخرة. قوله «وما تنقم منا» : أي وما تنكر. قاله ابن الهائم. وقال البغوي : أي: ما تكره منا. وقال الضحاك وغيره: وما تطعن علينا. وقال عطاء : ما لنا عندك من ذنب تعذبنا عليه. حكاه البغوي. وقال ابن الجوزي : وما تكره منا شيئا، ولا تطعن علينا إلا لأنا آمنا. قوله «ربنا أفرغ علينا صبرا» : اصبب. قاله البغوي. وقالت كاملة الكواري : أفض. قال السيوطي : عند فعل ما توعدنا به لئلا نرجع كفارا. قال مجاهد: على القطع والصلب حتى لا نرجع كفارا. قوله «وتوفنا مسلمين» أي: مخلصين على دين موسى. قاله مجاهد. ___ المصدر : المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في بيان غريب القرآن لابن الهائم، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، التفسير الميسر، أكثر من مائة كلمة قرآنية تفهم خطأ لعبدالمجيد السنيد.
( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [130] فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [131] ) الأعراف قوله «ولقد أخذنا آل فرعون» :آل فرعون: أهل دينه وقومه.
قوله «بالسِّنين» : ابتليناهم بالجدوب، والسنون جمع سنة.
وقال البغوي : أي: بالجدوب والقحط. تقول العرب: مستهم السنة، أي: جدب السنة وشدة السنة.
وقيل: أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة.
وقال الراغب : فعبارة عن الجدب، وأكثر ما تستعمل السنة في الحول الذي فيه الجدب، يقال: أسنت القوم: أصابتهم السنة. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قول النبي ﷺ : اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف.
رواه البخاري من حديث أبي هريرة.
قال السنيد : بالسنين أي بالقحط والجدوب وليس المراد بالسنين : الأعوام أي المدة المعروفة ، وقد ابتلاهم الله بها لأن الشدائد ترقق القلوب وتدفع بالرجوع إلى الله والإنابة إليه. قوله «ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون» : يتعظون فيؤمنون. قوله «فإذا جاءتهم الحسنة» : أي الخصب والغنى. قوله «قالوا لنا هذه» : أي نستحقها ولم يشكروا عليها. قوله «وإن تصبهم سيئة» : جدب وبلاء. قوله «يَطَّيَّروا» : يتشاءموا . قال ابن قتيبة : وقالوا: هذا بشؤمه. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قول النبي ﷺ : «لا عدوى ولا طيرة... » رواه البخاري من حديث أبي هريرة. قوله «بموسى ومن معه» : من المؤمنين. قوله «ألا إنما طائرهم» : شؤمهم. وقال ابن الجوزي : حظهم ونصيبهم. قوله «عند الله» : يأتيهم به. وقال ابن عباس «ألا إنما طائرهم عند الله» : أي إن الذي أصابهم من الله. وقال ابن قتيبة : ( ألا إنما طائرهم عند الله ): لا عند موسى. وقال الزجاج: المعنى: ألا إن الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة، لا ما ينالهم في الدنيا. قوله «ولكن أكثرهم لا يعلمون» : أنَّ ما يصيبهم من عنده. ____ المصدر : المفردات من غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، صحيح البخاري، أكثر من مائة آية تفهم خطأ لعبدالمجيد السنيد.
( وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ۖ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [134] فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [135] ) الأعراف قوله «ولما وقع عليهم الرجز»: أي العذاب.
قال الزجاج : والرجز اسم للعذاب.
وقال سعيد بن جبير : الرجز الطاعون، وهو العذاب السادس بعد الآيات الخمس. حكاه البغوي. قوله «بما عهد عندك» أي: بما أوصاك. قاله البغوي وفي السراج : ( عهد ) : أوحى. وقال السيوطي : من كشف العذاب عنا إن آمنا. قوله «لئن» : لام قسم. قوله «فلما كشفنا» : يعني بدعاء موسى. قوله «إلى أجل هم بالغوه» : يعني: إلى الغرق في اليم. قاله البغوي.
قوله «إذا هم ينكثون» : أي ينقضون العهد.
قال السيوطي : ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى في التوبة ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) : أي نقضوا عهدهم؛ وكقوله في النحل ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) : يعني أنقاضا؛ واحدتها "نكث" وهو ما نقض بعد الفتل، غزلا كان أو حبلا؛ نص عليه البغوي؛
وقوله في الفتح ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) : أي نقض.
_____ المصدر : تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، السراج في بيان غريب القرآن، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [137] وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [138] ) الأعراف قوله «وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون» : بالاستعباد، وهم بنو إسرائيل. قاله السيوطي. وقال البغوي : يقهرون ويستذلون بذبح الأبناء واستخدام النساء والاستعباد وهم بنو إسرائيل.
قوله «مشارق الأرض ومغاربها» : يعني مصر والشام.
قاله البغوي. وفي السراج : بلاد الشام.
قوله «التي باركنا فيها» : بالماء والأشجار والثمار والخصب والسعة.
قاله البغوي. وقال السيوطي : صفة للأرض وهي الشام. قوله «وتمت كلمة ربَّك الحسنى» : وهي قوله تعالى (ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض) إلخ
قاله السيوطي وبنحوه قال البغوي.
قوله «على بني إسرائيل بما صبروا» : على أذى عدوهم. وقال البغوي : على دينهم وعلى عذاب فرعون. قوله «ودمرنا»: أهلكنا.
قال ابن الهائم : أي خربنا قصورهم وأبنيتهم. التدمير: الإهلاك، وتخريب البناء.
قوله «ما كان يصنع فرعون وقومه» : أي في أرض مصر من العمارات. قاله البغوي. قوله «وما كانوا يعرشون» : بكسر الراء وضمها، يرفعون من البنيان. قاله السيوطي. وقال أبو بكر السجستاني : يبنون. وقال ابن قتيبة : أي يبنون، والعروش: البيوت. والعروش: السقوف. وقال مجاهد: يبنون من البيوت والقصور. وقال الحسن : يعرشون من الأشجار والثمار والأعناب. حكاه عنهما البغوي. وقالت كاملة الكواري : من العرش أي: يبنون، أو من العريش أي عروش العنب. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) :أي يبنون؛ لذا قال ابن قتيبة : كل شيء عرش من كرم أو نبات أو سقف: فهو عرش ومعروش. قوله «وجاوزنا ببني إسرائيل البحر» : أي عبرنا.
قالت كاملة الكواري : المجاوزة: البعد عن المكان عقب المرور فيه، يقال: جاوز بمعنى جاز.
قوله «فأتوا» : فمروا. قال الكلبي: عبر بهم موسى البحر يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصامه شكرا لله عز وجل. قوله «على قوم يعكُفون» : يقيمون؛ بضم الكاف وكسرها، وهما لغتان. قال ابن قتيبة : أي يقيمون عليها معظمين. كما يقيم العاكفون في المساجد. قوله «على أصنام لهم» : على عبادتها. قال ابن جريج: كانت تماثيل بقر، وذلك أول شأن العجل. قوله «قالوا يا موسى لنا اجعل إلها» : صنما نعبده. قوله «كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون» : حيث قابلتم نعمة الله عليكم بما قلتموه. قال البغوي : ولم يكن ذلك شكا من بني إسرائيل في وحدانية الله، وإنما معناه: اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله عز وجل وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة وكان ذلك لشدة جهلهم. ___ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف [139] قوله «إن هؤلاء مُتَبَّرٌ» : أي هالك. قاله السيوطي. وقال غلام ثعلب : أي مهلك ما هم فيه، ومدمر عليهم. وقال أبو عبيدة معمر البصري : أي مبيت ومهلك. وقال ابن قتيبة : أي مهلك. والتبار: الهلاك. قال البغوي : والتتبير الإهلاك. قالت كاملة الكواري : أي هالك خاسر، والتبر والتبار: هو الهلاك، والتتبير: هو الإهلاك والتدمير. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى ( وليتبروا ما علوا تتبيرا ) [ الإسراء / 7 ] : أي: وليدمروا وليهلكوا ويخربوا، وما ذكره الراغب الأصفهاني من قوله تعالى : ( ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) [نوح/ 28] ، أي: هلاكا. انتهى والمعنى : إن هؤلاء المقيمين على هذه الأصنام مُهْلَك ما هم فيه من الشرك، ومدمَّر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك الأصنام، التي لا تدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم. ___ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة ممر البصري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، التفسير الميسر.
( وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) الأعراف [141] قوله «وإذ أنجيناكم من آل فرعون» : وفي قراءة أنجاكم. قاله السيوطي. قال البغوي : وكذلك هو في مصاحف أهل الشام. قوله « يسومونكم» : يولونكم أشد العذاب. قاله أبو عبيدة معمر البصري. وقال أبو حيان وابن الهائم : يولونكم. وقال نجم الدين النيسابوري : يرسلون عليكم، من سوم الإبل في الرعي. قال ابن قتيبة : يقال فلان يسومك خسفا؛ أي: يوليك إذلالا واستخفافا. وفي السراج : يذيقونكم، ويكلفونكم. وبنحوه قال السيوطي. قوله «سوء العذاب» : أي أشده. قال الزجاج : ومعنى سوء العذاب، شديد العذاب، وإن كان العذاب كله سوءا، فإنما نكر في هذا الموضع لأنه أبلغ ما يعامل به مرعي؛ فلذلك قيل سوء العذاب، أي ما يبلغ في الإساءة ما لا غاية بعده.انتهى قوله «ويستحيون نساءكم» : أي يتركون ذبح البنات ليكبرن للخدمة. قالته كاملة الكواري. قال أبو بكر السجستاني : يستفعلون من الحياة، أي يستبقونهن. قال ابن الجوزي : أي يستبقون نساءكم، أي: بناتكم. وإنما استبقوا نساءكم للإستذلال والخدمة. قوله «وفي ذلكم بلاء من ربِّكم عظيم » : بمعنى النعمة. قاله ابن عباس ومجاهد وأبو مالك، وابن قتيبة والزجاج. حكاه ابن الجوزي. قال أبو عبيدة معمر البصري : ويقال: له عندي بلاء عظيم أي نعمة ويد، وهذا من: ابتليته خيرا. وقال السيوطي : إنعام أو ابتلاء. قال ابن قتيبة : أي في إنجائه إياكم نعمة من الله عظيمة. وقال في موطن آخر : والبلاء يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب "المشكل". انتهى قلت ( عبدالرحيم ) : وشاهده قوله تعالى في الأعراف ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات )، وقوله في الأنبياء ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) وقوله في الفجر ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ). بالنعمة والمال وبما وسع عليه، يقول ربي أعطاني. انتهى والمعنى الإجمالي للآية : واذكروا - يا بني إسرائيل - نِعَمنا عليكم إذ أنقذناكم من أسر فرعون وآله، وما كنتم فيه من الهوان والذلة من تذبيح أبنائكم واستبقاء نسائكم للخدمة، وفي حَمْلِكم على أقبح العذاب وأسوئه، ثم إنجائكم، اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة. المصدر: ____ غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين، التفسير الميسر.
( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) الأعراف [143] قوله «ولما جاء موسى لميقاتنا» : أي للوقت الذي وعدناه بالكلام فيه. قال الزجاج : أي للوقت الذي وقتنا له. قالت كاملة الكواري : الميقات الذي وقته الله لأخذ التوراة. وفي السراج : في الوقت الذي واعدناه فيه. قوله «وكلمه ربه» : بلا واسطة. قلت ( عبدالرحيم ) : وفي الآية دليل على إثبات صفة الكلام لله على ما يليق به، كما صح النقل، وثبت الإجماع. قوله «قال رب أرني» : نفسك. قوله «أنظر إليك قال لن تراني» : أي لا تقدر على رؤيتي. قال الزجاج: فيه اختصار تقديره: أرني نفسك أنظر إليك.
قال ابن عباس: أعطني النظر إليك.
حكاه البغوي. قال السيوطي : والتعبير به دون لن أُرى يفيد إمكان رؤيته تعالى.
قال الشوكاني : وسؤال موسى للرؤية يدل على أنها جائزة عنده في الجملة ، ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها . انتهى
قلت ( عبدالرحيم ) : والأدلة على رؤية الله يوم القيامة كثيرة متواترة - تفيد العلم اليقيني - كما قال الناظم : مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتا واحتسب ورؤية شفـاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض والشاهد قوله ( رؤية ) : أي رؤية المؤمنين ربهم، ومن الأدلة على رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة قوله في يونس ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) ولا يكون اللقاء إلا إذا تحققت الرؤية، وقوله في القيامة ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة )، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث جرير بن عبدالله قال النبي ﷺ ( إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )؛ وقد نقل ابن خزيمة و غيره الإجماع على ذلك. قال ابن القيم : ويرونه سبحانه من فوقهم رأي العيان كما يرى القمران. قوله «ولكن انظر إلى الجبل» : الذي هو أقوى منك. قال البغوي : وهو أعظم جبل بمدين يقال له زبير. قوله «فإن استقر» : ثبت. قال الشوكاني : فإن استقر مكانه ولم يتزلزل عند رؤيتي له فسوف تراني وإن ضعف عن ذلك فأنت منه أضعف. قوله «مكانه فسوف تراني» : أي تثبيت لرؤيتي وإلا فلا طاقة لك. قال البغوي : وليس لبشر أن يطيق النظر. قوله «فلما تجلَّى ربُّه للجبل» : أي ظهر. قوله « جعله دكا» : أي مدكوكا مستويا بالأرض. قاله السيوطي. وقال أبو حيان وابن الهائم : مستويا مع الأرض. وقال أبو بكر السجستاني : أي مستويا مع وجه الأرض. وقالت كاملة الكواري :أي: انهال مثل الرمل، وانزعاجا من رؤية الله وعدم ثبوته لها. قال ابن قتيبة : أي ألصقه بالأرض؛ يقال: ناقة دكاء: إذا لم يكن لها سنام؛ كأن سنامها دك -أي ألصق- ويقال: إن دككت دققت فأبدلت القاف فيه كافا. لتقارب المخرجين. انتهى قال الشوكاني : أي جعله مدكوكا مدقوقا فصار ترابا. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى في الحاقة ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) ، وقوله في الفجر ( كلا إذا دكت الأرض دكا ) ، قال الراغب : أي: جعلت بمنزلة الأرض اللينة؛ وقال القرطبي : والدك : حط المرتفع من الأرض بالبسيط ، وهو معنى قول ابن مسعود وابن عباس : تمد الأرض مد الأديم . قوله «وخرَّ موسى صعقا» : مغشيا عليه لهول ما رأى. وقالت كاملة الكواري : أي مغشيا عليه في حالة إغماء. قوله «فلما أفاق» : يعني موسى من صعقته وثاب إليه عقله عرف أنه قد سأل أمرا لا ينبغي له. قاله البغوي.
قوله «قال سبحانك» : تنزيها لك.
قوله «تبت إليك» : من سؤال ما لم أؤمر به. قال البغوي :عن سؤال الرؤية. فائدة : قال البغوي : فإن قيل: كيف سأل الرؤية وقد علم أن الله تعالى لا يرى في الدنيا؟ قال الحسن: هاج به الشوق فسأل الرؤية. وقيل: سأل الرؤية ظنا منه أنه يجوز أن يرى في الدنيا. انتهى قوله «وأنا أول المؤمنين» : في زماني. ____ المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، التبيان في بيان غريب القرآن لان الهائم، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، معالم التنزيل للبغوي، تفسير القرطبي، فتح القدير للشوكاني،تفسير الجلالين، التفسير الميسر،صحيح البخاري، صحيح مسلم، التوحيد لابن خزيمة.
( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ) الأعرف [148] قوله «واتخذ قوم موسى من بعده» : أي بعد ذهابه إلى المناجاة. قال ابن الجوزي : أي من بعد انطلاقه إلى الجبل للميقات. قال الشوكاني : من بعد خروجه إلى الطور. وقال الزجاج : أي من بعد ما جاء الميقات، وخلفه هارون في قومه. فائدة : س : كيف ينسب اتخاذ العجل للقوم جميعا، مع أن الذي اتخذه السامري؟! ج : قال الشوكاني : ونسب اتخاذ العجل إلى القوم جميعا مع أنه اتخذه السامري وحده لكونه واحدا منهم ، وهم راضون بفعله. قلت ( عبدالرحيم ) : وهنا قاعدة شرعية : أن الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم؛ ألا ترى أن الله قال في الأعراف ( فعقروا الناقة ) مع أن الذي عقرها واحد، كما في القمر
( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر )، فنسب الله العقر إليهم جميعا لرضاهم به. قوله «من حُليِّهم» : فالحلي اسم لما يحسن به من الذهب والفضة.
قاله الزاج. قوله «جسدا» : لحما ودما. قاله السيوطي. قال الراغب الأصفهاني : والجسد والجاسد والجسد من الدم ما قد يبس. وقال الألوسي : جثة ذا لحم ودم. وقال البيضاوي : بدنا ذا لحم ودم. قال أبو بكر السجستاني : أي صورة لا روح فيها، إنما هو جسد فقط. قال ابن الجوزي : إنما هو بمعنى الجثة فقط. قال ابن الانباري: ذكر الجسد دلالة على عدم الروح منه. انتهى وقال الفراء: كان جسدا مجوفا. قوله «له خُوارٌ» : أي صوت يسمع. قاله السيوطي. وقال ابن عباس : يعني له صياح. حكاه نافع بن الأزرق عن ابن عباس؛ وبه قال غلام ثعلب. وقال أبو بكر السجستاني : خوار : صوت البقر. قال الراغب : الخوار مختص بالبقر، وقد يستعار للبعير. قوله «ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا» : فكيف يُتخذ إلها.
قال ابن الجوزي : أي لا يستطيع كلامهم.
قلت ( عبدالرحيم ) : في الآية اشارة إلى إثبات صفة الكلام لله جل شأنه، لكون عيب الله عليهم أن اتخذوا إلها لا يستطيع الكلام، ومن تكلم حق أن يسمع، لذا عاب ابراهيم على أبيه أن عبد ما لا يسمع ( يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر... ) الآية؛ فوجب إثبات صفة الكلام لله جل وعز على ما يليق به، بخلاف الجهمية ومن نحى نحوهم من نفيهم الكلام عن الله تعالى. قوله «اتخذوه» : إلها. قوله «وكانوا ظالمين» : باتخاذه. قال ابن عباس: مشركين. قلت ( عبدالرحيم ) : وهذا كقوله تعالى في لقمان ( إن الشرك لظلم عظيم )، وقوله في الكهف على لسان ذي القرنين ( أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا ) : والظلم هنا : الشرك، وإلا فلا يستطيع أحد أن يظلم في زمانه، فقد مكنه الله عز وجل من كل شيء. ____ المصدر : مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تفسير البيضاوي، تفسير الألوسي، زاد المسير لابن الجوزي، فتح القدير للشوكاني، تفسي الجلالين.
( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [149] وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [150] ) الأعراف قوله «ولما سُقط في أيديهم» أي: ندموا. قاله ابن قتيبة ومكي. وقال السيوطي : أي ندموا على عبادته. وقال غلام ثعلب : أي ندموا عندما فعلوا. وقالت كاملة الكواري : ندموا على عبادة العجل. قال بيان الحق النيسابوري : يقال للنادم العاجز سقط وأسقط في يده؛ وأصله في الرجل يستأسر فيلقي بيده ليكتف. وبنحوه قال نجم الدين النيسابوري وابن الهائم. قال القرطبي : أي بعد عود موسى من الميقات. قوله «ورأوا أنهم قد ضلوا» : أي علموا. قوله «أسفا»: أي: ممتلئ غيظا. قاله غلام ثعلب. وقال ابن الهائم : شديد الغضب. وقال الراغب: والأسيف: الغضبان. وقال ابن قتيبة : شديد الغضب. يقال: آسفني فأسفت. أي: أغضبني فغضبت. ومنه قوله: ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ). وقال محمد بن كعب : الأسف: الغضب الشديد. وقيل : حزينا. قاله أبو حيان وغيره. وهو مروي عن ابن عباس. رواه عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. حكاه ابن الجوزي. قال الزجاج : والأسف المبالغة في الحزن أو الغضب. يقال قد أسف الرجل فهو أسيف وآسف. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى في يوسف ( وقال يا أسفى على يوسف ) قال ابن عباس أي يا حزنا، وقال مجاهد أي يا جزعا، وقوله في الكهف ( إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) قال قتادة أي غضبا قال مجاهد أي جزعا؛ حكاه النحاس. ____ المصدر: باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في بيان غريب القرآن، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، معاني القرآن للنحاس، إيجار البيان عن معاني القرآن لنجم الدين، تفسيرغريب القرآن لكاملة الكواري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) الأعراف 154 قوله ( ولما سكت عن موسى الغضب ) : أي سكن. قاله ابن قتيبة وأبو بكر السجستاني وغلام ثعلب وابن الهائم. وقال الطبري : ولما كفّ عنه وسكن. قال الشوكاني : أصل السكوت: السكون والإمساك. قال ابن كثير : أي غضبه على قومه. فائدة : قال القرطبي : وقال عكرمة : سكت موسى عن الغضب؛ فهو من المقلوب . كقولك : أدخلت الأصبع في الخاتم وأدخلت الخاتم في الأصبع . حكاه القرطبي. قوله ( أخذ الألواح ) : أي التي ألقاها. قاله السيوطي. قال الطبري : أخذها بعد ما ألقاها، وقد ذهب منها ما ذهب. قال ابن كثير : أي التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل ، غيرة لله وغضبا له. قوله ( وفي نسختها :) أي ما نسخ فيها. قاله ابن قتيبة. وقال السيوطي : أي كتب. قوله ( هدى ) : أي: هدى من الضلالة. قوله ( ورحمة ) : من العذاب. قوله ( للذين هم لربهم يرهبون ) : يخافون، وأدخل اللام على المفعول لتقدمه. قاله السيوطي. _____ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، التبيان لابن الهائم، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين.
( وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف [156] قوله «واكتب لنا» : أي أوجِب لنا. قاله البغوي. قوله «إنا هدنا إليك» : أي تبنا. قاله مكي بن حموش، وابن الهائم. وحكاه النحاس عن مجاهد وأبي العالية وقتادة. قال ابن حسنون السامري : يعني تبنا إليك، وافقت لغة العبرانية. وبه قال القاسم بن سلام. وقيل : أي ملنا إليك. حكاه البغوي. قال ابن قتيبة : أي تبنا إليك. ومنه: ( ومن الذين هادوا ) كأنهم رجعوا عن شيء إلى شيء. وعن علي قال: إنما سميت اليهود، لأنهم قالوا: هدنا إليك.
فائدة قيمة :
قال الراغب الأصفهاني : أي: تبنا، قال بعضهم: يهود في الأصل من قولهم: هدنا إليك، وكان اسم مدح، ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح، كما أن النصارى في الأصل من قوله( من أنصاري إلى الله ) ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم. ويقال: هاد فلان: إذا تحرى طريقة اليهود في الدين. _____ المصدر: اللغات في القرآن لحسنون السامري، لغات القبائل في القرآن للقاسم بن سلام، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تفسير البغوي، تفسير الطبري.
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف [157]
قوله ( ويحل لهم الطيبات) : يعني مما حُرم في شرعهم. قال الزجاج : أي يحل لهم ما حرم عليهم من طيبات الطعام.
قوله ( ويحرم عليهم الخبائث ) : المحرمات. قاله مكي بن حموش. قال ابن قتيبة : فكل خبيث عند العرب فهو محرم. قوله ( ويضع عنهم إصرَهُم ) : الثقل: يعني ويقطع عنهم إصرهم الذي ألزموه أنفسهم. وقال سعيد بن جبير: الإصر شدة العبادة. حكاه عنه النحاس. و قال الزجاج : والإصر ما عقدته من عقد ثقيل. قلت ( عبدالرحيم ) : ومثله من تفسير الغريب قوله تعالى ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا ) الآية؛ قال بيان الحق : الإصر هنا: الثقل العظيم من كلفة أمر أو وبال نهي. قوله ( والأغلال ) : الشدائد: كقتل النفس من التوبة وقطع أثر النجاسة. قاله السيوطي. وقال ابن قتيبة : هي الفرائض المانعة لهم من أشياء رخص فيها لأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله. قوله ( وعزروه ) : أي عظموه. قاله مكي. وقال الزجاج : معنى عزروه منعوا أعداءه من الكفر به. قلت ( عبدالرحيم ) : ويطلق التعزير على عدة معان : الأول : التعظيم كما سلف، والثاني : كالضرب والحبس ونحوه دون الحدود؛ قال زين الدين الرازي : التوقير والتعظيم. وهو أيضا التأديب ومنه التعزيز الذي هو الضرب دون الحد. انتهى ____ المصدر : باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن لبيان الحق، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير الجلالين، مختار الصحاح للرازي.
( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) الأعراف [160]
قوله «وقَطَّعناهم» : أي فرقناهم. قاله ابن قتيبة. وقال معمر بن المثنى : أي فرقناهم فرقا. وقال البغوي : أي فرقناهم، يعني بني إسرائيل.
وقال بيان الحق، ونجم الدين النيسابوري : شتتنا شملهم.
قوله «اثنتي عشرة أسباطا أمما» : أي قبائل. قال ابن الجوزي : يعني قوم موسى، يقول: فرقناهم اثنتي عشرة أسباطا يعني أولاد يعقوب، وكانوا اثنى عشر ولدا، فولد كل واحد منهم سبطا. قوله «فانبجست» : أي انفجرت؛ يقال: انبجس الماء كما يقال: تفجر. قاله ابن قتيبة. وقال الخضيري : فانفجرت، والانبجاس أول الانفجار. وعن ابن عباس : أجرى الله من الصخرة اثنتي عشرة عينا، لكل سبط عين يشربون منها. حكاه عنه نافع بن الأزرق. قوله «وظللنا عليهم الغمام» : في التيه من حر الشمس. قوله «وأنزلنا عليهم المن »: شيء كان يسقط في السحر على شجرهم؛ فيجتنونه حلوا يأكلونه. قاله معمر بن المثنى. قوله «والسلوى» : السماني بتخفيف الميم والقصر. قاله السيوطي. وقال غلام ثعلب : طائر، والسلوى في غير القران: العسل. _____ المصدر : ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، باهر البرهان لبيان الحق النيسابوري، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة بن المثنى، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف [161] قوله «وقولوا حطة» : أي قولوا احطط، وضع عنا ذنوبنا. قاله الخضيري. قال ابن قتيبة: وهي كلمة أمروا أن يقولوها في معنى الاستغفار، من حططت. أي حط عنا ذنوبنا. قال أبوحيان : مصدر حط عنا ذنوبنا... قال الراغب الأصفهاني: وقيل: معناه: قولوا صوابا. قال البغوي : قال قتادة: حط عنا خطايانا، أمروا بالاستغفار، قال ابن عباس: لا إله إلا الله، لأنها تحط الذنوب. فائدة: قال ابن الهائم، وأبو بكر السجستاني: والرفع على تقدير: إرادتنا حطة ومسألتنا حطة. ويقال: الرفع على أنهم أمروا بهذا اللفظ. قال ابن قتيبة : رفع على الحكاية. قال معمر بن المثنى : أي قولوا هذا الكلام، فلذلك رفع. قوله «سجدا» : أي متذللين منقادين. قاله الراغب الأصفهاني. وقال الطبري : خاشعة خاضعة . وقال الشوكاني: طأطئوا رؤوسكم. قال السيوطي: سجود انحناء. قال الطبري: وأصل السجود الانحناء لمن سُجد له معظما بذلك. فكل منحن لشيء تعظيما له فهو: ساجد. فذلك تأويل ابن عباس قوله: (سجدا) ركعا، لأن الراكع منحن، وإن كان الساجد أشد انحناء منه. انتهى _____ المصدر : تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب، تفسير البغوي، تفسير الطبري، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين.
( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) الأعراف [163]
قوله «واسألهم عن القرية» : يعني أسباط اليهود. قاله ابن الجوزي. قلت ( عبدالرحيم ) : قوله تعالى ( واسألهم عن القرية ) : يعني أهل القرية، ومثله قوله (واسأل القرية التي كنا فيها ) يوسف الآية؛ قال ابن قتيبة: أراد أهل القرية، (والعير التي أقبلنا فيها ) : قال غلام ثعلب : أراد: أهل العير، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : فهذا محذوف فيه ضمير مجازه: وسل أهل القرية، ومن في العير. انتهى قال الزجاج: المعنى سلهم عن عدوهم في السبت، أي سلهم عن وقت ذلك. قوله «حاضرة البحر»: مجاورة البحر وبقربه وعلى شاطئه. وقالت كاملة الكواري: قرب البحر. وقال السيوطي: مجاورة بحر القلزم وهي أيلة ما وقع بأهلها. وقال الخضيري: على ساحل البحر الأحمر. قوله «إذ يعدون في السبت» : يعتدون. قاله مكي. وقال الخضيري: أي يعتدون بالصيد في يوم السبت، وهو محرم عليهم.
قال معمر بن المثنى: إذ يتعدون فيه عما أمروا به ويتجاوزونه.
وبنحوه قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم. قوله «شُرَّعا» : أي ظاهرة. قاله الزجاج، وأبو بكر السجستاني، وابن الجوزي. وقال الخضيري : ظاهرة على وجه الماء. قال بيان الحق: ومنه: الطرق الشوارع. وقال البغوي : ظاهرة على الماء كثيرة، جمع شارع. وقال الضحاك: متتابعة. انتهى قال الزجاج : وكانت الحيتان تأتي ظاهرة فكانوا يحتالون بحبسها في يوم السبت ثم يأخذونها في يوم الأحد ويقال إنهم جاهروا بأخذها في يوم السبت. قوله «ويوم لا يسبتون» : يفعلون سبتهم، أي يدعون العمل في السبت، ويسبتون بضم أوله: يدخلون في السبت. قاله ابن الهائم.
قال الفراء : ومعنى أسبتوا: دخلوا في السبت، ومعنى يسبتون: يفعلون سبتهم.
____ المصدر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن لبيان الحق، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) الأعراف[165]
قوله «فلما نسوا» تركوا. قاله النحاس وابن الجوزي والسيوطي وغيرهم. قلت ( عبدالرحيم ) : ولفظ النسيان من الأضداد، ( نص عليه أبو بكر الأنباري في الأضداد)، فتارة يأتي بمعنى النسيان الذي عناه الله بقوله ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا )، وأخرى بمعنى الترك، كالآية التي نحن بصددها، ومنه قوله تعالى ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) : قال الجرجاني : ولا تتركوا في ما بينكم تفضل بعضكم على بعض بالعفو والمسامحة. وقال التستري: لا تتركوا الفضل بينكم؛ وقوله: (ولا تنس نصيبك من الدنيا ) قال الطبري: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة. وعن ابن عباس: لا تترك أن تعمل لله في الدنيا. رواه عنه ابن أبي حاتم؛ وقوله ( نسوا الله فنسيهم )، قال أبو بكر السجستاني وابن الهائم: أي تركوا الله فتركهم؛ وقوله ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) : قال غلام ثعلب: أي تركوا؛ وقوله ( فاليوم ننساهم ) : قال معمر بن المثنى : نؤخرهم ونتركهم؛ وقوله ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ): قال ابن قتيبة : أي وتتركون أنفسكم؛ وقوله ( ونسوا حظا مما ذكروا به ): قال الزجاج : تركوا نصيبا مما ذكروا به؛ فإذا تبين هذا ظهر بجلاء معنى قوله عن آدم عليه السلام ( فنسي ولم نجد له عزما ) : معناه أيضا ترك لأن الناسي لا يؤاخذ بنسيانه؛ نص عليه أبو الحسن بن سيده في المحكم، وقال الطبري : فترك عهدي. انتهى قوله تعالى «ما ذكروا به» : أي ما وعظوا به. قاله ابن الجوزي. قوله «بعذابٍ بَئيس» : أي شديد. قاله معمر بن المثنى وابن قتيبة والزجاج وأبو بكر السجستاني وغلام ثعلب وابن الهائم. وقال ابن حسنون : شديد بلغة غسان. وبه قال القاسم بن سلام. قالت كاملة الكواري : أي شديد من البأس وهو الشدة. _____ المصدر : اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل في القرآن للقاسم بن سلام، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للزجاج، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، الأضداد لأبي بكر الأنباري، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير التستري، تفسير ابن أبي حاتم، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده.
( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) الأعراف [166] قوله «فلما عتوا» : أي تكبروا. قاله أبو حيان، والسيوطي. وقال ابن الهائم، و أبو بكر السجستاني: تكبروا وتجبروا. وقال النحاس: والعتو : التجاوز فيما لا ينبغي. وقال الطبري : فلما تمردوا، فيما نهوا عنه. قال الزجاج : العاتي: الشديد الدخول في الفساد، المتمرد الذي لا يقبل موعظة. قالت كاملة الكواري: فلما أبوا أن يرجعوا عن المعصية، والعتو عبارة عن الإباء والعصيان. وقال الخضيري: استكبروا، وعصوا. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ) : قال أبو حيان : تكبرت؛
وقوله ( لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) : قال الشوكاني : أي أضمروا الاستكبار عن الحق والعناد في قلوبهم؛
وقوله ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ) : قال القرطبي : أي استكبروا . عتا يعتو عتوا أي استكبر. انتهى قوله «خاسئين»: أي صاغرين، بلغة كنانة. قاله عبدالله بن حسنون السامري، والقاسم بن سلام. وقال ابن قتيبة، والزجاج ونجم الدين النيسابوري : أي: مبعدين. وقال الخضيري: منبوذين. وقال أبو بكر السجستاني : باعدين ومبعدين أيضا، وهو إبعاد بمكروه. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى :مبعدين، يقال: خسأته عنى وخسأت الكلب، باعدته وخسأ الرجل، إذا تباعد. وقال رحمه في موطن آخر : أي قاصين مبعدين، يقال: خسأته عني وخسأ هو عني. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى
( ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ) : سواء قلنا معناه : مبعدا، أو : صاغرا؛ قال أبو بكر السجستاني: أي مبعدا وهو كليل.
قال الطبري :يرجع إليك بصرك صاغرا مُبعدا. وقال قتادة : صاغرا. قال الزجاج : ومعناه صاغرا، وهو حسير، قد أعيى من قبل أن يرى في السماء خللا. انتهى _____ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، اللغات في القرآن لابن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، إيجاز البيان لنجم الدين النيسابوري، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للزجاج، تفسير الطبري، تفسير البغوي، زاد المسير لابن الجوزي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري ، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، فتح القدير للشوكاني، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) الأعراف [167] قوله «وإذ تأذن ربك» : أي أَعْلَمَ. قاله أبو بكر السجستاني، وابن الهائم، وابن قتيبة وأبو حيان والسمرقندي وغيرهم. وحكاه ابن أبي زمنين، وابن الجوزي : عن الحسن. واختاره الزجاج. حكاه أبو حيان. وقال مجاهد : قال ربك. وعنه : أمر ربك . رواهما عنه الطبري. وقال عطاء: حكم ربك. حكاه البغوي. وقال قطرب : وعد. حكاه أبو حيان. قال القرطبي : و" تأذن" وأذن بمعنى أعلم، مثل أوعد وتوعد، روي معنى ذلك عن الحسن وغيره. ومنه الأذان، لأنه إعلام. وقال السمرقندي : وكل شيء في القرآن تأذن فهو إعلام. قال الشوكاني: أي واسألهم وقت تأذن ربك، وتأذن: تفعل، من الإيذان، وهو الإعلام. قال النحاس : قال أهل التفسير معناه: أعلم ربك وهذا قول حسن... قال الجمل في مخطوطته : تأذن ليفعلن كذا: أقسم أو أعلم. قال ابن قتيبة : أي أعلم. وهو من آذنتك بالأمر. قال الطبري : إذ آذن ربك، وأعلم؛ وهو ( تفعل ) من ( الإيذان ). قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى ( فقل آذنتكم على سواء ) : أي أعلمتكم فاستوينا في العلم. قاله أبو بكر السجستاني، وابن الهائم، و بطال الركبي. وقال الطبري : أعلمهم. ومنه قوله - ﷺ - للنسوة اللاتي قمن بتغسيل ابنته: ( فآذنني ) : قال ابن حجر : فأعلمنني؛ وقوله ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ) : قال مكي : أي أعلمكم ربكم. ومنه الأذان، لأنه إعلام؛ و قوله ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) الآية : قال بطال الركبي : أي إعلام؛ وقوله ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ): قال ابن ابي حاتم والطبري والواحدي: فنادى مناد، وأعلم. وقال بطال الركبي : أعلم؛ وقوله ( وأذن في الناس ) : قال البغوي، و الطبري: أعلم وناد في الناس. قال ابن الأنباري: (أذن) : معناه أعلم إعلاما بعد إعلام. حكاه عنه الواحدي، والرازي. وقال العز بن عبدالسلام : أعلمهم وناد فيهم.
وذكر الماتريدي احتمال الوجهين أحدهما: على الإعلام:
والثاني: أي: ادع الناس ونادهم أن يحجوا البيت. قال الشوكاني : والمعنى في الآية: واسألهم وقت أن وقع الإعلام لهم من ربك ليبعثن. قوله «ليبعثن عليهم»: أي اليهود. قاله البغوي والسيوطي وغيرهما. وقال مجاهد: على اليهود والنصارى بمعاصيهم. حكاه ابن الجوزي. قوله «من يسومهم سوء العذاب» : يوليهم سوء العذاب. قاله الزجاج، وابن الجوزي. وقال ابن قتيبة : أي يأخذهم بذلك ويوليهم إياه. يقال: سمت فلانا كذا. وسوء العذاب: الجزية التي ألزموها إلى يوم القيامة والذلة والمسكنة. قال نجم الدين النيسابوري : يعني العرب تأخذهم بالجزية والذلة. وقال البغوي : بعث الله عليهم محمدا ﷺ وأمته يقاتلونهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية. ____ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، غريب القرآن للسجستاني، النكت والعيون للمواردي، تفسير مجاهد، الهداية الى بلوغ النهاية لمكي بن طالب، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، الوسيط ،والبسيط ( كلاهما ) للواحدي، تفسير ابن ابي زمنين، تفسير السمعاني، تفسير القرآن لابن المظفر، البحر المحيط لأبي حيان، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، النظم المستعذب لبطال الركبي، زاد المسير لابن الجوزي، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين، مخطوطة الجمل.
( وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الأعراف [168] قوله «وقطَّعناهم» : أي فرقناهم. قاله البغوي، والسمين الحلبي، وأبو حفص النعماني، وابن الجوزي، والسيوطي، وغيرهم. قال معمر بن المثنى: أي فرقناهم فرقا. وقال الرازي : أي فرقناهم تفريقا شديدا. فلذلك قال بعده: في الأرض أمما. قال مكي : والمعنى: وفرقنا بني إسرائيل في الأرض أمما، ففي كل أرض قوم من اليهود. قوله «أُمما» : أي فرقا. قاله السيوطي. وقال مكي : أي: جماعات شتى. وقال بيان الحق، و نجم الدين النيسابوري : شتتنا شملهم. قوله «منهم الصالحون ومنهم دون ذلك» : الكفار والفاسقون. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى على لسان الجن ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك) : قال القرطبي :منهم كفار ، ومنهم مؤمنون صلحاء ، ومنهم مؤمنون غير صلحاء .
قال الشوكاني: أي دون الموصوفين بالصلاح. انتهى
قوله «وبلوناهم بالحسنات والسيئات» : أي اختبرناهم بالخير والشر، والخصب والجدب. قاله ابن قتيبة، ومكي. وقال مكي في الهداية : أي بالرخاء، والسعة في الرزق، (والسيئات)، بالجدب والمصائب، أي: اختبرناهم بذلك. وقال البغوي : بالخصب والعافية،
( والسيئات) الجدب والشدة.
قال ابن الجوزي : أي: اختبرناهم بالحسنات وهي الخير، والخصب، والعافية، والسيئات وهي الجدب، والشر. قلت ( عبدالرحيم ) : و البلاء في كلام الله لا يقتصر على الشر فحسب، فكلا الخير والشر، والنعم والنقم : يقع بهم البلاء؛ برهان ذلك : قوله تعالى ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) : قال ابن عباس : بالرخاء والشدة، وكلاهما بلاء. رواه عنه الطبري؛ وقوله «وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم» : والبلاء هنا بمعنى النعمة؛ قال ابن قتيبة : أي في إنجائه إياكم نعمة من الله عظيمة. وبه قال ابن عباس، ومجاهد، والزجاج. حكاه ابن الجوزي. قال أبو عبيدة معمر البصري : ويقال: له عندي بلاء عظيم أي نعمة ويد، وهذا من: ابتليته خيرا. وقال ابن قتيبة : والبلاء يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب المشكل. وقال السيوطي : إنعام أو ابتلاء؛ وقوله ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ) : قال الشوكاني : أي امتحنه واختبره بالنعم. انتهى قوله «لعلهم يرجعون» : يعني عن فسقهم. قاله السيوطي. وقال مكي : إلى طاعة الله. وقال ابن الجوزي : أي لكي يتوبوا. وقال البغوي : لكي يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا. ____ المصدر : تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، الهداية الى بلوغ النهاية لمكي القيسي، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان لبيان الحق، تفسير الرازي، الدرر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، اللباب لأبي حفص النعماني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الأعراف [169] قوله «فخلف» : فجاء. قاله الخضيري. قوله «من بعدهم خلف» : يعني: خَلف سوء. قاله الطبري. قال مكي: أي: حدث من بعدهم خلف سوء، يعني: أبناءهم. وقال ابن الجوزي: والخلف الرديء من الناس. قلت ( عبدالرحيم ) : قوله تعالى ( فخلف من بعدهم ) : أراد اليهود؛ بخلاف من قال إنهم النصارى؛ وقد صوب الطبري هذا القول؛ فقال معقبا على قول مجاهد ( النصارى ): ولم يذكر لنا أنهم نصارى في كتابه، وقصتهم بقصص اليهود أشبه منها بقصص النصارى. قال النحاس : قال مجاهد يعني النصارى وقال غيره يعني أبنائهم ( أبناء اليهود ) قال أبو جعفر وهذا أولى القولين والله أعلم. وعن عبدالرحمن بن زيد: هؤلاء اليهود. قوله « خَلْفٌ » : الخلف: الرديء من كل شيء. قاله غلام ثعلب
وقال ابن قتيبة ومكي : والخلف: الرديء من الناس ومن الكلام.
وقال مكي في الهداية : والخلف : الرديء من القول، ومن الأنباء. قال بيان الحق و نجم الدين النيسابوري : الخلف في البقية الفاسدة، والخلف في الصالحة. قال البغوي : وقال محمد بن جرير: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام، وفي الذم بتسكينها وقد يحرك في الذم ويسكن في المدح. قوله «ورثوا الكتاب» التوراة. قاله السمرقندي، والسيوطي، وزاد: عن آبائهم. قال الخضيري أخذوه من أسلافهم. وقال الجمل: نالواه وعلموه. قوله «يأخذون عرض هذا الأدنى»: أي حطام هذا الشيء الدنيء أي الدنيا من حلال وحرام. قاله السيوطي. قال مكي: يعني الرشوة على الحكم في قول الجميع. قال معمر بن المثنى : أي طمع هذا القريب الذي يعرض لهم في الدنيا. قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية من عمق المعنى، من وصف الله له بكونه عرضا، ولم يقل مالا، وبيان دناءة القوم، وأخذهم العرض الحقير من الرشى ليحكموا بغير ما درسوه في التوراة ما يلي : قال النحاس: والعرض في اللغة متاع الدنيا أجمع، والعرض بتسكين الراء ما كان من المال سوى الدنانير والدراهم وما كان من الدنانير والدراهم قيل له نقد وغيره ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته. ومنه قوله تعالى حكاية عن اخوانهم ( لو كان عرضا قريبا أو سفرا قاصدا لتبعوك ) : قال الراغب: مطلبا سهلا؛ وقال : ببان الحق: متاعا قريب المأخذ.
وإنما عنيت بقولي ( اخوانهم ) المنافقين اخوان اليهود، كما حكى الله عنهم في الحشر (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ) ، فالمنافقون ينفرون في الغزو من أجل عرض حقير، واليهود يشرون دينهم، ولا يحكمون التوراة بعرض مثله. انتهى قوله «و إن يأتهم عرض مثله يأخذوه»: المعنى ما يشبعهم شيء فهم ياخذون لغير حاجه. قاله ابن الجوزي. وقال مكي : وإن وجدوا بعده مثله، أخذوه، فهم مصرون على أخذه، وإنما يتمنى المغفرة من أقلع عن الذنب، فلم يعد إليه، ولا نوى الرجوع إلى مثله. قوله «ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتب» : المعنى: ألم يؤخذ عليهم الميثاق، ألا يعملوا إلا بما في التوراة. قاله مكي. قوله «أن لا يقولوا على الله إلا الحقَّ »: ألم يؤخذ عليهم ميثاقهم في التوراة أن لا يقولوا على الله إلا الحق أي: إلا الصدق. قاله السمرقندي. قوله «ما فيه ودرسوا» معناه: ورثوا الكتاب، ودرسوا ما فيه، فنبذوه، وعملوا بخلاف ما فيه. قاله مكي. وقال التستري : أي تركوا العمل به. قال ابن أبي زمنين: يقول: قرءوا ما فيه، في هذا الكتاب؛ بخلاف ما يقولون وما يعملون. _____ المصدر : تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية الى بلوغ النهاية لمكي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، باهر البرهان لبيان الحق، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان لنجم الدين النيسابوري، تفسير التستري، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، مخطوطة الجمل.
( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الأعراف [169] قوله «فخلف» : فجاء. قاله الخضيري.
قوله «من بعدهم خلف» : يعني: خَلف سوء.
قاله الطبري. قال مكي: أي: حدث من بعدهم خلف سوء، يعني: أبناءهم. وقال ابن الجوزي: والخلف الرديء من الناس. قلت ( عبدالرحيم ) : قوله تعالى ( فخلف من بعدهم ) : أراد اليهود؛ بخلاف من قال إنهم النصارى؛ وقد صوب الطبري هذا القول؛ فقال معقبا على قول مجاهد ( النصارى ): ولم يذكر لنا أنهم نصارى في كتابه، وقصتهم بقصص اليهود أشبه منها بقصص النصارى. قال النحاس : قال مجاهد يعني النصارى وقال غيره يعني أبنائهم ( أبناء اليهود ) قال أبو جعفر وهذا أولى القولين والله أعلم. وعن عبدالرحمن بن زيد: هؤلاء اليهود. قوله « خَلْفٌ » : الخلف: الرديء من كل شيء. قاله غلام ثعلب وقال ابن قتيبة ومكي : والخلف: الرديء من الناس ومن الكلام. وقال مكي في الهداية : والخلف : الرديء من القول، ومن الأنباء. قال بيان الحق و نجم الدين النيسابوري : الخلف في البقية الفاسدة، والخلف في الصالحة. قال البغوي : وقال محمد بن جرير: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام، وفي الذم بتسكينها وقد يحرك في الذم ويسكن في المدح. قوله «ورثوا الكتاب» التوراة. قاله السمرقندي، والسيوطي، وزاد: عن آبائهم. قال الخضيري أخذوه من أسلافهم. وقال الجمل: نالواه وعلموه. قوله «يأخذون عرض هذا الأدنى»: أي حطام هذا الشيء الدنيء أي الدنيا من حلال وحرام. قاله السيوطي. قال مكي: يعني الرشوة على الحكم في قول الجميع. قال معمر بن المثنى : أي طمع هذا القريب الذي يعرض لهم في الدنيا. قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية من عمق المعنى، من وصف الله له بكونه عرضا، ولم يقل مالا، وبيان دناءة القوم، وأخذهم العرض الحقير من الرشى ليحكموا بغير ما درسوه في التوراة ما يلي : قال النحاس: والعرض في اللغة متاع الدنيا أجمع، والعرض بتسكين الراء ما كان من المال سوى الدنانير والدراهم وما كان من الدنانير والدراهم قيل له نقد وغيره ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته. ومنه قوله تعالى حكاية عن اخوانهم ( لو كان عرضا قريبا أو سفرا قاصدا لتبعوك ) : قال الراغب: مطلبا سهلا؛ وقال : ببان الحق: متاعا قريب المأخذ. وإنما عنيت بقولي ( اخوانهم ) المنافقين اخوان اليهود، كما حكى الله عنهم في الحشر (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ) ، فالمنافقون ينفرون في الغزو من أجل عرض حقير، واليهود يشرون دينهم، ولا يحكمون التوراة بعرض مثله. انتهى قوله «و إن يأتهم عرض مثله يأخذوه»: المعنى ما يشبعهم شيء فهم ياخذون لغير حاجه. قاله ابن الجوزي. وقال مكي : وإن وجدوا بعده مثله، أخذوه، فهم مصرون على أخذه، وإنما يتمنى المغفرة من أقلع عن الذنب، فلم يعد إليه، ولا نوى الرجوع إلى مثله. قوله «ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتب» : المعنى: ألم يؤخذ عليهم الميثاق، ألا يعملوا إلا بما في التوراة. قاله مكي. قوله «أن لا يقولوا على الله إلا الحقَّ »: ألم يؤخذ عليهم ميثاقهم في التوراة أن لا يقولوا على الله إلا الحق أي: إلا الصدق. قاله السمرقندي. قوله «ودرسوا ما فيه» معناه: ورثوا الكتاب، ودرسوا ما فيه، فنبذوه، وعملوا بخلاف ما فيه. قاله مكي. وقال التستري : أي تركوا العمل به. قال ابن أبي زمنين: يقول: قرءوا ما فيه، في هذا الكتاب؛ بخلاف ما يقولون وما يعملون. _____ المصدر : تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية الى بلوغ النهاية لمكي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، باهر البرهان لبيان الحق، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان لنجم الدين النيسابوري، تفسير التستري، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، مخطوطة الجمل.
( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [170] وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [171] ) الأعراف قوله « يمسكون بالكتاب »: أي يأخذون بما فيه. قاله الفراء. قال الخضيري: يتمسكون. وقال النحاس: يتبعون ما فيه ويحكمون به. قال السيوطي: كعبد الله بن سلام وأصحابه. قوله: « نتقنا الجبل»: أي رفعنا. قاله مقاتل، و الفراء، وغلام ثعلب، وابن الهائم، وابن الجوزي، وابن أبي زمنين؛ إلا أنه قال: رفعناه. وقال مكي: فقوله: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم)، وقوله: (ورفعنا فوقكم الطور) واحد. وقال التستري: يعني فتقنا وقد زعزعنا. وقال ابن قتيبة ومكي: أي زعزعناه. قال نجم الدين وبيان الحق النيسابوري: نتقنا الجبل: قلعناه ورفعناه من أصله، وسببه أنهم أبو قبول فرائض التوراة. وقال الزجاج : يقال نتقت الشيء أنتقه قال نتقا ونتوقا عن إذا زعزعته ورميت به أو قطعته منه امرأة ناتق أي كثيرة الولد كأنها ترمي بالأولاد ويقال نتقت السقاء إذا نقضته لتخرج ما فيه من الزبد. وقال قتادة: رفع الجبل على رؤوسهم وقال لهم موسى ﷺ إن قبلتم ما في الكتاب وإلا سقط عليكم؛ ومعنى بقوة بجد. حكاه الزجاج. قوله « كأنه ظلة»: أي غمامة. قاله مكي. وقال الخضيري: سحابة. قوله « وظنوا »: تيقنوا. قاله ابن الجوزي. قال نجم الدين النيسابوري: قوي في نفوسهم وقوعه إن لم يقبلوا. وقال السمرقندي: أيقنوا الجبل واقع بهم. قلت ( عبدالرحيم ) : ولفظ الظن من الأضداد ( نص عليه أبو بكر الأنباري في الأضداد )، فتارة يأتي بمعنى الشك، وأخرى : بمعنى اليقين، كما في الآية التي نحن بصددها، ومنه قوله تعالى (وظنوا ما لهم من محيص): قال الأخفش: أي فاستيقنوا؛ وقوله (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه): قال ابن قتيبة: أي استيقنوا أن لا ينجيهم من الله ومن عذابه غيره شيء؛ وقوله ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ): قال أبو بكر الأنباري: معناه فعلموا بغير شك. وقال ابن قتيبة : أي يعلمون. وقال ابن الهائم، وأبو بكر السجستاني : أي يوقنون. و قال أبو حيان في البحر: معناه: يوقنون، قاله الجمهور؛ ويؤيده أن في مصحف عبد الله بن مسعود: الذين يعلمون؛ وقوله ( وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ): قال القرطبي: الظن هنا بمعنى العلم واليقين؛ وقال أبو بكر الأنباري: معناه علمنا؛ وقال ابن قتيبة: أي استيقنا؛ وقوله ( وظن أنه الفراق ): قال الزجاج: أي وأيقن الذي تبلغ روحه إلى تراقيه أنه مفارق للدنيا. انتهى قوله « خذوا ما آتيناكم بقوة »: أي بجد ومواظبة. قاله السمرقندي. وقالت كاملة الكواري: أي أقبلوا على التوراة بجد ونشاط. ______ المصدر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية في بلوغ النهاية لمكي القيسي، تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب لابن الجوزي، باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن لبيان الحق، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للقراء، معاني القرآن للأخفش، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، معاني القرآن للنحاس، تفسير القرطبي، البحر المحيط لأبي حيان، تفسير مقاتل، تفسير التستري، تفسير السمرقندي، تفسير القرآن العزيز لابن أبي زَمَنِين، الأضداد لأبي بكر الأنباري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [175] وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [176] ) الأعراف قوله «واتل عليهم»: أي اليهود. قاله السيوطي. قوله «نبأ الذي آتيناه »: يعني خبره وقصته. قاله الطبري. قوله « آياتنا فانسلخ منها»: أي خرج منها كما ينسلخ الإنسان من ثوبه، والحية من جلدها. قاله ابن الهائم. وقيل: تهاون بها ولم يعرف حقها، ولا حرمتها، وخرج منها. حكاه السمرقندي. قال الواحدي: قال ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد: نزلت في بلعم بن باعوراء. قوله «فأتبعه الشيطان»: أي أدركه. قاله ابن قتيبة، ومكي. وقال بيان الحق، ونجم الدين النيسابوري: أي لحقه الشيطان فأغواه. قال ابن قتيبة: أي أدركه. يقال: أتبعت القوم: إذا لحقتهم وتبعتهم: سرت في إثرهم. وقال السيوطي: فأدركه فصار قرينه. وقال الخضيري: لحقه، وصار قرينه، واستحوذ عليه. قوله «فكان من الغاوين»: أي الفاسدين الهالكين. قاله الزجاج. وقال ابن الجوزي: يعني الضالين. وقال ابن أبي زمنين : أي كفر. قوله «ولو شئنا لرفعناه بها»: أي: بآياتنا. قال السيوطي: إلى منازل العلماء- بأن نوفقه للعمل. قال مجاهد أي لرفعناه عنه ومعناه لعصمناه من مما فعل. حكاه النحاس. قوله «ولكنه أخلد»: أي ركن. قاله مكي وغيره. وقال ابن قتيبة :أي ركن إلى الدنيا وسكن. وقال السيوطي: سكن. قال نجم الدين النيسابوري: سكن إليها ورضى بما عليها، وأصله اللزوم على الدوام، والمخلد من لا يكاد يشيب أو يتغير. قال النحاس: قال مجاهد أي سكن والتقدير إلى نعيم الأرض ولذاتها. قوله «إلى الأرض»: يعني الدنيا. قاله ابن الجوزي. وقال السيوطي: أي الدنيا ومال إليها. قوله «واتَّبع هواه»: في دعائه إليها فوضعناه. قاله السيوطي. قوله «فمثله»: أي صفته. قاله السيوطي. قوله «كمثل الكلب إن تحمل عليه»: تطرده. قاله ابن قتيبة. وقال السيوطي: بالطرد والزجر. قال عبدالمجيد السنيد: أي تطرده وتزجره وليس من وضع الأحمال عليه ؛ إذ الكلاب لا يحمل عليها بهذا المعنى. قوله «يلهث»: أي يدلع لسانه. قاله السيوطي. وقال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم، وابن الجوزي: يقال: لهث الكلب إذا أخرج لسانه من حر، أو عطش. قوله « أو تتركه يلهث» :كل شيء يلهث فإنما يلهث من تعب أو عطش، والكلب يلهث في كل حال، فالكافر يتبع هواه أبدا. قاله نجم الدين النيسابوري. وقالت كاملة الكواري: أي: لا يزال لاهثا في كل حال، وهذا لا يزال حريصا حرصا قاطعا قلبه لا يسد فاقته شيء من الدنيا. قوله «فاقصص القَصَص »: على اليهود. قاله السيوطي. قوله «لعلهم يتفكرون»: يتدبرون فيها فيؤمنون. قاله السيوطي. _____ المصدر: التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب لابن الجوزي، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن لبيان الحق، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، التفسير البسيط للواحدي، تفسير القرآن العزيز لابن أبي زَمَنِين، تفسير الجلالين، أكثر من 100 كلمة قرآنية تفهم خطأ لعبدالمجيد السنيد.
( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [179] وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [180] ) الأعراف قوله «ولقد ذَرأْنا لجهنم»: أي خلقنا. قاله ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، والطبري، والنحاس، وابن الجوزي، وابن الهائم، والسيوطي. وعن الحسن قال: مما خلقنا. رواه الطبري. قال بيان الحق: لام العاقبة كما مضى، إذ لم يخلق الله الخلق إلا للرحمة. ولكن لما كانت عاقبة المعتدين جهنم، كان كأنه خلقهم لها. قال البغوي: وقيل: اللام في قوله "لجهنم" لام العاقبة، أي: ذرأناهم، وعاقبة أمرهم جهنم، كقوله تعالى ) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ). قال ابن قتيبة: منه ذرية الرجل: إنما هي الخلق. ولكن همزها يتركه أكثر العرب. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ): قال معمر بن المثنى، وابن الهائم: يخلقكم؛ وقوله ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ): قال ابن قتيبة: أي مما خلق من الحرث وهو الزرع؛ وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: بمنزلة برأ، ومعناهما خلق؛ وقوله ( وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه ): قال معمر بن المثنى، والأخفش: خلق لكم. انتهى قوله «لهم قلوب لا يفقهون بها»: أي لا يعلمون بها الخير والهدى. قاله البغوي. قوله «ولهم أعين لا يبصرون بها»: طريق الحق وسبيل الرشاد. قاله البغوي. قال السيوطي: بصر اعتبار. قوله «ولهم آذان لا يسمعون بها»: الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ. قاله السيوطي. قوله «أولئك كالأنعام»: في عدم الفقه والبصر والاستماع. قاله السيوطي. قوله «بل هم أضل»: من الأنعام لأنها تطلب منافعها وتهرب من مضارها وهؤلاء يقدمون على النار معاندة. قاله السيوطي. قوله «وذروا الذين يُلحدون»: يجورون في أسمائه عن الحق، وهو اشتقاقهم اللات من الله جل وعز، والعزى من العزيز. قاله ابو بكر السجستاني، وبنحوه قال ابن قتيبة، وابن الهائم. قال ابن الجوزي: يجورون؛ قال ابن عباس: جورهم أنهم سموا بأسمائه آلهتهم وزادوا فيها ونقصوا فاشتقوا اللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان قال ابن زيد وهذه منسوخه بآية السيف. قال السيوطي: وهذا قبل الأمر بالقتال. قال الراغب: والإلحاد في أسمائه على وجهين: أحدهما أن يوصف بما لا يصح وصفه به. والثاني: أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به، والتحد إلى كذا: مال إليه. قال تعالى: ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) أي: التجاء، أو موضع التجاء. وألحد السهم الهدف: مال في أحد جانبيه. انتهى قال الزجاج: لا ينبغي أن يدعوه أحد بما لم يصف نفسه به، أو لم يسم به نفسه. فيقول في الدعاء. يا الله يا رحمن يا جواد، ولا ينبغي أن يقول: " يا سبحان " لأنه لم يصف نفسه بهذه اللفظة. وتقول يا رحيم، ولا يقول: يا رفيق، وتقول يا قوي، ولا تقول يا جلد. انتهى ___ المصدر: التبيان في بيان غريب القرآن لابن الهائم، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للنحاس، باهر البيان في معاني مشكلات القرآن لبيان الحق، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [182] وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [183] أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ۗ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [184] ) الأعراف قوله «والذين كذبوا»:هم أهل مكة. حكاه ابن الجوزي عن ابن عباس. قوله «بآياتنا»: القرآن. قاله السيوطي. قوله «سنستدرجهم»: نأخذهم قليلا قليلا. قاله السيوطي. وقال السدي: سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون. حكاه الماوردي في النكت. وقال الحسن: نتبع النعمة السيئة وننسيهم التوبة. حكاه أبو الحسن الماوردي. وقيل: نأخذهم من حيث درجوا ودبوا. حكاه الماوردي. وقيل: نهلكهم. حكاه نجم الدين النيسابوري. وقال الخضيري: سنفتح لهم الأرزاق؛ ليغتروا، ثم نباغتهم بالعقوبة. قوله «وأُملي لهم»: أي أؤخرهم. قاله معمر بن المثنى، وابن قتيبة، ومكي. قال النحاس: ومعنى أملي أؤخر والملاوة القطعة من الدهر. وقال البغوي، والراغب، والسيوطي: أمهلهم. وقال ابن الهائم: أطيل المدة وأتركهم ملاوة من الدهر. والملاوة: الحين من الدهر. والملوان: الليل والنهار. قوله «إن كيدي متين»: شديد. قاله ابن قتيبة، ومكي. وقال البغوي: أي إن أخذي قوي شديد. وقال السيوطي: شديد لا يطاق. وقال الخضيري: قوي، شديد، لا يدفع بقوة، ولا حيلة. قوله «أو لم يتفكروا»: فيعلموا. قوله «ما بصاحبهم»: محمد ﷺ. قوله «من جِنَّة»: جنون. قاله الراغب، وابن الهائم، وابن قتيبة، ومكي. قوله «إن»: ما. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ): قال الطاهر بن عاشور : أي ما أدري حكمة هذا التأخير فلعله فتنة لكم أرادها الله ليملي لكم . انتهى قوله «هو إلا نذير مبين»: بين الإنذار. قاله السيوطي. ____ المصدر : تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان لنجم الدين النيسابوري، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير البغوي، النكت والعيون للماوردي، زاد المسير لابن الجوزي، التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الجلالين.
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الأعراف (187) قوله «يسألونك»: أي أهل مكة. قاله السيوطي. وقال الشوكاني: هم اليهود. قوله «عن الساعة»: القيامة. قال الزجاج: معنى الساعة في كل القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، كأنه يريد أنها ساعة عظيمة خفية يحدث فيها أمر عظيم، فلقلة الوقت الذي تقوم فيه سماه ساعة، والله أعلم. انتهى حكاه بيان الحق النيسابوري. قوله «أيَّان مُرساها»: أي متى ثبوتها. قاله ابن قتيبة، ومكي. وقال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: متى مثبتها. وقال الراغب الأصفهاني: أي زمان ثبوتها. وقال السمرقندي: أي متى حينها وقيامها. وقال الأخفش: ظهورها. وحكى ابن الجوزي عن أبي عبيدة ( معمر بن المثنى): أنه قال: أي متى مرساها؟ أي: منتهاها. ومرسى السفينة: حيث تنتهي. وقالت كاملة الكواري: متى وقوعها. قال الشوكاني: والمعنى متى يرسيها الله: أي يثبتها ويوقعها. قال الرازي: ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة، بدليل قوله: ثقلت في السماوات والأرض لا جرم سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالإرساء. قال ابن قتيبة: يقال: رسا في الأرض: إذا ثبت؛ ورسا في الماء: إذا رسب. ومنه قيل للجبال: رواس. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( والجبال أرساها ): قال الزجاج: أثبتها؛ وقوله (بسم الله مجراها ومرساها ): قال الماوردي: أي مثبتها. انتهى قوله «عند ربي لا يُجلّيها»: أي لا يظهرها. قاله ابن قتيبة، ومكي، وأبو حيان، وابن الهائم. قال ابن قتيبة: يقال: جلى لي الخبر: أي كشفه وأوضحه. قلت( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (ليس لها من دون الله كاشفة): قال ابن قتيبة: ليس لعلمها كاشف ومبين دون الله، ومنه قوله ( فلما تجلى ربه للجبل ):قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: أي ظهر وبان؛ وقوله ( والنهار إذا تجلى ): قال أبو بكر السجستاني: أي ظهر وبان. انتهى قوله «لوقتها»: اللام بمعنى في. قاله السيوطي. قوله «ثقُلت في السماوات والأرض»: أي خفي علمها عن اهل السماوات والأرض. قاله مكي، وابن الهائم. قال ابن الهائم: و إذا خفي الشيء ثقل. وقال السدي: المعنى: خفيت في السموات والأرض. حكاه مكي في الهداية. وقال عكرمة، ومجاهد، وابن جريج: عظم شأنها في السماوات والأرض. حكاه ابن الجوزي.
وقال السيوطي: عظمت على أهلها لهولها.
«لا تأتيكم إلا بغتة»: فجأة. قاله ابن الجوزي. «يسألونك كأنك حَفي عنها »: أي كأنك معني بطلب علمها. حكاه ابن أبي زَمَنِين. وقال التستري: أي عالم بوقتها. وقال مكي، والزجاج: كأنك فرح بسؤالهم. وقال الضحاك عن ابن عباس، وهو قول ابن زيد، والفراء: كأنك عالم بها. حكاه ابن الجوزي. قوله «قل إنما علمها عند الله»: تأكيد. قاله السيوطي. قال مكي أي: علم وقت قيامها عند الله لا يعملها إلا هو. قوله «ولكن أكثر الناس لا يعلمون»: أن علمها عنده تعالى. قال مقاتل في آخرين: المراد بالناس ها هنا أهل مكة. حكاه ابن الجوزي _____ المصدر : المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، باهر البرهان لبيان الحق النيسابوري، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للزجاج، النكت والعيون للماوردي، تفسير السمرقندي، تفسير التستري، تفسير ابن أبي زمنين، التفسير الكبير للرازي، زاد المسير لابن الجوزي، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الأعرف (189) قوله «هو الذي خلقكم من نفس واحدة»: المراد بالنفس الواحدة: آدم. حكاه الشوكاني عن جمهور المفسرين.
قال الزجاج: يعني من آدم عليه السلام، وإنما قيل في اللغة واحدة لأن لفظ النفس مؤنث، ومعناها مذكر في هذا الموضع، ولو قيل من نفس واحد لجاز.
قوله «وجعل»: خلق. قوله «منها زوجها»: يعني حواء. قوله «ليسكن إليها»: ليأنس بها ويأوي إليها. قاله البغوي. وقال الشوكاني: يأنس إليها، ويطمئن بها. قوله «فلما تغشَّاها» أي: واقعها وجامعها. قاله البغوي. وقال بيان الحق، ونجم الدين: أصابها. وقال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: علاها بالنكاح. قال الراغب: وكذا الغشيان، والغاشية: كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله ( يغشي الليل النهار ): قال البغوي: أي: يأتي الليل على النهار فيغطيه؛ وقال السيوطي: أي يغطي كلا منهما بالآخر؛ وقوله ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ): قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: أي ما يغشاهم فيغطيهم من أنواع العذاب. قال الطبري: وذلك ما غشَّاهم فغطاهم من فوقهم. وقال السيوطي: أغطية من النار؛ وقوله ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون ): قال السجستاني، وابن الهائم: أي جعلنا على أبصارهم غشاوة أي غطاء؛ وقوله ( وعلى أبصارهم غشاوة): قال أبو حيان: غطاء. انتهى قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( فلما تغشاها ): فيه : أن الله حيي يكني؛ ونظيره في القرآن كثير كقوله تعالى ( أو لامستم النساء ): قال الرازي: دخلتم بهن؛ وقال ابن الهائم: كناية عن الجماع؛ وقال مكي: اللمس هنا الجماع. وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وقول أبي حنيفة. حكاه الرازي، ورجحه. فائدة: قلت: وعليه فلا حجة لمن استدل بقوله ( أو لامستم النساء ) على وجوب الوضوء من مجرد اللمس، اللهم إلا من استدل بلغة هذيل، وبسْطُه في موضعه؛ وكقوله ( أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ): قال الراغب: والمسيس كناية عن النكاح. وقال الرازي: جعلت المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه لقوله: من قبل أن تمسوهن. قال ابن عباس: إن الله حيي يكني بما يشاء، إن الرفث واللماس والمباشرة والإفضاء: هو الجماع. حكاه عنه الواحدي في الوسيط. انتهى قوله «حملت حملا خفيفا»: وهو أول ما تحمل المرأة من النطفة يكون خفيفا عليها. قاله البغوي. قال نجم الدين النيسابوري: أي المني. وقال ابن الهائم: الماء خفيف على المرأة إذا حملت. قال الشوكاني: ووصفه بالخفة لأنه عند إلقاء النطفة أخف منه عند كونه علقة، وعند كونه علقة أخف منه عند كونه مضغة، وعند كونه مضغة أخف مما بعده. قوله «فمرت به» ذهبت وجاءت لخفته. قاله السيوطي. وقال ابن قتيبة، ومكي: أي استمرت بالحمل. وقال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: استمرت به، أي قعدت به وقامت. قال الشوكاني: استمرت بذلك الحمل، تقوم وتقعد وتمضي في حوائجها لا تجد به ثقلا. قوله «فلما أثقلت»: كبر الولد في بطنها. رواه الطبري عن السدي. وقال البغوي: أي: كبر الولد في بطنها وصارت ذات ثقل بحملها ودنت ولادتها. وبنحوه قال الطبري. قوله «دعوا الله ربَّهما»: يعني آدم وحواء. قوله «لئن آتيتنا»: ولدا. قوله «صالحا»: أي بشرا سويا مثلنا. قاله البغوي. وقال ابن قتيبة، ومكي: ولدا سويا بشرا ولم تجعله بهيمة. قال بيان الحق: أي ولدا سويا صالح البنية. هذا هو التأويل الصحيح. انتهى كلامه. ____ المصدر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، التفسير الكبير للرازي، الوسيط للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين.
( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف (199) قوله «خذ»: أي اقبله. قاله ابن قتيبة قال ابن عباس : أمر الله عز وجل النبي ﷺ أن يأخذ ذلك. حكاه نافع بن الأزرق قوله «العفو»: أي: الميسور من الناس. قاله ابن قتيبة وقال مكي: أي ما تيسر من الناس. قال معمر بن المثنى: أي الفضل وما لا يجهده، يقال خذ من أخيك ما عفا لك. وقال عطاء: العفو: الفضل. حكاه النحاس وقال الزجاج: والعفو الفضل، والعفو ما أتى بغير كلفة. قال الراغب الأصفهاني: أي ما يسهل قصده وتناوله، وقيل معناه: تعاط العفو عن الناس. وقال السيوطي: اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها. قال مجاهد: خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس. حكاه النحاس. قال الخضيري: خذ ما تيسر من أخلاق الناس، ولا تكلفهم ما لا يريدون بذله لك. وقال ابن قتيبة في موطن آخر: أي اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به من أموالهم؛ ولا تستقص عليهم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى
( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو ): قال ابن كثير: يعني الفضل .
وعن طاوس : اليسير من كل شيء؛ وقال ابن قتيبة: يعني: فضل المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: "خذ ما عفا لك" أي: ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة؛ وقال الراغب: أي ما يسهل إنفاقه. انتهى قوله «وأمر بالعرف» بالمعروف. قاله ابن قتيبة، وأبو حيان، وابن الهائم، والزجاج، والنحاس، وغيرهم. قال الراغب: والعرف: المعروف من الإحسان. قال الخضيري: بالمعروف، وهو كل قول وعمل حسن. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( والمرسلات عرفا ): قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: أي الملائكة تنزل بالمعروف. وقالت كاملة الكواري: حال من المرسلات، أي أرسلت بالعرف والحكمة والمصلحة لا بالمنكر والعبث. انتهى قوله «وأعرض عن الجاهلين»: السفهاء. قاله الخضيري. قال السيوطي: فلا تقابلهم بسفههم. ____ المصدر: مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير الجلالين.
( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) الأعراف قوله «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ »: يستخفنك. قاله مكي. قال الشوكاني:النزغ الوسوسة وكذا النغز والنخس . وقال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: يستخفنك منه خفة وغضب وعجلة. ويقال: ينزغنك يحركنك بالشر، ولا يكون النزغ إلا في الشر. وقال أبو حيان: يستخفنك، ويقال: يحركنك. وقال السيوطي: أي إن يصرفك عما أمرت به صارف. وقيل نزغه: وسوسته. وقيل: فساده. حكاه مكي بن طالب. قال الشوكاني: قال الزجاج : النزغ أدنى حركة تكون ، ومن الشيطان أدنى وسوسة ، وأصل النزغ : الفساد ، يقال : نزغ بيننا : أي أفسد ، وقيل : النزغ : الإغواء ، والمعنى متقارب. انتهى قوله « إِذَا مَسَّهُمْ »: أي أصابهم. قاله السيوطي. قوله « طَائِفٌ »: أي شيء ألَّم بهم. قاله السيوطي. قال الخضيري: عارض من وسوسة الشيطان. قال الراغب: وهو الذي يدور على الإنسان من الشيطان يريد اقتناصه، وقد قرئ: طيف وهو خيال الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة. ومنه قيل للخيال: طيف. قال النحاس: قال مجاهد الطيف سنة الغضب، قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان، وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه. قال مكي: والطائف و الطيف عند جماعة من البصريين، سواء، وهو ما كان كالخيال، والشيء يلم بك. وقال بعض الكوفيين: الطائف : ما طاف به من وسوسة الشيطان. والطيف : من اللمم والمس. وقال الكسائي: الطيف: اللهو، و الطائف : كل ما طاف حول الإنسان. قالت كاملة الكواري: معنى الطائف في الأصل: الشيء يلم بالإنسان، والمراد هنا لمة الشيطان ووسوسته. انتهى قوله «فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ»: أي منتهون عن المعصية. حكاه مكي عن ابن عباس. قوله « وَإِخْوَانُهُمْ »: شياطينهم لأن لكل كافر شيطانا يغريه بالشر. قاله مكي. قال الطبري: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي. قوله « يَمدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ »: أي يزيدونهم. قاله الطبري. قال مكي في المشكل: أي يطيلون لهم فيه. وقال مكي في الهداية: أي وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي. قال الزجاج: يعني الشياطين، لأن الكفار إخوان الشياطين، والغي الجهل، والوقوع في الحركة. قال أبو موسى المديني: أي يزينون لهم الغى، ويجرونهم فيه. قال الخضيري: يعينونهم في الغواية. قال مكي: و الغي: الجهل والوقوع في الهلكة. قوله « ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ »: يعني المشركين وشياطينهم. قاله الفراء. وعن ابن عباس: لا يسأمون. وعنه رضي الله عنه: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تُمْسك عنهم. رواه الطبري.
قال الخضيري: لا يدخرون وسعا في غوايتهم.
قالت كاملة الكواري: أي لا يكف الشياطين عن إغوائهم. قال مكي: المعنى: ثم لا يقصر الشياطين في مدهم في الغي للكفار. قاله: قتادة. قال الشوكاني: الإقصار : الانتهاء عن الشيء : أي لا تقصر الشياطين في مد الكفار في الغي. قلت ( عبدالرحيم ): وشاهده قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ): قال الطبري: تحركهم بالإغواء والإضلال، فتزعجهم إلى معاصي الله ، وتغريهم بها حتى يواقعوها ( أزا ) إزعاجا وإغواء. انتهى
وعن ابن عباس قال : تغريهم إغراء.
رواه الطبري. وقال الضحاك: تغويهم إغواء. حكاه القرطبي. _____ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، المجموع المغيث في غريلي القرآن والحديث لأبي موسى المديني، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، فتح القدير للشوكاني، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير الجلالين، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف (203) قوله ( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَة ): أي معجزة ، وخارق ،
كما قال تعالى : ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ).
قاله ابن كثير.
قوله ( لَوْلَا ): بمعنى هلَّا . قاله القرطبي. قوله ( اجْتَبَيْتَهَا ): هلَّا افتعلتها من تلقاء نفسك.
قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد، والفراء، والزجاج، وابن قتيبة في آخرين.
حكاه ابن الجوزي. قال ابن حسنون السامري: يعني لولا أتيتها من ذات نفسك بلغة قريش. وقال القاسم بن سلّام: أتيتها بلغة ثقيف. وقيل: ابتدعتها. قاله السيوطي في الدر. وقيل: هلَّا افتعلتها. قاله الفرّاء. وقال الراغب الأصفهاني: يقولون: هلاَّ جمعتها، تعريضا منهم بأنك تخترع هذه الآيات وليست من الله. وقال ابن الهائم: تقولتها من نفسك، تقول اجتبيت الشيء واخترعته وارتجلته واختلقته بمعنىً. وقيل: اخترتَها لنفسك. وقيل: طلبتها من الله. وقيل: طلبتها من الله، وتخيرتها عليه. حكاه ابن جزي الغرناطي. قال الإيجي الشافعي: اختلقتها من قبل نفسك قيل: كانوا يسألون الآيات تعنتًا فإذا تأخرت اتهموه وقالوا لولا اجتبيتها وأنشأتها من نفسك، أو معناها لم لا تجهد نفسك في طلب الآيات من الله تعالى حتى نراها ونؤمن به. قوله (هذا بصائر):حجج وبيان لكم من ربكم. قاله مكي في الهداية. قال ابن أبي زمنين: يعني القرآن. _____ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للفرّاء، تفسير ابن جزي الغرناطي ، جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي الشيرازي، تفسير ابن أبي زمنين، الهداية لمكي القيسي، تفسير ابن كثير، زاد المسير لابن الجوزي، الدر المنثور للسيوطي.
( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) الأعراف قوله «وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له»: أي تكلفوا السماع وتعمدوه. قاله أبو بكر الجزائري. قال الطبري: يقول: أصغوا له سمعكم، لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه. قوله «وأنصتوا»: بترك الكلام. قاله أبو بكر الجزائري.
قال الراغب الأصفهاني: والإنصات: هو الاستماع إليه مع ترك الكلام.
فائدة: قلت ( عبدالرحيم ): في الآية مسألتان: الأولى: وجوب الاستماع للقرآن حال الصلاة، واستحبابه خارجها. قال الإمام أحمد بن حنبل: أجمع الناس أن هذه الآية في الصلاة. نقله أبو داود عن الإمام في مسائله. قال مكي بن طالب: قال المسيب بن رافع عن ابن مسعود: ذلك في الصلاة، وكان بعضنا يسلم على بعض في الصلاة، فجاء القرآن:
( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
وقاله أبو هريرة. وروي عن ابن مسعود وأبي هريرة وجابر والزهري وعبيد الله بن عمير وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب . حكاه القرطبي. وقال مقاتل: في الصلاة في نفسك تضرعا مستكينا. وقال ابن شهاب، والحسن، والنخعي: إنما ذلك في الصلاة. رواه ابن وهب ( في تفسيره ). وروى عبدالرزاق، والطبري عن مجاهد: قال: هذا في الصلاة. قال الواحدي في الوجيز: الآية نزلت في تحريم الكلام في الصلاة وكانوا يتكلمون في الصلاة في بدء الأمر. وفيما سبق ( إن شاء الله ) جواب لمن سأل حكم عن الكلام والقرآن يتلى عبر الآلة
( الراديو) وغيرها.
المسألة الثانية: قول الراغب رحمه الله
( والإنصات: هو الاستماع إليه مع ترك الكلام ) ففرق بين السماع، والاستماع؛ فكل مستمع سامع، ولا عكس، فكم من سامع يتكلم. وعليه فالذي يشرع في حقه سجود التلاوة. المستمع دون السامع،
قال أبو موسى الحجاوي ( في زاد المستقنع باب سجود التلاوة): والمستمع دون السامع. انتهى قوله «واذكر ربَّك في نفسك»: أي سرا. قاله السيوطي. قال الخطيب الشربيني: عام في الأذكار من القراءة والدعاء وغيرهما. قوله «تضرُّعا»: تذللا. قاله السيوطي. وقال مكي: أي تخشعا وتواضعا. وقال الخضيري: تخشعا وتذللا. قوله «وخيفة»: خوفا.
قاله ابن الهائم، والخطيب الشربيني، والسيوطي، وزادا: منه.
وقالت كاملة الكواري: أي: خوفا من الله، فالخيفة مصدر كالخوف. قوله «ودون الجهر من القول»: أي قصدا بينهما. قاله السيوطي. وقال الشربيني: أي ومتكلما كلاما فوق السر ودون الجهر أي: قصدا بينهما، فإنه أدخل في الخشوع والإخلاص.
أي واذكره دون الجهر ذكرا خفيا باللسان. قال ذلك ابن زيد وغيره.
حكاه مكي. قوله «بالغدو والآصال»: أوائل النهار وأواخره. قاله السيوطي. وقال الشربيني: جمع أصيل، وهو ما بين صلاة العصر إلى الغروب. وقال مكي: ما بين المغرب إلى العصر. وبه قال البغوي. قال مجاهد: (بالغدو): آخر الفجر، صلاة الصبح، (والآصال): آخر العشي، صلاة العصر. حكاه مكي في الهداية. فائدة: لما خص هذان الوقتان؟ قال الخطيب الشربيني: وإنما خص هذين الوقتين بالذكر؛ لأنّ الإنسان يقوم بالغداة من النوم الذي هو آخر الموت إلى اليقظة التي هي كالحياة فاستحب له أن يستقبل حالة الانتباه من النوم، وهو وقت الحياة من موت النوم بالذكر ليكون أوّل أعماله ذكر الله تعالى، وأما وقت الآصال وهو آخر النهار فإن الإنسان يريد أن يستقبل النوم الذي هو أخو الموت فيستحب الذكر؛ لأنها حالة تشبه الموت، ولعله لا يقوم من تلك النومة، فيكون موته على ذكر الله تعالى، وهو المراد من قوله تعالى «ولا تكن من الغافلين»: عن ذكر الله. انتهى وقال مكي: من اللاهين. قوله «إن الذين عند ربك»: يعنى به الملائكة. قاله الزجاج، ومكي، وغيره. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( إن الذين عند ربك ) ومثله في غير ما آية: فيه أن الله في السماء، وإلا لما احتيج إلى وصفهم بقوله ( عند ربك )، وعلى هذا تواترت النصوص؛ من الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة؛ من أن الله فوق سمواته، بائن من خلقه، على عرشه استوى؛ استواء يليق به، ليست السماء تظله أو تقله. انتهى «لا يستكبرون عن عبادته»: لا يتكبرون. قاله البغوي، وغيره. قال مكي: أي لا يستكبرون عن التواضع له والتخشع. قوله « ويسبِّحونه»: أي يعظمونه وينزهونه عن السوء. قاله مكي. وقال السيوطي: ينزهوِّنه عما لا يليق به. قوله «وله يسجدون»: أي يخصونه بالخضوع والعبادة فكونوا مثلهم. وقال مكي: أي يصلون. _____ المصدر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، تفسير مقاتل، تفسير ابن وهب، تفسير عبدالرزاق، الوجيز للواحدي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، الهداية لمكي القيسي ، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير القرطبي، أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج المنير للخطيب الشربيني، زاد المستقنع للحجاوي. ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) ) الأنفال قوله «يسألونك عن الأنفال»: الغنائم . قاله ابن قتيبة، ومكي، وابن الجوزي وغيرهم. وهو مروي عن ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وعبدالرحمن بن زيد، وعطاء. رواه عنهم الطبري.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: الغنائم التي نفلها الله النبي صلى الله عليه وأصحابه.
وقال غلام ثعلب: الغنائم والأنفال أيضا: ما يدفع بعد قسمة الغنائم. وقيل: معنى الأنفال: ما شذ من المشركين إلى المسلمين ، من عبد أو دابة ، وما أشبه ذلك. حكاه الطبري. قال ابن الجوزي: والمعنى: يسألونك عن الأنفال لمن هي؟ أو عن حكم الأنفال. وقال البغوي: أي عن حكم الأنفال وعلمها، وهو سؤال استخبار لا سؤال طلب، وقيل: هو سؤال طلب. فائدة: س: فيمن نزلت؟ ج: قال الفراء: نزلت في أنفال أهل بدر. قال البغوي: وأكثر المفسرين على أن الآية في غنائم بدر.
قال بيان الحق النيسابوري: وعن عبادة بن الصامت قال: فينا نزل معشر البدريين حين اختلفنا في النفل، من حارس لرسول الله، ومن محارب، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من بين أيدينا، وجعله إلى رسول الله فقسمه بيننا عن بواء، أي: سواء.
فائدة: س: لماذا سميت الأنفال نفلا؟ ج: قال الرازي: قال الزهري : النفل والنافلة ما كان زيادة على الأصل، وسميت الغنائم أنفالا لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم ، وصلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض الذي هو الأصل ، وقال تعالى :( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ):أي زيادة على ما سأل. انتهى
قيل: أنهم إنما سألوا عن حكمها لأنها كانت حراما على الأمم قبلهم.
حكاه ابن الجوزي. قوله «قل الأنفال لله»: يجعلها حيث يشاء. قاله السيوطي. فائدة: س: هل الآية منسوخة أم ثابتة غير منسوخة؟ ج: قال البغوي: فقال مجاهد وعكرمة والسدي: هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل:
( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) الآية. كانت الغنائم يومئذ للنبي ﷺ فنسخها الله عز وجل بالخمس.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي ثابتة غير منسوخة، ومعنى الآية: قل الأنفال لله مع الدنيا والآخرة وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى، أي: الحكم فيها لله ولرسوله، وقد بين الله مصارفها في قوله عز وجل: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) الآية. قوله «والرسول»: يقسِّمها بأمر الله فقسَّمها ﷺ بينهم على السواء. قاله السيوطي. قوله «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم»: أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع. قوله « وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا»: وجلت: أي خافت. قاله ابن الهائم، والسيوطي. قال معمر بن المثنى: أي خافت وفزعت. وقال غلام ثعلب: أي: اقشعرت، وخافت من الوعيد. وقال مكي في الهداية: أي: خشعت قلوبهم وجلا من عقابه. قال البغوي: خافت وفرقت قلوبهم، وقيل: إذا خوفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه. قال الراغب الأصفهاني: الوجل: استشعار الخوف. يقال: وجل يوجل وجلا، فهو وجل. وقال السدي: هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر الله فينزع عنها. حكاه ابن الجوزي. فائدة: س: كيف تكون الطمأنينة والوجل في حالة واحدة؟ ج: قال البغوي: قيل: الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب، والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب، فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه، وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وثوابه وكرمه. ____ المصدر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للفراء، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، التفسير الكبير للرازي، زاد المسير لابن الجوزي.
( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) الأنفال (7) قوله « وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ »: العير أو النفير. قاله السيوطي. قال مكي: والطائفتان: إحداهما فرقة أبي سفيان والعير، والطائفة الأخرى: فرقة المشركين الذين خرجوا من مكة لمنع العير. قال الزجاج: المعنى: واذكروا إذ يعدكم الله أن لكم إحدى الطائفتين. وقال الراغب الأصفهاني: تقديره: وعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم، إما طائفة العير، وإما طائفة النفير. قوله « أَنَّهَا لَكُمْ»: أي: أن ما معهم غنيمة لكم. قاله مكي في الهداية. قوله « وَتَوَدُّونَ »: تريدون. قاله السيوطي. قال مكي: أي تحبون أن تكون لكم العير التي لا قتال فيها ولا سلاح دون فرقة المشركين المقاتلة المسلحين. قال الزجاج: أي تودون أن الطائفة التي ليست فيها حرب ولا سلاح، وهي الإبل تكون لكم. قال مكي بن طالب: وكان أصحاب النبي ﷺ، أحبوا أن يظفروا بالعير، فأراد الله عز وجل، غير ذلك، أراد أن يظفروا بالمقاتلة، فيكون ذلك أذل لهم وأخزى وهيب في قلوب المشركين؛ لأن المسلمين لو ظفروا بالعير ولا مقاتلة معها ما كان في ذلك هيبة ولا ردعة عند المشركين، وإذا ظفروا بالمقاتلة وأهل الحرب والبأس كان ذلك أهيب وأروع لمن بقي منهم.انتهى قوله «الشَّوْكَةِ »: ذات السلاح. قاله ابن قيبة، ومكي. قال ابن قتيبة: ومنه قيل: فلان شاكُّ السلاح. قالت كاملة الكواري: والشوكة السلاح وهي طائفة العير؛ لأنها غنيمة صافية عن كدر القتال. وقال أبو حيان: الحديد والسلاح. وقال السيوطي: أي البأس والسلاح وهي العير. وقال الخضيري: صاحبة السلاح، والقوة. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: الشوكة: الحد، يقال: ما أشد شوكة بنى فلان أي حدهم. قال ابن الهائم: الحد والسلاح أي من السيف والسنان والنصال. وقيل: الشوكة: شدة الحرب. والشوكة: الحدة. واشتقاقها من الشوك وهو النبت الذي له حدة. قوله « تَكُونُ لَكُمْ »: لقلة عددها ومدَدها بخلاف النفير. قاله السيوطي. قوله « وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ »: يظهر. قاله السيوطي.
قال بيان الحق النيسابوري: ليظهره لكم لأنه لم يكن كذلك.
قوله « وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ »: أي يستأصلهم. والدابر: الأصل، وقيل: آخر من بقي. قاله ابن الهائم.
قال السيوطي: آخرهم بالاستئصال فأمركم بقتال النفير.
_____ المصدر: باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير الجلالين، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) الأنفال قوله «ليُحق الحق» :أي ليظهره لكم. قاله نجم الدين النيسابوري. قال البغوي: ليثبت الإسلام. قوله «ويبطل»: يمحق. قاله السيوطي. وقال البغوي: يفني. قوله «الباطل»: الكفر. قاله السيوطي. قوله «ولو كره المجرمون»: ولو كره المشركون ذلك. وقال ابن الهائم: أي المذنبون. قوله «إذ تستغيثون ربَّكم» تطلبون منه الغوث بالنصر عليهم. قاله السيوطي. قال الزجاج: لما رأوا أنفسهم في قلة عدد استغاثوا فأمدهم الله بالملائكة. وقال مكي: أي حين ذلك، أي تستجيرون به من عدوكم. قوله «فاستجاب لكم أني»: أي بأني. قاله مكي، والسيوطي. قوله «مُمدُّكم»: معينكم. «بألف من الملائكة مردفين»: أي متتابعين. حكاه النحاس عن ابن عباس. قال أبو العلاء الحنفي: متتابعين بعضهم في إثرْ بعض. وقال بيان الحق، ونجم الدين النيسابوري: تابعين.
قال مكي في المشكل: بعضهم في إثر بعض.
قال ابن الهائم: أردفهم الله بغيرهم. قال ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وابن الهائم : يقال: ردفته وأردفته إذا جئت بعده. قال السيوطي: متتابعين يردف بعضهم بعضا وعدهم بها أوَّلا ثم صارت ثلاثة آلاف ثم خمسة كما في آل عمران وقرئ بآلُف كأفُلس جمع. قال الخضيري: يتبع بعضهم بعضا. قالت كاملة الكواري: من أردفه: إذا أركبه وراءه، والمراد أن الله عز وجل أرسل الملائكة متتابعين. فائدة: قال الزجاج: قال سيبويه: الأصل مرتدفين. فأدغمت التاء في الدال فصارت مردفين. قلت ( عبدالرحيم ): ومثله في القرآن كثير كقوله ( بل ادارك علمهم في الآخرة ) : قال الراغب: أي : تدارك، فادغمت التاء في الدال.
وقوله ( اثاقلتم إلى الأرض ): قال الرازي: أصله: تثاقلتم. انتهي
_____ المصدر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير الجلالين مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي،تفسير البغوي، التفسير الكبير للرازي.
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) - الأنفال قوله «إذ يُغشِّيكم النعاس »: يلقي النعاس عليكم؛ كالغطاء. قاله الخضيري. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى : ( والليل إذا يغشى) :قال القرطبي: أي يغطي . قال مكي في الهداية: يلقى عليكم. فائدة:
قال قتادة: النعاس في الرأس ، والنوم في القلب .
وكان النعاس نعاسين : نعاس يوم بدر ، ونعاس يوم أحد . حكاه الشوكاني. قوله« أَمَنَةً »: الأمنة: الأمن. قاله مكي في المشكل وقال مكي ( في الهداية ): أمانا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم، وذلك يوم أحد أنزل الله، عز وجل، عليكم النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم أُحد. وقال غلام ثعلب: قال: الأمنه والأمان والأمن كله بمعنى واحد، وقد حكيت: إمن - بالكسر - والأول أفصح. قوله: « وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به»: قال الزجاج: كان المشركون قد نزلوا على الماء وسبقوا المسلمين، ونزل المسلمون في رمل تسوخ فيه الأرجل، وأصابت بعضهم الجنابة فوسوس لهم الشيطان بأن عدوهم يقدرون على الماء وهم لا يقدرون على الماء، وخيل إليهم أن ذلك عون من الله لعدوهم، فأمطر الله المكان الذي كانوا فيه فتطهروا من الماء، واستوت الأرض التي كانوا عليها حتى أمكن الوقوف فيها والتصرف. وهذا من آيات الله جل ثناؤه التي تدل على نبوة النبي ﷺ. انتهي قوله« رجز الشيطان»: أي كيده. قاله ابن قتيبة، ومكي. قال الزجاج: أي وساوسه وخطاياه. وقال مكي في الهداية: وساوسه. وقال ابن الهائم: : أي لطخه وتخويفه وما يدعو إليه من الكفر. وقيل: بل أراد برجز الشيطان: ما يدعو إليه من الكفر والبهتان والفساد. حكاه الراغب الأصفهاني. قالت كاملة الكواري: وسوسته التي ألقاها في قلوبكم. قال الخضيري: وساوسه وتخويفاته. قوله « ويثبت به الأقدام»: أي ويثبت بالماء الذي أنزله على الرمل حتى استوى، وجائز أن يكون زين به للربط على قلوبهم، فيكون المعنى : وليربط على قلوبكم ويثبت بالربط الأقدام. قاله الزجاج قوله « فثبتوا الذين آمنوا»: قال الزجاج: جائز أن يكون أنهم يثبتوهم بأشياء يلقونها في قلوبهم تقوى بها. وجائز أن يكونوا يرونهم مددا، فإذا عاينوا نصر الملائكة ثبتوا. انتهى قوله« فاضربوا فوق الأعناق»: أي الأعناق. قاله ابن قتيبة، ومكي. وقال الراغب الأصفهاني: أي رؤوسهم. وقال بيان الحق النيسابوري: أي: الرؤوس. وقيل: على الأعناق. انتهى وقال مكي في الهداية: أي: اضربوا الأعناق. يقال: ضربته على رأسه فوق رأسه بمعنىً. وقال أبو عبيدة( معمر بن المثنى ) : فوق بمعنى على، تقول: ضربته فوق الرأس، وضربته على الرأس. حكاه ابن الجوزي. قوله: « واضربوا منهم كل بنان»: البنان: أطراف الأصابع، وبلغة هذيل الجسد كله. حكاه عنه نافع بن الأزرق عن ابن عباس. وقال أبو عبيدة ( معمر بن المثنى) : وهى أطراف الأصابع. حكاه ابن الجوزي. قال ابن الهائم: أصابع. قال الزجاج: واحد البنان: بنانة، ومعناه ههنا الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء. كلام قيم: س: لما خص الله ذكر البنان؟ ج: قال الراغب الأصفهاني: خصّه لأجل أنهم بها تقاتل وتدافع. قيل: المراد أن يضربوهم كما شاؤوا، لأن ما فوق العنق هو الرأس، وهو أشرف الأعضاء، والبنان عبارة عن أضعف الأعضاء، فذكر الأشرف والأخس تنبيها على كل الأعضاء، ومنهم من قال: بل المراد إما القتل، وهو ضرب ما فوق الأعناق أو قطع البنان، لأن الأصابع هي الآلات في أخذ السيوف والرماح وسائر الأسلحة، فإذا قطع بنانهم عجزوا عن المحاربة. حكاه الرازي. وقال الفراء: علَّمَهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل. حكاه ابن الجوزي. قال مكي في الهداية: أي: اضربوا الأطراف من الأيدي والأرجل. والبنان: أطراف أصابع اليدين والرجلين. وقال نجم الدين النيسابوري: كل بنان: كل مفصل. وهو قول الضحاك. حكاه عنه مكي في الهداية. قال ابن الجوزي: والمعنى: أنه أباحهم قتلهم بكل نوع. قال الزجاج: أباحهم الله قتلهم بكل نوع في الحرب. وقال الفراء: علَّمَهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل. حكاه ابن الجوزي. _____ المصدر: مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، زاد المسير لابن الجوزي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير القرطبي، فتح القدير للشوكاني.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) ﴾ الأنفال قوله «ذلك »: العذاب الواقع بهم. قاله السيوطي. قال ابن الجوزي: إشارة إلى الضرب. قال السمرقندي: يعني: ذلك الضرب والقتل بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله. قوله «بأنهم شاقوا الله ورسوله»: خالفوا. قاله البغوي، والسيوطي، وغيرهما. وقال مكي: خالفوه. وقال الواحدي:باينوهما وخالفوهما. وقال ابن قتيبة: نابذوه وباينوه. قال الجصاص: ومعنى المحادة أن يصير كل واحد منهما في حد على وجه المفارقة وذلك يستحيل على الله تعالى. قال النحاس: أي خالفوا كأنهم صاروا في شق آخر. قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: حاربوا الله تعالى، وجانبوا دينه وطاعته. ويقال: شاقوا الله، أي صاروا في شق غير شق المؤمنين. وقال السمرقندي، ويحيى بن سلام: يعني عادوا الله ورسوله. وزاد السمرقندي: وخالفوا الله ورسوله. قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى قوله ( ولا يجرمنكم شقاقي ): قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: أي عداوتي. وقوله في الحشر( ذلك بأنهم شآقوا الله ورسوله ): قال يحيى بن سلام: عادوا الله ورسوله. وقوله ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول ): قال القرطبي: أي عادوه وخالفوه. انتهى والمعنى الإجمالي للآية: ذلك الذي حدث للكفار من ضَرْب رؤوسهم وأعناقهم وأطرافهم؛ بسبب مخالفتهم لأمر الله ورسوله، ومَن يخالف أمر الله ورسوله، فإن الله شديد العقاب له في الدنيا والآخرة. قوله «ذلكم»: أي هذا العذاب والضرب الذي عجلته لكم أيها الكفار ببدر. قاله البغوي. قوله «فذوقوه»: وهو المعجل من القتل والأسر على أن ذلك يسير بالإضافة إلى المؤجل لهم في الآخرة. قاله الرازي. قوله « وأن للكافرين عذاب النار »: أي واعلموا وأيقنوا أن للكافرين أجلا في المعاد. قاله البغوي. ______ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للنحاس، التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه ليحيى بن سلام، أحكام القرآن للجصاص، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، التفسير الكبير للرازي، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوجيز للواحدي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين،التفسير الميسر.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)) الأنفال قوله «زحفا»: أي مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون. قاله السيوطي. قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم، وأبو حيان: الزحف: تقارب القوم إلى القوم. إلا أن أبا بكر زاد: في الحرب. وقال نجم الدين النيسابوري: زحفا: قريبا، زحف القوم إلى القوم: دلفوا. قال البغوي: أي مجتمعين متزاحمين بعضكم إلى بعض. قال الزجاج: فالمعنى: إذا واقفتموهم للقتال. قال الشوكاني: الزحف: الدنو قليلا قليلا، وأصله: الاندفاع على الإلية، ثم سمي كل ماش في الحرب إلى آخر: زاحفا، والتزاحف: التداني والتقارب. قوله «فلا تولُّوهم الأدبار»: منهزمين. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): أي لا يفر وإن هُزِم وتحقق القتل؛ إذ يجب عليه البقاء في أرض القتال حتي يقتل أو ينصر، وليس له الفرار إلا للكرة. إذا لم يزد عدد الكفار على ضعف عدد المسلمين؛ قال ابن عباس: من فر من ثلاثة ، فلم يفر، ومن فر من اثنين فقد فر. قال ابن أبي شيبة بعد روايته عن ابن عباس: يعني من الزحف. قلت: اللهم إلا إن هجم العدو؛ فيجب قتاله ولو كان أضعاف المسلمين. انتهى قال البغوي: فلا تولوهم ظهوركم، أي تنهزموا فإن المنهزم يولي دبره. وقالت كاملة الكواري: فلا تفروا منهم وتعطوهم ظهوركم. قال الشوكاني: نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال، فظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن، وعلى كل حال إلا حالة التحرف والتحيز. نكته: روي عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي نضرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة وزيد بن أبي حبيب والضحاك: أن تحريم الفرار من الزحف في هذه الآية مختص بيوم بدر، وأن أهل بدر لم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لانحازوا إلى المشركين، إذ لم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم ولا لهم فئة إلا النبي ﷺ، فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض، وبه قال أبو حنيفة. حكاه الشوكاني. قوله «ومن يولهم يومئذ»: أي يوم لقائهم. قال السيوطي. قوله «دُبُرَهُ»: ظهره. قاله البغوي. قوله «إلا متحرفا»: منعطفا. قاله السيوطي. قال البغوي: أي منعطفا يرى من نفسه الانهزام، وقصده طلب الغرة وهو يريد الكرة. قال الشوكاني: التحرف من جانب إلى جانب في المعركة طلبا لمكايد الحرب وخدعا للعدو، وكمن يوهم أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه ويتمكن منه، ونحو ذلك من مكائد الحرب فإن الحرب خدعة. قوله «لقتال» بأن يريهم الغرَّة مكيدة وهو يريد الكرَّة. قال الخضيري: مظهرا الفرار؛ خدعة، ثم يكر. قوله «أو متحيزا» منضما. قاله السيوطي. قال ابن قتيبة: يقال: تحوزت وتحيزت. بالياء والواو. وهما من انحزت. قال نجم الدين النيسابوري: متحيزا: أي: ناحية يقوى به. وقال بيان الحق: طالب حيز يقوى به. قال البغوي: أي منعطفا يرى من نفسه الانهزام، وقصده طلب الغرة وهو يريد الكرة. قال الشوكاني: والمعنى: من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من الله إلا المتحرف والمتحيز. قوله «إلى فئة» جماعة من المسلمين يستنجد بها. قاله السيوطي. قال ابن قتيبة: و (الفئة) : الجماعة. وقال الشوكاني: إلى جماعة من المسلمين غير الجماعة المقابلة للعدو.
قال البغوي: أي منضما صائرا إلى جماعة من المؤمنين يريد العود إلى القتال.
قوله «فقد باء بغضب من الله»: أي رجع بغضب. قاله ابن قتيبة. المعنى الاجمالي للآية: ومعنى الآية النهي عن الانهزام من الكفار والتولي عنهم، إلا على نية التحرف للقتال والانضمام إلى جماعة من المسلمين ليستعين بهم ويعودون إلى القتال، فمن ولى ظهره لا على هذه النية لحقه الوعيد، كما قال تعالى: (فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير). قاله البغوي. ____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في بيان غريب لابن الهائم، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، معاني القرآن للزجاج، تفسير البغوي، فتح القدير للشوكاني، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير الجلالين،مصنف ابن أبي شيبة.
استدراك: قولي: ( اللهم إلا إن هجم العدو) . أعني: اللهم إلا إن هجم العدو على بلاد المسلمين. فيجب الثبات والدفاع، ولو كان الكفار أضعاف المسلمين. على ما هو مبين في موطنه. انتهى
( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ) الأنفال قوله «إن تستفتحوا»: أي تسألوا الفتح، وهو النصر. قاله ابن قتيبة، ومكي في المشكل. قال البغوي أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. قال الضحاك، وعكرمة: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. وقال قتادة: قد كانت بدر قضاء وعبرة لمن اعتبر. رواه عنهم الطبري. قال ابن الجوزي: أي تستنصروا وكان أبو جهل قال اللهم أنصر أينا أحب اليك فنزلت هذه الآية. قال مكي في الهداية: إن تستدعوا الله أن يحكم بينكم في ذلك ( فقد جآءكم الفتح)، أي: الحكم. قال الفراء: قال أبو جهل يومئذ: اللهم انصر أفضل الدينين وأحقه بالنصر، فقال الله تبارك وتعالى إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يعنى النصر. قالت كاملة الكواري: يخاطب المشركين: إن تطلبوا النصر على محمد -ﷺ، فقد جاءكم النصر، لكن عليكم، وهذا استهزاء بهم. قال الزجاج: أي إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. وقيل إنه قال: اللهم انصر أحب الفئتين إليك، فهذا يدل على أن معناه: إن تستنصروا. وكلا الوجهين جيد. مسألة: س: الخطاب في قوله ( إن تستحفحوا ) للمشركين، أم المسلمين؟ ج: قيل الخطاب للمؤمنين؛ وكان معناه: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر بالملائكة. وقيل: هم المشركون؛ فإن قلنا: هم المشركون احتمل وجهين. - أحدهما: إن تستنصروا فقد جاء النصر عليكم.
- والثاني: إن تستنصروا لأحب الفريقين إلى الله، فقد جاءكم النصر لأحب الفريقين.
أفاده ابن الجوزي. وقال مكي في الهداية: هذا خطاب للكفار، قالوا: اللهم انصر أحب الفريقين إليك.
قال السيوطي: أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم: اللهم أينا كان أقطع للرحمن وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه.
وقيل: ( إن تستفتحوا فقد جآءكم الفتح): للمؤمنين، وما بعده للكفار. حكاه مكي في الهداية. قوله «فقد جاءكم الفتح»: القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي ﷺ والمؤمنين. قال ابن قتيبة: وذلك أن أبا جهل قال: اللهم انصر أحب الدينين إليك. فنصر الله رسوله. قال بيان الحق النيسابوري: نزلت في المشركين استنصروا يوم بدر، وقالوا: من كان أقطعنا للرحم وأظلمنا فانصر عليهم. قوله «وإن تنتهوا فهو خير لكم »: أي إن تنتهوا عن الكفر بالله. قاله مكي في الهداية.
وقال السيوطي: عن الكفر والحرب.
قال البغوي: يقول للكفار، إن تنتهوا عن الكفر بالله وقتال نبيه ﷺ. قوله «وإن تعودوا»: لقتال النبي ﷺ. قاله السيوطي. قال الطبري: يقول وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال أتباعه. وعن ابن عباس: وإن تعودا إلى القتال، نعد إلى هزيمتكم. حكاه ابن الجوزي. وقال السدي: وإن تعودوا إلى الاستفتاح، نعد إلى الفتح لمحمد ﷺ. حكاه ابن الجوزي. قوله «نعد»: لنصره عليكم. قال الطبري: أي بمثل الواقعة التي أوقعت بكم يوم بدر. وبه قال البغوي. قال مكي: أي إن عدتم إلى القتال عدنا لمثل الوقعة التي أصابتكم يوم بدر. قوله «ولن تغني»: تدفع . قوله «عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت »: أي جماعاتكم. قاله البغوي، والسيوطي. قال مكي في الهداية: أي جنودكم وإن كانت كثيرة. قال الطبري: يعني جندهم وجماعتهم من المشركين. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ) الأنفال قوله «استجيبوا لله وللرسول»: أي استجيبوا لله وللرسول بالطاعة. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أجيبوا الله. وقال السيوطي: بالطاعة. قال الراغب: والاستجابة قيل: هي الإجابة، وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيؤ له، لكن عبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها. قال النحاس: أبو عبيدة ( معمر بن المثنى ) يذهب إلى أن معنى استجيبوا أجيبوا. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فليستجيبوا لي ): قال ابن قتيبة: أي يجيبوني، هذا قول أبي عبيدة. وقوله ( وقال: ادعوني أستجب لكم ): قال الطبري: يقول: أُجِب دعاءكم. وقوله ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ): قال الراغب الأصفهاني، وابن قتيبة: أي يجيبهم. وقوله (فاستجاب لهم ربهم ): قال الفراء: والمعنى، والله أعلم: فأجابهم ربهم. انتهى وقوله (والذين استجابوا لربهم ):قال معمر بن المثنى: أجابوا. وقال في موطن آخر: استجبت لك واستجبتك سواء وهو أجبت. قوله « لما يحييكم»: إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. قال مجاهد: للحق. رواه الطبري. وقال نجم الدين النيسابوري: لما يورثكم الحياة الدائمة في نعيم الآخرة. قال قتادة: هو هذا القرآن، فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. رواه الطبري. قال الزجاج: أي لما يكون سببا للحياة وهو العلم. وقال الفراء: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم إلى إحياء أمركم. قال القرطبي: وقال مجاهد والجمهور : المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي؛ ففيه الحياة الأبدية ، والنعمة السرمدية. وقيل: المراد بقوله لما يحييكم الجهاد ، فإنه سبب الحياة في الظاهر ، لأن العدو إذا لم يغز غزا؛ وفي غزوه الموت ، والموت في الجهاد الحياة الأبدية؛ قال الله عز وجل : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء. حكاه القرطبي. قال ابن قتيبة: أي إلى الجهاد الذي يحيي دينكم ويعليكم. قال القرطبي: والصحيح العموم كما قال الجمهور . قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: استجيبوا لله وللرسول بالطاعة، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. وذلك أن ذلك إذا كان معناه، كان داخلا فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد، والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن، وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب. أما في الدنيا، فبقاء الذكر الجميل، وذلك له فيه حياة. وأما في الآخرة فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها. انتهى قوله «واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه»: فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته. قاله السيوطي. قال مكي في الهداية: قال ابن جبير: يحول بين الكافر أن يؤمن، وبين المؤمن أن يكفر. وكذلك قال ابن عباس.
وقال ابن قتيبة. ومكي في المشكل: بين المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة.
قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: أي يملك عليه قلبه فيصرفه كيف شاء. وقال الجمل في معجمه: أي يلقي في قلب المرء ما يحجزه عن مراده وبغير عليه نيته. قال الواحدي: يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن إلا بإذنه ولا أن يكفر فالقلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء. قال البغوي: وقيل: هو أن القوم لما دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم فقيل لهم: قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمنا والجبن جرأة. قال الزجاج: أفأعلم الله جل ثناؤه أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدله بالخوف الأمن، ويبدل عدوهم بظنهم أنهم قادرون عليه الجبن والخور. قوله «وأنه إليه تُحشرون»: فيجزيكم بأعمالكم. قاله البغوي. _____ المصدر: التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، تأويل المشكل لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للفراء، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، الوجيز للواحدي، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، معاني القرآن للنحاس، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، زاد المسير لابن الجوزي، مخطوطة الجمل، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) ) الأنفال قوله «فرقانا»: يعني مخرجا بلغة هذيل. قاله عبدالله بن حسنون السامري. وكذا قال مجاهد، وعطاء، والضحاك، وابن قتيبة، وبيان الحق: أي مخرجا. وقال يحيى بن سلام، ومكي: يعني مخرجا في الدين من الشبهة والضلالة. قال النحاس: والفرقان في اللغة بمعنى الفرق يقال فرقت بين الشيئين فرقا وفرقانا. قال الفراء: يقول: فتحا ونصرا. وكذلك قوله يوم الفرقان يوم التقى الجمعان يوم الفتح والنصر. قال نجم الدين النيسابوري: هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل. قال السيوطي: بينكم وبين ما تخافون فتنجون. قوله «ليثبتوك»: يعني ليحبسوك بلغة قريش. قاله عبدالله بن حسنون السامري، والقاسم بن سلام. قال ابن عباس أي: ليوثقوك وليثقفوك. حكاه مكي في الهداية. فمعنى قوله ( ليثبتوك ): ليحبسوك. قاله عبدالرحمن بن زيد، وابن جريج، والسدي، وأبو بكر السجستاني، والفراء، وابن قتيبة، وابن الهائم. وزاد السدي: ويوثقوك. وقال مكي في المشكل: يحبسوك. وقال أبو بكر السجستاني: أي ليحبسوك. يقال: رماه فأثبته، إذا حبسه. ومريض مثبت: لا حركة به. قال الفراء: ليحبسوك في البيت. قال السيوطي: يوثقوك ويحبسوك. وقال نجم الدين النيسابوري، وبيان الحق: ليثبتوك: أي: في الوثاق، أو الحبس. قال ابن قتيبة: أي يحبسوك. ومنه يقال: فلان مثبت وجعا: إذا لم يقدر على الحركة. وكانوا أرادوا أن يحبسوه في بيت ويسدوا عليه بابه ويجعلوا له خرقا يدخل عليه منه طعامه وشرابه. أو يقتلوه بأجمعهم قتلة رجل واحد. أو ينفوه. قال النحاس: يقال أثبته إذا حبسته قال مجاهد أراد الكفار أن يفعلوا هذا النبي ﷺ قبل خروجه من مكة وقال غيره اجتموا فقالوا نحبسه في بيت ونطعمه ونسقيه فيه أو نقتله جميعا جميعا قتل رجل واحد أو نخرجه فتكون بليته على غيرنا فعصمه الله عز وجل منهم وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس ليثبتوك هي ليوثقوك. قوله «وإذا تُتلى عليهم آياتنا»: القرآن. قوله «قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا»: قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة. قاله السيوطي. قوله «إن»: بمعنى ما. قوله «هذا»: القرآن. وما قبله أفاده السيوطي. قوله «إلا أساطير الأولين»: كلام الأولين بلغة جرهم. قاله ابن حسنون السامري، والقاسم بن سلام. قال الزجاج: يعنون ما سطره الأولون من الأكاذيب. وقال مكي في الهداية: أي سطره الأولون وكتبوه من أخبار الأمم. وقال في موطن آخر: أي أحاديثهم. وقيل: أساجيع الأولين. وقيل: المعنى ما كتبه الأولون. قال ابن قتيبة: أخبارهم. وما سطر منها أي كتب. ومنه قوله: ( وما يسطرون ) أي يكتبون. قال أبو بكر السجستاني: أباطيل وترهات...ويقال: أساطير الأولين: ما سطره الأولون من الكتب. قال مكي : قال ابن جريج: كان النضر بن الحارث يختلف تاجرا إلى فارس، فيمر بالعباد وهم يقرأون الإنجيل ويركعون ويسجدون. فجاء مكة، فوجد محمدا ﷺ، قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد، فقال: (قد سمعنا )، مثل هذا ( لو نشآء لقلنا مثل هذا )، يعني: ما سمع من العباد. فائدة: قال أبو بكر السجستاني: واحدها أسطورة وإسطارة. وقال الزجاج: واحدتها أسطورة. قال الفراء: ولا أراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد. ____ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج،معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، التصاريف لتفسير القرآن ليحيى بن سلام، تفسير الجلالين.
( وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) ) الأنفال قوله «مكاء»: أي صفيرا. قاله أبو حيان. والمكاء: الصفير بلغة قريش. قاله عبدالله بن حسنون السامري، وأبو عبيد القاسم بن سلام. قال غلام ثعلب، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، ومكي: المكاء الصفير. قال ابن الهائم: المكاء: التّصفير. قال ابن قتيبة: يقال: مكا يمكو. ومنه قيل للطائر: مكاء لأنه يمكو. أي: يصفر. قال ابن عباس: المكاء: القُنْبَرة( طائر ) ، والتصدية: صوت العصافير وهو التصفيق، وذلك أن رسول الله ﷺ كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة. كان يصلي قائما بين الحجر وبين الركن اليماني، فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، فيصيح أحدهما كما تصيح المكاء، والآخر يصفق بيديه كتصدية العصافير ليفسد عليه صلاته. حكاه نافع ابن الأزرق لطيفة: قال الراغب الأصفهاني: فتسمية صلاتهم مكاء وتصدية تنبيه على إبطال صلاتهم، وأن فعلهم ذلك لا اعتداد به، بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدي. قلت ( عبدالرحيم ): قوله رحمه الله ( بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدي ): قلت: بل هم أضل، لقوله عنهم ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل )، ولأن ما يكون من العصافير وأشكالها من الطير في الواقع تسبيح لعموم قوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ): قال الحسن ، والضحاك: كل شيء فيه الروح. حكاه ابن كثير، وفي البخاري حديث ابن مسعود: ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. وقوله ( يا جبال أوبي معه والطير ): قال ابن جبير: سبحي معه. رواه الطبري. وقوله ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ): قال مجاهد: والصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق. رواه الطبري. انتهى قوله «وتصدية»: تصفيقا أي جعلوا ذلك موضع صلاتهم التي أمروا بها. قاله السيوطي. والتصدية: التصفيق. بلغة قريش. قاله عبدالله بن حسنون السامري. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أي تصفيق بالأكف، قال: تصدية بالكف أي تصفيق، التصفيق والتصفيح والتصدية شيء واحد. قال غلام ثعلب، وابن قتيبة، ومكي: التصدية: التصفيق. وزاد ابن قتيبة: يقال: صدى إذا صفق بيده. قال الزجاج: فالمكاء الصفير، والتصدية التصفيق. قال أبو بكر السجستاني: مكاء وتصدية: صفيرا وتصفيقا. قال ابن الهائم: هي التّصفيق، وهو أن يضرب بإحدى يديه على الأخرى فيخرج بينهما صوت. قال النحاس: وروى ابن أبي جريج وابن ابي نجيح أنه قال المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواهم، والتصدية الصفير يريدون ان يشغلوا بذلك محمدا ﷺ عن الصلاة. ____ المصدر: مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله ابن عباس، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري.
( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) ) الأنفال قوله « لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ »: أي يفصل. قاله السيوطي. وقال أبوحيان: ليخلص. قال البغوي: يعني الكافر من المؤمن فينزل المؤمن الجنان والكافر النيران. قال الواحدي: أي: إنما تحشرون إلى جهنم ليميز بين أهل الشقاوة وأهل السعادة. وقال الزجاج: أي ليميز ما أنفقه المؤمنون في طاعة الله مما أنفقه المشركون في معصية الله. قوله « الْخَبِيثَ »: أي: الكافر؛ وهو اسم الجنس. قاله الواحدي. قوله « مِنَ الطَّيِّبِ »: المؤمن. قوله « ويجعل الخبيث بعضه على بعض»: أي: فوق بعض. قاله البغوي. قال مكي: المعنى: إن الله عز وجل، يحشرهم ليميز الخبيث من الطيب، أي: أهل السعادة من أهل الشقاء. وقيل: المؤمن من الكافر، فيجعل الخبيث بعضه على بعض. (أي: يجعل الكافر بعضهم على بعض، أي: فوق بعض). قوله « فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا »: يجمعه متراكما بعضه على بعض. قاله السيوطي. قال ابن قتيبة: أي يجعله ركاما بعضه فوق بعض. وقال ابن الهائم: أي يجمعه بعضه فوق بعض. وقال الواحدي: يلحق بعضهم ببعض. قلت كاملة الكواري: فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكم. قال مكي: أي يجمعه بعضه إلى بعض. و الركام : المجتمع. قال البغوي: أي يجمعه ومنه السحاب المركوم، وهو المجتمع الكثيف، فيجعله في جهنم. وقال الواحدي: أي يجمعه حتى يصير كالسحاب المركوم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ): قال ابن قتيبة: أي ركام بعضه على بعض. قوله « قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا »: عن الكفر وقتال النبي ﷺ . قاله السيوطي. وقال الواحدي: عن الشرك وقتال المؤمنين. قوله « يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ »: أي: ما تقدم؛ من كفرهم وصدهم عن سبيل الله، وقتالهم النبي وأصحابه، وكذا ما تقدم من جميع ذنوبهم. قال الواحدي: تقدم من الزنا والشرك لأن الحربي إذا أسلم عاد كمثله يوم ولدته أمه. قوله « وَإِنْ يَعُودُوا »: لقتال محمد. قاله ابن أبي زمنين قال مكي: أي إلى ما نهوا عنه من الصد عن سبيل الله عز وجل، والكفر بآيات الله سبحانه، وإلى مثل قتالك يوم بدر. قوله « فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ »: أي سنتنا فيهم بالإهلاك فكذا نفعل بهم. قاله السيوطي. قال الحسن، ومجاهد، والسدي: وإن يعودوا إلى المحاربة فقد مضت سنة الأولين فيمن قتل يوم بدر وأسر. حكاه الماوردي. قال ابن أبي زمنين: بالقتل والاستئصال في قريش يوم بدر، وفي غيرهم من الأولين. وقال البغوي: في نصر الله أنبياءه وإهلاك أعدائه. وقال الواحدي: بنصر الله رسله ومن آمن على من كفر. قال القرطبي: عبارة تجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله. ____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، النكت والعيون للماوردي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوجيز للواحدي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، تفسير القرطبي.
( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) ) الأنفال قوله «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ»: أي شرك. قاله الشافعي، والطبري، والسمرقندي، ومكي، وابن الجوزي، وغيرهم. قال يحيى بن سلام: يعني حتى يذهب الشرك. وقال عبدالرحمن بن زيد، والجرجاني، والقرطبي: كفر. وقال نجم الدين النيسابوري: أي: كفر؛ لأنهم يدعون الناس إلى مثل حالهم فيفتنونهم. قال الزجاج: أي حتى لا يفتن الناس فتنة كفر. قال النحاس: ودل على هذا الحذف قوله تعالى ( ويكون الدين كله لله ). قلت ( عبدالرحيم ): فمن معاني الفتنة في الكتاب: الشرك، والكفر؛ فمما جاء في معنى الشرك قوله تعالى في البقرة ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ):أي شرك. حكاه النحاس عن ابن عباس. وبه قال مجاهد، وقتادة، ومقاتل، وسفيان الثوري، والواحدي، وابن أبي زمنين، وابن قتيبة، ومكي، وابن الجوزي، وغيرهم. وقال يحيى بن سلام: يعني حتى لا يكون شرك. وقوله ( يبغونكم الفتنة ): قال ابن قتيبة: يعني الشرك.
وقوله ( والفتنة أشد من القتل ): قال ابن قتيبة: يقول: الشرك أشد من القتل في الحرم. وقال يحيى بن سلام: يعني الشرك أعظم جرما عند الله من القتل في الشهر الحرام. قلت: وهذا بخلاف ما يتوهمه البعض من أن معنى قوله ( والفتنة أشد من القتل ): نقل الحديث لإفساد ذات البين كالنميمة، وإلا فجرم القتل أعظم، وأشد من النميمة ولاريب، ألا ترى إلى قول الله (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا )، وقال (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) . ومن معاني الفتنة: الكفر كما في قوله في آل عمران ( ابتغاء الفتنة ):قال ابن قتيبة: أي الكفر. وقوله في الأحزاب ( ثم سئلوا الفتنة لآتوها ): أي الكفر.- أي أعطوا ذلك من أراده. قاله ابن قتيبة. وقوله في براءة: ( لقد ابتغوا الفتنة من قبل ): قال يحيى بن سلام: يعني الكفر. وقال مقاتل: الشرك. حكاه ابن الجوزي. وقال في نفس السورة ( ألا في الفتنة سقطوا ): قال يحيى بن سلام: يعني في الكفر وقعوا. وقال في سورة النور: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ): قال يحيى بن سلام: يعني الكفر. وقال في الحديد ( ولكنكم فتنتم أنفسكم ): قال البغوي: أهلكتموها بالنفاق والكفر. وقال يحيى بن سلام: يعني كفرتم. وقال مجاهد: النفاق. رواه الطبري. أفاده يحيى بن سلام في التصاريف. قوله «ويكون الدِّين كله لله»: أي: ويكون الدين خالصا لله لا شرك فيه. قاله البغوي. قال الواحدي: لا يكون مع دينكم كفر في جزيرة العرب. قال نجم الدين : الطاعة بالعبادة. قوله «فإن انتهوا»: عن الكفر. قاله البغوي. وقال ابن الجوزي: عن الكفر والقتال. وقال الواحدي : عن الشرك. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير مجاهد، تفسير مقاتل، تفسير الشافعي، تفسير عبدالرزاق، تفسير السمرقندي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، درج الدرر للجرجاني، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، الهداية الى بلوغ النهاية لمكي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) ) الأنفال قوله «إذ أنتم»: أي إذ أنتم نزول يا معشر المسلمين. قاله البغوي. قوله «بالعُدوة » : شفير الوادي. قاله ابن جزي الغرناطي، وابن قتيبة، وبيان الحق، ونجم الدين النيسابوري. قال أبوبكر السجستاني، وابن الهائم: العِدوة، والعُدوة، بكسر العين وضمها: شاطئ الوادي. والدّنيا والقصوى: تأنيث الأدنى والأقصى. قال النحاس: قال قتادة العدوة شفير الوادي وكذلك هو في اللغة. قال الفراء: والعدوة: شاطئ الوادي الدنيا مما يلى المدينة. فائدة: معنى شفير الوادي: حرفه وجانبه - وقيل: ناحيه العليا- وقيل: ناصيته من أعلاه. قال الزبيدي: الشفير من الوادي : حرفه وجانبه ومنه شفير جهنم ، أعاذنا الله تعالى منها . قال النسفي: وشفر كل شيء حرفه وكذلك شفيره ومنه شفير الوادي. قال الحميري: شفير الوادي: حرفه، وكذلك النهر وغيرهما. وفي معجم اللغة العربية المعاصرة شفير الوادي: ناصيته من أعلاه. قوله «الدنيا»: القربى من المدينة وهى بضم العين وكسرها جانب الوادي. قال ابن جزي: القريبة من المدينة. قال غلام ثعلب: جانب الوادي مما يلي الناس. قال النحاس: التي تلي المدينة. قال البغوي: أي: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة، والدنيا. تأنيث الأدنى. وقال الواحدي: نزول بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة وعدوكم نزول بشفير الوادي الأقصى إلى مكة. قال الزجاج: أي الدنيا منكم، والعدوة شفير الوادي، يقال: عدوة، وعدوة. وعدى الوادي مقصور، فالمعنى إذ أنتم بالعدوة الدنيا، أي بشفير الوادي؛ الذي يلي المدينة. قال معمر بن المثنى: عدى الوادي أي ملطاط شفيره والملطاط والعدى حافتا الوادي من جانبيه، بمنزلة رجا البئر من أسفل، ويقال: ألزم هذا الملطاط. انتهى ( قال الزبيدي في التاج: واللطاط، بالكسر: شفير الوادي ) . قوله «وهم»: يعني عدوكم من المشركين. قاله البغوي. قوله «بالعدوة القصوى»: البعيدة قاله ابن جزي، وغلام ثعلب. وزاد: من الناس. قال الراغب: أي الجانب المتجاوز للقرب. قال البغوي: بشفير الوادي الأقصى من المدينة، والقصوى تأنيث الأقصى. قال الفراء: مما يلي مكة. قال النحاس: التي تلي مكة قال الزجاج: بشفير الوادي الذي يلي مكة. قال مكي: والمعنى: إذ أنتم نزول شفير الوادي الأدنى إلى المدينة، وعدوكم بشفير الوادي الأقصى إلى مكة. قال ابن عطية: وفي حرف ابن مسعود «إذ أنتم بالعدوة العليا وهم بالعدوة السفلى» قوله «والركب»: أبو سفيان وأصحابه. قاله الواحدي، ونجم الدين النيسابوري. وزاد الواحدي: وهم أصحاب الإبل يعني: العير. قال البغوي: يعني العير؛ يريد أبا سفيان وأصحابه. قال النحاس: قال قتادة يعني العير التي كانت مع أبي سفيان. قال الفراء: يعني أبا سفيان والعير. قال الزجاج: العير التي كان فيها أبو سفيان على شاطئ البحر. فأعلم الله جل وعز أن نصر المؤمنين وهم في هذا الموضع فرقان. قوله «أسفل منكم» مما يلي البحر. قاله السيوطي. وقال الواحدي: إلى ساحل البحر. قال البغوي: أي في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر، على ثلاثة أميال من بدر. قال مكي: أي والعير التي فيها أبو سفيان وأصحابه أسفل منكم إلى ساحر البحر. ولا يقال: ركب إلا للذين على الإبل. قال ابن جزي الغرناطي: يعني العير التي كان فيها أبو سفيان، وكان قد نكب عن الطريق خوفا من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان جمع قريش المشركين قد حال بين المسلمين وبين العير. قال الفراء: كانوا على شاطئ البحر. قوله «ولو تواعدتم»: أنتم والنفير للقتال. قاله السيوطي. وقال الواحدي: للقتال. قوله «لاختلفتم في الميعاد »: لتأخرتم فنقضتم الميعاد لكثرتهم وقلتكم. قاله الواحدي. قال ابن جزي: أي لو تواعدتم مع قريش ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لاختلفتم ولم تجتمعوا معهم، أو لو تواعدتم لم يتفق اجتماعكم مثل ما اتفق بتيسير الله ولطفه. قال البغوي: وذلك أن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها، فالتقوا على غير ميعاد، فقال تعالى:( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد )، لقلتكم وكثرة عدوكم. قوله «ولكن»: جمعكم الله من غير ميعاد. قاله الواحدي. قال البغوي: الله جمعكم على غير ميعاد. قوله «ليقضى الله أمرا كان مفعولا» في علمه وهو نصر الإسلام وَمَحْقُ الكفر فعل ذلك. وقال الواحدي: في علمه وحكمه من نصر النبي ﷺ والمؤمنين. قال البغوي: من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه. قوله «ليهلك» يكفر. قوله «من هلك عن بينةٍ»: أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير. قال ابن جزي: أي يموت من مات ببدر عن إعذار وإقامة الحجة عليه، ويعيش من عاش بعد البيان له، وقيل: ليهلك من يكفر ويحيى من يؤمن. قال البغوي: أي ليموت من يموت على بينة رآها وعبرة عاينها وحجة قامت عليه. قوله «ويحيى» يؤمن. قاله السيوطي. وقال البغوي: ويعيش من يعيش على بينة. وقال محمد بن إسحاق: معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، فالهلاك هو الكفر، والحياة هي الإيمان. وقال قتادة: ليضل من ضل عن بينة، ويهدي من اهتدى على بينة. حكاه البغوي. قوله «من حيَّ عن بينة»: جعل الله عز وجل القاصد للحق بمنزلة الحي، وجعل الضال بمنزلة الهالك. قاله الزجاج. قال الواحدي: أي فعل ذلك ليضل ويكفر من كفر من بعد حجة قامت عليه وقطعت عذره ويؤمن من آمن على مثل ذلك وأراد بالبينة نصرة المؤمنين مع قلتهم على ذلك الجمع الكثير مع كثرتهم وشوكتهم. قال أبو حيان في البحر: قال الزمخشري: (فإن قلت) : ما فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين وأن العير كانت أسفل منهم (قلت) : الفائدة فيه الإخبار عن الحالة الدالة على قوة شأن العدو وشوكته وتكامل عدته وتمهد أسباب الغلبة له وضعف شأن المسلمين وشتات أمرهم وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعا من الله تعالى ودليل على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله تعالى وقوته وباهر قدرته، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فيها إلا بتعب ومشقة وكانت العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم وتشحذ في المقاتلة عنها نياتهم ولهذا كانت العرب تخرج إلى الحرب بظعنهم وأموالهم ليبعثهم الذب عن الحرم والغيرة على الحرم على بذل تجهيداتهم في القتال أن لا يتركوا وراءهم ما يحدثون أنفسهم بالانحياز إليه فيجمع ذلك قلوبهم ويضبط هممهم ويوطن نفوسهم على أن لا يبرحوا مواطئهم ولا يخلو مراكزهم ويبذلوا منتهى نجدتهم وقصارى شدتهم وفيه تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر انتهى، وهو كلام حسن. وقال ابن عطية: كان الركب ومدبر أمره أبو سفيان قد نكب عن بدر حين ندر بالنبي ﷺ وأخذ سيف البحر فهو أسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي من حيث يأتي. قوله «وإن الله لسميع عليم»: فيها إثبات صفة السمع على ما يليق به تبارك وتعالى. المعنى الإجمالي للآية: واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي الأقرب إلى "المدينة"، وعدوكم نازل بجانب الوادي الأقصى، وعِير التجارة في مكان أسفل منكم إلى ساحل "البحر الأحمر"، ولو حاولتم أن تضعوا موعدًا لهذا اللقاء لاختلفتم، ولكنَّ الله جمعكم على غير ميعاد؛ ليقضي أمرًا كان مفعولا بنصر أوليائه، وخِذْلان أعدائه بالقتل والأسر؛ وذلك ليهلك من هلك منهم عن حجة لله ثبتت له فعاينها وقطعت عذره، وليحيا مَن حيَّ عن حجة لله قد ثبتت وظهرت له. وإن الله لسميع لأقوال الفريقين، لا يخفى عليه شيء، عليم بنيَّاتهم. ____ المصدر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، البحر المحيط لأبي حيان، معاني القرآن للفراء، المحرر الوجيز لابن عطية، السهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، تفسير البغوي، تفسير الجلالين، التفسير الميسر، تاج العروس للزبيدي، طلبة الطلبة للنسفي، شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري، معجم اللغة العربية المعاصرة.
( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) ) الأنفال قوله « ولا تنازعوا»: تختلفوا فيما بينكم . قاله السيوطي. قال الواحدي: ولا تختلفوا. قال الرازي: بين تعالى أن النزاع يوجب أمرين: أحدهما: أنه يوجب حصول الفشل والضعف. قوله «فتفشلوا»: تجبنوا. قاله أبو بكر السجستاني، والواحدي، والبغوي، وابن الهائم، والنسفي، والسيوطي. وزاد البغوي: وتضعفوا. وقال النسفي: فتجبنوا. قوله «وتذهب ريحكم»: أي دولتكم. قاله ابن قتيبة، والتستري، وأبو بكر السجستاني، والأخفش، وبيان الحق النيسابوري، وأبو البركات النسفي، وابن الهائم، وغيرهم. قال الزمخشري: والريح: الدولة، شبهت في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها، فقيل: هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره. قال صديق حسن خان: والمختار أن الريح يطلق ويراد به القوة والغلبة والرحمة والنصرة والدولة. قال ابن قتيبة: يقال هبت له ريح النصر. إذا كانت له الدولة. ويقال: الريح له اليوم. يراد له الدولة. قال الواحدي: جَلَدُكم وجرأتكم ودولتكم. قال السمرقندي: وقال الأخفش: يعني دولتكم. وقال قتادة: الريح الحرب، وأصله في اللغة: تستعمل في الدولة، ويقال: الريح له اليوم، يراد به الدولة. قال القاسمي: أي قوتكم وغلبتكم، ونصرتكم ودولتكم. وقال السيوطي: قوتكم ودولتكم. قال مكي: أي قوتكم وبأسكم ودولتكم، فتضعفوا. قال الزجاج: معناه تذهب صولتكم وقوتكم، ويقال في الأول: الريح مع فلان، أي الدولة. قال النحاس: قال مجاهد أي نصركم وقال معمر عن قتادة أي ريح الحرب والمعروف في اللغة انه يقال ذهبت ريحهم أي دولتهم. وقال مجاهد: نصرتكم. وقال السدي: جراءتكم وجدكم. وقال مقاتل بن حيان: حدتكم. وقال النضر بن شميل: قوتكم. حكاه عنهم البغوي. وحكى التبريزي: هيبتكم. قاله أبو حيان. قال البغوي: والريح ها هنا كناية عن نفاذ الأمر وجريانه على المراد، تقول العرب: هبت ريح فلان إذا أقبل أمره على ما يريد. قال قتادة وابن زيد: هو ريح النصر لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله عز وجل تضرب وجوه العدو. انتهى وقال غلام ثعلب: الريح الغلبة. نكتة: قال ابن عطية : قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن بشرط أن يعلم العدو بالتنازع، وإذا لم يعلم فالذاهب قوة المتنازعين فينهزمون. قوله«واصبروا»: أي اصبروا مع نبي الله عز وجل، عند لقاء عدوكم. قاله مكي. قوله « إن الله مع الصابرين»: أي معكم. قاله مكي. وقال السيوطي: بالنصر والعون. قال القشيري: الموافقة بين المسلمين أصل الدين. وأول الفساد ورأس الزلل الاختلاف. وكما تجب الموافقة في الدين والعقيدة تجب الموافقة في الرأي والعزيمة. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، البحر المحيط لأبي حيان، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، المحرر الوجيز لابن عطية، الكشاف للزمخشري، الوجيز للواحدي، لطائف الإشارات للقشيري، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير التستري، التفسير الكبير للرازي، تفسير النسفي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) الانفال قوله «وإذ»: قال الزجاج: موضع ( إذ ) نصب، المعنى: اذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم. قوله « زين لهم الشيطان أعمالهم »: يعني مسيرهم. ومعناه: أن خروجهم لما كان للشيطان، زين لهم الشيطان أعمالهم. قاله التستري. تنبيه: ذهب الحسن إلى أنه لم يتمثل الشيطان بالتزيين لهم؛ كما اشتهر في كتب التفسير، اللهم إلا إن ثبت الأثر عن ابن عباس فله حكم الرفع؛ وإنما كان وسوسة. حكاه عن الحسن الزمخشري، والرازي، وحكاه أيضا عن الأصم. انتهى قوله « وإني جار لكم»: يعني: معين لكم. قاله التستري قال الواحدي في البسيط: ومعنى الجار هاهنا: الدافع عن صاحبه الشر كما يدفع الجار عن جاره، والعرب تقول: أنا جار لك من فلان، أي: حافظ لك من معرّته فلا يصل إليك منه مكروه. قوله «فلما تراءت»: التقى الجمعان. حكاه الواحدي عن ابن عباس. قوله «الفئتان»: المسلمة والكافرة. قاله البغوي. قال الزجاج: توافقتا حتى رأت كل واحدة الأخرى، فبصر إبليس بالملائكة تنزل من السماء فنكص على عقبيه وقال إني بريء منكم: وذلك أنه عنف لهربه. قوله «نكص»: رجع. بلغة سليم. قاله القاسم بن سلام، والقرطبي. قال ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وابن الهائم، والنحاس، ونجم الدين النيسابوري، وبيان الحق: أي رجع القهقرى. وزاد نجم الدين: ذليلا. وزاد بيان الحق: ذليلا خاسئا. قلت( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى «فكنتم على أعقابكم تنكصون»: قال ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وابن الهائم : أي ترجعون القهقرى. وزاد ابن الهائم: يعني إلى الخلف. انتهى وقال الضحاك: ولى مدبرا. حكاه البغوي. قال الزجاج: ومعنى نكص رجع بخزي. وقال معمر بن المثنى: رجع من حيث جاء. وقال غلام ثعلب: أي مشى إلى خلفه منهزما. وقال الواحدي: رجع مولياً. قال الراغب: النكوص: الإحجام عن الشيء. وقال النضر بن شميل: رجع القهقرى على قفاه هاربا. حكاه البغوي. قال الخضيري: رجع مدبرا. قالت كاملة الكواري: لما رأى الشيطان الملائكة رجع وولى هاربا. قال معمر بن المثنى: يقال لمن رجع من حيث جاء: نكص فلان على عقبيه. قال الزمخشري: أي بطل كيده حين نزلت جنود الله وكذا عن الحسن رحمه الله: كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم. قال الفراء: وقوله وإني جار لكم من قومي بني كنانة ألا يعرضوا لكم، وأن يكونوا معكم على محمد (ﷺ) فلما عاين الملائكة عرفهم ف «نكص على عقبيه». انتهى قوله «إني أرى ما لا ترون»: من الملائكة. قاله السيوطي. قال الطبري: وذلك حين رأى الملائكة. قال ابن الجوزي: رجع لما رأى الملائكة خاف أن تقوم القيامة فنسي انظاره. قلت (عبدالرحيم ): يشير - رحمه الله - إلى قوله تعالى ( قال أنظرني إلى يوم يبعثون ). انتهى ____ لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير التستري، الكشاف للزمخشري، البسيط للواحدي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، الوجيز للواحدي، تفسير الجلالين.
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [57] وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [58] وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ [59] الأنفال
فائدة:
قوله تعالى(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ) قيل هي ناسخة لقوله جل وعز (فإما منا بعد إما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ) وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، قالوا: لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء. وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة.
حكاه البغوي
قال الطبري: والصواب من القول عندنا في ذلك أن هذه الآية محكمة غير منسوخة.
قوله «فإما»: فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة.
قاله السيوطي.
قوله «تثقفنَّهم»: أي تظفر بهم.
قاله ابن قتيبة، ومكي.
قال بيان الحق :تجدنهم، وأصله: إدراك الشيء والأخذ منه، ومنه تثقيف
السهام.
قال الواحدي: فإن أدركتهم في القتال وأسرتهم.
قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: تظفرّن بهم.
قال السيوطي: تجدنهم.
قالت كاملة الكواري: ثقفه أي: أدركه وظفر به، أي: فإن وجدتهم وظفرت بهم في حرب أي انتصرت عليهم.
قال السمرقندي: إن تظفر بهم في الحرب، يعني: في القتال، ويقال: إن أدركتهم في القتال.
قلت ( عبدالرحيم ) : ومنه قوله تعالى
( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) : قال نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس : يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عز وجل : حيث ثقفتموهم.
قال: حيث وجدتموهم. وقال أبو بكر السجستاني: وجدتموهم ، وظفرتم بهم. انتهى
قوله « فشرِّد»: أي فنكل بهم بلغة جرهم.
قاله عبدالله بن حسنون السامري، والقاسم بن سلام.
قال أبو حيان: طرّد، وبلغة قريش سمع.
قال بيان الحق: نكل بهم تنكيلا يشرد غيرهم ويخوفهم.
قال السيوطي: فرق.
قال مكي في الهداية: أي: نكل بهم، ليحذر من خلفهم ممن بينك وبينه عهد.
قال النحاس، ومكي: والتشريد في اللغة التبديد والتفريق.
وزاد مكي: التطريد.
قال ابن قتيبة: أي افعل بهم فعلا من العقوبة والتنكيل يتفرق بهم من وراءهم من أعدائك. ويقال: شرد بهم سمع بهم بلغة قريش.
قال مكي في الهداية: فأُمر بذلك ﷺ ليكون أدبا لغيرهم، فلا يجترئوا على مثل ما فعله هؤلاء من نقض العهد.
قال ابن الهائم: طرّد بهم من وراءهم من أعدائك أي افعل بهم فعلا من القتل يفرّق بهم من وراءهم. ويقال: شرّد بهم: سمّع بهم بلغة قريش.
قال الراغب الأصفهاني: أي: اجعلهم نكالا لمن يعرض لك بعدهم، وقيل: فلان طريد شريد.
قال السمرقندي: فشرد بهم يقول نكل بهم في العقوبة من خلفهم، يعني: ليتعظ بهم من بعدهم الذي بينك وبينهم عهد، ويقال: افعل بهم فعلا من العقوبة والتنكيل يفرق به من وراءهم من أعدائك.
قال البغوي: قال ابن عباس: فنكل بهم من ورائهم. وقال سعيد بن جبير: أنذر بهم من خلفهم. وأصل التشريد: التفريق والتبديد، معناه فرق بهم جمع كل ناقض، أي: افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك وجاءوا لحربك فعلا من القتل والتنكيل، يفرق منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن.
قال الخضيري: أنزل بهم عذابا يخوف من وراءهم.
قال الزمخشري: حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد، اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم.
قوله «بهم من خلفهم»: من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة .
قال الإيجي الشافعي: يعني: غلظ عقوبتهم ليكون عبرة لغيرهم.
قال الفراء: يريد: إن أسرتهم يا محمد فنكل بهم من خلفهم ممن تخاف نقضه للعهد فشرد بهم.
قوله «لعلَّهم»: أي الذين خلفهم.
قوله «يذَّكرون»: يتعظون بهم.
قال مكي: أي يتعظون إذا رأوا ما صنع بمن نقض العهد.
قال الواحدي: فافعل بهم فعلا من التنكيل والعقوبة يفرق به جمع كل ناقض عهد فيعتبروا بما فعلت بهؤلاء فلا ينقضوا العهد فذلك قوله تعالى: ( لعلهم يذكرون ).
قوله «وإما تخافن من قوم»: أي وإن علمت من قوم عاهدوك نقضا للعهد، وليس بمجرد الظن فاطرح عهدهم.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: معنى ( تخافن ): توقنن.
فقال ( ما نصه) : وإما توقنن منهم خيانة أي غدرا، وخلافا وغشا، ونحو ذلك.
قال الواحدي: تعلمن من قوم.
قال الزمخشري: وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخباراً مكشوفا بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم، ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك.
قال مكي في الهداية: والخوف هنا: ظهور ما يتيقن منهم من إتيان الغدر، وليس هو الظن.
قلت ( عبدالرحيم ): فمن أراد أن يعلم الإسلام وسمو دين الله عز وجل فليقرأ هذه الآية، وما به من أخلاق يعجز البشر أن يأتوا بمثلها وإن زعم المنافقون من بني جلدتنا، وما تحمله هذه الآية من معان من ترك الظنون وغيرها، فإذا كان الله قد أمر نبيه ألا ينقض عهد عدوه لمجرد ظن، فما بال أقوام يؤاخذون إخوانهم المسلمين بهذه الظنون التي قال فيها رسول الله ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) رواه البخاري - ؛ فها هو ابن الخطاب يتوعده المجوسي، لما قال له عمر: فإني سمعتك أنك تصنع الرحى (أداة يُطحن بها ) فالتفت ( المجوسي ) إليه عابسا، فقال له المجوسي مهددا: إني أعمل لك رحى يتحدث بها الناس بين المشرق والمغرب. فقال العبقري: توعدني العبد. فلم يلبث بعد ذلك إلا أن قتله المجوسي. وقد كان عمر قادرا أن يبطش به، ولم يتخذ أدنى ما تعارف الناس عليه اليوم ( اشتباه ) فما الظن إذا وجهت هذ الكلمات لمن يملك ولاية؟. وقد كان عمر يملك الدنيا، ولكنه رضي الله عنه يفقه معنى الإسلام.
قوله «خيانة»: في عهد بأمارةٍ تلوح لك.
قال السمرقندي: وسمي ناقض العهد خائنا، لأنه اؤتمن بالعهد فغدر ونكث.
قوله «فانبذ إليهم »: اطرح عهدهم.
قاله السيوطي.
قال بيان الحق: فألق إليهم حديث الحرب.
قال مكي: أي حاربهم وأعلمهم قبل إتيانك لحربهم أنك فسخت عهدهم، لما كان منهم من أمارة نقض العهد، وإتيان الغدر والخيانة منهم، فيستوي علمك وعلمهم في الحرب.
قال الزجاج: أي انبذ عهدهم الذي عاهدتهم عليه أي ارم به. على سواء، أي لتكون وهم سواء في العداوة.
قال السمرقندي: فأعلمهم بأنك قد نقضت العهد، وأعلمهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على سواء.
قالت كاملة الكواري: أي ارمه عليهم وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم.
قال ابن قتيبة: ألق إليهم نقضك العهد لتكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء.
قال السيوطي: مستويا أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به لئلا يتهموك بالغدر.
قال الخضيري: لتكونوا وإياهم مستوين في العلم بطرحه.
قوله « على سواء»: أي مستويا أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به لئلا يتهموك بالغدر.
قال الإيجي الشافعي :أي ثابتًا على طريق مستو متوسط، بأن تخبرهم أنك قطعت العهد الذي بينك وبينهم، فلا يكونون على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك.
قال بيان الحق: على استواء في العلم منك ومنهم.
قال مكي في الهداية: جهرا لا سرا.
قال الواحدي: أي: انبذ عهدهم الذي عاهدتهم عليه لتكون أنت وهم سواء في العداوة فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب أي: أعلمهم أنك نقضت عهدهم لئلا يتوهموا بك الغدر.
وقال الفراء المعنى: افعل بهم كما يفعلون سواء.
حكاه مكي.
قالت كاملة الكواري: أي حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم، أو تسعى في شيء مما منعه موجب العهد حتى تخبرهم بذلك.
قال الكسائي: ( على سوآء): على عدل، أي: تعدل بأن يستوي علمك وعلمهم.
قال الراغب: أي: عدل من الحكم.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ):قال أبو بكر السجستاني: أي عدل ونصفه.
قوله « إن الله لا يحب الخائنين»: أي الذين يخونون في عهدهم وغيره.
قاله الزجاج.
قال مكي: أي: من خان عهدا، أو نقض عهدا.
ونزل فيمن أفلت يوم بدر «ولا تحسبنَّ»: بكسر السين بلغة قريش وهي لغة النبي ﷺ وبفتح السين بلغة تميم.
قاله عبدالله بن حسنون السامري.
وقال القاسم بن سلام: وبفتح السين لغة جرهم.
قوله « سبقوا»: الله. أي فاتوه.
قال ابن الجوزي: أي فاتوا وهم المنهزمون يوم بدر.
قال مكي: أي لا يفوتون.
قالت كاملة الكواري: أفلتوا ( من بدر ) من القتل أو نجوا من الأسر.
قال ابن قتيبة: أي فاتوا.
قال الواحدي: وذلك أن من أفلت من حرب بدر من الكفار خافوا أن ينزل بهم هلكة في الوقت فلما لم ينزل طغوا وبغوا فقال الله: لا تحسبنهم سبقونا بسلامتهم الآن
فـ ( إنهم لا يعجزون ) نا. ولا يفوتوننا فيما يستقبلون من الأوقات.
قوله «إنهم لا يعجزون»: لا يفوتونه وفي قراءة بالتحتانية فالمفعول الأول محذوف أي أنفسهم وفي أخرى بفتح إن على تقدير اللام. قاله السيوطي. ______ جامع البيان للإيجي الشافعي، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق، تفسير السمرقندي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، الوجيز للواحدي، الكشاف للزمخشري، تفسير الجلالين، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) الأنفال [60] قوله (وأعدوا ): قال السيوطي: لقتالهم. قال الواحدي: أي: خذوا العدة لعدوكم قوله ( لهم): للكفار. قاله الإيجي الشافعي. قال النسفي: لناقضي العهد أو لجميع الكفار. قوله (ما استطعتم من قوة): قال ﷺ: هي الرمي. رواه مسلم قاله السيوطي. قلت( عبدالرحيم ): يشير- رحمه الله - إلى حديث عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر، يقول:
( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي. رواه مسلم.
قال الواحدي: مما تتقوون به على حربهم من السلاح والقسي وغيرهما. قال ابن قتيبة: أي: من سلاح. وقال عكرمة: الحصون. حكاه السمرقندي. قال أبوبكر الجرجاني: عام في كل ما يتقوى به على الأعداء من سلاح وكراع. قال الزمخشري: من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها. قال الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوّون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين، من السلاح والرمي وغير ذلك، ورباط الخيل ولا وجه لأن يقال: عني بـ " القوة "، معنى دون معنى من معاني " القوة ", وقد عمَّ الله الأمر بها. فإن قال قائل: فإن رسول الله ﷺ قد بيَّن أن ذلك مراد به الخصوص بقوله: ألا إن القوة الرمي؟ قيل له: إن الخبر، وإن كان قد جاء بذلك، فليس في الخبر ما يدل على أنه مراد بها الرمي خاصة، دون سائر معاني القوة عليهم, فإن الرمي أحد معاني القوة, لأنه إنما قيل في الخبر: " ألا إن القوة الرمي"، ولم يقل: " دون غيرها "، ومن " القوة " أيضًا السيف والرمح والحربة, وكل ما كان معونة على قتال المشركين, كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم. هذا مع وهاء سند الخبر بذلك عن رسول الله ﷺ. انتهى قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الصواب، والخيل والمركوب في الجملة والمحمول عليه من الحيوان والسلاح كله والملابس الباهية والآلات والنفقات كلها داخلة في القوة، وأمر المسلمون بإعداد ما استطاعوا من ذلك، ولما كانت الخيل هي أصل الحروب وأوزارها والتي عقد الخير في نواصيها وهي أقوى القوة وحصون الفرسان خصها الله بالذكر تشريفا على نحو قوله ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال )، وعلى نحو قوله ( فاكهة ونخل ورمان ) وهذا كثير. انتهى قوله (ومن رباط الخيل): مصدر. بمعنى حبسها في سبيل الله. قاله السيوطي. قال البغوي، وابن الجوزي: يعني ربطها واقتناؤها للغزو. قال الواحدي: مما يرتبط من الفرس في سبيل الله. قال عكرمة: القوة: ذكور الخيل. ورباط الخيل: إناثها. قال ابن عطية: وهذا قول ضعيف. قال القرطبي: والمستحب منها الإناث، قاله عكرمة وجماعة. وهو صحيح، فإن الأنثى بطنها كنز وظهرها عز. وروي عن خالد بن الوليد أنه قال: لا يركب في القتال إلا الإناث لقلة صهيلها. حكاه الخطيب الشربيني. قوله (ترهبون به): تخيفونهم به. قال الواحدي: تُخَوِّفون به بما استطعتم. قال السمرقندي: تُخَوِّفون بالسلاح عدو الله وعدوكم، يعني: كفار العرب. قوله (عدو الله وعدوكم): أي كفار مكة. قاله السيوطي. قال الواحدي: مشركي مكة وكفار العرب. قلت ( عبدالرحيم ): لا يُتوهم أن هذا خاص بكفار العرب؛ فهذا عام في جميع الكفار؛ لعموم قوله ( عدو الله وعدوكم ). قوله (وآخرين ): أي: من دون كفار مكة. قاله الإيجي الشافعي. قوله (من دونهم ): أي وترهبون آخرين من دونهم. قاله الزجاج. قال النحاس: أي وترهبون آخرين؛ أي: تخيفونهم. قال السيوطي: أي غيرهم؛ وهم المنافقون أو اليهود. قال مجاهد، وقتادة، والسمرقندي: هم بنو قريظة. وقال مقاتل: أي من دون كفار العرب، يعني: اليهود. وقال السدي: وآخرين من دونهم أهل فارس. قال مكي متعقبا: وهذان القولان يردهما علم المؤمنين ببني قريظة وبفارس. قال أبو بكر الجزائري: وما دام الله عز وجل لم يسمهم فلا يجوز أن يقال هم كذا.. بصيغة الجزم، غير أنا نعلم أن أعداء المسلمين كل أهل الأرض من أهل الشرك والكفر من الإنس والجن. قال ابن زيد، والواحدي: هم المنافقون. وممن صحح هذا القول الرازي. حيث قال: الأصح أنهم هم المنافقون، والمعنى: أن تكثير أسباب الغزو كما يوجب رهبة الكفار فكذلك يوجب رهبة المنافقين. فإن قيل: المنافقون لا يخافون القتال فكيف يوجب ما ذكرتموه الإرهاب؟ قلنا: هذا الإرهاب من وجهين: الأول: أنهم إذا شاهدوا قوة المسلمين وكثرة آلاتهم وأدواتهم انقطع عنهم طمعهم من أن يصيروا مغلوبين، وذلك يحملهم على أن يتركوا الكفر في قلوبهم وبواطنهم ويصيروا مخلصين في الإيمان، والثاني: أن المنافق من عادته أن يتربص ظهور الآفات ويحتال في إلقاء الإفساد والتفريق فيما بين المسلمين، فإذا شاهد كون المسلمين في غاية القوة خافهم وترك هذه الأفعال المذمومة. انتهى قال مكي: وهذا قول حسن موافق لقوله: ( لا تعلمونهم )، فالله هو المطلع على سرائرهم. وقيل: هم كفار الجن. حكاه البغوي. قال الجرجاني: الجن. واختاره الطبري. قال مكي في الهداية: وهو أحسن الأقوال؛ لما روي أن الجن تفر من صهيل الخيل. وروي: أن الجن لا تقرب دارا فيها فرس، وأيضا: فإن لا نعلمهم، كما قال عز وجل. روى ابن مقسم: أن رجلا أتى ابن عباس، فشكا إليه ابنته تعترى، فقال له: ارتبط فرسا، إن كنت ممن يركب الخيل وإلا فاتخذه، فإن الله جل اسمه، يقول: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )، فإن الجن من الذين لا تعلمونهم، ففعل الرجل ما أمره، فانصرف عن ابنته العارض. انتهى قال الطبري: وأما قوله: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم)، فإن قول من قال: عنى به الجن, أقربُ وأشبهُ بالصواب، لأنه جل ثناؤه قد أدخل بقوله: وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ، الأمرَ بارتباط الخيل لإرهاب كل عدوٍّ لله وللمؤمنين يعلمونهم, ولا شك أن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لهم, لعلمهم بأنهم مشركون، وأنهم لهم حرب. ولا معنى لأن يقال: وهم يعلمونهم لهم أعداءً: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم)، ولكن معنى ذلك إن شاء الله: ترهبون بارتباطكم، أيها المؤمنون، الخيلَ عدوَّ الله وأعداءكم من بني آدم الذين قد علمتم عداوتهم لكم، لكفرهم بالله ورسوله, وترهبون بذلك جنسًا آخر من غير بني آدم، لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم، الله يعلمهم دونكم, لأن بني آدم لا يرونهم. وقيل: إن صهيل الخيل يرهب الجن, وأن الجن لا تقرب دارًا فيها فرس. انتهى قال الرازي: وهذا القول مشكل، لأن تكثير آلات الجهاد لا يعقل تأثيره في إرهاب الجن. قال ابن عطية معقبا على قول الطبري : وفيه على احتماله نظر، وكان الأهم في هذه الآيات أن يبرز معناها في كل ما يقوي المسلمين على عدوهم من الإنس وهم المحاربون والذين يدافعون على الكفر ورهبتهم من المسلمين هي النافعة للإسلام وأهله، ورهبة الجن وفزعهم لا غناء له في ظهور الإسلام، بل هو تابع لظهور الإسلام وهو أجنبي جدا والأولى أن يتأول المسلمين إذا ظهروا وعزوا هابهم من جاورهم من العدو المحارب لهم، فإذا اتصلت حالهم تلك بمن بعد من الكفار داخلته الهيبة وإن لم يقصد المسلمون إرهابهم فأولئك هم الآخرون. قوله (لا تعلمونهم الله يعلمهم): فأعدوا لهم أيضا. قال النسفي: لا تعرفونهم بأعيانهم. قوله ( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله ): يعني: السلاح والخيل. قال الواحدي: من آلة وسلاح وصفراء وبيضاء. قوله ( يوف إليكم): جزاؤه . وقال السمرقندي: يوف إليكم ثوابه. قال الواحدي: خلف لكم في العاجل ويوفر لكم أجره في الآخرة. قوله (وأنتم لا تظلمون): تنقصون منه شيئا. قال السيوطي. قال السمرقندي: أي لا تنقصون من ثواب أعمالكم. ويقال: إن الجن لا يدخل في بيت فيه قوس وسهام. انتهى قال الواحدي: لا تنقصون من الثواب. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى( ولم تظلم منه شيئا ): قال ابن قتيبة: أي لم تنقص منه. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، المحرر الوجيز لابن عطية، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، التفسير الكبير للرازي، تفسير النسفي، الكشاف للزمخشري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوجيز للواحدي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، تفسير السمرقندي، السراج المنير للخطيب الشربيني، تفسير الجلالين، أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري.
( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) الأنفال [61] قوله «وإن جنحوا»: مالوا. قاله أبوحيان، والنحاس، والراغب، وابن الجوزي، والسيوطي، ومكي في المشكل. قال مكي في الهداية: أي ابتدأوا وطلبوا ذلك منك، فافعل ما سألوا وتوكل على الله. قال ابن قتيبة، وابن الهائم، والإيجي الشافعي: أي مالوا للصلح. قال غلام ثعلب، والواحدي، والبغوي: مالوا إلى الصلح. قال السمرقندي: إن أرادوا الصلح ومالوا إليه، فاجنح لها يعني: مل إليها وأرده يعني: صالحهم. قال الراغب: أي: مالوا، من قولهم: جنحت السفينة، أي: مالت إلى أحد جانبيها، وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحا ثم سمي كل إثم جناحا. والمعنى: إن جنح هؤلاء الذين أمرت أن تنبذ إليهم على سواء إلى الصلح، أي: مالوا إليه فمل إليه، إما بالدخول في الإسلام، أو بإعطاء الجزية، وإما بموادعة. قال قتادة: وهي منسوخة بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). وقال ابن عباس نسخها: ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم). وقال عكرمة والحسن نسخها: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله)، الآية. وقيل: إنها محكمة. والمعنى: إن دعوك إلى الإسلام فصالحهم. قاله ابن إسحاق. حكاه مكي في الهداية. قوله «للسَّلْم»: الصلح. قاله ابن الجوزي، و مكي في المشكل. وزاد ابن الجوزي: وهذا منسوخ بآية السيف. وقال أبو السعود: أي للصلح بوقوع الرهبة في قلوبهم بمشاهدة ما بكم من الاستعداد وإعناد العتاد. قال السيوطي: بكسر السين وفتحها: الصلح. قال الفراء: وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر. قال الزجاج: السلم: الصلح والمسالمة، يقال: سِلْمٌ وسَلَمٌ وسَلَم في معنى واحد. أي إن مالوا إلى الصلح فمل إليه. نكتة: قوله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ): أي ابتدأوا وطلبوا ذلك منك، فافعل ما سألوا وتوكل على الله. لأنهم دعوه إلى الصلح، وليس في القرآن موضع أمر الله فيه المؤمنين بأن يبتدئوا بالصلح، إنما أمرهم بذلك إذا بدأهم به المشركون ورغبوا فيه، فلذلك يختار الكسر في البقرة( ادخلوا في السلم كافة ) لأنا لو فتحنا لأوجبنا أن الله أمر المؤمنين أن يبدأوا. أفاده مكي في الهداية. قوله «فاجنح لها»: وعاهدهم. قال البغوي: أي مل إليها وصالحهم. قال الزمخشري: جنح له وإليه: إذا مال. فاجنح: بفتح النون لغة تميم، وبضمها لغة قيس. أفاده ابن عطية. قال القاسمي: أي فمل إلى موافقتهم وصالحهم وعاهدهم، وإن قدرت على محاربتهم، لأن الموافقة أدعى لهم إلى الإيمان. ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح، ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع سنين، أجابهم إلى ذلك، مع ما اشترطوا من الشروط الأخر. قال غلام ثعلب: أي فمل أنت أيضا إلى الصلح، لأنه قال جل وعز: (والصلح خير). قال السيوطي: وقال ابن عباس: هذا منسوخ بآية السيف وقال مجاهد: مخصوص بأهل الكتاب إذ نزلت في بني قريظة. قال الواحدي: فمل إليها يعني: المشركين واليهود ثم نسخ هذا بقوله: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله). قال البغوي: روي عن قتادة والحسن: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) . وقال السدي وابن زيد: معنى الآية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم. ولا نسخ فيها. حكاه القرطبي. قال الإيجي الشافعي: وفيه شيء لأن المهادنة لكثرة الأعداء ولغيرها جائزة إذا رأى الإمام. قال الزمخشري: والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الامام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا، أو يجابوا إلى الهدنة أبدا. قال الطبري: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخا. وقول الله في براءة: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ )، غير ناف حكمُه حكمَ قوله.(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، لأن قوله: (وإن جنحوا للسلم)، إنما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودا أهل كتاب، وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحربَ على أخذ الجزية منهم. وأما قوله: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) فإنما عُني به مشركو العرب من عبدة الأوثان، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم. فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنـزلت فيه. انتهى قوله «وتوكل على الله» ثق به. قاله الواحدي، والسيوطي. ____ المصدر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير أبي السعود، تفسير السمرقندي، الكشاف للزمخشري، المحرر الوجيز لابن عطية، الوجيز للواحدي، تفسير عبدالرزاق، تفسير الطبري، تفسير البغوي، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير القرطبي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال [62] قوله «وإن يريدوا أن يخدعوك»: هؤلاء الذين أجبتهم للصلح. أمر الله نبيه إن جنح هؤلاء الكفار للصلح أن يجيبهم، واعلمه إن خشي منهم خيانة أنه كافيه، فقد أيده من قبل ( في بدر ) بنصره وبالمؤمنين؛ لأنه ﷺ ليس له إلا ما يظهر من الناس. قال الإيجي الشافعي: يريدون بالصلح خديعة. قال أبو السعود العمادي: بإظهار السلم وإبطال الحرب. قال السيوطي: بالصلح ليستعدوا لك. وقال الواحدي، والقاسمي : بالصلح لتكف عنهم. وزاد القاسمي: ظاهرا، وفي نيتهم الغدر. قال البغوي: يغدروا ويمكروا بك. وقال النسفي: يمكروا ويغدروا. قال مكي في الهداية: أي إن يرد هؤلاء الذين أمرناك أن تجنح إلى السلم إن جنحوا لها خداعك وخيانتك. قال الزجاج: أي إن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك، (فإن حسبك الله). قال السمرقندي: يعني: يهود بني قريظة أرادوا أن يصالحوك لتكف عنهم، حتى إذا جاء مشركو العرب أعانوهم عليك. قال ابن عطية: بأن يظهروا له السلم ويبطنوا الغدر والخيانة، أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، فإن حسبك الله أي كافيك ومعطيك نصرة وإظهارا، وهذا وعد محض، وأيدك معناه قواك، وبالمؤمنين يريد بالأنصار بقرينة قوله وألف بين قلوبهم الآية. انتهى قلت ( عبدالرحيم ): قوله رحمه الله ( أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، فإن حسبك الله ): فيه من خلق اليقين ما ينبغي أن يكون عليه أهل الإيمان؛ ألا ترى أن النبي - ﷺ - قال: نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم. فليتق الله أقوام ينكثون العهد بحجج باطلة، وتأويلات فاسدة؛ انتصارا منهم لأنفسهم. من أجل عرض، فإذا كنا نهينا عن ذلك مع عدو لله، فما بالكم بأهل الإسلام. قال الله ( ولا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ) أي: خديعة ومكرا. وقال ( فمن نكث - نقض عهده- فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ). فتدبر ما رواه مسلم من حديث أبي الطفيل، حدثنا حذيفة بن اليمان، قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسَيْلٌ، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لَنَنْصَرِفَنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله ﷺ، فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم». قال النووي في شرحه لمسلم: وفيه الوفاء بالعهد. وأين أولئك الذين يسارعون في أهل الكفر والإلحاد من منافقي هذه الأمة، وفي كل واد فيه مدح لهم يهيمون، ويتشدقون بالثناء عليهم. أين هم من مثل هذه النصوص؟! هم العدو فاحذرهم. فتمسكوا يا أهل الإسلام بكتاب الله وسنة رسوله، وعضوا عليهما بالنواجذ؛ ففيهما رفعتكم وعزكم، وفيهما النجاة في الدارين. قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما أمر في الآية المتقدمة بالصلح، ذكر في هذه الآية حكما من أحكام الصلح وهو أنهم إن صالحوا على سبيل المخادعة، وجب قبول ذلك الصلح، لأن الحكم يبنى على الظاهر لأن الصلح لا يكون أقوى حالا من الإيمان، فلما بنينا أمر الإيمان عن الظاهر لا على الباطن، فههنا أولى ولذلك قال: وإن يريدوا المراد من تقدم ذكره في قوله: وإن جنحوا للسلم. قوله « فإن حسبك اللهُ » كافيك. قاله النحاس، ومكي، والبغوي، والقرطبي، والنسفي، والسيوطي. وزاد البغوي ومكي، والنسفي: الله. وزاد القرطبي: الله، أي يتولى كفايتك وحياطتك. قال الواحدي: أي فالذي يتولى كفايتك الله. قوله « هو الذي أيَّدك»: أي قواك. قاله مقاتل، والزجاج، والنحاس، والواحدي، والقرطبي، والنسفي، ومكي. وزاد مكي: بذلك على أعدائك. قوله « بنصره»: يوم بدر. قاله الواحدي. قوله « وبالمؤمنين»: جميعا أو بالأنصار. قاله النسفي. قال أبو السعود العمادي: من المهاجرين والأنصار. وقال السيوطي: الأنصار. وبه مقاتل، قال الواحدي، والسمرقندي، وهو قول البغوي. وذكره السيوطي في الدر عن: ابن عباس، والنعمان بن بشير، والسدي. قال السمرقندي: يعني إن أرادوا إن يخدعوك، حسبك الله بالنصرة لك. هو الذي أيدك، وأعانك وقواك بنصره وبالمؤمنين، يعني: الأنصار وهم قبيلتان: الأوس والخزرج. قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد: وهذا كله تمثل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك بل تظاهرت أقوال المفسرين أنها في الأوس والخزرج كما ذكرنا، ولو ذهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان من جميعهم من التحاب حتى تكون ألفة الأوس والخزرج جزءا من ذلك لساغ ذلك، وكل تألف في الله فتابع لذلك التألف الكائن في صدر الإسلام. ___ المصدر: جامع البيان للإيجي الشافعي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، غريب القرآن لابن قتيبة، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، المحرر الوجيز لابن عطية، التفسير الكبير للرازي، تفسير النسفي، الوجيز للواحدي، تفسير القرطبي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، زاد المسير لابن الجوزي، الدر المنثور للسيوطي، تفسير أبي السعود العمادي، تفسير الجلالين.
( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الأنفال [67] نزلت لما أخذوا الفداء من أسرى بدر. قال بيان الحق: في أسارى بدر حين رأى النبي عليه السلام فيهم الفداء، بعد شُورَى الصحابة. قال الجرجاني: وقد كان النبي -عليه السلام- مَنّ على أساريه وأنعم عليهم بقبول الفداء قبل أن يثخن في أعدائه القتل، وكان ذلك بمشاورة بعض الصحابة فعاتبه الله على ذلك وأخبر عن غرض أصحابه في قبول الفداء. قوله « مَا كَانَ لِنَبِي »: إخبار عن ما مضى من شأن الأنبياء نزل على سبيل الإنكار والعتاب، أي ما جاز لنبي قط أن يكون له أسرى يفتدون منه. قاله الجرجاني. قال الزمخشري: ومعنى ما كانَ ما صح له وما استقام، وكان هذا يوم بدر، فلما كثر المسلمون نزل ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ). قوله «حتى يثخن في الأرض»: أي حتى يبالغ في قتل الكفار؛ إذ الأسر بعد المبالغة في القتل. قال الإيجي الشافعي: يكثر القتل فيعز الإسلام ويذل الكفر. قال الزجاج: فالأسر بعد المبالغة في القتل. وقال أيضا: معناه حتى يبالغ في قتل أعدائه، ويجوز أن يكون حتى يتمكن في الأرض. والِإثخان في كل شيء قوة الشيء وشدته يقال قد أثخنته. قال بيان الحق، ونجم الدين النيسابوري: يُكْثِر القتل. قال الخازن: والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر فيأسر الأسارى. قال ابن الجوزي: أي يبالغ في قتل اعدائه وكانوا اشاروا على رسول الله ﷺ باخذ الفدية يوم بدر فنزلت الآية. قال الزمخشري: يعنى حتى يذل الكفر ويضعفه بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام ويقويه بالاستيلاء والقهر. ثم الأسر بعد ذلك. قال السمعاني: الْإِثْخان: القتل، وقيل: المبالغة في التنكيل. قال أبو السعود: أي يُكثِر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفرة ويقل حزبه ويعز الإسلامُ ويستولي أهلُه. من أثخنه المرض والجرح إذا أثقله وجعله بحيث لا حَراكَ به ولا براحَ وأصله الثخانة التي هي الغلط والكثافة وقرئ بالتشديد للمبالغة. قال البقاعي: أي يبالغ في قتل أعدائه، فهو عتاب لمن أسر من الصحابة غير من نهى النبي ﷺ عن قتله من المشركين أو رضي بذلك. قال مكي: أي حتى يبالغ في قتل المشركين وقهرهم. قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: يغلب على كثير من الأرض، ويبالغ في قتل أعدائه. قال الماوردي في النكت: فيه وجهان: أحدهما هو الغلبة والاستيلاء، قاله السدي. والثاني: هو كثرة القتل ليُعزَّ به المسلمون ويذل به المشركين. قاله مجاهد. انتهى قال البخاري: يعني يغلب في الأرض. وعن ابن عباس: حتى يظهر على الأرض. رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن أبي زمنين: حتى يتمكن. وقال أيضا: أَي: يبالغ في القتل. قال سعيد بن جبير: لا ينبغي أن يقع أسر حتى يثخن بالقتل في العدو. حكاه النحاس. قال الفراء: حتى يغلب على كثير من في الأرض. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: حتى يغلب ويغالب ويبالغ. قال السمرقندي: يعني: حتى يغلب في الأرض على عدوه. وقال غلام ثعلب: حتى يغلب ويقتل. قال النحاس: قال مجاهد الإثخان القتل وقيل حتى يثخن في الأرض حتى يبالغ في قتل أعدائه وقيل حتى يتمكن في الأرض والإثخان في اللغة القوة والشدة. قال الواحدي: الآية نزلت في فداء أسارى بدر فادوهم بأربعة ألاف ألف فأنكر الله عز وجل على نبيه ﷺ ذلك بقوله: لم يكن لنبيِّ أن يحبس كافراً قَدَر عليه للفداء فلا يكون له أيضاً حتى يُثخن في الأرض: يُبالغ في قتل أعدائه. قلت( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ): قال ابن الهائم، وابن الجوزي: أكثرتم فيهم القتل . قوله «تريدون»: أيها المؤمنون. قوله «عَرَض الدنيا»: الفداء. وأجمع المفسرون على أن المراد من عرض الدنيا هاهنا هو أخذ الفداء. قاله الرازي. قال البغوي: بأخذكم الفداء. قال الإيجي الشافعي: حطامها، أي: الفداء. قال ابن عطية: والمراد ما أخذ من الأسرى من الأموال. قال أبو السعود: استئناف مَسوقٌ للعتاب أي تريدون حطامها بأخذكم الفداء. قال مكي: هذا للمؤمنين الذين رَغِبُوا في أخذ المال والفداء. قال معمر بن المثنى: طمعها ومتاعها. وقال غلام ثعلب: تريدون متاع الدنيا. وقال السمرقندي، والواحدي: الفداء. وقال عكرمة: الخراج. رواه ابن أبي حاتم. قال الماوردي: يعني المال، سماه عرضاً لقلة بقائه. قال نجم الدين النيسابوري: ومتاع الدنيا: عرض لقلة بقائه ووشك فنائه. قوله «والله يريد»: لكم. قوله «الآخرة»: أي ثوابها بقتلهم. قاله السيوطي. قال الإيجي الشافعي: أي: يريد لكم ثواب الآخرة، أو ما هو سبب نيل الجنة من إعزاز الدين وقمع الملحدين. قال الماوردي: يعني العمل بما يوجب ثواب الآخرة. وقال السمرقندي: يعني: عزة الدين. وقال مكي: أي يريد لكم زينة الآخرة وخيرها. قال البقاعي: وذلك بالإثخان في قتلهم لظهور الدين الذي تريدون إظهاره والذي به تدرك الآخرة، ولا ينبغي للمحب أن يريد إلا ما يريد حبيبه. قال الواحدي: يريد لكم الجنة بقتلهم وهذه الآية بيان عما يجب أن يجتنب من اتخاذ الأسرى للمن أو الفِداء قبل الإِثخان في الأرض بقتل الأعداء وكان هذا في يوم بدر ولم يكونوا قد أثخنوا فلذلك أنكر الله عليهم ثمَّ نزل بعده: ( فإمَّا منَّاً بعدُ وإمَّا فداءً ). قال ابن الجوزي: وقد روي عن ابن عباس، ومجاهد في آخرين: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، وليس للنسخ وجه، لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قلة فلما كثروا واشتد سلطانُهم، نزلت الآية الأخرى، ويبيّن هذا قوله تعالى ( حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْضِ). قال ابن عطية: هذه الآية تتضمن عندي معاتبة من الله عز وجل لأصحاب نبيه ﷺ، والمعنى ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي أسرى قبل الإثخان، ولهم هو الإخبار ولذلك استمر الخطاب ب تُرِيدُونَ، والنبي ﷺ لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب ولا أراد قط عرض الدنيا، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب، وجاء ذكر النبي ﷺ في الآية مشيرا إلى النبي ﷺ في العتب حين لم ينه عن ذلك حين رآه من العريش، وأنكره سعد بن معاذ ولكنه ﷺ شغله بغت الأمر وظهور النصر فترك النهي عن الاستبقاء ولذلك بكى هو وأبو بكر حين نزلت هذه الآية، ومر كثير من المفسرين على أن هذا التوبيخ إنما كان بسبب إشارة من أشار على النبي ﷺ بأخذ الفدية... ____ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، تفسير ابن زمنين، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، النكت والعيون للماوردي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، الوجيز للواحدي، درج الدرر للجرجاني، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، الكشاف للزمخشري، المحرر الوجيز لابن عطية، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، التفسير الكبير للرازي، زاد المسير لابن الجوزي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير الجلالين، صحيح البخاري.
( لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [68] فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [69] الأنفال قوله «لولا كتاب من الله سبق»: لولا أن الله كتب في أم الكتاب أنه سيحل لكم الغنائم لمسكم فيما تعجلتم من المغانم والفداء يوم بدر قبل أن تؤمروا بذلك عذاب عظيم.
روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مقاتل. وقال أبو هريرة: تعجل ناس من المسلمين فأصابوا الغنائم، فنزلت الآية. قاله ابن الجوزي في زاد المسير. قال البقاعي: أي قضاء حتم ثابت مبرم. قال الإيجي الشافعي، والبقاعي: يعني في أم الكتاب. وزاد البقاعي: من الحكم بإسعادكم. قال أبو السعود: أي لولا حكم منه تعالى سبق إثباته في اللوح المحفوظ. قال أبو هريرة: لولا أنه سبق في علمي أني سأحل المغانم لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره. قال ابن قتيبة: أي قضاء سبق بأنه سيحل لكم المغانم. قال الخطيب الشربيني: لولا قضاء الله سبق في اللوح المحفوظ، بأنه يحمل لكم الغنائم. قال مكي في الهداية: هذا خطاب لأهل بدر في أخذهم الغنائم والفداء. قال السيوطي: بإحلال الغنائم والأسرى لكم. قال ابن الجوزي: أي سيحل لكم الغنائم. قال الفراء: في فداء الأسرى والغنائم. وقال الحسن: سبقت المغفرة لأهل بدر. وعنه أيضا: لولا كتاب من الله سبق قال: في الكتاب السابق من الله تعالى أن لا يعذب قوما إلا بعد قيام الحجة عليهم. حكاه السمرقندي. والمعنى: لولا أن الله قد سبق قضاؤه في اللوح المحفوظ، أنه يحل لكم ذلك، لعقوبتم بما فعلتم؛ لأنه تعالى لم يكن يحل ذلك لأحد من الأمم قبل أمة محمد ﷺ، ولكنهم أخذوا الغنائم وقبلوا الفداء، قبل أن ينزل عليهم ما قد سبق منه، تعالى، أن يحله لهم، وكانت الأمم قبل محمد، عليه السلام، إذا غنموا شيئا جعلوه للقربان فتأكله النار، فهو حرام عليهم، لا يحل لأحد منهم شيء منه. قاله مكي في الهداية. قال الزمخشري: لولا حكم منه سبق إثباته في اللوح وهو أنه لا يعاقب أحد بخطأ، وكان هذا خطأ في الاجتهاد، لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله، وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم. انتهى ( فلّ: السيف تثلم حده، وانكسر ). قال الرازي في الصحاح: (تَفَلَّلَتْ) مَضَارِبُ السَّيْفِ أَيْ تَكَسَّرَتْ. وَ (فَلَّ) الْجَيْشَ هَزَمَهُ وَبَابُهُ رَدَّ يُقَالُ: (فُلَّهُ فَانْفَلَّ) أَيْ كَسَرَهُ فَانْكَسَرَ. وذكر ابن الجوزي- زاد المسير- في معنى قوله تعالى ( لولا كتاب من الله سبق ) خمسة أقوال. وذكر الرازي أقوالا عدة بعدما قال: واعلم أنه كثر أقاويل الناس في تفسير هذا الكتاب السابق. انتهى فليراجع. قال القرطبي: قوله تعالى( لولا كتاب من الله سبق): في أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون. واختلف الناس في كتاب الله السابق على أقوال، أصحها ما سبق من إحلال الغنائم، فإنها كانت محرمة على من قبلنا. فلما كان يوم بدر، أسرع الناس إلى الغنائم فأنزل الله عز وجل" لولا كتاب من الله سبق" أي بتحليل الغنائم.
قال ابن عطية: وذهب الطبري إلى دخول هذه المعاني كلها تحت اللفظ وأنه يعمها، ونكب عن تخصيص معنى دون معنى. قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، ما قد بيناه قبل. وذلك أن قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، خبر عامٌّ غير محصور على معنى دون معنى، وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت، مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة، وذلك: ما عملوا من عمل بجهالة، و إحلال الغنيمة، والمغفرة لأهل بدر، وكل ذلك مما كتب لهم. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يخصّ من ذلك معنى دون معنى، وقد عم الله الخبر بكل ذلك، بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه. قوله «لمسَّكم»: لعاقبكم. قاله مكي. وقال أبو السعود: أي لأصابكم. وقال الخطيب الشربيني: أي لنالكم. قال ابن الجوزي: فيما تعجلتم يوم بدر من الغنائم والفداء. قال السمرقندي: لأصابكم فيما أخذتم من الفداء عذاب عظيم، ثم طيبها- وأحلها لهم فقال: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا. قوله «فيما أخذتم»: من الفداء. قاله الإيجي الشافعي، والواحدي، والبغوي، والخطيب الشربيني، والسيوطي، وأبو السعود. وزاد الإيجي: قبل أن آذن لكم. وزاد البغوي: قبل أن تؤمروا به. قال البقاعي: أي من الأسرى المراد بهم الفداء. قال أبو السعود: أي لأجل ما أخذتم من الفداء. قوله «عذاب عظيم»: لا يقادر قدره. قاله أبو السعود. قال البقاعي: ولكن سبق حكمي بأن المغنم - ولو بالفداء - لكم حل وإن تعجلتم فيه أمري. قال الواحدي: فلما نزل هذا أمسكوا أيديهم عما أخذوا من الغنائم فنزل: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله): بطاعته. (إن الله غفور): غفر لكم ما أخذتم من الفداء. (رحيم): رحمكم لأنكم أولياؤه. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية الى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تفسير السمرقندي، المحرر الوجيز لابن عطية، الوجيز للواحدي، الكشاف للزمخشري، التفسير الكبير للرازي، زاد المسير لابن الجوزي تفسير القرطبي، تفسير النسفي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، جامع البيان للإيجي الشافعي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السراج المنير للخطيب الشربيني، تفسير أبي السعود، تفسير الجلالين، مختار الصحاح لزين الدين الرازي.
( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الأنفال [71] قوله «وإن يريدوا»: أي: الأسارى. قاله الإيجي الشافعي، والبغوي، والسيوطي، والخطيب الشربيني. قال مكي في الهداية: يعني الأسارى الذين افتدوا وأسلموا في ظاهر أمرهم. قال ابن عطية: روي أن الأسرى ببدر أعلموا رسول الله ﷺ أنهم لهم ميل إلى الإسلام وأنهم يؤملونه وأنهم إن فدوا ورجعوا إلى قومهم التزموا جلبهم إلى الإسلام وسعوا في ذلك ونحو هذا الغرض، ففي ذلك نزلت هذه الآية.
قوله «خيانتك»: فيما أظهروا لك من الإسلام والإخلاص. قاله الإيجي الشافعي. قال يحيى بن سلام: يعني الذين أسروا يوم بدر ويريدوا خلافك في الدين أي الكفر بك. قال السيوطي، والخطيب الشربيني: بما أظهروا من القول. وقال ابن الجوزي في زاد المسير: إن أراد الأسارى خيانتك بالكفر بعد الإسلام فقد خانوا الله من قبل إذ كفروا به قبل أسرهم. قال السمعاني: الخيانة ضد الأمانة؛ ومعناه: إن أرادوا أن يكفروا بك. قال السمرقندي: يعني خلافك ويميلوا إلى الكفر بعد إسلامهم. قال الواحدي: وذلك أنهم قالوا للنبي ﷺ: آمنا بك ونشهد أنك رسول الله فقال الله تعالى: إن خانوك وكان قولهم هذا خيانة. قوله «فقد خانوا الله»: بالكفر. قاله الإيجي الشافعي، وابن الجوزي، والسيوطي، والقاسمي، وغيرهم. إلا أن السيوطي قال: قبل بدر بالكفر.
قوله «من قبل»: يعني فقد كفروا بالله من قبل.
قاله يحيى بن سلام، وبه قال السمعاني. وقال مكي في الهداية: خانوا أولياءه. وقال ابن جريج: أراد بالخيانة الكفر، أي: إن كفروا بك فقد كفروا بالله من قبل فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتى قتلوهم وأسروهم، وهذا تهديد لهم إن عادوا إلى قتال المؤمنين ومعاداتهم. قاله البغوي. قال السمرقندي: يعني عصوا الله وكفروا من قبل. قلت ( عبدالرحيم ): فإن قال قائل: ما وجه تسمية الله الكفر خيانة؟ الجواب ( إن شاء الله ): لما أخذ الله عليهم الميثاق ألا يشركوا به فلم يفعلوا فكانت هذه أعظم الخيانة، فليس ثم خيانة أعظم من نقض هذا العهد بعد إقامة الحجة. قال الله ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا )، فالخيانة هنا تعني الخلاف في الدين، كما قال تعالى في سورة التحريم: (فخانتاهما): قال يحيى بن سلام: يعني فخالفتاهما في الدين، كانت كافرتين. قال الخضيري: بالكفر، والمخالفة في الدين. كما في قوله (قال يا نوح إنه ليس من أهلك): قال الإيجي الشافعي: ليس من أهل دينك. وعن ابن عباس وغيره رضى الله عنه: ما زنت امرأة نبي قط. انتهى. قال الزجاج: خيانتهما لم تكن في بغاء، لأن الأنبياء لا يبتليهم الله في نسائهم بفساد. وقوله كما في الآية التي نحن بصددها (وإن يريدوا خيانتك): قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب: بالكفر بعد الاسلام. وقوله في النساء: ( إن الله لا يحب من كان خوانا ):قال يحيى بن سلام: يعني في دينه. نزلت في طعمة بن أبيرق وكان منافقا. انتهى قوله «فأمكن منهم»: يعني: مكنك منهم بأن نصرك فأقدرك عليهم ببدر؛ فقتلت منهم من قتلت، وأسرت من أسرت، فليتوقعوا مثل ذلك إن عادوا. قال القاسمي: أي أظفرك بهم قتلا وأسرا، كما رأيتم يوم بدر، فسيمكن منهم إن عادوا إلى الخيانة. قال الإيجي الشافعي: أي: فأمكنك (منهم) يوم بدر، فإن عادوا فعد. وفيه بشارة للرسول ﷺ بأنه يتمكن من كل من يخونه وينقض عهده. قاله الرازي. قال الطاهر بن عاشور: أي أمكنك منهم يوم بدر، أي لم ينفلتوا منك . قال ابن الجوزي: المعنى إن خانوك أمكنتك منهم كما أمكنتك يوم بدر. قال السمرقندي: يعني فأمكنك منهم وأظهرك عليهم يوم بدر، حتى قهرتهم وأسرتهم. قال الواحدي: وهذا تهديد لهم إن عادوا إلى القتال. قال أبو السعود: أي أقدرك عليهم حسبما رأيت يوم بدر فإن أعادوا الخيانة فاعلم أنه سيمكنك منهم أيضا. قال الرازي: والمعنى أنهم خانوا الله بما أقدموا عليه من محاربة الرسول يوم بدر فأمكن الله منهم قتلا وأسرا، وذلك نهاية الإمكان والظفر. وقيل المراد بالخيانة: منع ما ضمنوا من الفداء. قال أبو السعود: وهو بعيد.
قوله «والله عليم»: بكل شيء، بخيانة من خان، عليم كيف يقدرك عليهم كما أقدرك من ذي قبل، يعلم كيف يستدرج أعداءه؛ كما استدرجهم لوقعة بدر.
وهذا تثبيت من الله لنبيه ولأوليائه؛ أنه عليم بخيانتهم. قال السمرقندي: يعني إن خانوك أمكنك منهم، لتفعل بهم مثل ما فعلت من قبل. قال الزجاج: والله عليم بخيانة إن خانوها، حكيم في تدبيره عليهم ومجازاته إياهم. حكاه ابن الجوزي. قوله «حكيم»: في تدبيره ومجازاته إياهم. قال ابن عطية: وقوله عليم حكيم صفتان مناسبتان، أي عليم بما يبطنونه من إخلاص أو خيانة حكيم فيما يجازيهم به. المعنى الإجمالي للآية: قال الزمخشري: وإن يريدوا خيانتك نكث ما بايعوك عليه من الإسلام والردة واستحباب دين آبائهم فقد خانوا الله من قبل في كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه فأمكن منهم كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن أعادوا الخيانة. وقيل: المراد بالخيانة منع ما ضمنوا من الفداء. _____ المصدر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، التصاريف ليحيى بن سلام، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمرقندي، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، الكشاف للزمخشري، المحرر الوجيز لابن عطية، زاد المسير لابن الجوزي، التفسير الكبير للرازي، جامع البيان للإيجي الشافعي، السراج المنير للخطيب الشربيني، تفسير أبي السعود، محاسن التأويل للقاسمي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير الجلالين.
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [73] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [74] وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَٰئِكَ مِنْكُمْ ۚ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [75] ) الأنفال هذه الآيات وأخواتها تبين لك ركنا عظيما من أركان هذا الدين، به وعليه قام؛ الولاء للإسلام وأهله، والبراء من الشرك وأهله.
فالولاء والبراء جزء من معنى الشهادة ( لا إله إلا الله ).
قال صديق حسن خان: ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به. قال الواحدي: وذلك أنه إذا لم يتول المؤمن المؤمن توليا يدعو غيره ممن لا يكون مؤمنا إلى مثل ذلك، ولم يتبرأ من الكافر بما يصرفه عن كفره، أدى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين، فإذا هجر المسلم أقاربه الكفار، ونصر أقاربه المسلمين كان ذلك أدعى إلى الإسلام، وترك الكفر لأقاربه الكفار. •تنبيه ومدخل؛ ليتضح فهم الآيات ( إن شاء الله ): تكرر لفظ الهجرة في هاتين الآيتين : الآية رقم: 74، والآية: 75، وسيأتي مزيد تفصيل: قال الزمخشري: وليس بتكرار لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم. قال السمعاني: فإن قيل: أي معنى في هذا التكرار؟ قلنا: المهاجرون كانوا على طبقات، وكان بعضهم أهل الهجرة الأولى، وهم الذين هاجروا قبل الحديبية، وبعضهم أهل الهجرة الثانية، وهم الذين هاجروا بعد الحديبية قبل فتح مكة، وكان بعضهم ذا هجرتين، وهما الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة؛ فالمراد من الآية الأولى الهجرة الأولى، والمراد من الثانية الهجرة الثانية. فقوله تعالى ( والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ((75 )): قال ابن عباس: يريد: الذين هاجروا بعد الحديبية، وهي الهجرة الثانية. قال محمد رشيد رضا: كان المؤمنون في عصر النبي ـ ﷺ ـ أربعة أصناف: (الأول) المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى قبل غزوة بدر، وربما تمتد أو يمتد حكمها إلى صلح الحديبية سنة ست، (الثاني) الأنصار (الثالث) المؤمنون الذين لم يهاجروا (الرابع) المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية. وقد بين في هذه الآيات حكم كل منها ومكانتها. قوله «والذين كفروا بعضهم أولياء بعض»: في النصرة والإرث؛ فلا إرث بينكم وبينهم. قاله السيوطي. قال أبو بكر الجزائري: يتناصرون ويتوارثون. قال السمرقندي: يعني: في الميراث، يرث بعضهم من بعض. قال السمعاني يعني: أن بعضهم أعوان بعض. والقول الثاني: إن بعضهم يرث من البعض. قلت ( عبدالرحيم ): فإن قلت: ما وجه ذكر الله جل شأنه وإعلامه لنا بأن الكفار بعضهم أولياء بعض؟ قال الزمخشري: ظاهره إثبات الموالاة بينهم كقوله تعالى في المسلمين أولئك بعضهم أولياء بعض ومعناه: نهى المسلمين عن موالاة الذين كفروا وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم وإن كانوا أقارب، وأن يتركوا يتوارثون بعضهم بعضا. قوله «إلا تفعلوه»: أي تولي المسلمين، وقمع الكفار. قاله السيوطي. قال الإيجي الشافعي: أي: إن لم تفعلوا ما أمرتم من قطع العلائق حتى في الميراث بينكم وبين الكفار. قال السمعاني: يعني: إن لم تقبلوا هذا الحكم. قال مكي في الهداية: " الهاء " في: (تفعلوه ) تعود على التوارث، أو على التناصر. وقال ابن جريج: إلا تناصروا وتتعاونوا. حكاه مكي في الهداية. قال السمرقندي: إن لم تفعلوا، يعني: ولاية المؤمن للمؤمن، والكافر للكافر، تكن فتنة في الأرض يعني: بلية وفساد كبير، يعني: سفك الدماء، فافعلوا ما أمرتم واعرفوا أن الولاية في الدين. قوله «تكن فتنة في الأرض»: كفر وفساد كبير في الأرض. قاله السيوطي. قال السمعاني: الفتنة في الأرض: قوة الكفر، والفساد الكبير: ضعف الإيمان. قال الواحدي: يعني: الشرك. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ): قال ابن قتيبة: أي شرك. قال مكي في الهداية: أي: يحدث بلاء في الأرض بسبب ذلك. قال مكي في المشكل: أي إلا تفعلوا الموالاة بين المؤمنين بأن يكون بعضهم من بعض، وكذلك المهاجرون أولياء الأنصار كانت فتنة في الأرض وفساد كبير. قال ابن قتيبة: يريد هذه الموالاة أن يكون المؤمنون أولياء المؤمنين. والمهاجرون أولياء الأنصار. وبعضهم من بعض - والكافرون أولياء الكافرين. أي: وإن لم يكن هذا كذا، كانت فتنة في الأرض وفساد كبير. قال ابن زيد: كان المؤمن المهاجر والمؤمن الذي لم يهاجر لا يتوارثان، وإن كانا أخوين، فلما كان الفتح انقطعت الهجرة، وتوارثوا حيث ما كانوا بالأرحام. حكاه مكي في الهداية. قال الكلبي: كان أناس من المشركين يأتون، فيقولون لا نكون مع المسلمين، ولا مع الكفار فأمرهم الله تعالى إما أن يدخلوا مع المسلمين، وإما أن يلحقوا بالكفار. رواه عبدالرزاق في تفسيره. قوله «وفساد كبير»: بقوة الكفر وضعف الإسلام. قاله السيوطي. قال الضحاك: والذين كفروا يعني: كفار مكة وكفار ثقيف بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه، يعني: إن لم تطيعوا الله في قتل الفريقين، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. حكاه السمرقندي. قال البغوي: فالفتنة في الأرض قوة الكفر، والفساد الكبير ضعف الإسلام. قوله «والذين آمنوا وهاجروا»: يعني المهاجرين. قاله البغوي. قال السمرقندي: وإنما سمي المهاجرون مهاجرين، لأنهم هجروا قومهم وديارهم. قوله «والذين آوَوْا»: هم الأنصار؛ آووا النبي ﷺ، ومن معه من المهاجرين، فأسكنوهم منازلهم ونصروهم. قال السمعاني: ومعنى الإيواء: ضمهم المهاجرين إلى أنفسهم في الأموال والمساكن. قال السمرقندي: يعني: أنزلوا وأوطنوا ديارهم المهاجرين. قوله «ونصروا»: ونصروا النبي ﷺ، والمهاجرين على أعدائهم وهم الأنصار رضي الله عنهم. قال الواحدي في الوسيط: يعني: الأنصار أسكنوا المهاجرين ديارهم ونصروهم على أعدائهم. قوله « أولئك هم المؤمنون حقا»: يعني: صدقا. قاله السمرقندي. قال أبو بكر الجزائري: هذا هو الصنف الأول أعيد ذكره ليذكر له جزاؤه عند ربه بعد تقرير إيمانهم وتأكيده. قال الزمخشري: لأنهم صدقوا إيمانهم وحققوه، بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والانسلاخ من المال لأجل الدين. قال البغوي: لا مرية ولا ريب في إيمانهم. قيل: حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل المال في الدين. قال الواحدي: أي هم الذين حققوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة خلاف من أقام بدار الشرك. قلت ( عبدالرحيم ): يشير رحمه الله إلى قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ): قال الزجاج: يعنى به المشركون الذين تخلفوا عن الهجرة إلى النبي - ﷺ -. قوله « لهم مغفرة»: أي: ستر. قاله مكي. قلت ( عبدالرحيم ): ليته- رحمه الله - لم يقتصر على لفظ الستر، فليس الشأن أن يستر الله عبده فحسب، لذا جاءت نصوص القرآن والسنة بطلب المغفرة لا الستر؛ لأن المغفرة: ستر وزيادة. وهو العفو والتجاوز، فكم من عبد ستره الله في الدنيا هو عنده من المعذبين في الآخرة، وإنما الشأن أن يغفر؛ ونحن نسمع كثيرا من يسأل ربه الستر، هذا وإن كان جائزا فلا أعلمه من هديه ﷺ. اللهم إلا ما جاء مقيدا بستر العورات كما في قوله ( اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي )، إذ الوارد عنه سؤال المغفرة، فهي أجمع عبارة، وقد أوتي جوامع الكلم، وكان يستحب الجوامع من الدعاء. انتهى قوله « ورزق كريم»: في الجنة. قاله السيوطي. وقال السمرقندي: يعني: ثواب حسن في الجنة. قوله «والذين آمنوا من بعد وهاجروا »: مِن بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار، وهاجروا وجاهدوا معكم في سبيل الله. قال صديق حسن خان: بأن هاجروا بعد عام الحديبية وقبل الفتح. قال السيوطي: أي بعد السابقين إلى الإيمان والهجرة. وقال السمرقندي: من بعد المهاجرين. قال الزمخشري: يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة، كقوله والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ألحقهم بهم وجعلهم منهم تفضلا منه وترغيبا. قال القاسمي: وهل المراد من قوله مِنْ بَعْدُ هو من بعد الهجرة الأولى، أو من بعد الحديبية. وهي الهجرة الثانية، أو من بعد نزول هذه الآية، أو من بعد يوم بدر؟ أقول- واللفظ الكريم يعمها كلها، والتخصيص بأحدهما تخصيص بلا مخصص. قوله « وجاهدوا معكم فأولئك منكم»: يعني: على دينكم. قاله السمرقندي. فهذا الصنف أكمل من الصنف الثالث ودون الأول والثاني، إذ الأول والثاني فازوا بالسبق، وهؤلاء جاءوا من بعدهم ولكن لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم ألحقهم الله تعالى بالسابقين. قال الإيجي الشافعي: من جملتكم، أيها المهاجرون والأنصار، فإن المهاجرين بعضهم هاجروا قبل الحديبية، وبعضهم بعد صلحها قبل فتح مكة وهي الهجرة الثانية. قال البغوي: أي معكم؛ يريد: أنتم منهم، وهم منكم. قوله «وأولو الأرحام»: ذوو القرابات. قاله السيوطي. قال الإيجي الشافعي: وهذه ناسخة للإرث بالحلف والإخاء الذي كانوا يتوارثون به أولا. قال الزمخشري: وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة. قال البغوي: وهذا نسخ التوارث بالهجرة ورد الميراث إلى ذوي الأرحام. قال مكي في الهداية: هذا نسخ لما تقدم من التوارث بالهجرة دون القرابة التي ليس معها هجرة. قال ابن الأنباري: كان الله تعالى تعبدهم في أول الهجرة بأن لا يرث المسلمين المهاجرين إخوانهم الذين لم يهاجروا، ولا يرثون هم إخوانهم، ثم نسخ ذلك بقوله: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض). حكاه الواحدي في الوسيط. قوله «بعضهم أوْلى ببعض»: في الإرث من التوارث في الإيمان والهجرة المذكورة في الآية السابقة. قاله السيوطي. قال صديق حسن خان: في النصرة والمعونة، وقيل في الميراث وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض. قال السمرقندي: يعني: في الميراث من المهاجرين والأنصار. وقال الطبري: في الميراث، إذا كانوا ممن قسم الله له منه نصيبا وحظا، من الحليف والولي. قال قتادة: كان لا يرث الأعرابيُّ المهاجرَ، حتى أنـزل الله: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله). رواه الطبري. قوله «في كتاب الله»: اللوح المحفوظ. قاله السمرقندي، ومكي، والسيوطي، وهو قول الطبري. قال الطبري: في حكم الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ والسابق من القضاء. قال الزمخشري: في حكمه وقسمته. وقيل في اللوح. وقيل في القرآن، وهو آية المواريث وقد استدل به أصحاب أبى حنيفة رحمه الله على توريث ذوى الأرحام. وقال البغوي: أي: في حكم الله عز وجل. وقيل: أراد بكتاب الله القرآن، يعني: القسمة التي بينها في سورة النساء. وقال الزجاج: في حكم الله. حكاه الواحدي. ويجوز أن يعني بالكتاب ههنا القرآن، أي: هم في فرض كتاب الله أولى بأرحامهم. قاله الواحدي. _____ المصدر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير عبدالرزاق الصنعاني، تفسير الطبري، الوسيط للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، الكشاف للزمخشري، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، المنار لمحمد رشيد رضا، تفسير الجلالين، أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري. ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ) التوبة (2) قوله «فسيحوا»: أي اذهبوا وجيئوا آمنين أربعة أشهر ثم لا أمان لكم بعدها. قاله النحاس. قال ابن الهائم: أي سيروا فيها آمنين حيث شئتم. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: سيروا وأقبلوا وأدبروا. قال الزجاج: أي اذهبوا؛ وأقبلوا وأدبروا أربعة أشهر. قال السمرقندي: يعني: فسيروا في الأرض أربعة أشهر آمنين غير خائفين. قال الفراء: تفرقوا آمنين أربعة أشهر مدتكم. قال مكي: أي فاذهبوا آمنين هذه المدة من كان عهده أكثر أو أقل. قال ابن قتيبة: أي اذهبوا آمنين أربعة أشهر أو أقل من كانت مدة عهده إلى أكثر من أربعة أشهر أو أقل فإن أجله أربعة أشهر. قال الطبري: فسيروا فيها مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين من رسول الله ﷺ وأتباعه. قال التستري: يعني سيروا فيها اعتبارا، وبالله إقرارا. قوله «واعلموا أنكم غيرُ معجزي الله»: أي فائتي عذابه. قاله السيوطي. قال الزجاج: أي وإن أجلتم هذه الأربعة الأشهر فلن تفوتوا الله. قال النحاس: أي وإن أجلتم هذا الأجل سينصر المسلمون عليكم. قال السمرقندي: غير سابقي الله بأعمالكم، وغير فائتين بعد الأربعة الأشهر. قوله «وأنَّ الله مخزي الكافرين»: مذلُّهم في الدنيا بالقتل والأخرة بالنار. قاله السيوطي. قال السمرقندي: يعني: مذل الكافرين. ويقال: معذب الكافرين في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، مجاز القرآن لأبي عبيدة، معاني القرآن للفراء، تفسير السمرقندي، تفسير التستري، تفسير الطبري،تفسير الجلالين.
( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) التوبة (3) قوله (وأذان من الله ورسوله): إعلام. قاله مكي، والواحدي، والبغوي، والسيوطي. قال السمعاني: معناه: إعلام من الله ورسوله. قال الطاهر بن عاشور: وهذا إعلام للمشركين الذين لهم عهد بأن عهدهم انتقض. قال النحاس: الأذان الإعلام. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وعلم من الله؛ وهو مصدر واسم من قولهم: آذنتهم أي أعلمتهم، يقال أيضا: «أذين وإذن». قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فقد آذنتكم على سواء ): قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: أعلمتكم فاستوينا في العلم. وقال ابن قتيبة: أي: أعلمتكم وصرت أنا وأنتم على سواء. وقوله ( ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ): قال الزجاج: أي أعلم معلم. وقال النحاس: أي أعلم ونادى؛ يقال آذنت أي أعلمت وأذنت أي أعلمت مرة بعد مرة. قوله ( الحج الأكبر ): يوم النحر. قاله ابن قتيبة، والنحاس، وابن الهائم، والسيوطي، وهو مروي عن ابن عباس، وعلي، وابن عمر. وهو أول أيام عيد الأضحى. قال عبدالله بن جبرين: يوم النحر هو يوم الحج الأكبر على القول الصحيح، فإن أكثر أعمال الحج تفعل فيه. وبه قال أبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن أبي أوفى، وابن المسيب، وابن جبير، وعكرمة، والشعبي، والنخعي، والزهري، وابن زيد، والسدي في آخرين. حكاه ابن الجوزي. وقيل: يوم عرفة. وقيل: أيام الحج كلها. قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة، قولُ من قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر. قال مكي في المشكل: يوم النحر عند مالك وأصحابه، وقيل يوم عرفة. قال ابن قتيبة: يوم النحر. وقال بعضهم: يوم عرفة. وكانوا يسمون العمرة: الحج الأصغر. قال الراغب: إنما وصفه بالأكبر تنبيها أن العمرة هي الحجة الصغرى. قال الفراء: وجعل لمن لم يكن له عهد خمسين يوما أجلا. وكل ذلك من يوم النحر. قوله (أن الله برئ): أي بأن. قال الأخفش: أي: بأن الله بريء. _____ المصدر: التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للأخفش، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري،تفسير البغوي، تفسير السمعاني، الوجيز للواحدي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين. فتاوى الشيخ عبدالله بن جبرين.
( إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) التوبة 4 قال البغوي: هذا استثناء من قوله: ( بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). قال الإيجي الشافعي: استثناء من المشركين في قوله ( بريء من المشركين ) فالمستثنى من جميع المشركين من كان أجل عهده فوق أربعة أشهر ولم ينقضوا العهد، فوجب إتمام عهدهم على الأصح. قاله الإيجي الشافعي. قال الزجاج: معنى الكلام: وقعت البراءة من المعاهدين الناقضين للعهود، إلا الذين عاهدتم ثم لم ينقضوكم، فليسوا داخلين في البراءة ما لم ينقضوا العهد. قال الشوكاني: والتقدير: براءة من الله ورسوله إلى المعاهدين من المشركين إلا الذين لم ينقضوا العهد منهم. قوله «إلا الذين عاهدتم من المشركين »: وهم بني ضمرة وبنو كنانة. قاله الواحدي. قال مكي في المشكل: وهذا في بني ضمرة خاصة. وبه قال ابن قتيبة. قال صديق حسن خان: قال ابن عباس: هم قريش، وقال قتادة: هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية، وقيل هم بنو ضمرة حي من كنانة. قوله « ثم لم ينقصوكم شيئا»: أي لم ينقصوكم شيئا من شروط العهد التي عاهدتموهم عليها. قال الإيجي الشافعي: من شرط العهد. قال النسفي: أي وفوا بالعهد ولم ينقضوه. قال الزمخشري: لم يقتلوا منكم أحدا. ولم يضروكم قط. قال ابن أبي زمنين: أي لم يضروكم. قال السمعاني: وقع الاستثناء على قوم من بني ضمرة أمر الله رسوله أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم، وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر؛ والسبب في الإتمام: أنهم لم ينقضوا العهد، وهذا معنى قوله تعالى: ( ثم لم ينقصوكم شيئا). قوله «ولم يظاهروا»: يعاونوا. قاله الإيجي الشافعي، وأبو حيان، والسمرقندي، وابن أبي زمنين، والسمعاني، والسيوطي، والخطيب الشربيني. قال البقاعي: أي يعاونوا معاونة تظهر. قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: يعينوا عليكم. قال ابن قتيبة: أي: لم يعينوه والظهير: العَوْن. وقال صديق حسن خان: المظاهرة المعاونة أي لم يعاونوا. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ): قال ابن قتيبة: أي عونا. وقال أبو بكر السجستاني: أي: معينا. وقوله ( وظاهروا على إخراجكم): قال الطبري: وعاونوا من أخرجكم من دياركم على إخراجكم. وقوله( فإن تظاهرا عليه ): قال الراغب الأصفهاني: أي: تعاونا. وقوله ( تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان ): قال أبو حيان: تعاونون. وقوله ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ): قال ابن قتيبة: أي عونا. وقوله ( وإن تظاهرا عليه ): قال القرطبي: أي تتظاهرا وتتعاونا. قوله «عليكم أحدا»: من الكفار. قاله السيوطي. وقال الإيجي: من أعدائكم. قال ابن عباس: ولم يعاونوا عليكم عدوا. حكاه الواحدي. قوله «فأتموا إليهم عهدهم »: فأوفوا لهم بعهدهم. قاله البغوي. قال النسفي: فأدوه إليهم تاما كاملا. قال القشيري: من وفّى الحق فى عقده فزده على حفظ عهده إذ لا يستوى من وفّاه ومن جفاه. قوله «إلى مدتهم»: إلى انقضاء مدتهم التي عاهدتم عليها. قاله السيوطي. قال النسفي: إلى تمام مدتهم. قال البغوي: إلى أجلهم الذي عاهدتُموهم عليه. قال الواحدي معناه: إلى انقضاء مدَّتهم وكان قد بقي لهم من مدَّتهم تسعة أشهر فأمر النبي ﷺ بإتمامها لهم. قوله «إن الله يحب المتقين»: بإتمام العهود. قال الإيجي: فإتمام العهد من التقوى. قال الزجاج: أي ليسوا داخلين في البراءَة ما لم ينقضوا العهود. المعنى الإجمالي للآية: ويُستثنى من الحكم السابق( آية 3 ) المشركون الذين دخلوا معكم في عهد محدد بمدة، ولم يخونوا العهد، ولم يعاونوا عليكم أحدا من الأعداء، فأكملوا لهم عهدهم إلى نهايته المحدودة. إن الله يحب المتقين الذين أدَّوا ما أمروا به، واتقوا الشرك والخيانة، وغير ذلك من المعاصي. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير القشيري، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، الكشاف للزمخشري، زاد المسير لابن الجوزي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير السمعاني، تفسير النسفي، السراج المنير للخطيب الشربيني، مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير الجلالين.
( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة [5] فائدة: هذه الآية تسمى آية السيف، وآية القتال، وآية الجهاد. فاحفظ هذا جيدا؛ تخدمك في كثير من المواضع. فائدة: قال صديق حسن خان: وهذه الآية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذاهم. قال السمرقندي: ويقال: إن هذه الآية نسخت سبعين آية في القرآن من الصلح والعهد والكف، مثل قوله ( قل لست عليكم بوكيل ) وقوله: (لست عليهم بمصيطر)، وقوله: ( فأعرض عنهم )، وقوله: (لكم دينكم ولي دين)، وما سوى ذلك من الآيات التي نحو هذا صارت كلها منسوخة بهذه الآية. قوله «فإذا انسلخ»: فإذا انقضى ومضى وخرج. قاله الطبري. قال ابن الهائم: خرجت. قال ابن عطية: الانسلاخ: خروج الشيء عن الشيء المتلبس به كانسلاخ الشاة عن الجلد والرجل عن الثياب. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى: (آتيناه آياتنا فانسلخ منها): قال الفراء: أي خرج منها وتركها. وقال ابن الهائم: أي خرج منها؛ كما ينسلخ الإنسان من ثوبه، والحيّة من جلدها. وقوله ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ): قال أبو بكر السجستاني، والزجاج: نخرج منه النهار إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوء النهار.
وقال بيان الحق ونجم الدين النيسابوري: نخرج منه ضوءه، كما نسلخ الشاة من جلدها . انتهى
قال الواحدي في الوسيط: أي مضى وذهب؛ وذهابها بانسلاخ المحرم. وقال الواحدي في الوجيز: يعني: مدة التأجيل. قال البغوي: انقضى ومضى. قال السمرقندي: إذا مضى الأشهر التي جعلتها أجلهم. قال الفراء: عن الذين أجلهم خمسون ليلة. قوله «الأشهر الحرم»: وهي آخر مدة التأجيل. قاله السيوطي. قال الواحدي: أمره أن يضع السيف فيهم حتى يدخلوا في الإسلام. قال ابن الهائم: وهي أربعة: رجب، وذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، واحد فرد وثلاثة سرد، أي متتابعة. قال مكي في الهداية: والمعنى: فإذا انقضت الأشهر الحرم عن الذين لا عهد لهم، أو عن الذين كان لهم عهد، فنقضوا وظاهروا المشركين على المسلمين، أو كان عهدهم إلى غير أجل معلوم. قوله «فاقتلوا المشركين»: يعني من لم يكن له عهد. قاله ابن قتيبة، وابن الجوزي. قال بيان الحق النيسابوري: إلا حلفا وعهدا. قوله « حيث »: أي في أي مكان وأي وقت. قاله صديق حسن خان. قوله « وجدتموهم»: من الأرض، في الحرم، وفي غيره، وفي الأشهر الحرم وفي غيرها. قاله مكي في الهداية. قال الواحدي، وصديق حسن خان، والسيوطي: في حل أو حرم. قال الفراء: في الأشهر الحرم وغيرها في الحل والحرم. قال السمرقندي: في الحل والحرم، يعني: المشركين الذين لا عهد لهم بعد ذلك الأجل. قال مكي في الهداية: عند انسلاخ الأشهر في الحل و الحرم حتى يشهدوا أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله. قوله «وخذوهم»: بالأسر. قاله الواحدي في الوجيز، وبه قال السيوطي. قال ابن قتيبة، ومكي، وابن الجوزي: أي ائسروهم. قال الزمخشري: والأخيذ: الأسير واحصروهم وقيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد. قال السمعاني: والعرب تسمي الأسير أخيذا، وفي المثل: أكذب من أخيذ. قال السمرقندي: يعني: ائسروهم وشدوهم بالوثاق. قوله «واحصروهم»: احبسوهم. قاله ابن قتيبة، وابن الهائم، والبغوي، وابن الجوزي. وزاد ابن قتيبة: والحصر: الحبس. وزاد ابن الهائم: وامنعوهم من التصرف. قال صديق حسن خان: ومعنى الحصر منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم ( من المسلمين )، وقيل امنعوهم من دخول مكة خاصة والأول أولى. يقول : وامنعوهم من التصرف في بلاد الإسلام ودخول مكة قال السيوطي: في القلاع والحصون حتى يضطروا إلى القتل أو الإسلام. قال السمرقندي: إن لم تظفروا بهم، فاحصروهم في الحصن والحصار.
قال الكلبي: يعني: واحبسوهم عن البيت الحرام أن يدخلوه.
وقال مقاتل: واحصروهم يعني: التمسوهم. انتهي قال مكي في الهداية: أي امنعوهم من التصرف في بلاد المسلمين. وأصل الحصر: المنع (والحبس). قلت ( عبدالرحيم ): ومما جاء في معنى المنع قوله تعالى ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ): قال أبو حيان، وابن الهائم: منعتم. وما جاء في معنى الحبس قوله ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ):قال بيان الحق، ونجم الدين النيسابوري: احتبسوا. وقوله (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ): قال ابن قتيبة: أي محبسا. من حصرت الشيء: إذا حبسته. فعيل بمعنى فاعل. وقال الزجاج: أي حبسا. وقوله ( سيدا وحصورا ):قال ابن قتيبة: وهو «فعول» بمعنى «مفعول» . كأنه محصور عنهن ( النساء )، أي مأخوذ محبوس عنهن. انتهى قوله «واقعدوا لهم»: والمراد بالقعود الاعتراض، كقوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم). قاله الجرجاني.
قوله «كلَّ مرصد»: طريق.
قاله صديق حسن خان، ومكي، وابن الهائم، والسيوطي. وزاد صديق، والسيوطي: يسلكونه. وزاد ابن الهائم: والجمع مراصد. قال الجرجاني: الطريق الذي لا بد منه. قال الزمخشري: كل ممر ومجتاز. قال السمرقندي: ارصدوا لهم بكل طريق. قال ابن قتيبة: أي: كل طريق يرصدونكم به. قال الأخفش: المعنى اقعدوا لهم على كل مرصد. قال الفراء: على طرقهم إلى البيت. قوله «فإن تابوا»: من الكفر. قاله السيوطي. وقال الواحدي: من الشرك. قلت ( عبدالرحيم ): ولا فرق بين الكفر والشرك. والدليل قوله تعالى على لسان صاحب الجنة الذي أنكر البعث ( يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) فكل كفر شرك، والعكس صحيح؛ لأن الكافر- مثلا - اذا أنكر البعث فقد أشرك مع الله هواه وشيطانه. وقد قال له صاحبه ( أكفرت بالذي خلقك)، فليراجع الآيات في سورة الكهف بتمامها. وبه قال الألباني. قال ابن باز( جزء من كلامه )... فسمى الكفار به كفاراً وسماهم مشركين، فدل ذلك على أن الكافر يسمى مشركاً، والمشرك يسمى كافراً، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة. انتهى قوله «وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلُّوا سبيلهم»: ولا تتعرضوا لهم. قال السمرقندي: يعني: اتركوهم ولا تقتلوهم. قال ابن الهائم: أي اتركوهم يدخلون مكة ويتصرفون في البلاد. قال الجرجاني: والتخلية أن تجعل الشيء فارغا خاليا. قوله «إن الله غفور رحيم»: لمن تاب. قال السمرقندي: غفور لما كان من الذنوب في الشرك، رحيم بهم بعد الإسلام. ______ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للأخفش، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، الكشاف للزمخشري، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير السمعاني، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير الطبري، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير الجلالين.
( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبة (6) فائدة: س: هل الآية منسوخة؟ ج: قال الحسن: وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة. حكاه البغوي، والزمخشري. وروى الطبري عن السدى والضحاك: هي منسوخة بقوله تعالى فاقتلوا المشركين. قال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندي، قولُ من قال: ليس ذلك بمنسوخ. قوله «وإن أحد من المشركين»: الذين أمرتك بقتلهم، استجارك طلب منك الأمان والجوار، فأجره من القتل. قاله الواحدي في البسيط. قال السمرقندي: ويقال: فيه تقديم، ومعناه: وإن استجارك أحد من المشركين. قوله «استجارك»: استأمنك من القتل. قاله صديق حسن خان، والسيوطي. قال النحاس: أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله فأجره. قال الإيجي الشافعي، والواحدي : طلب منك الأمان. وزاد الواحدي: من القتل. قال صديق حسن خان: يقال استجرت فلانا أي طلبت أن يكون جاراً أي محاميا ومحافظا من أن يظلمني ظالم أو يتعرض لي متعرض. قال ابن الجوزي: استأمنك يبتغي أن يسمع القران وينظر فيما أمر به. قال البغوي: أي استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله. قال البقاعي: أي طلب أن تعامله في الإكرام معاملة الجار بعد انقضاء مدة السياحة. قال الزجاج: المعنى إن طلب منك أحد منهم أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام الله. قوله «فأجره»: أمِّنه. قاله الإيجي، والسمعاني. قال البقاعي: أي فآمنه ودافع عنه من يقصده بسوء. قال الواحدي في الوجيز: فاجعله في أمن. وقال البغوي: فأعذه وآمنه. قال السمعاني: الإستجارة: طلب الأمان. ومعنى الآية: وإن أحد من المشركين طلب منك الأمان فأجره، أي: أمنه. قوله «حتى يسمع كلام الله»: القرآن. قاله الواحدي، والسيوطي، وغيرهما. وزاد الواحدي في الوجيز: فتقيم عليه حجة الله وتبين له دين الله. قال السمرقندي: اعرض عليه القرآن حتى يسمع قراءتك بكلام الله. قال النسفي: والمعنى وإن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه واستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد والقرآن فأمنه. نكتة: والاقتصار على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم لكونهم من أهل الفصاحة. قاله صديق حسن خان. قال البقاعي في قوله ( حتى يسمع كلام الله ) : أي الملك الأعظم بسماع التلاوة الدالة عليه، فيعلم بذلك ما يدعو إليه من المحاسن ويتحقق أنه ليس كلام الخلق. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى (حتى يسمع كلام الله ): فيه أن الله يتكلم، وصفة الكلام ثابتة لربنا ومعبودنا على ما يليق به؛ وعليه النصوص تواترت، وأجمع عليه سلف الأمة؛ من أنه سبحانه يتكلم كلاما مسموعا؛ وكما أن نفسه لايشبهها شيء فكذا صفاته. ومنه قوله تعالى ( منهم من كلم الله )، وقوله ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه )، وقال ( وكلم الله موسى تكليما )، وفي الحديث ( إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا : ( فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير). رواه البخاري. وعنده معلقا : عن ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئا، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت، عرفوا أنه الحق ونادوا: ( ماذا قال ربكم قالوا الحق). انتهى قوله «ثم أبلغه مأمنه»: دار الحرب. قاله الجرجاني. قال البغوي: أي إن لم يسلم أبلغه مأمنه، أي: الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله. قال السيوطي: وهو دار قومه إن لم يؤمن لينظر في أمره. قال الواحدي في الوجيز: إذا لم يرجع عن الشرك لينظر في أمره. قال الواحدي في البسيط: الموضع الذي يأمن فيه. وبه قال السمعاني، وابن الجوزي. قال الفراء: يقول: رده إلى موضعه ومأمنه. قال السمرقندي: وفي الآية دليل: أن حربيا لو دخل دار الإسلام على وجه الأمان، يكون آمنا ما لم يرجع إلى مأمنه. قوله «ذلك»: المذكور. قوله «بأنهم قوم لا يعلمون»: أي: يفعل ذلك بهم؛ لأنهم قوم جهلة لا يعلمون قدر ما دعوا إليه. قاله مكي في الهداية. كلام قيم؛ وهو المعنى الإجمالي للآية: قال الزمخشري: والمعنى: وإن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه ولا ميثاق، فاستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد والقرآن، وتبين ما بعثت له فأمنه حتى يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر ثم أبلغه بعد ذلك داره التي يأمن فيها إن لم يسلم. ثم قاتله إن شئت من غير غدر ولا خيانة، وهذا الحكم ثابت في كل وقت. _____ المصدر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، الكشاف للزمخشري، تفسير النسفي، تفسير الطبري، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير الجلالين.
( كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ) التوبة 8 قوله { كيف } : يكون لهم عهد. قاله البقاعي، والسيوطي. وزاد البقاعي: ثابت. قال البغوي : هذا مردود على الآية الأولى تقديره: كيف يكون لهم عهد عند الله. قال الأخفش: فأضمر. كأنه قال: كيف لا تقتلونهم. قوله { وإن يظهروا عليكم } : يظفروا بكم. قاله الواحدي، والبغوي، والسيوطي. وزاد الواحدي:ويقدروا عليكم. قال السمرقندي: يغلبوا عليكم ويظفروا بكم. قوله { لا يرقبوا }: لا يحفظوا. قاله الواحدي، والبغوي، والسمرقندي. وزاد الواحدي: فيكم. وزاد السمرقندي: فيكم قرابة ولا عهدا. وحكاه ابن الجوزي عن ابن عباس.
وقال الإيجي الشافعي، وقطرب، والسيوطي: يراعوا.
قال البقاعي: أي لا ينظروا ويرعوا. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى:أي لا يراقبون. قال الألوسي: أي لم يراعوا في شأنكم ذلك. نكتة: قال الألوسي: أصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل في مطلق الرعاية، والمراقبة أبلغ منه كالمراعاة، وفي نفي الرقوب من المبالغة ما ليس في نفيهما، وما ألطف ذكر الرقوب مع الظهور. قوله { فيكم }: أي في أذاكم بكل جليل وحقير. قاله البقاعي. قوله { إِلّاً }: يعني قرابة؛ بلغة قريش. قاله ابن حسنون السامري، والقاسم بن سلام. وبه قال الإيجي الشافعي، وأبو يحيى السنيكي زكريا الأنصاري، والبقاعي، والسيوطي، وغيرهم. وحكاه نافع ابن الأزرق عن ابن عباس. قال ابن الجوزي: وبه قال الضحاك، والسدي، ومقاتل، والفراء. قال الراغب الأصفهاني: الإل: كل حالة ظاهرة من عهد حلف وقرابة. تئل: تلمع، فلا يمكن إنكاره. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: مجاز الإل: العهد والعقد واليمين. قال الكيا الهراسي: يحتمل القرابة والعهد والجوار. قال ابن جنى في المحتسب: قالوا الإل بالنبطية اسم الله تعالى. حكاه السيوطي في المهذب. وقال ابن قتيبة، وابن الهائم: الإلّ هو: الله تعالى. وبه قال مجاهد، وعكرمة. وتعقب النحاس: ما روي عن أبي مجلز ومجاهد أن الإل الله جل وعز فغير معروف لأن أسماء الله جل وعز معروفة والذمة العهد. قال أبوبكر السجستاني: ( إل) على خمسة أوجه: إل: الله عز وجل. وإل: عهد. وإل: قرابة. وإل: حلف. وإل: جوار. قوله { ولا ذمة }: والذمة: العهد. قاله أبو يحيى السنيكي، ابن الهائم، والسيوطي. وبه قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، والضحاك في آخرين. حكاه ابن الجوزي. قال أبو بكر السجستاني: والذّمّة: العهد، وقيل: ما يجب أن يحفظ ويحمى. قال السيوطي: بل يؤذوكم ما استطاعوا، وجملة الشرط حال. قال ابن قتيبة: يريد: أن المشركين لم يكونوا يرقبون في قراباتهم من المسلمين رحما، وقد قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: ( قُل لا أسئلكم عليه أجرا إِلا المودة في القربى ) . قوله { يرضونكم بأفواههم }: بكلامهم الحسن. قاله السيوطي. قوله {وتأبى قلوبهم }: الوفاء به. قاله الواحدي، والسيوطي. قوله { وأكثرهم فاسقون }: خارجون عن الصدق، ناكثون للعهد. حكاه ابن الجوزي عن ابن عباس. ( زاد المسير ). وقال الإيجي، والواحدي: ناقضون للعهد. قلت ( عبدالرحيم ): فإن قلت ما وجه وصف الله لهم بأن أكثرهم فاسقون، والواقع أن كلهم فاسقون؟ قيل: أراد بالفسق: نقض العهد، وكان في المشركين من وفى بعهده، وأكثرهم نقضوا، فلهذا قال:( وأكثرهم فاسقون). قاله البغوي. ____ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم،معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تأويل المشكل لابن قتيبة، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، جامع البيان للإيجي الشافعي، المهذب فيما وقع من القرآن من المعرب لابن الجوزي، تفسير الجلالين، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، فتح الرحمن لكشف ما يلتبس من القرآن لزكريا الأنصاري، روح المعاني للألوسي، أحكام القرآن للكيا الهراسي.
( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) التوبة 12 قال السيوطي في (الإكليل) : استدل بهذه الآية من قال إن الذّمّي يقتل إذا طعن في الإسلام أو القرآن أو ذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسوء، سواء شرط انتقاض العهد به أم لا. قال الزجاج: وهذه الآية توجب قتل الذمي إذا أظهر الطعن في الإسلام لأن العهد معقود عليه بألا يطعن، فإذا طعن فقد نكث. وقال السمعاني: هذا دليل على أن الذمي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد، ويجوز قتله. وبنحوه قال البغوي. قوله «وإن نكثوا»: مقابل قوله: (فإن تابوا). قاله صديق حسن خان. ومعنى ( نكثوا ): نقضوا. قاله الإيجي الشافعي، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان، وابن الهائم، والنحاس، والرازي، والواحدي، والبغوي. وزاد البغوي، والواحدي، والرازي: عهودهم. قال البقاعي: أي التي حلفوها لكم. قال مكي في الهداية: أي: وإن نكث هؤلاء المشركون عهودهم من بعد ماعاهدوكم. قال بيان الحق: يعني قريشا إذ غدروا بخزاعة. قال الخطيب الشربيني: أي نقضوا عهودهم وهم الذين نقضوا عقد الصلح بالحديبية وأعانوا بني بكرة على خزاعة وهذا يدل على أن قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم من الكفار ليكون ذلك زجراً لغيرهم. قال السمعاني: هذا في العهد الذي كان بين رسول الله وبين قريش، فنقضوا العهد. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وإن نكثوا أيمانهم ): أي نقضوا. ومنه قوله تعالى ( فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ): قال أبو بكر السجستاني، والنحاس: ينقضون العهد. وقال الزجاج: أي إذا هم ينقضون عهدهم. وقوله (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ): قال النحاس: يقال نكث إذا نقض ما اعتقده. وقال الطبري: يقول: فإنما ينقض بيعته. انتهى قوله «أيمانهم»: مواثيقهم. قاله الإيجي الشافعي، والسيوطي. قوله «من بعد عهدهم»: أي الذي عقدوه. قاله البقاعي. قال صديق حسن خان: أي من بعد أن عاهدوهم والمعنى أن الكفار إن نكثوا العهود التي عاهدوا بها المسلمين ووثقوا لهم بها. قوله « وطعنوا »: أي عابوه. قاله السيوطي. قال ابن عطية: أي بالاستنقاص والحرب وغير ذلك مما يفعله المشرك. قال الرازي: عابوا دينكم، وقدحوا فيه. قال الواحدي: اغتابوكم وعابوا دينكم. قال مكي في الهداية: أي: قدحوا فيه، وثلبوه وعابوه. قوله « في دينكم»: أي بقول أو فعل. قاله البقاعي.
قوله «فقاتلوا»: أي فقد وجب على المسلمين قتالهم. قاله صديق حسن خان. قوله «أئمة الكفر»: رؤساءه. قاله النحاس، والسيوطي. قال الزجاج: أي رؤساء الكافرين، وقادتهم، لأن الإمام متبع. قال الإيجي الشافعي: رؤساء مشركي قريش فإنهم ناقضون للعهد مستهزئون بدين الله، أي: قاتلوهم؛ لأنهم صاروا بذلك ذوي الرياسة في الكفر قال بعضهم: هم أهل فارس والروم وقال حذيفة بن اليمان: لم يأت أهلها بعد. قال صديق حسن خان: وهي جمع إمام، والمراد صناديد المشركين وأهل الرياسة فيهم على العموم. قال ابن عطية: أي رؤوسهم وأعيانهم الذين يقودون الناس إليه. قال الرازي: أي متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا. قال البقاعي: ولما كان هذا الفعل لا يستقل به في الأغلب إلا الرؤساء، أشار إلى ذلك بقوله: ( فقاتلوا ). قوله «إنهم لا أيمان»: عهود. قاله الإيجي الشافعي، والواحدي، والبغوي، والسيوطي. وزاد الإيجي، والواحدي: لهم. قال ابن الجوزي: لا عهود لهم صادقة. قوله «لهم»: وفي قراءة بالكسر. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): من قرأ: ( أيمان ) - بالفتح- وهم الأكثر؛ فمعناه: عهود. جمع يمين. كقوله تعالى ( واحفظوا أيمانكم )، وقوله ( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم )، وقوله ( تحلة أيمانكم )، وقوله ( بما عقدتم الأيمان ). ومن قرأ ( إيمان ) - بالخفض- فقد قال الإيجي: ومن قرأ لا إيمان بكسر الهمزة فمعناه لا إسلام، أو لا أمان لهم. قوله «لعلهم ينتهون»: عن الكفر. قاله السيوطي. وقال مكي: أي ينتهون عن الشرك ونقض العهود. قال الإيجي: أي قاتلوهم لعلهم يرجعون عما هم عليه من الكفر والعناد. قال البغوي: أي لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم. وقيل: عن الكفر. المعنى الإجمالي للآية: وإن نقض هؤلاء المشركون العهود التي أبرمتموها معهم، وأظهروا الطعن في دين الإسلام، فقاتلوهم فإنهم رؤساء الضلال، لا عهد لهم ولا ذمة، حتى ينتهوا عن كفرهم وعداوتهم للإسلام. ____ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان لابن الهائم، تذكرة الأريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان لبيان الحق النيسابوري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير البغوي،تفسير النسفي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، المحرر الوجيز لابن عطية، جامع البيان للإيجي الشافعي، السراج المنير للخطيب الشربيني، مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير الجلالين.
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) التوبة [16] قوله «أم»: بمعنى همزة الإنكار. قاله السيوطي. قال صديق حسن خان: "أم" هذه هي المنقطعة التي بمعنى: بل، والهمزة والاستفهام للتوبيخ. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا ): قال القرطبي: " أم " بمعنى: بل . قال مكي في الهداية: و ( أم ): هنا: استفهام، والمعنى: أحسبتم أيها المؤمنون كذا وكذا؟. قوله «حسبتم أن تُتركوا »: أيها المؤمنون. وقيل خطاب للمنافقين. قاله الإيجي. قال صديق حسن خان القِنَّوجي: والمعنى كيف يقع الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه. قوله «ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم»: ( ولما ): بمعنى: ولم. أفاده السيوطي، والقرطبي. قال الإيجي الشافعي: أي: نترككم مهملين ولا نختبركم بأمور يظهر الخُلَّص من غيرهم، نفى العلم، وأراد نفي المعلوم للمبالغة نفيا للملزوم بنفي اللازم. قال صديق خان: والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركون ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص. قوله «يعلم الله»: علم ظهور. قاله السيوطي. قال مكي في الهداية: علم مشاهدة. وقد كان علم ذلك، تعالى، قبل خلق العالم، ولكن المجازاة إنما تقع على المشاهدة. قلت (عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ): قال القرطبي: علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء . وقوله ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ): قال مكي في الهداية: قال ابن عباس: " إلا ليتميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة ". والتقدير: وما جعلنا صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة إلا لنعلم علم عيان تجب عليه المجازاة، من يتبع الرسول على قبلته ممن يرجع عن إيمانه فيخالف الرسول. وقيل: المعنى: إلا لنُعْلِم رسولي وأوليائي ذلك. وقيل: " علم " هنا بمعنى " رأى "، فالمعنى: إلا لنرى من يتبع. وقيل: إنهم خوطبوا على ما كانوا يسرون؛ كان اليهود والمنافقون والكفار ينكرون أن يعلم الله عز وجل الشيء قبل كونه، فيكون المعنى: إلا لنبين لكم أنا نعلم لأشياء قبل كونها. وقيل: إنما قال: " لنعلم " على طريق الرفق بعباده، واستمالتهم إلى الطاعة كما قال: ( وإنآ أو إياكم لعلى هدى ). وقد علم أن محمدا ﷺ على هدى، وأن الكفار على ضلال. وقوله ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ): قال السيوطي: علم ظهور. وقوله ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ): قال مكي في الهداية: معناه فليظهرن الله ذلك بالابتلاء والاختبار. قوله «الذين جاهدوا منكم»: بإخلاص. قاله السيوطي. قوله «وليجة»: بطانة. بلغة هذيل. قاله ابن حسنون السامري، والقاسم بن سلّام. قال الإيجي الشافعي: بطانة وأولياء يفشون إليهم أسرارهم. وبنحوه قال الثعلبي. قال الجرجاني: هو الذي يلج عليك وتلج عليه على كل حال ولا يكتم عنه سره. قال ابن منظور: وليجة الرجل: بطانته ودخلاؤه وخاصته. قال مكي في المشكل: البطانة من غير المسلمين. قال مكي في الهداية: أي: بطانة من المشركين، يفشون إليهم من سرهم. قال بيان الحق النيسابوري: خلطاء يناجونهم، الواحد والجماعة فيه سواء. قال نجم الدين النيسابوري: البطانة الذي يلج في باطن أمر الرجل، وفيه دليل على تحريم مخالطة الفاسق. قال غلام ثعلب: الوليجة: الرجل يدخل على المؤمنين، فيقول: أنا منكم، ويدخل على المنافقين ويقول: أنا منكم، ويدخل على اليهود فيسهل عليهم أمر اليهودية، وجمعه: ولائج. قال ابن منظور: ورجل خُرَجَة وُلُجَة، مثل همزة، أي كثير الدخول والخروج. ووليجة الرجل: بطانته وخاصته ودخلته. قال الزبيدي ( في التاج ): الوليجة: من تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك، وبه فسر بعض من المشركين. قال أبو بكر السجستاني: أي بطانة ودخلاء من المشركين يخالطونهم ويوادونهم. قال أبو عبيدة ( معمر بن المثنى )، وابن الهائم، وأبو حيان: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة. وزاد أبو عبيدة: والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم، ومجازه يقول: فلا تتخذوا وليا ليس من المسلمين دون الله ورسوله. وقال قتادة وليجة: خيانة. وقال الضحاك: خديعة. حكاه الثعلبي. قال الزجاج: والوليجة: البطانة، وهي مأخوذة من ولج الشيء يلج إذا دخل. أي ولم يتخذوا بينهم وبين الكافرين دخيلة مودة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ): قال ابن الهائم، وابن قتيبة: أي: تدخل هذا في هذا. وقوله (حتى يلج الجمل في سم الخياط ): قال ابن قتيبة: أي يدخل البعير. قوله (والله خبير بما تعملون): خبير بكل شيء، خبير بعدوكم، خبير بعواقب الأمور إن خالفتموه واتخذتموهم بطانة، وقد نهاكم عن ذلك ( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ): قال أبو عبيدة: أي شرا. قال الراغب: والوليجة: البطانة من المشركين يتخذونهم فيفشون إليهم أسرارهم، ويعلمونهم أمورهم. فنهوا عن ذلك. ________ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، الكشف والبيان للثعلبي، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، لسان العرب لابن منظور، تاج العروس للزبيدي.
( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [24] لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [25] ) التوبة كلام قيم: قال الزمخشري: وهذه آية شديدة، لا ترى أشد منها؛ كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين، فلينصف أورع الناس، وأتقاهم من نفسه، هل يجد عنده من التصلب في ذات الله، والثبات على دين الله ما يستحب له دينه على الآباء، والأبناء، والإخوان، والعشائر، والمال والمساكن، وجميع حظوظ الدنيا، ويتجرد منها لأجله ؟ ، أم يزوي الله عنه أحقر شيء منها لمصلحته، فلا يدري أي طرفيه أطول؟ ويغويه الشيطان عن أجل حظ من حظوظ الدين، فلا يبالي كأنما وقع على أنفه ذباب فطيَّره ؟ . قوله «قل»: للمتخلفين عن الهجرة. قاله البغوي. قوله «وأموال اقترفتموها»: اكتسبتموها. قاله الإيجي، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان، والبغوي، والواحدي، والسمعاني، وابن الجوزي، والنسفي، والسيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ):قال ابن قتيبة: أي يكتسب. وقال غلام ثعلب: قال: الاقتراف: الاكتساب، يكون خيرا، ويكون شرا. وقوله ( وليقترفوا ما هم مقترفون ): قال ابن قتيبة: أي: ليكتسبوا. وقوله ( سيجزون بما كانوا يقترفون ): قال أبو حيان: يكتسبون، وقيل: يدعون. انتهى وقال ابن الهائم: ( وأموال اقترفتموها ): اقتسمتموها. وعن قتادة قال: أصبتموها. حكاه الشوكاني. قوله «وتجارة تخشون كسادها»: عدم رواجها. قاله الخضيري. قال أبو السعود: بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة في أيام الموسم. وقال السيوطي: عدم نفادها. قوله «ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله»: فقعدتم لأجله عن الهجرة والجهاد. قاله السيوطي. قوله «فتربصوا»: فانتظروا. قاله السمعاني، والبغوي، وأبو السعود، والسيوطي؛ إلا أن السيوطي، وأبا السعود قالا قال: انتظروا. قال ابن الجوزي: والتربص: الانتظار. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( نتربص به ريب المنون ): قال الواحدي: أي: ننتظر به حدثان الموت. وقوله ( قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ): قال السمعاني: أي: المنتظرين، وانتظاره كان إما أن يظفر بهم أو يسلموا. وقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ): قال الواحدي في الوجيز: ينتظرون انقضاء مدة ثلاثة أطهار. قوله «حتى يأتي الله بأمره»: يعني فتح مكة. قاله يحيى بن سلام، ومكي، والواحدي. وحكاه البغوي عن مقاتل، ومجاهد. وزاد الواحدي: فيسقط فرض الهجرة. قال السمعاني: أكثر المفسرين على أن المراد منه: فتح مكة، وهذا أمر تهديد وليس بأمر حتم ولا ندب ولا إباحة. وقيل: بقضائه. قوله «في مواطن كثيرة»: أي مشاهد كثيرة. قال الواحدي: أي: في أمكنة ومقامات، يخاطب النبي ﷺ والمؤمنين. قال الزمخشري: والمواطن الكثيرة: وقعات بدر، وقريظة، والنضير، والحديبية، وخيبر، وفتح مكة. قوله «و»: اذكر. قوله «يوم حنين»: واد بين مكة والطائف، أي: يوم قتالكم فيه هوازن وذلك في شوّال سنة ثمان. قاله السيوطي. «بما رحبت»: اتسعت. قاله ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وغلام ثعلب، وأبو حيان، وابن الهائم. قال ابن قتيبة: يريد ضاقت عليهم مع سعتها. قال الجرجاني: أي ضاقت برحبها ومع رحبها. قال الواحدي: فلم تجدوا فيها موضع يصلح لفراركم. قال السيوطي: لشدة ما لحقكم من الخوف. قال الراغب الأصفهاني: الرحب: سعة المكان. وقال البغوي: تقول العرب: مرحبا وأهلا وسهلا أي: أتيت رحبا وسعة. قلت ( عبدالرحيم ): وقد نفى الله الرُّحْبُ - بالضم: السعة - عن أهل النار - أعاذني الله إياك - فقال حكاية عنهم ( لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم ): قال مكي : أي: لا اتسعت أماكنكم بكم. قوله «ثم وليتم مدبرين»: منهزمين وثبت النبي ﷺ على بغلته البيضاء وليس معه غير العباس وأبو سفيان آخذ بركابه. قاله السيوطي. قال الزجاج: أعلم الله أنهم ليس بكثرتهم يغلبون، إنما يغلبون بنصر الله إياهم، ووكلوا ذلك اليوم إلى كثرتهم فانهزموا، ثم تداركهم الله بنصره حتى ظفروا، وذلك قوله: ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين): يعني: الأمنة والطمأنينة. حكاه الواحدي في الوسيط. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان لابن الهائم، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، التصاريف ليحيى بن سلام، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، تفسير النسفي، الكشاف للزمخشري، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، درج الدرر للجرجاني، البحر المحيط لأبي حيان، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، فتح القدير للشوكاني، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير الجلالين.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) التوبة قوله «إنما المشركون نجس»: أي: قذر. قاله ابن قتيبة، ومكي، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان، وابن الهائم، وابن الجوزي، والسيوطي.
وزاد السيوطي: لخبث باطنهم.
قال الأخفش: و"النجس": القذر. قوله «فلا يقربوا المسجد الحرام»: أي لا يدخلوا الحرم. قاله السيوطي. قال ابن الجوزي: شق على المسلمين وقالوا من يأتينا بطعامنا وكانوا يقدمون بالتجارة فنزلت ( وإن خفتم عيلة). قوله «بعد عامهم هذا»: عام تسع من الهجرة. قاله السيوطي، وأفاده الزجاج. قال الزجاج: أمر المسلمون بمنع المشركين من الحج وبقتلهم حيث ثقفوهم. قوله «وإن خفتم عَيْلةٌ»: يعني فاقة. بلغة هذيل. قاله ابن حسنون السامري، والقاسم بن سلّام. قال ابن منظور: الفاقة: الحاجة والفقر. عيلة: أي فقرا. قاله الفراء، وابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، والراغب الأصفهاني، وأبو حيان، ونجم الدين النيسابوري، والسيوطي. وزاد نجم الدين: بانقطاع المتاجر. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وإن خفتم عيلة ): أي فقرا. ومنه قوله تعالى ( ووجدك عائلا فأغني ): قال الفراء، وابن قتيبة: فقيرا. قوله «فسوف يغنيكم الله من فضله»: وقد أغناهم بالفتوح والجزية. قاله السيوطي. قوله «إن شاء»: شرط الغنى بالمشيئة، لتنقطع الآمال إلى الله. قاله نجم الدين النيسابوري. قلت ( عبدالرحيم ): فالله أمر أهل الإيمان ألا يقرب هؤلاء المشركون بيته المحرم، ووعدهم أن يغنيهم إن هم أطاعوا، ولو خافوا الفقر بانقطاع التجارات، وأعلمهم -عز شأنه- في الوقت عينه أن غناه لهم عن محض فضل منه، فرد ذلك إليه، إذ الواجب على العبد أن يمثل ويستسلم لأمر ربه ولو لم يجد - ظاهرا - عوضا من الله، وفيه عبرة لمن ابتلي بسكب محرم أن يتركه طاعة لمولاه، وليس له أن يحتج ويقول أين البديل؟، ولو لم يجد غنى في غيره، مع إيماننا أن الله قال ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ). _____ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للأخفش، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، لسان العرب لابن منظور.
( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) التوبة [29] في هذه الآية: ستلقي نظرة على واقع عز فيه أهله؛ وقت أن تمسكوا بالكتاب العزيز، وستعلم سرا من الأسرار التي من أجلها يجدُّ أهل الكفر في محاربة الإسلام وأهله - لا يسأمون - وضيق صدور المنافقين عند ذكر هذه الأحكام، وستجد عجبا في ثنايا تفسير هذه الآية؛ لتستشعر شيئا من معاني عزة هذا الدين ، وكيف كان عزة الصحابة على أهل الكفر: أخرج ابن أبي حاتم ( في تفسيره ) عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه: أنه قال لرستم ( قائد الجيش الفارسي ) أدعوك إلى الإسلام أو تعطي الجزية وأنت صاغر، قال أما الجزية فقد عرفتها، فما قولك وأنت صاغر؟ قال: تعطيها وأنت قائم وأنا جالس والسوط على رأسك. وقال الكلبي: إذا أعطى ( الجزية ) صفع في قفاه. حكاه البغوي. قال الزمخشري: تؤخذ منهم على الصغار والذل. وهو أن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب، ويسلمها وهو قائم- والمتسلم جالس، وأن يُتـَلتل تلتلة (سيق سَوْقاً عنيفاً - حُرَّك بعنف ) ويؤخذ بتلبيبه (أمسكه من أعلى ثوبه كأنّه يريد ضربَه )، ويقال له: أدّ الجزية، وإن كان يؤدّيها ويزخ (دَفَعَهُ وَرَمَى بِه ) في قفاه. قال السيوطي ( في الإكليل ): فاستدل بها من قال إنها تؤخذ بإهانة فيجلس الآخذ ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه ويحني ظهره ويضعها في الميزان ويقبض الآخذ لحيته يضرب لِهْزِمَته (عظمٌ ناتئٌ في اللَّحْي تحت الحنَك ). قال مكي في الهداية: وهذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين. قاله ابن عباس. قوله {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله}: وإلا لآمنوا بالنبي ﷺ. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): نفى الله عنهم أصل الإيمان، وإن آمنوا بعيسى وموسى - عليهما السلام - فلو آمن أهل الأرض أجمعون بالله ربا وبجميع الرسل عدا نبي واحد فهم كفار قال الله ( كذبت عاد المرسلين ): مع أن عادا كذبت هودا فقط؛ فمن كفر بواحد كفر بهم أجمعين. انتهى قال الزمخشري: نفى عنهم الإيمان بالله لأنّ اليهود مثنية والنصارى مثلثة. قلت ( عبدالرحيم ): قوله اليهود مثنية. يشير إلى قوله تعالى ( وقالت اليهود عزير ابن الله )، وقوله والنصارى مثلثة: يشر الى قوله حكاية عنهم ( لا تقولوا ثلاثة ) ، وقوله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ). انتهى
قال مكي في الهداية: أي: قاتلوهم حتى يعطوكم الجزية، من أهل الكتاب كانوا أو من غيرهم.
قال ابن كثير: وهذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب. قوله {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله}: كالخمر، والخنزير، والربا. قوله {ولا يدينون دين الحق}: أي لا يعتقدون الدين الحق؛ الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام.
قال التستري: أي لا يطيعون، ومن كان في سلطان رجل فهو في دينه، كما قال الله تعالى: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك أي في سلطانه.
وقال قتادة: الحق هو الله، أي: لا يدينون دين الله، ودينه الإسلام. حكاه البغوي. قوله {من}: بيانية لا تبعيضية. قاله أبو السعود. قوله {الذين أوتوا الكتاب}: أي اليهود والنصارى. قوله {حتى يعطوا الجزية}: ما يعطيه المعاهد على عهده. قاله الواحدي، وصديق حسن خان. قال السيوطي: الخراج المضروب عليهم كل عام. قال الإيجي الشافعي، وأبو السعود: ما تقرر عليهم أن يعطوه. إلا أن أبا السعود زاد: مشتق من جزى دينه أي قضاه أو لأنهم يجزون بها من منَّ عليهم بالإعفاء عن القتل. قال يحيى بن سلام: يعني حتى يقروا بالخراج. قال الكيا الهراسي: قيل سميت جزية لأنها جزاء على الكفر. قال الراغب الأصفهاني: والجزية: ما يؤخذ من أهل الذمة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها عن حقن دمهم. قال ابن الهائم: أي المال المجعول على رأس الذمي، وسميت جزية لأنها قضاء منهم لما عليهم، ومنه لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي لا تقضي ولا تغني. قال الزجاج: وفرض قبول الجزية من أهل الكتاب وهم النصارى واليهود. وسن رسول الله - ﷺ - في المجوس والصابئين أن يجروا مجرى أهل الكتاب في قبول الجزية. فأما عبدة الأوثان من العرب فليس فيهم إلا القتل. وكذلك من غيرهم. وقال الكلبي: نزلت في قريظة والنضير من اليهود، فصالحهم، فكانت أول جزية أصابها أهل الإسلام، وأول ذلّ أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين. حكاه القاسمي وغيره. فوائد: تؤخذ الجزية من أهل الورق: أربعون درهما، ومن أهل الذهب: أربعة دنانير، وهي فرض عمر رضي الله عنه. قاله مكي. وتوضع الجزية عمن أسلم عند مالك ولم يبق من السنة إلا يوم واحد. قاله مكي. و حكى مكي في الهداية إجماع علماء الأمصار على أخذ الجزية من المجوس. قوله {عن يد}: أي أذلاء مقهورون. قاله مكي، والبغوي. قال الإيجي الشافعي، والزجاج : عن قهر وذل. وزاد الإيجي: يقال لكل شيء أعطي كرها: أعطاه عن يد أي: عاجزين. قال الجمل ( في مخطوطته ): عن ذلة وانقياد. قال السيوطي: حال؛ منقادين، أو بأيديهم لا يوكلون بها. قال الزمخشري: عن يد قاهرة مستولية، أو عن إنعام عليهم. لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم. قال ابن عباس: هو أنهم يعطونها بأيديهم يمشون بها كارهين ولا يجيئون بها ركبانا، ولا يرسلون بها. حكاه الواحدي في الوسيط. قال أبو سنان: عن قدرة. وقال قتادة: عن قهر. وقال سفيان بن عيينة: قال: من يده ولا يبعث به مع غيره. وقال سعيد بن جبير: مُذَلُّون. رواه عنهم جميعا ابن أبي حاتم في تفسيره. وقيل: عن إقرار بإنعام أهل الإسلام عليهم. حكاه السمعاني. وقيل: نقداً لا نسيئة.( ليس بآجل ). حكاه مكي. وأهل اللغة يقولون: عن قهر وقوة. قاله مكي. قال ابن قتيبة: يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يد: إذا أعطاه مبتدئا غير مكافئ. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كل من انطاع لقاهر بشيء أعطاه من غير طيب نفس به وقهر له من يد في يد فقد أعطاه عن يد. وقيل: بل اعتراف بأن أيديكم فوق أيديهم. أي: يلتزمون الذل. حكاه الراغب. قال ابن الهائم: أي عن قهر. وقيل: عن مقدرة منكم عليهم وسلطان، من قولهم: يدك علي مبسوطة، أي قدرتك وسلطانك. وقيل: عن يد وإنعام عليهم بذلك لأن أخذ الجزية منهم وترك أنفسهم نعمة عليهم، ويد من المعروف جزيلة. قال القاسمي: و( اليد ) هنا إما بمعنى الاستسلام والانقياد، يقال: هذه يدي لك، أي استسلمت إليك، وانقدت لك، وأعطى يده أي انقاد. قوله {وهم صاغرون}: ذليلون. قاله الإيجي الشافعي. قال الجمل في ( مخطوطته ): أي منقادون أذلاء لحكم الإسلام. قال الشوكاني: مذللون. قال السيوطي، وأبو السعود: أذلاء. وزاد السيوطي: منقادون لحكم الإسلام. قال الزمخشري: أي تؤخذ منهم على الصغار والذل. قال عكرمة: هم قائمون، وأنت جالس. حكاه مكي. وحكاه النحاس عن سعيد بن جبير. قال الكيا الهراسي: الصغار هو النكال، وصف بذلك لأنه يصغر صاحبه، بأن يدفعوها عن قيام، والآخذ لها قاعد، ويعطيها بيده مشيا إلى الوالي الطالب. وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: معناه: وهم مذمومون. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: يؤخذ ويوجأ ( يضرب ) في عنقه، فهذا معنى الصغار. حكاه السمعاني. وقيل: إنه يلبب ويجر إلى موضع الإعطاء بعنف. حكاه السمعاني. وقال ابن عباس: وَيُلْكَزُونَ. قال ابن منظور: وهو الضرب بالجُمْع ( القبضة ) في جميع الجسد. وقال الشافعي رحمه الله: الصغار هو جريان أحكام الإسلام عليهم. حكاه البغوي، وغيره. قال الواحدي: ذليلون مقهورون يجرون إلى الموضع الذي تقبض منهم فيه بالعنف حتى يؤدوها من يدهم. قال الفيروز آبادي: والصاغر: الراضي بالمنزلة الدنيئة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله ): قال غلام ثعلب، وابن فتيبة: أي: ذلة. وقال أبو بكر السجستاني: أشد الذل. ______ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان لابن الهائم، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير ابن أبي حاتم، نيل المرام من تفسير آيات الأحكام لصديق حسن خان، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير التستري، الوسيط للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمعاني، الكشاف للزمخشري، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، فتح القدير للشوكاني، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير ابن كثير، التصاريف ليحيى بن سلام، أحكام القرآن للكيا الهراسي، الإكليل للسيوطي، تفسير الجلالين، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي، لسان العرب لابن منظور ، مخطوطة الجمل.
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) التوبة 30 هذه الآية دليل بيَّن في كفر اليهود والنصارى، والأدلة أكثر من أن تحصى، و كفرهم مجمع عليه، وهو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام:
قال بن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارا .
قوله « وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ»: وعبدوه من دون الله. وفي الحديث حكاية عنهم: قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله. جزء من حديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري. قوله « وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ »: وكذا الشأن في عيسى؛ عبدوه من دون الله. وفي الحديث حكاية عنهم: قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري. فكفر اليهود والنصارى من عدة جهات - ولا أريد ذكر الأدلة فالأمر يطول - وحسبهم كفرا بواحدة: أولا: نسبوا لله ولدا، وعبدوه من دون كما سبق في الصحيحين؛ وبهذه يكفيهم كفرا. فهو وحده عين الكفر. ثانيا: كفروا بنبي الاسلام - محمد ﷺ - وجحدوه مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم، بل لا يمترون فيه أنه النبي الحق، فلربما شك أحدهم في ولده أهو ابنه، أم ولد زنا. ثالثا: كفرهم بالإسلام نفسه. رابعا: كفرهم بالقرآن. خامسا: كفرهم بكتابهم إذ حرفوه، ونسبوا فيه الى الله ما لم يقله. وغير ذلك من أنواع الكفر برب العباد؛ كاستحلالهم ما حرم الله ورسوله من الخمر والخنزير والربا، و السب والشتم لله سبحانه، والاستهزاء بالله ووصفه بالجهل...إلخ وعلى ما سبق أدلة من الكتاب العزيز؛ أظهر من الشمس، لكن كما قال معبودنا ومولانا ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ). وقال ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اليهود والنصارى كفار كفرا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام. انتهى قوله «ذلك قولهم بأفواههم»: أي هو قول بالفم لا برهان فيه ولا تحته معنى صحيح. قاله ابن الجوزي. قال السيوطي: لا مستند لهم عليه ولا حجة. قال سراج الدين النعماني ( في اللباب ): ونظيره قوله تعالى: ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ). قال الواحدي في الوجيز: ليس فيه برهان ولا بيان إنما هو قول بالفم فقط. نكتة: إن قال قائل: كل قول هو بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم؟ فالفائدة فيه عظيمة بينة. المعنى أنه ليس فيه بيان ولا برهان إنما هو قول بالفم؛ لا معنى تحته صحيح، لأنهم معترفون بأن الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون له ولدا، فإنما هو تكذب وقول فقط. قاله الزجاج. قوله «يضاهئون»: يشابهون. قاله الجرجاني، والبقاعي، أبو بكر السجستاني، والزجاج، والسمعاني، وابن الجوزي، والسيوطي. إلا أن أبا بكر زاد: والمضاهاة معارضة الفعل بمثله. يقال: ضاهيته، أي فعلت مثل فعله. وزاد ابن الجوزي: قول من تقدمهم من كفرتهم. وقال ابن قتيبة، ومكي: يشبهون. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. قال الواحدي في الوجيز: يتشبهون بقول المشركين حين قالوا: الملائكة بنات الله وقد أخبر الله عنهم بقوله: ( وخرقوا له بنين وبنات ). قال الزجاج: أي إنما قالوه اتباعا لمن تقدم من كفرتهم. الدليل على ذلك قوله:( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). أي قبلوا منهم أن العزير والمسيح ابنا الله تعالى. قال ابن قتيبة: يريد أن من كان في عصر النبي ﷺ من اليهود والنصارى يقولون ما قاله أَولُوهم. وقال الحسن: يوافقون. حكاه البغوي. قال الزجاج: وأصل المضاهاة في اللغة المشابهة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قول النبي - ﷺ: ( أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ): قال الحافظ: أي يشبهون ما يصنعونه بما يصنعه الله. قوله «قول الذين كفروا من قبل»: من آبائهم تقليدا لهم. قاله السيوطي. وعن ابن عباس: قالوا بمثل ما قال أهل الأديان. رواه ابن أبي حاتم. قال البقاعي: أي بمثله وهو العرب حيث قالوا: الملائكة بنات الله، كما أنهم لما رأوا الذين يعكفون على أصنام لهم قالوا: ( يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ) . قال سراج الدين في اللباب : وقال الحسن: شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة. كما قال في مشركي العرب: ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ). قوله «قاتلهم الله»: أي: لعنهم الله. قاله مكي، والواحدي، وغيرهما. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. وقال البقاعي: أي أهلكهم الملك الأعظم، لأن من قاتله لم ينج منه. قالت كاملة الكواري: لعنهم، أو هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا ذلك. قال النحاس: فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا. قلت (عبدالرحيم ): وكل قُتل في القرآن فبمعنى: لعن، وكذلك قاتل الله: فمعناه: لعن الله. على قول من قال: أن فاعل يأتي بمعنى فعل. ومنه قوله تعالى ( قتل الإنسان ما أكفره ): أي لعن الإنسان؛ ما جعله يكفر. وقوله ( قتل الخراصون ): قال القرطبي: أي لعن الكذابون. وروى الطبري عن ابن عباس قال: لعن المرتابون. وقوله ( قتل أصحاب الأخدود ): قال الطبري: لعن أصحاب الأخدود. وفي الحديث: قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. متفق عليه قوله «أنَّى»: كيف. قاله السيوطي. قوله «يُؤفكون»: يصرفون. قاله أبو بكر السجستاني، والسمعاني، والواحدي، والنحاس، والبقاعي، وابن الجوزي، وسراج الدين النعماني، وأبو السعود، وصديق حسن خان. وعن ابن عباس قال: يكذبون. رواه ابن أبي حاتم. وقال الإيجي: كيف يضلون عن الحق. قال البقاعي: أي كيف ومن أين يصرفون عن الحق مع قيام الأدلة القاطعة عليه. قال الواحدي في الوجيز: وهذا تعجيب للنبي ﷺ والمؤمنين. قال النحاس: أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان. وقال أبو بكر السجستاني: يصرفون عن الخير. قلت ( عبدالرحيم ):ومنه قوله تعالى ( يؤفك عنه من أفك ): قال ابن قتيبة: أي يصرف عنه و يحرمه من حرمه يعني: القرآن. وقوله (فأنى تؤفكون): قال ابن قتيبة: أي: من أين تحرمون وتصرفون عن الحق. و قوله ( أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ): قال ابن قتيبة، وابن الهائم: لتصرفنا. وزاد ابن الهائم: عنها. ___ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير ابن أبي حاتم، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، الوجيز للواحدي، اللباب في علوم الكتاب لسراج الدين النعماني، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، صحيح البخاري، صحيح مسلم، فتح الباري لابن حجر، مراتب الإجماع لابن حزم.
( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة [31] قوله «اتَّخذوا»: زيادة تقرير لما سلف من كفرهم بالله تعالى. قاله أبو السعود. قوله «أحبارهم »: علماء اليهود. قاله السيوطي، وأبو السعود، وطائفة. قال ابن الجوزي، ومكي، وجماعة: الأحبار: العلماء. وزاد ابن الجوزي: واحدهم حَبر وحِبر. قال الشوكاني: جمع حبر، وهو الذي يحسن القول. وعن ابن عباس قال: الأحبار: القراء. رواه ابن أبي حاتم. قال القاسمي: (الحبر) أعظم الأشراف بين الإسرائيليين، يكون عندهم وسيلة للتقرب لله، ومرتبة وراثية في آل هارون، يكون بكر أشيخ من فيها. قال الإيجي الشافعي: والأحبار من اليهود والرهبان من النصارى. قوله «ورهبانهم»: عبَّاد النصارى. قاله السيوطي، وغيره. قال مكي: والرهبان: العباد، أصحاب الصوامع. قال الواحدي في قوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ): علماءهم وعبادهم. قال البغوي: أي علماءهم وقراءهم. وقيل: هم علماء النصارى من أصحاب الصوامع. قاله أبو السعود. قال عبدالرحمن ابن زيد: الربانيون: الولاة. رواه الطبري. قوله «أربابا من دون الله»: آلهة. قاله الواحدي. قال البقاعي: لكونهم يفعلون ما يختص به الرب من تحريم ما حرموا وتحليل ما حللوا. قال سراج الدين في اللباب: أكثر المفسرين: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا إلهيتهم، بل المراد: أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم. قال الفراء: لم يعبدوهم، ولكن أطاعوهم فكانت كالربوبية. قال الزجاج: أي قبلوا منهم أن العزير والمسيح ابنا الله تعالى. قال السيوطي: حيث اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل. قال ابن قتيبة: يريد: أنهم كانوا يحلون لهم الشيء فيستحلونه. ويحرمون عليهم الشيء فيحرمونه. قال مكي: أي سادة، يطيعونهم في المعاصي، فيحلون ما حرم الله عز وجل، ويحرمون ما أحل الله، سبحانه، ولم يكونوا يعبدونهم، إنما كانوا يطيعونهم فيما لا يجوز، ولا يحل. قال ابن باديس: وإن كانوا لا يسمونهم فحكم عليهم بفعلهم، ولم يعتبر منهم عدم التسمية لهم أرباباً بألسنتهم. فكذلك يقال فيمن دعا شيئاً أنه اتخذه إلها نظراً لفعله وهو دعاؤه ولا عبرة بعدم تسميته له إلهاً بلسانه. قوله «والمسيح بن مريم»: أي: اتخذوه ربا. حكاه ابن الجوزي عن ابن عباس. وقال البغوي: أي اتخذوه إلها. قلت ( عبدالرحيم ): ولا فرق بين الرب والإله، إلا إذا اجتمعا افترقا، كما في قوله ( قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس )، فيكون معنى الرب الموَحَّد بأفعاله كالخلق، وهو ما يسمى بتوحيد الربوبية، ويكون معنى الإله الموَحَّد بأفعال العباد كالدعاء، وهو ما يسمى بتوحيد الإلهية. وإلا فالربوبية مستلزم للإلهية و العكس، بمعنى أن الإقرار بتوحيد الربوبية يوجب الإقرار بتوحيد الإلهية والقيام بحقه، فقد أنكر الله على المشركين لما أقروا بربوبيته وعبدوا غيره كما قال ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ): أي فكيف ينصرفون عن عبادته. انتهى قوله «وما أمروا»: في التوراة والإنجيل. قاله الواحدي، والسيوطي. قال أبو السعود: أي والحال أن أولئك الكفرة ما أمروا في كتابيهم. قوله «إلا ليعبدوا»: أي بأن يعبدوا. قاله السيوطي. قوله « سبحانه عما يشركون »: تنزيها له. قاله مكي، والسيوطي. وزاد مكي: وتطهيرا من شركهم. وقال البقاعي: أي بعدت رتبته وعلت. المعنى الإجمالي للآية: اتخذ اليهودُ والنصارى العلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون لهم الأحكام، فيلتزمون بها ويتركون شرائع الله، واتخذوا المسيح عيسى ابن مريم إلهًا فعبدوه، وقد أمرهم الله بعبادته وحده دون غيره، فهو الإله الحق لا إله إلا هو. تنزَّه وتقدَّس عما يفتريه أهل الشرك والضلال. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، اللباب في تفسير الكتاب لسراج الدين النعماني، زاد المسير لابن الجوزي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير أبي السعود، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير ابن باديس الصنهاجي.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ): التوبة [34] قوله «يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان»: الأحبار العلماء، والرهبان أصحاب الصوامع. حكاه السمرقندي عن ابن عباس. قال القرطبي: والأحبار علماء اليهود. والرهبان مجتهدو النصارى في العبادة. انتهى وقد بينت معناه بشيء من التفصيل؛ في الآية التي قبلها. بحمد الله. قال الإيجي الشافعي: والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال. قوله «ليأكلون»: يأخذون. قاله السيوطي. نكتة: فإن قلت كيف عبر عن الأخذ بالأكل؟ ج: قال الرازي: أن المقصود الأعظم من جمع الأموال هو الأكل، فسمي الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده. لطيفة: العالم إذا ارتفق بأموال الناس عوضا عما يعلمهم زالت بركات علمه، ولم يطب في طريق الزهد مطعمه. قاله القشيري. قوله «أموال الناس بالباطل»: من كتب يكتبونها، والرشا في الحكم، وصكوك الغفران، وأخذهم المال من العامة ليرخصوا لهم في الدين...إلخ قال صديق حسن خان: والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله فأكلوا بها أموال الناس، وذلك قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله). قال الثعلبي: أي يأخذون الرشوة في أحكامهم ويحرفون كتاب الله ويكتبون بأيديهم كتبا يقولون: هذه من عند الله، ويأخذون بها ثمنا قليلا من سفلتهم، وهي المآكل التي كانوا يصيبونها منهم على تكذيبهم محمد ﷺ ولو آمنوا به لذهبت عنهم تلك المآكل. وجزم البيضاوي، والنسفي وغيرهما: أنه بالرشا في الأحكام. قوله «ويصدون عن سبيل الله»: يصرفون الناس عن دين الله. وقال الواحدي في الوسيط: ويصرفون الناس عن الإيمان بمحمد ﷺ. وقال القرطبي: أي يمنعون أهل دينهم عن الدخول في دين الإسلام، واتباع محمد ﷺ. قلت ( عبدالرحيم ): قال غلام ثعلب: صد: أي: أعرض، وصد: ضج، وصد: منع، وصد: هجر. وقال ابن منظور في اللسان: وصده عنه وأصده: صرفه. وقال أيضا: الإعراض والصدوف. صد عنه يصد ويصد صدا وصدودا: أعرض. قلت: ومنه قوله ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب ): أي صرفوا الناس عن دين الله. وقوله ( فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه ): قال السمرقندي، والثعلبي: أعرض عنه. وزاد السمرقندي: مكذبا. وقال مكي: أعرض ولم يؤمن. وقوله ( الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ): قال غلام ثعلب: يصدون: يعرضون. وقوله عن المنافقين ( لووا رءوسهم ورايتهم يصدون وهم مستكبرون ): قال الطبري: ورأيتهم يُعْرضون عما دُعوا إليه بوجوههم. وقوله ( رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ): قال غلام ثعلب: يعرضون عنك اعراضا. وقوله ( وصدها ما كانت تعبد من دون الله ): أي وصرفها. قوله «سبيل الله»: دين الله. ومنه قوله تعالى ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين. الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ): قال الطبري: حاولوا سبيل الله وهو دينه أن يغيروه ... قوله «والذين»: كلام مستأنف، وهو رفع على الابتداء. قاله القرطبي. قال السيوطي: مبتدأ. قال الواحدي في الوسيط: أكثر المفسرين على أنه مستأنف... قلت ( عبدالرحيم ): أي ليس بعطف على الأحبار والرهبان، إنما هو كلام جديد، لأن من العلماء من قال أن معنى قوله ( والذين ): هم الأحبار والرهبان. قال القرطبي: لو أراد أهل الكتاب خاصة لقال: ويكنزون، بغير والذين. وقال السمعاني: قال بعضهم: نزلت في أهل الكتاب، والأكثرون أنها نزلت في الكل. قال القرطبي: وهو الصحيح. قال الرازي: ويحتمل أن يكون المراد منه كل من كنز المال ولم يخرج منه الحقوق الواجبة سواء كان من الأحبار والرهبان أو كان من المسلمين. قوله «يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها»: هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم. وحكاه الرازي عن الأكثرين. قال أبو حيان: ( يكنزون ): لا يؤدون الزكاة. قال الراغب الأصفهاني: أي يدخرونها. قال أبو السعود: أي يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن أو بوجه آخر. قال السمعاني: الكنز هو المال المجموع. قال الراغب: الكنز: جعل المال بعضه على بعض وحفظه. وأصله من: كنزت التمر في الوعاء. قال القرطبي: الكنز أصله في اللغة الضم والجمع ولا يختص ذلك بالذهب والفضة. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أديت زكاته فليس بكنز. حكاه الرازي. قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: يكنزون الذهب والفضة: كل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا. وكل مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا. قال القاضي عبدالجبار: تخصيص هذا المعنى بمنع الزكاة لا سبيل إليه، بل الواجب أن يقال: الكنز هو المال الذي ما أخرج عنه ما وجب إخراجه عنه، ولا فرق بين الزكاة وبين ما يجب من الكفارات، وبين ما يلزم من نفقة الحج أو الجمعة، وبين ما يجب إخراجه في الدين والحقوق والإنفاق على الأهل أو العيال وضمان المتلفات وأروش الجنايات فيجب في كل هذه الأقسام أن يكون داخلا في الوعيد. حكاه الرازي. لطيفة: أوجب الزكاة؛ وذلك سعي في تنقيص المال، ولو كان تكثيره فضيلة لما سعى الشرع في تنقيصه. قاله الرازي. قوله «في سبيل الله»: أي لا يأدون منها حقه من الزكاة والخير. قاله السيوطي. قوله «فبشرهم»: أخبرهم. قاله السيوطي، والبغوي وغيرهما. قال السمعاني: معناه: ضع هذا الوعيد موضع البشارة، وإلا فالوعيد لا يكون بشارة حقيقة. وقال الواحدي في الوسيط: أي: اجعل الوعيد لهم بالعذاب موضع البشرى والنعيم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ): قال مكي في الهداية: المعنى اجعل ما يقوم لهم مقام البشارة بالعذاب الأليم. قوله «بعذاب أليم»: مؤلم. قاله السيوطي. قال أبو العالية ( رفيع بن مهران الرياحي ): الأليم الموجع في القرآن كله . وكذلك فسره ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك بن مزاحم، وقتادة وأبو مالك، وأبو عمران الجوني ومقاتل بن حيان. قاله ابن أبي حاتم في تفسيره. _____ المصدر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير ابن أبي حاتم،تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، التفسير الكبير للرازي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البيضاوي، تفسير القرطبي، تفسير النسفي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير السمعاني، لطائف الإشارات للقشيري، الكشف والبيان للثعلبي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين.
( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) التوبة [36] قوله «إن عدة الشهور عند الله»: أي: عدد الشهور المعتد بها للسنة. قال النسفي: من غير زيادة والمراد بيان أن أحكام الشرع تبتنى على الشهور القمرية المحسوبة بالأهلة دون الشمسية. قال الواحدي في الوجيز: لا كما يعده أهل الروم وفارس. ( التاريخ الإفرنجي ). وقيل: يعني عدد الشهور التي وجبت عليكم الزكاة فيها اثنا عشر شهرا في كتاب الله. حكاه السمرقندي. قوله «اثنا عشر شهرا»: الأشهر العربية - الشهور الهلالية - التي جهلها كثير من المسلمين - فاحفظها يا عبدالله - وهي: 1- المحرم 2- صفر 3- ربيع الأول 4- ربيع الآخر 5- جمادى الأولى 6- جمادى الآخرة 7- رجب 8- شعبان 9- رمضان 10- شوال 11- ذو القعدة 12- ذو الحجة. قال صديق حسن خان: وهي شهور العرب التي يعتد بها المسلمون في صيامهم ومواقيت حجهم وأعيادهم وسائر أمورهم وأحكامهم. قوله «في كتاب الله»: اللوح المحفوظ.
قاله السمرقندي، والسيوطي، والثعلبي، وابن الجوزي، وغيرهم.
وقال السمعاني، والبغوي: أي في حكم الله. قال السعدي: أي في حكمه القدري. قال الراغب: أي: في حكمه. ويعبر بالكتاب عن الحجة الثابتة من جهة الله نحو: ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ). وقيل: في قضائه الذي قضى يوم خلق السماوات. حكاه الثعلبي. قوله «يوم خلق السموات والأرض»: أي منذ خلق الأجرام والأزمنة وبيان أن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها ويجعلون بعضها ثلاثين وبعضها أكثر وبعضها أقل. قاله صديق حسن خان. قوله «منها»: أي من تلك الشهور الاثني عشر. قاله أبو السعود، وغيره. قوله «أربعة حرم»: أي من الشهور أربعة محرمة؛ وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب؛ ثلاثة متواليات ( وواحد فرد ): كما بين النبي حيث قال: السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان. شطر من حديث متفق عليه من حديث أبي بكرة. قلت ( عبدالرحيم ): وقيل في الأربعة الأشهر بخلاف ما ذكر في الحديث فجعل قوم شوالا منها واخرجوا رجبا، لذا ضربت عنها صفحا؛ ولا يجوز المصير إلى غير ما ثبت وظهرت دلالته؛ إذ لا اجتهاد مع النص. انتهى قال السعدي: وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها. قال الواحدي في الوسيط: ومعنى الحرم: أنه يعظم انتهاك المحارم فيها بأشد مما يعظم في غيرها. قوله «ذلك»: أي تحريمها. قاله السيوطي. قال أبو السعود: وما في ذلك من معنى البعد لتفخيم المشار إليه هو( الدين القيم ). قوله «الدين القيم»: أي: المستقيم. قاله مكي، والواحدي، والنسفي، والسيوطي، وغيرهم. قال الإيجي الشافعي: أي: تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم دين الأنبياء. قال الطبري: هو الدين المستقيم. قال الزمخشري: يعنى أنّ تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم. دين إبراهيم وإسماعيل. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ): قال صديق حسن خان: ومعناه الدين المستقيم الذي لا عوج فيه. قال الأخفش: أي: مستقيما. وقال الزجاج، والنحاس: والقيم هو المستقيم. وقال ابن الهائم: أي قائما مستقيما. انتهى وقيل قوله ( ذلك الدين القيم ) هنا: الحساب؛ ( أي: الحساب الصحيح المستقيم، والعدد المستوي، لا ما كان يفعله المشركون من تأخير بعض الأشهر الحرم إلى شهر آخر ). وبه قال السمرقندي، والثعلبي، وابن قتيبة، والنحاس، والواحدي، والسمعاني، والبغوي، وابن الجوزي، وغيرهم. قال السمرقندي: ذلك الحساب المستقيم، لا يزاد ولا ينقص. قال النحاس: الدين ها هنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى. قال الواحدي: ومعنى الدين ههنا الحساب، ومنه يقال: الكيّس من دان نفسه. أي: حاسبها. وقال مقاتل بن حبان: ذلك الدين القيم يعني: ذلك القضاء البين، وهكذا قال الضحاك. حكاه السمرقندي. قال ابن قتيبة: أي الحساب الصحيح والعدد المستوي. قلت ( عبدالرحيم ): لأن المشركين كما سيأتي - إن شاء الله في تفسير النسيء- كانوا يأخرون ويأجلون الأشهر الحرم ليستحلوا فيها القتال ويحلوا ما حرم الله، فجعلوا حلالها حرامها، والعكس؛ الى أن استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض كما نطق بذلك الذي لا ينطق عن الهوى – صلوات الله وسلامه عليه وصحبه - ولولا أن الله تمنن علينا وأعلمنا هذا فلكَ أن تتخيل ما سنكون عليه اليوم؛ في زمان مبدل مزور، قال ابن الجوزي: قال المفسرون: نزلت هذه الآية من أجل النسيء الذي كانت العرب تفعله، فربما وقع حجهم في رمضان، وربما وقع في شوال، إلى غير ذلك وكانوا يستحلون المحرم عاما، ويحرمون مكانه صفر، وتارة يحرمون المحرم ويستحلون صفر. قال مجاهد: هذا في شأن النسيء، لأنه كان ينقص من السنة شهرا. تفسير مجاهد. قوله «فلا تظلموا فيهن»: أي في هذه الأشهر الأربعة. قاله الجرجاني، والسيوطي، والثعلبي، وغيرهم. ورواه الطبري عن قتادة. قال النحاس: أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما. قال السمرقندي: وإن كان الظلم على كل حال غير جائز، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء. قال الزجاج: كما قال جل وعز: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فالفسوق لا يجوز في حج ولا غيره، ولكنه عز وجل عرف الأيام التي تكون فيها المعاصي أكثر إثما وعقابا. وقيل: قوله ( فيهن ): في أشهر السنة كلها؛ ليست الأربعة فقط. فيكون المعنى: فلا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها. فعن ابن عباس قال: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، قال: في الشهور كلها. رواه الطبري. وعنه رضي الله عنه: ( فيهن ): يعني كلهن. وهو قول مقاتل بن حيان، والضحاك، جعلا الضمير يعود على: ( اثنا عشر شهرا ). حكاه مكي في الهداية. قلت ( عبدالرحيم ): فالمعنى - على هذا القول - لا تظلموا أنفسكم في أي شهر أو يوم من السنة، إذ المعاصي كلها بها يظلم العبد نفسه لقوله ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ). وقال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسَكم، باستحلال حرامها، فإن الله عظمها وعظَّم حرمتها. قوله «أنفسكم»: بالمعاصي فإنها فيها أعظم وزرا. قاله السيوطي. قال السمعاني: وأما الظلم في هذا الموضع: فهو ترك الطاعة وفعل المعصية. قال مكي في الهداية: أي لا تستحلوا ما حرم الله عز وجل. قال الثعلبي: بالعمل بمعصية الله عز وجل وترك طاعته، وقال ابن عباس: استحلال القتال والغارة فيهن. وقال محمد بن إسحاق عن يسار: لا تجعلوا حلالها حراما ولا حرامها حلالا كما فعل أهل الشرك. قوله «وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة »: جميعا. قاله البغوي، والسيوطي، والنسفي، وغيرهم. ورواه الطبري عن ابن عباس، وقتادة. وزاد البغوي: عامة. وزاد السيوطي: في كل الشهور. قلت ( عبدالرحيم ): قوله – رحمه الله – في كل الشهور؛ يعني قاتلوهم ولو في الأشهر الحرم، وهذا على القول بأن تحريم القتال في هذه الأشهر نسخ بقوله: ( وقاتلوا المشركين كافة ). كأنه يقول: قاتلوهم في الأشهر الحرم وفي غيرهن، قال أبو السعود: والجمهور على أن حرمة القتال فيهن منسوخة. قال البغوي: وهو قول قتادة، وعطاء الخراساني، والزهري، وسفيان الثوري، وقالوا: إن النبي ﷺ غزا هوازن بحنين، وثقيفا بالطائف، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة. وقال آخرون: إنه غير منسوخ. قال الإيجي الشافعي: فأولوا نهي الظلم بترك المعاصي. انتهى قال الواحدي في الوسيط: قال ابن عباس: جميعا، يريد قاتلوهم كلهم ولا تحابوا بعضهم بترك القتال كما أنهم يستحلون قتال جميعكم. قوله « واعلموا أن الله مع المتقين»: قال الزجاج: تأويله أنه ضامن لهم النصر. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للأخفش، درج الدرر للجرجاني، تفسير مجاهد، تفسير السمرقندي، الكشف والبيان للثعلبي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير القشيري، الوسيط للواحدي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير السمعاني، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي الكشاف للزمخشري، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين،تفسير السعدي.
( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) التوبة (37) هذه الآية - على قصرها - حوت علما كثيرا طيبا مباركا فيه. وستجد تفسيرا لهذه الآية "من أحسن ما أنت قارء " ( إن شاء الله ). وقد بيت في ثناياها شيئا من عقيدة السلف في مسائل مهمة؛ خالفت فيها أهل البدع كالجبرية والقدرية، والمعتزلة، والمرجئة - بحمد الله - بصدد تفسير قوله تعالى ( إنما النسيء زيادة في الكفر )، وقوله ( يضل به الذين كفروا )، وقوله ( والله لا يهدي الكافرين )، ولو استوفيت ما ذكره أهل العقائد لطال الأمر جدا؛ لكن اقتصرت على ما ستراه. •تنبيه، ومدخل لفهم الآية: قال الجرجاني، والراغب الأصفهاني- في هذه الآية: فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية. قال محيي الدين درويش: العرب في الجاهلية كانت تعتقد حرمة الأشهر الحرم وتعظيمها وكانت عامة معايش العرب من الصيد والغارة وكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر متوالية وربما وقعت حروب في بعض الأشهر الحرم فكانوا يكرهون تأخير حروبهم الى الأشهر الحلال فنسئوا يعني: أخروا تحريم شهر الى شهر آخر فنزلت. انتهى قال البغوي: حتى استدار التحريم على السنة كلها. فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله عز وجل فيه، وذلك بعد دهر طويل... قوله {إنما النسيء}: هو تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر. قاله الإيجي، والبغوي، وبنحوه قال السيوطي. وزاد الإيجي: ذلك لأنه إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا بدله شهرا من أشهر الحل حتى رفضوا خصوص الأشهر الحرم واعتبروا مجرد العدد. ومعنى النسيء: هو تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر. قال البقاعي: أي الشهر الذي تؤخر العرب حرمته من الأشهر الحرم عن وقتها. قال السمعاني: والنسيء: هو التأخير، يقال نسأ الله في أجلك أي: أخر. قال الأخفش: هو التأخير. وتقول "أنسأته الدَّيْنَ " إذا جعلته اليه يؤخره هو. و: "نسأت عنه دَيْنَهُ " أي: أخرته عنه. وإنما قلت: "أنسأته الدَّيْنَ " لأنك تقول: "جعلته له يؤخره" و"نسأت عنه دينه" "فأنا أنسؤه" أي: أوخره. قال ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وابن الهائم، وأبو حيان، وغيرهم: تأخير تحريم المُحرم. قاله ابن قتيبة النسيء في الشهور: إنما هو تأخير تحريم المُحرم. قال أبو حيان: النسيء تأخير تحريم المحرم، وكانوا يؤخرون تحريمه لحاجتهم ويحرمون غيره مكانه. قال ابن كثير: يقول: يتركون المحرم عاما، وعاما يحرمونه. قال أبو بكر السجستاني: النسيء تأخير تحريم المحرم، وكانوا يؤخرون تحريمه سنة، ويحرمون غيره مكانه، لحاجتهم إلى القتال فيه، ثم يردونه إلى التحريم في سنة أخرى، كأنهم يستنسئونه ذلك، ويستقرضونه. قال بيان الحق النيسابوري: وكانوا يؤخرون تحريم المحرم سنة؛ لحاجتهم إلى القتال فيه. قوله {زيادة في الكفر}: لأنه تحليل ما حرمه الله وتحريم ما حلله فهو كفر آخر مضمون إلى كفرهم. قاله أبو السعود. قال البقاعي: لأنه على خلاف ما شرعه الله، ستر تحريم ما أظهر الله تحريمه. قال السيوطي: لكفرهم بحكم الله فيه.
قال السمرقندي: يعني: تأخير المحرم إلى صفر زيادة الإثم في كفرهم.
قال الإيجي الشافعي: تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه كفر ضموه إلى كفرهم. قال الزمخشري: جعل النسيء زيادة في الكفر، لأن الكافر كلما أحدث معصية ازداد كفراً، فزادتهم رجساً إلى رجسهم. قال البغوي، والسمعاني: زيادة كفر على كفرهم. قلت ( عبدالرحيم ): فكما أن الكفر يذيد "فإن الإيمان كذلك" يزيد وينقص وبهذا تديَّن السلف؛ خلافا للمرجئة. والأدلة كثيرة؛ كقوله (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا )، وقوله ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )، وقوله (وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، وقوله ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ )، وقوله ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا )، وفي الحديث: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها» شطر من حديث رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري. انتهى قوله {يضل به الذين كفروا}: ضلالا زائدا. قاله الإيجي. قال أبو السعود: ضلالا على ضلالهم القديم.
قال السيوطي: بضم الياء وفتحها.
قال مكي في الهداية: فمعناه: أنهم يضلون بتأخير شهر الحج وتقديمهم غيره. قوله { يحلونه عاما ويحرمونه عاما}: أي النسيء. قاله الإيجي، والبغوي، والسيوطي، وغيرهم. وزاد الإيجي: من الأشهر الحرم. قال الزمخشري: والضمير في: يحلونه، ويحرمونه للنسيء. أي إذا أحلوا شهراً من الأشهر الحرم عاما، رجعوا فحرموه في العام القابل. قال البغوي: يريد أنهم لم يحلوا شهرا من الحرام إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال، ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام، لئلا يكون الحرام أكثر من أربعة أشهر، كما حرم الله فيكون موافقة العدد. قال الإيجي: إذا قاتلوا فيه أحلوه وإذا لم يقاتلوا فيه حرموه. قال مكي: هو أنه يحلون صفرا، ثم يحتاجون إلى تحريمه فيحرمونه، ويحلون ما قبله، ثم يحتاجون إلى تحليل صفر، فيحلونه، ويحرمون ما بعده، كذا يصنعون. نكتة، واستطراد: قلت ( عبدالرحيم ): ولعل هذا ما حمل مجاهد – رحمه الله – على تأويل قوله تعالى ( ولا جدال في الحج ): قال : قد علم وقت الحج فلا جدال فيه, ولا شك ؛ وليس معناه – على هذا القول – لا مراء في الحج. وعنه في لفظ قال: لا شك في الحج . وعنه أيضا: هو شهر معلوم لا تنازع فيه . رواه – الألفاظ الثلاثة - عنه الطبري؛ ثم قال ( أعني الطبري ): وأولى هذه الأقوال في قوله ( ولا جدال في الحج ) بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: قد بطل الجدال في الحج ووقته، واستقام أمره ووقته على وقت واحد، ومناسك متفقة غير مختلفة، ولا تنازع فيه ولا مراء وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات، ثم نفى عن وقته الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه. انتهى كلام الطبري. قال مكي في الهداية: وقال مجاهد: كانت العرب تحج عامين في ذي القعدة، وعامين في ذي الحجة، فلما حج النبي ﷺ، كان الحج تلك السنة في ذي الحجة، فهو معنى: ( ولا جدال في الحج )، أي: استقر في ذي الحجة. انتهى قوله {ليواطئوا}: أي ليوافقوا. قاله ابن قتيبة. وبه قال أبو بكر السجستاني، والواحدي، والنسفي، والخطيب الشربيني، والسيوطي، وغيرهم.
وزاد السيوطي: بتحليل شهر وتحريم آخر بدله.
قال الإيجي: أي حرموا مكانه شهرا آخر ليوافقوا. قال النسفي: ليوافقوا العدة التي هي الأربعة. قلت ( عبد الرحيم ) معناه: ليوافقوا عدد الأشهر الأربعة ذا القعدة، وذا الحجة، ومحرم، ورجب. التي حرَّمها الله كما سلف في قوله ( منها أربعة حرم ). الآية. والتي ذكرها النبي – عليه السلام - في حديثه؛ حيث قال: السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان. شطر من حديث متفق عليه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. قال نجم الدين النيسابوري: يجعلوا غير الأشهر الحرم كالحرم في العدة بأن هذه أربعة كتلك.
قال الزجاج: فيجعلوا صفرا كالمحرم في العدة، ويقولوا: إن هذه أربعة بمنزلة أربعة. والمواطأة المماثلة والاتفاق على الشيء.
قال الواحدي: وهو أنه لم يحلوا شهرا من الحرم إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال، ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرم لئلا تكون الحرم أكثر من الأربعة كما حرم الله، فتكون موافقة للعدد. قوله {عدة}: أي: عدد. قاله السمعاني، والخطيب الشربيني، وغيرهما.
وزاد السمعاني: ما حرم الله.
قوله { ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله}: إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم يبالوا أن يحلوا الحرام ويحرموا الحلال. قاله ابن قتيبة، وابن الهائم.
قال الواحدي في الوجيز: وهو أنهم لم يحلوا شهرا من الحرم إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرم لئلا يكون الحرم أكثر من الأربعة كما حرم الله فيكون موافقة للعدد.
قوله { زين لهم سوء أعمالهم}: فظنوه حسنا. قاله السيوطي. قال ابن عباس: زين لهم الشيطان. حكاه البغوي، وغيره. قال عبدالرحمن بن ناصر السعدي: زينت لهم الشياطين الأعمال السيئة، فرأوها حسنة، بسبب العقيدة المزينة في قلوبهم. قال الإيجي: فإن الشيطان يغويهم. قال الواحدي، والنسفي: زين لهم الشيطان ذلك. وزاد النسفي: فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة. وقيل: زين لهم الله. قاله جماعة من السلف كما سيأتي. قال الزمخشري: وقرئ: زين لهم سوء أعمالهم، على البناء للفاعل، وهو الله عزّ وجل. قلت ( عبدالرحيم ): وبضميمة قوله تعالى ( يضل به الذين كفروا ) على قراءة الضم أو الفتح . قال أبو السعود: وقرئ على البناء للفاعل من الأفعال على أن الفعل لله سبحانه أي يخلق فيهم الضلال عند مباشرتهم لمباديه وأسبابه وهو المعني على القراءة الأولى أيضا.
قال الطبري: فقرأته عامة الكوفيين: يضل به الذين كفروا ): بمعنى: يضل الله بالنسيء الذين ابتدعوه وأحدثوه، الذين كفروا. ثم قال- الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هما قراءتان مشهورتان، قد قرأت بكل واحدة القرأة أهل العلم بالقرآن والمعرفة به، وهما متقاربتا المعنى. لأن من أضله الله فهو "ضال"، ومن ضل فبإضلال الله إياه وخذلانه له ضلّ. فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب في ذلك مصيبٌ. انتهى كلامه فلا منافاة بين القول بأن الله هو الذي زين لهم، أو الشيطان كما سيأتي؛ فهو يضل من شاء بعدله، ويهدي من شاء بفضله؛ و الشر ليس إليه وإن أذن فيه، فلا يكون في سلطانه إلا ما يريد الملك الأعظم - تقدس اسمه - بخلاف ما ذهب إليه المعتزلة، ونظيره قوله تعالى عن إبليس ( قال ربي بما أغويتني ): قال الطبري: فبما أضللتني. ثم رواه عن ابن عباس. وقال الطبري: وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية... وقوله تعالى ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ): قال عبدالرحمن بن زيد: أنت فتنتهم. رواه الطبري. قال الطبري: وأضاف إضلالهم وهدايتهم إلى الله، إذ كان ما كان منهم من ذلك عن سببٍ منه جل ثناؤه. وقوله ( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم ): قال ابن كثير : أي حَسَّنَّا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم فهم يتيهون في ضلالهم. وقوله ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ): قال النحاس: أي كما جعلنا لك ولأمتك أعداء. وقوله ( كَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ ): قال الطبري: وهكذا زين الله لفرعون حين عتا عليه وتمرد، قبيح عمله، حتى سولت له نفسه بلوغ أسباب السموات، ليطلع إلى إله موسى. وقال السعدي: فزين له العمل السيئ، فلم يزل الشيطان يزينه، وهو يدعو إليه ويحسنه.
انتهى كلامه. وقوله ( كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ): قال الخطيب الشربيني: أي: كما زين للمؤمنين إيمانهم ( زين للكافرين ما كانوا يعملون ) أي: من الكفر والمعاصي، قال أهل السنة: المزين هو الله تعالى ويدل عليه قوله تعالى: زينا لهم أعمالهم. وقالت المعتزلة: المزين هو الشيطان؛ وردّ بالآية المذكورة.
انتهى كلامه. قال صديق حسن خان: المزين هو الله سبحانه ويدل عليه قوله: ( زينا لهم أعمالهم ) ولأن حصول الفعل يتوقف على حصول الدواعي وحصولها لا يكون إلا بخلق الله، فدل ذلك على أن المزين هو الله سبحانه، وقالت المعتزلة: المزين هو الشيطان ويرده ما تقدم. قلت: صدقا - رحمهما الله - لكن ليس بالضرورة أن من قال بهذا أنه تعمد قول المعتزلة، وإلا فهو وراد عن ابن عباس نفسه، والحسن وغيرهما كما سبق، ومن يأتي ذكره من أهل السنة، لكن المعتزلة لهم مأرب بقولهم معروف.
فلا تعارض في مثل هذه النصوص، سيان قولنا زين له الله- على ما يليق به، أو زين له الشيطان؛ الذي هو شر محض. فالخلق فاعلون حقيقة، والله خالقهم وخالق أفعالهم. كما قال ( والله خلقكم وما تعملون ). ولأنه لا يقع شيء في سلطانه إلا بإذنه تعالى، وعقيدة السلف في هذا المقام وغيره بيِّن ووسط بين الفرق؛ فهم وسط في: باب أفعال الله تعالى. بين القدرية والجبرية.
ولقد سجدت لله شكرا لما وجدت من سبقني من أهل العلم - بالقول بعدم التعارض - لما اطلعت على قول ابن جزي الغرناطي – رحمه الله – حيث قال في قوله تعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حب الشهوات ) قيل: المزين هو الله وقيل الشيطان. ولا تعارض بينهما فتزيين الله بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، وإنشاء الجبلة على الميل إلى الدنيا. وتزيين الشيطان بالوسوسة والخديعة. انتهى كلام ابن جزي. قال أبو العباس البسيلي في التقييد وقيل: المزين هو الله. وقيل: الشيطان. فعلى الأول هو تزيين خلق، وعلى الثاني تزيين وسوسة، فهو مشترك فإن قلنا: بتعميم المشترك صح حمله على الأمرين، وإلَّا فنجعله، للقدر المشترك بينهما، وهو مطلق الحمل على حب الشهوات خلقًا، وإبداعًا، أو وسوسة، وكسبًا. انتهى كلامه. فلما أعرض الله عنهم وخذلهم كما قال ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ): قال السعدي: وهذا جزاء لهم، على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة.
انتهى كلامه فتركهم الله لهواهم لما استحبوا العمى على الهدى، وتركهم إلى نفوسهم الأمارة بالسوء، والشيطان" فزين لهم الهوى، والشيطان" فأطاعوا مختارين، كما في قوله ( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ )، وقال ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ): ففي هذه الآية بيان أنهم اتبعوا أهوائهم، وهذا موضح في آية أخرى حيث عبدوا هواهم كما قال ( أفرأيت من اتخذا إلهه هواه ): قال ابن كثير: أي: إنما يأتمر بهواه، فمهما رآه حسنا فعله، ومهما رآه قبيحا تركه. ونظير ما تقرر في القرآن كثير ومن ذلك قوله تعالى ( كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ):قال القرطبي: وهذا التزيين يجوز أن يكون من الله، ويجوز أن يكون من الشيطان. ورى ابن أبي حاتم عن الحسن قال: زين لهم الشيطان.
وقوله ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ): قال الزجاج: المزين هو الشيطان. فإن الله تعالى قد زهد الخلق في الدنيا، ورغبهم في الآخرة. وقال البغوي، والسمعاني: الأكثرون على أن المزين هو الله تعالى. وقوله ( زين للناس حب الشهوات ): قال النسفي: المزين هو الله عند الجمهور للابتلاء كقوله ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ).
وقوله ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا )، قال قتادة والحسن: الشيطان زين لهم الضلالات. رواه عنهما ابن أبي حاتم.
وقوله ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ): قال ابن كثير: أي: زين لهم ذلك وحسنه، {وأملى لهم} أي: غرهم. وقوله ( كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ): أي زين الشيطان للكفار أعمالهم من الكفر والانهماك في الشهوات، وإنهم لأتقن من يبدع ويولغ في معصية. روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن الحسن قال: زين لهم الشيطان. قال القرطبي: وهذا التزيين يجوز أن يكون من الله، ويجوز أن يكون من الشيطان. قال النسفي: للمجاوزين الحد في الكفر زين الشيطان بوسوسته. قال: الواحدي في الوسيط: يريد المشركين. وبه قال القرطبي، والخطيب الشربيني. وقوله ( كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ): قال ابن كثير: أي حَسَّنَّا لهم ما كانوا فيه من الجهالة والضلالة، قدرا من الله وحكمة بالغة لا إله إلا هو وحده لا شريك له.
وقوله (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ): قال السمرقندي: من يخذله الله عن دينه الإسلام، ولا يوفقه فَما لَهُ مِنْ هادٍ يعني: ما له من مرشد إلى دينه غير الله تعالى. وقال مكي في الهداية: ومن قرأ بضم الصاد، فمعناه: أن الله أعلمنا أن صدهم عن الهدى عقوبة لهم. ودل على ذلك قوله: ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) أي: من أضله الله عز وجل عن إصابة الحق، فلا يقدر أحد على هدايته. وقوله ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ ): قال السمرقندي: فزين لهم الشيطان قتل أولادهم. وقال الواحدي في الوجيز: يعني: الشياطين أمروهم بأن يئدوا أولادهم خشية العيلة.
انتهى قوله {والله لا يهدي القوم الكافرين}: أي: لا يوفقهم للهدى.
قاله مكي في الهداية. قال أبو السعود: هداية موصلة إلى المطلوب البتة وإنما يهديهم إلى ما يوصل إليه عند سلوكه وهم قد صدوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا في تيه الضلال. قلت ( عبدالرحيم ): والمراد بنفي الهداية هنا " هداية التوفيق" ليست هداية الدلالة؛ وهي المعنية في قوله ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ). إذ من عدله، ومنه – تقدس اسمه – أنه دلهم عليه، بإرسال الرسل ( مبشرين ومنذرين لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ). وهي ما يسمى بهداية الدلالة، والإرشاد ؛ كما في قوله ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ). وعليه فلا حجة لأهل الكفر على ربهم بهذه الآية ولا بغيرها مثقال ذرة، ولا من تنطع بالسؤال عنهم؛ بأن الله جبرهم على الضلال - حشاه – وهذا ضلال في الفهم مبين؛ فالعبد له خيرة في قوله وفعله؛ فلو سرق مال أحدهم أو انتهك عرضه؛ فقيل له إنه مجبور على هذا لاستنكر عليه؛ فكيف يرضاه لربه؟! وكيف يكون لهم حجة وقد استحبوا العمى على الهدى؛ كما قال تعالى ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ). وهو الذي قال ( ولا يرضى لعباده الكفر ). وتدبر هذه الآية ( لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ). وقال (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ). انتهى والحمد لله رب العالمين. ______ المصدر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير النسفي، تفسير السمعاني، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، الكشاف للزمخشري، تفسير أبي السعود، التقييد الكبير للبسيلي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير ابن كثير، تفسير القرطبي، السراج المنير للخطيب الشربيني، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير الجلالين، تفسير السعدي، إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش.
( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة [40] هذه الآية تشير إلى رجل هو أكرم الخلق على ربه؛ بعد المصطفين الأخيار - الأنبياء والرسل - أعني أبا بكر؛ الصديق الأعظم. قال السمعاني: وعن الحسين بن الفضل البجلي أنه قال: من قال: إن أبا بكر ليس بصاحب رسول الله فهو كافر، لإنكاره نص القرآن. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: فإنّ المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور أبو بكر. قوله «إلاّ تنصروه»: أي النبي ﷺ. قال السمعاني: معناه: إن لم تنصروه فقد نصره الله. قال البغوي: هذا إعلام من الله عز وجل أنه المتكفل بنصر رسوله وإعزاز دينه، أعانوه أو لم يعينوه، وأنه قد نصره عند قلة الأولياء، وكثرة الأعداء، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعدد؟ قوله «فقد نصره الله»: عني: إن لم تنصروه ولم تخرجوا معه إلى غزوة تبوك، فالله ينصره كما نصره. قاله السمرقندي. قوله «إذ»: حين. قاله السيوطي. قوله «أخرجه الذين كفروا»: أي تسببوا لخروجه. قاله أبو السعود. قال الواحدي في الوجيز: أي: اضطروه إلى الخروج لما هموا بقتله فكانوا سببا لخروجه من مكة هاربا منهم. قال السيوطي: أي الجؤوه إلى الخروج لما أرادوا قتله أو حبسه أو نفيه بدار الندوة. قوله «ثاني اثنين»: أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وهذا بالإجماع كما سلف. قال الواحدي: وقال المفسرون: ثاني اثنين هو وأبو بكر. قال الإيجي الشافعي: أي حال كونه أحد اثنين هو - ﷺ - وأبو بكر رضي الله عنه. قال السيوطي: المعنى نصره الله في مثل تلك الحالة فلا يخذله في غيرها. قال السمعاني: معناه أحد اثنين، تقول العرب: خامس خمسة أي: أحد الخمسة، ورابع أربعة أي: أحد الأربعة. قال السمرقندي: كان واحداً من اثنين، يعني: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ولم يكن معهما غيرهما. قال الواحدي في الوسيط: قال الزجاج: هو نصب على الحال، المعنى: فقد نصره الله أحد اثنين، أي: نصره منفردا إلا من أبي بكر. وهذا معنى قول الشعبي: عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر. قال السمعاني: قال المفسرون: عاتب الله جميع الناس بترك نصرة الرسول سوى أبي بكر - رضي الله عنه. قلت ( عبدالرحيم ): قوله ( ثاني اثنين ): وما أدراك ما ثاني اثنين؛ أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان التيمي القرشي، أول من صدق وآمن ونصر، وأول داع إلى الله في هذه الأمة؛ بعد النبي، تدارك الله به المسلمين بخلافته، صدع بكلمات مؤثرة بعد موت صاحبه - ﷺ - أكرم الخلق على الله بعد المصطفين الأخيار، الملقب بما ذكر في التنزيل ( ثاني اثنين ) صديق هذه الأمة، لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق؛ تغلظ نفاقه.
فلا صلى الله على من لا يصلي عليه. ومن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا ولا في الآخرة.
وما ورد في الصحاح والمسانيد والمعاجم ومصنفات العقائد في شأنه وفضائله كثير. وإليك قطرة من بحر فضائله: روى أحمد في فضائل الصحابة عن ربيعة الأسلمي - يبين لك شيئا من فضائله - رضي الله عنه - وفيه: فجاء ناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله وهو الذي قال لك ما قال؟ قال: فقلت: أتدرون ما هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، وهو ذو شيبة المسلمين، أتاكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فتهلك ربيعة. وروى البخاري، ومسلم عن أنس، عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: قلت للنبي ﷺ: وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما». وروى الدارقطني- في فضائل الصحابة - عن الحسن بن محمد بن الحنفية، أنه قال: يا أهل الكوفة اتقوا الله، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان مع رسول الله ﷺ في الغار ثاني اثنين، وإن عمر أعز الله به الدين. انتهى قوله «إذ» بدل من إذ قبله. قاله السيوطي. قوله «هما في الغار»: نقب في الجبل. قاله ابن الهائم. قال الواحدي: الغار ثقب في الجبل عظيم، قال قتادة: هو غار في جبل مكة يقال له ثور. قال ابن قتيبة: الغار في جبل يسمى "ثورا" ومكثا فيه ثلاثة أيام. قوله «إذ»: بدل ثان. قوله «يقول لصاحبه»: أي: لأبي بكر - رضي الله عنه - باتفاق أهل العلم. قاله السمعاني. قال الواحدي: يعني: يقول النبي ﷺ لأبي بكر. قوله «لا تحزن»: لم يكن حزن أبي بكر جبنا منه، وإنما كان إشفاقا على رسول الله ﷺ. قاله البغوي. قوله «إن الله معنا»: نصره وعونه وتأييده وعصمته وحفظه وولايته ومعونته وتسديده. قاله صديق حسن خان. قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية دليل على اثبات صفة المعية لله – تقدس اسمه – لخلقه على ما يليق به؛ معية تامة على الحقيقة، ولا منافاة بينها وبين كونه – تبارك وتعالى – في السماء على العرش استوى. فالقمر في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان. وهي نوعان: معية عامة كما في قوله ( وهو معكم أينما كنتم )، وقوله ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ). ومعية خاصة: كما في قوله (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )، وقوله ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا )، وقوله (لا تحزن إن الله معنا ). قوله «فأنزل الله سكينته»: السكون والطمأنينة. قاله ابن قتيبة، والنحاس. قال النسفي: ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون. قوله «عليه»: قيل على النبي، وقيل على أبي بكر. قاله السيوطي. قال السمرقندي: يعني: طمأنينته عَلَيْهِ. يعني: طمأنينته على أبي بكر. قال السمعاني: وهو قول الأكثرين. ( يعني أبا بكر ). قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: على أبي بكر: فأما النبي ﷺ فكانت السكينة عليه قبل ذلك. قاله الواحدي. قال ابن قتيبة: قال قوم: على أبي بكر واحتجوا بأن رسول الله ﷺ كان مطمئنا يقول لصاحبه: ( لا تحزن إن الله معنا ) والمذعور صاحبه فأنزل الله السكينة. قال النحاس: يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر ان تكون تعود على أبي بكر لأن النبي ﷺ قد كانت عليه السكينة. لطيفة: الكناية في الهاء من «عليه» تعود إلى الرسول عليه السلام، ويحتمل أن تكون عائدة إلى الصديق رضى الله عنه، فإن حملت على الصديق تكون خصوصية له من بين المؤمنين على الانفراد، فقد قال عز وجل لجميع المؤمنين: «هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين». وقال للصديق- على التخصيص- فأنزل الله سكينته عليه. قاله القشيري. قوله «وأيَّده»: أي النبي ﷺ. قاله السيوطي، وغيره. قال الواحدي في الوسيط: والهاء عائدة على النبي ﷺ. قوله «بجنود لم تروها»: ملائكة في الغار ومواطن قتاله. قاله السيوطي. قال أبو السعود: عطف على نصره الله والجنود هم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين وقيل هم الملائكة أنزلهم الله ليحرسوه في الغار ويأباه وصفهم بعدم رؤية المخاطبين لهم وقوله عز وعلا. قال الإيجي: أي: الملائكة ليحرسوه. قال البغوي: وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته. قال السمعاني: الجنود هاهنا: الملائكة، نزلوا فألقوا الرعب في قلوب الكفار حتى رجعوا. قال ابن قتيبة: أي قواه بملائكة. قال ابن عباس: وقواه بالملائكة يدعون الله له. حكاه الواحدي. قال الزجاج: أيده بملائكة يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه. قلت ( عبدالرحيم ): ومع جلاء الآية في بيان أن الجنود التي أيد الله بها نبيه لم تُرى؛ فقد اشتهر بين الناس قصة العنكبوت ونسجها، والحمامة وبيضها؛ ومع كونها لم تثبت فهي مخالفة لظاهر الآية. قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة: ثم إن الآية المتقدمة " وأيده بجنود لم تروها " فيها ما يؤكد ضعف الحديث، لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا ترى، والحديث يثبت أن نصره ﷺ كان بالعنكبوت، وهو مما يرى، فتأمل. والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في " تفسيره " للآية: " وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته ". انتهى قوله «وجعل كلمة الذين كفروا»: يعني كلمة الشرك. قاله الواحدي، والسمعاني، وطائفة. قال السمرقندي: يعني الشرك بالله. قوله «السفلى»: المغلوبة. قاله السيوطي. قال السمعاني، والبغوي: كلمتهم: الشرك؛ وهي السفلى إلى يوم القيامة. قال الواحدي: لأنها سفلت فبطلت. قوله «وكلمة الله»: يعني: لا إله إلا الله، وهي العليا إلى يوم القيامة. قاله السمعاني، وبه قال السمرقندي، وطائفة. قال الواحدي في الوسيط: وكلمة الله وهي لا إله إلا الله، كلمة التوحيد هي العليا لأنها علت وظهرت يوم بدر. وهذا قول أكثر المفسرين. وقال ابن جزي الغرناطي: قيل هي: لا إله إلا الله، وقيل: الدين كله. قوله «هي العليا»: الظاهرة الغالبة. «والله عزيز حكيم»: معناه ظاهر. ____ المصدر: التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير السمرقندي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير النسفي، تفسير السمعاني، تفسير القشيري، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير أبي السعود، تفسير الجلالين، فضائل الصحابة للدارقطني، تاريخ الخلفاء للسيوطي، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) التوبة 41 قوله «انفِروا »: اخرجوا واغزوا. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى. قوله « خفافا وثقالا»: شبَّانا وشيوخا. قاله الواحدي، وبيان الحق النيسابوري. قال الواحدي في البسيط: وهو قول أنس والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة وشمر بن عطية، ومقاتل بن حيان والحسن. وقيل: المتفرغون والمشاغيل. حكاه الجرجاني عن الحسن. قال النسفي: أو مهازيل وسمانا أو صحاحا ومرضى. وقال يمان بن رباب: عزَّابا ومتأهلين. حكاه سراج الدين في اللباب. قال السيوطي: نشاطا وغير نشاط، وقيل أقوياء وضعفاء، أو أغنياء وفقراء. وقيل: ذا صنعة وغير ذي صنعة. حكاه الماوردي في النكت. وقيل: خفافا: مسرعينَ، من خَفَّ خفوفاً. قاله بيان الحق. قال الفراء: يقول: لينفر منكم ذو العيال والميسرة، فهؤلاء الثقال. والخفاف: ذوو العسرة وقلة العيال. ويقال: انفروا خفافا: نِشَاطا. وَثِقَالا: وإن ثقل عليكم الخروج. قال الزجاج: فقيل ( خفافا وثقالا ) أي مُوسِرين ومُعْسِرين. وقيل (خفافا وثقالا) خفَتْ عليكم الحركة أو ثقلت، وقيل ركبانا ومُشاة، وقيل أيضا شبابا وشيوخا.
قال ابن قتيبة: أي: لينفر منكم من كان مخفا ومثقلا.
و"المخف": يجوز أن يكون: الخفيف الحال، ويكون: الخفيف الظهر من العيال. و"المثقل": يجوز أن يكون: الغني. ويجوز أن يكون الكثير العيال. ويجوز أن يكون المعنى شبابا وشيوخا. والله أعلم بما أراد. وقد ذهب المفسرون إلى نحو مما ذهبنا إليه. قلت ( عبدالرحيم ): فالظاهر - والله أعلم - أن هذه الأقوال داخلة في عموم الآية، وأن ما قيل فيها من خلاف التنوع؛ ليس التضاد، فالكل محتمل ويندرج تحت الآية، اللهم إلا ما قيل في شأن النسخ: قال الواحدي في الوسيط: قال أهل المعاني: الأولى أن يقال: هذا عام في كل حال، وفي كل أحد؛ لأنه ما من أحد إلا وهو ممن تخف عليه الحركة أو تثقل، فهو ممن أمر في هذه الآية بالنفير. قال البقاعي: والمراد بالخفة كل ما يكون سبباً لسهولة الجهاد والنشاط إليه، وبالثقل كل ما يحمل على الإبطاء عنه. قال الحافظ ابن كثير: وهذا كله من مقتضيات العموم في الآية وهذا اختيار ابن جرير. قال الراغب الأصفهاني - بعدما ذكر أقولا عدة: وكل ذلك يدخل في عمومها، فإنّ القصد بالآية الحثّ على النفر على كل حال تصعّب أو تسهّل. انتهى كلامه قال ابن عطية: ومعنى الخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ومن يمكنه بصعوبة، وأما من لا يمكنه كالعمي ونحوهم فخارج عن هذا. انتهى قال السيوطي: وهي منسوخة بآية (ليس على الضعفاء). قال السمرقندي: وروي عن ابن عباس أنه قال: «نسختها هذه الآية»: ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً )
وقال بعضهم: ليست بمنسوخة، ولكنها في الحالة التي وقع فيها النفير عاما، وجب على جميع الناس الخروج إلى الجهاد، وإذا لم يكن النفير عاماً، لا يكون فرضاً عاماً. فإذا خرج بعض الناس، سقط عن الباقين، وبه نأخذ.
قوله «وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله » أي: ابذلوهما في الجهاد. قاله مكي. قوله « ذلكم خير لكم »: في دينكم ودنياكم؛ في دينكم تفوزون برضوان الله وجزيل ثوابه، وتنجون من سخطه وشديد عقابه. وفي دنياكم بعزتكم على الأرض، ورزق الله لكم من الغنائم. قال الإيجي: من التثاقل إلى الأرض. قوله « إن كنتم تعلمون»: أنه خير لكم فلا تثاقلوا. قاله السيوطي. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تفسير السمرقندي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، المحرر الوجيز لابن عطية، تفسير النسفي، تفسير ابن كثير، اللباب لسراج الدين النعماني، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) التوبة 42 قوله «لو كان»: ما دعوتهم إليه. قاله السيوطي. قال الزجاج: والتقدير: لو كان المدْعُوُّ إليه سفرا قاصدا. حكاه الرازي. قوله «عرضا»: متاعا دنيوياً. قاله البقاعي. قال النحاس: العرض ما يعرض من منافع الدنيا أي لو كانت غنيمة قريبة. قوله «قريبا»: أي سهلا. قاله النحاس. وقال السيوطي: سهل المأخذ. وقال ابن الهائم: وقوله: ( لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً ): أي: مطلبا سهلا. وقال في موضع آخر: أي طمعا قريبا. قال ابن عباس: يقول: غنيمة قريبة. رواه ابن أبي حاتم. قال مكي: أي غنيمة حاضرة. وقال السدي: دنيا يطلبونها. رواه ابن أبي حاتم. قوله «وسفرا قاصدا»: أَي: سفرا قصيرا سهلا. قاله السمعاني. قال الإيجي: متوسطا. قال مقاتل بن سليمان: هيّنا. قال مكي: قريبا. قال ابن الهائم: أي غير شاق. قال الراغب الأصفهاني: أي: سفرا متوسّط غير متناهي هي البعد، وربما فسّر بقريب. قال أبو بكر السجستاني: عرضا قَرِيبا وسفرا قَاصِدا: أَي طَمَعا قَرِيبا وسفرا غير شاق. قال الواحدي في الوسيط: والمعنى: لو كان ما دعوا إليه عرضا قريبا غنيمة قريبة، وسفرا قاصدا قريبا هينا، لاتبعوك طمعا في المال. قوله «لاتَّبعوك»: في غزاتك طلبا للغنيمة. قال مكي: ولم يتخلفوا عنك. قوله «ولكن بعدت عليهم الشُّقَّةُ»: المسافة فتخلفوا. قاله السيوطي. قال الراغب: والشُّقَّةُ: النّاحية التي تلحقك المشقّة في الوصول إليها. قال ابن قتيبة، وابن الجوزي: السفر. قال غلام ثعلب: السفرة البعيدة الشاقة. قال ابن الهائم، وأبو عبيدة معمر بن المثنى: السفر البعيد. وزاد أبو عبيدة: يقال: إنك لبعيد الشقة. قال الواحدي: والشقة السفر البعيد لأنه يشق على الإنسان. قال مكي، والنحاس: الغاية التي يقصد إليها. قال ابن كثير: يعني السفر إلى الشام. وحكاه الواحدي عن الكلبي. قوله «وسيحلفون بالله»: إذا رجعتم إليهم. قاله السيوطي. قال مكي: أي: سيحلف هؤلاء لكم بالله، إنهم لو قدروا لخرجوا معك، وذلك منهم كذب. قوله «لو استطعنا»: الخروج. قاله السيوطي. قال مقاتل: يعني لو وجدنا سعة في المال. قوله «لخرجنا معكم»: في غزاتكم. قاله مقاتل. قوله «يهلكون أنفسهم»: بالحلف الكاذب. قاله السيوطي. قال مكي: أي يوجبون لها بالتخلف والكذب، والهلاك والغضب في الآخرة. قال الواحدي: يهلكون أنفسهم بالكذب والنفاق. قوله «والله يعلم إنهم لكاذبون»: في قولهم ذلك. قاله السيوطي. قال مكي: في اعتذارهم. قال مقاتل: بأن لهم سعة في الخروج ولكنهم لم يريدوا الخروج. ___ المصدر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير مقاتل، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمعاني، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوسيط للواحدي، التفسير الكبير للرازي، تفسير ابن كثير، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) التوبة [47] هذه الآية تبين لك مرتبة من مراتب الإيمان بالقدر؛ وهي علم الله - تقدس اسمه - بالأشياء قبل كونها؛ فهو يعلم ما يكون في المستقبل؛ يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ). قوله «لو خرجوا فيكم »: أي معكم. حكاه الواحدي في البسيط عن ابن عباس. قال مقاتل بن سليمان: يعني معكم إلى العدو. قال مكي: لو خرج هؤلاء فيكم. قال الزجاج: أعلم الله تعالى لم كره خروجهم بقوله: ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ). حكاه الواحدي.
قوله « ما زادوكم إلا خبالا»: فسادا.
قاله الإيجي الشافعي، وغلام ثعلب، وأبو حيان، وأبو بكر السجستاني، ومكي، والسمرقندي، والسمعاني، والسيوطي. وزاد السمعاني: وشرا. وزاد السيوطي: بتخذيل المؤمنين. وحكاه الماوردي عن ابن عباس. وعنه - رضي الله عنه - عجزا وجبنا. حكاه الواحدي. قال الطبري: يقول: لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فسادًا وضرًّا، ولذلك ثبَّطتُهم عن الخروج معكم. قال معمر بن المثنى، والزجاج، والنحاس، والواحدي: الخبال الفساد. وزاد الواحدي: والشر. وزاد الزجاج، والنحاس: وذهاب الشيء. قال ابن قتيبة: أي شرا. وقال القاسم ابن سلام: خبالا: يعني غيّا بلغة عمان. وبه قال مقاتل. وقيل: إلا غشا. وقيل: إلا مكرا. وقيل: إلا غدرا. حكاه الواحدي في البسيط. وقيل: اضطرابا. حكاه الماوردي. قال الواحدي: وذلك بتزيين أمر لفريق وتقبيحه عند فريق ليختلفوا فتفترق كلمتهم ولا تنتظم، يقول: لو خرجوا لأفسدوا عليكم أمركم، هذا معنى قول المفسرين. قال الإيجي: ولا يلزم من هذا أن يكون للمؤمنين فساد وهم زادوه. قوله «ولأوضعوا خلالكم»: أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة. قاله السيوطي وبنحوه قال ابن أبي زمنين. قال الواحدي هذا هو المعنى الصحيح. قال مقاتل: يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي. قاله مقاتل. قال البغوي: ، أسرعوا ، خلالكم، في وسطكم بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة ونقل الحديث من البعض إلى البعض. قال السمرقندي: يعني: إن المنافقين لو خرجوا معكم، يسرعون الإبل فيما بينكم ويؤذونكم. قال الزجاج: يقال أوْضعتُ في السير إذا أسرعت، ولأسرعوا فيما يخل بكم. قال غلام ثعلب: ولأسرعوا إلى الهرب. قال معمر بن المثنى: أي لأسرعوا خلالكم. قوله ( خلالكم ): وسطكم. قاله الإيجي، والسمعاني. وقال معمر بن المثنى: أي بينكم، وأصله من التخلل. وقيل: فيما يخل بكم، أي: يسرعوا فيما ينقصكم. حكاه مكي.
قال مكي: فيما بينكم، وهي الفُرَج تكون بين القوم في الصفوف.
قلت ( عبدالرحيم ): فتأمل كلام الله- تقدس اسمه - الذي علم البيان؛ في وصف أهل النفاق؛ من شدة ضررهم على المسلمين؛ وما ذاك إلا لشدة قربهم والتصاقهم بالمؤمنين، ولكثرتهم؛ فهم يتخللون بين الصفوق في الغزو للإفساد والشر وتثبيط المجاهدين وخذلانهم، كما تتخلل الشياطين بين صفوف المصلين؛ لتفسد عليهم صلواتهم. قوله «يبغونكم»: يطلبون لكم. قاله السيوطي. قال مكي: أي يبغونها لكم، أي: يطلبون ما تفتنون به. قوله «الفتنة»: يطلبون لكم ما تفتنون به، عن مخرجكم في مغزاكم, بتثبيطهم إياكم عنه. قاله الطبري. قال ابن أبن زمنين: أي يبغون أن تكونوا مشركين، وأن يظهر عليكم المشركون. قال مقاتل، وابن زيد: يعني الكفر. قال السمرقندي: يعني: يطلبون منكم الشرك، ويطلبون هزيمتكم وعيوبكم، ويفشون سركم. قلت ( عبدالرحيم ): وقد سبق أنه لا فرق بين الشرك والكفر؛ قال الله على لسان صاحب الجنة- الظالم لنفسه ( يا ليتني لم أشرك بربي )، وقد قالها بعدما قال له صاحبه ( أكفرت بالذي خلقك من تراب)، لكن الظاهر – والله أعلم – أن " الفتنة " في الآية عامة؛ فتشمل الكفر وما دونه؛ فهم يسعون سعيا حثيثا ليفتنوا أهل الإيمان عن كل خير؛ كما فتنوا أنفسهم؛ مصداقا لقوله تعالى عنهم - المنافقين - في سورة الحديد ( ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم ). قال السيوطي : بإلقاء العداوة. قوله «وفيكم»: معشر المؤمنين. قاله مقاتل. قوله « سماعون لهم»: وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يؤدُّونه إليهم، عيون لهم عليكم. رواه الطبري معناه عن مجاهد، وابن زيد. وقيل: وفيكم من يسمع كلامهم ويُطيع لهم. قال السيوطي: ما يقولون سماع قبول. وقال قتادة المعنى: وفيكم من يستمع كلامهم ويطيعهم، فلو صحبوكم أفسدوهم عليكم. حكاه مكي. قال معمر بن المثنى: أي مطيعون لهم سامعون. قال السمرقندي: يعني: وفي عسكركم عيون وجواسيس للمنافقين، ويقال: وفيكم من يسمع ما يقوله المنافقون ويقبلون منهم. قال الحسن: يعني: المنافقين أنهم عيون للمشركين عليكم يسمعون أخباركم فيرسلون بها إلى المشركين. حكاه ابن أبي زمنين. قال الطبري: وأولى التأويلين عندي في ذلك بالصواب، تأويلُ من قال: معناه: " وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يبلغونه عنكم، عيون لهم... قوله «والله عليم بالظالمين»: تهديد؛ كقول من له سلطان على أحد: أنا أعلم ماذا تفعل. لأنه تعالى عليم بالظالمين وغيرهم. قال السمرقندي: وهذا وعيد لهم، يعني: عَلِيمٌ بعقوبتهم. لطيفة: قال ابن زيد: سلّى الله عز وجل، نبيه ﷺ، بهذه الآية في تخلف المنافقين عنه، فأخبره أنهم ضررٌ لا نفع فيهم. حكاه مكي. قلت ( عبدالرحيم ): ما قاله عبدالرحمن بن زيد - رحمه الله - حق؛ فكم يرجو العبدُ الخيرَ من صحبة صاحب؛ من صديق أو زوجة، ويكون عطبه في هذه الصحبة؛ فعلى العبد أن يسلم لخيرة مولاه، ولا يلح إلحاح المتذمر من قضاء ربه. فتأمل - رعاك الله - حال الصحابة وهم قلة، ولم يخرج معهم هؤلاء، والشر كله في صحبتهم - وفي النفس حاجات وفيك فطانة. انتهى _ المصدر: لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، تفسير الطبري، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ [48] وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [49] ) التوبة قوله «لقد ابتغوا الفتنة »: لك. قاله السيوطي. قال السمعاني: الابتغاء: الطلب، والفتنة: إيقاع الاختلاف المؤدي إلى تفريق الكلمة. قال ابن الجوزي: يعني الشر. قال ابن جزي الغرناطي: أي طلبوا الفساد. وقال الإيجي الشافعي: تفريق أصحابك وتشتيت أمرك. وقال مكي: المعنى لقد التمس هؤلاء المنافقون لأصحابك، يا محمد. قوله « من قبل»: تبوك. قاله ابن الجوزي في التذكرة. قال السيوطي: أول ما قدمت المدينة. قال السمرقندي: يعني: من قبل غزوة تبوك، لأنهم قصدوا قتل النبي ﷺ قبل كثرة المؤمنين. قال البغوي: أي طلبوا صد أصحابك عن الدين وردهم إلى الكفر، وتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم، كفعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه. وقال مكي: أي من قبل أن ينزل عليك أمرهم وكشف سرهم واعتقادهم. قال الثعلبي: أي عملوا بها لصد أصحابك عن الدين وردهم إلى الكفر بتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم، كفعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه. قوله «وقلَّبوا لك الأمور»: أي أحالوا الفكر في كيدك وإبطال دينك. قاله السيوطي. قال ابن الجوزي: أي بغوا لك الغوائل. قال السمعاني: ومعناه: صرفوا لك الأمور وأرادوها ظهرا لبطن وبطنا لظهر، وحقيقة المعنى: أنهم طلبوا بكل حيلة إفساد أمرك. قال الواحدي في الوجيز: اجتهدوا في الحيلة عليك والكيد بك. قال السمرقندي: احتالوا في قتلك وفي هلاكك من كل وجه. قال الثعلبي: أجالوا فيك وفي إبطال دينك الرأي بالتخذيل عنك وتشتت أصحابك. وبنحوه قال مكي. قوله «حتى جاء الحق»: أي: نصر الله. قاله مكي. وقال السمرقندي: كثر المسلمون. قال النسفي: وهو تأييدك ونصرك. قوله «وظهر»: عز، وغلب. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ): قال زيد بن علي، وقتادة: غالبين. حكاه القرطبي. انتهى قوله «أمر الله»: دينه. قاله السيوطي، وجمع من المفسرين. قال السمرقندي: يعني ظهر دين الله الإسلام. قوله «وهم كارهون»: لدين الله؛ فدخلوا فيه ظاهرا. قال السيوطي: فدخلوا فيه ظاهرا. قال السمرقندي: كارهون للإسلام. قوله «ومنهم من يقول »: يعني ومن المنافقين. قاله الثعلبي. قال البغوي: نزلت في جد بن قيس المنافق. قال السمعاني: أكثر المفسرين أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين يقال له: الجد بن قيس. وقال ابن جزي الغرناطي: وروى أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين. قوله « ائذن لي»: في التخلف. قاله الثعلبي، والسيوطي. قال ابن عباس: اعتل جد بن قيس ولم تكن له علة إلا النفاق، فأعرض عنه النبي ﷺ. حكاه البغوي.
قال مكي: أي ائذن لي يا محمد، في المقام ولا أخرج معك.
قوله «ولا تفتنِّي»: قال المنافقون مقالتهم بعدما حرضهم النبي على الغزو؛ الذي فيه خير الدنيا والآخرة؛ إعلاء لكلمة الله أولا، وليغنموا من زرق الله الطيب؛ من السبي والغنائم التي وصفها الله بقوله ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا )، فقال قائلهم أخشى الفتنة على نفسي من بنات الأصفر؛ وإنما قالوا ذلك كذبا ليتخلفوا عن الغزو ردا منهم لأمر الله ورسوله، فرد عليهم الذي يعلم السر وأخفى بقوله ( ألا في الفتنة سقطوا ): ألا في الإثم والكفر وقعوا بخيانتهم وخلافهم أمر الله ورسوله. فأي فتنة أعظم ترك أمر الله ورسوله؟! قال الله ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ): قال أحمد بن حنبل: الفتنة: الكفر. قال السيوطي: وقُرِئ: سَقَط. قال مجاهد: قال النبي ﷺ: " اغزوا تبوك، تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم " فقال بعض المنافقين: ائذن لي، ولا تفتني بالنساء. حكاه مكي. قال الزجاج: أي لا تؤثمني بأمرك إياي بالخروج، وذلك غير متيسر لي فآثم. قال الراغب: أي يقول لا تبلني ولا تعذبني، وهم بقولهم ذلك وقعوا في البلية والعذاب. وعن عطاء، عن أبيه عطاء بن أبي مسلم الخراساني: ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ): فيقال: ائذن لي ولا تُؤَثِّمَنِّي وَلَا تُكَفِّرَنِّي. رواه ابن أبي حاتم في التفسير وعن ابن عباس: ائذن لي ولا تحرجني. قوله « ألا في الفتنة سقطوا »: يقول ألا في الكفر وقعوا. قاله مقاتل بن سليمان، ويحيى بن سلام. قال الواحدي في الوجيز: أي: في الشرك وقعوا بنفاقهم وخلفهم أمرك. قال الفراء: في التخلف عنك. قال السيوطي: وقرئ سقط. قال النسفي: يعني أن الفتنة هي التي سقطوا فيها وهي فتنة التخلف. قال السمعاني: فيه معنيان: أحدهما: ألا في جهنم سقطوا، والآخر: ألا في الشرك سقطوا. قلت ( عبدالرحيم ): وعلى الأول فمنه قوله تعالى ( يومهم على النار يفتنون ): قال مكي في المشكل: يعذبون. قال مكي في الهداية: أي ألا في الإثم وقعوا، ومنه هربوا في زعمهم. وعن ابن عباس: يعني: في الحرج سقطوا. رواه ابن أبي حاتم. وعن قتادة: ألا في الإثم سقطوا. رواه ابن أبي حاتم. قلت ( عبدالرحيم ): لا تعارض بين قول ابن عباس، وبين قول قتادة؛ لأن أصل الحرج: الإثم. قال ابن عطية: الحرج: الإثم. قال الزجاج: الحرج في اللغة الضيق، ومعناه في الدين الإثم. وقال مكي في الهداية: وقيل: الحرج: الشك وكله يرجع إ'لى الإثم. قوله «وإن جهنم لمحيطة بالكافرين»: مطيفة بهم وجامعتهم فيها. قاله الثعلبي. قال السيوطي: لا محيص لهم عنها. أي: محدقة بهم، جامعة لهم يوم القيامة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وأحيط بثمره ): قال الزجاج، وابن الجوزي: أي أحاط اللَّهُ العَذَابَ بثمره. وقال البغوي: أي أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها. قلت: ومنه قولهم: أحاط بهم العدو: كناية عن هلاكهم. قال الزمخشري: وَأُحِيطَ به؛ عبارة عن إهلاكه. وأصله من أحاط به العدوّ، لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه، ثم استعمل في كل إهلاك. انتهى _____ المصدر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للفراء، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير ابن أبي حاتم، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير السمرقندي، الكشف والبيان للثعلبي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير القرطبي، تفسير البغوي، الكشاف للزمخشري، المحرر الوجيز لابن عطية، تفسير النسفي، تفسير ابن جزي الغرناطي، تفسير الجلالين، جامع البيان للإيجي الشافعي.
( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ) التوبة [50] قوله «إن تصبك حسنة»: ظفر وغنيمة. قاله الإيجي الشافعي. قال السيوطي: كنصر وغنيمة. قال صديق حسن خان: فمن جملة ما يصدق عليه الحسنة الغنيمة والظفر. قال ابن جزي الغرناطي: الحسنة هنا النصر والغنيمة وشبه ذلك. قال السمعاني: الحسنة هاهنا هي النعمة التي تطيب بها نفس الإنسان، وتلذ عيشه. وفي غير هذا الموضع الحسنة بمعنى الطاعة. قال مكي في المشكل: أي ظفر. قال السمرقندي: يعني: إن أصابك الغنيمة والنصر ساءهم ذلك. قال مقاتل بن سليمان:يعني: الغنيمة في غزاتك يوم بدر تسؤهم. قال مجاهد: فالحسنة: العافية والرخاء والغنيمة. رواه ابن أبي حاتم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ): قال مجاهد: قوله: ( وبلوناهم بالحسنات ): الرخاء والعافية. رواه ابن أبي حاتم. وقال مكي في الهداية: أي: بالرخاء، والسعة في الرزق. قوله « تسؤهم»: تحزنهم. قال القاسمي: أي تورثهم مساءة لفرط عداوتهم. قال الثعلبي، والبغوي: يعني المنافقين. قال صديق حسن خان: وهذا ذكر نوع آخر من خبث ضمائر المنافقين وسوء أفعالهم والإخبار بعظم عدواتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين، فإن المساءة بالحسنة، والفرح بالمصيبة من أعظم ما يدل على أنهم قد بلغوا في العداوة إلى الغاية. قوله «وإن تصبك مصيبة»: يعني الشدة والنكبة الهزيمة. قاله السمرقندي. قال صديق حسن خان: ومن جملة ما يصدق عليه المصيبة الخيبة والانهزام. قال النسفي: نكبة وشدة في بعضها نحو ما جرى يوم أحد. وقال الواحدي في الوسيط: من القتل والهزيمة. قال مكي في الهداية: والمعنى إن يصبك يا محمد، سرور وفتح، ساء المنافقين ذلك، وإن يصبك نقص في جيشك أو ضر، أو هزيمة، يقول المنافقون. قال مقاتل بن سليمان: وإن تصبك مصيبة بلاء من العدو يوم أحد، وهزيمة، وشدة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك )؛ فقوله ( ما أصابك من حسنة ): قال السمرقندي: النعمة وهو الفتح والغنيمة فمن الله أي: وبفضله. وقوله ( وما أصابك من سيئة ): قال السمرقندي: عني البلاء والشدة من العدو أو الشدة في العيش فمن نفسك أي فبذنبك، وأنا قضيته عليك. قال الثعلبي: أي بلية وأمر تكرهه فمن نفسك أي، من عندك وأنا الذي قدرتهما عليك. وعن ابن عباس: ما كانت من نكبة فبذنبك، وأنا قدرت ذلك عليك. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قراءة، أنبأ سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قوله: ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) قال: فبذنبك، وأنا قدرتها عليك. انتهى استطراد: قلت ( عبدالرحيم ): فتأمل نهج السلف؛ في سلامته، ووضوحه، وحجته، ويسره، وما كانوا عليه من صحة الإعتقاد؛ في قولهم " فبذنبك وأنا قدرتها عليك" فلم يقولوا بالجبر، ولم يقولوا قول مجوس هذه الأمة – القدرية - فللعبد فعلٌ يؤاخذ به عند الله، وعند ذوي الحجا- العقل؛ ومع ذلك لم يخرج عن سلطان الملك – تقدس اسمه – وقدره ومشيئته؛ قال تعالى ( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ): قال ابن فورك: مشيئته على قدرته وأنه لا تجري الأمور في ملكه إلا على حسب مشيئته، فمن شاء الخير فقد شاء إلا أن يشاءه، ومن شاء الشر فقد شاء أن يشاءه، وعموم ذلك يقتضي دخول الخير والشر. انتهى كلامه. وقال تعالى ( كل من عند الله) قال البغوي: أي الحسنة والسيئة كلها من عند الله. انتهى كلامه فاعرف قدرهم، واحفظ لهم فضلهم – السلف – واتخذ إلى ربك سبيلهم، وترض عنهم، وابغض من أبغضهم؛ على رأسهم أساتذتهم؛ أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وعليهم أجمعين. انتهى قوله «يقولوا»: أي المنافقون حامدين لرأيهم. قاله صديق حسن خان. قوله «يقولوا قد أخذنا أمرنا»: عملنا بالحزم كما قال ابن سلول وأصحابه حين تخلفوا عنك يوم أحد. قاله الإيجي. قال صديق حسن خان: أي احتطنا لأنفسنا وأخذنا بالحزم واعتزلنا عنهم، وقعدنا عن الحرب، فلم نخرج للقتال كما خرج المؤمنون حتى نالهم ما نالهم من المصيبة.
قال النسفي: الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم.
أي أخذنا حذرنا بالقعود والتخلف عن الخروج من قبل المصيبة. قال ابن جزي: أي قد حذرنا وتأهبنا من قبل. قال القرطبي: أي احتطنا لأنفسنا، وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال. قال ابن الجوزي: عملنا بالحزم فلم نخرج. قال مكي في الهداية: أي: أخذنا الحذر بتخلفنا. قال السمعاني: يعني حذرنا من قبل، ومعناه: احترزنا من الوقوع في المصيبة. قال مقاتل: في القعود من قبل أن تصبك مصيبة. قال الواحدي في الوسيط: أي: قد عملنا بالحزم حين تخلفنا، فسلمنا مما وقعوا فيها. قوله «من قبل»: من قبل ما وقع. قاله النسفي. قال مكي في الهداية: أي من قبل أن تصيبهم هذه المصيبة. قوله «ويتولَّوا»: أي: يدبروا عن محمد ﷺ. قاله مكي. قال الإيجي: عن مقام التحدث أو أعرضوا عن الرسول. وقال في الوسيط: يعرضوا عن الإيمان. قوله «وهم فرحون»: مسرورون بما نالك من المصيبة. قاله البغوي. قال السمرقندي: بما أصابك وبتخلفهم. قال ابن الجوزي: بمصابك وسلامتهم. قال مقاتل: لما أصابك من شدة. وقال في الوسيط: معجبون بما فعلوا. قال صديق حسن خان: فرحين بالمصيبة التي أصابت المؤمنين وبما صنعوا من أخذ الأمر، وبما أصابه صلى الله عليه وآله وسلم. _____ المصدر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، الكشف والبيان للثعلبي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوسيط للواحدي، تفسير البغوي، تفسير النسفي، تفسير السمعاني، تفسير ابن جزي الغرناطي، تفسير القرطبي، زاد المسير لابن الجوزي، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير الجلالين.
( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ) التوبة [52] قوله « تربصون »: فيه حذف إحدى التاءين من الأصل. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): أصله تتربصون وما جاء من حذف إحدى التاءين وإدغامها في أول المضارع؛ في القرآن كثير جدا. وسأسوق لك جملة من الأمثلة عسى أن تكون عونا لك على فهم كلام الله؛ فمن ذلك: قوله تعالى ( تساقط عليك رطبا )؛ قال الإيجي الشافعي: تتساقط النخلة.
قال نجم الدين النيسابوري: تتساقط، أدغمت التاء في السين.
وقوله ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ): أي تتسوى. قال في مفاتيح الأغاني: والمعنى (تَتَسَوَّى ) فأدغمت التاء في السين. وقوله ( تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ): قال السمرقندي: أصله تتظاهرون، فأدغم إحدى التاءين في الظاء. وقوله ( وإن تظاهرا عليه ): قال الواحدي، والبغوي، والقرطبي: أي تتظاهرا. وقوله ( ولا تعانوا على الإثم والعدوان ): قال أبو السعود: وأصل لا تعاونوا لا تتعاونوا فحذف منه إحدى التاءين تخفيفا. وقوله ( ولا تيمموا الخبيث ): قال في البحر المحيط: أصله: تَتَيَمَّمُوا، فأدغم التَّاء في التَّاء. قال ابن قتيبة: لا تقصدون. وقوله ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ): قال السمعاني: وأصله: تتوفاهم، فأدغمت إحدى التاءين تخفيفا. وقوله ( يوم لا تكلم نفس إلا بإذنه ): قال الخطيب الشربيني: فيه حذف إحدى التاءين. قال الإيجي، والبغوي، والثعلبي، والنسفي، والقرطبي: أي لا تتكلم. وقوله ( إذ تلقونه بألسنتكم ): قال سراج الدين النعماني في اللباب: والأصل: تتلقونه، فحذف إحدى التاءين. وقوله ( تنزل الملائكة والروح فيها ): قال السمرقندي: يعني تتنزل الملائكة من كل سماء. وقوله ( أن تبدل بهن ): قال ابن عاشور: أصله : تتبدل بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا. وقوله ( لا تناصرون ): قال صديق حسن خان: وأصل تناصرون: تتناصرون فطرحت إحدى التاءين تخفيفا. قال السمعاني، والبغوي: أي لا تتناصرون. وقوله ( تكاد تميز من الغيظ ): قال ابن عاشور: أصله تتميز، أي تنفصل، أي تتجزأ أجزاءً. قال الفراء: تقطع عليهم غيظا. وقوله ( فأنت عنه تلهى ): قال القرطبي، والنسفي: أصله تتلهى. قال الزجاج: أي: تتشاغل عنه. وقوله ( فأنذرتكم ناراً تلظى ): قال أبو بكر السجستاني: أصله تتلظى. وقوله ( تنزل الملائكة والروح فيها ): قال الثعلبي: أي تتنزل. قال الشنقيطي في أضواء البيان: أصله تتنزل فحذفت إحدى التاءين. وبنحوه قال ابن عاشور وزاد: اختصارا. وكذا القول في قوله ( على من تنزل الشياطين ): يعني تتنزل. وقوله ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ): قال محيي الدين درويش: بترك إحدى التاءين وأصله تتبرجن أي تتبخترن في مشيكن. وقوله ( ولا تجسسوا ): قال إسماعيل حقي البروسوي: أصله لا تتجسسوا حذف منه احدى التاءين أي ولا تبحثوا عن عورات المسلمين وعيوبهم. وقوله ( لتعارفوا ): قال الزحيلي: أصله لتتعارفوا، حذف منه إحدى التاءين. وقوله ( ولا تنابزوا بالألقاب ): قال الرازي: ولا تنابزوا لا تتنابزوا أسقطت إحدى التاءين. وقوله ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ): تولوهم: يعني تتولوهم. وقوله ( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ): قال محمد رشيد رضا: أصله فتتفرق حذفت منه إحدى التاءين. وقوله ( فإذا هى تلقف ما يأفكون ): أي تتلقف: أي تبتلع_ تلتهم بسرعة. قال البيضاوي: وأصله تتلقف فحذفت إحدى التاءين. وقوله ( لما تخيرون ): قال إبراهيم الأبياري في الموسوعة القرآنية: لما تتخيرون. وقوله ( ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ): أصله ولا تتلولوا. وقوله ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ): أي ولا تتنازعوا. انتهى بحمد الله المنان. ونعود إلى تفسير الآية؛ التي نحن بصددها من سورة التوبة: قوله تعالى «قل هل تربصون بنا»: أي: تنتظرون بنا. قاله ابن جزي الغرناطي، والدين البيضاوي، والنسفي، والشوكاني، وغيرهم. وزاد الشوكاني: هل. قال الجرجاني: أي تنتظرون انتظارا عظيما. قال الثعلبي، والبغوي: تنتظرون بنا أيها المنافقون. وبنحوه قال صديق حسن خان. قال الواحدي في الوسيط: أي قل للمنافقين هل تنتظرون أن يقع بنا. قال القرطبي: واللفظ استفهام والمعنى توبيخ. قال الشوكاني: ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( قل هل تربصون بنا ): أي هل تنتظرون بنا؛ قال القرطبي: والتربص الانتظار. يقال: تربص بالطعام أي انتظر به إلى حين الغلاء. ا. هـ قلت: ومنه قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ): قال البغوي: ينتظرن. وقوله ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ): قالت كاملة الكواري: ينتظرن في العدة ويحبسن أنفسهن من الزواج، ومن المفسرين من ذهب إلى أن «بأنفسهن» توكيد زيدت فيه الباء. وقوله ( قل كل متربص فتربصوا ): قال الخضيري: أي منتظر. وقوله ( ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم ): وانتظرتم بالنبي - ﷺ - والمؤمنين الدوائر. قال الخضيري: ترقبتم حصول النوائب للنبي - ﷺ -، والمؤمنين معه. وقوله ( نتربص به ريب المنون ): ننتظر أن تنزل به - يعنون النبي ﷺ - حوادث الدهر، ومصائبه. وقوله ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرمًا ويتربص بكم الدوائر): يعني: ينتظر بكم الموت والقتل. وقوله (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ): انتظروا فإني معكم من المنتظرين. انتهى قوله « إلا إحدى»: العاقبتين. قاله السيوطي. قال البيضاوي: إلا إحدى العاقبتين اللتين كل منهما حسنى العواقب: النصرة والشهادة. قال ابن جزي: إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله وكل واحد من الخصلتين حسن. قوله «الحسنيين»: تثنية حسنى تأنيث أحسن: النصر أو الشهادة. قاله السيوطي. وبعبارة أوضح: قال السمعاني: تثنيه الحسنى: الحسنيان، أحدهما: الظفر، والأخرى: الشهادة. قال القرطبي: والحسنى تأنيث الأحسن. وواحد الحسنيين حسنى، والجمع الحسنى. ولا يجوز أن ينطق به إلا معرفا. لا يقال: رأيت امرأة حسنى. والحسنيان: النصر والشهادة. قاله الزجاج، والفراء، والبغوي، وابن الجوزي، والإيجي، وأبو السعود، والشوكاني وغيرهم. إلا أن الفراء قال: الظفر أو الشهادة. وزاد البغوي: والغنيمة والمغفرة. وقال مكي في المشكل: والحسنيان: الشهادة والغنيمة. وبه قال السمرقندي. قال الثعلبي: إما النصر والفتح مع الأجر الكبير، وأما القتل والشهادة وفيه الفوز الكبير. وبنحوه قال مقاتل بن سليمان. قوله «ونحن نتربص بكم»: ننتظر بكم إحدى السوأتين؛ الأولى: عذاب من عنده؛ كصاعقة من السماء؛ كما قال تعالى ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود )؛ وإن كانت الآية نزلت في المشركين؛ قبل ظهور النفاق؛ فالعبرة بعموم اللفظ. والثانية: أسر وقتل بأيدينا. وسيأتي مزيد بيان. قال السمعاني، وغيره: ننتظر بكم. قال البغوي: إحدى السوأتين. قوله «أن يصيبكم الله بعذاب من عنده»: أي عقوبة تهلككم كما أصاب الأمم الخالية من قبلكم. قاله القرطبي، وبنحوه قال البغوي، وغيرهم. قال الجرجاني: أي لا تسبب لنا فيه كما أهلك القرون الأولى بصائر للناس. قال السمعاني: العذاب من عنده هو القارعة تنزل من السماء، والعذاب بأيدي المؤمنين هو العذاب بالسيف. قال الشوكاني: أي قارعة نازلة من السماء فيسحتكم بعذابه. قال النسفي: وهو قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود. قال الإيجي: بقارعة وبلاء من السماء. قال ابن جزي: المصائب وما ينزل من السماء أو عذاب الآخرة. قال ابن عباس: يعني الصواعق، قال ابن جريج: يعني الموت. حكاه الثعلبي، وابن الجوزي. قوله «أو»: بعذاب. قاله النسفي، وأبو السعود. قوله «بأيدينا»: أي القتل. قاله ابن جزي، والنسفي، وأبو السعود. وزاد النسفي، وأبو السعود: على الكفر. قال السيوطي: بأن يؤذن لنا في قتالكم. قال البغوي: أي بأيدي المؤمنين إن أظهرتم ما في قلوبكم. قال الزجاج: فأنتم تربصون بنا إحدى الحسنيين، ونحن نتربص بكم إحدى الشرتين. فبين ما تنتظرونه وننتظره فرق عظيم. قوله «فتربصوا»: فانتظروا بنا ذلك. قال السمرقندي: يعني: انتظروا بنا الهلاك. قال الشوكاني: والأمر للتهديد. وبه قال ابن جزي الغرناطي. قال القرطبي: تهديد ووعيد. أي انتظروا مواعد الشيطان إنا منتظرون مواعد الله. قال الحسن: فتربصوا مواعيد الشيطان إنا متربصون مواعيد الله من إظهار دينه واستئصال من خالفه. حكاه البغوي، وبه قال في الوسيط. قلت ( عبدالرحيم ): وهذا مصداقا لقوله عن إبليس ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا )، وقوله (وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ). قوله «إنا معكم متربِّصون»: ما هو عاقبتكم فإذا لقي كل منا ومنكم ما يتربصه لا تشاهدون إلا ما يسرنا ولا نشاهد إلا ما يسوؤكم. قاله أبو السعود. استطراد: قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( فتربصوا إنا معكم متربصون ): أي فانتظروا هلاكنا على زعمكم، ونحن ننتظر هلاككم بوعد الله الذي لا خلف لمواعيده؛ فهذا النوع من الحوار في القرآن كثير؛ البالغ الغاية في الحجة، ووضوح المعتقد، مع وفرة العقل، وحفظ اللسان من الفحش، وما لا ينبغي؛ مهما بلغت حجة المخالف من ضعف العقل، وركاكة الكلمات؛ بقطع النظر عما قيل فيها من النسخ، أو فيمن نزلت؛ فلن يكن- صلوات الله وسلامه عليه - فاحشا أو متفحشا قبل أن يؤمر بقتالهم، ولا بعد أن أُمر بقتالهم؛ فمن ذلك: قوله تعالى ( فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين ): تهديد، ووعيد. قال الطبري: فانتظروا عقابَ الله إياكم ، ونـزول سخطه بكم، إني من المنتظرين هلاككم وبوارَكم بالعقوبة التي تحلُّ بكم من الله، وقوله ( قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون ): قال ابن كثير: هذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، أي: استمروا على طريقكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى ، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي، كما قال تعالى: ( وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون ). وهكذا دواليك:
كقوله تعالى ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ): معناه التبري منهم ، أي : لستم منا ولا نحن منكم ، بل ندعوكم إلى الله وإلى توحيده وإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم ، وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا. قاله ابن كثير.
وقوله ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ): فقد قطع أطماعهم في استمالته - ﷺ - إلى دينهم؛ بحجته وصراحته، بدون فحش أو نحوه. وقوله ( ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ): قال الطبري: يقول: إني أيضًا ذو رقبة لذلك العذاب معكم، وناظر إليه بمن هو نازل منا ومنكم؟. وقوله ( قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ): وحاشاه أن يضل بعدما هداه ربه؛ ( ووجدك ضالا فهدى ). قال الشيخ السعدي: لكن على سبيل التنزل في المجادلة - فإنما يضل على نفسه، أي: ضلاله قاصر على نفسه، غير متعد إلى غيره. وقوله ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون )، وقوله ( قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون). فإلى المسلمين عامة، وأولئك الذين يحاورون، ويناظرون أهل الكفر والبدع؛ خاصة أقول: أقيموا حجة الله على الخلق؛ بخلق هذا القرآن العظيم، بإظهار عقيدة الإسلام؛ بدون مداهنة؛ وإياكم والسباب، والفحش؛ فبه تخالفون أمر الله حين قال ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ): وقال رسول الله ﷺ: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه. متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. فمن تسبب في قذف وسب أمه فهو في الواقع؛ من سبها؛ فكذا من تسبب في سب ربه، أو دينه، أو نبيه. فليتق الله هؤلاء ولا يكونوا سببا في مسبة الله جل شأنه. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ______ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، معاني القرآن للفراء، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير السمرقندي، الكشف والبيان للثعلبي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، أنوار التنزيل للبيضاوي، تفسير النسفي، التفسير الكبير للرازي، تفسير ابن جزي الغرناطي، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير أبي السعود، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش، روح البيان لإسماعيل حقي، التفسير المنير للزحيلي، المنار لرشيد رضا، تفسير السعدي، أضواء البيان للشنقيطي، الموسوعة القرآنية للأبياري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [55] وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [56] ) التوبة قوله «فلا تعجبْك أموالهم ولا أولادهم»: فإنها لهم استدراج ووبال. قاله الإيجي الشافعي. قال السيوطي: أي لا تستحسن نعمنا عليهم؛ فهي استدراج. قال البقاعي: أي وإن أنفقوها في سبيلي وجهزوا بها الغزاة. فإن ذلك عن غير إخلاص منهم ولا حسن نية ولا جميل طوية، وإنما هو لما أذلهم من عزة الإسلام وأخافهم من سطوة الانتقام فهو من جملة العذاب. قال الواحدي في الوسيط: يعني بالإعجاب السرور بما يتعجب منه، يقول: لا تستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد فإن العبد إذا كان مستدرجا كثُر مالُه وولُده. قلت ( عبدالرحيم ): كلام الواحدي – رحمه الله – ليس على إطلاقه، ولا يلزم؛ فليس كل من كثر ماله وولده كان مستدرجا من الله؛
وضابط هذا: أن العبد إذا استقام على الطريق الذي ارتضاه الله؛ فهذه نِعم؛ ففضله واسع، وإلا فهي استدراج؛ مصداقا لقوله تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ). انتهى
قال السمرقندي: يعني كثرة أموالهم وأولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا. قلت ( عبدالرحيم ): ونظيره قوله تعالى عن المنافقين في سياق ذمهم؛ محذرا نبيه من ظاهرهم ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ): قال الجصاص: فأعلم الله تعالى نبيه ضمائرهم لئلا يغتر بظاهر أقوالهم وجعله عبرة لنا في أمثالهم لئلا نتكل على ظاهر أمور الناس وما يبدونه من أنفسهم. قال الطبري: وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورها. وقوله عن الكفار عامة ( لا يغرنكم تقلب الذين كفروا في البلاد ). انتهى قوله «ولا أولادهم»: فإن قلت: ما جريرة الأبناء في الكلام عن المنافقين؟ قال البقاعي: وعطف عليها الأولاد لمشاركتها لها في الملاذ والقوة والاستعمال في الجهاد. قوله «إنَّمَا يريد الله ليعذبهم»: بها في الآخرة لأنهم منافقون. قاله الشوكاني. قال البقاعي: أي لأجل أن يعذبهم. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( إنما يريد الله ليعذبهم بها ): فيه دليل على إثبات صفة الإرادة لله – تقدس اسمه – على ما يليق به؛ والأدلة كثيرة جدا؛ فمنها: قوله تعالى ( فعال لما يريد): إرادة تامة نافذة، إذ ليس كل من أراد؛ يستطيع أن يفعل؛ ( يريدون ليطفئوا نور الله ) زعموا! وقوله ( ولكن الله يفعل ما يريد )، وقوله ( إن الله يحكم ما يريد )، وقوله ( يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة )، وقوله ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )، وقوله ( يريد الله أن يخفف عنكم )، وقوله ( و الله يريد أن يتوب عليكم )، وقوله ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم )، وقوله ( لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذنا من لدنا )، وقوله ( إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره )، وقوله ( ولكن يريد ليطهركم )، وقوله ( وإن يردك بخير فلا راد لفضله )، وقوله ( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء )، وقوله (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته)، وقوله ( يريد الله ليبين لكم )، وقوله ( من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )، وقوله ( قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا )، وقوله ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ): فإن قلت: ما وجه استدلالك بهذه الآية على اثبات صفة من صفات الله؛ وقد سيقت هذه الآية على لسان الكفار، والمنافقين؟ قلت: كالحال في قوله عن إبليس ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ): ففيه صفة العزة لله جل شأنه؛ فإقرار الله لهم بقولهم: ماذا أراد؛ فلو لم يكن له إرادة لنفى هذا؛ كما في آيات كثيرة؛ يذكر الله -جلا وعلا- كلام الكفار ثم يتبعه بالرد، وإقامة الحجة عليهم كما في قوله ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا )! فرد الله عليهم بقوله ( لقد جئتم شيئا إدا ): عظيما. كما استدل أهل العلم على اثبات صفة العلو لله تقدس اسمه بقوله على لسان فرعون ( يا هامان ابني لي صرحا لعلي أبلغ الاسباب أسباب السموات فأطلع الى اله موسى ): فوجه الدلالة عدم إنكار الله على لسان موسى أن يرد على فرعون قوله بأن الله ليس في السماء، فلو لم يكن كذلك؛ لقال موسى: ربي ليس في السماء؛ حتى تدعو هامان ببناء الصرح - مثلا-، ولم أقل أنه في السماء، لكن لعلم فرعون بعقيدة موسى أن ربه في السماء؛ قال مقالته. ولست بالطبع بصدد الحديث عن علو الله بالتفصيل؛ وإلا فهي ثابتة بدلالة النص، والفطرة السليمة. قوله «بها في الحياة الدنيا»: يعني: بالمصائب فيها فهي لهم عذاب وللمؤمن أجر. قاله الواحدي في الوجيز. قال البقاعي: أي تارة بجمعها وتربيتها وتارة ببذلها كرها في سبيل الله أو في تزكيتها وتارة بغير ذلك. قلت ( عبدالرحيم ): فكونهم ينفقون، ويبذلون من أموالهم، وأرواحهم في الغزو كما يبذله أهل الإسلام وهم كارهون كما قال الله ( ولا ينفقون إلا وهم كارهون )؛ فهذا وحده عذاب عليهم؛ لأنهم مسلمون ظاهرا قال الإيجي: بزكاتها والنفقة في سبيل الله على كره والتعب في جمعها والوجل في حفظها والشدائد والمصائب فيها فهي لهم عذاب وللمؤمنين أجر. قال النحاس: فيه تقديم وتأخير المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية.
قال السيوطي: بما يلقون في جمعها من المشقة وفيها من المصائب.
قال الزجاج: معناه - والله أعلم - فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الدنيا، إنمايريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. ويجوز والله أعلم: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا أي هم ينفقونها في الدنيا، وهم منافقون فهم متعذبون بإنفاقها إذ كانوا ينفقونها على كره. انتهى قوله «وتزهَق »: تخرج. قاله الإيجي، والبقاعي، وغيرهم. قال صديق حسن خان، وغيره: الزهوق الخروج بصعوبة. قلت ( عبدالرحيم ): فتدبر كلام الله؛ الذي هو أعلم بسوء حالهم عند موتهم؛ فلم يقل: تخرج أنفسهم – مثلا – ولم يصفها بالموت؛ إنما قال وتزهق أنفسهم؛ تخرج بصعوبة لأمور؛ منها: إقبالهم على سوء العذاب وسخط الله، حزنهم على ما فاتهم من الدنيا، بخلاف أهل الإيمان فعندها ( تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ): لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه، ولا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا؛ فما عند الله خير للأبرار. قوله «وتزهَق أنفسهم وهم كافرون»: تخرج أنفسهم وهم كافرون. قال مكي أي: تخرج وهم على كفرهم. قال أبو السعود: فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة وأصل الزهوق الخروج بصعوبة. قال البقاعي: أي وإنما يريد بتمكينهم منا لأجل أن يخرج وقت الموت بغاية الصعوبة. قلت ( عبدالرحيم ): ووجه أن أهل النفاق يعانون شدة الموت وعذابه، وشدة ألمهم لفراق المال الكثير والولد؛ فكانت هذه النعم من الله عليهم؛ محض عذاب في الدنيا قبل الآخرة. قال الإيجي: أي يموتوا كافرين مشتغلين بصعوبة فراق المستلذات الدنيوية غافلين عن النظر في العاقبة. قال البقاعي : وهكذا كل من أراد استدراجه سبحانه فإنه في الغالب يكثر أموالهم وأولادهم لنحو هذا لأنهم إذ رأوا زيادتهم بها على بعض المخلصين ظنوا أن ذلك إنما هو لكرامتهم وحسن حالتهم فيستمرون عليها حتى يموتوا فهو سبحانه لم يرد بها منحتهم بل فتنتهم ومحنتهم. قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: تهْلك وَتبطل. قال الثعلبي: أي تخرج وتذهب أنفسهم على الكفر. وبنحوه قال السمرقندي. قال الماوردي: تهلك بشدة. قال الزجاج: معناه، وتخرج أنفسهم أي يغلظ عليهم المكروه حتى تزهق أنفسهم. قال الجرجاني: ( وتزهق ): تتلاشى وتبطل. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وتزهق أنفسهم وهم كافرون ): أي تخرج وهم كافرون. قال الجوهري: وزهقت نفسه تزهق زهوقا، أي خرجت. قلت: فيه دليل على أن الله يضل من يشاء – عدلا -، بخلاف مجوس هذه الأمة – أعني القدرية. وقد سجدت لله شكرا لما وقعت عيني على كلام السمعاني – رحمه الله – لما قال: وقوله ( وتزهق أنفسهم وهم كافرون): تخرج أنفسهم وهم كافرون. وفي الآية رد على القدرية، وهو ظاهر. انتهى كلامه. ووجه الدلالة؛ قوله تعالى ( إنما يريد الله ليعذبهم بها) ثم قال: ( وتزهق أنفسهم ) : أي تخرج وهم كفار. فالله الذي أراد أن تخرج وهم على الكفر؛ كما أراد أن يعذبهم؛ ولا نقول بالجبر؛ فهذا وبضميمة قوله ( لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون )، وقوله ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) على التفصيل المعلوم لدى السلف. انتهى قوله «ويحلفون بالله »: أي المنافقون. قاله السيوطي. قوله «إنهم لمنكم»: يزعم المنافقون أنهم منكم في الدين والإسلام ؛ وليسوا كذلك؛ بل هم من المنافقين. إذ الله قال عنهم ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض )، فليسوا منكم. قال الواحدي في الوجيز: أي إنهم مؤمنون وليسوا مؤمنين. قوله «وما هم منكم»: فإنهم منافقون؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله. قوله « ولكنهم قوم يفرقون»: يخافون. قاله الثعلبي، والإيجي، والسيوطي، وغيرهم. وزاد الإيجي: فيحلفون تقية. قال السيوطي: تخافون أن تفعلوا بهم كالمشركين فيحلفون تقية. قال في الوجيز: يخافون فيحلفون تقية لكم. قال أبو السعود: فيظهرون الإسلام تقية ويؤيدونه بالأيمان الفاجرة. قلت ( عبدالرحيم ): مصداقا لقوله تعالى ( اتخذوا أيمانهم جنة ): قال ابن قتيبة: أي استتروا بالحلف. وقال غلام ثعلب: أي: سلاحا. قال الجرجاني: الفَرق الخوف والخشية وفيه دليل أن من تحقق خوفه من غير الله لم يكن مؤمنا. قال البقاعي: أي يخافون منكم على دمائهم خوفا عظميا يفرق همومهم فهو الملجىء لهم إلى الحلف كذبا على التظاهر بالإسلام. ___ المصدر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، النكت والعيون للماوردي، الكشف والبيان للثعلبي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، أحكام القرآن للجصاص،، نظم الدرر في تناسب ألآيات والسور للبقاعي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، تفسير الطبري، درج الدرر للجرجاني، تفسير السمعاني، فتح القدير للشوكاني، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، الصحاح للجوهري، تفسير الجلالين.
( لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [57] وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [58] ) التوبة قوله «لو يجدون»: أراد المنافقين. قوله «ملجأً»: يلجأون إليه. قاله السيوطي. قال الواحدي: مهربا. قال الإيجي الشافعي، وابن أبي زمنين: يعني: حصنا يلجئون إليه. قال الزجاج: والملجأ واللجأ، مقصور ومهموز، وهو المكان الذي يتحصن فيه. قال السمرقندي: يعني: حرزا يلجئون إليه. قال مقاتل في تفسيره: يعنى حرزا يلجأون إليه. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( كلا لا وزر ): قال نجم الدين النيسابوري، وابن قتيبة، وابن الهائم: أي لا ملجأ. وحكى نافع بن الأزرق عن ابن عباس قال: الوزر: الملجأ. وبه قال الفراء. قال الراغب الأصفهاني: الوزر: الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل. قال الزجاج: الوزر في كلام العرب الجبل الذي يلجأ إليه: هذا أصله، وكل ما التجأت إليه وتخلصت به فهو وزز. قوله «أو مغارات»: وهي الغيران في الجبال، واحدتها: مغارة. قاله الطبري. قال أبو السعود: أي غِيراناً وكهوفا يُخفون فيها أنفسهم. قال الفراء: واحدها غار في الجبال. قال الزجاج: ومغارات جمع مغارة، وهو الموضع يغور فيه الإنسان، أي يستتر فيه. قال الواحدي، والسيوطي: سراديب. قال صديق حسن خان: وهذا من أبدع النظم، ذكر أولاً الأمر الأعم وهو الملجأ من أي نوع كان، ثم ذكر الغيران التي يختفى فيها في أعلى الأماكن وهي الجبال ثم الأماكن التي يختفى فيها في الأكن السافلة وهي السروب، وهي التي عبر عنها بالمدخل. قوله «أو مُدَّخَلا»: موضعاً يدخلونه. قاله السيوطي. وقال في الوجيز: وجها يدخلونه. قال ابن أبي زمنين: سربا. قال مقاتل، والفراء، والسمرقندي، والطبري: سَرَبا في الأرض. وزاد الطبري: يدخلون فيه. وقال ابن قتيبة: أي: مدخلا يدخلونه. وقيل: المدخل الضيق الذي يدخل فيه بشدة. حكاه الماوردي. لطيفة: قال الإيجي الشافعي: نفقاً ينحجرون فيه كنفق اليربوع. قلت ( عبدالرحيم ): قوله_رحمه الله_ كنفق اليربوع؛ وإنما اشتق اسم النفاق من"نفق اليربوع" لأنه يتخذ مخرجين؛ يدخل من ناحية، ويخرج من أخرى؛ وهذا شأن المنافقين؛ يدخلون في الإسلام ظاهرا، ويخرجون منه باطنا؛ وهذا من أخبث طباعهم. انتهى قوله «لَوَلَّوْا إليه»: لالتجأوا. قاله أبو السعود. قال ابن قتيبة: أي لرجعوا عنك إليه. قال ابن أبي زمنين: مفارقة للنبي ولدينه. قال السمرقندي: يعني: ذهبوا إليه وتركوك. قال الطبري: لأدبروا إليه، هربًا منكم. قال في الوجيز: أي لو أمكنهم الفرار من بين المسلمين بأيِّ وجهٍ كان لفروا لوم يُقيموا بينهم. قال السمعاني: فمعنى الآية: لو يجدون مخلصا مِنْكُم ومهربا لفارقوكم. قال صديق حسن خان: وحاصل المعنى لووجدوا شيئاً من هذه الأشياء المذكورة وهي شر الأمكنة وأضيقها لولوا إليه مسرعين، هرباً من المسلمين لشدة بغضهم إياهم تستراً عنهم واستكراهاً لرؤيتهم. قلت ( عبدالرحيم ): وهكذا دأب أهل النفاق إلى يوم البعث والجزاء؛ ينفرون من الإسلام وأهله؛ كما في قوله تعالى حكاية عنهم ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ): قال ابن قتيبة: أي تفرقوا عنك إليها. وقال الخضيري: تفرقوا عنك قاصدين إليها. وكما في قوله ( رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ): أي يعرضون عنك إعراضا.
فهذه الآية تبين لك خبث طوية القوم؛ ومع ذلك لا غنى لهم عن بلاد الإسلام؛ فهم لو يجدون ملاذا غيرها لولوا إليها وهم يجمحون- يسرعون كما هو واقعهم الآن؛ ( فنرى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم )، وإذا أصابت المسلمين مصيبةٌ ونكبة ترى كثرتهم في بلاد الإسلام. قال الزجاج: ومعنى مدخل ومدخل أنهم لو وجدوا قوما يدخلون في جملتهم أو يدخلونهم في جملتهم: (لولوا إليه وهم يجمحون). قال الماوردي: يعني هرباا من القتال وخذلاناا للمؤمنين. قوله «وهم يجمحون»: أي يسرعون. قاله الماوري، وابن قتيبة، وابن أبي زمنين، والسمرقندي، والسمعاني، والسيوطي، وغيرهم. وزاد السمرقندي: في المشي. وزاد السيوطي: في دخوله والانصراف عنكم إسراعا لا يرده شيء كالفرس الجموح. قال الفراء: مسرعين الجمح هاهنا: الإسراع. قال الإيجي: يسرعون إسراعًا لا يردهم شيء وحاصله أنَّهم لو وجدوا مهربًا منكم أى مهرب لفروا منكم لضيقهم في أيديكم. «ومنهم»: أي ومن المنافقين. «من يلمزك»: يعيبك. قاله الفراء، وابن قتيبة، وابن أبي زمنين، والسمعاني، والإيجي، والسيوطي. وزاد ابن قتيبة، وابن أبي زمنين، والواحدي: ويطعن عليك. وحكى الماوردي في النكت؛ عن ابن قتيبة: يغتابك. قال أبو السعود: يعيبك سرا. قال السمرقندي: من المنافقين من يطعنك ويعيبك. قال الفراء: ويقولون لا يقسم بالسوية. وقيل: يسألك. قال قتادة أي يطعن عليك؛
قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب.
حكاه النحاس. قال الزجاج: يقال لمزت الرجل ألمزه بكسر الميم، وألمزه بضم الميم إذ عبته، وكذلك همزته أهمزه إذا عبته. واللمزة الكثير العيب للناس، وقال بعضهم: اللمزة العيب. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى
( ويل لكل همزة لمزة ): قال أبو بكر السجستاني: لُمزَة: عيَّاب. قال ابن قتيبة: يقال: همزت فلانا ولمزته. إذا اغتبته وعبته.
وقوله ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ): يلمزون: أي يعيبون. قوله «في الصدقات»: أي في قسمتها. قاله الإيجي. قوله «فإن أُعطوا منها رضوا»: يعني: من الصدقة. قوله «وإن لم يُعْطوْا منها إذا هم يسخطون»: يعني: لا يرضون بالقسمة. قلت ( عبدالرحيم ): وهنا أدب إسلامي؛ من آداب الصحبة والعشرة؛ ألا تكون همة العبد في رضاه، وسخطه عن الناس؛ إن أعطي رضي، ووصل وأثنى، وإذا لم يعط سخط، وذم؛ فينبغي لأهل الإيمان أن يخالفوا أهل النفاق، إعتقادا وعملا. المعنى الإجمالي للآية: لو يجد هؤلاء المنافقون مأمنًا وحصنًا يحفظهم، أو كهفًا في جبل يؤويهم، أو نفقًا في الأرض ينجيهم منكم، لانصرفوا إليه وهم يسرعون. _____ المصدر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، النكت والعيون للماوردي، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير الطبري، تفسير الجلالين،السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة: 60 قلت ( عبدالرحيم ): هذه الآية تبين لك أصنافا ثمانية؛ لا تاسع لهم؛ تصرف لهم وحدهم الزكاة؛ لا تتعد إلى غيرهم؛ فمن تعداها غيرهم فقد تعدى وأساء وظلم، ولم تقبل منه. فكما أن الله تولى قسمة المواريث بنفسه - جل شأنه - فكذا تولى قسمة الزكاة. قال في البسيط: وإنما سمى الله الأصناف الثمانية إعلاماً منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها. ولن أتناول هذه الأصناف على طريقة الفقهاء مخافة الإطالة. وقد نبه على هذا قبلي ابن الهائم_ رحمه الله_ في التبيان؛ حيث قال: واختلاف الفقهاء في تفسير أكثرها مقرر في كتب الفقه، فلا نطيل به. انتهى كلامه. قوله «إنما»: أداة حصر؛ فهي محصورة على الأصناف الثمانية التالية الذكر، لا تتعداهم بحال. قوله «الصدقات»: الزكوات مصروفة. قاله السيوطي. قال الطبري: يقول - تعالى ذكره - : ما الصدقات إلا للفقراء والمساكين ، ومن سماهم الله جل ثناؤه. قلت ( عبدالرحيم ): معنى الصدقات في الآية الكريمة " الزكوات الواجبة " وليس المراد صدقة التطوع؛ إذ الصدقة في الشرع أعم مما علق في ذهن البعض؛ وإنما سميت الزكاة صدقة: لصدق مؤديها. قوله «للفقراء»: وهم المتعففون عن السؤال. قاله الواحدي في الوجيز. قلت ( عبدالرحيم ): نظيره قوله تعالى ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) إلى قوله (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا )، وسيأتي مزيد كلام. قال السيوطي: الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم. قال مكي في المشكل: للضعفاء الذين لهم البُلغَة من العيش. قال ابن قتيبة: وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلغة من العيش. قوله «والمساكين»: الذين يسألون ويطوفون على الناس. قاله الواحدي في الوجيز. قال السيوطي: الذين لا يجدون ما يكفيهم. قال أبو بكر السجستاني، ومكي: المساكين الذين لا شيء لهم. قال الفراء: الطوّافين على الأبواب. وقال الشافعي: الفقراء: الزمنى الضعاف الذي لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة التي لا تقع حرفته من حاجتهم موقعًا، والمساكين: السؤال ممن لهم حرفة تقع موقعًا ولا تغنيه وعياله، فالفقير أشدهما حالاً عند الشافعي وإلى هذا ذهب جماعة. قاله الواحدي في البسيط. قال مجاهد، وعكرمة، والزهري، وجابر بن زيد: الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل. حكاه مكي في الهداية. قال الطبري: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: " الفقير "، هو ذو الفقر أو الحاجة، ومع حاجته يتعفّف عن مسألة الناس والتذلل لهم، في هذا الموضع، و " المسكين " هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم. انتهى
قلت ( عبدالرحيم ): فلا يشترط فيمن يدفع له الزكاة أن يكون معدوما صفرا؛ كما يتوهمه بعض من أوتي مالا كثيرا، ولم يؤت شيئا من العلم؛ يشترط عنده أن يكون المرء صفرا؛
وهنا يظهر ثمرة العلم، فقد يملك الرجل وفي الوقت عينه يستحق الزكاة؛ كالمحجور عليه لإفلاس؛ فهو يملك ولكن له غرماء لهم أكثر مما عنده، وكمن له كسب ونحوه و لكن لا يكفيه. قال ابن قتيبة: وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلغة من العيش. انتهى قوله «والعاملين عليها»: العمال على الصدقة. قاله أبو بكر السجستاني. قال مكي في الهداية: هم السعادة في قبضها من أهلها، يعطون عليها، أغنياء كانوا أو فقراء. قال السيوطي: من جابٍ وقاسمٍ وكاتبٍ وحاشرٍ. قال مكي في المشكل: أي عمال الصدقة وهم السّعاة الجباة. قال الماوردي في النكت: وليس الإمام من العاملين عليها ولا والي الإقليم. قلت ( عبدالرحيم ): والمراد "بالعاملين عليها" من جعلهم السلطان عمالا عليها؛ وعليه فالوكيل ليس منهم؛ فإن كان فقيرا أخذ لفقره؛ لا لكونه من العاملين عليها. انتهى قوله «والمؤلفة قلوبهم»: قال السيوطي: ليسلموا أو يثبت إسلامهم أو يسلم نظراؤهم أو يذبوا عن المسلمين أقسام، الأول والأخير لا يعطيان اليوم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه لعز الإسلام بخلاف الآخرين فيعطيان على الأصح. قاله السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): فقول السيوطي_ رحمه الله _ من أجود ما وقفت عليه، وأحسب أنه أصوب من غيره؛ فقد قيل هذا خاص قبل أن يعز الإسلام، وأنه في الذين كان النبي - ﷺ - يتألفهم على الإسلام؛ كما قال أبو بكر السجستاني، وابن قتيبة، ومكي.
فالأصوب _ والله أعلم_ أن من أسلم من الكفار يدخل في المؤلفة قلوبهم؛ تثبيتا له على الإسلام. قال الزهري: ( والمؤلفة قلوبهم ): من أسلم من يهود أو نصراني، غنيا كان أو فقيرا.
قال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سدُّ خَلَّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته. فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يُعطاه الغني والفقير, لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونةً للدين. وذلك كما يعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل الله, فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا، للغزو، لا لسدّ خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم، يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء, استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام وطلبَ تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي ﷺ من أعطى من المؤلفة قلوبهم, بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله. فلا حجة لمحتجّ بأن يقول: " لا يتألف اليوم على الإسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم "، وقد أعطى النبي ﷺ من أعطى منهم في الحال التي وصفت. قال مكي في الهداية: وقال ابن حنبل، وغيره: ( والمؤلفة قلوبهم ) في كل زمان. قوله «وفي»: فك. قاله السيوطي. قوله «الرقاب»: أي في فك الرقاب، وهم المكاتبون. قاله أبو بكر السجستاني. قال ابن قتيبة: أي المكاتبين؛ أراد فك الرِّقاب من الرِّق. قال الزجاج: كأنْ يُعَاوِنَ المكَاتبَ حتَى يفكً رقبتَه. قال الواحدي في البسيط: وسهم الرقاب موضوع في المكاتبين ليعتقوا به، وهذا مذهب الشافعي والليث بن سعد. ومذهب مالك وأحمد وإسحاق: أنه موضوع لعتق الرقاب يشترى به عبيد فيعتقون. قلت ( عبدالرحيم ): وهذا من محاسن هذه الشريعة المباركة؛ فالعبد المُكاتِب الذي يشترى نفسه من سيده بمال مؤجل في الذمة من أجل حريته؛ جعلته الشريعة مصرفا من مصارف الزكاة ليتخلص من الرق؛ بخلاف من كره أن يعان بها المكاتبين،
فالشريعة تتشوف إلى عتق الرقاب، ولا ترغب في الرق؛ ألا ترى إلى قول الله الكريم ( فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات وأن تصبروا خير لكم ): أي من لم يستطع أن ينكح الحرة فله أن ينكح الأمة؛ على أن ترك نكاح الامة خير من فعله؛ وهذا هو الشاهد من قوله تعالى ( وأن تصبروا خير لكم ) لأنكم إن تزوجتموهن كان أولادكم عبيدا رقيقا؛ لأن الولد يتبع أمه في الحرية و الرق؛ كل هذا لأن الشريعة لا ترغب في الرق، بل ضيقت منابعه؛ فقد جعلت بعض الكفارات بابا للعتق؛ ككفارة القتل الخطأ، وكفارة الظهار، والوقاع في نهار رمضان. قال السيوطي: "وَأَنْ تَصْبِرُوا" عَنْ نكاح المملوكات "خَيْر لَكُمْ" لئلا يصير الولد رقيقا. وقال مكي: وقال الحسن، والزهري، وابن زيد، والشافعي: معنى ( وفي الرقاب )، يعني المكاتبين. والمعنى على هذا: وفي فك الرقاب، وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري.
انتهى قوله «والغارمين»: أهل الدَّين إن استدانوا لغير معصية أو تابوا وليس لهم وفاء أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء. قاله السيوطي. قال ابن قتيبة: من عليه الدين ولا يجد قضاء. قال مكي: من عليه الدين ولا شيء له. قال الفراء: أصحاب الدَّيْن الَّذِين ركبهم فِي غير إفساد. قلت (عبدالرحيم ): ولعل الصواب_ إن شاء الله _ أن الغارمين أعم من ذلك؛ إي ليسوا فقط من عليهم دين؛ وإنما يدخل في ذلك من غرم لدفع شر عن خصمين لإصلاح بين أو دين؛ سيما عند التشاح، أو نحو ذلك؛ فهذا يعطى من الزكاة وإن كان غنيا واجدا؛ كما سلف من قول السيوطي. قال الشافعي: ( وهم صنفان: صنف أدانوا في مصلحتهم أو معروف أو غير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد، فيعطون في غرمهم، وصنف أدانوا في حمالات وصلاح ذات بين، ولهم عروض إن بيعت أضر بهم فيعطى هؤلاء وتوفر عروضهم، وذلك إذا كان دينهم في غير فسق ولا تبذير ولا معصية. حكاه الواحدي في البسيط. قوله «وفي سبيل الله»: الجهاد. قاله الفراء. قال الزجاج: أي وللمجاهدين حَقٌ في الصدَقَةِ. قال السمرقندي: وهم الذين يخرجون إلى الجهاد. قال السيوطي: أي القائمين بالجهاد ممن لا فيء لهم ولو أغنياء. قلت ( عبدالرحيم ): قوله ( وفي سبيل الله ): يشمل الغزاة أنفسهم، ويشمل الإنفاق على الغزو نفسه؛ من كل ما يعين على الجهاد. قوله «وابن السبيل»: ابن الطريق. وتأويله الذى قُطعَ عليه الطريق. قاله الزجاج. قال الواحدي، السيوطي: المنقطع في سفره. قال أبو بكر السجستاني: الضعيف والمنقطع به وأشباه ذلك. وقال مالك: الحاج المنقطع به هو ابن السبيل، يعطى من الزكاة. حكاه مكي في الهداية. قلت ( عبدالرحيم ): فكم ترى من حاجِّ منقطع؛ فينبغي أن يكون هؤلاء محل بحث وعناية؛ بصرف الزكاة لهم لعموم الآية، ولا يقتصر فقط على إطعامه. يعطى وإن كان غنيا في بلده،لطالما انقطع به الطريق. قوله «فريضة»: قسما. قاله يحيى بن سلام. قال السمعاني: أي افترض الله ذلك فريضة. قال السمرقندي: يعني: وضع الصدقات في هذه المواضع فريضة من الله، وهو مما أمر الله تعالى. قال الواحدي: افترضها الله على الأغنياء في أموالهم. قال الزجاج: كقولك فرض الله الصدقات لهؤلاء. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم ) إلى قوله ( فريضة من الله ): قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني قسمة المواريث لأهلها الذين ذكرهم الله في هذه الآيات. وقوله ( فآتوهن أجورهن فريضة ): أي مهورهن واجبا عليكم؛ وذلك إذا نكحها ولو مرة واحدة. قال ابن المنذر: تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صداقها كله. استطراد: قلت ( عبدالرحيم ): وليس بشرط أن ينكح؛ فلو خلا بها خلوة معتبرة، ثبت المهر كله، وعليها العدة. وبه قضى الخلفاء الراشدون، وعمل به الأئمة. كما حكى بن حنبل عنهم. ( راجع المغني ). انتهى قوله «من الله والله عليم»: بخلقه. قاله السيوطي. قوله «حكيم»: في صنعه فلا يجوز صرفها لغير هؤلاء ولا منع صنف منهم إذا وجد فيقسمها الإمام عليهم على السواء وله تفضيل بعض آحاد الصنف على بعض، وأفادت اللام وجوب استغراق أفراده لكن لا يجب على صاحب المال إذا قسم لعسره بل يكفي إعطاء ثلاثة من كل صنف ولا يكفي دونها كما أفادته صيغة الجمع وبيَّنت السنة أن شرط المعطى منها الإسلام وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا. قاله السيوطي. فائدة: قلت ( عبدالرحيم ): يجوز للمزكي أن يصرف زكاته كلها لصنف واحد من الأصناف شاء، قال مكي في الهداية: وأكثر الناس على أن المتصدق بزكاته يجزيه أن يضعها في أي الأصناف المذكورين شاء. هو قول: ابن عباس، والحسن، والنخعي، وعطاء، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة. قال مالك: تجعل في أي الأصناف كانت فيه الحاجة. انتهى كلامه قلت: كما يجوز له أن يضع زكاته لشخص واحد؛ بخلاف ما يتوهمه البعض؛ بل ربما كانت من مصلحة الزكاة أن تعطى لشخص واحد تستقيم حياته بعدها، من وفاء كافة ديونيه مثلا، فأينما كانت مصلحة للزكاة فثم. وراجع كتب الفقه إن شئت. انتهى _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير ابن المنذر، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير الطبري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمرقندي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، النكت والعيون للماوردي، تفسير الجلالين.
( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) التوبة 61 قوله «ومنهم»: أي المنافقين. قاله السيوطي. قال الواحدي، والسمرقندي: يعني المنافقين. قلت ( عبدالرحيم ): فقوله تعالى ( ومنهم الذين يؤذون النبي ): ليس معناه نفي صدور الأذى عن بقية المنافقين، وإنما قال: ( منهم ): دلالة على كثرة أذيتهم، والمعنى _ والله أعلم _ أن "من جملة أذيتهم" للرسول _ ﷺ_ قولهم ( هو أذن )، فإنهم ما تركوا بابا فيه أذية للنبي إلا أتوه؛ آذوه في عرضه، آذوه في صحبه ومكروا بهم، وأرادوا قتله. ألا تسمع إلى قول الله ( وهموا بما لم ينالوا ): أي من قتله ﷺ. و ( وقلبوا لك الأمور ): ظهرا لبطن. قال الواحدي في الوجيز: اجتهدوا في الحيلة عليك والكيد بك. انتهى قوله «الذين يؤذون النبي»: بعيبه وبنقل حديثه. قاله السيوطي. قال في الوسيط: يعني من المنافقين من يؤذيه بنقل حديثه وعيبته. قال السمرقندي: يعني: من المنافقين من يؤذي النبي ويقولون هو أذن. قوله «ويقولون هو أُذُنُ»: أي أذن سامعة تسمع من كل أحد. قاله مكي في الهداية. قال الإيجي الشافعي: الأذن الرجل الذي يصدق كل ما يسمع كانوا يقولون في شأنه ما لا ينبغي فيقول بعضهم: لا تقولوا ربما يبلغه قولكم فقالوا لا بأس إنه أذن لو ننكر ما قلنا وحلفنا ليصدقنا. قال السمعاني: الأذن هاهنا: هو من يسمع كل ما قيل له. قال الواحدي: قالوا فيما بينهم: نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا لأنه أذن والأذن: الذي يسمع كل ما يقال له. قال النحاس: أي اعملوا ما شئتم ثم اعتذروا منه فإنه يعذركم ويقبل ما تعلمونه به. قال السمرقندي: والأذن الذي يقبل كل ما قيل له. وبه قال ابن قتيبة، ومكي. قلت ( عبدالرحيم ): وهذا كان من كمال خلق النبي ﷺ؛ فكان يسمع و يقبل من كل أحد إلا أن يسخط ربه؛ فيعرض ولا يقبل وينكر، وليس حظا منه لنفسه _ صلوات الله وسلامه عليه؛
وليس معنى أنه يسمع كل شيء؛ يسمع الشر من غيبة ومحرم _ حاشه _ والضابط في الإستماع للناس؛ ميزان الشرع فقد يكون السماع ممدوحا وقد لا؛ فما أقر النبي أحدا قط على منكر.
قال ابن الجوزي: ومعنى أذن خير لكم أي: أذن خير، لا أذن شر يسمع الخير فيعمل به، ولا يعمل بالشر إذا سمعه. انتهى كلامه؛ فكان _ صلوات الله وسلامه عليه_ يقبل من أي أحد كان شأنه؛ من عفو وصفح، ونحو ذلك، وسماع المشورة ممن هو دونه؛ حتى وصفه المنافقون بهذا الوصف؛ وهذا دأب المنافقين في كل زمان ومان؛ يحولون المناقب الى مثالب. قال أحد هؤلاء المنافقين: نقول ما نشاء، فإنما هو أذن سامعة ثم نأتيه فيصدقنا. لذا قال القتبي فيما حكى عنه السمرقندي: قل أذن خير لكم، يعني: إن كان الأمر كما يذكرون فهو خير لكم. ولكنه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، يعني: يصدق الله ويصدق المؤمنين لا أنتم. وقال الواحدي في الوجيز: أي: مستمع خير وصلاح لا مستمع شر وفساد. انتهى قال السيوطي: أي يسمع كل قيل ويقبله فإذا حلفنا له أنَّا لم نقل صدَّقنا. قال النحاس: الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله. قال مكي: وأصله من " أذن " إذا تسمع. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وأذنت لربها وحقت ): قال ابن قتيبة، وغلام ثعلب: استمعت. ومنه قول النبي «ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن» رواه البخاري من حديث أبي هريرة. قوله «قل»: هو. قاله السيوطي. قوله «أُذُن»: مستمع. قاله السيوطي. قوله «خيرٍ لكم»: لا مستمع شر. قاله السيوطي. قال السمعاني: يعني: هذه الخُلة خير لكم. قال مكي في المشكل: أي يقبل منكم ما تقولون. قال ابن قتيبة: أي يقبل منكم ما تقولون له خيرا لكم إن كان ذاك كما تقولون. قال الأخفش: أي هو أذن خير لا أذن شر. قوله «يؤمن بالله»: أي يصدق الله ويصدق المؤمنين. قاله ابن قتيبة، وبنحوه السمعاني. قال البغوي: أي: لا؛ بل يؤمن بالله. قال الواحدي: أي: يسمع ما ينزله الله عليه فيصدق به. قال السمرقندي: يؤمن بالله، يعني: يصدق بالله تعالى في مقالته. قال الزجاج: أي هو أذن خير لا أذن شر، يسمع ما ينزله الله عليه، فيصدق به. ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه به. قلت ( عبدالرحيم ): فكما رأيت فيما سبق اقتصر العلماء على أن معنى قوله ( ويؤمن بالله ): أي يصدق بالله؛ ولم يذكروا بأنه التصديق المستلزم للانقياد والإذعان؛ فهذا معنى الإيمان في الشرع. ومن المعلوم أن مجرد التصديق، والإقرار لا ينفع إلا مع الانقياد والإذعان؛ قال العثيمين ( في مجموع فتاوى ورسائل ): فالإيمان يتضمن معنى زائدًا على مجرد التصديق، وهو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار والإذعان للأحكام، هذا الإيمان. انتهى كلامه. فكم من مصدق ومقر كافر بالله؛ لأنه غير مذعن ومنقاد لأمر الله ورسوله؛ ألا ترى إلى قوله تعالى ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الشياطين بآيات الله يجحدون )، وقال عم النبي أبو طالب: ولقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل. ولم ينفعه.
قال تعالى ( فآمن له لوط ): أي صدق لوط إبراهيم _ عليهما السلام _ وأقر وأذعن لدعوته. فلا يكتفى فقط على أن معناه: التصديق فحسب. وتفصيله في كتب العقائد.
قال العثيمين ( في تفسيره لسورة البقرة ): وقوله تعالى: ( من آمن بالله )؛ تقدم أن «الإيمان» في اللغة بمعنى التصديق؛ لكنه إذا قرن بالباء صار تصديقاً متضمناً للطمأنية، والثبات، والقرار؛ فليس مجرد تصديق؛ ولو كان تصديقاً مطلقاً لكان يقال: آمنه - أي صدقه؛ لكن «آمن به» مضمنة معنى الطمأنينة، والاستقرار لهذا الشيء؛ وإذا عديت باللام - مثل: ( فآمن له لوط ) فمعناه أنها تضمنت معنى الاستسلام والانقياد. انتهى كلامه – رحمه الله . ولكن في هذا المقام لابأس في اقتصارهم على ذكر التصديق فقط، لأنهم قصدوا المعنى اللغوي. انتهى قوله «ويؤمن للمؤمنين»: يسلم لهم أقوالهم لكونهم صادقين. قاله الإيجي الشافعي. قال السيوطي: فيما أخبروه به لا لغيرهم واللام زائدة للفرق بين إيمان التسليم وغيره. قال الأخفش: أي يصدقهم كما تقول للرجل "أنا ما يؤمن لي بأن أقول كذا وكذا" أي: ما يصدقني. قال مكي في الهداية: أي: يصدق بالله، ويصدق المؤمنين، أي: لا يقبل إلا من المؤمنين. فأكذبهم الله فيما قالوا عنه: إنه يقبل من كل أحد، فأخبرهم أنه إنما يصدق المؤمنين لا الكافرين والمنافقين. قال السمرقندي: ويؤمن للمؤمنين يعني: يصدق قول المؤمنين. قال الواحدي: ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه لا الكافرين. قوله «ورحمةٌ للذين آمنوا منكم»: أي هو رحمة. قاله الزجاج، ومكي. وزاد مكي: لأنه كان سبب المؤمنين في إيمانهم. قلت ( عبدالرحيم ): قوله ( ورحمةٌ للذين آمنوا منكم ): فيه معنى هام؛ فتدبر قوله ( منكم ): ولم يكتف بقوله ( ورحمة للذين آمنوا )، لأن المنافقين كما وصفهم الله ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض )، ولأهمية الولاء لأهل الإيمان، والتبري من أهل الكفر، فمفهوم المخالفة أنه _ ﷺ _ نقمة وعذاب للذين لا يؤمنون؛ وهو الواقع. والنصوص أكثر من تحصى في هذا المعنى؛ قال تعالى ( يا أيها النبي قاتل الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )، وقوله ( يعذبهم الله بأيديكم )، وكما جمع بين ذلك عند ذكر أصحابه قوله ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ). وقيل فيما حكى الإيجي: ( للذين آمنوا منكم )، المراد من الذين آمنوا: من أظهر الإيمان حيث لا يكشف سره، ففيه إشارة إلى أن قبول قولكم رفق وترحم منه لا لجهله وبلاهته. قلت: وهذا القول يعني: خير لكم أيها المنافقون لأنه ستر عليكم مع علمه ببعض المنافقين. ولكن المنافقون لا يعلمون. والقول الأول أحسن كما ذكر الأخفش . انتهى قوله «والذين يؤذون رسول الله»: أي: يعيبونه. قاله مكي. قوله «لهم عذاب أليم»: أي: مؤلم. قاله مكي. وقال الإيجي: وجيع. ______ المصدر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير السمرقندي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) التوبة [63] قوله «ألم يعلموا»: يعني المنافقين. قاله مقاتل في تفسيره.
قوله «أنه»: أي أن الأمر والشأن.
قوله «من يحادد الله ورسولَه »: أي يحارب ويعاد. قاله أبو بكر السجستاني، وابن الهائم. قلت ( عبدالرحيم ): فتدبر كلام الذي علم البيان- جل شأنه - في وصف المنافقين بقوله ( يحادد الله ورسولَه )، وما هذا إلا لكثرة عدواتهم؛ من عدم توقفهم واستمراريتهم ومبالغتهم في شقاق ومحاربة الله ورسوله، قال النسفي: يجاوز الحد بالخلاف وهي مفاعلة من الحد كالمشاقة من الشق. انتهى كلامه، وكذا أخذهم جنبا من شرعه بالعداوة؛ فتراهم إذا ذكر حكم الله، ورسوله؛ في شق وجانب عن من ليس لهم غنى عنه طرفة عين؛ وقد وصفهم الله بقوله ( هم العدو فاحذرهم ). قال الواحدي، والسمعاني: يحادد الله: يعني: من يكون في حد وجانب من الله ورسوله. وقال صديق حسن خان: وأصل المحاددة في اللغة وقوع هذا في حد وذلك في حد كالمشاققة، يقال حاد فلان فلانا أي صار في حد غير حده، وكأن كل واحد من المتخاصمين صار في محل غير محل صاحبه.
انتهى
قال مقاتل: يعني يعادي الله ورسوله. قال الفراء: أي من يحارب الله ويشاقق الله ورسوله. وقال غلام ثعلب: أي: يخالفهما. قال السمرقندي: يعني: يخالف الله ورسوله ويقال: يخالف أمر الله وأمر رسوله، يعني: أمر الله تعالى في الفرائض، وأمر رسوله في السنن وفيما بين. قلت ( عبدالرحيم ): قول السمرقندي _ رحمه الله _: " ويقال: يخالف أمر الله وأمر رسوله، يعني: أمر الله تعالى في الفرائض، وأمر رسوله في السنن وفيما بين". لا يتوهم أحد أن معنى المخالفة هنا بترك السنن_ مثلا _ فالأمر ليس كذلك؛ إنما المراد في مثل هذا المقام أن من حاد وعاد الله ورسوله في أمر ولو كان في سنة ثابتة عن رسول الله؛ فهو معنيٌ بهذه الآية؛ إذ الكل حق من عند الله؛ فمن استهزأ بسنة ثابتة فإنه يمرق من الدين كما لو استهزأ بفرض؛ ومن حارب الله في سنة عن رسول الله ؛ كمن حارب في فرض؛ سيان. وليس المعنى من تعمد ترك السنن. انتهى قال الزجاج: معناه من يعادي الله ورسوله، ومن يشاقق الله ورسوله. أي: يجانبه ويعاديه وحقيقته: أنه يقال: حاد فلان فلانا، أي: صار في حد غيره حده. وبنحوه قال النحاس. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين ): قال أبو بكر السجستاني: يحادون الله: يحاربون الله جل وعز، ويعادونه، ويخالفونه. وقوله ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ): قال أبو حيان: عادى وحارب. قال أبو بكر السجستاني: حاد الله: وشاق الله: أي عادى الله وخالفه. ويقال: المحادة: الممانعة. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة: « حاد الله»: ومن شاق الله واحد. قوله « فأن له»: على حذف الخبر أي فحق أن له. قاله النسفي. قوله «نار جهنم»: جزاء. قاله السيوطي. قال الزجاج: المعنى فله نار جهنم. قوله «خالدا فيها»: لا يموت. قاله مقاتل. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وما هو بميت )، وقوله ( لا يقضى عليهم فيموتوا ): قال يحيى بن سلام: يعني لا ينزل بهم الموت فيموتوا. وقوله ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ): قال يحيى بن سلام: يعنون الموت. وقال الراغب الأصفهاني: وذلك كناية عن الموت.
قال الزجاج: والمعنى لا يقضى عليهم الموت فيموتوا.
وقال مكي: أي لابثا أبدا. قوله « ذلك الخزي العظيم»: ذلك العذاب الخزي العظيم. قاله مقاتل. قال السمرقندي: يعني: العذاب الشديد. قال مكي: أي الهوان والذل. قلت ( عبدالرحيم ): وصف الله جهنم مثوى المنافقين؛ بكونها ( الخزي )؛ لأنهم افتضحوا بين الخلائق بدخولهم فيها؛ وقد كانوا يخفون كفرهم عن الناس. قال السمعاني- في قوله ( ذلك الخزي العظيم ): الفضيحة العظيمة والنكال العظيم. وبنحوه قال البغوي. ____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير مقاتل، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، التصاريف ليحيى بن سلام، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير الجلالين.
( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ) التوبة: (65) قال القشيري_ رحمه الله _: من استهان بالدّين، ولم يحتشم من ترك حرمة الإسلام؛ جعله الله فى الحال نكالا، وسامه فى الآخرة صغرا وإذلالا. والحقّ- سبحانه- لا يرضى دون أن يذيق العتاة بأسه، ويسقى كلا- على ما يستوجبه- كأسه. _____ المصدر: لطائف الإشارات لعبدالكريم بن هوازن بن عبدالملك القشيري ( 465 هجري ).
( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [68] كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [69] ) التوبة قوله «وعد الله المنافقين والمنافقات»: أي المساترين باعتقادهم. قاله البقاعي. سئل حذيفة- رضي الله عنه؛ من المنافق؟ قال: الذي يصف الإسلام ولا يعمل به. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره. قوله «والكفار»: أي المجاهرين في عنادهم. قاله البقاعي. قال السمرقندي: الوعد يكون بالخير، ويكون بالشر إذا قيد به، والوعيد لا يكون إلا بالشر. قال البقاعي: وساقه بصيغة البشارة تهكما بهم وإبلاغا في مساءتهم. قوله «نار جهنم خالدين»: جزاءً وعقابا. قاله السيوطي. قوله «خالدين فيها»: لا يموتون. قوله «هي حسبهم»: عقابا وجزاء؛ وفيه دليل على عظم عقابها وعذابها. قاله أبو السعود. وقال صديق حسن خان: أي كافيهم جزاء وعقابا لا يحتاجون إلى زيادة على عذابها. قلت ( عبدالرحيم ): وفيه دليل على عظم ما اقترفوا من الجرم والاستهزاء والأذية؛ لله ورسوله وأهل الإيمان؛ لشدة تمكنهم وقربهم من المسلمين؛ توعدهم بدركة أسفل من الكفار؛ لأن أذى الكفار كان ظاهرا ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ). انتهى قال الزمخشري: فإن قلت: لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر؟ قلت لأنه مثله في الكفر، وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله ومداجاتهم ( مداراتهم ). وقال الزمخشري _ في موضع آخر _: وسماهم المنافقين، وكانوا أخبث الكفرة وأبغضهم إليه وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليسا، وبالشرك استهزاء وخداعا. ولذلك أنزل فيهم ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار). قوله تعالى ( هي حسبهم ): قال السمرقندي: تكفيهم النار جزاء لكفرهم. قال ابن عطية: أي كافيتهم وكافية جرمهم وكفرهم نكالا وجزاء. قال الزجاج: أي كفاية ذنوبهم كما تقول: عذبتك حسب فعلك، وحسب فلان ما نزل به، أي ذلك على قدر فعله. قال البقاعي: أي كافيتهم في العذاب، لكن لما كان الخلود قد يتجوز به عن الزمن الطويل فيكون بعده فرج قال الله ( ولعنهم الله ). قوله «ولعنهم الله»: أبعدهم عن رحمته. قاله ابن عطية، والسمعاني، والإيجي الشافعي، والسيوطي. قال أبو السعود: أي أبعدهم من رحمته وأهانهم وفي إظهار الاسم الجليل من الإيذان بشدة السخط مالا يخفى. قال البقاعي: طردهم وأبعدهم من رحمته وهو الملك العليم الحكيم الذي لا أمر لأحد معه فأفهم أنه لا فرج لهم. ثم نفي كل احتمال بقوله: «ولهم»: أي بالأمرين. قوله «عذاب مقيم»: دائم. قاله السمرقندي، والبغوي، والسمعاني، والسيوطي. قال ابن عطية: معناه مؤبد لا نقلة له. وقال أبو السعود: أي نوع من العذاب غير عذاب النار دائم لا ينقطع أبدا أو لهم عذاب مقيم معهم في الدنيا لا ينفك عنهم وهو ما يقاسونه من تعب النفاق الذي هم منه في بلية دائمة لا يأمنون ساعة من خوف الفضيحة ونزول العذاب إن اطلع عن أسرارهم. قوله «كالذين من قبلكم»: معناه: أنتم يا معشر المنافقين كالذين من قبلكم. قاله السمعاني. قال الواحدي: أي فعلتم كأفعال الذين من قبلكم. قال السمرقندي: يعني صنيعكم مع نبيكم، كما صنع الأمم الخالية مع أنبيائهم عليهم السلام. قال الضحاك: يعني: لعن المنافقين، كما لعن الذين من قبلهم من الأمم الخالية. ويقال: ولهم عذاب دائم كالذين من قبلكم. حكاه السمرقندي. قوله «كانوا أشد منكم قوة»: بطشا ومنعة. قاله البغوي. قوله « وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا»: فتمتعوا أو انتفعوا. قاله البغوي. قال السمرقندي: يعني: لم ينفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا، فلا ينفعكم أموالكم ولا أولادكم أيضا. قوله «بخلاقهم»: أي بنصيبهم في الدنيا من الآخرة. قاله مكي في المشكل. قال السمعاني: الخلاق: النصيب، وقيل: الحظ الوافر. ومعنى الآية: استمتعوا باتباعهم الشهوات. قال الواحدي: رضوا بنصيبهم من الدنيا ففعلتم أنتم أيضا مثل ما فعلوا. قال البغوي: بنصيبهم من الدنيا باتباع الشهوات ورضوا به عوضا عن الآخرة. قلت ( عبدالرحيم ): فيه اشارة إلى قوله تعالى في عموم الكافرين ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ): فالمنافقون من جملة الكفار، ربحوا بالإسلام في الدنيا من قسم الغنائم، وحماية دماءهم وأمولهم، ولكنهم خسروها في الآخرة قال الله ( ألا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ). قوله «فاستمتعتم»: أيها المنافقون. قوله «بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم »: وسلكتم سبيلهم. قاله البغوي. قال السمرقندي: يقول: انتفعتم أنتم بنصيبكم من الآخرة في الدنيا، كما استمتع الذين من قبلكم من الأمم الخالية. قال السمعاني: باتباعكم الشهوات، وقيل: معنى الآية: رضوا بنصيبهم من الدنيا عن نصيبهم من الآخرة. قوله «وخضتم»: في الباطل والطعن في النبي ﷺ. قاله السيوطي. قال الواحدي: في الطعن على النبي ﷺ كما خاضوا في الطعن على أنبيائهم. ويقال: كذبتم الرسول كما كذبوا رسلهم. حكاه السمرقندي. قوله «كالذي خاضوا»: أي كخوضهم. قاله السيوطي. فائدة: قال البغوي: أي: كما خاضوا. وقيل: كالذي يعني كالذين خاضوا، وذلك أن "الذي" اسم ناقص، مثل "ما" و"من" يعبر به عن الواحد والجميع، نظيره قوله تعالى: "كمثل الذي استوقد نارا" ثم قال: "ذهب اللهبنورهم". انتهى قوله «أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة»: بطل ثواب أعمالهم فلا ثواب لهم لأنها كانت في غير إيمان. قاله السمرقندي. قال البغوي: أي كما حبطت أعمالهم وخسروا كذلك حبطت أعمالكم وخسرتم. قوله تعالى ( حبطت أعمالهم ): أي بطلت. قاله ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان، وابن الهائم، وغلام ثعلب. وزاد غلام: وسقطت. قوله «وأولئك هم الخاسرون»: يعني: في الآخرة. قاله السيوطي. قال السمعاني: معناه كما حبطت أعمالهم وخسروا كذلك حبطت أعمالكم وخسرتم. _____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، تفسير البغوي، المحرر الوجيز لابن عطية، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، الكشاف للزمخشري، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، تفسير الجلالين.
( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة: 70 قوله «ألم يأتهم»: يعني المنافقين. قاله البغوي. وبه قال الطبري، ومكي، وابن عطية. قوله «نبأ»: خبر. قاله الزجاج، والطبري، والسمرقندي، ومكي، والواحدي، والسمعاني، والقرطبي، والسيوطي، وغيرهم. قال السمرقندي: يعني ألم يأتهم خبر الذين من قبلهم في القرآن عند التكذيب كيف فعلنا بهم؟! قلت ( عبدالرحيم ): ونظيره في التنزيل كثير؛ فالنبأ، و الأنباء في القرآن كله بمعنى: الخبر. عدا قوله تعالى ( فعميت عليهم الأنباء): قال مقاتل، وابن أبي زمنين، والقرطبي: يعنى الحجج. وبه قال ابن الجزري في النشر، والزركشي، والواحدي، والسمعاني، وصديق حسن خان.وابن الجوزي، والشوكاني، والسيوطي _في معترك الأقران وفي الإتقان. وعزاه ابن أبي زمنين، والقرطبي، والجرجاني إلى مجاهد.
قال ابن قتيبة: و"الأنباء": الحجج هاهنا.
قال الزركشي في البرهان: النبأ والأنباء في القرآن الأخبار إلا قوله تعالى: ( فعميت عليهم الأنباء ) فإنه بمعنى الحجج. وقال السيوطي في معترك الأقران، وكذلك في الإتقان: وكل نبأ فيه خبر، إلا: (فعميت عليهم الأنباء)، فهي الحجج. وقال السيوطي في الدر: وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه ( فعميت عليهم الأنباء ) قال: الحجج. قال أبو الخير ابن الجزري في النشر في القراءات العشر: والمعنى ضلت عنهم حجتهم وخفيت محجتهم. قال ابن الهائم، والقرطبي، والشوكاني، وصديق حسن خان: أي خفيت عليهم الحجج. وزاد صديق خان: قال السمعاني: أي الحجج؛ فكأنهم لما لم يجدوا حجة فقد عجزوا عنها. قال ابن الجوزي في التذكرة: أي عمو عن الحجج فلا يسأل بعضهم بعضا عن حجة. قال الواحدي في الوجيز: عميت عليهم الحجج لأن الله تعالى قد أعذر إليهم في الدنيا فلا تكون لهم حجة يومئذ فسكتوا فذلك قوله: ( فهم لا يتساءلون ) أي: لا يسأل بعضهم بعضا عم يحتجون به. قال السمرقندي: يعني: ألبست عليهم الحجج يومئذ من الهول فهم لا يتساءلون. قلت: ومما جاء في معنى الخبر قوله تعالى (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ): أي عن الخبر العظيم؛ وهو القرآن، وقيل البعث. وسيأتي مفصلا ( إن شاء الله ). وقوله ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ ): قال الزجاج: أي ألم يأتهم أخبار أولئك والنوازل بهم. انتهى كلامه. قوله «الذين من قبلهم»: قال مقاتل: يعنى حديث الذين من قبلهم يعني عذاب. قوله «قوم نوح»: ومعنى الكلام: ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر قوم نوح وصنيعي بهم، إذ كذبوا رسولي نوحًا، وخالفوا أمري؟ ألم أغرقهم بالطوفان؟. قاله الطبري. قوله «وعاد»: وخبر عاد، إذ عصوا رسولي هودا، ألم أهلكهم بريح صرصر عاتية. قاله الطبري. قال السمرقندي: وقوم عاد كيف أهلكناهم بالريح العقيم؟ قوله «وثمود»،: وخبر ثمود، إذ عصوا رسولي صالحًا، ألم أهلكهم بالرجفة؛ فأتركهم بأفنيتهم خمودًا؟ قاله الطبري. قال السمرقندي: وقوم ثمود، وهم قوم صالح كيف أهلكناهم بالصيحة؟ قوله «وقوم إبراهيم»: وخبر قوم إبراهيم، إذ عصوه وردُّوا عليه ما جاءهم به من عند الله من الحق، ألم أسلبهم النعمة، وأهلك ملكهم نمرود؟. قاله الطبري. قوله «وأصحاب مدين»: وخبر أصحابِ مَدْين بن إبراهيم، ألم أهلكهم بعذاب يوم الظلة إذ كذبوا رسولي شعيبًا؟. قاله الطبري. قال السمرقندي: وأصحاب مدين وهم قوم شعيب كيف أهلكناهم بعذاب يوم الظلة؟ قوله «والمؤتفكات»: المنقلبات، والمكذبات؛ قرى قوم لوط. يعني: أهلها. قال الصافي: وهو على حذف مضاف أي أهل المؤتفكات. انتهى كلامه. فالمنقلبات: جمع المؤتفكة، وهي المنقلبة؛ قلبها جبريل بأمر ربه. وهي المؤتفكة: أي المكذبة؛ كذبت رسل الله، بتكذيبهم لوطا_ عليه السلام_ فهي من الإفك. اي: الكذب؛ وسمي الكذب: إفكا: لقلبه الحق إلى ضده. فالإفك: القلب. فيشمل قلب القرية، ويشمل كذبهم؛ لأنه قلب عن الحق؛ وهذا واقعهم. وحملني أمران على القول بالجمع بين الإنقلاب، والتكذيب: الأول: من ناحية الواقع؛ فهي منقلبات؛ انقلبت، وغشاها ما غشى؛ بأن جعل عاليها سافلها، وأمطرت. قال ابن أبي زمنين: يعني المنقلبات. قال الواحدي في البسيط: ومعنى الائتفاك في اللغة: الانقلاب. قال السمرقندي: والمؤتفكات، يعني: مدائن قوم لوط. والمؤتفكات جمع المؤتفكة، لأنها ائتفكت بهم، يعني: انقلبت بهم. قال الألوسي: جمع مؤتفكة من الائتفاك وهو الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفل بالخسف ، والمراد بها إما قريات قوم لوط عليه السلام فالائتفاك على حقيقته فإنها انقلبت بهم وصار عاليها سافلها وأمطر على من فيها حجارة من سجيل. قال معمر بن المثنى: قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم. قال ابن قتيبة: مدائن قوم لوط؛ لأنها ائتفكت أي انقلبت. قال غلام ثعلب: المتقلبات بالخسف والزلازل. قال ابن الهائم: مدائن قوم لوط. ائتفكت بهم: أي انقلبت. قال النحاس: وقال أهل اللغة سميت مؤتفكات لأنها ائتفكت بهم أي انقلبت. وهو من الإفك وهو الكذب لأنه مقلوب ومصروف عن الصدق. والثاني: المكذبات؛ لأنهم كذبوا لوطا_ عليه السلام_؛ قال الله ( كذبت قوم لوط المرسلين )، ولقوله ( والمؤتفكة أهوى ): أي المكذبة أهوى. يعني: أسقط. وهي قرية قوم لوط بإجماع من المفسرين، كما حكاه ابن عطية. فلا يصلح أن يقال والمنقلبة: قلبها! فهذا تحصيل حاصل. ( ينظر التفسير الكبير للرازي )،و( تفسير السمرقندي ). وإن كان لقائل أن يقول: إن هذا تفسير باللازم. قال الكرماني: أبو الليث( السمرقندي ): فسرها بالمكذبة من الإفك. قال مقاتل: والمؤتفكات يعني المكذبات يعني قوم لوط القرى الأربعة أتتهم رسلهم بالبينات تخبرهم أن العذاب نازل بهم في الدنيا فكذبوهم فأهلكوا. قوله «أتتهم رسلهم»: يعني جميع الأنبياء. قاله القرطبي. وزاد: وقيل أتت أصحابَ الموتفكاتِ رسلُهم. قلت ( عبدالرحيم ): وعليه: فكيف جمع الله الرسل، ولم يرسل لهم إلا رسولا واحدا؟ فالجواب: قال الله ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله )، وقال النبي: والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. شطر من حديث رواه البخاري من حديث أبي هريرة. فمن كذب برسول كذب بهم جميعا لذا قال تعالى ( كذبت قوم لوط المرسلين )، وما كان في معناها في القرآن كله. قوله «بالبيِّنات»: بالكتب، والمعجزات؛ فكذبوهم فأُهلكوا. قوله «فما كان الله ليظلمهم»: لتمام عدله، وحكمته؛ فلم يهلكهم بغير ذنب. قال السمرقندي: يعني لم يهلكهم بغير ذنب. وبنحوه قال مقاتل. قوله «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون»: بمعصية الله، وتكذيبهم الرسل. _____ المصدر: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للنحاس، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير مقاتل، الجدول في إعراب القرآن لمحمود الصافي، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، البرهان في علوم القرآن للزركشي، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي، النشر في القراءات العشر لأبي الخير ابن الجزري، غرائب التفسير وعجائب التأويل لبرهان الدين الكرماني، المحرر الوجيز لابن عطية، تفسير السمرقندي، الوجيز للواحدي، البسيط للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير القرطبي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، فتح القدير للشوكاني، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير ابن أبي زمنين، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي.
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) التوبة [73] مدخل، وتوجيه: قال الطاهر بن عاشور: وهذه الآية إيذان للمنافقين بأن النفاق يوجب جهادهم قطعا لشأفتهم من بين المسلمين. وقال أيضا: وإنما وجه هذا الأمر إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- لأنه جبل على الرحمة فأمر بأن يتخلى عن جبلته في حق الكفاروالمنافقين وأن لا يغضي عنهم كما كان شأنه من قبل. انتهى كلامه. قال الجصاص: قال أبو بكر فيه الدلالة على وجوب الغلظة على الفريقين من الكفار والمنافقين ونهي عن مقارنتهم ومعاشرتهم. قال أبو حيان الأندلسي ( في البحر ): والمراد خشونة الكلام وتعجيل الانتقام على خلاف ما أمر به في حق المؤمنين. واخفض جناحك للمؤمنين وكل من وقف منه على فساد في العقائد، فهذا حكمه يجاهد بالحجة، ويستعمل معه الغلظ ما أمكن. قال النسفي: ( واغلظ عليهم ) في الجهادين جميعا ولا تحابهم وكل من وقف منه على فساد في العقيدة فهذا الحكم ثابت فيه يجاهد بالحجة وتستعمل معه الغلظة ما امكن منها. قال ابن عرفة: إن قلت: ما فائدة التغليظ عليهم، مع عدم الامتثال؟ قلت: هو قطع لحجتهم وتعذرهم. قلت (عبدالرحيم ): فيجب امتثال أمر الله؛ في الغلظة على أهل الكفر، والنفاق؛ حسبما يقتضي الحال؛ وإن اختلفت مسمياتهم، ولبسوا على الناس بها؛ ولا إشكال في أن حال الكفار معروف بيّن؛ إلا من كان على قلبه غشاوة، لكنّ الإشكال في أهل النفاق، ومع ذلك فهم يُعْرَفُون من كلامهم الذي يدل عليهم، فهم لا غاية لهم إلا محادة الله ورسوله، والطعن في الدين، وأهله، وأئمته، فهم وإن كتموا الكفر؛ يطفحون به، فما أسر عبد سريرة، إلا أظهرها الله على فلتاة لسانه، وقسمات وجهه. قال الله ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) قال ابن كثير: أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم ، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه ، وهو المراد من لحن القول. فيجب أن نعاملهم كما أمر الله؛ بالشدة، وعدم التساهل معهم، في كل ناد ( مجلس ) يظهرون فيه كفرهم، وعداوتهم للدين؛ فلا يزجرهم، إلا هذا. ( ألا يعلم من خلق )؟، فهذا سبيل قد شرعه الذي هو أعلم بهم منا؛ وإن تملقوا، وحلفوا الأيمان الفاجرة. قال الله (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين )، فالعجب كل العجب ممن ينافق أهل النفاق؛ من أولئك الذين لا يعرفون في معاملتهم تجاه أهل الكفر، والنفاق إلا اللين والموادعة؛ كل الوقت وإن رأوهم يكفرون بالله العظيم؛ من أولئك يحاورونهم ويناظرونهم؛ على مرأى ومسمع من الناس، بحجة دفاعهم عن الإسلام _ زعموا _ يسمعون منهم الكفر البواح، والطعن في الملة، وأهل الإسلام؛ ثم يهجروا العمل بمثل هذه الآيات، من لين القول، ومناداتهم بالألفاظ التي لا تقال إلا لأهل الإسلام!. إنه الذل. أين هم من قوله ( وليجدوا فيكم غلظة ). وفي الوقت عينه أنظر إليهم كيف يكلمون أهل الإسلام، سيما إذا وقعت منهم زلة! مسألة: فان قيل: إذا كان رسول الله ﷺ قد أمر بجهادهم وهو يعلم أعيانهم، فكيف تركهم بين أظهر أصحابه فلم يقتلهم؟. قال ابن الجوزي في زاد المسير: فالجواب: أنه إنما أمر بقتال من أظهر كلمة الكفر وأقام عليها، فأما من إذا أطلع على كفره، أنكر وحلف وقال: إني مسلم، فإنه أمر أن يأخذ بظاهر أمره، ولا يبحث عن سره. قال الطبري: إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهرَ منهم كلمةَ الكفر، ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك. وأمّا مَنْ إذا اطُّلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأُخِذ بها، أنكرها ورجع عنها وقال: " إني مسلم "، فإن حكم الله في كلّ من أظهر الإسلام بلسانه، أن يحقِنَ بذلك له دمه وماله، وإن كان معتقدًا غير ذلك، وتوكَّل هو جلّ ثناؤه بسرائرهم، ولم يجعل للخلق البحثَ عن السرائر. فلذلك كان النبيّ ﷺ، مع علمه بهم وإطْلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صُدورهم، كان يُقِرّهم بين أظهر الصحابة، ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبَه الحرب على الشرك بالله، لأن أحدهم كان إذا اطُّلِع عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله، ثم أخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه. فلم يكن ﷺ يأخذه إلا بما أظهر له من قوله، عند حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه، دون ما سلف من قولٍ كان نطقَ به قبل ذلك، ودون اعتقاد ضميرِه الذي لم يبح الله لأحَدٍ الأخذ به في الحكم، وتولَّى الأخذَ به هو دون خلقه. قال عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره: أي: بالغ في جهادهم والغلظة عليهم حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم. وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان والسيف والبيان. ومن كان مذعنا للإسلام بذمة أو عهد، فإنه يجاهد بالحجة والبرهان ويبين له محاسن الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر، فهذا ما لهم في الدنيا.{و} أما في الآخرة، فـ {مأواهم جهنم} أي: مقرهم الذي لا يخرجون منها {وبئس المصير}. انتهى قوله «يا أيها النبي»: الخطاب للنبي ﷺ وتدخل فيه أمته من بعده. قاله القرطبي. قيل : المراد جاهد بالمؤمنين الكفار. حكاه القرطبي. قوله «جاهد»: مأخوذ من بلوغ الجهد وهي مقصود بها المكافحة والمخالفة، وتتنوع بحسب المجاهد فجهاد الكافر المعلن بالسيف، وجهاد المنافق المتستر باللسان والتعنيف والاكفهرار في وجهه. قاله ابن عطية. قوله «الكفَّار»: بالسيف. قاله ابن قتيبة، ومقاتل، والبغوي، والطبري، والواحدي، ومكي، والسيوطي، والعز بن عبدالسلام، والماوردي، والسمرقندي، وهو مروي عن ابن عباس، وقتادة، والحسن. وزاد البغوي: والقتل. وزاد الطبري: والسلاح. قوله «والمنافقين»: باللسان. قاله مقاتل، والواحدي، والسيوطي، وابن جزي الغرناطي، وغيرهم. وحكاه في زاد المسير عن ابن عباس، والحسن، والضحاك، والربيع بن أنس. وزاد الواحدي في الوجيز: والحجة. وقال يحيى بن سلام، وابن قتيبة، والسمرقندي: بالقول. وزاد ابن قتيبة: الغليظ. وزاد السمرقندي: الشديد. قال النسفي، وصديق حسن خان: بالحجة. وزاد صديق حسن خان: والوعظ البليغ. قلت ( عبدالرحيم ): وأعظم حجة وقول يجاهدون به؛ قول الله_ جل ذكره _ سيما السور التي فضحت حالهم؛ كالنساء والتوبة والمنافقين، والحشر، وغيرها. قال تعالى ( وجاهدهم به جهادا كبيرا ): قال ابن قتيبة: أي بالقرآن. قال الماتريدي: وإن كان الأمر على المجاهدة مجاهدة بالحجج، فهو - ﷺ - قد حاج الفريقين جميعا بالحجج، وخاصة سورة براءة إنما أنزلت في محاجة المنافقين. قال مكي في الهداية: بالوعيد والتهدد. قال مجاهد: الكفار بالسيف، والمنافقين بالحدود، وأقم عليهم حدود الله. رواه عبدالرزاق. قال السمعاني: قال أهل التفسير: معناه: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان. قال الزجاج في المعاني: أمر بجهادهم، والمعنى جاهدهم بالقتل والحجة، فالحجة على المنافقين جهاد لهم. قال الواحدي في البسيط_ تعليقا على كلام الزجاج : وعلى هذا: الاحتجاج على المنافقين والملحدين والرادين للكتاب والسنة، والمخالفين لهما من الجهاد. قال الإيجي الشافعي: بتغليظ الكلام وترك الرفق، أو بإقامة الحدود عليهم أو بالسيف إذا أظهروا النفاق. قال العز بن عبدالسلام: بالغلظة أو بالقول أو بإقامة الحدود أو بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليلقهم بوجه مكْفَهِر ( عابس ). قال الطبري: واختلف أهل التأويل في صفة " الجهاد "الذي أمر الله نبيه به في المنافقين. فقال بعضهم: أمره بجهادهم باليد واللسان، وبكل ما أطاق جهادَهم به. ثم قال_ الطبري _بعد أن سرد أقوالا: وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، ما قال ابن مسعود: من أنّ الله أمر نبيَه ﷺ من جهاد المنافقين، بنحو الذي أمرَه به من جهاد المشركين. قوله «واغلظ »: أي اشدد عليهم في ذات الله ولا تلن. قاله مكي. قال العز بن عبدالسلام: بالقول والزجر أو بالإبعاد والهجر. قال السمين الحلبي: أي عاملهم بالغلظة والشدة عكس معاملتك للمؤمنين. قال السمعاني: الغلظة ها هنا: هو الانتهار الشديد. قال الماوردي: يحتمل وجهين: أحدهما: تعجيل الانتقام منهم. والثاني: ألا يصدق لهم قولا، ولا يبر لهم قسما. قال ابن كثير: أمر تعالى رسوله - ﷺ - بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم ، كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين. قال في البسيط: قال ابن عباس: (يريد شدة الانتهار، والنظر بالبغضة، والمقت)، وقال ابن مسعود: هو أن تَكْفَهِر ( تعبس ) في وجوههم. قال ابن جريج والضحاك: (بتغليظ الكلام). حكاه الواحدي البسيط. قال الشوكاني: أي شدد عليهم في الدعوة، واستعمل الخشونة في أمرهم بالشرائع. وقال الحسن وقتادة: بإقامة الحدود عليهم. رواه عنهما الطبري، وحكاه السمرقندي، والبغوي، وغيرهم. قال الحسن: كان أكثر من يصيب الحدود يومئذ المنافقون. حكاه ابن أبي زمنين. قال ابن كثير: وقد يقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال ، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا ، وتارة بهذا بحسب الأحوال ، والله أعلم . قال القرطبي: وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصلح والصفح. وحكاه الثعلبي عن ابن مسعود، وابن عباس. قوله «عليهم»: أي اشدد على كلا الفريقين بالقول والفعل. قاله القاسمي. قال أبو الليث السمرقندي: يعني: اشدد عليهم، يعني: على الفريقين جميعا في المنطق. قوله «ومأواهم جهنم وبئس المصير»: شر مرجع، ومسكن هي؛ يرون فيها العذاب، والغلظة من خزنتها. قال مكي: أي ومسكنهم في الآخرة جهنم، وبئس الموضع الذي يصيرون إليه. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، أحكام القرآن للجصاص، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير القرطبي، تفسير عبدالرزاق، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير ابن عرفة، تفسير ابن كثير، زاد المسير لابن الجوزي، المحرر الوجيز لابن عطية، تفسير العز بن عبد السلام، النكت والعيون للماوردي، تفسير ابن جزي الغرناطي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير الماتريدي، تفسير السمعاني، جامع البيان للإيجي الشافعي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تفسير الثعلبي، تفسير الجلالين، محاسن التأويل للقاسمي.
( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ۚ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) التوبة [74] قوله «يحلفون بالله»: أي المنافقون. قوله «ما قالوا»: ما بلغك عنهم من السب. قوله «ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم»: أي: أظهروا الكفر بعد إظهار الإيمان والإسلام . وقيل: سب النبي_ ﷺ_، والطعن في الدين. قوله «وهمَّوا بما لم ينالوا»: بقتل النبي _ﷺ، ولن ينالوا؛ لعصمة الله له من القتل؛ حتى يتم الله دينه. قوله «وما نقموا»: أنكروا، وكرهوا. قوله «إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله» يعني: ليس لهم أن ينكروا ويكرهوا، فلا ذنب للنبي_ ﷺ _ عندهم سوى أن أغناهم الله ببركته ( هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ )؟! قوله «فإن يتوبوا»: عن نفاقهم، وكفرهم. قوله «يكُ خيرا لهم »: في الدارين.
قوله «وإن يتولوْا»: عن الإيمان، ويصروا على النفاق.
قوله «يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا»: بالقتل، وما ينزل بهم من مصائب. قوله «والآخرة»: بالنار، وما أوعدوا فيها من أصناف العذاب. قوله «ومالهم في الأرض من ولي»: يحفظهم منه. قوله «ولا نصير»: معين. _____ المصدر: أنظر: معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، الهداية الى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير مقاتل، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين، تفسير النسفي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي.
( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)) التوبة قوله {ومنهم}: يعني المنافقين. وهذا عطف على قوله ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي )، وقوله ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ )، وقلوه ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ). قال الطبري، ومكي في الهداية: والمعنى: ومن هؤلاء المنافقين. وزاد الطبري: الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم. قال مقاتل بن سليمان: يعني من المنافقين. (تنبيه): قلت ( عبدالرحيم ): قد تورط كثير من الناس قديما، وحديثا؛ في ذكر أن هذه الآيات نزلت في ثعلبة بن حاطب- رضي الله عنه -؛ وهذا باطل، وكذب غير محبوك، لنكارة متنها من جهات عدة؛ ولأن ثعلبة بن حاطب صحابي ممن شهد بدرا، وقد مات في غزوة أحد؛ بخلاف ما في القصة من أنه ذهب للنبي_ ﷺ_ بالزكاة بعدما نزلت فيه هذه الآيات، وبعد موت النبي؛ دفعها إلى أبي بكر فلم يقبلها، ثم دفعها لعمر فلم يقبلها، ثم دفعها لعثمان فلم يقبلها؛ حتى مات في خلافة عثمان. ولا يكون مثل ذلك من الخلفاء الراشدين العالمين؛ إذ لا يجوز للسلطان رد من جاء بزكاة ماله إليه، بل على الإمام أن يأخذ مال الزكاة رغما عن صاحبها؛ إن امتنع؛ وتسقط عنه. كما هو معلوم. لقوله عليه السلام "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى" متفق عليه من حديث ابن عمر- رضي الله عنه. ومن حقّها "الزّكاة"، كما قال الصديق الأعظم - أبو بكر رضي الله عنه - بمحضر الصحابة :" الزكاة حق المال". وقال رضي الله عنه: واللّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدّونه إلى رسول اللّه ﷺ لقاتلتهم عليه . وأقرّه الصّحابة على ذلك . شيء آخر: قد جاء في فضائل أهل بدر، وشمائلهم؛ مالا يخفى ؛ فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء رسول الله ﷺ يشكو حاطبا فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله ﷺ: «كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبية». ومما يحزن، ويؤسف له؛ ما يتداوله كثير من خطباء المنابر الذين حرموا العلم؛ في شأن هذا الصحابي - رضي الله عنهم أجمعين - وخوضهم في أئمة الإسلام؛ كعادتهم؛ ينشرون في الأمة كلَ ما تقع أعينهم عليه. قال الألباني ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة؛ حديث رقم: 1607 ): " ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه، أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لوشئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهبا لسالت ". ضعيف جدا. ثم قال - رحمه الله- بعدما ذكر طرقه: قلت: وهذا حديث منكر على شهرته، وآفته علي بن يزيد هذا، وهو الألهاني متروك، ومعان لين الحديث، ومن هذا الوجه أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في " الدلائل " و" الشعب "، وابن مردويه كما في " تفسير ابن كثير " وغيره، وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (٣ / ١٣٥) : " سنده ضعيف ". وقال الحافظ في " تخريج الكشاف " (٤ / ٧٧ / ١٣٣) : " إسناده ضعيف جدا ". انتهى كلامه وينظر أيضا - للأهمية - حديث رقم ( 4081 ) من نفس السلسلة. وكذلك قال القرطبي في تفسيره: قلت: وثعلبة بدري أنصاري وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان؛ حسب ما يأتي بيانه في أول الممتحنة فما روي عنه غير صحيح. انتهى كلامه قلت: والصحيح: أننا نقول نزلت فيمن نزلت فيه من المنافقين؛ ولا ضائر في جهل أعيانهم؛ سيما وقد قال تعالى في صنف من المنافقين ( لا تعلمهم نحن نعلمهم )؛ إلا من أعلمه الله إياه بعينه. قال السعدي - عند تأويله لهذه الآية -: بأعيانهم فتعاقبهم، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم، لما للّه في ذلك من الحكمة الباهرة. انتهى كلامه. وسيأتي الكلام فيها ( إن شاء الله ). وعلى فرض ثبوت خبر ثعلبة؛ فالمراد ثعلبة بن أبي حاطب؛ وهو غير ثعلبة بن حاطب الصحابي البدري ( بدون زيادة أبي ). وقد نوه على هذا الحافظ ابن حجر( الإصابة في معرفة الصحابة ) حيث قال: ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بنعمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري. ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق في البدريين، وكذا ذكره ابن الكلبي، وزاد أنه قتل بأحد. ثم قال - الحافظ - في الترجمة التي تليها: ثعلبة بن حاطب: أو ابن أبي حاطب الأنصاري. ذكر ابن إسحاق فيمن بنى مسجد الضرار. وروى الباوردي وابن السكن وابن شاهين وغيرهم في ترجمة الذي قبله من طريق معان بن رفاعة، عن علي بنزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة - أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. فقال النبي ﷺ: «قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه..». فذكر الحديث بطوله في دعاء النبي ﷺ له وكثرة ماله ومنعه الصدقة، ونزول قوله تعالى: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ... وفيه أن النبي ﷺ مات ولم يقبض منه الصدقة ولا أبو بكر ولا عمر، وأنه مات في خلافة عثمان. وفي كون صاحب هذه القصة- إن صح الخبر ولا أظنه يصح- هو البدري المذكور قبله- نظر، وقد تأكدت المغايرة بينهما يقول ابن الكلبي: إن البدري استشهد بأحد، ويقوي ذلك أيضا أن ابن مردويه روى في تفسيره من طريق عطية عن ابن عباس في الآية المذكورة. قال: وذلك أن رجلا يقال له ثعلبة بن أبي حاطب من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال: لئن آتانا من فضله. الآية. فذكر القصة بطولها، فقال: إنه ثعلبة بن أبي حاطب. والبدري اتفقوا على أنه ثعلبة بن حاطب، وقد ثبت أنه ﷺ قال: «لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية. وحكى عن ربه أنه قال لأهل بدر: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقا في قلبه، وينزل فيه ما نزل؟ فالظاهر أنه غيره. والله أعلم. انتهى كلامه قلت ( عبدالرحيم ): ومن أجود ما وقفت عليه ما رواه الطبري عن عبدالرحمن بن زيد؛ حيث قال في قوله: " {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا به، فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقا إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة " قوله {من عاهد الله}: المعاهدة: معاقدة بعزيمة تتحقق بذكر الله، نحو: علي عهد الله لأفعلن كذا. قاله الواحدي في البسيط. قوله {لئن آتانا}: هي لام قسم أي والله لئن. قاله صديق حسن خان. قوله {من فضله}: أي المال. قاله النسفي. قال ابن أبي زمنين: فَأَوْسَعَ علينا من الرزق. قال الطبري: لئن أعطانا الله من فضله، ورزقنا مالا ووسَّع علينا من عنده. قوله {لنصدقن}: يعني الصدقة. قاله السيوطي. قال الزجاج: الأصل: لنتصدقن، ولكن التاء أدغمت في الصاد لقربها منها. قال الطاهر بن عاشور: فأدغم للتخفيف . والمعنى: لنخرجن، ولنعطين الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربُّنا. قلت ( عبدالرحيم ): والمراد بالصدقة؛ في هذا المقام " كل مال واجب إنفاقه؛ كالزكاة"، سيما، وقد سبق وبينت أن الصدقة في الشرع أعم من الاصطلاح، قال تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها... ) الآية. فسمى الزكوات صدقات. ولأن المتصدق المتطوع؛ أمير نفسه؛ فلا يترتب مثل هذا الوعيد المنصوص عليه في الآية التي بعدها؛ على مطلق الصدقة؛ فأفاد أن المَعْنِي أنه المال الواجب؛ كالزكاة. قوله {ولنكونن من الصالحين}: بإخراج الصدقة. قاله النسفي. قال الطبري: ولنعملنّ فيها بعَمَل أهل الصلاح بأموالهم، من صلة الرحم به، وإنفاقه في سبيل الله. قال صديق حسن خان: أي من جملة أهل الصلاح من المؤمنين القائمين بواجبات الدين التاركين لمحرماته، والصلاح ضد الفساد، والمفسد هو الذي يبخل بما يلزمه في حكم الشرع. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى عن المنافقين (ولنكونن من الصالحين ): فيه إشارة إلى أن الفساد أصل فيهم؛ برهان ذلك قوله تعالى؛ في شأنهم ( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ): وهذا دائما حالهم؛ لا ينفكون عن الإفساد في الأرض. انتهى قوله {فلما آتاهم من فضله}: أعطاهم الله المال ونالوا مناهم. قاله النسفي. قوله {بخلوا به}: منعوا حق الله ولم يفوا بالعهد. قاله النسفي. قال صديق حسن خان: أي لما أعطوهم ما طلبوا من الرزق لم يتصدقوا بشيء منه كما حلفوا به. قوله {وتولوا }: عن طاعة الله. قاله النسفي، والسيوطي. قال مكي: وأدبروا عن عهدهم. قوله {وهم معرضون}: مصرون على الإعراض. قاله النسفي. قوله {فأعقبهم}: الله عزو جل، بذنوبهم. قاله مكي. قوله {نفاقا}: ثابتا. قاله السيوطي. وقال البقاعي: متمكنا. قوله {في قلوبهم}: أي بأن لا يزالوا يقولون ما لا يفعلون. قاله البقاعي. قوله {إلى يوم يلقونه}: يوم القيامة. قاله السمعاني، والنسفي، والسيوطي. قال مكي: أي يموتون. قلت ( عبدالرحيم ): ونحو هذا في التنزيل كثير؛ من شؤم المعاصي؛ فلما تولوا وأعرضوا، وأخلفوا الله ما وعدوه؛ "أعقبهم نفاقا..."، ونظير ذلك قوله ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ... )، وقوله ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم )، وقوله ( وكلا أخذنا بذنبه )، وقوله (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ )، وهو في القرآن كثير. قوله {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}: هذا بيان عما يوجبه الكذب مع إخلاف الوعد من النفاق، فمن أخلف في المواثيق مع الله فقد تعرض للنفاق، وكان جزاؤه من الله إفساد قلبه بما يكسبه النفاق. قاله الواحدي في البسيط. قلت ( عبدالرحيم ): ومن هنا يأتي خطر النذر، وشأنه؛ ومع ذلك تهاون فيه من تهاون من المسلمين؛ مع أنه محرم، او مكروه؛ على خلاف قوي بين العلماء؛ يشترطون على ربهم؛ عن فرج عنهم، او شفى مريضهم؛ ليفعلن كذ وكذا؛ فلما آتاهم من فضله بخلوا به، أو يذهبون يستفتون من يخلصهم؛ ولا تحين مناص. فالحذر الحذر من النذر، فيجب على العبد ان يعظم الرغبة في ربه، وإن حلت به المصائب العظام؛ من غير أن يشترط عليه – تبارك وتعالى – بالنذر، والعهود. وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى النبي ﷺ عن النذر، وقال: «إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل» انتهى والحمد لله أولا وآخرا. __ المصدر: أنظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير النسفي، البسيط للواحدي، تفسير ابن أبي زمنين، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين، تفسير السعدي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، السلسلة الضعيفة للألباني، الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني.
﴿الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذينَ لا يَجِدونَ إِلّا جُهدَهُم فَيَسخَرونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّهُ مِنهُم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [التوبة: 79
قوله [الذين يلمزون]: «يلمزون»: يعيبون.
قاله صديق حسن خان(2)، والبقاعي(3)، والإيجي(4)، والسمعاني(5)، والزجاج(6)، والسمين الحلبي(در)(7)، وابن قتيبة(8)، ومكي(9)، والثعلبي(10)، والبغوي(11)، والقرطبي(12)، والنسفي(13)، والقاسمي(14)، والسيوطي(15).
زاد البقاعي(16): في خفاء.
وزاد الثعلبي(17): ويغتابون.
وزاد ابن قتيبة(18): المتطوعين بالصدقة.
قال الزجاج(19): يلمزون، ويلمزون - بكسر الميم وضمها - ومعناه يعيبون وكانوا عابوا
أصحاب رسول الله - ﷺ - فى صدقات أتوا بها النبي - ﷺ -.
وقال قتادة: يطعنون.
حكاه صديق حسن خان في فتح البيان(20).
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ): «لُمَزَةٍ»: قال أبو بكر السجستاني(21): عياب.
قال الكيا الهراسي(22): واللمز: العيب، يقال لمزه إذا عابه.
وقال القصاب(23): واللمزة: المغتاب العياب.
ومنه ( وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ): «وَلَا تَلْمِزُوا»: قال ابن قتيبة(24): أي لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين.
ومنه ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ): «يَلْمِزُكَ» : يعيبك.
قاله غلام ثعلب(25)، وأبو بكر بن العربي(27)، وأبو عبيدة معمر بن المثنى(28)، وابن قتيبة(29)، وأبو بكر السجستاني(30).
وزاد ابن قتيبة(31): ويطعن عليك.
قوله [المطوعين]: المتبرعين.
قاله القاسمي(32)، والبغوي(33)، والخازن(34)، وسراج الدين النعماني(35)، والنسفي(36)، وأبو السعود(37)، وبه قال الثعلبي(38)، والزمخشري(39).
وقال السيوطي(40): المتنفلين.
قال البقاعي(41): الذين ليس عليهم واجب في أموالهم فهم يتصدقون ويحبون إخفاء صدقاتهم - بما يشير إليه الإدغام.
قال القرطبي(42): وهم الذين يفعلون الشيء تبرعا من غير أن يجب عليهم.
قال صديق حسن خان(43): والتطوع التبرع والتنفل بما ليس بواجب (من المؤمنين في الصدقات) والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوعوا بشيء من أموالهم وأخرجوه للصدقة فكانوا يقولون ما أغنى الله عن هذا ويقولون ما فعلوا هذا إلا رياء ولم يكن لله خالصا.
قلت (عبدالرحيم ): أصله: المتطوعين. وأدغمت التاء في الطاء؛ نص عليه أبو حيان الأندلسي في البحر(77)، والفراء في المعاني(78)، والقرطبي(79) في تفسيره، وغيرهم.
قلت: وإنما أدغمت الطاء في التاء؛ للتخفيف. كما في قوله ( لنصدقن ): أي: لنتصدقن.
ونظيره في القرآن كثير؛ من ذلك قوله تعالى ( لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ): «المطهرين»: قال السمرقندي(44): يعني: المتطهرين.
قال الثعلبي(45): أي المتطهرين فأدغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما.
انتهى كلامه
ونحوه ( إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ): قال ابن أبي زمنين(46): يعني: المتصدقين والمتصدقات.
وبه قال الزجاج(47).
فقوله تعالى ( المطوعين ): المتطوعين.
قاله الإيجي(48)، وأبو السعود(49)، وابن الهائم(50)، والبيضاوي(51)، والفراء(52)، وصديق حسن خان(53)، وغيرهم.
قوله [من المؤمنين ]: أي الراسخين في الإيمان.
قاله البقاعي(54).
قوله [في الصدقات]: فيزعمون أنهم تصدقوا رياء.
قاله القاسمي(55).
قوله [والذين لا يجدون إلا جهدهم]: "جهدهم": أي طاقتهم.
قاله الإيجي(56)، وأبو عبيدة معمر بن المثنى(57)، والثعلبي(58)، والبغوي(59)، والقرطبي(60)، والسيوطي(61).
زاد الإيجي(62): وهم الفقراء.
وزاد السيوطي(63): فيأتون به.
قال الزجاج(64): " جهدهم "، بالفتح والضم.
قال ابن قتيبة(65): طاقتهم. والجهد الطاقة، والجهد: المشقة. يقال: فعلت ذاك بجهد. أي: بمشقة.
قوله [فيسخرون منهم]: يعني من المؤمنين.
قال مقاتل بن سليمان(66).
قال الإيجي(67)، وصديق حسن خان(68): يستهزءون بهم.
وزاد خان(69): لحقارة ما يخرجونه في الصدقة مع كون ذلك جهد المقل وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه.
قوله [سخر الله منهم]: سخر الله من المنافقين.
قاله مقاتل بن سليمان(70).
قلت ( عبدالرحيم ): قوله ( سخر الله منهم )؛ فثم صفات يجب إثباتها لله جل شانه على سبيل المقابلة؛ كالسخرية؛ والاستهزاء، والمكر؛ كما في قوله ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون )،
وقوله ( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا )،
وقوله ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون )،
وقوله ( يخادعون الله وهو خادعهم )؛
فمثل هذه الصفات؛ إثباتها لله مطلقا ليس كمالا محضا، والعكس؛ كما أن نفيها عنه مطلقا ليس مدحا خالصا؛ فحينئذ يتعين إثباتها مقابلة؛ في سياقها التي سيقت من أجله؛ فنقول: يسخر ممن يسخر به، وبشرعه، ويمكر بمن يمكر بدينه، وأولياءه، يستهزئ بالمنافقين، والكفار؛ مثلا.
وعليه فلا يوصفن مسلمٌ ربَه؛ بقوله: إن الله يستهزئ، أو يمكر، أو يخادع، أو يسخر؛ بدون ذكرها فيما سيقت له؛ قال تعالى ( ولله الأسماء الحسنى ).
وهذا من تمام قدرته- عز وجل -؛ فمن العجز ترى عدوك يمكر بك، ويسخر منك، ويستهزئ بك، ويخادعك؛ وأنت غير قادر على ذلك.
قوله [ولهم]: أي ثابت لهم.
قاله أبو السعود(71).
قوله [ عذاب أليم]: وجيع دائم.
قاله السمرقندي(72).
وقال النسفي(73): مؤلم.
قال أبو السعود(74):التنوين للتهويل والتفخيم وإيراد الجملة اسمية للدلالة على الاستمرار.
قال صديق حسن خان(75): أي ثابت مستمر شديد الألم في الآخرة.
(فائدة):
قال السيوطي في (الإكليل) : في هذه الآية تحريم اللمز والسخرية بالمؤمنين.
حكاه القاسي في محاسن التأويل(76).
__
المصدر:
ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب(25)، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني(21-30)، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم(50)، غريب القرآن لابن قتيبة(8-18-24-25-31-65)، معاني القرآن للزجاج(6-19-47-64)، معاني القرآن للفراء(52-78)، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى(28-57)، النكت للقصاب(23)، تفسير مقاتل بن سليمان(66-70)، تفسير السمرقندي(44-72)، تفسير ابن أبي زمنين(46)، تفسير النسفي(13-36-73)، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي(3-16-41-54)، الكشف والبيان للثعلبي( 10-17-38-45-58)جامع البيان للإيجي الشافعي(4-48-56-62-67)، تفسير أبي السعود(37-49-71-74)، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان(2-43-53-67-68-74)، تفسير الجلالين(1-15-40- 61-63)، تفسير البغوي (11-33-59)، تفسير السمعاني(5)، أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي(27)، الكشاف للزمخشري(39)، تفسير القرطبي(12-42-60-79)، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي(9)، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي(7)، محاسن التأويل للقاسمي(14-32-55)، تفسير الخازن(34)، اللباب لسراج الدين النعماني(53)، تفسير البيضاوي(51)، أحكام القرآن للكيا الهراسي(22).
( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) التوبة: (80) قوله ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ): آيسه من الغفران لهم. قاله العز بن عبدالسلام. قال البقاعي: من نحو: فلا تستغفر لهم أصلا. قال صديق خان: أخبر الله سبحانه رسوله ﷺ بأن صدور الاستغفار منه للمنافقين وعدمه سواء. قال الإيجي الشافعي: أي ساوي استغفارك وعدمه في عدم الإفادة لهم. قال البيضاوي: يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم. (نكتة): قال صديق حسن خان: فهذا كلام خرج مخرج الأمر ومعناه الخبر، وذلك لأنهم ليسوا بأهل الاستغفار منه ﷺ ولا للمغفرة من الله سبحانه. قال السمرقندي: ( استغفر لهم ) اللفظ لفظ الأمر، ومعناه معنى الخبر، فمعناه: إن شئت استغفر لهم، وإن شئت فلا تستغفر لهم، يعني: للمنافقين. قال مجير الدين العليمي الحنبلي في فتح الرحمن في تفسير القرآن: لفظه أمر، ومعناه خبر، تقديره: استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. قال البغوي، ومجير الدين العليمي: لفظه أمر، ومعناه خبر، تقديره: استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: فلفظه لفظ الأمر ومعناه الجزاء، والجزاء خبر. والمعنى: إن استغفرت لهم، أو لم تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم. قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي الأمر في التنزيل ويراد منه الخبر، والعكس، ويجيء يراد به الإباحة، ويأتي ويراد به التهديد؛ ويجيء بمعان متعددة، كالتوبيخ، والتعجيز، والندب، والوجوب؛ وهذا في القرآن كثير، وكثير جدا. وسأذكر في هذا المقام؛ ما يسر الله لي، وأسأله العون، والعفو عن التقصير، وضعف الهمة؛ إنه سميع قريب. أولا: ذكر الخبر؛ الذي بمعنى الأمر: ونظير ذلك قوله تعالى ( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ): قال السمعاني: هذا خبر بمعنى الأمر ؛ ومعناه: ازرعوا سبع سنين، يعني: على عادتكم؛ والدأب: العادة. قال الزمخشري: ( تزرعون) خبر في معنى الأمر، كقوله:( تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون ) وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب المأمور به، فيجعل كأنه يوجد، فهو يخبر عنه. والدليل على كونه في معنى الأمر قوله فذروه في سنبله. وقوله ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ):قال السمعاني: خبر بمعنى الأمر، كأنه قال: لا تبدلوا دين الله. وقد ورد في الخير: الفطرة بمعنى كلمة الإسلام. وقوله ( قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ٌ ) قال السمعاني: هذا خبر بمعنى الأمر، أي: أقيموا الصلاة. وقوله: ( وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ): قال السمعاني: هذا خبر بمعنى الأمر ، أي: أنفقوا لوجه الله، ومعناه: ابتغاء مرضاة الله. وقوله تعالى عن البيت الحرام ( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ): فقوله ( آمنا ): قال القاضي أبو يعلى: لفظه لفظ الخبر، ومعناه: الأمر، وتقديره: ومن دخله، فأمنوه. حكاه ابن الجوزي في زاد المسير. وقوله تعالى ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ): قال الواحدي في الوجيز: لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، وهو أمر استحبابٍ لا أمر إيجابٍ يريد: إنهنَّ أحقُّ بالإِرضاع من غيرهنَّ إذا أردن ذلك. قال الزجاج: اللفظ لفظ الخبر والمعنى الأمر كما تقول: حسبك درهم فلفظه لفظ الخبر، ومعناه اكتف بدرهم، وكذلك معنى الآية لترضع الوالدات. قال النحاس: لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الامر لما فيه من الالزام. ونحوه ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ): قال السمعاني: خبر بمعنى الأمر أي: لترضع. وقوله ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ): قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب: لفظه لفظ الخبر ومعناه الامر. والمعنى يقاتلوا مائتين ثم نسخ. قال السمعاني: هذا خبر بمعنى الأمر، وكان الله تعالى أمر المؤمنين ألا يفر الواحد منهم عن عشرة، ولا تفر المائة منهم عن ألف. قال الثعلبي: وصورة الآية خبر ومعناه أمر. قال ابن عطية: فهذا لفظ الخبر ولكن معناه: التزموا هذا وابنوا عليه واصبروا بحسبه، ثم نسخ ذلك بعد ذلك. وقوله جلَّ وعزَّ: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِم سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ): قال الزجاج: "يحذر" لفظ الخبر، ومعناه الأمر، لأنه لا لبس في الكلام في أنه أمر، فهو كقولك ليحذر المنافقون. وقوله ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ): قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: خبر معناه الأمر للتأكيد. قال البغوي: لفظه خبر ومعناه أمر. قال ابن جزي الغرناطي، والبيضاوي: خبر بمعنى الأمر. قال في البحر المحيط: ولفظه خبر، ومعناه الأمر. قال سعيد حوى – رحمه الله - في الأساس: وقوله تعالى: يتربصن بأنفسهن. خبر في معنى الأمر. وأصل الكلام: ولتتربص المطلقات. وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر، وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله. قلت ( عبدالرحيم ): والمعنى: لينتظرن المطلقات ( المدخولات بهن ) عن التزويج ثلاثة حيض، أو أطهار؛ خلاف قوي بين أرباب الفقه، واللغة. وقوله ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ): قال الشهاب في حاشيته على البيضاوي: إنه خبر بمعنى الأمر الندبي...
قال النسفي: وإن كان ظاهره الخبر فمعناه الأمر ولا يؤدي إلى الخلف في خبر الله تعالى. قال اسماعيل حقي الخلوتي في روح البيان: وإن كان ظاهره الخبر فان معناه الأمر لان حمله على ظاهره يؤدى الى وقوع الخلف في خبر الله تعالى لأنه قد يوجد إيقاع الطلاق على وجه الجمع ولا يجوز الخلف في خبر الله. قال السيوطي: أي فعليكم إمساكهن بعده بأن تراجعوهن. وقوله ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ): خبر بمعنى الأمر. قال سراج الدين النعماني: أي لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا. وقوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ): معناه ليشهد اثنان لفظ الآية خبر ومعناها أمر. حكاه الثعلبي. وقوله ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ): قال الثعالبي في الجواهر الحسان: خبر يقتضيالأمر بما عهد من الطواف بهما. ثانيا: ويأتي الخبر ويراد به النهي: كما في قوله تعالى (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ): قال مقاتل بن سليمان: لا يجعل بالرجل إذا طلق امرأته أن يضارها فينزع منها ولدها وهي لا تريد ذلك فيقطعه عن أمه فيضارها بذلك بعد أن ترضى بعطية الأب من النفقة والكسوة. وثم وجه ثان؛ وهو ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن مجاهد: "لا تضار والدة بولدها لا تأبى أن ترضعه ضرارا، لتشق على أبيه". قلت( عبدالرحيم ): وكلا المعنيين صحيحين؛ يشمله معنى المضارة. لذا قال الواحدي في الوجيز: لا ينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه وألفها الصبي ولا تلقيه هي إلى أبيه بعدما عرفها تضاره بذلك وهو قوله: {ولا مولود له بولده}. ثالثا: ويجيء الأمر ومعناه الخبر: كما في الآية التي نحن بصددها ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ): قال السمرقندي: "استغفر لهم" اللفظ لفظ الأمر، ومعناه معنى الخبر، فمعناه: إن شئت استغفر لهم، وإن شئت فلا تستغفر لهم، يعني: للمنافقين. انتهى كلامه قلت: ومنه قوله تعالى ( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ): قال ابن عطية في المحرر الوجيز: فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم. قوله ( قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ): قال الزمخشري «هو أمر في معنى الخبر»...ومعناه: لن يتقبل منكم: أنفقتم طوعا أو كرها. حكاه ابن جزي الغرناطي. قال النيسابوري في غرائب القرآن: ( وأنفقوا ) لفظه أمر ومعناه خبر. قال أبو السعود: والمعنى أنفقتم طوعا أو كرها. وقوله ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ): لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر. فالمعنى: ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، سمعوا وأبصروا حين لم ينفعهم ذلك لأنهم شاهدوا من أمر الله ما لا يحتاجون معه إلى نظر وفكر فعلموا الهدى وأطاعوا، وهذا قول الأكثرين... حكاه ابن الجوزي في زاد المسير. قال الراغب الأصفهاني: معناه أنهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفي عليهم، وضلوا عنه اليوم لظلمهم أنفسهم، وتركهم النظر. وقوله ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ): والشاهد قوله (كُنْ فَيَكُونُ ): لفظه أمر والمراد الخبر والتقدير: يكون فيكون أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: فهو يكون قال: ولهذا أجمع القراء على رفع {فيكون} ورفضوا فيه النصب... حكاه الزركشي في برهانه عن الفارسي. قال بيان الحق النيسابوري: أمر لفظا ولكن معناه الخبر. وقوله ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ): قال الزجاج: هذا لفظ أمر في معنى الخبر، وتأويله أن الله عز وجل جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، ويمده فيها. قال نجم الدين النيسابوري: فليدعه في ضلالته وليمله في غيّه، واللّفظ أمر والمعنى خبر. رابعا: ويأتي الأمر ويراد به الاباحة: كما في قوله تعالى ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ): قال القرطبي: أمر إباحة. قال الواحدي في البسيط: وأجمع المفسرون على أن الأمر بالانتشار والابتغاء أمر إباحة. وقوله ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ): قال الثعلبي، والبغوي: أمر إباحة. وزاد الثعلبي: وليس بواجب. قال المفسرون: وإنما قال ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا ينحرون ويذبحون ولا يأكلون من لحوم هداياهم شيئا. انتهى كلامه. قال الواحدي في الوسيط: وهذا أمر إباحة، إن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل. قال السمعاني: هذا أمر إباحة، وليس بأمر إيجاب، وقال بعضهم: هو أمر (ندب) ، ويستحب أن يأكل منها. وقوله ( قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ): قال أبو حيان في البحر المحيط: هذا أمر إباحة. وقوله ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ): قلت: إذ لا يجب على المحرم أن يصيد بعد الحل. قال البغوي، والثعلبي، والواحدي(ج)، والرازي: أمر إباحة. وزاد الثعلبي: وتخيير. قال أبو حيان في البحر المحيط: والأمر بالاصطياد هنا أمر إباحة بالإجماع. قال ابن عطية: ومعناه الإباحة بإجماع من الناس. وقوله في آية الصيام ( ْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ): قال السمرقندي: فلفظه لفظ الأمر والمراد به الإباحة. وقوله ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا ): قال صديق حسن خان: أمر إباحة، ورغداً كثيراً واسعاً أي: أكلاً رغداً. خامسا: يأتي الأمر ويراد به التهديد، والوعيد: كما في قوله تعالى ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ): قال غلام ثعلب: إنما هو تهديد ووعيد، وليس بأمر. قال القصاب: وهذا أعظم ما يكون من الوعيد. قال معمر بن المثنى: لم يأمرهم بعمل الكفر إنما هو توعد. قال أبو بكر ابن العربي: على معنى التهديد. سادسا: يأتي الأمر بمعنى التعجيز، والتحدي: كقوله (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ): قال الزجاج: والأمر هنا معناه التعجيز مع الاهانة. قال القرطبي: أي قل لهم يا محمد كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا في الشدة والقوة. وقيل: اللفظ لفظ الأمر، ومعناه معنى الخبر، يعني: لو كنتم من الحجارة، أو من الحديد. قاله السمرقندي. وقوله ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ): قال ابن ناصر السعدي: وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي، وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن. وقوله (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ): قال الطاهر بن عاشور: وقد تحداهم القرآن في هذه الآية بما يشتمل عليه القرآن من الهدى ببلاغة نظمه. قال ابن كثير: وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن فقال في سورة القصص... قوله ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ): فإنك إن تستغفر لهم. قاله السمرقندي. قوله ( سَبْعِينَ مَرَّة ): منصوب على المصدر كقولك: «ضربته عشرين ضربة» فهو لعدد مراته. قاله السمين الحلبي في الدر المصون. قال الإيجي: المراد منه التكثير لا العدد المخصوص. قال العليمي: وذكر عدد السبعين قطعا لأطماعهم عن المغفرة على عادة العرب، لأنها عندهم مثل لغاية الاستقصاء في العدد. قال الواحدي في الوجيز: أي إن اسكتثرت من الدعاء بالاستغفار للمنافقين لن يغفر الله لهم. قال السمعاني: وذكر عدد السبعين للمبالغة في إثبات اليأس. قال العز بن عبدالسلام: ليس بحد لوجود المغفرة بما بعدها، والعرب تبالغ بالسبع والسبعين، لأن التعديل في نصف العقد وهو خمسة فإذا زيد عليه واحد كان لأدنى المبالغة وإن زيد اثنان كان لأقصى المبالغة، وقيل للأسد سبع لأن قوته تضاعفت سبع مرات، قاله علي بن عيسى. قوله ( فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ): أراد به إثبات اليأس عن طمع المغفرة لهم. قاله السمعاني. قوله ( ذَلِكَ ): إشارة إلى امتناع المغفرة لهم ولو بعد المبالغة في الاستغفار أي ذلك الامتناع ليس لعدم الاعتداد باستغفارك بل. قاله أبو السعود. قال صديق حسن خان: الامتناع ليس لعدم الاعتداد باستغفارك بل. قوله ( بِأَنَّهُمْ ): أي بسبب أنهم. قاله أبو السعود. قوله ( كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ): يعني: في السر. قاله السمرقندي. قال أبو السعود: كفرا متجاوزا عن الحد كما يلوح به وصفهم بالفسق. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ): ظاهر في كفر المنافقين؛ بل هم في الدرك الأسفل من النار؛ فالمنافقون كفار؛ والأدلة على كفرهم كثيرة لا تخفى؛ فالمنافقون، واليهود، والنصارى، والمشركين في إخوة الدين، و الكفر سواء، وفي النار معا؛ قال الله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )، وقال ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ )، وقال (نَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا )، وقال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ )، فمن عجب أن مثل هذه الألفاظ الشرعية؛ ( المنافق، والمشرك، والكتابي)؛ تشكل على بعض المسلمين؛ وما ليس إلا بسبب الإعراض عن العلم؛ الذي فيه النجاة في الدارين. فالناس صنفان، فريقان؛ لا ثالث لهما؛ مؤمن، وكافر؛ قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ )، وقال (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )؛ فالكافر هو: الكتابي ( اليهودي، والنصراني )، والمشرك، والمنافق؛ فكلهم كفار مخلدون في جهنم؛ وإن جاء الحديث عنهم بأسماء مختلفة؛ في الكتاب والسنة؛ فالمنافقون: كفار ؛ لكنهم أسروا كفرهم؛ كما في الآية التي نحن بصددها ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فكل من ليس مسلما فهو كافر؛ ولا ريب. لكن الشارع خص كل واحد من هؤلاء بحكم شرعي، وعلمنا كيف التعامل معه، فالمنافق: يعامل بظاهره. والكتابي: تحل ذبيحته، ويحل الزواج من نسائهم، بشرط التمسك، والإحصان. والمشرك: لا تحل ذبيحته، ولا الزواج منهم؛ حتى ولو كانت المرأة عفيفة. وكلهم يشملهم لفظ الكفر. فالله الله في نشر العقيدة الصحيحة بين المسلمين. قوله ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ): يعني: المنافقين الذين كفروا بالله ورسوله في السر، والله تعالى لا يهديهم ما داموا ثابتين على النفاق. قاله السمرقندي. قال صديق خان: والمراد هنا الهداية الموصلة إلى المطلوب لا الهداية التي بمعنى الدلالة وإراءة الطريق. قال الإيجي: المتمردين في الكفر، فإن من طبع على الكفر لا ينقطع أبدا ولا يهتدي، فعدم قبول دعائك لا لبخل منا ولا لقصور فيك؛ بل لعدم قابليتهم. ____ المصادر: تفسير العز بن عبد السلام، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير البيضاوي، تفسير السمرقندي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، تفسير البغوي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الكشاف للزمخشري، تفسير السمعاني، زاد المسير لابن الجوزي، الوجيز للواحدي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، الكشف والبيان للثعلبي، المحرر الوجيز لابن عطية، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، الأساس في تفسير القرآن لسعيد حوى، تفسير النسفي، روح البيان لإسماعيل حقي، تفسير الجلالين، اللباب لسراج الدين النعماني، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير ابن أبي حاتم، غرائب القرآن للنيسابوري، تفسير أبي السعود، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، البرهان في علوم للزركشي، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، البسيط للواحدي، الوسيط للواحدي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي، تفسير القرطبي، تفسير السعدي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير ابن كثير، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، الجواهر الحسان للثعالبي.
( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) التوبة (81) مازالت السورة الكاشفة، الفاضحة؛ تهتك ستر صنف من الناس؛ شرهم مستطير؛ فهم أصل كل بلاء، ونكبة تحل بالمسلمين؛ قال الله فيهم ( هم العدو فاحذرهم )، أعني الصنف النَجَس، القذَر، النَتَن؛ من منافقي هذه الأمة. فإن قلت لما وصفتهم بهذه الألفاظ؟! قلت: قد وصفهم من خلقهم؛ بقوله ( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ): «رِجْسٌ»:
قال في البحر المحيط: أي نتن وقذر.
وقال السمعاني: الرجس: هو النتن والقذر. قال الطبري، والبغوي، والثعلبي: نجس. وقال السمرقندي: يعني: قذر نجس. وقال السيوطي، والشربيني: قذرلخبث باطنهم. وقال الواحدي في البيسط: الرجس: الشيء القذر. وكل قذر رجس. وقال الله فيهم ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ): قال الطبري: فكان ذلك زيادة نتن منأفعالهم إلى ما سلف منهم نظيره من النتن والنفاق. انتهى كلامه. فينبغي التذكير، ونشر مثل هذه النصوص بيننا؛ فهي أشد عليهم من الحديد؛ فافضحوهم بها في كل ناد، وكي يحذر المسلمون من منهم، ومن الوقوع في مثل ما وقعوا ( ألا في الفتنة سقطوا ): ألا في الكفر وقعوا؛ لما كرهوا ما أنزل الله، وكرهوا المؤمنين، وعادوههم، وأحبوا الكافرين، ووالوهم. ولو تأملت كل نكبة؛ قديما وحديثا؛ من التفرقة بين المؤمنين، ونشر الفاحشة، والكفر؛ فستجد خلفها منافقين؛ لا يحصيهم إلا من خلقهم، وعلم نفاقهم ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ). وإذا أردت ما يفضح المشركين؛ فعليك بسورة الأنعام، وإذا أردت ما يفضح اليهود والنصارى؛ فعليك بسورة المائدة، وإذا أردت أن تفضح المنافقين؛ فعليك بسورة براءة، والنساء؛ ألا ترى أن الله أنزل سورة باسمهم ( سورة المنافقين ). ولا عليك؛ فالقرآن كله يفضح من كفر بالله العظيم. و الفضيحة العظمى يوم تبلى السرائر؛ يوم يفضحهم الله على رؤوس الأشهاد؛ ( قاتلهم الله ) . قال الزحيلي: وحينما تمادى المنافقون في غيهم وضلالهم، نزلت سورة التوبة (براءة) تفضح شأنهم، فسميت بالفاضحة أو الكاشفة فاضحة المنافقين وكاشفتهم، وكان يقال لها المنبئة لأنها أنبأت بمثالبهم وعوراتهم وقبائحهم. انتهى قوله {فرح المخلفون}: عن غزوة تبوك؛ وهم المنافقون. قال الشوكاني في الفتح، والماوردي في النكت، والسمين الحلبي في العمدة، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن، وصديق خان في فتح البيان: ( المخلفون): المتروكون. فالمخلف: المتروك. قاله الواحدي في البسيط، وبه قال البغوي، والسمعاني، والقرطبي. وزاد الواحدي: خلف من مضى. قال في المحرر الوجيز: وقوله ( المخلفون) لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه وهذا أمكن في هذا من أن يقال المتخلفون. قال قتادة: هي غزوة تبوك. رواه عبدالرزاق بن همام الصنعاني في تفسيره. قوله {بمقعدهم}: أي بقعودهم. قاله صديق حسن خان في فتح البيان، وابن الجوزي في تذكر الأريب، وفي زاد المسير كذلك، والواحدي في الوجيز، وبه قال السيوطي في الجلالين، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في تفسيره، والعليمي في فتح الرحمن، والشوكاني في فتح القدير. وزاد القرطبي: قعد قعودا ومقعدا، أي جلس. وأقعده غيره. وزاد النسفي: عن الغزو. قال الطبري: بجلوسهم في منازلهم. قوله {خلاف}: مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا. قاله القرطبي. قال الزجاج: وهو منصوب لأنه مفعول له، المعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول اللَّه. قلت ( عبدالرحيم ): سيان قولك: مفعول له، ومفعول من أجله، ومفعول لأجله. قال الطبري: مصدر من قول القائل: " خالف فلان فلانًا فهو يخالفه خِلافًا ". فلذلك جاء مصدره على تقديد"فعال"، كما يقال: قاتله فهو يقاتله قتالا". قال النحاس: الخلاف: المخالفة. قال الراغب الأصفهاني: أي مخالفين. وقال الأخفش: أي مُخالَفَةً. قوله {رسول الله}: مخالفة له. قاله الواحدي في الوجيز. قال قطرب والمؤرخ: يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا. حكاه الثعلبي في الكشف. قال النحاس: والمعنى من أجل مخالفة رسول الله ﷺ كما تقول جئتك ابتغاء العلم. قال الماوردي في النكت: يعني مخالفة رسول الله ﷺ؛ وهذا قول الأكثرين. وقال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم، والعليمي، والسيوطي: أي بعد رسول الله. وبه قال في تذكرة الأريب. قلت ( عبدالرحيم ): وعلى ماذهب إليه أبو بكر السجستاني، وابن الهائم، والعليمي، والسيوطي؛ فمنه قوله تعالى { وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا }: قال الفراء، والراغب، وابن قتيبة: أي بعدك. وبه قال أبو بكر السجستاني. قال الزجاج: كانوا قد كادوا أن يخرجوا النبي - ﷺ - من مكة فأعلمهم الله أنهم لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بعده إلا قليلا. ( نكتة ): قلت ( عبدالرحيم ): فتدبر قوله تعالى ( فرح المخلفون )؛ فقد جمع المنافقون بين جرمين؛ ذنبين عظيمين؛ الأول: تخلفهم عن رسول الله؛ وليس لهم ذلك؛ ولكن لما خلت قلوبهم من محبته – ﷺ – وامتلأت كراهية له؛ أرادوا أن يسلموه لعدوه، فالجرم الأول: تخلفهم. الثاني: فرحهم بمقعدهم خلاف رسول الله؛ والفرح: لذة في القلب بنيل المشتهى، والغم: ضيق في القلب بفوات المشتهى؛ وهذا يدلك على انعدام الخير في قلوبهم؛ فقد امتلأت فرحا بفعل الذنب العظيم؛ وهو التخلف عن الجهاد الكفار؛ وقد قال الله ( انفروا خفافا وثقالا )، بخلاف أهل الإيمان؛ يأخذهم من الندم ما يأخذهم، والحسرة على فعل الذنب، وما فاتهم من عظيم الأجر؛ من امتثال الواجب. وما قصة الثلاثة الذين خلفوا عنه – ﷺ – عنا ببعيد ( وسيأتي تأويلها إن شاء الله ) فلما ندموا وضاقت عليهم الأرض بسعتها ورحبها، وأيقنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه؛ فتاب مولاهم عليهم، أما هذا الصنف الرجس من الخلق؛ وهم المنافقون؛ فلم يأخذهم الندم، ولا شيء منه؛ وإنما فرحوا؛ وليس هذا فحسب؛ بل استهزأوا بالذنب؛ والاستهزاء بالذنب من أعظم ما يجلب سخط الجبار – جل وعز -.
وفيه عظة لأهل الإيمان؛ عدم الفرح بفعل الذنب؛ فإن كان ولابد من الوقوع في الذنب؛ فليكرهه ، ويندم، ولا يفرح؛ عسى الله أن يتوب عليه. والسلامة لا يعدلها شيء. – وفي النفس حاجات وفيك فطانة -.
ولقد حمدت الله أن وافقت في كلامي شيئا من كلام ابن عطية_ رحمه الله_ في المحرر الوجيز؛ حيث قال: ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر. انتهى وكذلك قال السمرقندي: قوله تعالى: ( فرح المخلفون ): يقول: عجب ورضي المتخلفون عن الغزو وهم المنافقون. قوله {وكرهوا أن يجاهدوا}: وكره هؤلاء المخلفون أن يغزُوا الكفار بأموالهم وأنفسهم. قاله الطبري. قال السمعاني: يعني: لم يحبوا. قلت ( عبدالرحيم ): فلما لا يكرهون؛ وهم أهل النفاق؟ أيحبون قتال إخوانهم من النصارى؛ فلا يخفى ( إن شاء الله ) أن غزاة تبوك قصد النبي – ﷺ – نصارى الروم، ومن شايعهم من نصارى العرب؛ فلما لا يكرهون؟. فالمنافقون دائما، وإلى يوم القيامة يكرهون جهاد المؤمنين للكفار؛ لذا يكيدون بخيانات شتى؛ وأقل صور الخيانة لديهم عدم خروجهم للغزو؛ وإن اضطروا للخروج انسحبوا كما فعل زعيمهم ابن سلول في غزاة أحد؛ انسحب بثلث الجيش. والحمد لله أن رجع وصحبه - قاتلهم الله- إذ لو بقوا لشرعوا في قتل المسلمين؛ سيما بعدما أصاب الصحب الكرام – رضي الله عنهم جميعا - ما أصابهم في أحد؛ وإن بقي منهم من بقي في أحد؛ لكن لا يقدرون على شيء، ولا يخفى أن من خرج منهم إلى تبوك أرادوا قتل النبي – ﷺ– كما قال الذي عصم نبيه ( وهموا بما لم ينالوا ): أي هموا بقتله غيله؛ لكن الله عصمه. وبفضل الله فرحت؛ لما وقعت عيناي على كلام الزمخشري؛ لأنني وافقت شيئا من كلامه؛ لما قال في الكشاف: وكره ذلك المنافقون. وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الايمان وداعى الإيقان. انتهى كلامه. فلله الحمد، والمنة. قوله { بأموالهم وأنفسهم}: المجاهدة بالمال: هي الإنفاق، والمجاهدة بالنفس: هي مباشرة القتال. قاله السمعاني. قوله {في سبيل الله}: يعني: في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه، ميلا إلى الدعة والخفض، وإيثاراً للراحة على التعب والمشقة، وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله. قاله الطبري. قوله {وقالوا}: أي قال بعضهم لبعض. قاله مكي، والسيوطي. وبه قال مقاتل، والسمرقندي، وغيرهم. وقيل: أنهم قالوه للمؤمنين. حكاه ابن الجوزي في زاد المسير. قوله {لا تنفروا}: تخرجوا إلى الجهاد؛ مع محمد- ﷺ- إلى غزاة تبوك. قوله {في الحر}: لا تخرجوا إلى الغزو، فإن الحر شديد. قاله السمرقندي. قال الطبري: وذلك أن النبي ﷺ استنفرهم إلى هذه الغزوة، وهي غزوة تبوك، في حرّ شديدٍ. قوله {قل}: لهم: قاله مكي في الهداية. قوله { نار جهنم أشد حرا}: أي نار الآخرة أشد، وأعظم؛ من الحر الذي يجدونه في تبوك؛ فالأولى بهم أن يتقوها بترك التخلف. ولكنهم لا يفقهون؛ فحر الدنيا ليس بنار، ونار الدنيا لو اجتمعت كلها؛ لا تساوي جزءا من نار جهنم؛ فقد خرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ، قال: «ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم»، قيل يا رسول الله إن كانت لكافية قال: «فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها». انتهى قال الزجاج: وهذا وعيد في ترك الجهاد. قال أبو جعفر النحاس: فيه معنى الوعيد والتهديد. قوله {لو كانوا يفقهون}: أي لو كانوا يفهمون. ومنه قوله تعالى ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ): ( تَفْقَهُونَ ): أي لا تفهمون. قاله الخطيب الشربيني، وبه قال العليمي، والجلال المحلي. قلت ( عبدالرحيم ): فأهل النفاق لا يفهمون دائما؛ وإن نادوا بالفهم والتقدم ( نعم؛ تقدم إلى النار )، وقد وصفهم الله بعدم الفهم؛ في آيات عدة؛ قال الله ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ )، وقال ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ )، وقال (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَلَا يَفْقَهُونَ ): قال مكي: أن كل شيء بيد الله تحت قدرته. فلذلك يقولون هذا. _____ المصدر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للأخفش، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير القرطبي، تفسير النسفي، تفسير السمعاني، تفسير عبدالرزاق الصنعاني، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، المحرر الوجيز لابن عطية، الكشاف للزمخشري، الكشف والبيان للثعلبي، زاد المسير لابن الجوزي، فتح القدير للشوكاني، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير الجلالين، تفسير الزحيلي، النكت والعيون للماوردي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي.
﴿فَليَضحَكوا قَليلًا وَليَبكوا كَثيرًا جَزاءً بِما كانوا يَكسِبونَ﴾ [التوبة: 82] في الآية؛ ما يسمى بـ " المطابقة ". تعريف المطابقة: الجمع بين متضادين في الجملة. ومنه قوله تعالى {لكيلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم}. ومنه {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وأحيا}. ومنه {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}. ومنه {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. ومنه { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ }. ومنه {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يستوي الأحياء ولا الأموات}. ومنه {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ}. أنظر: البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي. قوله [فليضحكوا قليلاً]: في الدنيا. قاله السمعاني، والبغوي، والسيوطي. وراه عبدالرزاق الصنعاني عن الحسن. قال النسفي: أي فيضحكون قليلاً على فرحهم بتخلفهم في الدنيا. قال البقاعي: أي فليتمتعوا في هذه الدار بفرحتهم بمقعدهم التمتع الذي غاية السرور به الضحك - يسيرا، فإنها دار قلعة وزوال وانزعاج وارتحال. قال البيضاوي: أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم واجب. قلت ( عبدالرحيم ): و الأمر هنا بمعنى التهديد؛ وبه قال الفخر الرازي، وابن الجوزي والعز بن عبدالسلام، والماوردي، والقرطبي. وقيل: للتوبيخ. قاله السمرقندي. قال القرطبي: معناه معنى التهديد وليس أمرا بالضحك. والأصل أن تكون اللام مكسورة فحذفت الكسرة لثقلها. قال الفخر الرازي: وإن ورد بصيغة الأمر إلا أن معناه الإخبار بأنه ستحصل هذه الحالة، والدليل عليه قوله بعد ذلك: جزاء بما كانوا يكسبون. قوله [وليبكوا كثيراً]: في الآخرة. قاله البغوي، والسمعاني، والسيوطي. قال ابن عطية: وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خثيم وقتادة وابن زيد قوله فليضحكوا قليلا إشارة إلى مدة العمر في الدنيا، وقوله وليبكوا كثيرا إشارة إلى تأبيد الخلود في النار. قال البغوي: تقديره: فليضحكوا قليلا وسيبكون كثيرا. قال في الوجيز: في النار بكاءً لا ينقطع. وقال مكي في الهداية: في جهنم. قال الطبري: فرح هؤلاء المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله، فليضحكوا فرحين قليلا في هذه الدنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول الله ولهوهم عن طاعة ربهم، فإنهم سيبكون طويلا في جهنم مكان ضحكهم القليل في الدنيا. قال الزمخشري: معناه: فسيضحكون قليلا، ويبكون كثيرا جزاء إلا أنه أخرج على لفظ الأمر، للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره. قوله [كثيراً ]: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، أو في النار أبداً يبكون من ألم العذاب. قاله العز بن عبدالسلام. قال أبو حيان في البحر: والظاهر أن قوله: فليضحكوا قليلا إشارة إلى مدة العمر في الدنيا، وليبكوا كثيرا إشارة إلى تأييد الخلود، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم. قوله [ جزاءً ]: مفعول له، المعنى: وليبكوا جزاء لهذا الفعل. قاله الزجاج. قال الطبري: ثوابا منا لهم على معصيتهم، بتركهم النفر إذ استنفروا إلى عدوهم، وقعودهم في منازلهم خلاف رسول الله. قوله [بما كانوا يكسبون]: من التخلف عن رسول الله ﷺ، ومعصيته. قاله مكي في الهداية. قال السمرقندي: يعني: عقوبة لهم بما كانوا يكفرون. قال الواحدي، وسراج الدين النعماني: في الدنيا من النفاق. قال الطبري: بما كانوا يجترحون من الذنوب. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ( يَكسِبونَ ): نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب. قلت ( عبدالرحيم ): ثَمَ تعليقان: الأول: ما ذكره صاحب المحرر. الثاني: ما ذكره الطبري - رحم الله الجميع -. أما الأول: أعني ما ذكره ابن عطية في المحرر بقوله: " نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب". قلت ( عبدالرحيم ): هذا المتعين علينا اعتقاده؛ ولا ريب. فكما أن الله لا يعذب حتى يبعث رسولا؛ فكذا لا يؤاخذ إلا بعد الاقتراف ( الكسب )؛ مع علم الله السابق بما سيكون من العبد؛ ولكن من تمام عدله، واحسانه- تعالى - لا يؤاخذ بعلمه؛ ولكن بالتكسب؛ كما أن من محض جوده وكرمه - تبارك وتعالى - من يقترف الحسنة يضاعفها له أضعافا؛ قال الله ( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ): يَقْتَرِفْ: يكتسب. قاله ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، والجلال المحلي. قال غلام ثعلب: الاقتراف: الاكتساب، يكون خيرا، ويكون شرا. ولو قال قائل: كيف تقولون أن التكسب هو الذي يتعلق به الثواب والعقاب؛ فما تقولون في المنافق؟ قلنا: قد اكتسب بقلبه ما أحبط علمه؛ أعني كفره بنفاقه الذي أخرجه من الإسلام؛ وإن لم يظهر منه في ظاهره. ونصوص القرآن شاهدة؛ أن الله لا يواخذ أحدا حتى يكتسب ما يؤاخذ به، مع علمه السابق - جل شأنه - بأفعال العباد؛ لذا كان معنى قوله تعالى «فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا»: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: مجازه: فليميزنّ الله لأن الله قد علم ذلك من قبل. وقال الألوسي: ويتوهم من الآية حدوث علمه تعالى بالحوادث وهو باطل. وأجيب بأن الحادث تعلق علمه تعالى بالمعدوم بعد حدوثه، وقال ابن المنير: الحق أن علم الله تعالى واحد يتعلق بالموجود زمان وجوده وقبله وبعده على ما هو عليه، وفائدة ذكر العلم هاهنا وإن كان سابقا على وجود المعلوم التنبيه بالسبب على المسبب وهو الجزاء فكأنه قيل: فو اللهليعلمن بما يشبه الامتحان والاختبار الذين صدقوا في الإيمان الذي أظهروه والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب فليجازين كلا بحسب علمه فيه، وفي معناه ما قاله ابن جني من أنه من إقامة السبب مقام المسبب، والغرض فيه ليكافئن الله تعالى الذين صدقوا وليكافئن الكاذبين وذلك أن المكافأة على الشيء إنما هي مسببة عن علم، وقال محيي السنة: أي فليظهرن الله تعالى الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلوما لأن الله تعالى عالم بهم قبل الاختبار. انتهى وكلامه. قلت ومن الأدلة على أن التكسب هو الذي يتعلق به الثواب والعقاب؛ قوله تعالى ( أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )، ومنه ( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )، ومنه ( فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا )، ومنه ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )، ومنه ( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )، ومنه ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )، ومنه ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ). والتعليق الثاني: أعني قول الطبري: " بما كانوا يجترحون من الذنوب". قلت: الاجتراح: الاكتساب؛ نص عليه غير واحد من أهل العلم، ومنه قولهم: امرأة لا جارح لها: أي لا كاسب لها؛ يرزقها. وسميت الكلاب جوارح: لأنها تكسب الرزق لأربابها. وكذلك سميت أعضاء الإنسان جوارح: لأنه يكسب بها؛ ماله وما عليه؛ في الدين، والدنيا. قال ابن قتيبة: وأصل الاجتراح: الاكتساب. وقال الفراء: الاجتراح: الاقتراف، والاكتساب. قال النحاس: والجوارح في اللغة الكواسب يقال ما لفلانة جارح أي كاسب. قلت: ومنه قوله تعالى ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ): «اجْتَرَحُوا»: قال معمر بن المثنى: كسبوا. وقال السيوطي: اكتسبوا. وقال ابن قتيبة: أي اكتسبوها. ومنه قيل لكلاب الصيد: جوارح. وقال الراغب: والاجتراح: اكتساب الإثم، وأصله من الجراحة. ومنه ( وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ): «جَرَحْتُمْ»: قال معمر بن المثنى: أي ما كسبتم. ومنه ( قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ): «الْجَوَارِح»: قال أبو عبيدة: أي الصوائد، ويقال: فلان جارحة أهله أي كاسبهم... ويقال: امرأة أرملة لا جارح لها، أي لا كاسب لها. قال السيوطي: الكواسب؛ من الكلاب، والسباع، والطير. ____ المصدر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، الكشاف للزمخشري، تفسير النسفي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير السمعاني، المحرر الوجيز لابن عطية، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، البرهان في علوم القرآن للزركشي، تفسير عبدالرزاق، تفسير البيضاوي، تفسير السمرقندي، تفسير العز بن عبد السلام، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، اللباب لسراج الدين النعماني، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير الألوسي، تفسير الجلالين.
( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ) التوبة (83) قوله {فإن رجعك الله}: ردك؛ من تبوك. قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: إن ردك الله من غزوتك إلى المنافقين. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( فإن رجعك الله ): أي ردك الله؛ فيه إشارة إلى أن متقلب العبد؛ إلى الله - عز وجل-؛ فذهابه وإيابه، ورجوعه كل ذلك بيد الله؛ وفيه من حسن التوكل الله، والاعتماد عليه؛ ما هو ظاهر؛ أي: لا يردك سالما ظافرا إلا الله. قوله {إلى طائفة منهم}: من المنافقين الذين تخلفوا؛ بالمدينة. قوله {فاستأذنوك للخروج}: فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى. قاله السمرقندي في تفسيره، و به قال مكي في الهداية. قوله {فقل}: لهم. قاله الثعلبي في الكشف والبيان، وبه قال البغوي في تفسيره. قوله {لن تخرجوا معي أبدا}: إلى الغزو. قاله السيوطي في الجلالين. قوله {ولن تقاتلوا معي عدوا}: عقوبة لهم على تخلفهم. قاله الثعلبي في الكشف. قلت ( عبدالرحيم ): وكلام الثعلبي له حظ من النظر؛ إذ أن القتال في سبيل الله؛ فضل ورتبة، ومنزلة، رفيعة؛ سيما مع النبي – ﷺ –، فكان حرمانهم منه جزاء لهم على تعمد تخلفهم؛ وما ورد في شأن الجهاد، وفضله معلوم. قال السمعاني في تفسيره: قال أهل التفسير: العدو ها هنا: أهل الكتاب؛ فإنه لم يكن بقي بجزيرة العرب مشرك في ذلك الوقت. قوله {وله إنكم رضيتم بالقعود أول}: حين لم تخرجوا إلى تبوك. قاله الواحدي في الوجيز. قوله {مرة فاقعدوا مع الخالفين}: المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان وغيرهم. قاله السيوطي في الجلالين. قال في الهداية: أي مع الذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول الله ﷺ، لأنكم منهم. وواحد الخالفين: خالف. أفاده ابن أبي زمنين في تفسيره.
( وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) التوبة: (84) قوله {ولا تصل}: صلاة الجنازة، وقيل: لا تدع ولا تستغفر. قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان. قلت ( عبدالرحيم ): ووجه من قال" لا تدع ولا تستغفر"؛ أن الصلاة في اللغة أعم من الصلاة المعروفة؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة؛ مرفوعا: «إذا دُعِيَ أحدُكم، فليجب، فإن كان صائما، فليصل، وإن كان مفطرا، فليطعم» والشاهد قوله ( فليصل): أي فليدع. قال محمد فؤاد عبدالباقي: قال الجمهور معناه فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك. انتهى كلامه وكما في قوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ):قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي ادع لهم. وقوله {إن صلاتك سكن لهم}:* قال الواحدي في الوجيز: إنَّ دعواتك ممَّا تسكن نفوسهم إليه. قلت: ولكنّ الصحيح - إن شاء الله - أن معنى قوله ( ولا تصل عليهم ): أراد صلاة الجنازة؛ برهان ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عمر؛ وفيه: فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه، فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ فقال: " أنا بين خيرتين، قال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة، فلن يغفر الله لهم} " فصلى عليه، فنزلت: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره}. وأما الدعاء؛ فقد نهى الله رسوله والمؤمنين أن يستغفروا للكفار ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ). انتهى قوله {على أحد منهم مات أبدا}: يعني: لا تصل أبدا على من مات من المنافقين. قاله السمرقندي في تفسيره (بحر العلوم). قال القصاب في (النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام): وفيه دليل - هوأشرف دليل - على أن الإمام إذا حضرجنازة فهو المقدم عليها في الصلاة دونالأولياء، كما تكون في سائر الصلاة، إذ لوكان الأولياء أحق منه. قوله {ولا تقم على قبره}: لدفن أو زيارة. قاله السيوطي في تفسير الجلالين. قال الإيجي: لا تقف تستغفر، أو تدع له أو لا تتول دفنه. قلت ( عبدالرحيم ): وقد كان من هدي النبي – ﷺ – إذا مات أحد وقف على قبره، وأمر بالدعاء له، وكان يذهب للمقابر يدعو لأهلها؛ فقد روى مسلم من طريق شريك وهو ابن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن عائشة،أنها قالت: كان رسول الله ﷺ - كلما كان ليلتها من رسول الله صلىالله عليه وسلم - يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا، مؤجلون،وإنا، إن شاء الله، بكم لاحقون، اللهم، اغفرلأهل بقيع الغرقد»، وعن عثمان بن عفان قال: كان النبي ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت فإنه الآن يسأل. رواه أبو داود (3221) من طريق عبد الله بن بحير عن هانئ مولى عثمان. وصححه الألباني ( صحيح الجامع: 3511 ). انتهى قوله {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}: " فاسقون": يعني كافرون. قال السمرقندي: يعني: ماتوا على الكفر. قلت ( عبدالرحيم ): الفسق هنا بمعنى الكفر؛ إذ أن كل كفر فسق، ولا عكس. فمما جاء في "الفسق" ومعناه الكفر؛ قوله تعالى ( وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ): قال يحيى بن سلام في تفسيره: يقول: من أقام على كفره بعد هذا الذي أنزلت: {فأولئك هم الفاسقون}: يعني فسق الشرك. وقوله ( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ): قال ابن عطية في المحرر الوجيز: المراد بالفاسقين هنا: الكافرون، لأن كفر آيات الله تعالى هو من باب فسق العقائد، فليس من باب فسق الأفعال.
قلت: ومما جاء فيما دون الكفر؛ الفسق الأصغر؛ قوله تعالى ( وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: الفسوق في هذا الموضع المعصية.
ومنه ( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ): قال محمد عزة دروزة في التفسير الحديث: فسوق: أي عصيان، وإثم. قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: وهو معصية الله المعبر عنها بالفسوق. انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
( وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)) التوبة نكتة: هذه الآية قد سبق نظيرتها؛ في السورة ذاتها؛ أعني قوله تعالى ( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) التوبة: 56 قال القرطبي: كرره تأكيدا . قلت ( عبدالرحيم ): يجب العلم بأن التكرار في القرآن ليس بتكرار محض؛ بل له فوائد؛ - أدركت ذلك أم لا- ؛ قد أفردها العلماء بالبحث والتصنيف؛ أعني" التكرار في القرآن، وفوائده"، وراجع في ذلك - إن شئت ( الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي - رحمه الله -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 14/408 ):
وليس في القرآن تكرار محض بل لا بد من فوائد في كل خطاب. فـ " المتشابه " في النظائر المتماثلة. و " المثاني " في الأنواع. وتكون التثنية في المتشابه أي هذا المعنى قد ثني في القرآن لفوائد أخر.
قال السيوطي في اتقانه: النوع الرابع- التكرير وهو أبلغ من التأكيد وهو من محاسن الفصاحة خلافا لبعض من غلط. وله فوائد: منها التقرير وقد قيل: الكلام إذا تكرر تقرر وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله: {وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا.} ومنها التأكيد، ومنها زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ومنه: ... إلى آخر ما ذكر - رحمه الله -. قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي؛ المعروف بالقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم، كما تقول: والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله. قال أكثر أهل المعاني: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز، لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد، قال الله تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان. فويل يومئذ للمكذبين. كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون. وفإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا. كل هذا على التأكيد. قال ابن قتيبة: من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز لأن افتنان المتكلم والخطيب في الفنون أحسن من اختصاره في المقام على فن واحد، يقول القائل: والله لا أفعله، ثم والله لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع من أن يفعله، كما تقول: والله أفعله، بإضمار «لا» إذا أراد الاختصار، ويقول القائل للمستعجل: اعجل اعجل، وللرامي: ارم ارم، قال الشاعر: كم نعمة كانت له وكم وكم... حكاه ابن الجوزي في زاد المسير . قال الواحدي في البسيط: قال أهل المعاني: (إنما كرر هذه الآية للبيان عن قوة هذا المعنى فيما ينبغي أن يحذر منه مع أنه للتذكير به في موطنين يبعد أحدهما عن الآخر فتجب العناية بأمره، قالوا: ويجوز أن يكون في فريقين من المنافقين، فيجري مجرى قول القائل: (لا تعجبك حال زيد، لا تعجبك حال عمرو) (6). انتهى قوله ( وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا ): يقول لا تحسبنّ تمكين أهل النّفاق من تنفيذ مرادهم، وتكثير أموالهم إسداء معروف منّا إليهم، أو إسباغ إنعام من لدّنا عليهم، إنما ذلك مكر بهم، واستدراج لهم، وإمهال لا إهمال. وسيلقون غِبّه(1) عن قريب. قاله القشيري في لطائف الإشارات. قلت ( عبدالرحيم ): ولما كان من دأب المنافقين أن يخادعوا الله، وأهل الإيمان بظاهرهم، والمبالغة في إخفاء كفرهم وعداوتهم؛ كما في قوله تعالى ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )؛ حذر الله بعدم الاغترار بهم؛ في غير ما آية؛ كما في الآيتين التين نحن بصددهما؛ فقال ( وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ )، وقال ( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ). فليحذر أهل الإيمان من المنافقين أعداء الدين، من الذين قال الله فيهم ( هم العدو فاحذرهم )، ولا تصغوا لحديثهم عامة، وفي منابرهم - قنوات البث - خاصة؛ وإن زخرفوه بزخرف القول غرورا. انتهى قال الطاهر بن عاشور؛ في التحرير والتنوير: الخطاب للنبيء ﷺ والمقصود به المسلمون، أي لا تعجبكم، والجملة معطوفة على جملة النهي عن الصلاة عليهم . قال الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: ولا تعجبك، يا محمد، أموالُ هؤلاء المنافقين وأولادهم، فتصلي على أحدهم إذا مات وتقوم على قبره، من أجل كثرة ماله وولده, فإني إنما أعطيته ما أعطيته من ذلك لأعذبه بها في الدنيا بالغموم والهموم, بما ألزمه فيها من المؤن والنفقات والزكوات، وبما ينوبه فيها من الرزايا والمصيبات. قوله ( وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُون ): «وَتَزْهَقَ» تهلك وتبطل. قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن. قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معناه، وتخرج أنفسهم أي يغلظ عليهم المكروه حتى تزهق أنفسهم. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: وتزهق يقول وتذهب أنفسهم كفارا يعني يموتون على الكفر فذلك قوله: وهم كافرون. قال الطبري: يقول: وليموت فتخرج نفسه من جسده، فيفارق ما أعطيته من المال والولد، فيكون ذلك حسرة عليه عند موته، ووبالا عليه حينئذٍ، ووبالا عليه في الآخرة، بموته جاحدًا توحيدَ الله، ونبوةَ نبيه محمد ﷺ. _ _ _ _ (1) غبه: يقال: إن لهذا الأمْرِ مَغَبَّةٌ طيِّبةُ، أي: عاقبة. قاله الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس، وبه قال سَلَمة بن مُسْلِم الصُحاري في الإبانة في اللغة.
{وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِين}[التوبة:86] قوله {وإذا أنزلت سورة}: أي طائفة من القرآن. قاله الجلال السيوطي في الجلالين. قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: ويجوز أن يراد بعض السورة وأن يراد تمامها وقيل هي هذه السورة. قال الطبري: وإذا أنـزل عليك، يا محمد، سورة من القرآن، بأن يقال لهؤلاء المنافقين. وقال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: سورة براءة. قال الزمخشري في الكشاف: يجوز أن يراد السورة بتمامها، وأن يراد بعضها في قوله وإذا أنزلت سورة كما يقع القرآن والكتاب على كله وعلى بعضه؛ لأن فيها الأمر بالإيمان والجهاد. وبه قال الفخر الرازي في التفسير الكبير. قوله {أن آمنوا بالله}: أي بأن آمنوا. قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن. قال القرطبي: و( أن ) في موضع نصب؛ أي بأن آمنوا . قال العز بن عبدالسلام في تفسيره ( اختصار النكت والعيون للماوردي ): دوموا على الإيمان، أو افعلوا فعل المؤمن، أو أمر المنافقين أن يؤمنوا باطناً كما آمنوا ظاهراً. قوله {وجاهدوا مع رسوله}: يقول: اغزوا المشركين مع رسول الله ﷺ. قاله الطبري. قوله {استأذنك}: في القعود، والتخلف عن الغزو معك؛ وليس لهم ذلك؛ لأنهم ليسوا بأصحاب أعذار. قوله {أولو الطول منهم}: أي أولو الغنى والمال الكثير. قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط. قال السمعاني في تفسيره: الطول: هو السعة والغنا بإجماع المفسرين، وقيل: إنه إنما سميت السعة طولا؛ لأن الإنسان يتطاول بها الناس. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ): ذِي الطَّوْلِ: قال غلام ثعلب في الياقوتة: أي: الغنى والفضل. وقال الواحدي في الوجيز: الغنى والسعة. وقال التستري في تفسيره: ذي الغنى عن الكل. وقال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معناه ذي الغنى والفضل والقدرة. ومنه ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ): طَوْلًا: أي غنى. قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، وبه قال السمرقندي، وبه قال برهان الدين الكرماني المعروف بتاج القراء في غرائب التفسير وعجائب التأويل ؛ وزاد: وسعة. وقال البغوي: أي: فضلا وسعة. قال ابن الجوزي في زاد المسير: «الطول»: الغنى والسعة في قول الجماعة. وقال الواحدي في البسيط: الطول الغناء والسعة والقدرة، يقال: فلان ذو طول أي: ذو قدرة في ماله، يراد بالقدرة ههنا: القدرة على المهر. قوله {وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين}: يعني: مع القاعدين عن الجهاد. قاله السمعاني. قال الإيجي: أي: النساء، جمع خالفة، أي: بحيث لا يتحرزون عن هذا العار. المعنى الإجمالي للآية ( المختصر في تفسير القرآن ): وإذا أنزل الله سورة على نبيه محمد - ﷺ - متضمنة للأمر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله طلب الإذن في التخلف عنك أصحاب الغنى واليَسَار منهم، وقالوا: اتركنا نتخلف مع أصحاب الأعذار كالضعفاء والزَّمْنَى.
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُون} [التوبة:87] قوله {رضوا}: يعني المنافقين. قوله {بأن يكونوا مع الخوالف}: يعني النساء. قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والبغوي في تفسيره، وبه قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والسيوطي في الجلالين، والواحدي في الوجيز، ومكي في كتابيه ( الهداية إلى بلوغ النهاية، وتفسير المشكل ). قال ابن أبي زمنين: يعني: النساء؛ في تفسير العامة. قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والخالفة: عمود الخيمة المتأخر، ويكنى بها عن المرأة لتخلفها عن المرتحلين، وجمعها خوالف، قال: (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف )، ووجدت الحي خلوفا، أي: تخلفت نساؤهم عن رجالهم. قال السيوطي في الجلالين: جمع خالفة أي: النساء اللاتي تخلفن في البيوت. قال مكي في الهداية: أي مع النساء اللواتي لا فرض عليهن في الجهاد، جمع خالفة. قال الزجاج: وقد يجوز أن يكون جمع خالفة في الرجال. وقيل: هم أدنياء الناس وسفلتهم. حكاه السمعاني في تفسيره. قال ابن قتيبة في غريب القرآن: ويقال: هم خساس الناس وأدنياؤهم. يقال: فلان خالفة أهله: إذا كان دونهم. قوله {وطبع على قلوبهم}: أي ختم. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، ومكي في الهداية، والسمرقندي، والسمعاني. وزاد أبو عبيدة: ومنه قولهم: ضع عليه طابعا، أي خاتما. قال مقاتل بن سليمان: يعني وختم على قلوبهم بالكفر. قال ابن كثير: أي بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل الله. قلت ( عبدالرحيم ): ونظيرتها فيما أنزل في المنافقين؛ قوله تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ): أي ختم. وقوله؛ في إخوانهم اليهود ( وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ): أي ختم. قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: كقوله ختم الله على قلوبهم. قلت ( عبدالرحيم ): يشير رحمه الله؛ إلى قوله تعالى ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ): قال الكفوي في الكليات: طبع عليها. وبه قال ابن عباس: طبع الله على قلوبهم. حكاه عنه نافع ابن الأزرق في غريب القرآن في شعر العرب ((مسائل نافع بن الأزرق لعبد الله بن عباس - رضي الله عنه وعن أبيه)). قال ابن قتيبة في غريب القرآن: بمنزلة طبع الله عليها. والخاتم بمنزلة الطابع. وإنما أراد: أنه أقفل عليها وأغلقها، فليست تعي خيرا ولا تسمعه. وأصل هذا: أن كل شيء ختمته، فقد سددته وربطته. قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: معنى ((ختم)) _ في اللغة _ و ((طبع)) : واحد وهو التغطية على الشيء، والاستيثاق منه، لئلا يدخله شيء. قلت (عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) "يَخْتِمْ": أي إن يشأ الله يطبع على قلبك؛ إن افتريت عليه؛ وكأن الله قال: ليس ما جاءكم به_محمد ﷺ_ بمفترى؛ إذ لو كان كذلك وافتراه _ وحاشاه_؛ لختمت على قبله؛ أي طبعت. وهذا كقوله ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ): قال ابن كثير: أي : محمد ﷺ لو كان كما يزعمون مفتريا علينا ، فزاد في الرسالة أو نقص منها ، أو قال شيئا من عنده فنسبه إلينا ، وليس كذلك ، لعاجلناه بالعقوبة . قال مكي في الهداية: أي يطبع على قلبك فتنسى هذا القرآن يا محمد، قاله قتادة والسدي. وقال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: ينسك القرآن. قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والختم على القلب: ألا يفهم شيئا ولا يخرج منه شيء، كأنه طبع. قوله {فهم لا يفقهون}: لا يفهمون عن الله، وما أعده لأهل الإيمان؛ الذين صدقوا الله في جهادهم مع نبيه ﷺ، وما أعده من العذاب لمن نكل عن ذلك. ومنه قوله تعالى ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ ): أي ما نفهم ذلك. قاله الألوسي في روح المعاني. فمعنى قوله تعالى{فهم لا يفقهون}: أي لا يفهمون الإيمان، وشرائعه، وأمر الله، ولا يفهمون ما فيه صلاحهم، ولا ما فيه هلاكهم، في الدارين. قال السمرقندي في بحر العلوم: ويقال: لا يعلمون ثواب الخروج إلى الجهاد. قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي لا فقه لهم يعرفون به ما في الجهاد من العز والسعادة في الدارين، وما في التخلف من الشقاء والعار فلذلك لا يجاهدون، فلا شيء أضر من هذه الأموال والأولاد التي أبعدت عن الممادح وألزمت المذام والقوادح، فقد اكتنفت آية الأموال في أول قصة وآخرها ما يدل على مضمونها. المعنى الإجمالي للآية ( المختصر في تفسير القرآن الكريم ): رَضِي هؤلاء المنافقون لأنفسهم الذلة والمهانة حين رَضُوا أن يتخلفوا مع أصحاب الأعذار، وختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم ونفاقهم، فهم لا يعلمون ما فيه مصلحتهم.
﴿لكِنِ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ جاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم وَأُولئِكَ لَهُمُ الخَيراتُ وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَأَعَدَّ اللَّهُ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ [التوبة: 88-89] قال أبو حيان الأندلسي في "البحر المحيط" : والمعنى: إن تخلف هؤلاء المنافقون فقد توجه إلى الجهاد من هو خير منهم وأخلص نية. كقوله تعالى: فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين. قال النسفي في "مدارك التنزيل": أي إن تخلف هؤلاء فقد نهض إلى الغزو من هو خير منهم. قلت ( عبدالرحيم ): لما ذكر الله حال المنافقين_ شر من وطيء الثرى_ حينما دعوا إلى الإيمان بالله، والجهاد في سبيله؛ فأبوا إلا الكفر؛ نعت صنفا من الناس؛ هم أكرم الخلق على الله بعد المصطفين الأخيار؛ أعني قرة العين الصحابة رضي الله عنهم؛ حينما دعوا إلى الله، والجهاد في سبيل الله؛ فقال مخبرا عنهم: {لكن الرسول والذين آمنوا معه}: يعني الرسول، وأصحابه_ رضي الله عنهم أجمعين _ وهذه شهادة من الله لهم؛ ولا غرو فقد شهد لهم ربهم قبل أن يُخلقوا: فإياك بغير الخير تذكرهم؛ فتلقى ربك وهو عليك ساخط غضبا؛ فهم من نصر الله بهم الملة. قال الله تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ): قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم": ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك - رحمه الله ، في رواية عنه - بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة ، قال : لأنهم يغيظونهم ، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية . ووافقه طائفة من العلماء على ذلك . والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة ، ويكفيهم ثناء الله عليهم ، ورضاه عنهم . قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله . فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين ، وأبطل شرائع المسلمين...انتهى وقال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ): قال ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم": فعلم ما في قلوبهم: أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة " انتهى روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه». قال أبو عبيد: معناه لم يدرك مد أحدهم إذا تصدق به ولا نصف المد ، فالنصيف هو النصف هنا . وكذلك يقال للعشر عشير ، وللخمس خميس ، وللتسع تسيع ، وللثمن ثمين ، وللسبع سبيع ، وللسدس سديس ، وللربع ربيع . ولم تقل العرب للثلث ثليث. حكاه القرطبي. قال الطحاوي في "بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة": وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. انتهى فمن قال فيهم بخلاف ما قال فيهم الله ورسوله؛ من الفضل، والإحسان؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ومن طعن فيهم فهو ملحد زنديق، ومن قال فيهم بغير الجميل؛ فطرحه الله في النار. قال شمس الأئمة السرخسي في "أصول السرخسي": فَمن طعن فيهم فَهُوَ ملحد منابذ لِلْإِسْلَامِ دواؤه السَّيْف إِن لم يتب. قال أبو بكر الخلال في" السنة": وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد، قال: سمعت أبا عبد الله، قال: " من شتم أخاف عليه الكفر مثل الروافض، ثم قال: من شتم أصحاب النبي ﷺ لا نأمن أن يكون قد مرق عن الدين ". وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق، لأن الرسول ﷺ عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة). رواه أبو بكر ابن العربي بسنده في "العواصم من القواصم". وقال أبو نعيم الأصبهاني في " الإمامة والرد على الرافضة ": فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله - ﷺ - وزللهم، ويحفظ عليهم ما يكون منهم في حال الغضب والموجدة إلا مفتون القلب في دينه.
انتهى.
ثم أخبر الله عز وجل أن أصحاب رسول الله ﷺ بذلوا النفس، والمال في إعلاء كلمة الله، ونشر دينه في الأرض؛ ولولاهم لما عبد الله في الأرض بقوله: {جاهدوا بأموالهم وأنفسهم}: وهم راغبين؛ في الله ورسوله؛ ولم يضنوا ( يبخلوا ) بجليل ما يملكونه. قوله {وأولئك لهم الخيرات}: يعني الحسنات. قاله البغوي في معالم التنزيل، والثعلبي في الكشف والبيان، والسمرقندي في بحر العلوم. قال السيوطي في تفسير الجلالين: في الدنيا والآخرة. قال القرطبي: فالمعنى لهم منافع الدارين. قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: المعنى: هؤلاء لهم خيرات الآخرة ونعيمها.وواحد {الخيرات}، " خيرة " مخففة، و " خيرات " كل شيء، أفضله. قال ابن عطية في "المحرر الوجيز": والخيرات جمع خيرة وهو المستحسن من كل شيء، وكثر استعماله في النساء، فمن ذلك قوله عز وجل: فيهن خيرات حسان. وبه قال أبو حيان في البحر. وقيل: المراد بها الغنائم من الأموال والذراري. وقيل: أعد الله لهم جنات، تفسير للخيرات إذ هو لفظ مبهم. حكاه في البحر. قوله {وأولئك هم المفلحون}: أي الفائزون بكل مطلوب. قاله النسفي. قال مكي: أي الباقون في النعيم، المخلدون فيه.وأصل " الفلاح ": البقاء في الخير، وقولهم: " حي على الفلاح " أي: تعالوا إلى الفوز، يقال: " أفلح الرجل "، إذا فاز وأصاب خيرا. انتهى قوله {أعد الله لهم}: أي لا لغيرهم. قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. قوله {جنات}: أي بساتين. قاله صديق حسن خان في" فتح البيان في مقاصد القرآن". قال القرطبي: والجنات: والبساتين. قوله {تجري من تحتها الأنهار}: تجري من تحت أشجارها الأنهار. قاله الطبري. قوله {خالدين فيها}: أي لابثين فيها أبدا. قاله مكي. قلت( عبدالرحيم ): قوله {خالدين فيها}: فيه تعريض بفناء الدنيا، وسرعة زوالها؛ فليس للعبد أن يغتر بها في أمره عامة، وإذا دعي إلى الجهاد في سبيل الله خاصة؛ فهؤلاء تركوا أمر الله فهلكوا؛ قال تعالى ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ )؛ ولكن كما قال ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ). قوله {ذلك}: أي الأمر العالي الرتبة. قاله البقاعي. قوله { الفوز العظيم}: أي لا غيره. قاله البقاعي. قال السمرقندي: يعني: النجاة الوافرة والثواب الجزيل. انتهى والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
{وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[التوبة:90] قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: ولما ذكر أحوال المنافقين الذين بالمدينة شرح أحوال المنافقين من الأعراب. قوله {وجاء المعذرون}: المقصرون. قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وبيان الحق النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن، وحكاه غلام ثعلب عن ثعلب في ياقوتة الصراط، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن. وزاد بيان الحق: يظهرون عذرا ولا عذر. وزاد أبو حيان: يوهمون أن لهم عذرا. وبنحوه ابن الهائم. قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والمعذر: من يرى أن له عذرا ولا عذر له. قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي المبالغون في إثبات الخفايا من الأعذار المانعة لهم من الجهاد - بما أشار إليه الإدغام، وحقيقة المعذر أن يتوهم أن له عذرا ولا عذر له، والعذر: إيساع الحيلة في وجه يدفع ما ظهر من التقصير. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي من معذّر، وليس بجادّ إنما يظهر غير ما في نفسه ويعرض ما لا يفعله. قال ابن قتيبة في غريب القرآن: الذين لا يجدون إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه. يقال: عذرت في الأمر إذا قصرت وأعذرت حذرت. قال السمعاني في تفسيره: واعلم أن هذه الآية نزلت في المنافقين، وقد اعتذروا ولم يكن لهم عذر. قال عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره: أي: جاء الذين تهاونوا، وقصروا منهم في الخروج لأجل أن يؤذن لهم في ترك الجهاد، غير مبالين في الاعتذار لجفائهم وعدم حيائهم، وإتيانهم بسبب ما معهم من الإيمان الضعيف. وقيل: المعذرون: من كانوا لهم عذر؛ وهم صادقين فيه. قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: واختلف هل كانوا في اعتذارهم صادقين أو كاذبين... قال ابن كثير في تفسيره: قال الضحاك ، عن ابن عباس : إنه كان يقرأ : " وجاء المعذرون " بالتخفيف ، ويقول : هم أهل العذر . وكذا روى ابن عيينة ، عن حميد ، عن مجاهد سواء .قال ابن إسحاق : وبلغني أنهم نفر من بني غفار منهم : خفاف بن إيماء بن رحضة .وهذا القول هو الأظهر في معنى الآية ؛ لأنه قال بعد هذا : ( وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ) أي : لم يأتوا فيعتذروا . قال السعدي: ويحتمل أن معنى قوله: {الْمُعَذِّرُونَ} أي: الذين لهم عذر، أتوا إلى رسول الله ـ ﷺ ـ ليعذرهم، ومن عادته أن يعذر من له عذر. (فائدة): قال الفراء في معاني القرآن: وهو في المعنى المعتذرون، ولكن التاء أدغمت عند الذال فصارتا جميعا (ذالا) مشددة، كما قيل يذكرون ويذكر. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يا أيها المزمل ): قال الأخفش في معاني القرآن: والأصل: المتزمل، ولكن أدغمت التاء في الزاي و {المدثر} مثلها. قوله {من الأعراب}: سكان البادية وهم أخص من العرب إذ العربي من تكلم باللغة العربية سواء كان يسكن البادية أو الحاضرة. قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن. والمعنى: وجاء المعتذرون من الأعراب إلى النبي – ﷺ: قوله {ليؤذن لهم} يعني: في القعود. قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره. قال صديق خان: أي لأجل أن يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتخلف عن الغزو. قوله {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله}: في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار. قاله السيوطي. قوله {سيصيب}: أي بوعد لا خلف فيه. قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. قوله {الذين كفروا منهم}:يعني المنافقين من الأعراب. قوله {عذاب أليم}يعني وجيع. قاله مقاتل بن سليمان. قال أبو السعود في تفسيره: بالقتل والأسر في الدنيا والنار في الآخرة. قلت ( عبدالرحيم ): وحاصل ما ذُكر: أن الأعراب انقسموا في أمر استئذانهم إلى فريقين: الأول: فريق جاءوا معتذرين يستأذنوا رسول الله في التخلف؛ والله أعلم بحالهم في دعواهم. قال أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير: جاءوا يطلبون الإذن من رسول الله ﷺ بالتخلف بدعوى الجهد والمخمصة، وقد يكونون معذورين حقا وقد لا يكونون كذلك. انتهى كلامه. والثاني: فريق تبجح بالتخلف، ولم يرفعوا رأسا بأمر الله ورسوله، ولم يكلفوا أنفسهم اعتذارا؛ ولو ظاهرا؛ لذلك توعدهم الله بالعذاب الأليم صراحة؛ كما قعدوا صراحة. قال الواحدي في الوسيط: قال أبو عمرو بن العلاء: كلا الفريقين كان مسيئا: جاء قوم فعذروا، وجنح آخرون فقعدوا. يريد أن قوما تكلفوا عذرا بالباطل، فهم الذين عناهم الله بقوله: وجاء المعذرون، وتخلف آخرون من غير تكلف عذر وإظهار علة، جرأة على الله ورسوله، وهو قوله: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} يعني: لم يصدقوا في إيمانهم، وهم المنافقون. انتهى كلامه قلت: وهنا نكتة: إن كان ولا بد من اقتراف الذنب فلا يكون عيانا جهارا بتبجح؛ فيطلع عليه الناس، فإن كان ولابد فلا يظهره. وفيه أن خطر الذنوب في ذاتها، وفي عقابها يتفاوت. فإن قلت: إذا كنت تشير إلى أن الاستترار بالمعصية خير من إظهارها؛ فما تقول في المنافق الذي يدعي الإسلام وقد ستر الكفر وهو أشر من الكافر الذي أظهر كفره؟! قلت: هذا في شأن الدنيا؛ لنا ظاهر الخلق، وسرائرهم في الآخرة إلى الله الذي لا يخفى عليه شيء - جل ذكره -.
{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[التوبة:91] بعد أن ذكر الله عز وجل طائفة من الذين تخلفوا عن رسول الله، وما توعدهم به؛ رخص لطائفة من الناس في القعود، والتخلف عنه؛ شريطة أن ينصحوا لله ورسوله ﷺ. وهذا هدي القرآن؛ إن ذكر الوعد يذكر الوعيد، والعكس؛ يذكر ما أعد الله لأهل الجنان ويذكر ما أعد لأهل النيران؛ إن ذكر نعيم الجنة، ذكر عذاب النار.ودواليك، وهو التنزيل كثير؛ وسيأتي في ثنايا تفسيرنا ( إن شاء الله ). وكذا كان دأب رسول الله ﷺ في دعوته إلى الله عز وجل؛ ولا غرو؛ «فإن خلق نبي الله ﷺ كان القرآن» رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وعن أبيها. وكان رسول الله ﷺ إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره، قال: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا» رواه مسلم (1732) من طريق زيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى. ورواه البخاري (3038) بلفظ: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا». انتهى قوله {ليس على الضعفاء}: يعني العجزة الذين لا قوة لهم. قاله يحيى بن سلام في التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه. وحكاه ابن أبي زمنين عن السدي. قال الواحدي في الوجيز: كالشيوخ. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ): إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ: أي: قال الطبري: وهم العجزة عن الهجرة؛ بالعُسْرة، وقلّة الحيلة، وسوء البصر والمعرفة بالطريق من أرضهم أرضِ الشرك إلى أرض الإسلام. قوله {ولا على المرضى}: يعني: من كان به مرض. قاله ابن أبي زمنين في تفسيره. قال الواحدي في الوجيز: كالعمي والزَّمنى.(1) قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي المرض في التنزيل على عدة معان: الأول: مرض الشك: وهو أعظم الأمراض؛ إذ به يخلد صاحبه في النار؛ أعني مرض الشك؛ ومنه قوله تعالى ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ): "مَرَضٌ": قال الشوكاني في فتح القدير، والثعلبي في الكشف: شك. قال الطبري في تفسيره: أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شك في دينهم. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: أيظن أهل النفاق، والشك، أن لن يخرج الله أضغانهم يعني: لم يظهر الله نفاقهم. قال الألوسي في روح المعاني: المنافقون فانالنفاق مرض قلبى كالشك ونحوه. وقوله ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ): "مَرَضٌ": قال الواحدي في الوجيز: شك. قال البغوي في تفسيره، والثعلبي في الكشف، والقرطبي في تفسيره: شك، ونفاق. وزاد الثعلبي: قاله أكثر المفسرين. ومنه ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ): "مَرَضٌ": قال الواحدي في البسيط، والسمرقندي في البحر: أي شك. وزاد الواحدي: ونفاق. ومنه ( فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ): قال القرطبي في تفسيره: شك ونفاق. قال الطبري: رأيت الذين في قلوبهم شك في دين الله وضعف. ومنه ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ): قال ابن أبي زمنين: شك. قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: قال أبو عيدة: معناه شك ونفاق، والمرض في القلب يصلح لكل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين. ومنه ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ): قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي شك وهم المنافقون. ومنه ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ): قال الواحدي في الوجيز، والثعلبي في الكشف:: شك ونفاق. وزاد الثعلبي: ومنه يقال: فلان يمرضفي الوعد إذا لم يصححه، وأصل المرض: الضعف والفتور. فسمي الشك في الدين والنفاق [مرض به] يضعف البدن وينقص قواه ولأنه يؤدي إلى الهلاك بالعذاب، كما أن المرض في البدن يؤدي إلى الهلاك والموت. {فزادهم الله مرضا}: شكا ونفاقا وهلاكا. الثاني: مرض البدن؛ ومنه قوله تعالى ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ). ومنه ( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ). ومنه (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ). ومنه ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ). ومنه ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ). الثالث: مرض الفجور؛ ومنه قوله تعالى (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ): قال السمرقندي في البحر: يعني: فجوز. وقال عكرمة هو شهوة الزنى. انتهى قوله {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون}: في الجهاد. قاله الواحدي في الوجيز. قوله {حرج}: إثم. قال ابن أبي زمنين: إثم في التخلف عن الغزو. قال الواحدي في الوجيز. إثم في التخلف عنه. وقال مقاتل بن سليمان في تفسيره: في القعود. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: لا إثم عليهم. قلت ( عبدالرحيم ): فمعنى قوله تعالى (حرج ): أي إثم؛ أي ليس على هؤلاء المذكورين في قعودهم عن الجهاد إثم في تخلفهم. والحرج: يأتي في التنزيل على معان عدة: ومن هذه المعاني: الضيق: ومنه قوله تعالى ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ): قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: بخذلانه إياه، وغلبة الكفر عليه. والحرج: أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذه من شدة ضيقه شيء "، وهو - هنا - الصدر الذي لا تصل إليه موعظة، ولا يدخله نور الإيمان، وأصل (حرجا) أنه جمع " حرجة " وهي الشجرة الملتف بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء من شدة التفافها. ومنه ( ما يريد الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ): قال ابن أبي زمنين: أي: من ضيق.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني ضيق في أمر دينكم إذ رخص لكم فى التيمم.
ومنه ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ): قال يحيى بن سلام في تفسيره، والزجاج في معانيه: من ضيق. ومن معاني " الحرج" الإثم: كما في الآية التي نحن بصددها، وقوله ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ): حَرَجٌ: قال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره: أي إثم.
ومنه ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ): قال الطبري: من إثم. ومنه ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ... ): ومن معاني "الحرج": الشك: ومنه قوله تعالى (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ): يعني الشك. بلغة قريش. ذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات. وهو قول ابن قتيبة في غريب القرآن. ومنه ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ): قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقول لا يجدون فِي قلوبهم شكا مما قضيت أَنَّهُ الحق. وقيل: ضيقا. انتهى قوله {إذا نصحوا لله ورسوله}: في مغيبهم. قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والثعلبي في الكشف والبيان. وزاد مكي: عن الجهاد. قال الواحدي في الوجيز: في حال قعودهم بعدم الإرجاف والتثبيط والطاعة. قال السيوطي: أخلصوا أعمالهم من الغش لهما. وقيل: إذا قاموا بحفظ المخلفين من الذراري والمنازل. حكاه الماوردي في النكت والعيون. قال القشيري في لطائف الإشارات: وإنّما رفع الحرج عن أولئك بشرط وهو قوله: «إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» فإذا لم يوجد هذا الشرط فالحرج غير مرتفع عنهم. قلت ( عبدالرحيم ): وكذلك يرفع الحرج عن من تخلف بأمر الإمام كما تخلف علي رضي الله عنه عن الغزو بأمر رسول الله ﷺ. فقد خرج مسلم من طريق مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص، قال: خَلَّفَ رسولُ الله ﷺ علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي» انتهى قوله {ما على المحسنين}: بذلك. قاله الواحدي في الوجيز. قوله {من سبيل}: طريق بالمؤاخذة. قاله الواحدي في الوجيز. قال القشيري: المحسن الذي لا تكون للشرع منه مطالبة لا في حقّ الله ولا في حقّ الخلق. قلت ( عبدالرحيم ): وهذا كلام في غاية الحسن والدقة؛ من القشيري - رحمه الله - ( أحسب )؛ فقوله "لا في حقّ الله ولا في حقّ الخلق " لأن المرء إذا تخلف عن الغزو وبقي؛ قد يفسد فسادا عظيما؛ كأن يدل على عورة الجيش، أو يؤذي المجاهدين في نساءهم، وأولادهم، وأموالهم، وإذاعة الكذب . إلى غير ذلك مما يقع ممن لا خلاق لهم؛ من أعداء الإسلام، وأهله؛ من منافقي هذه الامة – قاتلهم الله -. سيما إذا لم يبقى بالقرى أحد، أو قلة ؛ وما غزوة أحد عنا ببعيد؛ فقد خرج النبي واستخلف ابن أم مكتوم، وليس بالمدينة أحد. وقيل: غير ابن أم مكتوم. كما هو معلوم في موضعه.
ونظير ذلك لما خرج موسى لميقات ربه، وخلف هارون في قومه؛ كما قال تعالى ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ): فالشاهد قوله" وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ": قال الزمخشري في الكشاف: كن خليفتي فيهم وأصلح وكن مصلحا. أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بنى إسرائيل، ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه.انتهى قال السمرقندي: يعني: ليس على الموحدين المطيعين من حرج، إذا تخلفوا بالعذر. قال السيوطي: من طريق بالعقاب لأنه قد سد طريقه بإحسانه. قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي السبيل في القرآن على وجوه؛ أذكر طرفا منها: يأتي بمعنى الطريق:
ومنه قوله تعالى ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )قال ابن الجوزي في زاد المسير إلى علم التفسير: أي: من طريق
إلى لوم ولا حد، ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ): أي يبتدئون بالظلم. ومنه قوله تعالى على لسان موسى ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ): قال التستري في تفسيره: أي يرشدني قصد الطريق إليه. ويأتي بمعنى المسلك: ومنه قوله تعالى ( تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً ): قال القاسمي في محاسن التأويل: وَساءَسَبِيلًا أي بئس مسلكا. ونظيرتها في الإسراء. ويأتي بمعنى المخرج: ومنه قوله تعالى ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ): قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني مخرجا من الحبس وَهُوَ الرجم. وبنحوه الطبري: يعنى مخرجا من الحبس باقامة الحد. ... إلخ. لأنه ثم معاني أخرى للحرج في التنزيل؛ لم أذكرها لضعف الهمة_ يغفر الله لي ولكم؛ إنه سميع مجيب_. انتهى قوله {والله غفور}: لهم بتخلفهم. قاله السمرقندي. وَاللَّهُ غَفُورٌ لهم بتخلفهم، رَحِيمٌ بهم. قوله {رحيم}: بهم. قاله السمرقندي. قال السيوطي: لمن كان على هذه الخصال. ........................ (1): الزَّمنى: الزّمن من الناس: من به علة باقية مع الزمان قد أبطلت جوارحه أو جارحة من جوارحه وجمعه زمني مثل مريض ومرضى. قاله الجُبّي في شرح غريب ألفاظ المدونة. وقال ابن سيده في " المحكم والمحيط الأعظم ":والزَّمانَةُ: العاهَةُ: زَمِنَ زَمَنَاً وزُمْنَةً وزَمَانَةً، فهو زَمِنٌ، والجَمْعُ: زَمِنُونَ، وهو زَمينٌ، والجَمْعُ: زَمْنَى؛ لأَنَّه جِنْسٌ للبلاَيا التي يُصابُونَ بها.
﴿وَلا عَلَى الَّذينَ إِذا ما أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم قُلتَ لا أَجِدُ ما أَحمِلُكُم عَلَيهِ تَوَلَّوا وَأَعيُنُهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدوا ما يُنفِقونَ إِنَّمَا السَّبيلُ عَلَى الَّذينَ يَستَأذِنونَكَ وَهُم أَغنِياءُ رَضوا بِأَن يَكونوا مَعَ الخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلوبِهِم فَهُم لا يَعلَمونَ﴾ [التوبة: 92-93] قوله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم}: أي ولا إثم؛ على النفر الذين أتوك لتحملهم معك إلى الغزو. قال البغوي في تفسيره: معناه: أنه لا سبيل على الأولين، ولا على هؤلاء الذين أتوك؛ وهم سبعة نفر. سُمّوا البكائين. قلت: أراد البغوي _ رحمه الله_ بقوله " الأولين": يعني المذكورين في قوله ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). قوله {لتحملهم}: لتجد لهم دواب يركبونها للجهاد. قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ومعنى قوله: "لتحملهم" أي على ظهر يركب ويحمل عليه الأثاث. قال الإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن: هم سبعة نفر من الفقراء التمسوا مراكب للمرافقة في الغزو. قلت ( عبدالرحيم ): (تنبيه): قيل: أن معنى قوله ( لتحملهم ): يعني الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة؛ لشدة الفاقة. قلت: وهذا بعيد؛ أفيترك أُسْد الحروب _ الصحابة رضي الله عنهم _ الغزو في سبيل الله من أجل فقدانهم النعال؟! كلا_ والله_: لقد كانوا يلقون بأنفسهم في العدو، بذلوا النفس رخيصة في ذات الله، وباعوها فاشترى تبارك وتعالى فلنعم الصفقة هي،
فأين غزوة ذات الرقاع؛ مشوا إلى الجهاد في الله، لينشروا دين الله في الأرض، وليعلوا كلمة الله؛ فسالت دماء أقدامهم؛ فضمدوها بالرقاع؛ فمن ثم سميت غزوة "ذات الرقاع".
قال ابن عطية في المحرر: وقال بعض الناس: إنما استحملوه النعال، ذكره النقاش عن الحسن بن صالح، وهذا بعيد شاذ. قلت: صدق_ رحمه الله_. انتهى قوله {قلت}: لهم يا محمد - ﷺ -. قوله {لا أجد ما أحملكم عليه}: من الركب. قاله الإيجي. قلت (عبدالرحيم ): فتأمل كيف كان خلق النبي ﷺ، وكرمه، وخفض جناحه؛ في رده وجوابه؛ جاء البكاؤون "لتحملهم". فرد بنحو ما ذكروا" لا أجد ما أحملكم عليه"؛ فلم يقل _ مثلا_: ليس عندي. قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وفي إيثار هذا التعبير على " ليس عندي " لطف في الكلام وتطييب لقلوب السائلين كأنه قال أنا أطلب ما تسألونه وأفتش عنه فلا أجده فأنا معذور. انتهى قوله {تولوا}: أي انصرفوا عنك؛ بعد جوابك لهم. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: انصرفوا. قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أى انصرفوا عنك لما قلت لهم لا أجد ما أحملكم عليه. قوله {وأعينهم تفيض}: "تفيض": تسيل. قاله ابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وصديق خان في فتح البيان، والسيوطي في الجلالين. قال أبو السعود في تفسيره: أي تسيل بشدة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى؛ في جماعة من النصارى أسلموا ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ): تَفِيضُ: تسيل. قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن. قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: تمتلئ دمعا، فينسكب. قال السمرقندي في البحر؛ في قوله تعالى {تولوا وأعينهم تفيض}: يعني: تسيل من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون في الخروج إلى الجهاد. وقال الواحدي في الوجيز: فانصرفوا باكين شوقا إلى الجهاد وحزنا لضيق ذات اليد. انتهى كلامه. قلت ( عبدالرحيم ): وفيه ثلاثة مسائل: الأولى: ما أفاده السمرقندي، وقاله الواحدي: "فانصرفوا باكين شوقا إلى الجهاد وحزنا لضيق ذات اليد". قلت: فيه منقبة لأصحاب رسول الله ﷺ؛ فانظر كيف كان شوقهم، وحرصهم على الجهاد في سبيل الله؛ لنشر دين الله في الأرض؛ ببذل أنفسهم في سبيل الله؛ فرضي الله عنهم أجمعين؛ فقد أدوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم؛ فجزاهم الله جمعيا عنا، والإسلام خير الجزاء. وقد سبق وذكرت شيئا من شمائلهم، وواجبهم علينا بحمد الله . الثانية: دأب أهل الإيمان؛ يبكون على ما فاتهم من تحصيل الأجر في الخيرات عامة، وما يفوتهم من أجر، وشرف القتال في سبيل الله خاصة؛ وذلك رغبة فيما عند الله، ولِما أعد الله للمجاهدين في سبيله، ولعلمهم أن النفس المؤمنة لابد وأن تشتهي الجهاد في سبيل الله؛ خوفا من النفاق؛ فقد قال رسول الله ﷺ قال: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق» خرجه مسلم (1910) من طريق عمر بن محمد بن المنكدر، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. الثالثة: قوله ( تولوا ): أي انصرفوا. قلت: ويأتي "التولي، أو التولية" في التنزيل على عدة معان: من ذلك ما يأتي بمعنى: الانصراف عن الشيء. وما يأتي بمعنى: الإعراض. وما يأتي بمعنى الاقبال. فمما ورد في معنى الانصراف: قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ): تَوَلَّوْا: قال سعيد بن جبير: الذين "تولوا منكم" يعني: الذين انصرفوا عن القتال منهزمين. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره. ومنه ( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ): قال ابن الجوزي في زاد المسير إلى علم التفسير: يقول: انصرف صالح عنهم بعد عقر الناقة. ومنه ( وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ): قال الأزهري في تهذيب اللغة: هي، هاهنا: انصراف. ومنه ( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ): قال النخجواني في الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية: "تولوا" أي انصرفوا واعرضوا عنه مدبرين بعد ما بالغوا. ومنه ( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ): قال محمد أمين الهرري في تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن: أي: انصرف عن المجلس، وفارق موسى، فرجع إلى أهله أي: مكره وسحره وحيله؛ أي: جمع ما يكاد به من السحرة وأدواتهم {ثم أتى} بهم الموعد، وأتى موسى أيضا. ويأتي بمعنى الإعراض؛ وهو كثير، وكثير جدا: فمن ذلك قوله تعالى ( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ): قال السمرقندي في بحر العلوم: "وتولى عنهم" يعني: أعرض عن بنيه وخرج عنهم. قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أعرض عنهم ورجع إلى التأسف. قال الواحدي في الوجيز: أعرض عن بنيه وتجدد وجده بيوسف. وأيضا قال الواحدي في البسيط: في البسيط: قال ابن عباس وغيره: أعرض عنهم. قال السمعاني في تفسيره: أي أعرض عن ولده أن يطيل معهم الخطب، وانفرد بحزنه. ومنه ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي: أعرضوا عن إجابتك ودعائك إياهم إلى الإيمان والتوحيد. ومنه ( ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ): تَوَلَّوْا: أي أعرضوا. قال السمرقندي في البحر: يعني: أعرضوا عنه ذاهبين إلى عيدهم. ومنه ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ): قال شهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي في حاشيته على تفسير البضاوي: التولي والإعراض واحد... ثم قال_ الشهاب_ وقال الراغب: وأنتم معرضون؛حال مؤكدة إذا جعلا شيئا واحدا. ... إلخ. ومما ورد في معنى الإقبال: قوله تعالى ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ): "فَوَلِّ وَجْهَكَ": قال الواحدي في البسيط: أي أقبل وجهك نحوه.
قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: أي: وَجِّه وجهك نحوه وتلقاءه. قال الراغب الأصفهاني في المفردات: ووَلَّيْتُ وجهي كذا: أقبلت به عليه.
ومنه (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ): قال السمرقندي في البحر، والواحدي في الوجيز، وابن قتيبة في غريب القرآن ، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي مستقبلها. إلا أن أبا بكر قال: أي قبلة هو مستقبلها، أي يولي إليها وجهه. انتهى قوله {من الدمع حزنا}: "من": للبيان. قاله السيوطي. قوله {ألا يجدوا ما ينفقون}: لأجل ألا يجدوا ما ينفقون في الخروج إلى الجهاد. أفاده السيوطي، والسمرقندي في بحر العلوم.
قال الزمخشري في الكشاف: لئلا يجدوا.
قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: {ألا يجدوا}: بيان لسبب الحزن. قوله {إنما السبيل}: يعني: إثم ترك الخروج. قال الإيجي: بالمعاتبة والعقوبة. قوله {على الذين يستأذنونك}: في التخلف. قاله أبو السعود في تفسيره. قوله {وهم أغنياء}: موسرون. يعني يستأذنونك في التخلف؛ ولهم سعة للخروج. قوله {رضوا}: يعني المنافقين. قوله {بأن يكونوا مع الخوالف}: أي النساء. وقد تقدم - بحمد الله - تفسير معناه مفصلا. قال السمعاني في تفسيره: الخوالف: النساء والصبيان؛ يقال: خالف وخوالف، كما يقال: فارس وفوارس، وهالك وهوالك. قوله {وطبع الله على قلوبهم}: أي ختم. قال ابن فارس في مجمل اللغة: وطبع الله على قلب الكافر، أي: ختم (الله عليه) فلم يوفق لخير. قال أبو الفيض الزبيدي في تاج العروس: يقال: طبع الله على قلب الكافر، أي ختم فلا يعي، ولا يوفق لخير، قال أبو إسحاق النحوي: الطبع والختم واحد، وهو التغطية على الشيء، والاستيثاق من أن يدخله شيء. قوله {فهم لا يعلمون}: التوحيد. قاله السمرقندي.
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[التوبة:94] قوله {يعتذرون}: يعني المنافقين؛ يعتذرون بالأباطيل، والكذب في تخلفهم عن السفر للغزو معكم. قوله {إليكم}: وحدكم؛ لا إلى ربكم. وإنما الشأن أن يتوبوا إلى ربكم. قال الطبري في تفسيره: يعتذر إليكم، أيها المؤمنون بالله، هؤلاء المتخلفون خلاف رسول الله ﷺ، التاركون جهاد المشركين معكم من المنافقين، بالأباطيل والكذب، إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم. قوله {إذا رجعتم إليهم}: إليهم من غزوة تبوك.
قوله {قل}: لهؤلاء المنافقين؛ المتخلفين عن الغزو.
قوله {لا تعتذروا}: بالباطل والكذب؛ لأن الله حسيبكم؛ يعلم ما في أنفسكم؛ وليس الشأن ان تعتذروا إلينا؛ إنما الشأن أن تتوبوا إلى الله. وهذه دأب المنافين؛ يسعون لرضا الناس؛ هاجرين رضى ربهم. قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآي والسور: أي فإن أعذاركم كاذبة. قال الواحدي في البسيط: فدل على فساد عذرهم بقوله: {قل لا تعتذروا}. قوله {لن نؤمن لكم}: لن نصدقكم. قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان، والقرطبي في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والواحدي في الوجيز، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره، والنسفي في مداك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر. وزاد النسفي: وهو علة للنهي عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به. وزاد البقاعي: في شيء منها. وزاد مقاتل: بما تعتذرون. وزاد الطبري: على ما تقولون. قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( لن نؤمن لكم ): لن نصدقكم. ومنه قوله تعالى (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ):" بِمُؤْمِنٍ لَنَا ": أي بمصدق.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، واين قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب.
وزاد أبو عبيدة: ولا مقرّ لنا أنه صدق. ومنه ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ): " تُؤْمِنُوا": تصدقوا. قال ابن أبي زمنين في تفسيره: تصدقوا بعبادة الأوثان. قال الواحدي في الوجيز: تصدقوا ذلك الشرك. قال الطبري في تفسيره: يقول: وإن يجعل لله شريك تصدّقوا من جعل ذلك له. قال السمرقندي في بحر العلوم يعني: إذا دعيتم إلى الشرك، وعبادة الأوثان، تصدقوا. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني وإن يعدل به تصدقوا. قوله {قد نبأنا الله}: نبأنا" أي أخبرنا. قاله السمرقندي في بحر العلوم، والسيوطي في الجلالين، وبه قال الواحدي في الوجيز، ومكي في الهداية، والقرطبي في تفسيره. وزاد السيوطي: بأحوالكم . قال الإيجي الشافعي: (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ): بالوحي. قال الواحدي في الوجيز: أخبرنا الله بسرائركم وما تخفي صدوركم. قال السمرقندي - ما نصه -: يعني: أخبرنا الله تعالى عنكم بأنه ليس لكم عذر. قال الطبري: يقول قد أخبرنا الله من أخباركم، وأعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبَكم. قلت (عبدالرحيم): قوله {قد نبأنا الله}: أي أخبرنا الله. ونظيرتها في التنزيل أكثر من أن يحصى ( إلا ما شاء الله )؛ فمن ذلك ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ): "بِنَبَإٍ" قال الجلال المحلي في تفسير الجلالين: خبر. وقال الإيجي الشافعي: بخبر. قال الطبري: يقول: وجئتك من سبإ بخبر يقين. قال السمرقندي: بنبإ يقين يعني: بخبر صدق لا شك فيه. ومنه ( يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ): يُنَبَّأُ: أي يخبر بما قدم من عمل، وما خلفه بعد موته من شر. قال الواحدي في الوجيز: يُخبر. ومنه ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى): أي أم لم يخبر.
قاله الزجاج في معاني القرآن.
قال السمرقندي: يعني: ألم يخبر بما بين الله تعالى في صحف موسى. ومنه ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ): النَّبَإِ: الخبر؛ القرآن أو البعث. قال السمرقندي في البحر: عن الخبر العظيم. ومنه ( وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ): أَنْبِئُونِي: أخبروني. قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والواحدي في الوجيز. قال السمرقندي في البحر: أي أخبروني عن أسماء هذه الأشياء التي في الأرض إن كنتم صادقين في قولكم أتجعل فيها من يفسد فيها. ومنه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ): "بِنَبَأٍ": أي بخبر. قاله الزجاج. ومنه ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ): أَنْبَاءِ: أخبار. قاله الجلال المحلي. ومنه ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ): الْأَنْبَاءِ: الأخبار. قال الإيجي: أخبار الأمم السالفة. وبنحوه قال الزجاج. ومنه ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ): أَتُنَبِّئُونَ: أتخبرون. قال الطبري: يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السماوات ولا في الأرض. قوله {من أخباركم}: فيما سلف من أفعالكم، وأقوالكم. قال الإيجي: بعض ما في صدوركم. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: قد أخبرنا الله عنكم وعن ما قلتم حين قال لنا: «لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا» يعني إلا عيا «ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة» فهذا الذي نبأنا الله من أخباركم. قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط في التفسير: علة لانتفاء التصديق، لأنه تعالى إذا أخبر الرسول والمؤمنين بما انطوت عليه سرائرهم من الشر والفساد، لم يمكن تصديقهم في معاذيرهم. قال ابن عطية: والإشارة بقوله: قد نبأ الله من أخباركم إلى قوله: ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم، ونحو هذا. (لطيفة): قوله {قد نبأنا الله من أخباركم}: أي أخبرنا من أخباركم. وهذا من بلاغة كلام الله؛ فقد غاير بين اللفظين مع أن معناهما واحد. انتهى قوله {وسيرى الله عملكم ورسوله}: أي سيرى الله عملكم؛ أتقيمون على النفاق، أم تقلعون عنه؛ إن كنتم صادقين في اعتذاركم. قلت (عبدالرحيم): وفيه مسائل: الأولى: قوله تعالى ( وسيرى الله ): فيه إثبات صفة الرؤية لله تعالى؛ على ما يليق به. ومنه قوله تعالى ( إنني معكما أسمع وأرى )، ومنه ( ألم يعلم بأن الله يرى )، ومنه ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ). الثانية: تأمل كيف فتح لهم باب التوبة بعدما صدر منهم أنواعا من الكفر. وحقيق أن نذكر قوله تعالى في هذا الصدد ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ). فعلى العبد أن يقبل تائبا على ربه حسن الظن به؛ لأنه الغفور ( يقبل التوبة عن عباد ه). فينبغي أن يعظم الرغبة في الله، وإن عظم ذنبه؛ فلا يغفر الذنوب إلا هو. الثالثة: قوله {وسيرى الله عملكم ورسوله}: يحتمل أن يكون تهديدا ووعيدا؛ من قبيل قوله تعالى ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ): أي أنه يراهم ويعلم حالهم لا تخفى عليه خافية؛ في الأمر عامة وفي أمر نفاقهم خاصة؛ فهو يحصي عليهم، ويحاسبهم به يوم القيامة. قال البقاعي بقوله في نظم الدرر: هددهم بقوله: {وسيرى الله} أي لأنه عالم بكل شيء وإن دق قادر على كل شيء. انتهى كلامه. ويحتمل: أن يكون من قبيل فتح باب التوبة - كما أسلفت -؛ كأن الله يقول: إن كنتم صادقين في اعتذاركم؛ فسيرى الله صدقكم؛ الذي هو توبتكم، واصلاحكم بعدما أفسدتم؛ أي نحن سنرى صحة اعتذاركم. وقد علم كل شيء قبل ان يكون؛ لكن هذا من تمام عدله، وفضله - جل ذكره - . قال مكي في الهداية: أي: فما بعد، هل تتوبون أم لا. قال النسفي: أتنيبون أم تثبتون على كفركم. قال الطبري: يقول: وسيرى الله ورسوله فيما بعد عملكم، أتتوبون من نفاقكم، أم تقيمون عليه؟. قال السمرقندي في البحر: فيما تستأنفون وسيراه المؤمنون. قلت: لأن ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن. قال الإيجي الشافعي: (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) في المستأنف أتتوبون أم تستمرون على نفاقكم؟ وجاز أن يكون معناه يمهلكم حتى تكتسبوا جرائم أخرى. وأحمد الله الذي لا إله إلا هو؛ أن وفقني لما ذكرت؛ فبعد أن ألهمني الله ووفقني إلى كلماتي هذه؛ سيما قبل أن أطلع على كلام الإيجي والطبري، وغيرهم؛ فقد استفتيت فضيلة الشيخ حسين بن شفا – المدرس بدار الحديث بمكة - فيما جنحت إليه من هذين الاحتمالين فقال – سلمه الله - "كلا المعنيين صحيحين". فشكر الله لفضيلته. قوله {ثم تردون}: بالبعث. قاله السيوطي في الجلالين. قال السمرقندي في البحر: يعني: ترجعون بعد الموت. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ): قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي الرّجوع إلى أوّل الأمر. يقال: رجع فلان في حافرته، إذا رجع من حيث جاء، والمعنى: أئنا نعود بعد الموت أحياء. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقولون أإنا لراجعون على أقدامنا. قال الجرجاني في درج الدُّرر في تفسير الآيِ والسور: يعني الرجعة إلى الشباب وعنفوان الأمر يقال: رجع الأمر إلى حافرته، وهي حافرته، وقيل: {الحافرة} الحفرة المحفورة وهي القبر. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: من حيث [جئنا] ، كما قال: رجع فلان في حافرته من حيث جاء وعلى حافرته من حيث جاء. قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي نعود بعد الموت أحياء. ومنه (بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ): "رُدُّوا" قال السمرقندي في البحر: يعني رجعوا إلى كفرهم. ومنه ( سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ): رُدُّوا: قال الخازن في لباب التأويل: رجعوا إلى الشرك. قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فلو تحقق تمنيهم وردوا واستراحوا من ذلك الهول لغلبت أهواؤهم رشدهم فنسوا ما حل بهم ورجعوا إلى ما ألفوا من التكذيب والمكابرة. قوله {إلى}: الله. قوله {عالم الغيب }: الغيب: كل ما غاب عنك. قاله الجوهري الفارابي في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، وابن فارس في مجمل اللغة. قال ابن فارس في مقاييس اللغة: (غيب) الغين والياء والباء أصل صحيح يدل على تستر الشيء عن العيون، ثم يقاس. من ذلك الغيب: ما غاب، مما لا يعلمه إلا الله. ويقال: غابت الشمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرجل عن بلده. وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها. قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: «علم الغيب، والإيمان بالغيب» وهو كل ما غاب عن العيون. وسواء كان محصلا في القلوب أو غير محصل. تقول: غاب عنه غيبا وغيبة. قوله {والشهادة}: ما يشاهده الخلق. فإن قلت: لما جمع الله تعالى بين الغيب والشهادة؛ والشأن علم الغيب ليس الشهادة؟ لماذا لم يكتف بذكر" الغيب" فقط؟ الجواب: إن ما غاب عن الخلق؛ في السموات وما فيها؛ من اللوح المحفوظ، والملائكة، وما خلق الله فيها من صفات وعدد، وما في الجنة؛ مالم تره عين وتسمعه أذن، إلى غير ذلك. وما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما فيها مما غاب؛ لهو أعظم مما يشاهده الخلق؛
فإذا ذكر الله عز وجل علمه بالغيب؛ مع عظم ذلك وأهميته؛ قد يوهم أنه ينشغل بهذه المغيبات عن المشاهدات – سبحانه -؛ وشأن الخلق إذا انشغلوا بالأمور العظام يعزب عنهم ما دون ذلك. لذا كما قال تعالى ( علم الغيب والشهادة ): أحاط علما بالجلي والخفي.
فكأن الله قال أنا عالم الغيب، ولا يشغلني ، ولا يثقلني ذلك عن الشهادة. (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ): إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ: إذ تأخذون، وتخوضون فيه. قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : وقوله تعالى: ( عالم الْغَيْبِ والشهادة ): أي عالم ما غاب وشُهد. قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: (عالم الغيب والشهادة): أي يعلم كل شيء مما يشاهده العباد ومما يغيب عنهم، ولا يخفى عليه منه شيء الكبير الذي هو أكبر من كل شيء. قال أبو هلال الحسن بن مهران العسكري في الفروق اللغوية: الشهادة أخص من العلم وذلك أنها بوجود الأشياء لا من قبل غيرها والشاهد نقيض الغائب في المعنى ولذا سمي ما يدرك بالحواس ويعلم ضرورة شاهدا وسمي ما يعلم بشيء غيره وهو الدلالة غائبا كالحياة والقدرة وسمي القديم شاهدا لكل نجوى لأنه يعلم جميع الموجودات بذاته فالشهادة علم يتناول الموجود والعلم يتناول الموجود والمعدوم. قال الطبري: يعني: الذي يعلم السر والعلانية، الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها. قلت (عبدالرحيم): قوله ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ): أي ثم ترجعون إلى الله؛ إلى من يعلم ما غاب في السماوات والأرض وما بينهما عامة، وما غاب عنا من ضمائركم، وبواطنكم خاصة. وإنما حسن أن يُذَكَّروا بعلم الله عز وجل بالغيب والشهادة؛ لأنهم ستروا كفرهم بنفاقهم، لم يعرفوا في الدنيا وكان الناس يعاملونهم على أنهم مسلمون وليسوا بمسلمين؛ فكان فيه زجر وتخويف بإعلامهم بعلم الله الشامل؛ عسى أن يتوبوا، ويقلعوا عن نفاقهم. قوله {فينبئكم بما كنتم تعملون}: فيخبركم بما كنتم تكتمون وتسرون؛ فيجازيكم عليه. انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
﴿سَيَحلِفونَ بِاللَّهِ لَكُم إِذَا انقَلَبتُم إِلَيهِم لِتُعرِضوا عَنهُم فَأَعرِضوا عَنهُم إِنَّهُم رِجسٌ وَمَأواهُم جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانوا يَكسِبونَ﴾ [التوبة: 95] قوله {سيحلفون بالله لكم}: يعني المنافقين؛ سيحلفون بالله لكم؛ بالأيمان الكاذبة؛ جنة في أمورهم عامة، ومنه ما يتجنبون عتابكم. فهم كما قال تعالى ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ): قال الجلال المحلي في تفسير الجلالين: سترة على أموالهم ودمائهم {فصدوا} بها {عن سبيل الله} أي عن الجهاد فيهم. قال الطبري: سيحلف، أيها المؤمنون بالله، لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله. قال القرطبي في تفسيره: والمحلوف عليه محذوف، أي يحلفون أنهم ما قدروا على الخروج. قوله {إذا انقلبتم}: رجعتم. قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، الواحدي في الوجيز، والسيوطي في تفسير الجلالين. وزاد مقاتل: إليهم إلى المدينة. قال السمرقندي: إذا رجعتم إليهم من الغزو. قلت ( عبدالرحيم ): قوله {إذا انقلبتم}: رجعتم. و"الانقلاب": الرجوع. ومنه قوله تعالى؛ في الأشقياء البعداء؛ المنافقين ( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ): ( يَنْقَلِبَ): يرجع. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: أن لن يرجع الرسول والمؤمنون من الحديبية. قال القرطبي في تفسيره: يعني ظنهم أن النبي ﷺ لا يرجع إلى المدينة، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية، وأن المشركين يستأصلونهم. قال ابن أبي زمنين في تفسيره: كان المنافقون يقولون: لن يرجع محمد إلى المدينة أبدا. ومنه ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ): "يَنْقَلِبْ": يعني يرجع. قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والطبري في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره: يرجع إليك. وبه قال جمع غفير. قال السمرقندي في البحر: يعني: يرجع البصر ذليلا. وهو حسير يعني: قد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا. ومنه ( وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ): أي: يرجع إلى أهله مسرورا الذي أعد الله له في الجنة سرورا به. قاله السمرقندي في البحر. قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي يرجع إلى أهله في الجنة مسرورا بما أعطاه الله، والأهل: زوجاته في الجنة من نساء الدنيا أو من الحور العين، ويحتمل أن يريد قرابته من المؤمنين، وبذلك فسره الزمخشري. ومنه قوله تعالى على لسان سحرة فرعون بعد اسلامهم ( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ): مُنْقَلِبُونَ: أي راجعون. ومنه قوله في دعاء ركوب الدابة ( لِتَستَووا عَلى ظُهورِهِ ثُمَّ تَذكُروا نِعمَةَ رَبِّكُم إِذَا استَوَيتُم عَلَيهِ وَتَقولوا سُبحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقرِنينَ (13) وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنقَلِبونَ ): لَمُنقَلِبونَ: أي لراجعون. ومنه ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ): انْقَلَبْتُمْ: رجعتم. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني رجعتم إلى دينكم الأول الشرك. ثم قال: ومن ينقلب على عقبيه يقول ومن يرجع إلى الشرك بعد الإيمان فلن يضر الله شيئا بارتداده من الإيمان إلى الشرك إنما يضر بذلك نفسه. قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: والانقلاب على الأعقاب أو على العقبين أو العقب من باب التمثيل مثل من يرجع إلى دينه الأول بمن ينقلب على عقبيه. وتضمنت هذه الجملة الوعيد الشديد. ومنه ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ٌ): يَنْقَلِبُ: يرجع. قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، مقاتل في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والنسفي في مدارك التنزيل، وأفاده الواحدي في البسيط، والسيوطي في تفسير الجلالين، وحكاه ابن الجوزي في زاد المسير عن عبدالرحمن بن زيد. قال صديق حسن خان: أي يرجع إلى الكفر، وقد ارتد لذلك جماعة، والمعنى ما جعلناها إلا لنبتليهم يعني من يسلم لأمره ممن يرجع إلى ما كان عليه من الكفر فيرتد. قال الواحدي: أي: يرتد عن الدين فيرجع إلى اليهودية، أو إلى ما كان عليه. قال السمرقندي: أي يرجع إلى دينه بعد تحويل الله القبلة. ومنه ( لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ): فَيَنْقَلِبُوا: فيرجعوا. قاله الطبري في تفسيره، والقاسمي في محاسن التأويل. قال الطبري: يقول: فيرجعوا عنكم خائبين لم يصيبوا منكم شيئا مما رجوا أن ينالوه منكم. ومنه ( إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ): مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ: مرجع يرجعون. قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والثعلبي في الكشف والبيان، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره. وغيرهم. قال الطبري: يقول: أي مرجع يرجعون إليه، وأي معاد يعودون إليه بعد مماتهم، فإنهم يصيرون إلى نار لا يطفأ سعيرها، ولا يسكن لهبها. قوله {إليهم}: من تبوك أنهم ما قدروا على الخروج، وأنهم معذورون في التخلف عن الغزو. قوله {لتعرضوا عنهم}: لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم؛ بترك المعاتبة، لما فيها من توبيخ، وتقريع. قال السمرقندي: يعني: اصفحوا عنهم وتجاوزوا عنهم في الدنيا. قال الثعلبي في الكشف والبيان: لتصفحوا عن جرمهم، ولا تردونهم ولا تؤنبونهم. قال البغوي: لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم . وقال القرطبي: أي لتصفحوا عن لومهم. قلت (عبدالرحيم): ثمَّ مسألتان: الأولى: أن حلفهم ما كان عن إخلاص؛ لأنه ينبغي على المسلم أن يصدق أخاه إذا حلف؛ لكن بين الله عز وجل أنهم حلفهم كان من أج أن يعرض عنهم الرسول وأصحابه؛ فقط من أجل الإعراض. وقد أشار إلى نحو هذا المعنى؛ الطاهر بن عاشور – رحمه الله – حيث قال: وصرح بعلة الحلف هنا أنه لقصد إعراض المسلمين عنهم ، أي عن عتابهم وتقريعهم ، للإشارة إلى أنهم لا يقصدون تطييب خواطر المسلمين ولكن أرادوا التملّص من مسبة العتاب ولَذْعِه . انتهى كلامه. المسألة الثانية: الأمر بالصفح هنا؛ من قبيل قوله تعالى لنبيه أن يصفح عن المشركين ( فاصفح عنهم وقل سلام ). فالأمر بالصفح عنهم ليس من باب قوله تعالى (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ): إنما هو صفح إعراض، واحتقار؛ أي: أعرضوا عنهم احتقارا لهم. لأنهم هانوا على الله؛ يتولى هو بذاته شأنهم؛ بعقابه وبأسه. فأمر الله ترك عتاب المنافقين في تخلفهم عن الجهاد بالصفح. قال الطاهر بن عاشور: وهذا ضرب من التقريع فيه إطماع للمغضوب عليه الطالب بأنّه أجيبت طِلبته حتى إذا تأمّل وجد ما طمع فيه قد انقلب عكس المطلوب فصار يأساً لأنهم أرادوا الإعراض عن المعاتبة بالإمساك عنها واستدامة معاملتهم معاملةَ المسلمين ، فإذا بهم يواجهون بالإعراض عن مكالمتهم ومخالطتهم وذلك أشد مما حلفوا للتفادي عنه . فهم من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه أو من القول بالموجَب قوله {فأعرضوا عنهم}: عن المنافقين؛ اتركوا كلامهم وسلامهم. قال ابن أبي زمنين في تفسيره: ألا تقتلوهم ما أظهروا الإيمان، واعتذروا. قال الثعلبي: ودعوهم وما اختاروا لأنفسهم من الشأن والمعصية. قال الطبري: فدعوا تأنيبهم، وخلوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق. قلت (عبدالرحيم): ما أجمل ما قاله الطبري، والثعلبي _ رحمهما الله _ فإذا فاتك الأجر، وسبقك الناس إليه وتخلفت أنت عنه؛ ثم جاء رجل من المسلمين ينصحك، ويعاتبك في أمر تخلفك؛ وقبلت منه ذلك؛ فأدى بك إلى خير فاعلم أن الله ساقه إليك: أرادك بك خيرا. فعلى المسلم ان يقبل عتاب الإخوان في الله عز وجل. فلأهمية النصح والعتاب بعد فوات الأجر؛ فهو من باب التواصي، وقد أشار الزمخشري إلى هذا في الكشاف؛ حيث قال –ر حمه الله -: فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم فأعرضوا عنهم فأعطوهم طلبتهم إنهم رجس تعليل لترك معاتبتهم، يعنى أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم، إنما يعاتب الأديب ذو البشرة. والمؤمن يوبخ على زلة تفرط منه، ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار. وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم ومأواهم جهنم يعنى وكفتهم النار عتابا وتوبيخا، فلا تتكلفوا عتابهم. (لطيفة): فإن قيل: كيف قال في الآية: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم} إذا كان المؤمنون مقبلين عليهم حتى يقول: {لتعرضوا عنهم} ؟ والجواب عنه: ذكر الأزهري في كتابه " التقريب " معنى الآية: سيحلفون بالله لكم لإعراضكم عنهم لتقبلوا عليهم؛ فأعرضوا عنهم. قاله السمعاني في تفسيره. قوله {إنهم}: المنافقون. قوله {رجس}: اعرضوا عنهم إنهم نجس، وقذر، ونتن؛ فكما يجب التحفظ، والحذر من النجاسة الحسية، كذا يجب الحذر من النجاسة المعنوية، وأصحابها؛ وهذه أعظم؛ لأن التلبس بها يورث الخلود في الجحيم. فالعجب ممن يخالط أهل النفاق؛ فكم من مسلم مرق من الملة بسبب مخالطة الأنجاس الأرجاس القذر؛ أعني المنافقين. فقوله ( رجس ): يعني: قذر. قاله السمعاني في تفسيره، والسمرقندي في ببحر العلوم، والسيوطي في تفسير الجلالين، وزاد السمرقندي: نجس. وزاد السيوطي في تفسير الجلالين: لخبث باطنهم. قال السمعاني في تفسيره: الرجس: هو النتن والقذر. قال ابن كثير: أي خبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم. قال الطاهر عاشور في التحرير والتنوير: والرجس : الخبث . والمراد تشبيههم بالرجس في الدناءة ودنس النفوس . فهو رجس معنوي . كقوله : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ): نَجَسٌ: قذر. فهم قذر، وخبث ؛ لا تذهب نجاستهم وإن غسلوا بماء الماء البحر. إذ لا مطهر لنجاستهم سوى التوحيد. قوله {ومأواهم جهنم}: يعني مصيرهم في الآخرة إلى جهنم. قال الطاهر بن عاشور: والمأوى: المصير والمرجع. قال الطبري: يقول: ومصيرهم إلى جهنم، وهي مسكنهم الذي يأوُونه في الآخرة . قوله { جزاء بما كانوا يكسبون }: من النفاق. قاله السمرقندي. قال ابن كثير: أي من الآثام والخطايا . قال الطبري: يقول: ثوابًا بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من معاصي الله.
( يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) التوبة: (96) ليس الشأن أن يسعى العبد لرضا الخلق؛ وإنما الشأن كل الشأن أن يسعى العبد حثيثا من كل وجه لرضا ربه؛ ويؤثره من هو أقرب إليه من حبل الوريد؛ من يعلم سره ونجواه، على غيره، ومن سعى في رضا الخلق دون ربه، كان صنيعه كسراب بقيعة؛ لا هو أرضى مولاه، ولا هم رضوا عنه، بل آذوه، وسُلطوا عليه؛ وليس هذا فحسب؛ بل حمل به الأوزار. قال القشيري - رحمه الله -: من كان مسخوط الحقّ لا ينفعه أن يكون مرضي الخلق، وليست العبرة بقول غير الله إنّما المدار على ما سبق من السعادة في حكم الله. انتهى كلامه. وكان حقا على من يسعى في ابتغاء رضا معبوده، ومولاه؛ أن يسخط فيه من خالف أمره؛ فعلى من امتلأ قلبه محبة لسيده أن يحب من يخب، وما أحب، ويبغض من أبغض؛ من العاصين له؛ من أهل الشرك، والنفاق، وأرباب البدع، والمعاصي. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وحكم هذه الآية يستمر في كل مغموص عليه ببدعة ونحوها، فإن المؤمن ينبغي أن يبغضه ولا يرضى عنه لسبب من أسباب الدنيا. قال مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن: أي فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه. انتهى قوله ( يَحْلِفُونَ ): يعني المنافقين المتخلفين؛ يحلفون لكم بالله. قال القاسمي في محاسن التأويل: وعدم ذكر المحلوف به لظهوره، أي يحلفون به تعالى. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: هذه الآية والتي قبلها مخاطبة للمؤمنين مع الرسول، والمعنى يحلفون لكم مبطلين ومقصدهم أن ترضوا لا أنهم يفعلون ذلك لوجه الله ولا للبر. قوله ( لَكُمْ ): معاشر المؤمنين. قوله ( لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ): وتقبلوا منهم ما يظهرون من العذر. قاله أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة. قال السمعاني في تفسيره: الرضا ضد الكراهة. قال جار الله الزمخشري في الكشاف: لترضوا عنهم أي غرضهم في الحلف بالله طلب رضاهم لينفعهم ذلك في دنياهم. قال القاسمي: أي باعتقاد طهارة ضمائرهم وإخلاصهم. قوله ( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ ): فيه مسألتان: الأولى: أنه نهي من الله عن الرضى عن هؤلاء الأرجاس؛ وهذا إلى يوم القيامة. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله فإن ترضوا إلى آخر الآية، شرط يتضمن النهي عن الرضى عنهم.
الثانية:
ليس معنى قوله ( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ) أن الصحابة يرضون عن أعداء ربهم بحال؛ فقد نهاهم الله عن مطلق هذا وامتثلوا أعني قوله ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )؛ فهم الذين عادوا الآباء، والأبناء في الله؛
لكن معناه فإن رضيتم أنتم عنهم؛ لعدم علمكم بما في صدروهم؛ أي لأنكم لا تعلمون كذبهم من صدقهم؛ فأنا لا أرضى عنهم؛ لأني ( عليم بذات الله الصدور ).
والحاصل: كأن الله يقول: حتى وإن رضيتم أنتم عن هؤلاء لعذركم بعدم علمكم ما يضمرون؛ فلا أرضى انا عنهم بحال. وانظر كلام القاسمي - رحمه الله - أدناه.(1) قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وإذا كان هذا هو ما يريده الله سبحانه من عدم الرضا عن هؤلاء الفسقة العصاة فينبغي لكم أيها المؤمنون أن لا تفعلوا خلاف ذلك، بل واجب عليكم أن لا ترضوا عنهم على أن رضاكم عنهم لو وقع لكان غير معتد به ولا مفيداً لهم. قال صاحب الكشاف: فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها. وقيل إنما قيل ذلك لئلا يتوهم متوهم أن رضا المؤمنين يقتضى رضا الله عنهم. قال مكي في الهداية إلى النهاية: وأنتم لا تعلمون صدقهم من كذبهم. قال أبو منصور الماتريدي: لما يعلم أنه لا عذر لهم فيما يظهرون لكم من العذر. قال الطبري في تفسيره: يقول: فإن أنتم، أيها المؤمنون، رضيتم عنهم وقبلتم معذرتهم، إذ كنتم لا تعلمون صِدْقهم من كذبهم، فإن رضاكم عنهم غيرُ نافعهم عند الله، لأن الله يعلم من سرائر أمرهم ما لا تعلمون، ومن خفيّ اعتقادهم ما تجهلون، وأنهم على الكفر بالله. قوله ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ): لأنه يعلم سرائرهم وصدقهم وكذبهم. قاله مكي في الهداية. قال صديق حسن خان: والمقصود من إخبار الله سبحانه بعدم رضاه عنهم هو نهي المؤمنين عن ذلك لأن الرضا عمن لا يرضى الله عنه مما لا يفعله مؤمن. قال الواحدي في البسيط: وهذه الآية وما قبلها دليل على أن المنافقين تحقن دماؤهم بسبب الشهادتين، ولا تجوز موالاتهم والرضا عنهم. (1): قال القاسمي في محاسن التأويل: فيه تبعيد عن الرضا عنهم على أبلغ وجه وآكده، فإن الرضا عمن لا يرضى الله تعالى عنه، مما لا يكاد يصدر عن المؤمن. قال مقاتل بن سليمان: يعنى العاصين. قلت ( عبدالرحيم ): وفيه مسائل: الأولى قوله تعالى ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ): فيه إثبات صفة الرضى لله عز وجل؛ على ما يليق به؛ كما في قوله تعالى ( وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )، وقوله في غير ما آية ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )، وقوله (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ). – فنسأله بكرمه الواسع رضاه عنا؛ إنه سميع مجيب. الثانية: قول مقاتل - رحمه الله - في قوله ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) " يعنى العاصين ". قلت: يجب حمل " العصيان " هنا على الكفر؛ لأن كل كفر بالله معصية، ولا عكس. كما قال تعالى عن إمام من أئمة الكفر ( فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ): فعصى: أي فكفر؛ عصى في أعظم طاعة؛ وهي الإيمان بالله. لذا قال بعدها ( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ): أي إن كفرتم كما كفر فرعون. قال الطبري" الْفَاسِقِينَ ": يعني أنهم الخارجون من الإيمان إلى الكفر بالله، ومن الطاعة إلى المعصية.
{ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة: (97) قوله {الأعراب}: أهل البدو. قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن، وبيان الحق الغزنوي في باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن، والزمخشري في الكشاف، والبغوي في تفسيره، والبيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم جمع. قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: هم أهل البوادي من العرب. قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: هؤلاء أعراب كانوا حول المدينة. قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: و (الأعراب) منهم سكان البادية خاصة والنسبة إليهم (أعرابي). قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ومنه (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ): يعني المقيم، والطارئ عليه من الأعراب، وغيرهم، فيه سواء، في حقه وحرمته. قال ابن قتيبة في غريب القرآن: المقيم فيه والبادي، وهو الطارئ من البدو، سواء فيه: ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه. قال السمين الحلبي في همدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي القادم والمقيم، والبدوي والحضري، والقاطن والوارد. وقال أَبُو عَوْسَجَةَ:(الْعَاكِفُ) المقيم، (وَالْبَادِ): من كان في البادية. حكاه الماتريدي في تأويلات أهل السنة. قال محمد ثناء الله المظهري في التفسير المظهري: المقيم والبادي أي: المسافر المنسوب الى البدو وقال في القاموس البدو والبادية والبداوة والبداة خلاف الحضر يعنى ليس أحدا حق بالمنزل فيه من غيره فمن سبق الى مكان منه لا يجوز لغيره ان يزعجه كذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد قالوهما سواء في البيوت والمنازل. ومنه ( يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ ): "بَادُونَ": في البادية؛ لشدة جبنهم، وذعرهم. قال ابن أبي زمنين: أي في البادية مع الأعراب. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: تمنوا أنهم خارجون في البادية مع الأعراب. قال يحيى بن سلام في تفسيره: يعني في البادية مع الأعراب، يودون من الخوف لو أنهم في البدو. قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي إذا جاءت الجنود والأحزاب ودوا أنهم في البادية. قال الطبري: تقول: قد بدا فلان إذا صار في البدو فهو يبدو، وهو باد؛ وأما الأعراب: فإنهم جمع أعرابي، وواحد العرب عربي، وإنما قيل: أعرابي لأهل البدو، فرقا بين أهل البوادي والأمصار، فجعل الأعراب لأهل البادية، والعرب لأهل المصر. ومنه ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وهو مصدر بدوت في البادية. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: جاء بكم معافين سالمين من البادية. يعني: أرض كنعان. قال الثعلبي في الكشف والبيان: وذلك أن يعقوب وبنوه كانوا أهل بادية ومواشي، والبدو مصدر قولك: بدا، يبدو، بدوا، إذا صار بالبادية. قال البغوي في تفسيره: والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتهم، وكانوا أهل بادية ومواش، يقال: بدا يبدو إذا صار إلى البادية. قوله {أشد كفرا ونفاقا}: أي أشد كفرا، ونفاقا من منافقي المدينة؛ إلا من استثنى الله من الأعراب؛ دل عليه سياق الآيات الآنفة الذكر، والتي تليها. ولقد سجدت لله شكرا؛ أن ألهمني هذا قبل أن أطلع على ما قاله غير واحد من أهل العلم كابن أبي زمنين في تفسيره، والطاهر بن عاشور؛ وقد ذكر كلاما ماتعا في التحرير، وسيأتي كلامه - رحمه الله - في نهاية حديثنا عن هذه الآية . قال الطاهر بن عاشور فط التحرير والتنوير: و ( أشد ) و ( أجد ) اسما تفضيل ولم يذكر معهما ما يدل على مفضل عليه ، فيجوز أن يكونا على ظاهرهما فيكون المفضل عليه أهل الحضر ، أي كفار ومنافقي المدينة . وهذا هو الذي تواطأ عليه جميع المفسرين. وازديادهم في الكفر والنفاق هو بالنسبة لكفار ومنافقي المدينة ، ومنافقوهم أشد نفاقا من منافقي المدينة. قال ابن أبي زمنين: يعني: أن منافقي الأعراب أشد من منافقي أهل المدينة في نفاقهم وكفرهم. قال البغوي، والزمخشري، والنسفي: من أهل الحضر. وزاد الزمخشري: لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ومعرفة الكتاب والسنة. قال مكي في الهداية: والمعنى: الأعراب أشد جحودا لتوحيد الله سبحانه ونفاقا على رسوله عليه السلام، من أهل الحضر والأمصار، وذلك لجفائهم، وقسوة قلوبهم. قال الزجاج في معانيه: فكفرهم أشد لأنهم أقسى وأجفى من أهل المدر، وهم أيضا أبعد من سماع التنريل وإنذار الرسول. قال السيوطي في الجلالين ( أشد كفرا ونفاقا ): من أهل المدن؛ لجفائهم وغلظ طباعهم وبعدهم عن سماع القرآن. قال الواحدي في الوجيز: من أهل المدر لأنهم أجفى وأقسى. قوله {وأجدر}: أحق من غيرهم. وفي الحديث: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله. رواه مسلم(3). قال النووي في شرحه لمسلم: معنى أجدر: أحق. وتزدروا: تحقروا. انتهى قاله السمرقندي في بحر العلوم:{وأجدر}: أحرى وأولى وأحق. قال الماوردي في النكت والعيون: ومعنى أجدر أي أقرب، مأخوذ من الجدار الذي يكون بين مسكني المتجاورين. قال الفراء في معاني القرآن: و (أجدر) كقولك: أحرى، وأخلق. قال مكي في الهداية: أي وأخلق أن يجهلوا العلم والسنن. قال الطاهر بن عاشور: والأجدر : الأحق والجدارة : الأولوية . وإنما كانوا أجدر بعدم العلم بالشريعة لأنهم يبعدون عن مجالس التذكير ومنازل الوحي ، ولقلة مخالطتهم أهل العلم من أصحاب رسول الله - ﷺ . قوله {ألا يعلموا}: معناه: بأن لا يعلموا. قال الإيجي: (أَلَّا) بأن لا. قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: " أن ": في موضع نصب، على تقدير: " وأجدر بأن لا ". قال النسفي: وأحق بأن لا يعلموا. قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: في الآية حذف، والتقدير: وأجدر بأن لا يعلموا. قوله {حدود}: فيعني به الحلال والحرام والفرائض. قاله ابن الجوزي في زاد المسير. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: حدود الله: فرائض الله. قال القرطبي في تفسيره: أي فرائض الشرع. وقيل: حجج الله في الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم. قال النسفي: يعني حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام. قال مقاتل بن سليمان في تفسره: يعني سنن ما أنزل الله على رسوله في كتابه يقول: هم أقل فهما بالسنن من غيرهم. قال ابن جزي الغرناطي: يعني أنهم أحق أن لا يعلموا الشرائع لبعدهم عن الحاضرة ومجالس العلم. قال في النكت والعيون: وفي المراد بحدود الله ما أنزل الله وجهان: أحدهما: فروض العبادات المشروعة. الثاني: الوعد والوعيد في مخالفة الرسول ﷺ والتخلف عن الجهاد. قلت ( عبدالرحيم ): والمراد بالحدود في هذا المقام ما هو أعم من الحدود الشرعية المعروفة كحد السرقة، والزنا؛ ألا ترى أن تعلم ما أحل الله مع كونه حلال يسمى حد. لذا قال الواحدي في الوجيز، وغيره؛ - كما سبق من كلام ابن الجوزي - في قوله تعالى {حدود ما أنزل الله}: من الحلال والحرام. فكل ما كان مانعا من الوقوع في المخالفة كان حدا من حدود الله؛ ويعرف هذا بالسياق؛ فقول الرسول لأسامة منكرا: أتشفع في حد من حدود الله؟. يعني: حد السرقة، وهذا ظاهر في القصة (4). قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى الحدود ما منع الله عزَّ وجلَّ من مخالفتها. انتهى وقال أيضا في موضع آخر من كتابه( معاني القرآن ):ما حدَّه الله جل وعز مما لا تجوز مجاوزته إِلى غيره، وأصل الحدِّ في اللغة المنع، يقال حَدَدْتُ الدار. وحددت حدود الدار، أي بنيت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها. وَحَدَدْتُ الرجل أقمت عليه الحد، والحد هو الذي به منع الناس من أن يدخلوا فيما يجلب لهم الأذى والعقوبة. انتهى كلامه. قوله {ما أنزل الله}: فيه أن الله في السماء؛ فمن معاني فوقيته؛ النزول، والعروج إليه، أعني نزوله - سبحانه وتقدس - إلى السماء الدنيا، ونزول الملائكة من عنده، وعروجها إليه؛ يدلُ أربابَ الفطرِ السليمة أن الله في السماء؛ بخلاف من حاد؛ وقد سبق مفصلا بحمد الله. قوله {على رسوله}: من الأحكام والشرائع. قاله السيوطي. قال الواحدي في الوجيز: من الحلال والحرام. وقال الإيجي: من الشرائع. قال السمعاني في تفسيره: وهذا لبعدهم من سماع القرآن ومعرفة السنن. قال السمرقندي في البحر: لأنهم كانوا أجهل وأقل علماً من غيرهم. قوله {والله عليم}: بهم. قاله السمرقندي. قال السيوطي في الجلالين: بخلقه. قال الإيجي: بقلوب أهل الوبر والمدر. قال الطبري: بمن يعلم حدود ما أنزل على رسوله، والمنافق من خلقه، والكافر منهم، لا يخفى عليه منهم أحد. قوله {حكيم}: في أمرهم. قاله السمرقندي. قال السيوطي: في صنعه بهم. قال الطبري: في تدبيره إياهم، وفي حلمه عن عقابهم، مع علمه بسرائرهم وخداعهم أولياءه. (تنبيه): يستثنى من هذه الآية من استثنى الله؛ الذي ( لا يظلم مثقال ذرة ) لتمام عدله، وفضله. أعني مثل ما جاء في قوله تعالى ( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). وهذا في القرآن كثير، في شرعنا خاصة؛ الانصاف، والتحري. حتى عند الحديث عن النفس التي جبلت على ما جبلت عليه قال الله ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي ). ألا ترى أن الله أنصف إخوان القردة والخنازير؛ اليهود والنصارى المغضوب عليهم؛ قال الله (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ). قليتق الله أقواما وينصفوا أهل الإسلام؛ سيما أهل الفضل والإحسان. انتهى. (فائدة): قلت ( عبدالرحيم): الأعراب: هم أهل البدو: الذين لا يقيمون في المدن وإن دخلوها؛ دخلوها لحاجة. فهم سكان البادية خاصة؛ نص عليه الجوهري في الصحاح تاج اللغة، والزبيدي في تاج العروس. وأيضا: هم أهل الوبر أي الابل لأنهم يتخذون أخبيتهم ( الخيمة ) منها؛ بخلاف أهل المدر. (1). وفي الحديث عما يكون في آخر الزمان من يأجوج ومأجوج؛ وفيه" ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة". (2). قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: يعني بأصحاب الوبر: أهل البادية. انتهى فهم أهل الوبر: وهو ما يتخذ من أوبار الإبل للأخبية. كما في قوله (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ): قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: سكان الوبر لمن بيوتهم من الوبر. قال الزبيدي في التاج، وابن منظور في اللسان: وعنى بالوبر: الأخبية؛ لأن أبنية البادية بالوبر. وفي معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد بن مختار بن عبدالحميد: أهل الوبر: أهل البادية أو البدو لأنهم يتخذون بيوتهم من الوبر. وفي معجم لغة الفقهاء: أهل الوبر: سكان البادية. قال الكفوي في الكليات: والأعراب: صيغة جمع وليس جمعا للعرب، قاله سيبويه وذلك لئلا يلزم أن يكون الجمع أخص من الواحد، إذ الأعراب سكان البادية فقط، ولهذا الفرق نسب إلى الأعراب على لفظه يقال (رجل أعرابي) إذا كان بدويا، وإن لم يكن من العرب ورجل عربي: أي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا ورجل أعجم وأعجمي أيضا: إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل عجمي: أي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا. قال الواحدي في البسيط: والأعرابي إذا قيل له: يا عربي فرح بذلك، والعربي إذا قيل له يا أعرابي غضب له، فمن نزل البادية أو جاور البادين وظعن بظعنهم فهم أعراب، ومن استوطن القرى العربية فهم عرب). (لطيفة): قلت ( عبدالرحيم ): ( أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ): فهم أولى ألا يعلموا عن الله ورسوله لبعدهم، وقلة مخالطتهم لأهل العلم. وليس ثم شيء هو أدعى للين وحسن الخلق؛ من التعلم ومخالطة العلماء، فالعجب ممن عاش عمره بعيدا عن أهل العلم، وكذا العجب ممن نأى بجانبه عن أهل الفضل، والخير وسكن البراري مختارا، ليس إلا للعزلة وراحة البال ( زعم ). وأعني بالطبع من قصر، أو أعرض عما أمر الله به؛ وإلا فلا ضير. وفي الحديث: «الإيمان يمان ها هنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين، عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة، ومضر» (5). تتمة كلام الطاهر بن عاشور؛ في قوله ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا ): قال - رحمه الله -: وهذا الازدياد راجع إلى تمكن الوصفين من نفوسهم ، أي كفرهم أمكن في النفوس من كفر كفار المدينة ، ونفاقهم أمكن من نفوسهم كذلك ، أي أمكن في جانب الكفر منه والبعد عن الإقلاع عنه وظهور بوادر الشر منهم ، وذلك أن غلظ القلوب وجلافة الطبع تزيد النفوس السيئة وحشة ونفورا . ألا تعلم أن ذا الخويصرة التميمي ، وكان يدعي الإسلام ، لما رأى النبيء - ﷺ - أعطى الأقرع بن حابس ومن معه من صناديد العرب من ذهب قسمه قال ذو الخويصرة مواجها النبيء - ﷺ - اعدل فقال له النبيء - ﷺ - ويحك ومن يعدل إن لم أعدل. فإن الأعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل العقول المستقيمة ، وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأملأ بالأوهام ، وهم لبعدهم عن مشاهدة أنوار النبيء - ﷺ - وأخلاقه وآدابه وعن تلقي الهدى صباح مساء أجهل بأمور الديانة وما به تهذيب النفوس ، وهم لتوارثهم أخلاق أسلافهم وبعدهم عن التطورات المدنية التي تؤثر سموا في النفوس البشرية، وإتقانا في وضع الأشياء في مواضعها ، وحكمة تقليدية تتدرج بالأزمان، يكونون أقرب سيرة: بالتوحش وأكثر غلظة في المعاملة وأضيع للتراث العلمي والخلقي ; ولذلك قال عثمان لأبي ذر لما عزم على سكنى الربذة : تعهد المدينة كيلا ترتد أعرابيا . فأما في الأخلاق التي تحمد فيها الخشونة والغلظة والاستخفاف بالعظائم مثل الشجاعة؛ والصراحة وإباء الضيم والكرم فإنها تكون أقوى في الأعراب بالجبلة ، ولذلك يكونون أقرب إلى الخير إذا اعتقدوه وآمنوا به . انتهى كلامه .................... ( 1 ): أهل المدر: سكان البيوت المبنية، خلاف أهل الوبر وهم البدو سكان الخيام. كذا ورد في معجم اللغة العربية المعاصرة. لأحمد بن مختار. ( 2 ): شطر من حديث رواه مسلم (2937) من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه. ( 3 ): رواه مسلم (2963) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة. ( 4 ): رواه البخاري (6788)، ومسلم ( 1688) من حديث عائشة رضي الله عنها. ( 5 ):رواه البخاري (3302) ، ومسلم (51) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة: (98) قوله {ومن}: تبعيضية. أي: ومن بعض الأعراب؛ ليس كل الأعراب. لأن منهم من قال الله فيهم ( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). قوله {الأعراب}: أهل البدو، ويسمون أهل الوبر؛ وهم من يسكن البداية خاصة؛ بخلاف أهل المدر. وقد سبق مفصلا ( بحمد الله ). قوله {من يتخذ}: يعد ويعتقد. قاله الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ومعنى يتخذ في هذه الآيات أي يجعل مقصده ولا ينوي فيه غير ذلك. قوله {ما ينفق}: في الجهاد. قاله ابن أبي زمنين في تفسيره. وقال الإيجي الشافعي في جامع البيان: في سبيل الله. وبه قال السيوطي في الجلالين. قال ابن الجوزي في زاد المسير: إذا خرج في الغزو. وقال النسفي في مدارك التنزيل: أي يتصدق. قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: والمعنى: ومن الأعراب من يعد ما ينفق فيما ندبه الله، عز وجل، إليه. قوله {مغرما}: ينفق لأنه ملزمٌ به فحسب؛ لا يرجو ثوابه؛ فلكونه أسلم ظاهرا فعل كما فعل المسلمون؛ فهي خسارة عليهم محضة؛ إذ لا ثواب لهم؛ لأنهم أنفقوا رياء وسمعة. قال الجرجاني في درج الدرر: غُرمًا، وهو أن يلزم الإنسان من غير أن يعود إليه منه نفع. قال الإيجي في الجامع: غرامة وخسارة لا يرجون ثوابًا. قال الزمخشري في الكشاف: غرامة وخسرانا. قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي غرما، وهو ما يلزمه الإنسان نفسه أو يلزمه غيره وليس بواجب عليه. وبنحوه قال ابن الهائم في التبيان. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: ما ينفق في الجهاد، يحسبه غرما ولا يحتسبه فيه الأجر. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: لا يحتسبها: كأن نفقته غرم يغرمها. قال ابن أبي زمنين: يعني المنافقين؛ لأنهم ليست لهم نية. قال الماتريدي في تأويلات أهل السنة: أي كان لا ينفق حسبةً. قال الواحدي في البسيط: يعني يتخذ ما ينفق في الجهاد والغزو مغرما. قال السيوطي في الجلالين: غرامة وخسرانا لأنه لا يرجو ثوابه بل ينفقه خوفا وهم بنو أسد وغطفان. قال الطبري: ومن الأعراب من يَعُدُّ نفقته التي ينفقها في جهاد مشرك، أو في معونة مسلم، أو في بعض ما ندب الله إليه عباده (مغرما) ، يعني: غُرمًا لزمه، لا يرجو له ثوابًا، ولا يدفع به عن نفسه عقابًا. قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: أي غُرْمًا وخُسرانًا. إلا أن ابن الجوزي قال: وخسرا. قال الواحدي في البسيط: المغرم مصدر كالغرم، ومعنى الغرم لزوم نائبة في المال من غير جناية فيثقل ذلك على الإنسان. وقال ابن فارس: الغرم: ما يلزم أداؤه، والغرام: اللازم، وسمي الغريم لإلحاحه. حكاه ابن الجوزي في زاد المسير. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ): غَرَامًا: ملازما؛ غير مفارق. قال الجصاص في أحكام القرآن: يعني ثابتا لازما والغريم الذي قد لزمه الدين ويسمى به أيضا الذي له الدين لأن له اللزوم والمطالبة ومنه ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ): " مِنْ مَغْرَمٍ ": قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: من التزام غرامة تطلبها منهم. قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب: أي غرم والمعنى هل سألتهم أجرا فأثقلهم ذلك. قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي تثقل عليهم الزكاة والنفقة في سبيل الله ثقل المغرم الذي ليس بحق عليه. قال ابراهيم الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: أي غرم، وهو ما يلزم الإنسان نفسه، أو يلزمه غيره، وليس بواجب. قال السمعاني في تفسيره: المغرم: التزام ما لا يلزم. ومنه ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ ): وَالْغَارِمِينَ: قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: الذين لزمهم الدين فلا يجدون القضاء. قوله {ويتربص}: ينتظر. قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل، والإيجي الشافعي في الجامع، ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، وبه قال البغوي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم جمع. وقد سبق مفصلا معنى التربص؛ في عدة آيات من كتاب الله - بحمد الله - في السورة ذاتها. وراجع إن شئت تفسيرنا لقوله تعالى ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ...). قوله {بكم}: وبنبيكم دون غيركم؛ إذ لا غرض لهم في إخوانهم الكافرين من أهل الكتاب والمشركين. قوله {الدوائر}: أي الموت والقتل. قاله الفراء في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه. قال ابن جزي الغرناطي: مصائب الدنيا. قال السمرقندي في البحر: يعني: ينتظر بكم الموت، يعني: محمدا ﷺ خاصة. قال ابن أبي زمنين: يعني: أن يهلك محمد والمؤمنون، فيرجع إلى دين مشركي العرب. قال الواحدي في الوجيز: وينتظر أن ينقلب الأمر عليكم بموت الرسول عليه السلام. قال مقاتل بن سليمان: يعني يتربص بمحمد الموت يقول يموت فنستريح منه ولا نعطيه أموالنا. قال ابن الجوزي في التذكرة، وابن قتيبة في غريب القرآن: دوائر الزمان بالمكروه. زاد ابن قتيبة: ودوائر الزمان: صُرُوفُه التي تأتي مرّة بالخير ومرّة بالشر. وبنحوه قال النحاس في معاني القرآن، وابن الهائم في التبيان. قال السيوطي في الجلالين: دوائر الزمان أن تنقلب عليكم فيتخلص. قال الطبري: يقول: وينتظرون بكم الدوائر، أن تدور بها الأيام والليالي إلى مكروهٍ ومجيء محبوب، وغلبة عدوٍّ لكم. قال النسفي: أي دوائر الزمان وتبدل الأحوال بدور الأيام لتذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة. روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبدالرحمن بن زيد: قال: هؤلاء المنافقون من الأعراب، الذين إنما ينفقون رياء اتقاء على أن يغزوا ويحاربوا ويقاتلوا ويروا نفقاتهم مغرما ألا تراه يقول: ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء؟. قيل: الدوائر: هو انقلاب الأمر، وهو من الدوران. حكاه الثعلبي في الكشف والبيان. قال الماوردي في النكت والعيون: جمع دائرة وهي انقلاب النعمة إلى ضدها، مأخوذة من الدور ويحتمل تربصهم الدوائر وجهين: أحدهما: في إعلان الكفر والعصيان. والثاني: في انتهاز الفرصة بالانتقام. قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ): دَائِرَةٌ: قال السيوطي في الجلالين: يدور بها الدهر علينا من جدب أو غلبة ولا يتم أمر محمد فلا يميرونا. قال ابن قتيبة في الغريب: أي: يدور علينا الدهر بمكروه -يعنون الجدب- فلا يبايعوننا. ونمتار فيهم فلا يميروننا. قوله {عليهم دائرة السوء}: كما تقول: "هذا رَجُل السَّوْءِ". قاله الأخفش في معاني القرآن. قال ابن جزي: خبر أو دعاء. قال الإيجي: الأَمر منعكس والسوء دائر عليهم فلا يرون فيكم إلا ما يسوءهم. قال الماوردي في النكت: ردا لما أضمروا وجزاء لما مكروا. قال البغوي في تفسيره: يدور البلاء والحزن. ولا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم. قال السمرقندي في البحر، وابن أبي زمنين: يعني عاقبة السوء. زاد السمرقندي: والهلاك. قال مكي في الهداية: أي عليهم يرجع المكروه والسوء. قال السيوطي في الجلالين: بالضم والفتح أي يدور العذاب والهلاك عليهم لا عليكم. قال الواحدي في الوجيز: عليهم يدور البلاء والخزي فلا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم. قال الطبري: يقول: جعل الله دائرة السوء عليهم، ونزول المكروه بهم لا عليكم أيها المؤمنون، ولا بكم. قال الماتريدي: أي عليهم انقلاب الأمر وعليهم ما تربصوا على المؤمنين. قال ابن الهائم في التبيان: أي عليهم يدور من الدّهر ما يسوؤهم. قال الزمخشري: دعاء معترض، دعى عليهم بنحو ما دعوا به، كقوله عز وجل وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم. قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أي يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بمن فيها، فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه. قال السيوطي في الجلالين: بالضم والفتح أي يدور العذاب والهلاك عليهم لا عليكم. قوله {والله سميع}: وسع سمعه الأصوات؛ ويجيب الداعي؛ فكم ممن يسمع ولا يجيب. وفيه إثبات صفة السمع لله؛ على ما يليق به. قال السيوطي في الجلالين: لأقوال عباده. قال مقاتل بن سليمان: لمقالتهم. وبه قال الإيجي. قال الطبري: لدعاء الداعين. قوله {عليم}: فيه إثبات صفة العلم؛ على ما يليق به سبحانه؛ لا يخفى عليه شيء. الذي من جملته علمه بأعدائه، وأعداء أولياءه. ( وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ). قال الإيجي: بضمائرهم. وقال السيوطي: بأفعالهم. قال السمرقندي في البحر: يعني سميعا لمقالتهم، عليما بهلاكهم. قال محمد بن إسحاق: سميع عليم أي: سميع ما يقولون، عليم بما يخفون. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.
( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة: (100) قوله {والسابقون الأولون}: قيل: الذين صلوا إلى القبلتين مع النبي ﷺ. قاله ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي موسى، ورواه عبدالرزاق في تفسيره عن سعيد ابن المسيب، وحكاه مكي في الهداية الحسن، وابن سيرين. وبه قال السمرقندي في بحر العلوم الا أنه زاد " وشهدوا بدرا". قال أبو السعود في تفسيره: بيان لفضائل أشراف المسلمين إثر بيان فضيلة طائفة منهم والمراد بهم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدرا أو الذين أسلموا قبل الهجرة. وقال الشافعي: من أدرك بيعة الرضوان. (وهي الحديبية) . حكاه مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية. وقيل: يعني الذين شهدوا بدرا. قاله الواحدي في الوجيز، وغيره. قال الشوكاني في فتح القدير: ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها. وسيأتي مزيد بحث. وقال الطبري: يقول تعالى ذكره: والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }: وَالسَّابِقُونَ": إلى الإيمان من كل أمة. قاله ابن الجوزي في التذكرة. قوله {من المهاجرين}: الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا منازلهم وأوطانهم. قاله الطبري. قوله {والأنصار}: أي الذين آووا ونصروا. قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. قال الطبري: والأنصار الذين نصروا رسول الله ﷺ على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله. قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: هم الذين آمنوا قبل قدوم رسول الله - ﷺ. قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ): قد قال أرباب التفسير في ذلك أقوايل كثيرة، وقد تبين لي ( وأسأله أن يكون صوابا) ما يلي: أولا: الآية في المرضي عنهم جميعا؛ أصحاب رسول الله ﷺ؛ وأن معنى قوله( واتبعوهم ) ليس بمعناه الاصطلاحي حديثا: الذي لقي الصحابي. وقد نبه على ذلك غير واحد من أهل العلم. وإن كان يجب على كل مسلم أن يتبعهم بإحسان؛ لكن نحن بصدد مَن المعني. ثانيا: أن الذين عناهم بالسبق في هذا المقام: هم الذين اسلموا وهاجروا إلى أن انقطعت الهجرة، ولا يدخل فيهم من أسلم بعد الهجرة. وكذا الأنصار وهم الذين بايعوا بيعة العقبة الأولى، والثانية، والثالثة. فمن نصر الرسول بعد هذه البيعات لا يدخل فيهم؛ من ناحية السبق؛ وإنما يكون من التابعين لهم؛ يشمله قوله ( واتبعوهم )، وكذا القول في المهاجرين. ولا ريب أن من جاء بعد الصحابة - رضي الله عنهم - واتبعهم بإحسان فإنه يدخل فيها من جهة قوله ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا ). وإن كان الصحابة جميعا مرضي عنهم، ووعدهم من اختارهم لنبيه - ﷺ - بالجنة وهم في الحرمة سواء؛ لكن عقيدة أهل السنة والجماعة: تفضيل من أنفق، وقاتل قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - على من فعل بعده. قال تعالى ( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ): فقوله "وكلا وعد الله الحسنى" دليل بيّن أن أصحاب رسول الله ﷺ جميعا في الجنة؛ وإن كانوا يتفاوتون في الفضل والسبق. ولقد سجدت لله شكرا لما أبصرت كلام ابن أبي العز؛ أن وافقت شيئا من كلامه؛ حيث قال رحمه الله في تفسيره: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار " الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة. وقيل: إن السابقين الأولين من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة؛ لأن النسخ ليس من فعلهم، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة. انتهى كلامه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ويفضلون - يعني أهل السنة والجماعة - من أنفق من قبل الفتح وهو صلحالحديبية وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل ، ويقدمون المهاجرين على الأنصار . قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ولو قال قائل: إن السابقين الأولين هم جميع من هاجر إلى أن انقضت الهجرة، لكان قولا يقتضيه اللفظ، وتكون من لبيان الجنس. قال الفخر الرازي في الكبير: والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة، وفي النصرة، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين ولم يبين أنهم سابقون فيما ذا فبقي اللفظ مجملا إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارا وهو الهجرة والنصرة، فوجب أن يكون المراد منه السابقون الأولون في الهجرة والنصرة إزالة للإجمال عن اللفظ، وأيضا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس، ومخالف للطبع، فمن أقدم عليه أولا صار قدوة لغيره من هذه الطاعة، وكان ذلك مقويا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وسببا لزوال الوحشة عن خاطره، وكذلك السبق في النصرة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة، فازوا بمنصب عظيم، فلهذه الوجوه يجب أن يكون المراد والسابقون الأولون في الهجرة... - وراجع تتمة كلامه إن شئت ففيه فوائد - . قوله {والذين اتبعوهم}: أي من اتبعهم إلى يوم القيامة. قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: على دينهم الإسلام. قال أبو حيان في البحر المحيط: هم سائر الصحابة، ويدخل في هذا اللفظ التابعون، وسائر الأمة لكن بشرط الإحسان. قال الطبري: يقول والذين سلكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، طلب رضي الله. قوله {بإحسان}: قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي من اتبعهم إلى يوم القيامة. قال السيوطي في الجلالين: في العمل. قال في الوجيز: يعني: ومن اتبعهم على مناهجهم إلى يوم القيامة ممن يحسن القول فيهم. قال الجصاص في أحكام القرآن: فيه الدلالة على تفضيل السابق إلى الخير على التالي؛ لأنه داع إليه يسبقه والتالي تابع له فهو إمام له وله مثل أجره، كما قال النبي ﷺ: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، وكذلك السابق إلى الشر أسوأ حالا من التابع له; لأنه في معنى من سنه، وقال الله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} يعني أثقال من اقتدى بهم في الشر. قلت ( عبدالرحيم ): ينبغي تعميم القول في قوله " بإحسان " دون تقييده بأي نوع من الإحسان؛ فلفظ الإحسان وكا ما تعتريه الكلمة من معان فهم داخلون فيه، وأولى الناس به؛ فاتباع الصحابة بإحسان - رضي الله عنهم -؛ أوسع وأشمل بكثير مما وقفت عليه؛ فالتزام هديهم، في جهادهم، وهجرتهم، ومحبتهم، وعدم التعرض لهم إلا بالجميل الحسن، وبغض من أبغضهم، وحب من أحبهم، ونشر شمائلهم في الخليقة، إلى غير ذلك من هذه المعاني التي هم لها أهل - رضي الله عنهم أجمعين -؛ داخل في لفظ الإحسان. وما الأسف لم أطلع على ما يشفي الصدر في تأويل هذه اللفظة مع جلاء معناه الغزير؛ كأنه سيل جرار متدفق في حدائق الأزهار. روى ابن أبي حاتم في تفسيره: عن ابن عباس، قال: أتاه رجل فذكر بعض أصحاب محمد- ﷺ- ورضي عنهم كأنه يتنقص بعضهم، فقال ابن عباس والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أما أنت فلم تتبعهم بإحسان. قال أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة: ثم أخبر عن جملتهم أن اللَّه راضٍ عنهم دل - واللَّه أعلم - أن التقليد لهم لازم، والاقتداء بهم واجب، وإذا أخبروا بخبر أو حدثوا بحديث يجب العمل به، ولا يسع تركه، واللَّه أعلم بذلك. قوله {رضي الله عنهم}: بطاعته. قاله السيوطي، وهو قول سليمان بن مقاتل. إلا أن مقاتلا قال: بالطاعة. قال النسفي في المدارك: بأعمالهم الحسنة. قوله {ورضوا عنه}: بثوابه. قاله السيوطي في الجلالين. قال الزجاج في معانيه: تأويله: - والله أعلم - أن الله رضي أفعالهم، وأنهم رضوا ما جازاهم الله به. وبه قال النحاس في معاني القرآن. قال الفخر الرازي في الكبير: ومعناه: رضي الله عنهم لأعمالهم وكثرة طاعاتهم، ورضوا عنه لما أفاض عليهم من نعمه الجليلة في الدين والدنيا. قال الطبري: معنى الكلام: رضي الله عن جميعهم لما أطاعوه وأجابوا نبيه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه، ورضي عنه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار. والذين اتبعوهم بإحسان لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم إياه وإيمانهم به وبنبيه عليه الصلاة والسلام. قال أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة: دل أنهم كانوا على حق وصواب من الأمر، وأن من وصفهم بالظلم والتعدي هو الظالم. والمتعدي: واضع الشيء غير موضعه. وفيه دلالة جواز تقليد الصحابة والاتباع لهم، والاقتداء بهم؛ لأنه مدح - عز وجل - بقوله: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، ثم أخبر عن جملتهم أن اللَّه راضٍ عنهم دل - واللَّه أعلم - أن التقليد لهم لازم، والاقتداء بهم واجب، وإذا أخبروا بخبر أو حدثوا بحديث يجب العمل به، ولا يسع تركه، واللَّه أعلم بذلك.
انتهى
قوله {وأعد لهم}: في الآخرة. قاله أبو السعود في تفسيره. قوله {جنات تجري تحتها الأنهار}: أي تحت أشجارها. قاله الإيجي. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: عني بساتين تجري تحتها الأنهار. قال الطبري: وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار يدخلونها خالدين فيها لابثين فيها أبدا لا يموتون فيها ولا يخرجون منها. قلت ( عبدالرحيم ): والجنة في اللغة بمعنى: " البستان " ومنه قوله تعالى ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ): جَنَّتَكَ: أي بستانك. قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والجنة: كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض. ثم قال: وسميت الجنة إما تشبيها بالجنة في الأرض- وإن كان بينهما بون-، وإما لستره نعمها عنا المشار إليها بقوله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين. قوله {خالدين فيها أبدا}: لا يموتون. قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره. قوله {ذلك}: رضا ربهم عنهم، وجزاؤه لهم. قاله السيوطي في الجلالين. قوله {الفوز العظيم}:يعني: ذلك الثواب، الفوز العظيم. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير. ........ متفرقات: ( البسيط في تفسير معاني وغريب القرآن )
( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ(17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) ) الإنشقاق قوله ( وما وسق ): وما جمع. قاله الفراء، وإلايجي الشافعي. وبه قال الزجاج، ومكي، وابن الهائم، والنسفي، والبغوي، وابن جزي الغرناطي، وأبو السعود. وحكاه في البسيط عن المبرد. وزاد النسفي، والبغوي، والزجاج، وابن جزي، وأبو السعود: وضم. وزاد ابن الهائم: وذلك أن الليل يضمّ كلّ شيء إلى ما وراءه فيقال فيه: واللّيل وما وسق. وزاد الإيجي: وضم من دابة وغيرها. قال السمين الحلبي: الوسق: جمع الأشياء المتفرقة، والمعنى: وما جمع من الظلم. قال السعدي: أي احتوى عليه من حيوانات وغيرها. قال الواحدي ( في البسيط ): أي وما جمع، وضم، وحوى، ولفَّ. وقال الواحدي ( في الوسيط ): والمعنى: جمع وضم ما كان منتشرًا بالنهار في تصرفه، وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى مأواه. وقال الواحدي ( في الوجيز ): جمع وحمل وضمَّ وآوى من الدواب والحشرات والهوام والسباع وكلّ شيء دخل عليه اللَّيل. قال النسفي: والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم، أو ما عمل فيه من التهجد وغيره. قال عكرمة: ساق؛ لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مأواه. حكاه الماوردي في النكت. قال الشنقيطي: والمعنى هنا : والليل وما جمعه من المخلوقات . قيل: كأنه أقسم بكل شيء كقوله تعالى: ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ). قال الطبري: يقول: والليل وما جمع مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يَدِب نهارا. قال السمرقندي: يعني: ما يساق معه من الظلمة والكواكب. قال الراغب الأصفهاني: الوَسْقُ: جمع المتفرّق. يقال: وَسَقْتُ الشيء: إذاجمعته. قال الشنقيطي: هو الجمع والضم للشيء الكثير. ويقال: وسق: علا، وذلك أنّ الليل يعلو كلّ شيء ويجلّله ولا يمتنع منه شيء. قاله ابن الهائم. قال ابن أبي زمنين: وما جمع مما عَمِلَ فيه الخلق من خير أو شر. وقيل: أي جمع وساق كل شيء إلى مأواه من الطير والسباع، فذكر النهار والليل؛ لما فيهما من المنافع. حكاه الماتريدي. وقال عكرمة: وما جمع فيه منّ دوابه وعقاربه وحيّاته وظلمته. حكاه الثعلبي. قال مكي في الهداية: أكثر المفسرين على أن معنى ( وَمَا وَسَقَ ): وما جمع، وما آوى، وما ستر. قال السمعاني: أي: وما جمع ولف، وضم الأشياء بعد انتشارها، وإنما قال ذلك؛ لأنه إِذا كان الليل آوى كل شيء إلى مأواه، ورجع كل إنسان إلى منزله، وإذا كان النهار انتشروا في التصرف. قوله ( والقمر إذا اتسق ): إذا تمّ وكمل، إذا اجتمع واستوى. يقال اتسق القوم أي: اجتمعوا. بلغة جرهم. ذكره عبدالله بن حسنون السامري. قال السعدي: أي امتلأ نورًا بإبداره، وذلك أحسن ما يكون وأكثر منافع. قال الإيجي الشافعي: استوى وتم بدرًا. قال أبو السعود: اجتمع،وتم بدرا؛ ليلة أربع عشر. قال شهاب الدين الشافعي ثم الحنفي: انتظم واجتمع نوره إذا كان بدراً. قال النسفي: تمّ واستوى واجتمع. قال الواحدي في الوسيط: استوى، واجتمع، وتكامل، وتم. قال ابن عباس: اتّساقه اجتماعه واستواؤه. حكاه نافع بن الأزرق. قال السمين الحلبي: اجتمع ضوؤه في الليالي البيض. قال ابن أبي زمنين: إذا استوى فاستدار. قال ابن قتيبة، ومكي، وأبو بكر السجستاني: أي امتلأ في الليالي البيض. إلا أن أبا بكر قال: إِذا تمّ وامتلأ.. إلخ. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: إذا تمّ. قال الفراء: اتساقه: امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه. وقال الشنقيطي: أي اتسع أي تكامل نوره، وهو افتعل من وسق. وقال أبو بكر الأصم: معناه: أنه جُمع وسوي بعد أن كان كالعرجون القديم فيذكرهم قوته؛ ليعلموا أنه قادر على بعثهم. حكاه الماتريدي. ___ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير النسفي، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير النستفسير الطبري،، تفسير ابن أبي زمنين، تأويلات أهل السنة للماتريدي، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير السمعاني، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير أبي السعود، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني لشهاب الدين، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، أضواء البيان للشنقيطي، تفسير السعدي.
( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) الفيل: 5
قوله ( كعصف ): ورق الزّرع. قاله العز بن عبدالسلام، وأبو حيان الأندلسي، وابن الهائم، ومكي، والواحدي(وجيز)، والبيضاوي، وابن أبي زمنين، والسمعاني، والسيوطي، ومجير الدين العليمي الحنبلي، وأبو السعود، وغيرهم. وزاد السيوطي في الدر المنثور: البالي المأكول. وزاد مجير الدين: وهو التبن. وزاد أبو السعود: فيه الأكال وهو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقي صفرا منه أو كتبن أكلته الدواب وراثته. قال في القاموس المحيط: أي: كزرع أكل حبه وبقي تبنه، أو كورق أخذ ما كان فيه وبقي هو لا حب فيه، أو كورق أكلته البهائم. قال الشنقيطي: قال أكثر العلماء: العصف ورق الزرع. قال في غاية الأماني: كورق زرع أكله الدود، أو كروث الدواب. وإنما عدل إلى المنزل؛ على نمط آداب القرآن. قال القرطبي: ومما يدل على أنه ورق الزرع قول علقمة: تسقي مذانب قد مالت عصيفتها ... حدورها من أتي الماء مطموم. ( ماء كثير يغمر؛ علا وغلب ).
قال أبو بكر بن دريد الأزدي ( في جمهرة اللغة ): وهو الورق الذي يتفتح عن الثمرة والسنبلة، وهي العصيفة.
ثم ذكر البيت الذي استشهد به القرطبي. قيل: ورق كل نابت. حكاه الماتريدي. وقال عكرمة: كالحب إذا أكل فصار أجوف. حكاه البغوي. قال ابن عباس: هو قشر البر، يعني الغلاف الذي يكون فوق حبة القمح. حكاه مكي في الهداية. قال عبدالكريم بن يونس الخطيب: والعصف المأكول: أي الذي أكل منه الحب، وبقي هذا القشر الرقيق الذي كان يغلّفه. قال البيضاوي: كورق زرع وقع فيه الآكال وهو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقي صفرا منه، أو كتبن أكلته الدواب وراثته. قال مجاهد: العصف: ورق الحنطة ( القمح ). حكاه مكي، والثعلبي. وقال قتادة: هو التبن. رواه عبدالرزاق، والطبري. وقال الضحاك: كزرع مأكول. رواه الطبري. قال النسفي: زرع أكله الدود. قال ابن أبي زمنين: الْعَصْفُ: ورق الزرع. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( والحب ذو العصف والريحان ):الراغب: العَصْف والعَصِيفَة: الذي يُعْصَف من الزرع، ويقال لحطام النّبت المتكسّر: عَصْفٌ. قال مقاتل، والزجاج، والواحدي(بسيط): ورق الزرع. وزاد مقاتل: الذي يكون فيه الحب. قال السمرقندي: ذو الورق. وقال السيوطي في اتقانه: التبن. قال مكي في الهداية: ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه يسمى العصف إذا يبس. وقيل هو التبن قاله قتادة والضحاك. وقال ابن جبير العصف: البقل من الزرع. قال عبدالكريم بن يونس الخطيب: ( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ ): هو الحب الذي يؤكل كالحنطة وغيرها، والعصف: هو أوعية هذا الحب التي تنفصل عنه عند نضجه، فتكون حطاما وهشيما، كما في قوله تعالى: «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ». قال الماوردي في النكت: وأما العصف ففيه ثلاثة أقاويل: أحدها: تبن الزرع وورقه الذي تعصفه الريح، قاله ابن عباس. الثاني: أنه الزرع إذا اصفر ويبس. الثالث: أنه حب المأكول منه، قاله الضحاك، كما قال تعالى: ( كَعَصْفٍ مَأكُولٍ ). قال في البسيط: فحصل من هذه الأقوال أن العصفَ ورق الزرع، ثم إذا يبس وديس صار تبنًا. وعلى هذا يدور كلام المفسرين. انتهى قوله ( مأكول ): ممضوغ. قال عبدالرحمن بن زيد: ورق الزرع وورق البقل، إذا أكلته البهائم فراثته، فصار رَوْثا. رواه الطبري. قال حبيب بن أبي ثابت: ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) قال: كطعام مطعوم. رواه الطبري. قال مقاتل: فشبههم بورق الزرع المأكول يعني البالي. قال ابن الهائم: يعني أخذ ما فيه من الحبّ فأكل وبقي هو لا حبّ فيه. قال ابن أبي زمنين: والمأكول: الذي قد أخرقه الدود الذي يكون في البقل. وبه قال العز بن عبدالسلام. قال السمرقندي: يعني: كزرعٍ بالٍ. قال الواحدي في الوجيز: كزرع أكلته الدواب فداسته وفتَّتته. قال الزجاج: أي جعلهم كورق الزرع الذي جف وأُكل. المعنى الإجمالي للآية: قال الطبري: يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدواب فراثته، فيبس وتفرّقت أجزاؤه؛ شبَّه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نـزلت بهم، وتفرّق آراب أبدانهم بها، بتفرق أجزاء الروث، الذي حدث عن أكل الزرع. وهو قول البغوي، والخازن، والسمعاني، ومجير الدين الحنبلي، ومكي في الهداية، و الواحدي في الوسيط. وزاد الخازن: وتبن. فقال: يعني كزرع وتبن...إلى آخره. وبنحوه قال الثعلبي. قال مكي في الهداية: وروي أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما في بطنه فيبقى كقشر الحبة إذا بقا بعد خروج الحبة منه، فالتقدير: مأكول ما فيه، أو مأكول حبه. ومن جعله الروث بعينه لم يقدر حذفا، لأن المعنى: فجعلهم كورق قد أكلته الدواب وراثته. قال سراج الدين النعماني: وفيه مبالغة حسنة، وهو أنه لم يكفهم أم جعلهم أهون شيء من الزرع، وهو ما لا يجدي طائلا، حتى جعلهم رجيعا. وبنحوه قال السمين الحلبي: لم يكفه أن شبههم بأهون الأشياء. وهو ما يأكله الدواب بغير رغبةٍ لها فيه - حتى جعلهم بمنزلته بعدما أكل وصار سرجينًا ورجيعًا. قال إسماعيل الخلوتي في روح البيان: وهنا شبههم به فى فنائهم وذهابهم بالكلية او من حيث انه حدثت فيهم بسبب رميهم منافذ وشقوق كالزرع الذي أكله الدود قال القرطبي: أي جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب، فرمت به من أسفل. شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزائه. وبه قال الشوكاني، وصديق حسن خان، وسراج الدين النعماني. قلت ( عبدالرحيم ): ولأن الله حيي يكني؛ فكان منه_ جل ذكره_ التعريض بحالهم؛ فما ذكر الروث، ولا الرجيع، أو نحوه.
ونظيره في التنزيل كثير؛ كما قال ( أو جاء أحد منكم من الغائط ): عني قضاء الحاجة.
وكقوله عن عيسى وأمه ( كانا يأكلان الطعام ): فمن أكل الطعام قطعا سيُخْرج، دليل على أنهما بشر. وكقوله ( من قبل أن تمسوهن ): عني الجماع. وقوله ( وقد أفضى بعضكم إلى بعض ): عني الجماع. وقوله( فلما تغشاها حملت حملت خفيفا ): عني الجماع. وفيه بيان إهانة الله لأصحاب الفيل؛ بعدما وصفهم بصحبة حيوان بهيم؛ بعدما أتلفهم بعذاب لم يسمع من قبل إلا في التنزيل ( ومن يهن الله فما له من مكرم ). _____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، البسيط للواحدي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير عبدالرزاق، تفسير النسفي، تفسير مقاتل، تفسير السمرقندي، النكت والعيون للماوردي، تفسير الخازن، الكشف والبيان للثعلبي، فتح القدير للشوكاني، اللباب لسراج الدين النعماني، تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير العز بن عبدالسلام، تفسير البيضاوي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير السمعاني، تفسير أبي السعود، الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني لشهاب الدين، تأويلات أهل السنة للماتريدي، جمهرة اللغة للأزدي، القاموس المحيط للفيروز آبادي، تفسير الشنقيطي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، التفسير المنير للزحيلي، التفسير الحديث لمحمد عزة دروزة، روح البيان لإسماعيل حقي خلوتي، التفسير القرآني للقرآن لعبدالكريم يونس الخطيب.
( فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) ) الصافات
قوله ( فراغ ): أي مال مسرعا، وأقبل عليهم سرا. قال الواحدي في الوجيز: فمال. وبه قال السمعاني. قال ابن قتيبة: أي مال عليهم يضربُهم. قال الزجاج: فمال عَلَى الأصنام. قال ابن أبي زمنين: أي مال على آلهتهم. قال الراغب الأصفهاني: أي مال، وحقيقته: طلب بضرب من الرَّوَغَان، ونبّه بقوله: (على) على معنى الاستيلاء. وقال مقاتل، والزمخشري: فأقبل وزاد مقاتل: عليها. قال أبو حيان في البحر المحيط: أي أقبل عليهم مستخفيا ضاربا. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ): قال ابن أبي زمنين: فمال. وبه قال السيوطي. قال ابن قتيبة: أي عدل إليهم في خفية. ولا يكون "الرَّواغُ" إلا أن تخفي ذهابك ومجيئك. قال في البحر: فراغ يدل على سرعة مجيئه بالقِرى. وقال الرازي: ( فراغ ) فإن الروغان يدل على السرعة والروغ الذي بمعنى النظر الخفي أو الرواح المخفي أيضا كذلك ، ثم الإخفاء فإن المضيف إذا أحضر شيئا ينبغي أن يخفيه عن الضيف كي لا يمنعه من الإحضار بنفسه حيث راغ هو ولم يقل هاتوا ، وغيبة المضيف لحظة من الضيف مستحسن ليستريح ويأتي بدفع ما يحتاج إليه ويمنعه الحياء منه. استطراد: قلت ( عبدالرحيم ): فهذا إبراهيم الأُمة_ عليه السلام _ لا تراه إلا مسارعا في الخيرات؛ كما رأيت من إسراعه ونشاطه في كسر الأصنام تارة، وأخرى في إسراعه في الإكرام وحق الضيف أخرى، وكذا إسراعه في امتثال أمر ربه لما أمره بذبح ولده ( إني أرى في المنام أني أذبح ). و كل ذلك مصداقا لقوله ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ). فاقتف سبيلهم. قال الله ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ). انتهى قوله ( عليهم ) : يضربهم. قاله الواحدي. قال الزجاج: وهي الأصنام لأنهم جعلوها معبودةً بمنزلة ما يميز... قال البقاعي: بغاية النشاط والخفة والرشاقة يضربهم. قوله ( ضربا باليمين ): ضربا شديدا قويا بيده اليمنى؛ وهو الحنيف الغيور؛ غار لما عبدت دون ربه. قال مقاتل: بيده اليمين. قال أبو حيان في البحر: بيمين يديه. قال في الوجيز: بيده اليمنى. قال ابن قتيبة في تأويل المشكل: لأن في اليمين القوة وشدّة البطش، فأخبرنا عن شدة ضربه بها. قال الزمخشري: ومعنى ضربا باليمين ضربا شديدا قويا، لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما. قال أبو السعود: وقوة الآلة تقتضي قوة الفعل وشدته. قال الطبري: فمال على آلهة قومه ضربا لها باليمين بفأس في يده يكسرهن. قال القاسمي: أي التي هي أقوى الباطشتين، فكسرها. قال السمرقندي: يعني أقبل يضربهم بيمينه. قال النحاس: قال أبو جعفر يجوز أن يكون معنى (باليمين) بالقوة كما تقدم ويجوز أن يريد اليد. وقيل: بالقسم؛ لأنه حلف أن يكسرها في قوله ( وتالله لأكيدن أصنامكم ). قلت ( عبدالرحيم ): وخص الله يده اليمنى في قوله ( ضربا باليمين ) _ والله أعلم _ لأن الشؤمى ( الشمال ) أضعف من اليمنى، ولقد حمدت الله أن سبقني إليه البغوي،_وغيره_ حيث قال:"كان يضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى على العمل من الشمال". وقال مكي: فذكر اليمين؛ لأن فيها القوة وشدة البطش، فأخبر بذلك عن شدة الضرب. انتهى كلامه. قلت: وهذا في حق المخلوق؛ أم الخالق _ جل ذكره _ فكلتا يديه يمين؛ كلتا يديه غاية في الكمال، فما رواه مسلم في صحيحة من حديث عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: " يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون. ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ "، فيجب أن يفهم قوله:" ثم يطوي الأرضين بشماله". في ضوء قوله في الحديث الآخر الذي رواه مسلم وغيره من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي ﷺ قال: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا»، والشاهد قوله ( وكلتا يديه يمين ): فإن ثبت حديث ابن عمر فلا تعارض بين الحديثين؛ فنثبت لله صفة الشمال على ما يليق به_ تبارك وتعالى _ وأن شماله غاية في الكمال من القوة والخير والبركة؛ كيمينه ( ليس كمثله شيء ). قال العثيمين ( مجموع فتاوى الشيخ ): فإذا كانت محفوظة فهي عندي لا تنافي، "كلتا يديه يمين" لأن المعنى أن اليد الأخرى ليست كيد الشمال بالنسبة للمخلوق ناقصة عن اليد اليمنى، فقال: "كلتا يديه يمين" أي ليس فيهما نقص، فلما كان الوهم ربما يذهب إلى أن إثبات الشمال يعني النقص في هذه اليد دون الأخرى قال: "كلتا يديه يمين"، ويؤيده قوله: "المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن" فإن المقصود بيان فضلهم ومرتبتهم وأنهم على يمين الرحمن سبحانه. انتهى وقال الفراء في قول ( ضربا باليمين ): أي بالقوّة والقدرة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ): قال الطبري: لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة. قوله ( فأقبلوا ): دل على أنه من مكان بعيد. قاله البقاعي. قلت ( عبدالرحيم ): ويدل على شدة غضبهم لآلهتهم، وشدة غيرتهم عليها، ومحبتهم لها، حتى أخذتهم العزة بالإثم. قال الله ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ): فأهل الإيمان أجدر أن يغاروا ويصبروا على دين الله. انتهى قوله ( إليه ): أي إلى إبراهيم بعد ما رجعوا. قاله القاسمي. قوله ( يزفون ): يسرعون. قاله الإيجي الشافعي، وابن قتيبة، والبقاعي، وأبو حيان، والسمرقندي، والقاسمي. وزاد القاسمي: لمعاتبته على ما صدر منه. والمعنى: جاءوا مسرعين، على عجل؛ ليبطشوا به. يقال: زف وأزف؛ إذا أسرع في مشيه. قال القاسمي: ولما قامت عليهم الحجة، عدلوا إلى أخذه باليد والقهر. قال البغوي: فأسرعوا إليه ليأخذوه. قال الخضيري: يعدون مسرعين غاضبين. وقيل: فأقبلوا يستعجلون. وقيل: يُرْعِدُونَ غضبا. حكاه يحيى بن سلام في التصاريف. قال السعدي: بعدما بحثوا وقالوا: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} وقيل لهم {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}. ____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تأويل المشكل لابن قتيبة، تفسير مقاتل، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير ابن أبي زمنين، الكشاف للزمخشري، البحر المحيط لأبي حيان، التفسير الكبير للرازي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير أبي السعود، تفسير الطبري، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير السمرقندي، تفسير البغوي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، جامع البيان للإيجي الشافعي، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير الجلالين، تفسير السعدي، مجموع فتاوى العثيمين.
( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) هود: (91) قوله ( ما نفقه ): أي ما نفهم. قاله الواحدي في الوسيط، والبغوي، والسيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ): قال الخازن: يعني: لا يفهمون بها ولايعقلون بها وأصل الفقه في اللغة الفهم والعلم بالشيء ثم صار علما على اسم العلم في الدين لشرفه على غيره من العلوم... وقوله ( وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ): قال ابن عطية: معناه لا يفهمون. وقوله ( فَمَالِ هَؤُلاء ِالْقَوْمِ لايَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ): قال الواحدي في الوجيز: لا يفهمون القرآن. وقوله ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ): أي لا يفهمون قولا. عني يأجوج ومأجوج. قال النسفي: أي لايكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها. وقوله ( وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ): قال السمرقندي: أي لكيلا يعرفوه ولايفهموه. قال البغوي: أي يفهموه يريد لئلا يفهموه. وقوله ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ): لا تفهمون لأنه ليس بلغتكم. قاله السيوطي، والخطيب الشربيني. قوله ( ولولا رهطك ): أي لولا عشيرتك. قاله الزجاج، والسمرقندي. وبه قال مقاتل. قال ابن فارس في مقاييس اللغة: فالرهط: العصابة من ثلاثة إلى عشرة. قوله ( لرجمناك ): لقتلناك. قاله ابن قتيبة، ومقاتل، والزجاج، والنحاس، والسمرقندي. وحكاه في البسيط عن ابن عباس. قلت ( عبدالرحيم ): يأتي الرجم في القرآن على عدة معان: يأتي بمعنى القتل؛ ومنه قوله تعالى ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ): قال مقاتل، وأبو الهلال العسكري، وابن قتيبة، والزجاج، والسمرقندي، والواحدي(بسيط): تقتلون. قال الفراء: الرجم ههنا القتل. حكاه النحاس. وقوله ( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ): قال الفراء، والزجاج، وابن أبي زمنين: لنقتلنكم. وحكاه يحيى بن سلام عن السدي. وزاد الزجاج: رجما. قال مقاتل: لئن لم تسكتوا عنا لنقتلنكم. وقوله ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ): قال مقاتل: يعني من المقتولين.
قال الراغب الأصفهاني: أي المقتولين أقبح قتلة.
قال السمرقندي: يعني من المقتولين بالحجارة. قال قتادة: بالحجارةِ، فلنقتلنك بها. حكاه يحيى بن سلام. وقوله ( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ): قال ابن قتيبة، ومقاتل، والسمرقندي، ويحيى بن سلام، والزجاج: يقتلوكم. وزاد ابن سلام: بالحجارة. وزاد الزجاج: بالرجم، والرجم من أخبث القتل. قال الواحدي في البسيط: معنى الرجم في اللغة: الرمي بالحجارة، ثم قيل للقتل: رجم؛ لأنه يقصد به القتل، ثم قيل لكل قَتْلٍ رَجْم وإن لم يكن بالحجارة. ويأتي الرجم بمعنى السب والشتم: ومنه قوله تعالى ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ): يعني إذا لم تعبد الأصنام فكف عن سبها وشتمها؛ وإلا سببتك وشتمتك. قال الفراء: لأسبّنّك. وقال ابن قتيبة، والسيوطي: أي لأشتمنك. وقال الراغب الأصفهاني: أي: لأقولنّ فيك ما تكره. قال الواحدي في البسيط: لأسبنك ولأشتمنك. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس والسدي وابن جريج والضحاك. ويأتي بمعنى الظن: ومنه قوله تعالى ( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ): رجما: قال ابن قتيبة: أي ظنّا. ويقال: رجم بالظن، كأنه رمى به. وذكر ابن حسنون السامري: يعين ظنّا بلغة هذيل. ويأتي بمعنى الرمي: ومنه قوله ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ): رجوما: قال ابن قتيبة، والواحدي: مرامي. قال مقاتل: يعني رميا للشياطين يعني إذا ارتقوا إلى السماء. وقال الثعلبي: مرمى. قلت: ومنه رجم الزاني المحصن حتى الموت؛ أي رميه بالحجارة حتى القتل. قوله تعالى ( وما أنت علينا بعزيز )*: أي وما أنت عندنا بعظيم؛ لا مكانة لك عندنا لولا حرمة عشيرتك؛ فقتلك ليس علينا بشديد. قال ابن أبي زمنين: بعظيم، وكان من أشرافهم. قال ابن عباس: يريد: ما أنت علينا بمنيع. حكاه الواحدي في البسيط. ______ المصدر: أنظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، الوجوه والنظائر لأبي الهلال العسكري، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير السمرقندي، تفسير مقاتل، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، البسيط للواحدي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير الجلالين، التصاريف ليحيى بن سلام، الكشف والبيان للثعلبي، المحرر الوجيز لابن عطية، مدارك التنزيل للنسفي، تفسير السمرقندي، السراج المنير للخطيب الشربيني، مقاييس اللغة لابن فارس.
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ): النحل: 98
قوله ( فإذا قرأت القرآن ): الخطاب له_ صلوات الله وسلامه عليه_ ولجميع أمته؛ ومنه قوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ). ونظيره في التنزيل كثير. وسيأتي مفصلا ( إن شاء الله ). قوله ( فاستعذ بالله ): أي إذا أردت أن تقرأ؛ حتى تقرأه على استعاذة؛ والمعنى: قبل أن تأخذ في القراءة فاستعذ بالله. فالكلام ليس على ظاهره. وهذا كقولك: إذا أحرمت فاغتسل. يعني فاغتسل قبل الإحرام. ونظير ذلك ما جاء في الحديث مرفوعا: [ يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك] (1) أنظر إلى تخريجه أدناه فهيه فوائد ( أحسب ). والشاهد قوله: "إذا أكلت فقل: بسم الله": يعني إذا أردت أن تأكل؛ لأنه لا يجوز الأكل قبل التسمية إذا كان ذاكرا؛ فليس معناه على ظاهره؛ أنه يسمي بعد الأكل. ومنه أيضا ما قاله أنس: كان إذا دخل الخلاء قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) متفق عليه.
- أي إذا أراد أن يدخل الخلاء؛ يعني قبل تحقق دخوله؛ حتى يدخل متحصنا بالذكر.
ومن ذلك حديث ابن عباس مرفوعا: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره». رواه البخاري. فقوله ( إذا أتى أهله ): أي إذا أراد أن يأتي فليسم؛ وليس معناه بعد الإتيان. وعليه فقوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ): أي إذا أردت. قاله الزركشي، والسيوطي. وزاد السيوطي: قراءته. قال النحاس: المعنى وإذا أردت أن تقرأ. قال معمر بن المثنى: مقدّم ومؤخّر، لأن الاستعاذة قبل القراءة. قال الزجاج: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ليس معناه استعذ بالله بعد أن تقرأ، لأن الاستعاذة أمر بها قبل الابتداء. قال الألوسي: أي إذا أردت قراءة القرآن فاسأله عز جاره أن يعيذك من وساوس الشيطان الرجيم كيلا يوسوسك في القراءة. قال الطحاوي في أحكام القرآن: أي إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم حتى تقرأه على استعاذة قد كانت منك. قال الجصاص: معناه: إذا قرأت فقدم الاستعاذة قبل القراءة، وحقيقة معناه: إذا أردت القراءة فاستعذ. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة ): قال النحاس، وأبو بكر بن العربي: المعنى إذا أردتم القيام الى الصلاة. قال الزجاج: فالهيئة قبل الصلاة، والمعنى إذا أردتم ذلك فافعلوا. قال الزركشي في البرهان: إذا أردتم لأن الإرادة سبب القيام. وقوله ( إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ): أي إذا أردتم طلاقهن. قال الكيا الهراسي، والجصاص: ومعناه: إذا أردتم الطلاق وقاربتم أن تطلقوا فطلقوا للعدة. وقوله ( وإن حكمت فاحكم بينهم ): قال الزركشي: أي أردت الحكم، ومثله ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس ). وقوله ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ): أي إذا أردتم أن تسألوهن. قال الكيا الهراسي: ليس المراد به أن يسألا من وراء حجاب بعد سؤال متقدم. وقوله ( إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ): أي إذا أردتم مناجاة الرسول. قال البقاعي: أردتم أن تناجوا. قال صديق حسن خان: والمعنى إذا أردتم مساررة الرسول في أمر من أموركم. وقوله ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ): قال الكيا الهراسي: وليس المراد به العدل بعد القول، لكن قبله يعزم على أن لا يقول إلا عدلا. وقوله ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ): قال الزركشي: أي أراد. ومثله ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ): فقوله ( فبلغن أجلهن ): أي قاربن على انتهاء عدة الطلاق؛ فلكم الإمساك بالرجعة؛ وإلا لبانت منه. قال الكيا الهراسي: أجمع العلماء على أن المراد ببلوغ الأجل مقاربة البلوغ، ولذكر بلوغ الأجل؛ والمراد به مقاربته دون انقضائه. قلت: لأنه لو انقضى الأجل لبانت منه. وتفصيله في موطنه. قوله ( الرجيم ): أي المرجوم؛ المبعد المطرود من كل خير. فالرجيم: فعيل بمعنى مفعول؛ كجريح، وقتيل، وذبيحة، بمعنى مجروح، ومقتول، ومذبوحة. ونظيره في التنزيل كثير؛ ومنه قوله تعالى ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ): الرقيم: أي المرقوم؛ بمعنى: المكتوب؛ فهو فعيل بمعنى مفعول. قال ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني: والرقيم: الكتاب. وهو فعيل بمعنى مفعول. وقوله في المحرمات من المطعومات ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ ): قال ابن الهائم: المنطوحة حتى تموت؛ وهي فعيلة بمعنى مفعول. وقوله ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ) : بحيرة: أي مبحورة؛ مشقوقة الأذن. فهي فعليلة بمعنى مفعولة؛ وهي الناقة المشقوقة الأذن. مأخوذة من البحر وهو الشق؛ شق الأذن. ومثله: الوصيلة. قال السايس: فعيلة بمعنى مبحورة، أي مشقوقة. قال الألوسي: هي فعيلة بمعنى مفعولة من البحر وهو الشق. وقوله في المحرمات من النساء ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ): ربائبكم: قال أبو بكر بن العربي: واحدتها ربيبة؛ فعلية بمعنى مفعولة؛ من قولك: ربها يربها؛ إذا تولى أمرها.
قال ابن عطية في المحرر: سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبة. وربيبة: فعيلة بمعنى مفعولة.
وقوله ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ): خليفة: أي مخلوف؛ فخليفة: فعيلة، بمعنى مفعولة. أفادته مكي في الهداية. وقوله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة ): الوسيلة: فعيلة بمعنى مفعولة من فعل وسل يسل باب وعد. قاله محمود الصافي. قال الطاهر بن عاشور: والوسيلة : كالوصيلة . وفعل وسل قريب من فعل وصل ، فالوسيلة : القربة ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة ، أي متوسل بها أي اتبعوا التقرب إليه ، أي بالطاعة . وقوله ( وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ): قال الطاهر بن عاشور: والخطيئة فعلية بمعنى مفعولة لأنها مخطوء بها أي مسلوك بها مسلك الخطأ. مسألة: ما صيغة الاستعاذة؟ ج: اختار نافع، وابن عامر، والكسائي: أن يقولوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السّميع العليم. واحتجوا بالآية التي نحن بصددها. أفاده أبو العلاء الكرماني في مفاتيح الأغاني. قال الألوسي: وكيفية الاستعاذة عند الجمهور من القراء وغيرهم "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لتظافر الروايات على أنه ﷺ كان يستعيذ كذلك. سؤال: ما يقال في قول من قال: أن الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة؟ قال الجصاص: وقول من قال: "الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة شاذ، وإنما الاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة، قال الله تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة. ولعله يأتي ( إن شاء الله ) مزيد بحث عند تفسير سورة النحل. __
(1): رواه الطبراني في الدعاء (886) والحميدي في مسنده (580)، و أبو عوانة في المستخرج (8255 )، والطحاوي في شرح المشكل ( 157 ).
وأورده الألباني في الصحيحة برقم: ( 344 )؛ وعزاه إلى الطبراني في المعجم الكبير من حديث عمرو بن أبي سلمة.
قلت( عبدالرحيم ): وهو كما قال رحمه الله؛ وتمامه:" «فما زالت تلك طعمتي بعد" و الحديث بلفظ " بسم الله" غير مشهور عند الكثير؛ وهو نص في محل النزاع؛ أعني صيغة التسمية على الطعام.
وجاء صريحا عند أحمد ( 25733 )، والترمذي ( 1858 ) و مستدرك الحاكم ( 7087 ) من حديث أم المؤمنين عائشة مرفوعا: " إذا أكل أحدكم طعاما، فليقل بسم الله، فإن نسي في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره ". قال الذهبي في تعليقه على الحاكم" صحيح الاسناد ولم يخرجاه". وصححه الألباني في صحيح الترمذي بالرقم ذاته( 1858 ). وقال الألباني _ رحمه الله_ في موطن آخر: ( في تخريج أحاديث منار السبيل ) بصدد حديث الطبراني؛ قال ما نصه: "(تنبيه) : لفظ الحديث عند جميع الطرق: " وسم الله " إلا في رواية الطبراني من الطريق الأولى فهي بلفظ: " يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله ... ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ففيه بيان ما أطلق في الروايات الأخرى، وأن التسمية على الطعام إنما السنة فيها أن يقول باختصار: " باسم الله "انتهى. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. _____ المصدر: التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي، أحكام القرآن للكيا الهراسي، أحكام القرآن لمحمد السايس، التفسير الكبير للرازي، تفسير ابن جزي الغرناطي، زاد المسير لابن الجوزي، البحر المحيط لأبي حيان، اللباب لسراج الدين النعماني، فتح القدير للشوكاني، الجدول في إعراب القرآن لمحمود الصافي، ، إعراب القرآن للدعاس، مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي، البرهان في علوم القرآن للزركشي، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير الألوسي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، المحرر الوجيز لابن عطية.
( وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) الكهف: 80 قوله ( فَخَشِينا ): أي فعلمنا.
قاله الجرجاني، ومقاتل، والفراء، والطبري، وابن قتيبة، والثعلبي، والبغوي، والواحدي( بسيط ).
وزاد الطبري: أنه يرهقهما. قال القرطبي: قال ابن عباس أي فعلمنا. وقال نجم الدين النيسابوري، والعز بن عبدالسلام: كرهنا، أو علمنا. وزاد العز بن عبدالسلام: أو خفنا. قال أبو الهلال العسكري في الوجوه والنظائر: وكذلك الخشية بمعنى العلم، قال الله: ( فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ). فقوله تعالى ( فخشينا أن يرهقهما ): أي فعلمنا. وقال البصريون يقال خشيت الشيء بمعنى كرهته وبمعنى فزعت منه كما يقال للرجل أخشى أن يكون كذا وكذا أي أكره. حكاه النحاس. قال الأخفش: وأما ( فَخَشِينَا ): فمعناه: كَرِهنا. وحكاه الواحدي في البسيط عن: قطرب. قال مكي بن حموش في الهداية: فإذا كان من قول الله_ عز وجل_ فمعناه فعلمنا، كما يقال: طننت بمعنى علمت. وقيل: وقيل معناها فكرهنا... قال الزجاج: وقوله (فخشينا) من كلام الخضر، وقال قوم لا يجوز أن يكون فخشينا عن الله، وقالوا دليلنا على أن فخشينا من كلام الخضر قوله ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا )، ثم قال الزجاج _ رحمه الله_ وهذا جائز أن يكون عن الله عز وجل: (فخشينا)، لأن الخشية من الله عز وجل معناه الكراهة، ومعناها من الآدميين الخوف. انتهى كلامه. قال ابن قتيبة، والفراء، والثعلبي، وغيرهم: وهي فِي قراءة أُبَيّ ( بن كعب رضي الله عنه ) « فخافَ ربُّك أن يرهقهما ». وعزاه الطبري، وغيره إلى مصحف عبدالله بن مسعود. قال الفراء، والثعلبي: علم. وزاد الفراء: ربُّك. وقال يحيى بن سلام: تفسير فخاف ربك: فكره ربك. قال أبو حيان الأندلسي : فخشينا أي: خفنا. قال النحاس: والكلام في خفت وخشيت واحد. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ): قال السمرقندي، والواحدي، وأبو الهلال العسكري: أي علم. قال السمعاني: الخوف ها هنا بمعنى العلم. وزاد الواحدي في الوسيط: والخوف يستعمل بمعنى العلم، لأن في الخوف طرقا من العلم، وذلك أن القائل إذا قال: أخاف أن يقع أمر كذا. كأنه يقول: أعلم. وقوله ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ): خافت: قال مقاتل، ويحيى بن سلام: يعني علمت. وقوله ( وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ): فقوله ( إلا أن يخافا ): قال الفراء: أي إلا أن يعلما. وقوله ( فإن خفتم ): قال يحيى بن سلام: إن علمتم. وقوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ): أي فإن علمتم أنكم لا تعدلوا في اليتيمة؛ باعتبار ما كان؛ وخفت الجور عليها طمعا في مالها؛ فاعدل إلى غيرها. قال ابن قتيبة في الغريب أي: فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين اليتامى. وقوله ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ): قال يحيى بن سلام: يعني إن علمتم. قال الألوسي: والمراد فإن علمتم. وقوله ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ): فسر المفسرون ( يخافون ): يعلمون. حكاه النحاس. قال يحيى بن سلام: يعني يعلمون ويستيقنون. قال ابن قتيبة: لأن في الخشية، والمخافة طرفا من العلم. قال النحاس: كما يقال ظننا بمعنى علمنا. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا ): قال أبو السعود، والألوسي: أي علمنا الآن. وقال البغوي: علمنا وأيقنا. قال الطبري: وأنا علما أن لن نُعجز الله في الأرض إن أراد بنا سوءا. ______ المصدر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن، للأخفش، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير أبي السعود، تفسير الألوسي، الكشف والبيان للثعلبي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوسيط للواحدي، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير البغوي، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير العز بن عبد السلام، تفسير السمرقندي، الوسيط للواحدي، تفسير السمعاني، الوجوه والنظائر لأبي الهلال العسكري، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي.
( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) ) القصص قوله ( وَقَالَتْ ): أم موسى لأخت موسى حين ألقته في اليم. قاله الطبري. قوله ( قُصّيهِ): قصي أثره. قاله الأخفش، والفراء، وابن قتيبة. وزاد ابن قتيبة: واتبعيه. قال الطبري: قصي أثر موسى، اتبعي أثره. تقول: قصصت آثار القوم: إذا اتبعت آثارهم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا ): قال بيان الحق النيسابوري: أي رجعا يقصان الأثر ويتبعانه. قال أبو بكر السجستاني: أي رجعا يقتصان الأثر الذي جاءا فيه. قال الزجاج: والقصص اتباع الأثر. قوله: ( فَبَصُرَتْ بِهِ ): أي رأته. قاله أبو حيان. قال الطبري: يقال منه: بصرت به وأبصرته، لغتان مشهورتان، وأبصرت عن جنب، وعن جنابة. قال المبرد: بصرت بالشيء، وأبصرته واحد في المعنى. حكاه الواحدي في البسيط. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى عن السامري ( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ): قال ابن كثير: أي رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون. قال السمرقندي: يعني رأيت ما لم يروا وعلمت ما لم يعلموا به يعني: بني إسرائيل. قوله ( عَنْ جُنُبٍ ): أي عن بعد، ومنه سمي الأجنبي: لبعده عن محرمية المرأة. فمعنى عن جنب: أي عن بعد، كأنها ليست تريده، ولا تعرفه؛ كي لا يُعلم أنه منها. وقيل: النظر عن جنب أن تنظر إلى الشيء كأنك لا تريده. حكاه الألوسي. قال غلام ثعلب: أي عن ناحية. وقيل: عن شوق. يقال جنبت إليك: أي اشتقت. بلغة جذام. حكاه النحاس، والماوردي، والعز بن عبدالسلام، والقرطبي، وأبو حيان، والسمين الحلبي، وسراج الدين النعامي، وصديق حسن خان وغيرهم. قال الطبري: عن بُعد لم تدن منه ولم تقرب، لئلا يعلم أنها منه بسبيل. قال بيان الحق النيسابوري: عن جانب، كأنها ليست تريده. قال الزجاج: أي عن بعد تبصر ولا تُوهِم. قال ابن قتيبة: أي عن بعد منها عنه وإعراض: لئلا يفطنوا لها. و"المجانبة" من هذا. والجنب والجنابة: البعد. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ): قال الطبري: أبعدْني وبنيّ من عبادة الأصنام. قوله ( ٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ): أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه. قاله الماوري. قوله ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ): أي منعناه أن يرضع منهن. والمراضع: جمع "مرضع". قاله ابن قتيبة. قال الطبري: ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه. قال الواحدي: منعنا موسى أن يقبل ثدي مرضعة. قلت ( عبدالرحيم ): والحرام في اللغة: الممنوع؛ وهو قسمان: شرعي؛ كتحريم الربا، وقدري؛ كما في الآية التي نحن بصددها؛ أعني قوله تعالى ( وحرمنا عليه المراضع ): فالتحريم هنا قدري؛ وليس تحريما شرعيا. ومنه قوله تعالى ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ): قال السيوطي في اتقانه: والمنع: ممتنع على أهل قرية قدرنا إهلاكهم لكفرهم أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى قيام الساعة. قال الطاهر بن عاشور: أي ممنوع على قرية قدرنا إهلاكها أن لا يرجعوا. قوله ( مِن قَبْلُ ): أن نرده على أمه. قاله الواحدي. قال البغوي: أي من قبل مجيء أم موسى. قوله تعالى ( فَقَالَتْ): أي فقالت أخت موسى عليه السلام لما تعذر عليهم رضاعه. قاله الزجاج. قوله (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ): يكفلونه: أي يضمونه إليهم. قاله ابن قتيبة، والواحدي. قال مقاتل: يعني يضمنون لكم رضاعه. قوله ( وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون ): مخلصون شفقته. قاله الواحدي. قال البقاعي: ثابت نصحهم له، لا يغشونه نوعا من الغش. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وهم له ناصحون ): النصح: ضد الغش، وهذا الكلمة حوت معاني كثيرة؛ في مقامنا هذا، وغيره. أي يعاملونه بإخلاص من غير غش ولا فساد له، ويشفقون عليه، لا يقصرون في إرضاعه وتربيته وما يصلحه؛ مع تمام حنوهم، وشفقتهم عليه، فلا يضيعونه؟. قال النسفي: النصح إخلاص العمل من شائبة الفساد. قال الشوكاني، وصديق حسن خان: أي مشفقون عليه لا يقصرون في إرضاعه وتربيته. وبنحوه قال أبو السعود. قال السمعاني: أي عليه مشفقون، والنصح ضد الغش. انتهى كلامه. وجاء ذكر النصح في الآية _ والله أعلم _ لأمرين: الأول: أهمية النصح، ومكانته. سواء في هذا المقام وفي غيره. ثانيا: أهمية الشفقة والرحمة بالرضيع؛ بخلاف من انقلبت فطرهم. يُظْهِر ذلك بجلاء ما جاء من نصوص متواترة في شأن الصبي، وكيف ضمن له الإسلام كل ما يصلحه؛ حتى بعد طلاق الزوجين وقد سبق شيء من ذلك بحمد الله. فكم من مرضع: ترضع للأجرة فحسب، نزع من قلبها الرحمة، ولا تقوم بما يلصح الصبي، بل ربما تضيعه، وتعرضه للتلف. ونطير قوله ( وهم له ناصحون ): قوله تعالى ( قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ): قال السيوطي: لقائمون بمصالحه. وهنا لطيفة، وعظة للناس عامة، ولأهل الإيمان خاصة؛ أشار إليها القشيري_ رحمه الله_ حيث قال: بالغداة كانوا في اهتمام كيف يقتلونه أمسوا- وهم في جهدهم- كيف يغذونه! فلما أعياهم أمره، قالت لهم أخته: «هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم؟» فقبلوا نصيحتها شفقة منهم عليه، وقالوا: نعم، فردوه إلى أمه، فلما وضعت ثديها في فمه ارتضعها موسى فسروا بذلك. انتهى كلامه. قلت: وهذا مصداقا لقوله ( وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني )، فعلينا عباد الله بحسن التوكل الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ونواصي، وقلوب الخلق _ جل ذكره _ والتمسك بالكتاب والسنة. _____ المصدر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للأخفش، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير البغوي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين، فتح القدير للشوكاني، تفسير أبي السعود، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير الألوسي، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير السمرقندي، لطائف الإشارات للقشيري، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير القرطبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تفسير العز بن عبد السلام، اللباب لسراج الدين النعماني.
( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) سبأ: 23 هذه الآية على وجازتها، واختصارها حوت علما كثيرا طيبا مباركا فيه؛ فأسأله لي ولعامة المسلمين؛ العفو عن التقصير. قوله ( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ ): أي شفاعة شافع لمشفوع. قاله الإيجي الشافعي. قوله ( عِندَه ): تعالى. قاله مجير الدين العليمي. قوله ( إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه ): في الشفاعة لغيره. قاله مجير الدين. قال الإيجي الشافعي: أن يشفع، أو أن يشفع له. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ): نفي وإثبات، كقولك لا إله إلا الله؛ فأنت إذا قلت: "لا إله" فإنك تنفي كل إله باطل، وقولك: "إلا الله" فإنك تثبت إله الحق_ جل ذكره؛ فكذا نقول في الشفاعة؛ فالآية تنفي الشفاعة؛ عن الكافرين قطعا؛ فهي ملغاة لا تنفع، وفي الوقت عينه تثبتها؛ لأهل الإيمان؛ إذ لا يَشْفَعُ كافرٌ، ولا يُشْفَعُ له؛ ونظيرتها قوله تعالى ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ): قال السمرقندي: وقال صوابا: يعني لا إله إلا الله يعني: من كان معه من التوحيد، وهو من أهل الشفاعة. انتهى كلامه. وعليه يحمل قوله تعالى ( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )، مع أن فيها دليل واضح أن الله مشفع بعض خلقه في بعض. كما نص عليه الطبري عند هذه الآية. وهي حجة على من ضل واستدل بها على نفي الشفاعة، فالحاصل: لا أحدَ يملكُ شفاعةً، ولا يجرؤ عليها ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ؛ حتى يأذن الله له، ويرضى عنه، وعن المشفوع فيه؛ وقد زعم المشركون أن آلهتهم شفعاء لهم عند الله ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله )، ولكن كما قال ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّامِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ): أتى بقوله ( يرضى ) ولم يعين؛ ليعم. أي حتى يرضى عن الشافع والمشفوع فيه، وأيضا لأن الملك قد يشاء ولا يرضى؛ أما ملك الملوك فلا؛ وأيضا يبكتهم ويقطع أطماعهم؛ وإذا كان هذا في شأن الملائكة؛ فما بال أصنامهم؟! وانظر في ذلك التفسير الكبير للرازي_ رحمه الله، وعفى عنه. والشفاعة كائنة يوم القيامة ولا ريب، ولا يطعن فيها إلا من ضل، وحرم. وهي ثابتة بالتواتر من الوحيين. وسيأتي بيانه في حينه مفصلا ( إن شاء الله ). قوله ( فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ): أي كشف الله، وأذهب الفزع عن قلوبهم؛ أي الملائكة. وليس معناه: أصابها الفزع. يقال أفزعه: أي أخافه. ويقال: أفزعه: أزال خوفه. وهو من الأضداد؛ على نحو ما سترى. قال الطبريُ: حتى إذا جُلِّيَ عن قلوبهم وكُشِفَ عنها الفزعُ وذهب. قال الإيجي الشافعي: أزيل الفزع، وكشف عنها. قال مجير الدين العليمي الحنبلي: أزيل عنها الفزع. قال الفراء: سكنت وذهب عنها الفزع. وقال معمر بن المثنى: نفس عنها. قال السمعاني، والبغوي: أي كشف الفزع عن قلوبهم. قال ابن أبي زمنين: كشف الله الفزع عن قلوبهم. قال ابن قتيبة، ومكي: خفف عنها الفزع. قال الواحدي في الوسيط: والتفزيع إزالة الفزع كالتمريض والتقرير. قال ابن فارس في تهذيب اللغة: وفزعت عنه: كشفت عنه الفزع. يقال أفزعته: أخفته. ويقال: فزّعته: نفّست عنه. أفاده نجم الدين النيسابوري. قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: اتفق أهل التفسير وأهل اللغة أن معنى قوله {حتى إذافزع} : كشف الفزع عن قلوبهم. انتهى كلامه. قلت ( عبدالرحيم ): ولفظ التفزيع من الأضداد؛ نص عليه الجوهري، والحميري، وعلي بن القطَّاع، واختاره الرازي في الصحاح، وحكاه الأزدي. قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: التفزيع من الأضداد، يقال فزعه أي أخافه. وفزع عنه أي كشف عنه الخوف. ومنه قوله تعالى: ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) أي كشف عنها الفزع. واختاره الرازي في مختار الصحاح. قال ابن القطَّاع: في الأفعال: وأفزع لغة بمعنى خاف وفزعت إليك وفزعت منك وأفزعت القوم اخفتهم وأيضا أغثتهم من الأضداد. قال الحميري: التفزيع: فزعه وأفزعه: أي أرعبه. وفزع عن قلبه: إذا كشف عنه الفزع، وهو من الأضداد، قال اللاه تعالى: ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) أي كشف عنها الفزع. قال الأزهري في جمهرة اللغة: وهو من الأضداد عندهم، يقال: فزع الرجل إذا رعب، وأفزعته إذا أرعبته، وأفزعته إذا نصرته وأغثته. وفزع، إذا استنصر، فزعت إلى فلان فأفزعني، أي لجأت إليه فنصرني. قال ابن عباس، وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك والحسن ، وقتادة في قوله تعالى ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) يقول : جلي عن قلوبهم. حكاه ابن كثير. قال نجم الدين النيسابوري: والمعنى: أنّ الملائكة يلحقهم فزع عند نزول جبريل- عليه السلام- بالوحي ظنا منهم أنه ينزل بالعذاب، فكشف عن قلوبهم الفزع فقالوا: ( ماذا قالَ رَبُّكُمْ ) أي: لأيّ شيء نزل جبريل. قال الزجاج: والذين فزع عن قلوبهم هاهنا الملائكة. وبه قال مقاتل، والسمرقندي، وهو مروي عن ابن مسعود، وقتادة. وقاله جمع من العلماء. وجاء صريحا فيما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة، يبلغ به النبي ﷺ، قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان قال - علي: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك - فإذا ": {فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}. قال ابن جزي الغرناطي: تظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن هذه الآية في الملائكة عليهم السلام، فإنهم إذا سمعوا الوحي إلى جبريل يفزعون لذلك فزعا عظيما، فإذا زال الفزع عن قلوبهم قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم فيقولون: قال الحق، ومعنىفزع عن قلوبهم زال عنها الفزع، والضمير في قلوبهم وفي قالوا للملائكة. انتهى قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية، وغيرها من النصوص المتواترة من الوحيين؛ دليل على إثبات صفة الكلام لله_ تقدس اسمه _ على ما يليق به، وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع على الحقيقة؛ يسمعه من شاء من خلقه؛ ليس مجازا؛ ولأن الأصل في الكلام الحقيقة؛ قال الله ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ): قال الحافظ ابن حجر ( في الفتح ) بصدد هذه الآية؛ أعني قوله ( وكلم الله موسى تكليما ): قال_ رحمه الله_: قال الأئمة: هذه الآية أقوى ما ورد في الرد على المعتزلة، قال النحاس: أجمع النحويون على أن الفعل إذا أكد بالمصدر لم يكن مجازا ؛ فإذا قال تكليما وجب أن يكون كلاما على الحقيقة التي تعقل. انتهى كلامه. قلت: وكذلك حكى الإجماع سراج الدين النعماني الحنفي؛ في: اللباب في علوم الكتاب. ومن أوضح الأدلة ما رواه البخاري وغيره من طريق الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه». وقد تعرضت لشيء من هذا؛ عند تفسير سورة التوبة، وسيأتي مفصلا؛ لاحقا ( إن شاء الله ). قوله ( قَالُوا ): أي الملائكة بعضهم لبعض. قوله ( مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ): يعني: ماذا قال جبريل- عليه السلام- عن ربكم. قاله السمرقندي. قوله ( قالوا الْحَق ): أي قالوا: قال الله الحق؛ لأنه جل ذكره كلامه حق. قال السمرقندي: يعني: الوحي. والتقدير: قالوا: قال الحق. حكاه الماوردي في النكت والعيون. قوله ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ): الرفيع الكبير العظيم فلا أعظم منه. قاله مقاتل. قال السمرقندي: يعني هو أعلى وأعظم وأجل من أن يوصف له شريك. _____ المصدر: أنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير الطبري، تفسير ابن أبي زمنين، كتاب فيه لغات القرآن للفراء، تفسير ابن كثير، مجمل اللغة لابن فارس، جمهرة اللغة للأزدي، الصحاح للجوهري، مختار الصحاح لزين الدين الرازي، شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري، تهذيب اللغة للهروي، تفسير السمرقندي، تفسير مقاتل، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، النكت والعيون للماوردي، التفسير الكبير للرازي، تفسير البغوي، فتح الباري للحافظ ابن حجر.
( نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) ) الإنسان قوله «نحن خلقناهم»: في بطون أمهاتهم وهم نطفة. قاله مقاتل. قال الطبري. نحن خلقنا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه. قوله «وشددنا»:قوينا. قاله السيوطي، وبه قال الفيومي في المصباح المنير، والسمرقندي. وقيل: أحكمنا. قاله الكفوي في الكليات، والخضيري في السراج،وبه قال الطاهر بن عاشور. قال الكفوي: أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب. قال الطاهر بن عاشور: والشدّ: الإِحكام وإتقان ارتباط أجزاء الجسد بعضها ببعض بواسطة العظام والأعصاب والعروق إذ بذلك يستقلّ الجسم . وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أسر الله الإنسان: أحكم خلقه. قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( شددنا خلقهم ): يصح أن يكون معناه: قوينا، ومنه قوله تعالى عن داوود (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ) قال الزجاج، والسمعاني: قوينا ملكه.
وبه قال الإيجي الشافعي، والألوسي، والسمرقندي، والثعلبي، و السمين الحلبي، و الواحدي( وسيط ) .
وكذلك يصح أن يكون معناه: أحكمنا، ومنه قوله ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ) قال أبو بكر الجزائري: أي احكموا ربط الأسرى؛ بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم؛ حتى لا يتمكنوا من قتلكم ولا الهرب منكم. وإذا تأملت كلام اللغويين، والمفسرين ستجد أن كلا المعنيين صحيحين؛ "القوة الإحكام"؛ مصداقا لقوله (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ )، وسيظر لك بجلاء عند قوله تعالى ( أسرهم ). فقد قال البَندنيجي في تقفية اللغة: والأسر: إحكام القوة، قال الله جل وعز: ( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ). قوله «أسرهم»: خلقهم. قاله أبو بكر الأنباري، الجوهري، وابن قتيبة، والزجاج، والواحدي، والطبري، وبيان الحق النيسابوري، ونجم الدين النيسابوري، وابن أبي زمنين، وسَلَمة بن مُسْلِم في الإبانة في اللغة. ورواه عبدالرزاق عن قتادة. وبه قال السمرقندي، وابن فارس، وابن منظور، وزين الدين الرازي، والزبيدي في التاج، ومكي ( في الهداية، وفي المشكل ). وحكاه في الهداية عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وقيل: مفاصلهم، وأعضاءهم؛ لكي لا ينقطع المفاصل وقت تحريكها. وقيل: قبلهم ودبرهم، لكي لا يسيل البول والغائط، إلا عند الحاجة. حكاه السمرقندي. قال ابن قتيبة: يقال: امرأةٌ حسنةُ الأسْرِ؛ أي حسنة الخَلْق: كأنها أُسِرت، أي شُدَّتْ. قال الفراء: والأسر الخلق. تقول: لقد أُسِر هذا الرجل أحسن الأسر، كقولك: خُلِقَ أحسن الخلق. قال الطبري: من قولهم: قد أُسِر هذا الرجل فأُحسِن أسره، بمعنى: قد خلِقَ فأُحسِن خَلْقه. قال ابن فارس في مجمل اللغة: فأما الأسر في قوله جل ثناؤه: ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ): فهو الخلق. قال الطاهر بن عاشور: والأسر: الربط، وأطلق هنا على الإِحكام والإِتقان على وجه الاستعارة . والمعنى: أحْكمنا ربط أجزاء أجسامهم فكانت مشدودا بعضها إلى بعض. وقال ابن الأعرابي: مَصَرَّتَيِ البول والغائط إِذا خرج الأذى تَقَبَّضَتا، أو معناه أنهما لا تَسْتَرْخِيَان قبل الإرادة. حكاه ابن فارس في تهذيب اللغة، وابن منظور في اللسان. قال السمعاني: وعن مجاهد: أن الأسر هو الشرج، وذلك مَصَر الإنسان ( تسترخيان ) عند الغائط ليسهل خروج الأذى، فإذا خرج انقبضا. و قال أبو هريرة، وغيره: هي المفاصل. رواه عنه عبد الله بن وهب في الجامع. وحكاه الماوردي في النكت، ومكي في الهداية، وبه قال الفيروزآبادي في القاموس. قال السيوطي: أعضاءهم ومفاصلهم. قال الواحدي: وقال الحسن: في هذه الآية يعني: أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.وهو معنى قول من قال: هي المفاصل. قال السمرقندي: يعني: قوينا خلقهم ليطيعوني، فلم يطيعوني. قال مقاتل: حين صاروا شبانا يعني أسرة الشباب وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن. وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: الأسر: الخلق، ويطلق على الأعضاء والمفاصل. قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والأسر شدة الخلق ورجل مأسور شديد عقد المفاصل والأوصال وفي التنزيل ( نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ). قلت ( عبدالرحيم ): ولقائل أن يقول: لا منافاة بين هذه الأقوال، وأنها من اختلاف التنوع؛ فقوله تعالى ( وشددنا أسرهم ): أي قوينا، وأحكمنا خلقهم؛ فيشمل المفاصل، وغيرها؛ مما سبق ذكره. قال خالد السبت ( في تهذيبه لتفسير ابن كثير ): ويدخل فيه كثير من المعاني التي ذكرها السلف، شدهم بالإسار، يقال للأسير ذلك؛ لأنه يربط بالإسار، جلد البعير الطري الرطب، يربط به فإذا يبس فإنه لا يمكن أن يفك إلا بالقطع، يكون قوياً جداً، فالمقصود أن الله شد أسرهم، أي أحكم خلقهم بربط أجزائهم وأبعاضهم ومفاصلهم، أحكم خلقها وأتقنه، فشد هذا الخلق، فصار في غاية الإحكام. انتهى كلامه وقال مقاتل ( وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ ) حين صاروا شبانا يعني أسرة الشباب وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن. قال الراغب الأصفهاني: إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ). قلت ( عبدالرحيم ): وليس هذا فحسب؛ ففيها إشارة إلى توحيده، وافراده بالعبودية؛ فالذي أحكم، وسوّى في صورة ما شاء ركبها؛ تجب عبادته؛ فهذا دعوة إلى توحيده؛ وهذه غاية الخلق ( وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون )، فالله عاب على المشركين؛ خلقهم فعبدوا غيره ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )، فإذا تحدث القرآن عن أفعاله تعالى التي تقتضيها الربوبية، كان هذا إلزام بالألوهية؛ كما جاء صريحا في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ )،
لذا قال الله في نهاية الآيات_ التي نحن بصددها_ ( والظالمين أعدا لهم عذابا اليما ): والظالمين: يعني المشركين. كما قال البغوي، وغيره،
ولكن كما قال تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) يشهدون أنه الخالق؛ ومع ذلك يعبدون غيره، وكان حقا عليهم افراده بالعبودية. انتهى قوله «وإذا شئنا بدلنا»:جعلنا. قاله السيوطي. قال مكي في الهداية: أي: وإذا شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم في الخلق، مخالفين لهم في العمل. هذا معنى قول ابن زيد قوله «أمثالهم»: في الخلقة بدلا منهم بأن نهلكهم. قاله السيوطي. قال ابن أبي زمنين: أي أهلكناهم بالعذاب، وبدلنا أمثالهم: خيرا منهم. وقال مقاتل: ذلك السواد والنور بالبياض والضعف قوله «تبديلا»: تأكيد. ووقعت "إذا" موقع "إن" نحو ( إن يشأ يذهبكم ) لأنه تعالى لم يشأ ذلك وإذا لمّا يقع. قاله السيوطي. قال الواحدي: أي إذا شئنا أهلكناهم، وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلا منهم، وهذا كقوله ( على أن نبدل أمثالكم ). قال السمرقندي: إذا أردنا بدلنا أمثالهم تبديلا يعني: أي نخلق خلقا أمثل منهم، وأطوع لله. قاله السمرقندي. وقال مقاتل: من السواد حتى لا يبقى شيء منه إلا البياض. قوله «إن هذه»: السورة. قاله البغوي، والسيوطي، وبه قال الفراء، ومكي في الهداية. قلت ( عبدالرحيم ) : ونظيرتها قوله تعالى من سورة هود ( وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَق ُّو َمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ): قال الفراء، وابن قتيبة: أي في هذه السورة. واختاره الطبري، وصوبه. وقال مقاتل: إن هذا السواد والحسن والقبح. قوله «تذكرة»: عظة. قاله الفراء، والسيوطي. وزاد السيوطي: للخلق. قال مقاتل: يعني عبرة. قوله «فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا»: وسيلة بالطاعة. قاله البغوي. قال السيوطي: طريقا بالطاعة. قال الرازي: واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه. قال مقاتل: يعني فمن شاء اتخذ في هذه التذكرة فيعتبر فيشكر الله ويوحده، ويتخذ طريقا إلى الجنة. قال مكي في الهداية: هذا تهديد ووعيد. أي: من شاء عمل عملاً صالحاً يوصله إلى رحمة ربه. ومن شاء فليترك ذلك، فسيرى عقابه في الآخرة. قلت ( عبدالرحيم ): نظيره قوله تعالى ( اعملوا ما شئتم ): قال غلام ثعلب: إنما هو تهديد، ووعيد.
قال الزجاج: ومعناه الوعد، والتهديد.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: لم يأمرهم بعمل الكفر إنما هو توعد. قوله «وما تشاءون»: بالتاء والياء؛ اتخاذ السبيل بالطاعة. قاله السيوطي. قال البغوي: قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو: "يشاءون" بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء. قال مقاتل: ثم رد المشيئة إليه فقال: وَما تَشاؤُنَ أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلا. قوله «إلا أن يشاء الله»: ذلك. قاله السيوطي. قال مقاتل: فهَوَّنَ عليكم عمل الجنة. قال البغوي: أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله عز وجل، لأن الأمر إليه. قال مكي: أي: وما تشاءون اتخاذ الطريق إلى رضا الله ورحمته إلا بأن يشاء الله ذلك لكم لأن الأمر إليه لا إليكم. قلت ( عبدالرحيم ): هذه الآيات تتعلق بمسألة عقدية هامة، حارت فيها أفهام، وزلت فيها أقدام؛ مع يسرها ووضوحها في الكتاب والسنة؛ فيجب على العبد أن يدين ربه فيها باعتقاد سليم، ولا يكون ذلك إلا بالتمسك بالسنة، وأثر السلف. ولن أستطرد فيما يذكره بما أرباب العقائد؛ إنما أشيرة إشارة يسيرة منبها؛ عسى الله ان ينفع بها، فقوله تعالى ( فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ): نظيرتها قوله ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ): وفي الآيتين رد على القدرية، والجبرية؛ فقوله ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ ): تثبت مشيئة للعبد، ففيها رد على الجبرية. الذين يقولون "أن الله جبرهم على المعصية"! تعالى ربنا ومعبودنا عما يقولون علوا كبيرا، إنه يتضمن اتهام الله_ سبحانه _ لا يخفى قبحه. وقوله ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ): رد على القدرية، مجوس هذه الأمة، أشباه اليهود؛ فقد زعم اليهود ( في التلمود على ما يحضرني ): أن الله لا يعلم بما سيقع لاحقا، والقدرية يضاهئون قولهم الذين كذبوا على الله بقولهم " إن الأمر أنف" يعني: مستأنف، بمعنى أن الله الأشياء! حتى تقع._ سبحانه_ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا‘ فجاء ختام الآيات بما يناسب المقام؛ بصفتين جليلتين؛ "العلم، والحكمة" فالله عليم؛ وسع كل شيء علما: يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون؛ وهنا رد على القدرية، وهذا أصل عظيم في الإيمان بالقضاء والقدر،
قال مقاتل_ بصدد تفسير هذه السورة _: ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه فقال: ( يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ): يعني في جنته. وهو الحكيم؛ له الكمال، والتمام في حكمته؛ بنيت أفعاله على العدل والفضل.
فلما خلق الله آدم؛ قالت الملائكة ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )، قال الله ( فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ): أخبرهم آدم بتسمياتهم فسمَّى كلَّ شيءٍ باسمه وألحق كلَّ شيءٍ بجنسه. كما ذكر أرباب التفسير، فكأن الله قال لهم: هذا خلق أضعف منكم، وعنده من العلم ما ليس عندكم، وأنا الذي علمته؛ فكيف بي؟ قال الواحدي في الوجيز: وهذا استفهامٌ يتضمَّن التَّوبيخ لهم على قولهم: ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيه ). فنعوذ بالله من موجبات سخطه، ونسأله موجبات رحمته. انتهى قوله «إن الله كان عليما»: بخلقه. قاله السيوطي. قال مقاتل: يعني بأهل الجنة. قال مكي: أي عليماً بمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً. قوله «حكيما»: في فعله. قاله السيوطي. قال مقاتل: إذ حكم على أهل الشقاء النار. قال مكي: حكيماً في تدبيره، لا يقدر أحد أن يخرج عن مراده ومشيئته. قوله «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ»: يعني في جنته. قاله مقاتل. قوله «وَالظَّالِمِينَ»: يعني المشركين. قاله مقاتل، والبغوي. قلت ( عبدالرحيم ): والشرك، والكفر أعظم الظلم؛ ومنه قوله ( إن الشرك لظلم عظيم ). وقوله على لسان ذي القرنين: ( أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ): قال ابن كثير: أي من استمر على كفره وشركه بربه. قال البغوي: أي كفر. قال القرطبي: أقام على الكفر. وقال الطبري: أما من كفر فسوف نقتله. قوله « أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً»: يعنى: وجيعا. قاله مقاتل. ______ المصدر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير السمعاني، الوسيط للواحدي، تفسير ابن كثير، أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري، تفسير عبدالرزاق، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الجامع لابن وهب، النكت والعيون للماوردي، تفسير القرطبي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير البغوي، التفسير الكبير للرازي، المصباح المنير للفيومي، الكليات للكفوي، الصحاح للجوهري، مختار الصحاح لزين الدين الرازي، مجمل اللغة لابن فارس، لسان العرب لابن منظور، تاج العروس للزبيدي، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، التقفية في اللغة لأبي بشر البَندنيجي، الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر الأنباري، القاموس المحيط للفيروزآبادي.
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) سورة ص. قوله ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَان ): أعطينا لداود سليمان. قاله السمرقندي، والطبري. قال ابن عطية: الهبة والعطية بمعنى واحد. قوله ( نِعْمَ الْعَبْدُ ): مدح لسليمان. قاله صديق حسن خان، والشوكاني، وأفاده الواحدي (وسيط). وقيل: مدح لداود. قال الطبري: يقول نعم العبد سليمان. قوله ( إِنَّهُ أَوَّابٌ ): رجاع. قاله ابن قتيبة، والزجاج، والطبري، وابن أبي زمنين، ومكي ( هد ) وغيرهم. وزاد ابن قتيبة: تواب. وزاد الزجاج: والأواب الكثير الرجوع. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ): قال أبو حيان في البحر: والأواب الرجاع إلى طاعة الله.
قوله ( إذ ): أي اذكر ما صدر عنه وقت. قاله صديق حسن خان، والشوكاني. وزاد الشوكاني: عرض الصافنات الجياد عليه بالعشي. قوله ( عرض عليه ): على سليمان_ عليه السلام. قوله ( بالعشي ): والعشي ما بعد زوال الشمس إلى غروبها. قاله اليحصبي السبتي. قال الأزهري الهروي في الزاهر: والعشى عند العرب ما بين أن تزول الشمس إلى أن تغرب كل ذلك عشى. قال صديق حسن خان: والعشي من الظهر أو العصر إلى آخر النهار. قال الخليل في العين: والعصر: العشي. وبه قال الأزهري في تهذيب اللغة. قال الحربي في غريب الحديث: آخر النهار. وبه قال النسفي. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) قال السمرقندي: كأنهم لبثوا في قبورهم مقدار عشية، وهو قدر آخر النهار. قال السمعاني: أي: أول نهار أو آخر نهار، فأول النهار من طلوع الشمس إلى ارتفاعها، وآخر النهار من العصر إلى غروبها. فائدة، وتنبيه: العشي: غير العِشاء. لأن العشي وقت صلاة الظهر، والعصر. والعشاء: أول ظلام الليل؛ وقت صلاة المغرب، والعشاء. ومنه قولهم: العِشاءان، قال الأزهري في تهذيب اللغة: فإذا غابت الشمس فهو العشاء. وقوله ( وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ): قال القرطبي: وذلك من حين تزول الشمس إلى أن تغيب. قال البغوي: والعشي ما بين زوال الشمس إلى غروب الشمس ومنه سمي صلاة الظهر والعصر صلاتي العشي. انتهى كلامه. قلت: وفي الحديث: صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي، إما الظهر، وإما العصر...) شطر من حديث رواه البخاري، ومسلم، من حديث أبي هريرة. واللفظ لمسلم. انتهى قوله ( الصافنات ): أي الخيل، التي تقف وتثني سنبك [ طرفُ الحافِرِ، والسُّنْبُكُ من كل شيءٍ أَوَّلُهُ] إحدى الرجلين، وهي أجود الخيل. قاله غلام ثعلب؛ عدا ما بين المعقوفتين. قال البقاعي: أي الخيول العربية الخالصة التي لا تكاد تتمالك بجميع قوائمها الاعتماد على الأرض اختيالا بأنفسها وقربا من الطيران بلطافتها وهمتها وإظهارا لقوتها ورشاقتها وخفتها. قال الطبري: والصافنات: جمع الصافن من الخيل، والأنثى: صافنة. قال البغوي: هي الخيل القائمة على ثلاث قوائم وأقامت واحدة على طرف الحافر من يد أو رجل. قال الخضيري: لنجابتها وخفتها. قال ابن قتيبة: والصافن في كلام العرب: الواقف من الخيل وغيرها. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ): قال الكفوي في الكليات: قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن. ومنه ما حكاه الفراء، والنحاس من قراءة ابن مسعود ( فاذكروا اسم الله عليها صوافن ): قال الفراء: وهي القائمات. قلت: ولأن السنة أن تذبح الإبل قائمة على ثلاث؛ معقولة يدها اليسرى. قوله ( الجياد ): السراع. قاله ابن فورك، ومقاتل، وابن الجوزي، والطبري، وابن أبي زمنين، والثعلبي، والسمعاني، والعز بن عبدالسلام، والنسفي، وابن كثير، والشوكاني، وأفاده الجصاص. وبه قال مجاهد في تفسيره. وزاد ابن الجوزي: في الجري. وزاد ابن فورك: من الخيل. وقيل: الجياد: أي الحسان جمع (جيد). حكاه القاسمي. قال البقاعي: أي التي تجود في جريها بأعظم ما تقدر عليه. قال الإيجي: جمع جواد وهو المسرع في سيره. قال السيوطي: جمع جواد؛ وهو السابق؛ إذا استوقفت سكنت وإن ركضت سبقت. وقيل: الطوال العناق مأخوذ من الجيد وهو العنق لأن طول أعناق الخيل من صفات فراهتها. حكاه الماوردي في النكت والعيون. قوله ( فقال ): سليمان. قاله السيوطي. قال صديق حسن خان: اعترافا بما صدر منه وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الأمر بردها وعقرها والتعقيب باعتبار آخر العرض الممتد دون ابتدائه. قوله ( إني أحببت ): آثرت. قاله ابن الهائم، والماوري، والفراء، والزجاج، وأبو بكر السجستاني، والسمعاني، والإيجي، والسمرقندي، والواحدي(ج). وزاد الفراء: حب الخيل. وقال السيوطي، وسراج الدين: أردت. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ): قال الألوسي: أي تؤثرونها على الآخرة. قوله ( حب الخير ): أي الخيل. قاله ابن قتيبة، والزجاج، والواحدي(ج) والسيوطي، ، وسراج الدين، وبه قال الراغب، والإيجي، وصديق حسن خان. قال السمعاني: وأما الخير؛ فأكثر المفسرين على أنها الخيل في هذه الآية. وفي قراءة ابن مسعود: حب الخيل. حكاه الماوردي في النكت. وقيل: المال. قلت( عبدالرحيم ): وهو ضعيف بدليل السياق؛ اللهم إلا ما قاله الواحدي_ رحمه الله_ حيث قال في الوسيط: يعني الخيل، والخيل مال، والخير بمعنى المال كثير في التنزيل. قال الفراء: والخير في كلام العرب. قال أبو بكر السجستاني: وسميت الخيل الخير لما فيها من المنافع. وبنحوه ابن قتيبة. قال الراغب: فمعناه: أحببت الخيل حبّي للخير. قلت ( عبدالرحيم ): وجماع ذلك ما نطق به أفصح ولد آدم_ صلوات الله وسلامه عليه_ قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ) رواه البخاري من حديث عروة البارقي ( صحابي )، ومسلم من حديث ابن عمر. قوله ( عن ذكر ربي ): عن الصلاة. قاله البغوي، السمرقندي، وغيره، وأفاده الجصاص، ويحيى بن سلام، وبه قال مكي في ( الهداية ). قال يحيى بن سلام، والبغوي، والسيوطي، والسمرقندي: صلاة العصر. وزاد يحيى بن صلام: خاصة. قلت ( عبدالرحيم ): لأن الصلاة أعظم الذكر؛ ومنه قوله ( فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) قال القرطبي: فالصلاة هي الذكر . وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله ( فاسعوا إلى ذكر الله ). انتهى كلامه قوله ( حتى توارت ): الشمس. قاله الواحدي(ج)، والسيوطي، وبه قال أبو عبيدة معمر بن المثنى، والإيجي الشافعي، والفراء، والزجاج، والسمرقندي. وزاد الإيجي: ومرور ذكر العشي دال على الشمس. وقال مكي(هـ): أي: توارت الخيل، فسترها جدر الإصطبلات. قوله ( بالحجاب ): أي غربت. قاله السمرقندي، والواحدي(ج). قال الراغب الأصفهاني: الشّمس إذا استترت بالمغيب. وقال ابن مسعود: حتى توارت الشمس بالحجاب. حكاه الجصاص. قال البغوي، وسراج الدين النعماني، والسيوطي: أي استترت بما يحجبها عن الأبصار. قال الخازن: أي استترت الشمس بالحجاب. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ): قال نجم الدين النيسابوري: ساترا لهم عن إدراكه. وقوله ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا )*: قال مكي: أي سترا يسترها عن الناس.
قال الواحدي (ج): تتستَّر به عنهم.
قال الطبري: فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم، وعن الناس. قال السمرقندي: ضربت وأرخت من دونهم سترا. وقوله (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ): أي من وراء ستر. قاله السمعاني، مكي، والطبري، وغيرهم. وقوله ( وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ): يعني ستر. قاله مقاتل، والتستري، والسمرقندي، والعز بن عبدالسلام، وغيرهم. وقوله ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ): كما كلم موسى_ عليه السلام_. قاله النحاس، والزجاج، وابن قتيبة، والواحدي(ج). قلت: وسمي حجاب المرأة حجابا؛ لأنه يسترها؛ بخلاف ما اشتهر؛ من إطلاقهم الحجاب على من سترت شعرها، وكشفت وجهها. قوله ( ردوها ): أي قال سليمان عليه السلام: ردوا. قاله البقاعي. قوله ( علي ): أي ردوا علي هذه الخيل التي عرضت علي؛ فشغلتني عن الصلاة. قال صديق خان: من تمام كلام سليمان أي أعيدوا عرضها علي مرة أخرى. قوله ( فطفق ): أقبل، وجعل، وطلب، وعمد، وأخذ. قال عبدالله بن حسنون السامري يعني فعمد. بلغة غسان. وقال البقاعي: أي أخذ يفعل. قال ابن قتيبة، والبغوي: أقبل. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ) : أقبلا، وعمدا، وجعلا يرقعان، ويلزقان الورق. قال الزركشي في برهانه: وبلغة غسان: عمدا. قال الفراء: وقوله ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ ): هو في العربية: أقبلا يخصفان وجعلا يخصفان. قال مكي ( هـ ): ومعنى( طفقا ): جعلا. قوله ( مسحا ): أي يمسح مسحا بالسيف. أي أقبل، وأخذ؛ بنشاط، وغيرة لله؛ يقطع أعناقها وأرجلها؛ يذبحها ذبحها؛ وقد كان شديدا في ذات الله؛ مهيبا من غير تجبر. قال البقاعي: أي يوقع المسح - أي القطع - فيها بالسيف إيقاعا عظيما. قال الخليل الفراهيدي ( في العين ): والمسح: ضرب العنق؛ تمسحه بالسيف مسحا. وقال الأزدي ( في جمهرة اللغة ): ومسحت الْعُضْو بِالسَّيْفِ إِذا قطعته. قال الإيجي: يقطعهما؛ لأنها شغلته عن ذكر الله تعالى يقال: مسح علاوته، إذا ضرب عنقه. قوله ( بالسوق ): جمع ساق. قاله السيوطي. قال غلام ثعلب: السيقان. قوله ( والأعناق): أي ذبحها وقطع أرجلها تقربا إلى الله تعالى حيث اشتغل بها عن الصلاة. قاله السيوطي. قال البغوي: وكان ذلك مباحا له وإن كان حراما علينا. _______ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للأخفش، اللباب لسراج الدين النعماني، تفسير السمرقندي، المحرر الوجيز لابن عطية، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير النسفي، تفسير مقاتل، البحر المحيط لأبي حيان، فتح القدير للشوكاني، مشارق الأنوار على صحاح الآثار لليحصبي، الزاهر للأزهري، تهذيب اللغة للأزهري، العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، غريب الحديث للحربي، تفسير السمعاني، تفسير الجلالين، تفسير القرطبي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، الكليات للكفوي، تفسير ابن فورك، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير العز بن عبد السلام، تفسير ابن كثير، أحكام القرآن للجصاص، محاسن التأويل للقاسمي، جامع البيان للإيجي الشافعي، البرهان في علوم للزركشي، النكت والعيون للماوردي، تفسير الألوسي، تفسير مجاهد، التصاريف ليحيى بن سلام، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الخازن، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، جمهرة اللغة للأزدي.
ذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6)) الواقعة. قوله ( إِذا ): أي اذكروا إذا. قيل: هي صلة ( زائدة؛ لا محل لها من الإعراب؛ يصح الاستغناء عنها ). وقيل: شرطية. قوله ( وَقَعَتِ ): قامت، حلت، نزلت، جاءت، حدثت، حصلت، كانت. والمعنى: ستقع؛ سماها واقعة وعبر عنها بالماضي لتحقق وقوعها. وما أخبر الله به يجب أن يُعدَّ: وقع. وإن لم يقع بعد؛ فكأنه قيل إذا وقعت الواقعة؛ التي لا بد من وقوعها. يقال وقع ما كنت أتوقعه أي نزل ما كنت أترقب نزوله. والعرب تسمي كل متوقع لا بد منه واقعا. و على القول بأن قوله "إذا" صلة؛ كما ذهب إليه الجرجاني؛ فنظيره في التنزيل كثير أكثر من أن يحصى؛ فمن ذلك قوله تعالى ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) يعني: القيامة، الساعة؛ عبر بالماضي تنبيها لقربها وضيق وقتها، وأخبار الله تعالى في الماضي والمستقبل سواء؛ لأنه آت لا محالة، فقوله ( أتى ) بمعنى يأتي؛ أي جاء ودنا وقرب. فجيء بالماضي المراد به المستقبل المحقق الوقوع. وتقول العرب: أتاك الأمر وهو متوقع بعد. ومنه قوله ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ): صيغة الماضي لما ذكر من الدلالة على تحقق الوقوع. وقوله ( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ )، ودواليك؛ عن كل ما أخبر الله عنه بصيغة الماضي، كحديث الله مع الناس، والملائكة؛ يوم الحشر. قال برهان الدين الكرماني: جل المفسرين على أن اللفظ للماضي والمعنى للاستقبال، وكذلك أكثر ألفاظ القيامة، لأنها لصحة وقوعها وصدق المخبر بها كالكائن الدائم. قوله ( الْواقِعَةُ ): اسم للقيامة كالآزفة، وغيرها من أسماء القيامة. وتأنيث للتهويل والمبالغة. ولا واقع يستحق أن يسمى الواقعة بلام الكمال وتاء المبالغة غيرها. وإنما سميت القيامة الْواقِعَةُ لثبوتها؛ أي: لأنه لا بد من وقوعها. والواقعة، والآزفة، والطامة، والحاقة، والقارعة، والصاخة؛ كلها من أسماء يوم القيامة. قوله ( ليس لِوَقْعَتِها ): ليس لنزولها، ووقوعها. معناه: تحقق وجودها. وفيه اشارة إلى أنها تقع دفعة واحدة؛ فالوقعة للمرة الواحدة. قوله ( كاذِبَةٌ ): رجعة، ومَرَد. والمعنى: لا راد للواقعة؛ فليس لقيام الساعة رجعة، ولا مردود؛ ليس يردها شيء. يقال: حمل عليه فما كذب؛ أي فما رجع. ونظيرتها ( وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ): من فواق: أي من رجوع. وقيل: ليس لأجل وقعتها كاذبة؛ أي: من أخبر بها صدق، و"الهاء" للمبالغة؛ كقولهم عن كثير الرواية "راوية". وقيل: هي حق؛ ليس لقيامها تكذيب؛ لا يكذب بها أحد إذا وقعت، أي: ليست كالآيات التي شاهدوها في الدنيا على أيدي الرسل؛ مع ما عرفوا أنها آيات فكذبوها؛ جحودا وعنادا؛ أما القيامة فلا؛ فقد قرعتهم، وأسمعتهم بصخيخها، فأصابت آذانهم، لأنها "الصاخة"، وأجابوا الداعي؛ فلا تحين مناص. والمعنى: هي كائنة، نازلة؛ ليس لها مردود، ولا مرجع؛ ولا تجرؤ نفس على نفيها كما في الدنيا؛ فقد حلت القارعة ( القيامة )؛ فقرعت قلوبهم بأهوالها. قوله ( خَافِضَةٌ ): تخفض أقواما كانوا في الدنيا أعزّاء مرتفعين؛ إلى النار أذلاء مُهانُون؛ جزاء لهم على سوء أعمالهم. قيل: خفت أعداء الله إلى النار. قوله ( رَّافِعَةٌ ): ترفع أقواما كانوا في الدنيا وُضعَاء، وأذلاء؛ إلى جنة الله، وكرامته؛ بحسن أعمالهم. قوله ( رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ): أي رجفت، وحركت تحريكا، وزلزلت زلزالا شديدا؛ فهي لا تسكن حتى تلقي كل شيء في بطنها على ظهرها. من قولهم: السهم يرتج في الغرض، بمعنى يهتز ويضطرب. وأصل الرج في اللغة التحريك. والمعنى: إنها تضطرب وترتج لأن زلزلة الدنيا لا تلبث حتى تسكن وزلزلة الآخرة لا تسكن وترنج كرج الصبي في المهد حتى ينكسر كل شيء عليها من جبل، أو مدينة، أو بناء، أو شجر، فيدخل فيها كل شيء خرج منها من شجر أو نبات، وتلقى ما فيها من الموتى، والكنوز على ظهرها. قوله ( وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ): يعني فتَّت فتَّاً. بلغة كنانة. أي فتت وتحطمت، واختلط ترابها بغيرها؛ كالدقيق المبسوس؛ أي المبلول.
وهو من البسيسة: وهي كل شيء خلطته بغيره؛ مثل الخبز يجفف ويدق ويمزج بالماء.
والبَسُّ: الحَطْمُ. يقال: بسست الحنطة أبسها؛ إذا فتتها.
ومنه سميت مكة البَاسَّةُ، لأنها تحطم الملحدين فيها، وقيل: تحطم من أخطأ فيها.
وقيل: قُلِعت الجبال قَلْعاً. وقيل: قُلِعت من أصلها. وقيل: كُسِرت الجبال كسراً. وقيل: لتت لتا. ( لَتَّ الشيءَ : فَتَّه وسحقه ). والمعنى: فتتت، وتحطمت حتى صارت كالدقيق، فسويت بالأرض بعد أن كانت شامخة طويلة، لتصير الأرض كما قال الملك الحق _ تعالى ذكره _ ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ): أي لا ترى في الأرض ارتفاعا ولا انخفاضا؛ لأنها سويت؛ فلا مخبئ لأحد؛ إذ الكل معروض أمام الجبار_ جل وعز_، فهي كمال قال عز من قائل _ تقدس اسمه _ ( كلا لا وزر ): أي لا جبل، ولا حصن، ولا مخبأ. قوله ( فَكانَتْ ): أي فصارت. بمعني تكون، وتصير. قوله ( هَباءً ): ترابا، وغبارا مثل الدقيق؛ متطايرا في الجو. ومنه قوله ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ): كالهباء، وهو ما يرى في ضوء الشمس من خفيف الغبار. قوله ( مُنْبَثًّا ): متفرقاً، منتشرا. والمعنى: تصير كالغبار الذي تراه في الشمس. ومنه قوله ( كالفراش المبثوث ): المنتشر، المتفرق. ومنه ( وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ): أي بسط وفرش منتشرة، متفرقة؛ في كل مكان. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات؛ فاللهم لك الحمد؛ أهل الثناء والمجد؛ أحق ما قال عبد؛ وكلنا لك عبد. __ المصدر: أنظر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، ياقوتة الصراط في غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، التصاريف ليحيى بن سلام، الكشف والبيان للثعلبي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير البغوي، البسيط للواحدي، تفسير الطبري، تفسير مقاتل، غرائب التفسير وعجائب التأويل لبرهان الدين الكرماني، تفسير السمعاني، تفسير الجلالين، السراج في تفسير غريب القرآن للخضيري، الموسوعة القرآنية لإبراهيم الأبياري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، درج الدرر في تناسب الآي والسور للجرجاني، تفسير النسفي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير ابن جزي الغرناطي، تفسير البيضاوي، تفسير القرطبي، التفسير الكبير للرازي، البحر المحيط لأبي حيان، تفسير الماتريدي، الباب في علوم الكتاب لسراج الدين النعماني، لسان العرب لابن منظور، أساس البلاغة لجار الله الزمخشري، الإبانة في اللغة العربية لسَلَمة الصُحاري، مقاييس اللغة لابن فارس، معجم ديوان الأدب للفارابي، جمهرة اللغة للأزدي، كتاب الألفاظ لابن السكيت، الكليات للكفوي.
( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) القصص: (32) قوله {اسلك}: أدخل. قاله الإيجي الشافعي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، ومقاتل، والنحاس، ويحيى بن سلام، والنحاس، ابن قتيبة، والسمرقندي، ومقاتل، والطبري، والبغوي، والسمعاني، والبغوي، ومكي(هد)، وجلال الدين المحلي، وغيرهم؛ وهم خلق كثير. وقال ابن جزي الغرناطي، وأبو بكر السجستاني، والرازي، والألوسي، وابن الهائم، وابن أبي زمنيين، وأبو السعود، والقاسمي: أدخلها. وزاد ابن جزي، والقاسمي، وأبو السعود: فيه. وزاد ابن أبي زمنين: في جيبك. وزاد ابن قتيبة: يقال: سَلَكتُ يدي وأسلكتُها. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ): أي ما أدخلكم. قاله ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني: أي ما أدخلكم. وبه قال ابن الهائم. ومنه ( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ): أي فأدخلوه فيها. قاله القاسمي، وبه قال السمرقندي، والواحدي، والإيجي الشافعي، والبقاعي، والنسفي، والبيضاوي. وغيرهم. قال البقاعي: أي أدخلوه بحث يكون كأنه السلك - أي الحبل - الذي يدخل في ثقب الخرزة بعسر لضيق ذلك الثقب إما بإحاطتها بعنقه أو بجميع بدنه بأن تلف عليه فيصير في غاية الضنك والهوان لا يقدر على حركة أصلا. وفي هذه الآية تفسير قيم، مؤثر؛ يأتي لاحقا ( إن شاء الله ). ومنه ( إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ): يسلك: يدخل. قاله البقاعي، والنسفي، ونظام الدين النيسابوري، والخطيب الشربيني. وغيرهم. قال الألوسي. أي يدخل حفظة من الملائكة؛ يحفظون قواه الظاهرة والباطنة من الشياطين ويعصمونه من وساوسهم... ومنه ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ): فاسلك: أي أدخل فيها.
قاله ابن قتيبة، والطبري، والبغوي، والفخر الرازي، والواحدي في البسيط والوسيط، والوجيز. وبه قال البيضاوي، وابن الجوزي في تذكرة الأريب وفي زاد المسير. إلا أن الواحدي في الوسيط والبسيط: أي ادخل في سفينتك. وزاد ابن قتيبة يقال: سلكت الخيط في الإبرة وأسلكته. وزاد الفخر: يقال سلك فيه أي دخل فيه. ومنه ( وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ): يسلكه: يدخله. قاله ابن جزي الغرناطي، والإيجي الشافعي، والسمين الحلبي(أش)، وابن قتيبة (تأ)، والبيضاوي، والواحدي(ج)، والثعلبي، وخلق كثير. ومنه ( كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ): سلكناه: أدخلناه. قاله ابن قتيبة، والبيضاوي، وبه قال مكي(هد)، والعز بن عبدالسلام، والنسفي، والواحدي(ج)، والطبري، والجلال المحلي، والإيجي، وأبو السعود. قال الواحدي (ج): أدخلنا التَّكذيب. قال الطبري: كأنه قال: كذلك أدخلنا في قلوب المجرمين ترك الإيمان بهذا القرآن. ومنه ( كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ): قال البيضاوي: ندخله. قال السمرقندي: ومعناه: هكذا ندخل الإضلال في قلوب المجرمين. ومنه ( ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ): قال السمرقندي: أي ادخلي الطريق الذي يسهل عليك. قال النسفي: فادخلي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل. ومنه ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ): فسلكه: أدخله. قاله ابن الهائم، وابن قتيبة. وهو قول النحاس، والسمرقندي، والواحدي (ج). وزاد ابن قتيبة. فيها فجعله ينابيع: عيونا تنبع. قوله {يدك}: اليمنى. قاله مقاتل، والجلال المحلي. وزاد الجلال: بمعنى الكف. قوله {في جيبك}: في جيب قميصك. قاله مكي في الهداية، والنفسي، وحكاه يحيى بن سلام عن قتادة. وقال ابن أبي زمنين: أي: قميصك. قال مقاتل: فجعلها في جيبه من قبل الصدر وهي مدرعة من صوف مضربة. قال جلال الدين المحلي: هو طوق القميص وأخرجها. قال ابن جزي الغرناطي: والجيب هو فتح الجبة من حيث يخرج الإنسان رأسه. وهو قول أبي حيان الأندلسي في البحر. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ): جيوبهن: جمع جيب. قال مقاتل بن سليمان، وحكاه ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيّان، والماوردي، والعليمي(فتح): صدورهن. قوله {تخرج }: خلاف لونها من الأدمة. (باطن الجلدة التي تلي اللحم ، أو ظاهرها : الذي عليه الشعر ) قاله صديق حسن خان. وبنحوه الجلال المحلي. قال مقاتل: تخرج يدك من الجيب. قوله { بيضاء من غير سوء}: سوء: أي برص. قاله النحاس، والفراء، والبغوي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، ومقاتل، وابن قتيبة، ويحيى بن سلام، ومكي(هد) ، وابن كثير، وجلال الدين المحلي. وزاد الجلال: فأدخلها وأخرجها تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر. وبنحوه قال البغوي. وقال أبو السعود، وغيره: عيبٍ. قال الحسن: فخرجت كأنها المصباح، فأيقن موسى أنه لقي ربه. حكاه مكي في الهداية، وغيره. قال ابن كثير: أي إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق، ولهذا قال : ( من غير سوء ) أي : من غير برص. قوله {واضمم إليك جناحك }: يدك. قاله أبو عبيدة، والسمرقندي، وابن أبي زمنين.
وقال يحيى بن سلام(ف)، والبيضاوي: يديك.
وقال ابن عباس: جناحك يدك. حكاه النحاس. قال الراغب: عبارة عن اليد، لكون الجناح كاليد، ولذلك قيل لجناحي الطائر يداه قال أبو بكر السجستاني: أي اجمع يدك إلى جنبك. قال البيضاوي: يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس. قال ابن جزي: الجناح اليد أو الإبط أو العضد. قال الزجاج: والمعنى في جناحك ههنا هو العَضُد، ويقال اليد كلها جناح. وقال أيضا: جناح الإنسان عضده إلى أصل " إبطه. قال الفراء: الجناح في هذا الموضع من أسفل العضد إلى الإبط. قال السمعاني: معناه ضع يدك على صدرك. وقال ابن زيد: الجناح: الذراع، والعضد والكف، واليد. حكاه مكي في الهداية. قال الضحاك عن ابن عباس: معناه أدخل يدك فضعها على صدرك حتى يذهب عنك الرعب. حكاه مكي(هد). وقيل في "جناحك" معانه العصى. قاله الفراء في المعاني. وقال السمعاني: ومعناه: اضمم إليك عصاك. ومن المعروف أن الجناح هو العضد، وقيل: جميع اليد، وقيل: ما تحت الإبط، والخائف إذا ضم إليه يده خف خوفه. انتهى كلامه وتعقب النحاس في معانيه قائلا: قال الفراء الجناح ههنا العصا ولم يقل هذا أحد من أهل التفسير ولا من المتقدمين علمته وحكى أكثر أهل اللغة أن الجناح من أسفل العضد إلى آخر الإبط وربما قيل لليد جناح. قال الجلال: وعبر عنها بالجناح لأنها للإنسان كالجناح للطائر. قال ابن قتيبة: (الجناح) الإبط. والجناح: اليد أيضا. وقال جار الله الزمخشري: والمراد بالجناح: اليد، لأنّ يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر. وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى، فقد ضمّ جناحه إليه. انتهى كلامه قال أبو عبيدة: جناحا الرجل: يداه". حكاه أبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة. قال البغوي: "والجناح": اليد كلها. قلت ( عبدالرحيم ): وذكر الله عز وجل اليد في الآية مرتين؛ الأولى: ذكرها صراحة باسمها "يدك"، وفي الثانية قال "جناحك" والجناح هو اليد؛ و هذا من بلاغة القرآن؛ كمال قال الله ( يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) والمعنى يعجب الزراع ليغيظ بهم الزراع؛ فمعنى الكفار هنا: الزراع؛ لكن عدل عنها فقال " الكفار" ، فتكرار اللفظ يضعف الكلام _ أحيانا. فتأمل لو قال: اسلك يدك. واضمم إليك يدك. لكن الله قال" اسلك يدك" ثم قال" واضمم إليك جناحك" أي يدك. ومنه قوله تعالى ( واخفض لهما جناح الذل ): معناه: تواضع لهما. ولأن الانسان يلوح بيديه عند حديثه؛ فلا ينبغي فعل ذلك مع الأبوين. ومنه ( واخفض جناحك للمؤمنين ). قوله {من الرهب}: الخوف. قاله أبو حيان الأندلسي(س)، ومقاتل، والطبري، ومكي، وجلال الدين المحلي، والسمرقندي، ومكي(هد)، وبه قال البغوي. وهو قول ابن جزي. وزاد مكي: والفزع الي داخلك من الحية. قال ابن جزي: أي من أجل الرهب. قال الزجاج: والرُّهْبِ جميعا ومعناهُمَا واحد، مثل الرُّشد والرَّشَدِ. قال البغوي: قرأ أهل الكوفة، والشام: بضم الراء وسكون الهاء، ويفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحهما، وكلها لغات بمعنى الخوف. زاد الجلال : الحاصل من إضاءة اليد؛ بأن تدخلها في جيبك فتعود إلى حالتها الأولى. قال ابن أبي زمنين: يقول: اضممها إلى صدرك؛ فيذهب ما فيه من الرعب، وكان قد دخله فزع من آل فرعون. والظاهر أن المراد أعم من هذا ، وهو أنه أمر عليه السلام ، إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب ، وهي يده ، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف . قاله ابن كثير. قال القرطبي: والمعنى إذا هالك أمر يدك وشعاعها فأدخلها في جيبك وارددها إليه تعد كما كانت. قال ابن قتيبة: والرَّهَب والرُّهْب والرَّهْبة واحدٌ. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ): قال الراغب الأصفهاني: أي فخافون . وبه قال ابن الهائم. قال الواحدي (ج): فخافوني في نقض العهد. ومنه ( إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ): نقول فيها كسابقتها. ومنه ( وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ): يخافون. قاله مكي (هد)، والطبري، مقاتل، والسمرقندي: يعني يخافون الله. وبه قال الجرجاني، والقرطبي. ومنه ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ): قال البيضاوي، والألوسي: تخوفون به. وبنحوه قال السمرقندي، والواحدي (ج). قوله {فذانك}: مثنى ذاك. قاله أبو السعود. وهو قول الزجاج. قال الجلال: بالتشديد والتخفيف أي العصا واليد وهما مؤنثان وإنما ذكر المشار به إليهما المبتدأ لتذكير خبره. قال الخضيري في السراج: هاتان. قال الزجاج: وذانك تثنية ذاك جعل بدل اللام في ذلك تشديد النون في ذانك. قوله {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ}: أي فهذان اللذان أريناك برهانان من ربك، أي آيتان وحجتان إلى فرعون وملأه على نبوتك. وقال الزجاج، والسمعاني، والسمرقندي، والبغوي: آيتان. وزاد الزجاج: بينتان. وزاد السمرقندي: وعلامتان من ربك، وحجتان لنبوتك. وزاد السمعاني: وحجتان من ربك. قال الشوكاني، وأبو السعود: حجتان نيرتان. قال ابن أبي زمنين: بيانان. وقال الإيجي: معجزتان. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: واحدهما برهان وهو البيان. يقال: هات على ما تقول ببرهان. قال ابن قتيبة: أي حجتان. والبرهان في قول الحسن الحجة، أي: حجتان من ربك. حكاه يحيى بن سلام(س). قال الإيجي: يعني اليد والعصا. وبه قال مكي، ومقاتل، والسمرقندي، و حكاه النحاس عن مجاهد، وبنحوه قال البغوي، وابن أبي زمنين. إلا أن البغوي قال: يعني العصا، واليد البيضاء. قوله {من ربك }: متعلق بمحذوف، أي: كائنان منه. قاله الشوكاني. قال صديق حسن خان: أي كائنان منه تعالى، مرسلان أو واصلان. قوله {إلى فرعون وملئه}: متعلق بمحذوف، أي: مرسلان، أو واصلان إليهم. قاله الشوكاني. قاله يحيى بن سلام(س): أي وقومه. قال السمعاني: يعني: وأتباعه. قال الزجاج: أي أرسلناك إلى فرعون وَمَلَئِهِ بهاتين الآيتَين. أي: مرسلاً بهما إليه. قوله {إنهم كانوا قوما فاسقين}: فاسقين: مشركين. قاله يحيى بن سلام. وقال مقاتل،: عاصين. قلت ( عبدالرحيم ): وليس ثم تعارض بين كلام يحيى بن سلام، وقول مقاتل؛ وذلك أن فسقهم أكبر مخرج من الملة، وكذا عصيانهم مخرج من الملة؛ فقول مقاتل "عاصين" يعني: كفار مشركين. فسيان إذا قلنا "فاسقين" مشركين، أو فاسقين " عاصين" وبيانه: أن كل شرك، وكفر فسق؛ ألا ترى أن الله قال عن إبليس (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)،
وقال عن المنافقين ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُون )،
وقال (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ )، وقال الله ( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار ) يريد الكفار دل على ذلك قوله ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون )؛
فقوم فرعون في الواقع فاسقون بكفرهم وشركهم وتكذيبهم؛ قال الله (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا)؛
فإطلاق الفسق هنا يعني الفسق الأكبر، فمن فسق بكفره يصح وصفه بالشرك؛ لأنه في الواقع عبد هواه، وشيطانه ( أريت من اتخذ إلهه هواه )؛ سيما وقد بيت سابقا أنه لا فرق بين الشرك والكفر؛ أعني الأكبر منهما؛ ويصح وصف الفسق في هذا المقام بالعصيان؛ أعني الأكبر الذي يخرج من الملة؛ الذي عناه الله بقوله (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)، وقوله (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )، فالعصيان هنا" عصيان كفر؛ لا مجرد العصيان"، ولقد حمدت الله لما وقعت عيناي على ما ذكره الطبري؛ قال _ رحمه الله _ في قوله ( إنهم كانوا قوما فاسقين ): يقول: إن فرعون وقومه من القبط كانوا قوما فاسقين، يعني: كافرين بالله. انتهى كلامه وقال النسفي: خارجين عن أمر الله كافرين.
و قال مكي في الهداية في قوله " إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ" : أي خارجين عن الإيمان.
وقال السمعاني: أي: خارجين عن الطاعة. ولو كان المقام يتسع لبسط القول؛ لكن أكتفي بهذه الإشارة، ولعلها واضحة. انتهى والحمد لله أولا وآخرا. __ المصدر: جامع البيان للإيجي الشافعي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير مقاتل، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تفسير القرآن ليحيى بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير السمرقندي، تفسير الطبري، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التفسير الكبير للرازي، تفسير الألوسي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير أبي السعود، محاسن التأويل للقاسمي، البسيط للواحدي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير النسفي، تفسير البيضاوي، السراج المنير للخطيب الشربيني، غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين النيسابوري، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، زاد المسير لابن الجوزي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تأويل المشكل لابن قتيبة، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير العز بن عبد السلام، تفسير الجلالين، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، تفسير ابن أبي حاتم، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، النكت والعيون للماوردي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير ابن كثير، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، الكشاف للزمخشري، الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي، تفسير القرطبي، فتح القدير للشوكاني.
( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)) الشرح قوله ( أَلَمْ): استفهام تقرير. قاله العز بن عبد السلام. قوله ( نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ): أي ألم نفتح لك صدرك. قاله غلام ثعلب، والسمعاني، والقرطبي. قال البغوي، والواحدي(ج) : ألم نفتح ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة. وزاد الواحدي: هذا استفهام معناه التقرير. قال التستري: فنلِّين لك قلبك، ونجعله وعاء للحكمة. قال مقاتل بن سليمان: يعنى ألم نوسع لك صدرك، يعني بالإيمان... قال السمين الحلبي في العمدة: أي وسعناه لتلقي الوحي، وألقينا عنك أعباء النبوة حتى أطقت حملها. قال الإيجي الشافعي:أي فسحناه ونورناه ووسعناه بالنبوة والحكمة، أو إشارة إلى شق صدره في صباه، وإخراج الغل والحسد وإدخال الرأفة والرحمة، والحكاية مشهورة، والهمزة لإنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته. قال الزجاج: أي شرحناه للإسلام. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإسلام ): شرح: قال القرطبي: فتح ووسع. وقال الثعلبي: أي فتح الله صدره. وقال ابن أبي زمنين: أي: وسع. ومقاتل: يقول أفمن وسع الله قلبه للتوحيد. ومنه ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ): قال السمعاني: أي يفتح قلبه حتى يدخل الإسلام. وقال البغوي: أي يفتح قلبه وينوره حتى يدخل الإسلام. ومنه ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ): قال السمرقندي، والنحاس: أي فتح صدره بالقبول. إلا أن النحاس قال: لقبوله. وبنحوه قال ابن قتيبة. ومنه ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ): قال الواحدي في البسيط: افتح لي صدري ووسعه لقبول الحق. قوله ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ ): حططنا عنك. قاله الجمل في مخطوطته، والواحدي(ج)، وسراج الدين النعماني، والقرطبي، وبه قال مقاتل بن سليمان. قال السمين الحلبي في العمدة: أي أحططنا وأسقطنا. يقال: وضع الأمير عن قومه كذا، أي أسقطه. قال البقاعي: أي حططنا وأسقطنا وأبطلنا حطا لا رجعة له ولا فيه بوجه بما لنا من العظمة. وقيل: معناه خففنا عليك أعباء النبوة والوزر في اللغة: الحمل الثقيل. حكاه الواحدي في الوجيز. قوله ( وِزْرَكَ ): ذنبك. قاله القرطبي، ومقاتل، وسراج الدين النعماني، وغيرهم. قال ابن كثير: بمعنى: ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ). قال الزجاج: أي وضعنا عنك إثمك؛ أن غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وقال الفراء: إثم الجاهلية. وبه قال ابن قتيبة. قال العز بن عبد السلام: غفرنا لك ذنبك أو حططنا عنك ثقلك أو حفظناك في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك جبريل عليه السلام وأنت مطهر منها. قال الشوكاني: والوزر: الذنب. قال ابن فورك: الوزر: الثقل، والأوزار: الذنوب لأنها أثقال. قال مجير الدين العليمي: وهذه الآية نظير قوله تعالى: ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )، وكان رسول الله - ﷺ - في الجاهلية قبل النبوة وزره صحبة قومه، وأكله من ذبائحهم، ونحو هذا، وهذه كلها جرها المنشأ، وأما عبادة الأصنام، فلم يتلبس بها قط بإجماع الأمة. قال الزجاج: وسمي الإثم وزرا لأن صاحبه قد حمل بها ثقلا. قلت ( عبدالرحيم ): مذهب الجمهور أن الوزر هاهنا الذنب؛ كما نص عليه ابن جزي الغرناطي، وأصل الوزر الحمل، وأعظم ما يحمله الإنسان: الإثم؛ قال أبو الهلال العسكري في الفروق اللغوية: الوزر يفيد أنه يثقل صاحبه وأصله الثقل. انتهى كلامه. قلت: فمما جاء في مجرد معنى الحمل قوله تعالى ( قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ): حملنا أوزارا من زينة القوم: قال أبو بكر الأنباري في الزاهر، و أبو بكر السجستاني في الغريب: أثقالا. وقال ابن قتيبة: أي أحمالا من حُليّهم. ومنه ( حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا ): أوزارها: أثقالها. قاله الصُحاري في الإبانة. وقال أبو بكر السجستاني: أي حتى يضع أهل الحرب السلاح. وقال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: ووضعت الحرب أوزارها: أي أثقالها من سلاح وغيره. ومنه ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ): وزيرا: معينا؛ يحمل معي عبئ الرسالة معي؛ لذا قال بعدها "اشدد به أزري": أي قو به ظهري. قال مكي في الهداية: أي ظهري: وقيل للظهر أزر، لأنه محل الأوزار. قال أبو بكر الأنباري في الزاهر: إنما سمي الوزير وزيرا لأنه يتحمل أثقال الملك. والوزر معناه في اللغة: الثقل، والأوزار، الأثقال. انتهى كلامه. ومما جاء في معنى الإثم قوله تعالى ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ): أي لا تحمل نفس حمل أخرى؛ و إن تنادي نفسٌ مثقلةٌ ظهرُها بحمل الإثم؛ نفساً غيرَها لتحمل عنها وزرها؛ لا يحملُ منها شيء، ولو كان أقرب الناس؛ لا يحمل قريب عن قريب شيئا؛ لأنه يوم الفرار ( يوم يفر المرء من أخيه ) الآية؛ إنما الحساب والجزاء بالأعمال. قال النحاس: الوزر في اللغة الحمل الثقيل وقيل للإثم وزر على التمثيل. انتهى كلامه. ومنه ( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ): حمل ظلما: أي حمل شركا، وأعظمُ حملٍ يثقلُ الظهرَ؛ الشركُ بالله. قال مقاتل، وابن أبي زمنين، والسمرقندي: شركا. وقال الواحدي في الوجيز: خسر من أشرك بالله. انتهى ومنه ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ): فقوله ( وليحملن أثقالهم ): قال قتادة: أي أوزارهم. رواه الطبري. قال البغوي: أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم، وقوله ( وأثقالا مع أثقالهم ) أي: أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم . قاله البغوي. ومنه ( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ): قال الزجاج: أي يحملون ثِقل ذُنوبهم. ( ساء ما يزرون ): ساء ما يحملون. قاله مقاتل بن سليمان، ويحيى بن سلام، وبه قال الزجاج. ومنه ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ): قال الطبري: ألا ساء الإثم الذي يأثمون ، والثقل الذي يتحملون. وقال السمرقندي: "يزرون" يحملون. قوله ( أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ): أثقل ظهرك.
قاله الطبري، وسراج الدين النعماني، ومقاتل، والثعلبي، وغيرهم ، وهو قول ابن قتيبة، ومكي في الهداية، والمشكل.
وزاد الثعلبي، والطبري، ومكي: فأوهنه. قال قتادة: كانت للنبي ﷺ_ ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. رواه الطبري. قال الإيجي: كأن الذنوب حمل يثقل الظهر. قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي النقض بمعنى: مطلق الصوت؛ كما نص عليه في تاج العروس. وقال ابن منظور في اللسان: وأَنْقَضت العُقابُ أَي صوَّتَت. وذكر ابن سيده في المحكم: ونقيض الرحل والأديم والوتر: صوته. وقال الحميري في شمس العلوم: وأنقض بالدابة: إِذا ألصق لسانه بحنكة فصوّت. قال في مختار الصحاح: و (أَنْقَضَ) الْحِمْل ظهره أثقله ومنه قوله تعالى: ( أنقض ظهرك ) وأصل (الْإِنْقَاضِ) صويت مثل النَّقْر. قلت: فالمعنى _ والله أعلم_: وضعنا عنك إثمك؛ ما تقدم منه وما تأخر؛ وبعصمتنا لك منه؛ سيما بعد النبوة؛ الذي أثقل ظهرك؛ حتى يكاد أن يسمع لظهرك صوت من ثقله، ونقيض الرحل صوته، وفيه إشارة إلى خطر الوزر، قال البيضاوي: الذي أنقض ظهرك الذي حمله على النقيض وهو صوت الرحل عند الانتقاض من ثقل الحمل وهو ما ثقل عليه من فرطاته قبل البعثة، أو جهله بالحكم والأحكام أو حيرته، أو تلقي الوحي أو ما كان يرى من ضلال قومه من العجز عن إرشادهم، أو من إصرارهم وتعديهم في إيذائه حين دعاهم إلى الإيمان. قال الأزهري: أي أثقل ظهرك حتى سُمع نقيضه أي صوته. قال البقاعي: أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل،... قال الجمل في مخطوطته: أنقض الحمل ظهر الدابة: ثقل عليها فسمع صوت من تفكك عظام من الإعياء ويمسي هذا الصوت النقض ويقال علي التشبيه: أصاب فلانا هم أنقض ظهره إذا بلغ منه وبرح به. قال الجبي في شرح غريب ألفاظ المدونة: أي أثقل ظهرك حتى قصبه يعني الذنب وإن لم يقصف الظهر فقد قصف الدين وهو أشد ولكنه مثل على شدة ثقله. قال الراغب: والظَّهْرُ هاهنا استعارة تشبيها للذّنوب بالحمل الذي ينوء بحامله. وذكر الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: والأصل فيه أن الظهر إذا أثقله حمله سمع له نقيض أي صوت خفي وذلك عند غاية الإثقال، فأخبر الله عز وجل أنه غفر لنبيه أوزاره التي كانت تراكمت على ظهره حتى أوقرته، وأنها لو كانت أثقالا حملت على ظهره لسمع لها نقيض أي صوت، وكل صوت لمفصل أو إصبع أو ضلع فهو نقيض، وقد أنقض ظهر فلان إذا سمع له نقيض. انتهى _____ المصدر: أنظر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير ابن أبي زمنين، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير التستري، تفسير السمرقندي، الوجيز للواحدي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير السمعاني، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، مخطوطة الجمل، جامع البيان للإيجي الشافعي، اللباب لسراج الدين النعماني، فتح القدير للشوكاني، تفسير العز بن عبد السلام، تفسير ابن فورك، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، تفسير مقاتل، الإبانة في اللغة العربية لسَلَمة الصُحاري، الفروق اللغوية لأبي الهلال العسكري، لسان العرب لابن منظور، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، الزاهر في اللغة العربية لأبي بكر الأنباري، شرح غريب ألفاظ المدونة للجبي، مختار الصحاح لزين الدين الرازي، شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ(17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) ) الإنشقاق قوله ( وما وسق ): وما جمع. قاله الفراء، وإلايجي الشافعي. وبه قال الزجاج، ومكي، وابن الهائم، والنسفي، والبغوي، وابن جزي الغرناطي، وأبو السعود. وحكاه في البسيط عن المبرد. وزاد النسفي، والبغوي، والزجاج، وابن جزي، وأبو السعود: وضم. وزاد ابن الهائم: وذلك أن الليل يضمّ كلّ شيء إلى ما وراءه فيقال فيه: واللّيل وما وسق. وزاد الإيجي: وضم من دابة وغيرها. قال السمين الحلبي: الوسق: جمع الأشياء المتفرقة، والمعنى: وما جمع من الظلم. قال السعدي: أي احتوى عليه من حيوانات وغيرها. قال الواحدي ( في البسيط ): أي وما جمع، وضم، وحوى، ولفَّ. وقال الواحدي ( في الوسيط ): والمعنى: جمع وضم ما كان منتشرًا بالنهار في تصرفه، وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى مأواه. وقال الواحدي ( في الوجيز ): جمع وحمل وضمَّ وآوى من الدواب والحشرات والهوام والسباع وكلّ شيء دخل عليه اللَّيل. قال النسفي: والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم، أو ما عمل فيه من التهجد وغيره. قال عكرمة: ساق؛ لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مأواه. حكاه الماوردي في النكت. قال الشنقيطي: والمعنى هنا : والليل وما جمعه من المخلوقات . قيل: كأنه أقسم بكل شيء كقوله تعالى: ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ). قال الطبري: يقول: والليل وما جمع مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يَدِب نهارا. قال السمرقندي: يعني: ما يساق معه من الظلمة والكواكب. قال الراغب الأصفهاني: الوَسْقُ: جمع المتفرّق. يقال: وَسَقْتُ الشيء: إذاجمعته. قال الشنقيطي: هو الجمع والضم للشيء الكثير. ويقال: وسق: علا، وذلك أنّ الليل يعلو كلّ شيء ويجلّله ولا يمتنع منه شيء. قاله ابن الهائم. قال ابن أبي زمنين: وما جمع مما عَمِلَ فيه الخلق من خير أو شر. وقيل: أي جمع وساق كل شيء إلى مأواه من الطير والسباع، فذكر النهار والليل؛ لما فيهما من المنافع. حكاه الماتريدي. وقال عكرمة: وما جمع فيه منّ دوابه وعقاربه وحيّاته وظلمته. حكاه الثعلبي. قال مكي في الهداية: أكثر المفسرين على أن معنى ( وَمَا وَسَقَ ): وما جمع، وما آوى، وما ستر. قال السمعاني: أي: وما جمع ولف، وضم الأشياء بعد انتشارها، وإنما قال ذلك؛ لأنه إِذا كان الليل آوى كل شيء إلى مأواه، ورجع كل إنسان إلى منزله، وإذا كان النهار انتشروا في التصرف. قوله ( والقمر إذا اتسق ): إذا تمّ وكمل، إذا اجتمع واستوى. يقال اتسق القوم أي: اجتمعوا. بلغة جرهم. ذكره عبدالله بن حسنون السامري. قال السعدي: أي امتلأ نورًا بإبداره، وذلك أحسن ما يكون وأكثر منافع. قال الإيجي الشافعي: استوى وتم بدرًا. قال أبو السعود: اجتمع،وتم بدرا؛ ليلة أربع عشر. قال شهاب الدين الشافعي ثم الحنفي: انتظم واجتمع نوره إذا كان بدراً. قال النسفي: تمّ واستوى واجتمع. قال الواحدي في الوسيط: استوى، واجتمع، وتكامل، وتم. قال ابن عباس: اتّساقه اجتماعه واستواؤه. حكاه نافع بن الأزرق. قال السمين الحلبي: اجتمع ضوؤه في الليالي البيض. قال ابن أبي زمنين: إذا استوى فاستدار. قال ابن قتيبة، ومكي، وأبو بكر السجستاني: أي امتلأ في الليالي البيض. إلا أن أبا بكر قال: إِذا تمّ وامتلأ.. إلخ. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: إذا تمّ. قال الفراء: اتساقه: امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه. وقال الشنقيطي: أي اتسع أي تكامل نوره، وهو افتعل من وسق. وقال أبو بكر الأصم: معناه: أنه جُمع وسوي بعد أن كان كالعرجون القديم فيذكرهم قوته؛ ليعلموا أنه قادر على بعثهم. حكاه الماتريدي. ___ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير النسفي، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير النستفسير الطبري،، تفسير ابن أبي زمنين، تأويلات أهل السنة للماتريدي، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير السمعاني، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير أبي السعود، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني لشهاب الدين، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، أضواء البيان للشنقيطي، تفسير السعدي.
( الوجيز في تفسير معاني وغريب القرآن ) ( أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) القصص: 61 قوله ( المحضرين ): أي من محضري النار. قال الطبري: يعني من المُشْهدينَ عذاب الله، وأليم عقابه. _____ المصدر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير الطبري.
( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ(17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) ) الإنشقاق قوله ( وما وسق ): وما جمع، وضم، وستر؛ ما كان منتشرا بالنهار، وما حوى من خير وشر. قيل: هو قسم بكل شيء؛ حل عليه ظلام الليل؛ كقوله ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ). قال الطبري: يقول: والليل وما جمع مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يَدِب نهارا. قوله ( إذا اتسق ): اجتمع، وامتلأ، وكمل، واستوى بدرا. يقال: اتسق القوم إذا اجتمعوا. ____ المصدر: أنظر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، الوسيط للواحدي، معاني القرآن للفراء، تفسير النسفي، تفسير الطبري، أضواء البيان للشنقيطي.
( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) الفيل: 5 قوله ( كعصف ): كورق زرع يابس متفتت، أو غلاف الحب الذي أُخذ منه الحب وبقي، فتعصف به الريح لخفته. قوله ( مأكول ): ممضوغ. شبه جثثهم بعدما تقطعت وتفتت؛ كورق زرع أكلته البهائم؛ فأخرجته روثا وبعرا؛ فصارت فضلات وبقايا متفرقة. لكن الله حيي يكني. __ المصدر: أنظر: تفسير الطبري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي ، البسيط، للواحدي، محاسن التأويل للقاسمي، التفسير المنير للزحيلي، التفسير الوسيط للزحيلي، التفسير الحديث محمد عزة دروزة، العين للفراهيدي.
( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) ) النازعات قوله ( رَفَعَ سَمْكَهَا ): بناءها. قاله السيوطي. قال السمرقندي: أي سقفها بغير عمد. قوله ( فَسَوَّاها ): يعني: سوى خلقها. ويقال: خلقها مستوية، بلا صدع ولا شق. قاله السمرقندي. قوله ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ): أظلم ليلها. قاله أبو بكر السجستاني. وقال الراغب، وابن قتيبة: أي جعله مظلماً. قوله ( وَأَخْرَجَ ضُحاها): ضوءها بالنهار. قاله معمر بن المثنى. قوله ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ): بسطها. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
( فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) ) الصافات
قوله ( فراغ عليهم ): أي مال عليهم يضربُهم. قوله ( باليمين ): بيده اليمنى؛ لأنها أقوى من الشؤمى. وقال جمع: أي بالقوة والقدرة. ومنه قوله ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين ): قال الفراء، وأبو بكر السجستاني: بالقوة والقدرة. وقال نجم الدين النيسابوري: لقطعنا يمينه. انتهى وقيل: ضربهم إبراهيم_ عليه السلام_ بيمينه ( بحلفه ) التي قالها (وتالله لأكيدن أصنامكم). قوله ( فأقبلوا إليه ): إلى إبراهيم. قوله ( يزفون ): يسرعون إليه في المشي غاضبين؛ ليبطشوا به. ______ المصدر: أنظر: التصاريف ليحيى بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير الطبري، تفسير مقاتل.
( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) الرحمن [37] قوله ( وردة كالدهان ): أي حمراء كلون الفرس. قال الفارابي: أي صارت حمراء كالأديم؛ من قولهم: فرس ورد. والأنثى وردة. قال ابن سيده، وابن منظور، وأبو بكر السجستاني: أي صارت كلون الورد. وعن ابن عباس: أي تغير لونها. قال الزجاج: تتلون من الفزع الأكبر تلون الدهان المختلفة. قال نجم الدين النيسابوري: صافية كالدهان. ____ المصدر : غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير الطبري، الصحاح تاج اللغة للفارابي، المخصص لابن سيده،لسان العرب لابن منظور.
( جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ) النبأ (36) قوله ( حسابا ): أي كافيا وافرا شاملا كثيرا. قاله ابن كثير. قال ابن قتيبة: ويقال: أحسبت فلانا. أي أعطيته ما يحسبه، أي يكفيه. قال ابن كثير: ومنه " حسبي الله " ، أي: الله كافي. وقال يحيى بن سلام: يعني الجَّنَّة ثوابا من الله وعطية منه لأَعمالهم التي عملوا في الدُّنيا احتسابا. ______ المصدر: التصاريف ليحيى بن سلام، تأويل المشكل لابن قتيبة، تفسير ابن كثير.
( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) هود: (87) قوله ( إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ): قالوا ذلك تهكما و استهزاءً بشعيب_ عليه السلام_؛ يريدون ضد ما قالوا. كمن يدعو على شخص بكلام معناه بخلاف ظاهره؛ فمن ذلك: "أقر الله عينك" أي أسكنها، عن الحركة وإذا سكنت العين عن الحركة عميت. ومنه: "قوى الله ضعفك". يدعو عليه بالضعف. قال ابن الهائم: يعني الأحمق السفيه بلغة مَدين. وذكره ابن حسنون السامري في اللغات. قال ابن قتيبة: كما تقول للرجل تستجهله: يا عاقل، وتستخفه: يا حليم. قال الطبري: فإنهم أعداء الله ، قالوا ذلك له استهزاءً به ، وإنما سفَّهوه وجهَّلوه بهذا الكلام. وقيل: معناه إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك. ____ المصدر: أنظر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده ، تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للفراء.
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل: 98
هذه الآية اشتملت على فوائد جمة؛ ذكرتها في التفسير البسيط؛ بحمد الله. قوله ( فإذا قرأت ): أي إذا أردت أن تقرأ؛ فالمعنى: استعذ بالله قبل قراءتك. قوله ( الرجيم ): المرجوم؛ المطرود المبعد عن كل خير. فهو فعيل بمعنى مفعول. ونظيره في القرآن كثير؛ مثل ( الرقيم ).
وسيأتي ( إن شاء الله ) في التفسير البسيط.
_____ المصدر: أنظر: معاني القرآن للنحاس، نيل المرام من تفسير آيات الأحكام لصديق حسن خان، الجدول في إعراب القرآن لمحمود الصافي.
( كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ) العلق (15) قوله ( كلا لئن لم ينته ): أي أبو جهل عن أذاك يا محمد. قوله ( لنسفعا بالناصية ): أي لنأخذن بالناصية فلنذلنه، ولنُجُرَّنَّ ناصيته إلى النار. والناصية: مقدم الرأس، وقد يعبر بها عن جملة الإنسان. _____ المصدر: أنظر: معاني القرآن للفراء، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تفسير الطبري.
( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ): التوبة [70] قوله «ألم يأتهم»: ألم يأت هؤلاء المنافقين.
قوله «نبأ»: خبر.
قوله «والمؤتفكات»: المنقلبات؛ فجعل عاليها سافلها. وقيل: المكذبات. وسيأتي مفصلا ( إن شاء الله ). قوله «أتتهم رسلهم بالبيِّنات»: بالكتب، والمعجزات؛ فكذبوهم؛ فأُهلكوا. قوله «فما كان الله ليظلمهم»: لتمام عدله، وحكمته؛ فلم يهلكهم بغير ذنب. قوله «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون»،: بمعصية الله، وتكذيبهم الرسل. _____ المصدر: أنظر: تفسير مقاتل، تفسير عبدالرزاق، تفسير الجلالين، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي ومنين.
( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) القارعة 4
قوله ( المبثوث ): المنتشر. ومنه قوله تعالى ( وزرابي مبثوثة ): أي بسط منتشرة كثيرة في مجالس أهل الجنة. ___ المصدر أنظر: تفسير المشكل لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني،التبيان لابن الهائم، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( كلا لينبذن في الحطمة. وما أدراك ما الحطمة. نار الله الموقدة ) الهمزة لينبذن: أي ليطرحن وليلقين. الحطمة: جهنم. وسميت حطمة: لأنها تحطم وتكسر ما يلقى فيها. والمعنى: لتطرحنه الملائكة في النار. ____ المصدر : أنظر: تفسير القرطبي، تفسير المشكل لمكي القيسي.
( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) ) القصص قوله ( وَقَالَتْ ): أم موسى لأخت موسى حين ألقته في اليم. قوله ( قُصّيهِ): اتبعي أثره. والقصص اتباع الأثر. قوله: ( فَبَصُرَتْ بِهِ ): أي رأته. قوله ( عَنْ جُنُبٍ ): أي عن بعد، كأنها ليست تريده؛ كي لا يُعلم أنه منها، مع شوقها له. يقال: جنبت إليك: أي اشتقت. بلغة جذام. قوله ( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ): أي لا يشعرون أنها تقصه، وأنها أخته. قوله ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ): التحريم: المنع. أي منعنا موسى أن يرضع من مرضعة غير أمه. قوله ( مِن قَبْلُ ): أي من قبل مجيء أم موسى. قوله تعالى ( فَقَالَتْ ): أي فقالت أخت موسى؛ لما تعذر عليهم رضاعه. قوله ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ): يكفلونه: أي يضمونه إليهم، ويضمنون لكم رضاعه. قوله ( وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون ): النصح: ضد الغش. أي يعاملونه بإخلاص مشفقون عليه، لا يقصرون في إرضاعه وتربيته. _____ المصدر: أنظر: غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، تفسير البغوي، الوجيز للواحدي، فتح القدير للشوكاني.
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) التوبة [73]
قوله «يا أيها النبيُّ»: الخطاب له_ ﷺ _ ولجميع أمته.
قوله «جاهد الكفَّار»: بالسيف، والسلاح.
قوله «والمنافقين»: باللسان، والقول الشديد، والحجة؛ فالحجة على المنافقين جهاد لهم.
قوله «واغلظ عليهم»: أي: اشدد عليهم في ذات الله ولا تلن؛ بالانتهار، والنظر بالبغضة والمقت؛ على الفريقين جميعا.
قال ابن مسعود: (هو أن تكفهر في وجوههم ).
حكاه الواحدي في البسيط.
وهنا توجيه: للمسلمين عامة، و لمن انشغلوا بالجدال، والمناظرات مع المنافقين؛ أعداء الملة. خاصة.
يأتي لاحقا؛ في التفسير البسيط، أو الوسيط ( إن شاء الله ).
قوله «ومأواهم جهنم وبئس المصير»: شر مرجع، ومسكن هي؛ يرون فيها العذاب، والغلظة من خزنتها.
_____
المصدر:
أنظر:
معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير الجلالين.
( أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) ق: (15)
قوله ( أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ): أَفعجزنا حين خلقناهم أول مرة؛ فنعجز عن إعادتهم بعد الموت.
ويقال لكل من عجز عن شيء: عيي به.
ومنه قوله تعالى ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ): أي خلق السماوات والأرض، وهما أكبر من خلق الناس، ولم يعجزه ذلك؛ فكيف يعيى عن بعث الموتى؟!
قوله ( بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ ): أي في شك. قوله ( مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ): وهو البعث. _____ المصدر: أنظر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير مقاتل.
( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) سبأ 23 قوله ( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ): أي كشف، وأذهب الله الفزع عن قلوبهم؛ أي قلوب الملائكة. قال الزجاج: والذين فُزِّعَ عن قلوبهم هاهنا الملائكة. ____ المصدر: معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير الطبري.
( نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(30) ) الإنسان قوله ( نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ ): في بطون أمهاتهم وهم نطفة. قوله ( وَشَدَدْنَا ): أحكمنا. قوله ( أَسْرَهُمْ ): خلقهم. وقيل: شددنا مفاصلهم بالعصب؛ والعروق بالجلد؛ لكي لا تنقطع المفاصل عند تحريكها. وقيل: شددنا أسرهم. أي: قبلهم ودبرهم، لكي لا يسيل البول والغائط، إلا عند الحاجة. وقيل: قوينا خلقهم ليطيعوني، فلم يطيعوني.
- قوله ( وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا )*: أي إذا شئنا أهلكناهم، وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلا منهم، يعني: أي نخلق خلقا أمثل منهم، وأطوع لله. وهذا كقوله: ( على أن نبدل أمثالكم ).
قوله ( إِنَّ هَٰذِهِ ): يعني هذه السورة. قوله ( تَذْكِرَةٌ ): تذكير وعظة. قوله ( فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ): وسيلة بالطاعة. قوله ( وَمَا تَشَاءُونَ ): وقُرأ بالياء. قوله ( إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ): أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله عز وجل، لأن الأمر إليه، إذ لا يكون في ملكه إلا ما يريده. قوله ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ): فيه إثبات صفة العلم، والحكمة لله تعالى. _____ المصدر: أنظر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، تفسير مقاتل، تفسير السمعاني، الوجيز للواحدي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ 33 )) سورة ص. قوله ( نعم العبد ): أي نعم العبد سليمان. قوله ( أبواب ): رجاع، تواب إلى ربه. قوله ( إذ عرض عليه ): على سليمان_ عليه السلام. قوله ( بالعشي ): آخر النهار. بين اصفرار الشمس إلى غروبها. قوله ( الصافنات ) الخيول الواقفة على ثلاث قوائم، وترفع الرابعة؛ لنجابتها وخفتها. قوله ( الجياد ): جمع جواد؛ وهي السراع، إذا جرت سبقت. قوله ( فقال ): سليمان. قوله ( إني أحببت ): آثرت، وأردت. قوله ( حب الخير ): أي الخيل. سميت بذلك: لكثرة خيرها، ومنافعها. قوله ( عن ذكر ربي ): عن الصلاة. ومنه ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ). قوله ( حتى توارت ): الشمس. قوله ( بالحجاب ): أي غربت، واستترت بالمغيب. ومنه حجاب المرأة؛ لأنه يحجب وجهها؛ أي يستره عن الرجال. قوله ( ردوها علي ): الخيل المعروضة؛ فردوها إليه. قوله ( فطفق ): أقبل، وجعل. قوله ( مسحا ): أي يقطع قطعا. يقال: مسحت الْعُضْو بِالسَّيْفِ: إِذا قطعته. قوله ( بالسوق ): جمع ساق. قوله ( والأعناق): أي ذبحها وقطع أرجلها. قال الواحدي: ولم يفعل ذلك إلاَّ لإِباحة الله عزَّ وجل له ذلك. ______ المصدر: التصاريف ليحيى بن سلام، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، جامع البيان للإيجي الشافعي، أحكام القرآن للجصاص، الوجيز للواحدي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، جمهرة اللغة للأزدي، العين للخليل.
( وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)) النحل.
قوله ( وَلَهُ الدِّينُ ): الطاعة، والإخلاص.
قوله ( وَاصِبًا ): دائما.
يقال: وصبت عليهم الحمى: أي دامت.
ومنه قوله تعالى ( دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ): واصب: دائم.
والمعنى أن كل من يطاع تزول طاعته؛ بهلاك أو زوال إلا الله جل وعز.
قوله ( تَجْأَرُونَ ): أي تضجُّون، وترفعون أصواتكم.
والمعنى: تضجُّون،و تصرخون بالدعاء وتستغيثون به، ليكشف ذلك عنكم؛ أي إليه ترفعون أصواتكم بالاستغاثة.
وأصله جؤار البقر، وهو صوته إذا رفعه لألم يلحقه؛ يقال: جَأَرَ الثور يَجْأَر.
ومنه قوله ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ): يجأرون: يضجون، ويستغيثون بصوت عال؛ عند نزول العذاب. والمعنى الإجمالي للآيتين: لله الطاعة، والإخلاص دائما؛ فكما تتضرعون إليه بالمسألة عند الضر، ونزول الكرب؛ فحقه أن يعبد دائما، وليكن هذا دأبكم في كل حال؛ لا كمن قال الله فيه ( ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ). _____ المصدر: أنظر : تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الجلالين.
( وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ) القمر 13 قوله [وحملناه]: يعني نوحا_ عليه السلام _. قوله [على ذات ألواح]: يعني: سفينة ذات ألواح. قوله[ودسر]: ودسر: مسامير . بلغة هذيل. والدُّسر اسم المسامير. ___ المصدر : أنظر : اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، تفسير المشكل لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، تفسير الطبري، تفسير الجلالين.
( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ) الذاريات 29 قوله [فأقبلت امرأته]: سارة. قوله [في صرة]: أي في صيحة؛ ومعناه: جاءت صائحة قوله [فصكت وجهها]: أي ضربت جبهتها بأصابعها؛ معناه لطمته. انضم مباشرة إلى المجموعة عبر الرابط التالي: ____ المصدر : تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تفسير الجلالين.
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)) البينة قوله ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ ): يعني لم يزل بلغة قريش. أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، مقيمين على الشرك والريبة؛ لا يزيدهم مرور الأوقات إلا كفرا. قوله ( مِنْ ): بيانيه. قوله ( أَهْلِ الْكِتَابِ ): اليهود والنصارى. قوله ( وَالْمُشْرِكِينَ ): عبدة الأوثان. قوله: (مُنْفَكِّينَ): منفصلين، منتهين، زائلين؛ عن كفرهم وشركهم. أي لم يكونوا منفكين من كفرهم. يقال: فككت الشيء فانفك ، أي : انفصل. قوله ( حَتَّى تَأْتِيهِمْ ): معناه: أَتَتْهُمْ. لفظه مستقبل ومعناه الماضي. قوله ( الْبَيِّنَةُ ): الحجة الواضحة؛ محمد _ ﷺ _؛ فبين لهم ضلالاتهم وشركهم. والمعنى: لم يتركوا كفرهم حتى بُعث إليهم محمَّدٌ عليه السلام وهذا فيمن آمن من الفريقين. وقيل: القرآن. والأول أصح؛ فقد بين البينة ما هي؛ بقوله ( رَسُولٌ مِّنَ الله ): يعني: محمدا_ ﷺ_ " فرسول " بدل من " البينة ". والمعنى: هو رسول من الله. وقيل: حتى أتاهم رسول من الله. قوله ( يَتْلُواْ ): هو من نعت " رسول ". قوله تعالى (صُحُفًا ): كتبا؛ يعني القرآن. قوله ( مُطَهَّرَةً): من الباطل؛ من التغيير والتبديل والشرك، والكفر، والسحر والكهانة، والزيادة والنقصان، والكذب؛ بخلاف كتبهم أهل الكتاب، وما زعم المشركون. قوله ( فِيهَا ): أي في الصحف. قوله ( كُتُبٌ ): أحكام مكتوبة. أي يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها، والكتاب يأتي بمعنى الحكم، والكتب بمعنى الأحكام، وفي الحديث قال: " «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ " أي: بحكم الله. خرجه الشيخان من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما. قوله ( قَيِّمَةٌ ): عادلة مستقيمة لا خطأ فيها. _____ المصدر: أنظر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، الوجيز للواحدي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير الجلالين، تفسير السعدي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)) الحجر. قوله [وجاء أهل المدينة]: مدينة سَدُوم وهم قوم لوط؛ لما سمعوا أن ضيوفا نزلوا بيت لوط؛ مردا ( ليس لهم لحى ) حسانا، غرباء؛ وهم الملائكة. قوله [يستبشرون]: بدخول الرجال منزل لوط؛ طمعا في فعل الفاحشة بهم. قلت: وهذا دأب أصحاب الفطر المنكوسة؛ ألا ترى أن المشرك يستبشر إذا ذكر الذين من دون الله !!! (وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ): أي يفرحون ويسرون؛ وقد نفرت قلوبهم من توحيده_ تعالى. قوله [قال]: لوط لقومه. قوله [إن هؤلاء ضيفي]: والضيف يقع للواحد والجمع والاثنين بلفظ واحد لأنه مصدر في الأصل. قوله [فلا تفضحون]: فيهم. قوله [واتقوا الله]: يقول: وخافوا الله فيّ وفي أنفسكم أن يحلّ بكم عقابه. قوله [ولا تخزون]: ولا تُخْجِلُونِ؛ بقصدكم إياهم بفعل الفاحشة بهم. قوله [قالوا أولم ننهك عن العالمين]: أي ألم ننهك عن أن تضيف أحدا من العالمين. أي: ألم ننهك أن تضيف أحدا من الغرباء. وكانوا يقصدون بفعلهم الغرباء. قوله [قال هؤلاء بناتي ]: فتزوجوهن؛ يعني هن أحل لكم. وكل رسول فهو أب لأمته؛ فالبنات بمنزلة بناته، وهو أب لهن. فكأنه قال لهم التزويج أطهر لكم. وفي الحديث" إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم" شطر من حديث رواه أبو داود وغيره؛ من حديث أبي هريرة ( قال النووي في خلاصة الأحكام " صحيح رواه أبو داود، والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة.". وصححه من المعاصرين الألباني في الصحيحة برقم: 1301، وفي صحيح أبي داود برقم: 6 ). وقال الله ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ). قال الراغب، والزجاج، والفراء، والقرطبي: وفي بعض القراءات: (وهو أب لَهُم)؛ فهذا من ذلك. ونظيرتها قوله تعالى ( هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ): من الفاحشة والإثم. قوله [إن كنتم فاعلين]: ما تريدون من قضاء الشهوة. أي إن كنتم مريدين لهذا الشأن فعليكم بالتزويج ببناتي. _____ المصدر: أنظر: التصاريف ليحيى بن سلام، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير مقاتل، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، الوجيز للواحدي للواحدي، تفسير ابن كثير، تفسير القرطبي.
( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)) الانسان قوله ( يُوفُونَ بِالنَّذْر ): يوفون ولا يخلفون؛ إذا نذروا في حق الله، وطاعته، وأما المعصية فلا نذر. أثنى عليهم ربهم لأنهم وفوا وقاموا بما أوجبوه على أنفسهم؛ فكان قيامهم بما ألزمهم الله، وأوجب عليهم أحرى؛ فلم يتخلفوا عن طاعته، بخلاف من قال الله فيه ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ). قوله ( وَيَخَافُونَ يَوْمًا ): يعني يوم البعث والعرض؛ يوم القيامة. ومثله ( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ). قوله ( مُسْتَطِيرًا ): قاسيا ممتد البلاء، فاشيًا منتشرًا. يقال: اسْتَطَار الحريق؛ إذا انتشر، واستطار الصبح إذا امتد وانتشر. قال الزجاج: معناه يبلغ أقصى المبالغ فيه. والمعنى: كان شرا فاشيا في أهل السماوات والأرض؛لما يكون من أهول هذا اليوم، والسلامة منها خاص الخاص. قوله ( قَمْطَرِيرًا ): شديدا طويلا عبوسا؛ تعبس فيه الوجوه. أي: تنقبض فيه العيون والحواجب. ____ المصدر: أنظر: غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، تفسير مقاتل، تفسير التستري، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير البغوي، أحكام القرآن للجصاص، الوجيز للواحدي، تفسير السعدي، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ): مريم (98) قوله {وَكَمْ أَهْلَكْنَا}: أي كثيرا ما أهلكنا. قوله {قَبْلهمْ}: قبل قومك. قوله {مِنْ قَرْن}: جماعةٍ، وأمة؛ من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل. والمعنى: أهلكنا عددا كبيرا من القرون، بأنواع العذاب؛ بسلوكهم مسلك قومك في الكفر والخصومة في الدين. قوله {هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد}: أي هل تبصر؟ هل ترى؟ هل تَجِد؟ هل تعاين؟ يقال: هل أحسست صاحبك أي: هل أبصرته، ورأيته. وقال ابن عباس: حسا، يعني الحركة. حكاه نافع بن الأزرق. قوله { أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا}: ركزا: يعني صوتا بلغة قريش.
والمعنى: هل تسمع لهم ولو صوتا خفيا، أو حركة وإن دقت؛ بل قد غابوا، وبادوا، وهلكوا؛ فلقوا ما عملوا.
والركز في اللغة: الصوت الخفي الذي لا يكاد يتبين.
ومنه قالوا: ركزت الرمح أي: غيبته، فكل مغيب في الأرض مركوز فيها مما غيبه الله عز وجل فيها أو مما غيبه بنو آدم.
_____ المصدر: أنظر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوجيز للواحدي، تفسير السمرقندي، تفسير الجلالين، أحكام القرآن للطحاوي.
( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)) نوح
قوله ( تَرْجُونَ ): تخافون.
ومنه قوله ( بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ): أي لا يخافون بعثا.
قوله ( وَقَارًا ): عظمة.
والوقار: العظمة، اسم من التوقير وهو التعظيم.
والمعنى: ما لكم لا تخافون لله عظمة.
قوله ( أَطْوَارًا ): حالا بعد حال؛
نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم أطفالا، ثم رجالا، ثم شيوخا.
____
المصدر:
أنظر:
تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للفراء، تفسير الطبري، تفسير البغوي، النكت للقصاب.
( وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا(9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)) الطور قوله ( وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ): السماء. جعلها سقفا، لأنها سماء للأرض، كسماء البيت الذي هو سقفه. قوله ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ): يعني: الممتليء. بلغة عامر بن صعصعة. يقال: سجرت الشئ أي ملأته. وفي التكوير ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ): ملئت. وبلغة خثعم: جمعت. فالمعنى: ملئت،وجمعت، فأفضى بعضها إلى بعض، فصارت بحرًا واحدًا؛ مملوءا. قال الطبري: والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض. قوله ( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ): لواقع: لنازل بمن يستحقه. قوله ( مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ): ما له من دافع يدفعه عنهم؛ فينقذهم منه إذا وقع. قوله ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ): تدور دورانا شديدا، كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة . وتنشقّ شقّا، بلغة قريش. فالمعنى: تدور بما فيها دورانا شديدا، ثم تَنْشَق. ونظيرتها ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ): هي حين الخسف تدور وتهتز اهتزازا شديدا، وتنشق، كما يمور السحاب: إذا دار وجاء وذهب. و"تمور" تنشق؛ بلغة قريش. والمَوْر: الجَرَيان السريع. قوله ( وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ): تسير عن وجه الأرض؛ كما يسير السَّحَاب. أي: تزول الجبال عن أماكنها من الأرض سيرا، فتصير هباء منبثا؛ غبارا كالذي يرى في الضوء؛ كالدقيق. ____ المصدر: أنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تفسير الطبري، تفسير الألوسي، تفسير البغوي، تفسير الجلالين.
( فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ) الرحمن (66) قوله ( فِيهِمَا ): أي في هاتين الجنتين. قوله ( عَيْنَانِ ): من ماء. قوله ( نَضَّاخَتَانِ ): فوّارتان. والمعنى: فوّارتان بالماء؛ يفور الماء منهما؛ ممتلئتان لا تنقطعان. و "النَّضْخ" أكثر من "النَّضْح"؛ نضح وزيادة. كما أن الختر؛ أسوء الغدر، و أقبحه ؛ أي: غدر وزيادة. ونظير ذلك؛ قوله تعالى ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ): ختّار: غدار. قاله غلام ثعلب، وأبو بكر السجستاني، والسمرقندي، وابن أبي زمنين، والواحدي(ج)، وبه قال الطبري، ومكي. قال الماوردي في النكت والعيون: وهو قول الجمهور. وقيل: الجاحد. قال الألوسي: والختار: من الختر؛ وهو أشد الغدر. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو بكر السجستاني، وابن الهائم، والزجاج: الختر أقبح الغدر. قال الرازي: الختار هو الغدار الكثير الغدر أو الشديد الغدر. _____ المصدر: أنظر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، روح المعاني للألوسي، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الكشف والبيان للثعلبي، التفسير الكبير للرازي، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، الوجيز للواحدي.
( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ) الكهف (96) قوله {آتُونِي}: أعطوني. قوله { زُبَر الْحَدِيد}: قطع الحديد؛ فأعطوه ذلك . واحدها: زُبْرَة. والزُّبَرُ: القِطَعُ. منه ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ): زبرا: قال الجلال المحلي: تقطعوا أي أحزابا. قوله {حَتَّى إذَا سَاوَى}: أي سوى بين طرفي الجبلين؛ سد ما بينهما. وأصله مِن: سَاوَاهُ في القدر. قال الفراء: سَاوَى وسوَّى بينهما واحد. قوله {بَيْن الصَّدَفَيْنِ}: أي ما بين الناحيتين من الجبلين. قال غلام ثعلب: يعني جانبي الجبل. والمعنى: سوَّى؛ حشى بين الجبلين؛ بما جعل بينهما من زُبر الحديد، حين رفع السد بينهما.
والصدفان: الجبلان.
وقيل: ما بين ناحيتي الجبلين ورؤوسهما. قوله {قَالَ انْفُخُوا}: أي على الحديد؛ فنفخوا. قوله {حَتَّى إذَا جَعَلَهُ}: أي الحديد. قوله {نَارًا}: أي كالنار؛ صير الحديد نارا. قال الزجاج: والحديد إذا أحمي عليه بالفحم والمنفاخ صار كالنار. قوله {قَالَ آتُونِيِ}: أعطوني. قوله {أُفْرِغ عَلَيْهِ}: أصب عليه. قوله {قِطْرًا}: نحاسا؛ وهو النحاس المذاب. والمعنى: صب النحاس المذاب على الحديد حتى صار كالزيت؛ فاختلط بعضه ببعض حتى صار جبلا صلدا من حديد ونحاس. ومنه قوله تعالى ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ): قال أبو جعفر النَّحاس: القطر: النِّحاس. _____ المصدر: أنظر: غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير الجلالين، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، تفسير الطبري، تفسير مقاتل، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير ابن أبي زمنين، المجموع المغيث في تفسير غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني، لسان العرب لابن منظور.
( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) المؤمنون: 53 قوله ( زُبُرًا ): قال الزمخشري، والسمعاني، والبيضاوي، والبقاعي، ومقاتل: قطعا. وقال البغوي: {زُبُرًا} أي: فرقا، وقطعا مختلفة، واحدها زَبُورٌ وهو الفرقة والطائفة، ومثله الزُّبْرَةُ وجمعها زُبَرٌ، وَمِنْهُ: "زُبَرَ الْحَدِيدِ" أي : صاروا فرقا كَزُبَرِ الحديد. قال الزمخشري، والفخر: زبرا قطعا: استعيرت من زبر الفضة والحديد. قال البقاعي: أي قطعا؛ كل قطعة منها في غاية القوة والاجتماع والثبات على ما صارت إليه من الهوى والضلال، بكل شيعة طريقة في الضلال عن الطريق الأمم، والمقصد المستقيم. تنبيه: قوله (زُبُرًا): فيه قراءتان؛ قراءة أبي عمرو، وحكاه مكي، والنحاس عن الأعمش؛ بفتح الباء: أي قطعا. قال ابن قتيبة: (زُبَرًا) بفتح الباء جمع زُبْرَة، وهي القطعة. قال النحاس: وقرأ الأعمش فتقطعوا أمرهم بينهم ( زبَرا ) وهو جمع زبرة أي قطعا وفرقا. قال الطبري: قرأ ذلك عامة قرّاء الشام ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبَرًا ) بضم الزاي وفتح الباء، بمعنى: فتفرّقوا أمرهم بينهم قِطَعا كزُبَر الحديد، وذلك القطع منها واحدتها زبرة، من قول الله: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ فصار بعضهم يهودا ، ويعضهم نصارى. وقراءة عامة المدينة والعراق، وحكاه الطاهر بن عاشور عن الجمهور؛ بضم الزاي: أي كتبا. قال الطاهر بن عاشور: والزبُر بضم الزاي وضم الموحدة كما قرأ به الجمهور جمع زبور وهو الكتاب. قال ابن قتيبة: ومن قرأ {زُبُرًا} فإنه جمع زَبُور، أي كُتُبًا. وبه قال ابن الهائم. قال الطبري: فقرأته عامة قرّاء المدينة والعراق: ( زُبُرًا ) بمعنى جمع الزبور. فتأويل الكلام على قراءة هؤلاء: فتفرّق القوم الذين أمرهم الله من أمة الرسول عيسى بالاجتماع على الدين الواحد والملة الواحدة، دينهم الذي أمرهم الله بلزومه ( زُبُرًا ) كتبا، فدان كل فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذين دان به الفريق الآخر، كاليهود الذين زعموا أنهم دانوا بحكم التوراة ، وكذّبوا بحكم الإنجيل والقرآن، وكالنصارى الذين دانوا بالإنجيل بزعمهم ، وكذبوا بحكم الفرقان. اختيار الطبري: قال - رحمه الله:
والقراءة التي نختار في ذلك قراءة من قرأه بضم الزاي والباء؛ لإجماع أهل التأويل في تأويل ذلك على أنه مراد به الكتب، فذلك يبين عن صحة ما اخترنا في ذلك؛ لأن الزبُر هي الكتب، يقال منه: زبرت الكتاب: إذ كتبته.
فتأويل الكلام: فتفرّق الذين أمرهم الله بلزوم دينه من الأمم دينهم بينهم كتبًا كما بيَّنا قبل. _____ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير البغوي، تفسير السمعاني، تفسير مقاتل بن سليمان، الكشاف للزمخشري، التفسير الكبير للفخر الرازي، تفسير الطبري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) الأنبياء: (78) قوله {و داود وسليمان}: يعني واذكر داود وسليمان عليهما السلام؛ أي قصتهما. قوله {إذ يحكمان في الحرث}: هو زرع أو كرم نبتت عناقيده ( عنب ). وغير ضائر الجهل بأيّ ذلك كان؛ أي لا يضر الجهل به. قوله {إذ نفشت}: نفشت: أي رعت ليلا؛ دخلت فيه بالليل من غير حافظ لها؛ وهو الرعي بلا راع. والنفش لا يكون إلا ليلا. وإذا رعت في النهار، يقال: سرحت. ومنه ( وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ): قال السمرقندي: أي: تسرح إلى الرعي أول النهار.وقال الخضيري: تخرجونها للمرعى في الصباح. قوله {فيه غنم القوم}: بلا راعٍ. والمعنى: انفلتت، فانتشرت في الزرع ليلا بلا راع؛ وذلك أن غنما لقوم وقعت في زرع رجل، فأفسدته. قوله {وكنا لحكمهم شاهدين}: فيه استعمال ضمير الجمع لاثنين، والاثنان فما فوق جماعة. قوله {شاهدين}: يعني عالمين؛ لم يغبْ عن علمنا. وفيه إشارة إلى عظم شأن الحكم، والقضاء؛
فإذا أخبر الله بأنه يشهد حكما في غنم، وحرث؛ فما بالك عندما يُحكم في الدماء، والأعراض، والأموال؟.
قال ابن تيمية ( مجموع الفتاوى ): حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط فإن الصحابة كانوا يعدونه من الحكام. _____ المصدر: أنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، تفسير السمرقندي، تفسير يحيى بن سلام، الوجيز للواحدي،تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) ) النازعات قوله ( رَفَعَ سَمْكَهَا ): بناءها. قاله السيوطي. قال السمرقندي: أي سقفها بغير عمد. قوله ( فَسَوَّاها ): يعني: سوى خلقها. ويقال: خلقها مستوية، بلا صدع ولا شق. قاله السمرقندي. قوله ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ): أظلم ليلها. قاله أبو بكر السجستاني. وقال الراغب، وابن قتيبة: أي جعله مظلماً. قوله ( وَأَخْرَجَ ضُحاها): ضوءها بالنهار. قاله معمر بن المثنى. قوله ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ): بسطها. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير الطبري، تفسير السمرقندي، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
الوسيط في تفسير معاني وغريب القرآن
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) ) غافر
قوله ( صَرْحًا ): أي قصرا.
قاله غلام ثعلب، والنحاس، وابن قتيبة.
وزاد ابن قتيبة: عاليا.
وزاد النحاس: وكل بناء عظيم صرح.
قال الزجاج: والصرح كل بناء متسع مرتفع.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله (قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير): قال الراغب الأصفهاني: الصرح: بيت عال مزوق سمي بذلك اعتبارا بكونه صرحا عن الشوب أي: خالصا.
و قال الزجاج: والصرح: في اللغة القصر، والصحن.
قوله ( الْأَسْبَابَ ): أي أبوابها.
قاله ابن قتيبة.
قلت ( عبدالرحيم ): وعندي أن قول النحاس، والبقاعي، وما قاله الراغب الأصفهاني؛ أجود مما قاله ابن قتيبة وغيره؛ حيث قال النحاس: والسبب في اللغة ما يؤدي إلى الشيء فالمعنى لعلي أبلغ ما يؤدي إلى السموات. وبنحوه قال الزجاج.
قال البقاعي: أي الأمور الموصلة إليها، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه.
وقال الراغب الأصفهاني: وسمي كل ما يتوصل به إلى شيء سببا، قال تعالى: (وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا)، ومعناه: أن الله تعالى آتاه من كل شيء معرفة، وذريعة يتوصل بها، فأتبع واحدا من تلك الأسباب، وعلى ذلك قوله تعالى: لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات، أي: لعلي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء، فأتوصل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى.
قال الطبري: فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسيب بها إلى رؤية إله موسى، طرقا كانت تلك الأسباب منها، أو أبوابا، أو منازل، أو غير ذلك.
قلت: ونظيره في التنزيل قوله تعالى ( من كان يظن أن لن ينصره الله فليمدد بسبب إلى السماء ثم لينظر فليقطع ): ( هي طريقة معروفة في الانتحار بالحبل ).
قال أبو بكر السجستاني، وغيره( بسبب): أي بحبل.
انتهى
قوله ( في تَبَابٍ ): أي بطلان. وكذلك: الخسران. ومنه: ( تبت يدا أبي لهب وتب )، وقوله ( وما زادوهم غير تتبيب ).
قاله ابن قتيبة.
قال أبو بكر السجستاني، والزجاج: خسران.
وزاد الزجاج: يقال: تبت يداه أي خسرتا.
قال الراغب: التب والتباب: الاستمرار في الخسران.
قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية دليل أن الله في السماء؛ وقد سبق بيانه مفصلا. بحمد الله.
_____
المصدر:
غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير الطبري.
( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) العاديات: (8) أي: وإنه من أجل ِ حب المال لبخيل. قاله السيوطي في الإتقان. قال ابن قتيبة: أي: وإنه لحب المال لبخيل. والشدة: البخل هنا؛ يقال: رجل شديد ومتشدد. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وإنه من أجل حب الخير لشديد: لبخيل، يقال للبخيل: شديد ومتشدد. قوله ( الخير ): قال يحيى بن سلام: يعني المال. انتهى كلامه. قلت ( عبدالرحيم ) ومنه قوله تعالى ( قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ ): قال يحيى بن سلام: يعني من مال. وقوله على لسان شعيب ( وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ ): قال الفراء:يقول: كثيرةً أموالُكم. وقوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ): قال أبو بكر ابن العربي: يعني مالا. وذكر ابن حسنون: يعني بِالخير: المال. بلغة جُرهم. _____ المصدر: أنظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لابن قتيبة، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، أحكام القرآن لابن العربي، معاني القرآن للفراء، التصاريف ليحيى بن سلام.
( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) هود: (91) قوله (ما نفقه): ما نفهم. قوله (ولولا رهطك): أي لولا عشيرتك. قوله (لرجمناك ): أي لقتلناك. قوله ( وما أنت علينا بعزيز ): أي وما أنت عندنا بعظيم؛ لا مكانة لك عندنا لولا حرمة عشيرتك؛ فقتلك ليس علينا بشديد. ____ المصدر: أنظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير الجلالين.
( كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ) العاق(15) قوله ( لئن لم ينته ): أي أبو جهل عن أذاك يا محمد. قاله الطبري. قوله ( لنسفعا بالناصية): أي لنأخذن بالناصية. قاله معمر بن المثنى، والطبري. وزاد الطبري: فلنذلنه. قال ابن أبي زمنين: لنأخذن بناصيته تجره الملائكة بناصيته فتلقيه في النار. قال الزجاج:أي لنجرن ناصيته إلى النار، يقال: سفعت بالشيء إذَا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا. قال ابن قتيبة: لنأخذنّ بها، ثم لنقيمنّه ولنذّلنّه إما في الدنيا وإما في الآخرة،
كما قال تعالى: ( فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ): أي يجرّون إلى النار بنواصيهم وأرجلهم.
قال الطبري: قال المبرد: السفع: الجذب بشدة، أي لنجرن بناصيته إلى النار . وقيل : السفع الضرب، أي لنلطمن وجهه. وكله متقارب المعنى. أي يجمع عليه الضرب عند الأخذ؛ ثم يجر إلى جهنم. ويقال: لنسودنَّ وجهه، فكفَتِ الناصية من الوجه لأنها فِي مقدّم الوجه. حكاه الفراء. قال الفراء: ناصيته: مقدم رأسه، أي: لَنَهْصرنها، لنأخذن بها لنقمئنّه ولنذلّنه. قال البغوي: "الناصية": شعر مقدم الرأس. قال الطبري: فالآية - وإن كانت في أبي جهل - فهي عظة للناس ، وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة . _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير الطبري، تفسير البغوي.
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الحج (52) قوله ( إِذَا تَمَنَّىٰ ): أي تلا. قاله التستري، وابن قتيبة، وبه قال مكي ( في المشكل، وفي الهداية )، وبه قال الخليل الفراهيدي ( في العين ). وزاد ابن قتيبة: القرآن. قال السمين الحلبي: أي قرأ وتلا. وقال مقاتل: يعني إذا قرأ.
قال البغوي: وأكثر المفسرين قالوا: معنى قوله ( تمنى ): تلا، وقرأ كتاب الله.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ): قال مجير الدين المقدسي: وهي جمع الأمنية، وهي التلاوة حفظا من غير معرفة معناه. قال القرطبي: جمع أمنية وهي التلاوة. وحكاه مكي في الهداية عن الفراء وأبي عبيدة. قال نجم الدين النيسابوري: الأكاذيب، أو التلاوة الظاهرة. ومنه ما قيل في شأن أمير المؤمنين عثمان _ رضي الله عنه _: تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخره لاقى حمام المقادر. أي: تلا كتاب الله. والبيت ذكره الخليل في العين، والسمرقندي غير منسوب، وعزاه الماوردي، والقرطبي، والشوكاني، إلى كعب بن مالك. وجزم السمين الحلبي، والسمعاني، والبغوي، والثعلبي أنه في عثمان_ رضي الله عنه. قوله ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ): في تلاوته. قاله الراغب الأصفهاني، والفراء، وابن قتيبة، والسمرقندي، والقرطبي، والنسفي، ومكي ( هداية )، وبه قال السمعاني. قال الزجاج، وابن الهائم: أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته. قال البغوي: أي في قراءته. قوله ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ): أي يزيله ويبطله. قاله الرازي. قال النسفي: أي يذهب به ويبطله ويخبر أنه من الشيطان. قوله: ( ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ): ثم يخلص الله آيات كتابه من الباطل الذي ألقى الشيطان على لسان نبيه. قاله الطبري. قال النسفي: أي يثبتها ويحفظها من لحوق الزيادة من الشيطان. _____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، تفسير السمرقندي، تفسير النسفي، تفسير التستري، تفسير السمعاني، فتح القدير للشوكاني، النكت والعيون للماوردي، التفسير الكبير للرازي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين بن محمد العليمي المقدسي، العين للخليل بن أحمد الفراهيدي.
( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10)) الحاقة قوله ( وَالْمُؤْتَفِكَاتُ ): المنقلبات؛ وهي قرى قوم لوط. قوله ( بِالْخَاطِئَةِ ): أي بالخطيئة؛ وهي الكفر. قوله ( فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ ): دعوا إلى أعظم طاعة؛ وهي توحيد الله، وإفراده بالعبادة. فعصوا بأعظم خطيئة؛ وهي الشرك بالله؛ فذلك قوله ( بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ). قال ابن كثير: وهذا جنس، أي: كل كذب رسول الله إليهم. كما قال ( كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ). قوله ( رَّابِيَةً ): زائدة. قاله الفراء، والقرطبي، ونجم الدين النيسابوري، وبيان الحق النيسابوري، والألوسي. وبه السمين الحلبي، وإلايجي الشافعي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، والطبري، والسمعاني، والسيوطي، والواحدي في ( الوسيط ، والوجيز ). قال الإيجي الشافعي، والسيوطي، والألوسي: زائدة في الشدة. وزاد السيوطي: على غيرها. وزاد السمين الحلبي: على الأخذات. وقال ابن حسنون السامري، وابن الهائم، والقاسم بن سلام: أي شديدة، بلغة حمير. انتهى. فالمعنى أخذهم الله أخذة، شديدة، عالية؛ زادت على عذاب الأمم. ومنه الربا: أي الزيادة. يقال ربا عليهم: أي زاد. ويقال أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا. قال سراج الدين النعماني: أي: عالية زائدة على الأخذات، وعلى عذاب الأمم. يقال: ربا الشيء يربوا إذا زاد، ومنه الربا. قال الزجاج: تتزيد على الأحْدَاثِ. قال معمر بن المثنى: نامية زائدة شديدة من الربا. قلت (عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَمَاآتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوعِندَ اللَّهِ ): قال القصاب: أي لا يزيد كما يزيدالزكاة. قال ابن قتيبة: أي ليزيدكم من أموال الناس. قال الطبري: أي فلا يزداد ذلك عند الله، لأن صاحبه لم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه. وهذه الآية في الهدية وشبهها؛ وسيأتي بيان آية الروم مفصلا ( إن شاء الله ). وقوله ( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ): وربت: قال الراغب: أي: زادت زيادة المتربّي. قال النحاس: وربت أي زادت. وقال ابن قتيبة: ( أَخْذَةً رَابِيَةً ): عالية مذكورة. وقال الماتريدي: أي: عالية؛ حيث علت أبدانهم. وقال البغوي ،والخازن، وغيرهما: نامية. قلت ( عبدالرحيم ): ولا منافاة بين هذه الأقوال؛ فهي زائدة، عالية، نامية؛ والكل يشمله معنى الزيادة؛ ومنه قوله تعالى ( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ) قال أبو بكر السجستاني، وابن الهائم: أي عاليًا على الماء. وقال الزجاج: أي: طافياً عالياً فوق الماء. وقال النحاس: أي طالعا عاليا. قال الراغب الأصفهاني: رَبَا: إذا زاد وعلا. قال الزمخشري: "رابية" شديدة زائدة في الشدة، كما زادت قبائحهم في القبح. يقال: ربا الشيء يربو. _____ المصدر: أنظر: النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام للقصاب، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، الكشاف للزمخشري، تفسير ابن كثير، روح المعاني للألوسي، تفسير الجلالين، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، اللباب في علوم الكتاب لسراج الدين النع ماني.
( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ) فصلت: 38 قوله ( فإن استكبروا ): أي الكفار. قاله الواحدي ( وجيز ). وبنحوه قال السيوطي. قال البغوي: إن استكبروا عن السجود. قوله ( فالذين عند ربك ): يعني الملائكة. قاله الطبري، وابن أبي زمنين، والبغوي، والنسفي، السمرقندي، والواحدي، وبه مقاتل، والنحاس، ومكي، والسمعاني، وصديق حسن خان، السيوطي. قلت ( عبدالرحيم ): قوله "عند ربك" فيه دليل على فوقية الله، وعلوه، وأنه في السماء، إذ لا يماري أحد أن الملائكة في السماء. وقد أشار القصاب ( 360 هجري ) إلى هذا المعنى الدقيق؛ عند تأويله لهذه الآية_ رحمه الله _ قلت: ولكنه أخطأ، وأصاب في الوقت عينه؛
استدل بها أن الله في السماء؛ فأصاب، وأخطأ لما أثبت بها الجهة، والمكان، والحد؛ وهذه الألفاظ لم ترد في كتاب، ولا سنة، وتفتح بابا لأهل الأهواء.
انتهى قوله ( يسبحون ): يصلون. قاله صديق حسن خان، والفراء، وابن قتيبة، ومكي، والسيوطي. وبه قال مجاهد في تفسيره. وغيرهم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ): أي من المصلين. قاله الزجاج، ويحيى بن سلام، وابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، والسمعاني، ومكي في ( الهداية، والمشكل )، والسيوطي في برهانه، وبه قال الواحدي، وحكاه الجرجاني، والنحاس عن ابن عباس. و حكاه الماوردي في النكت عن ابن مسعود. قال يحيى بن سلام: وهو تفسير السدي. قال القصاب: واتفق المفسرون فيما أعلم على أن قوله في يونس: (فلولا أنه كان من المسبحين أنه من المصلين. قلت: لم يتفقوا؛ لأن من المفسرين من قال: أي القائلين: سبحانك، ومنهم من قال: قوله: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وهو قول سعيد بن جبير. ولعل يأتي في حينه ( إن شاء الله ). و منه قوله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ): فسبح: أي فصل. قاله الفراء، ومقاتل، والواحدي ( في الوجيز ) . وتمام ما قال مقاتل: يعني وصل بأمر ربك. قال ابن عباس: فصل يا محمد لربك. حكاه الثعلبي. وقوله ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ): قال الواحدي ( في البسيط ): والمعنى: صل حمدا لله تعالى، والتسبيح يكون بمعنى الصلاة؛ لأن الصلاة لله تعالى تنزيه له عن الشريك. قوله ( له بالليل والنهار ): أي دائما. قاله الايجي الشافعي. قوله ( وهم لا يسأمون ): لا يسأمون: لا يملون. قاله أبو بكر السجستاني، والفراء، والنحاس، وابن الهائم، والسيوطي، والألوسي، والواحدي ( ووجيز ). وزاد الألوسي: ذلك. وزاد الواحدي: ويفترون. قال الراغب الأصفهاني: السآمة: الملالة مما يكثر لبثه، فعلا كان أو انفعالا. قال أبو بكر السجستاني: يملون، ولا يسأمون، ولا يفترون. كله بمعنى واحد. قال ابن عباس: الملائكة لا يفترون ولا يملون عن العبادة. حكاه نافع بن الأزرق. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ): ( لا تسأموا ) قال غلام ثعلب، وابن قتيبة، والنحاس: أي لا تملوا. وبه قال أبو بكر السجستاني. ومنه ( لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ): لا يسأم: لا يمل. قاله خلق لا يحصون؛ منهم النحاس، والزجاج، والتستري، والسمرقندي، والطبري، والواحدي، ومقاتل.
وزاد مقاتل، والسمرقندي: الكافر.
وزاد الزجاج: الخير الذي يصيبه، وإذا اختبر بشيء من الشر يئس وقنط. _____ المصدر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التصاريف ليحيى بن سلام، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، النكت للقصاب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي،غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير مقاتل، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمرقندي، تفسير التستري، تفسير الطبري، تفسير الألوسي، الوسيط البسيط، الوجيز للواحدي، تفسير مجاهد، تفسير السمعاني، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، النكت والعيون للماوردي، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير البغوي، تفسير النسفي، تفسير الجلالين.
( وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ وَهُم في فَجوَةٍ مِنهُ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ مَن يَهدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهتَدِ وَمَن يُضلِل فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرشِدًا ) الكهف: 17 قوله [ تزاور]: تميل، وتتنحى، وتنحرف. والأصل تتزاور؛ فخفف بإدغام التاء في الزاي، أو حذفها. والمعنى: تميل الشمس، وتتنحى، وتنحرف عن كهفهم يمينا وشمالا. ويقال: بئر زوراء: أي مائلة الحفر. ويقال: في هذه الأرض زَوَر: إذا كان فيها اعوجاج. والكل من الزور. ومنه "زاره" إذا مال إليه. وسمي الكذب زورا لميله عن الحق. ومنه ( واجتنبوا قول الزور ). قال الواحدي، وابن أبي زمنين، وجماعة: يعني الشرك بالله. قال السمين الحلبي: سمي الصنم زورًا لأنه ميل به عن الحق. انتهى كلامه. ولعل هذا ما حمل يحيى بن سلام على تأويل قوله ( وطهر بيتي ) قال: من قول الزور. قال مقاتل: يعني الكذب وهو الشرك في الإحرام. وقال السمعاني، والسمرقندي: الكذب. قال النحاس: والمعاني متقاربة وكل كذب زور وأعظم ذلك الشرك والذي يوجب حقيقة المعنى. قال الزجاج: الزور الكذب، وقيل إنه ههنا الشرك بالله، وقيل أيضا شهادة الزور. وهذا كله جائز. انتهى كلامه. ومنه قوله تعالى ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ): قال يحيى بن سلام، وابن أبي زمنين، والسمعاني: أي الشرك.
وحكاه مكي عن الضحاك.
والماوري عن ابن زيد ( عبدالرحمن ). قال الزجاج: والذي جاء في الزور أنه الشرك بالله. قوله [ذات اليمين]: ناحيته؛ أي جانب اليمين. قوله [وإذا غربت تقرضهم]: تقرضهم: تتركهم، وتدعهم - تعدل عنهم وتجاوزهم. قوله [ذات الشمال]: جهة الشمال. والمعنى: أنهم كانوا لا تصيبهم شمس البتة؛ لأنها تتركهم وتتجاوز عنهم؛ لا في أول النهار، ولا آخره؛ طالعة، وغاربة؛ كرامة لهم. قال ابن جزي الغرناطي: كي لا تحرقهم الشمس. قوله [وهم في فجوة منه]: فجوة: أي متسع، وفضاء، وفرجة. والمعنى: في متسع، وفضاء من الكهف؛ ينالهم برد الريح ونسيمها. قال بيان الحق النيسابوري: وإنما كان هذا لئلا يفسدهم ضيق المكان بعفنه. قوله [ذلك]: المذكور؛ من التزاور والقرض. قوله [من آيات الله]: دلائل قدرته؛ التي يعتبر بها، ولطفه بأصحاب الكهف. قوله [من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل]: أي من يضلله الله ولم يرشده. قوله [فلن تجد له وليا مرشدا]: وليا: معينا موفقا؛ يرشده للهدى؛ وقد تولى عنه الولي_ جل ذكره. _____ المصدر: أنظر: باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير الطبري، تفسير البغوي، الوجيز للواحدي، تفسير القرطبي، التصاريف ليحيى بن سلام، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير النسفي، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، التصاريف ليحيى بن سلام، تذكرة الحفاظ الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي.
( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) ) الشعراء قوله ( مِنَ الْقَالِينَ ): من المبغضين. قاله الكفوي، وغلام ثعلب، وأبو حيان الأندلسي، وابن قتيبة، والنحاس، وابن الجوزي. قال ابن قتيبة: يقال: قليت الرجل، أي أبغضته. قال الزجاج: والقالي: التارك للشيء الكاره له غاية الكراهة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ): ما قلى: ما أبغضك؛ بعدما أحبك، وما تركك اصطفاك،
وخرَّجَ الشيخانِ _ واللفظ لمسلم _ من طريق الأسود بن قيس، أنه سمع جندبا، يقول:" أبطأ جبريل على رسول الله ﷺ، فقال المشركون: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ، فأنزل الله عز وجل: ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ).
قال البخاري: وقال ابن عباس: «ما تركك وما أبغضك». قال الزجاج: أي لم يقطع الوحي عنك ولا أبغضك. قال الصُحاري: ما تركك، وما أبغضك. قال ابن بطال الركبي: أصل الوداع والتوديع: ترك الشىء. _____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، الابانة في اللغة العربية للصُحاري، النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب لابن بطال، الكليات للكفوي، صحيح البخاري، ومسلم.
( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ): الإنسان: 1 قوله ( هَلْ أَتَى ): معناه: قد أتى. قاله الطبري، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، والفراء، والزجاج، ومكي والقرطبي، وسراج الدين النعماني، وصديق حسن خان. وردَّ ذلك غيرُ واحد من أهل العلم؛ فقيل: "هل" استفهام على ظاهرها؛ قال أبو السعود: قال قُطْرُب: أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية؛ وليس بذاك بل هو استفهام أريد به التعجيب. وقال القصاب: يذهب ناس إلى أن (هل) بمعنى "قد" أتى على الإنسان. وليس هو عندي كذلك، بل هو - والله أعلم - على ظاهره. قال الألوسي: والمختار أنه للاستفهام. انتهى كلامه. قلت ( عبدالرحيم ): وذهب جمع غير قليل إلى أن معنى قوله تعالى ( هل أتى ) بمعنى: قد أتى. وبه قال مقاتل، وغلام ثعلب، والسمرقندي، وابن أبي زمنين، والماوردي، والواحدي، والسمعاني، وابن فَضَّال المُجَاشِعِي في النكت، والإيجي الشافعي. وهو ظاهر كلام أبي الهلال العسكري؛ في الوجوه والنظائر. وظاهر كلام الزركشي في البرهان. وظاهر كلام سراج الدين النعماني في اللباب. وظاهر صنيع مقاتل في تفسيره. وظاهر صنيع جلال الدين المحلي في الجلالين. و حكاه القرطبي عن الكسائي، وسيبويه. و حكاه العسكري في الوجوه عن الزجاج. و حكاه الواحدي عن الأخفش. قال المبرد: "هل" في هذا الموضع بمعنى: قد. حكاه أبو الهلال العسكري. قال الفراء: "وهل" قد تكون جحدا، وتكون خبرا. قال الطبري _ عند تأويله للآية ( هل آتى ) _: وهل في هذا الموضع خبر لا جحد. وقال ابن الأنباري: وهذا معروف عند اللغويين أن تأتي «هل» معبرة عن «قد». حكاه ابن الجوزي في زاد المسير. قلت ( عبدالرحيم ): وتأتي "هل" في القرآن على عدة معان؛
تأتي بمعنى: "ما"، "قد"، "ألا"، "الاستفهام".
فمن معانيها الجحد، والخبر( التحقيق)؛ والامثلة كثيرة؛ ولو علت همتي لذكرت جميعها_ بحوله وطوله تبارك وتعالى_ لكني سأقتصر في هذا المضمار؛ على ما جاء في معنى الخبر( التحقيق)؛ فمن ذلك قوله تعالى ( هل أتى قوله تعالى ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ): أي قد أتاك. قاله مقاتل، والسمرقندي، والسمعاني، وابن الجوزي، وبه قال البغوي، وجلال الدين المحلي. قال السمرقندي: قد أتاك خبر موسى. قال جلال الدين المحلي: "وهل" قد. لكن السمين الحلبي قال في الدر: وهذا غلط؛ لأنه كما قدمت لك في ( هل أتى ) أنها لا تكون بمعنى: قد. وقوله ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ): قال غلام ثعلب، والواحدي، والسمرقندي، وابن أبي زمنين، وابن الجوزي، وجلال الدين المحلي: أي قد أتاك. و حكاه الماوردي في النكت عن قطرب. و كذلك حكاه الواحدي في البسيط عن الأخفش. قال النسفي: "هل" بمعنى: قد. وقوله ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ): قال سراج الدين النعماني: أي قد أتاك. وقوله ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ): يعني قد أتاك. قاله مقاتل، وابن أبي زمنين، والعز بن عبدالسلام. وقوله ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ): أي قد أتاك.
قاله مقاتل، والطبري، والنسفي، والخازن.
وقال الزمخشري، والبيضاوي: قد عرفت. أفاده ابن قتيبة في تأويل المشكل. قوله ( على الْإِنْسَانِ ): الإنسان هاهنا: آدم - عليه السلام. قاله ابن فَضَّال المُجَاشِعِي في النكت، والقرطبي، وبه قال الطبري، والبغوي، والأصبهاني في إعراب القرآن. قال ابن الجوزي في زاد المسير: هذا قول الجمهور. وقيل: جميع الناس. قوله ( حينٌ ): الحين الساعة. ومنه ( أو تقول حين ترى العذاب ). قوله ( لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ): لَا يُذْكَرُ ولا يعرف أوَلَا يُدْرَى مَا اسمه وَلَا مَا يُرَادُ بِهِ، يريد: كَانَ شيئا ولم يكن مذكورا. قاله البغوي. قال الراغب: أي لم يكن شيئا موجودا بذاته، وإن كان موجودا في علم الله تعالى. ______ المصدر: النكت في معاني القرآن الكريم وإعرابه لابن فَضَّال المُجَاشِعِي، النكت والعيون للماوردي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للفراء، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير السمعاني، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين، تفسير الألوسي، البسيط للواحدي، تفسير البيضاوي، الكشاف للزمخشري، تفسير الخازن، البرهان في علوم القرآن للزركشي، النكت للقصاب، اللباب لسراج الدين النعماني، تفسير العز بن عبد السلام، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تفسير أبي السعود، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، جامع البيان للإيجي الشافعي، إعراب القران للأصبهاني.
( الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)) الطور قوله ( فِي خَوْضٍ ): في باطل. قاله السمرقندي، والواحدي(ج)، وجلال الدين المحلي، والسمعاني، والقشيري. قال ابن جزي الغرناطي: الخوض: التخبط في الأباطيل. وقال القرطبي: وهو خوضهم في أمر محمد بالتكذيب. وبنحوه قال ابن الجوزي في زاد المسير. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ): قال الواحدي(و): في الطعن على الدين وتكذيب نبيكم كما خاضوا هم في الطعن على أنبيائهم. وبنحوه قال البغوي. قال السمعاني: يعني لعبوا واستهزءوا كما فعلتم.
قال مقاتل: في الباطل والتكذيب.
وقال ابن أبي زمنين: في الكفر والتكذيب. وقوله ( وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ): قال مكي(هد):في الباطل. قال السمرقندي: يعني: كنا نستهزئ بالمسلمين ونخوض بالباطل ونرد الحق مع المبطلين المستهزئين. وقوله ( وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ ): قال ابن قتيبة: بالاستهزاء. وقال القرطبي: بالتكذيب والرد والاستهزاء. قوله ( يَلْعَبُونَ ): يلهون. قاله القرطبي، والسمرقندي، وأبو السعود، والشوكاني. وزاد السمرقندي: ويستهزئون. وقال مقاتل: لاهون. قال ابن أبي زمنين: وخوضهم التكذيب. قال جلال الدين المحلي في الجلالين: يعني: أَيْ يَتَشَاغَلُونَ بكفرهم. قال مجير الدين العليمي: استهزاء بالنبي - ﷺ -. قال الشوكاني: والمعنى: أنهم يخوضون في أمر محمد ﷺ بالتكذيب والاستهزاء. قوله ( يُدَعُّونَ ): يدفعون. بلغة قريش. قاله عبدالله بن حسنون السامري. قال الإيجي الشافعي، وابن قتيبة، والفراء، والواحدي، والسمعاني، وابن كثير، وجلال الدين المحلي، ومجير الدين العليمي، ومكي(م): يُدفعون. وزاد الجلال، ومجير الدين: بِعُنْفٍ. وزاد الإيجي، وابن كثير: وَيُسَاقُونَ. وزاد الواحدي(ج): إليها دفعاً عنيفاً. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ): أي يدفعه. بلغة قريش. قال ابن عباس: يدفع اليتيم عن حقه. حكاه نافع ابن الأزرق. قال غلام ثعلب، والقصاب، والفراء، والزجاج، وابن قتيبة: يدفعه. وزاد الفراء: عنْ حقه، ويظلمه. وزاد القصاب: عن حقه ويزجره، ولا يرحمه. وزاد غلام ثعلب: عن حقه من مَاله وبره. وزاد الزجاج: عما يجب له. قوله ( إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ): وهي الطبقة التي تلقاهم بالعبوسة والكراهة والغليظ والزفير. قاله البقاعي. قوله ( دَعًّا ): دفعا بعنف. قاله الإيجي، والمظهري. وزاد المظهري: وجفوة. قال السمعاني: والدع في اللغة: هو الدفع بشدة وعنف. قال ابن كثير: وقال مجاهد، والشعبي، ومحمد بن كعب، والضحاك، والسدي، والثوري: يدفعون فيها دفعا. قال الزجاج: يقال منه: دععت في قفاه: إذا دفعت فيه. قال مقاتل: وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون بأيدي الكفار إلى أعناقهم، ثم يجمعون نواصيهم إلى أقدامهم وراء ظهورهم ثم يدفعونهم في جهنم دفعا على وجوههم. ______ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي الحنبلي،تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، تفسير مقاتل، تفسير أبي السعود، تفسير السمعاني، تفسير ابن أبي زمنين، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، فتح القدير للشوكاني، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير القشيري، النكت للقصاب، تفسير ابن كثير، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الجلالين، التفسير المظهري لثناء الله العثماني.
( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى(59) ) طه قوله {قال}: يعني فرعون. قوله {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا}: يعني: مصر. قوله {بسحرك}: اليد والعصا؛ زعم فرعون أن هاتين الآيتين "سحر"، وإنما هي برهانان من الله الحق؛ لكن هذا شأن عدو الإسلام( يفتري). لذا جاء بعدها في الآيات( قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى): فيسحتكم: يستأصلكم. قاله غلام ثعلب. قوله {يا موسى}: أي تريد أن تغلب على ديارنا فيكون لك الملك وتخرجنا منها. قوله {فلنأتينك بسحر مثله}: فلنعارضنَّ سحرك بسحرٍ مثله. قوله {فاجعل}: يعني: اختر أنت يا موسى - عليه السلام. وهذا يدل على أن أمر موسى كان قد قوي، وكثر منعته من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس. قوله {بيننا وبينك}: لمعارضتنا إيَّاك. قوله {موعدا }: يعني وقتا للاجتماع. قال القرطبي: هو مصدر، أي وعدا. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (بل زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً ): قال البقاعي: أي مكانا ووقتا نجمعكم فيه هذا الجمع فننجز ما وعدناكم به على ألسنة الرسل. قوله {لا نخلفه نحن ولا أنت}: أي لا نتخلف نحن ولا أنت. وأراد بالموعد ها هنا موضعاً يتواعدون للاجتماع هناك. قوله {مكانا سوى}:: مكانا عدلا نصفا لنا ولك. أي: مكانا عدلا وسطا بين الموضعين؛ تستوي مسافته إلينا وإليك؛ يعني مسافة الجائي من الطرفين. قال الراغب: والسوي يقال فيما يصان عن الإفراط، والتفريط من حيث القدر، والكيفية. وقال النحاس: وأهل التفسير على أن معنى" سوى" نصف وعدل وهو قول حسن، قال سيبويه يقال: سوى وسوى أي عدل، يعني مكانا عدل، بين المكانين فيه النصفة. قاله القرطبي، القرطبي. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ) قال السمرقندي: يعني: العدل. وقال ابن أبي زمنين: يعني: الطريق المعتدل. ومنه ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ): قال ابن أبي زمنين: عدلا يبصر حيث يسلك، وهذا مثل المؤمن. قال الواحدي في البسيط: معتدلا يبصر الطريق. قوله {قال}: يعني: قال موسى لفرعون. قوله {موعدكم}: والتقدير: وقت موعدكم، ووقت حشر الناس. قوله {يوم الزينة}: يوم العيد. قاله ابن قتيبة، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، ومكي، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان الأندلسي، وابن الهائم . وهو يوم عيد لهم في كل سنة؛ يتزينون فيه ويجتمعون. والمعنى: سيقع في يوم الزينة. وروي عن ابن عباس: هو يوم عاشوراء. وقيل: يوم سوق كان لهم يتزينون فيه. قال السمرقندي، ومقاتل: وهو يوم النيروز. قلت: ولعل هذا ما حمل عطاء: على القول بكراهة الزينة للأعياد؛ وقال: هو من عمل الكفار. وسيأتي بسط الكلام في هذه الآيات؛ عند تفسيرنا لسورة طه ( إن شاء الله ). قوله {وأن يحشر الناس}: يجمع. قاله مجير الدين العليمي، والواحدي(ج)، وجلال الدين المحلي. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ): قال الطبري، وابن أبي زمنين، ومكي: جمعت. وزاد الطبري: فأميتت. ومنه ( والطير محشورة كل له أواب ): أي مجموعة. قاله الطبري، وابن فورك، والسمعاني. قوله {ضحى}: يعنى: أول النهار؛ للجمع في اليوم الذي فيه العيد؛ نهارا جهارا، ليكون أبعد من الريبة. وقد جرت العادة أن الأعياد تكون في أول النهار، وكذلك اجتماع الناس في الأمور أكثر ما يكون في أول النهار. والمعنى: إذا رأيت الناس يُحشرونَ، ويجتمعون من كل فج وناحية وقت الضحى؛ فذلك الموعد ووقته؛ للنظر فيما يقع فيه. وفيه إشارة إلى قوة يقين موسى - عليه السلام - وثقته بموعود بربه؛ أمام جبار عنيد؛ قال"أنا ربكم الأعلى". وأنه أراد - صلوات الله عليه - أن يكون أبلغ في الحجَّة وأشهر ذكراً في الجمع. _____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير السمعاني، تفسير مقاتل، تفسير الجلالين، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير القرطبي، تفسير الطبري، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، تفسير ابن فورك، الكليات للكفوي.
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) النور: (43) قوله {ألم تر أن الله يزجي }: يزجي: يسوقه، ويسيره؛ برفق. ومنه قوله ( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ): يزجي: قال النحاس: أي يسوق. وقال الجلال المحلي:يجري. وقال ابن: قتيبة: يسيرها. قوله {سحابا}: إلى حيث يريد. قوله {ثم يؤلف بينه}: يجمع بين قطع السحاب، وأجزاءه، ويضم بعضه إلى بعض؛ فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة. قال الطبري: وتأليف الله السحاب: جمعه بين متفرّقها. قوله {ثم يجعله ركاما}: متراكما بعضه فوق بعض. قال القرطبي: والرَّكْمُ: جَمْعُ الشيءِ، يقال: رَكَمَ الشيءَ يَرْكُمُهُ رَكْمًا إذا جَمَعَهُ وألقى بعضَه عَلَى بعض. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ): قال البيضاوي: فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم. قال ابن الهائم: أي يجمعه بعضه فوق بعض. ومنه ( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ): "مركوم": قال النسفي: جمع بعضه على بعض. قوله {فترى الودق}: المطر. والودق: المطر؛ بلغة جرهم. قاله ابن حسنون السامري، وابن الهائم. تنبيه: قلت ( عبدالرحيم ): وثم تنبيه؛ في هذه المقام؛ اشتهر عند البعض أنه لا يصح إطلاق المطر على الغيث. ولعل الباعث لهم أمران: الأول: ما ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن؛ عند تفسيره لقوله حكاية عن المشركين ( فأمطر علينا حجارة من السماء ): قال "مجازه أن كل شيء من العذاب فهو أمطرت بالألف وإن كان من الرحمة فهو مطرت.
الثاني: ما رواه البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ( والمعلقات ليست على شرطه )؛
حيث قال - البخاري - : قال ابن عيينة: «ما سمى الله تعالى مطرا في القرآن إلا عذابا وتسميه العرب الغيث». وقد تعقبهما الحافظ ابن حجر في الفتح بقوله: وقد تُعقب كلام بن عيينة بورود المطر بمعنى الغيث في القرآن في قوله تعالى إن كان بكم أذى من مطر فالمراد به هنا الغيث قطعا ومعنى التأذي به البلل الحاصل منه للثوب والرجل وغير ذلك وقال أبو عبيدة إن كان من العذاب فهو أمطرت وإن كان من الرحمة فهو مطرت وفيه نظر أيضا. انتهى قوله {يخرج من خلاله}:يعني: من وسط السحاب؛ فترى المطر يخرج من بين فرج، وفتحات السحاب. قال مكي في الهداية: أي: من بين السحاب، والهاء من {خِلاَلِهِ} تعود على السحاب والخلال جمع خَلَلٍ. والخلال السحاب بلغة جرهم. قاله ابن الهائم. قوله {وينزل من السماء من}: زائدة. قاله الجلال المحلي. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والأزهري الهروي في تهذيب اللغة، وابن منظور في اللسان، والبغوي: صلة. فائدة، وتنبيه: لا فرق بين قولهم "صلة" وبين قولهم "زائدة". لكن بعضهم يرى ذلك تأدبا؛ أن يقول: صلة؛ لأننا إذا قلنا "زائدة" أوهم أن كتاب الله فيه زيادة لا معنى لها؛ والأمر ليس كذلك؛ لأننا عندما نذكر مثل هذا، نريد البيان؛ ليظهر المعنى؛ فكتاب الله غير ذي عوج؛ ولأن الحرف الزائد له فوائد؛ منها: مزيد تأكيد؛ أو تزيين النظم، واللفظ؛ فمثلا – والأمثلة كثيرة - قوله تعالى ( فبما نقضهم ميثاقهم ): أصله: فبنقضهم ميثاقهم. ومنه (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ): فقوله ( من خير ): "من" زائدة من ناحية المعنى يمكن الاستغناء عنها، وحذفها لا يضر؛ لكن في الكتاب العزيز ليس كذلك؛ فهو بيان للتأكيد؛ بأن هؤلاء القوم لا يريدون أدنى خير لأهل الإسلام. قال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: فائدة الحرف الزائد في كلام العرب إما معنوية وإما لفظية فالمعنوية تأكيد المعنى الثابت وتقويته وأما اللفظية فتزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح أو كون الكلمة أو الكلام بها يصير مستقيم الوزن أو حسن السجع أو غير ذلك ولا يجوز خلو الزيادة من اللفظية والمعنوية معا وإلا لعدت عبثا وقد تجتمع الفائدتان في حرف وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى. انتهى قوله {جبال}: في السماء. قوله { فيها من برد}: أي بعضه. والبرد، بفتح الراء: الماءُ الجَامِدُ ينزلُ من السَّحاب قِطَعًا صِغَارًا. قال الأخفش: وهو فيما فسر "ينزل من السماء جبالا فيها برد. قال ابن أبي زمنين: ينزل من تلك الجبال التي هي من برد. قال يحيى بن سلام في تفسيره: ينزل من تلك الجبال التي هي من برد. إن في السماء جبالا من برد. وقال الزجاج: من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد. قال السمرقندي: يعني: من جبال في السماء. وروى ابن أبي حاتم عن قتادة، عن كعب قال: لولا أن الجليد ينزل من السماء الرابعة ما مر بشيء إلا أهلكه. استطراد: تنبيه: إنما ذكرت أثر كعب الأحبار؛ لعل المعنى من الآية يظهر؛ سيما وأن من العلماء من ذكر فيها أقوالا ثم توقف؛ وهذا بقطع النظر عن شيئين: الأول: صحته عن كعب الأحبار. ثانيا: إن صح عن كعب الأحبار؛ فالغيبيات لا طريق لها إلا من فيّ الذي لا ينطق عن الهوى – صلوات الله وسلامه عليه – حتى كلام الصحابي، أو تفسيره ليس بحجة- في ذاته - ، ما لم يكن من قبيل الرأي، ولم يعرف عنه الحديث بالإسرائيليات؛ وإذا كان هذا في شأن الصحابي – رضي الله عنهم أجمعين - فما ظنك بمن دونهم؛ ككعب الاحبار – رحمه الله – وقد أسلم بعد موت النبي؛ بعدما كان يهوديا (وكان خبيرا بكتب اليهود ، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة )،
فالموقف من مثل هذا، ما هو معلوم في شأن الإسرائيليات؛ لا نصدق ولا نكذب، لحديث "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
( شطر من حديث رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص)، والعمل بهذا الحديث في اطار قوله ﷺ: " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ". ( رواه أبو داو من حديث أبي نملة الأنصاري، عن أبيه، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (2800 )، صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (3644) ). انتهى قوله {فيصيب به}: بالبرَد. قوله {من يشاء}: أن يصيب؛ فيهلك زروعه وأمواله. والمعنى: فيعذّب بذلك الذي ينـزل من السماء من جبال فيها من برد، من يشاء فيهلكه، أو يهلك به زروعه وماله. لذا كان – صلوات الله وسلامه عليه – إذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبا نافعا». رواه البخاري من حديث عائشة. وعند الاستسقاء يقول: «اللهم حوالينا ولا علينا». شطر من حديث متفق عليه؛ من حديث أنس بن مالك. قوله {ويصرفه عن من يشاء}: أن يصرفه عنه؛ فلا يضره؛ يصرف ذلك البرَد . قوله {يكاد}: يقرب. قاله سراج الدين النعماني، والجلال المحلي، وغيرهما. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ): قال صديق حسن خان: أي يقرب. ومنه ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ): قال البقاعي: لا يقرب من أن يعرب عن معنىً من المعاني. ومنه ( اذا اخرج يده لم يكد يراها ): قال البغوي: يعني لم يقرب ان يراها. ومنه ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ): قال الثعلبي: أي يقرب. ومنه {لا يكادون يفقهون}: قال البقاعي: لا يقربون من أن يفهموا. ومنه ( وقوله يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ): أي يقربون. ومنه ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ): قال الهرري: أي: وإن الشأن يقرب الذي كفروا من شدّة عداوتهم، ونظرهم إليك شزراً بعيون العداوة أن يزيلوك عن مكانك، ويزلقوا قدمك عن مكانه، أو: يهلكوك لشدة حنقهم عليك. قوله {سنا برقه}: ضوء برقه؛ لمعانه؛ ضوء برق السَّحاب. يعني: من شدة نوره. قوله {يذهب بالأبصار}: الناظرة له؛ أي يخطفها من شدَّة توقُّده، وفرط الإضاءة، فالله_ سبحانه_ مخرج الماء والنار، والظلمة، والنور من شيء واحد. _____ المصدر: أنظر: التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للأخفش، تفسير ابن أبي زمنين، اللباب لسراج الدين النعماني، الكشف والبيان للثعلبي، جامع البيان للإيجي الشافعي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير القرطبي، تفسير الطبري، تفسير يحيى بن سلام، تفسير الجلالين، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، البحر المديد في تفسير القرآن، للهرري، إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.
( وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2)وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)) المرسلات. قوله ( وَالْمُرْسَلَاتِ): يعني الملائكة. قاله السمين الحلبي، والقصاب، وابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني. قوله ( عُرْفًا ): المعروف؛ أي الملائكة أرسلت بالمعروف. ومنه قوله ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ): بالعرف: أي بالمعروف. بخلاف ما اشتهر. وقيل: "المرسلات عرفا": هي الرياح. وهو قول جمهور المفسرين. حكاه صديق حسن خان. وقيل: " عرفا": أي متتابعة؛ تتابعت كعرف العرف. قال الألوسي: وهو عرف الدابة كالفرس والضبع أعني الشعر المعروف على قفاها. قال ابن قتيبة: يريد: أنها متتابعة يتلو بعضها بعضا بما ترسل به من أمر الله عز وجل. وأصل هذا من عرف الفرس، لأنه سطر مستو بعضه في إثر بعض. فاستعير للقوم يتبع بعضهم بعضا. وقيل: عرفا أي كثيرا . قال النحاس: والعرب تقول: تركت الناس إلى فلان عرفا واحدا، إذا توجهوا إليه فأكثروا. واختار الطبري القول بالعموم، وعدم التعيين. قوله: ( فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ): المسرعات، إسراعا؛ وهي: الرياح الشدائد. قال السمعاني: وعصفها: شدة هبوبها، يقال: عصفت الريح وأعصفت إذا اشتدت، قاله ابن السكيت. والمعنى: فالرياح العاصفات عصفا، الشديدات الهبوب السريعات الممرّ. يقال: الرياح عاصفات لأنها تأتي بالعصف أي: بورق الزرع. وقيل: إنها الملائكة تعصف بأرواح الكفار. قوله ( وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ): الرياح التي تأتي بالمطر. قاله الفراء، وأبو بكر السجستاني. قال أبو بكر: كقوله جل وعز: ( نشرا بين يدي رحمته ). يقال: نشرت الريح: جرت. انتهى وقيل: بل هي الملائكة التي تنشرُ الكتب. وقيل: هي أعمال بني آدم تنشر يوم القيامة. قال الطبري: ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فذلك على كل ما كان ناشرا. قوله ( فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ): الملائكة تنزل تفرق ما بين الحلال والحرام. قاله أبو بكر السجستاني، وبنحوه الفراء. وقال ابن الهائم: الملائكة- عليهم السلام- تنزل تفرق بين الحق والباطل. وقيل: يعني القرآن ما فرق الله فيه بين الحقّ والباطل. قال الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالفارقات، وهي الفاصلات بين الحق والباطل، ولم يخصص بذلك منهنّ بعضا دون بعض، فذلك قَسَم بكلّ فارقة بين الحقّ والباطل، مَلَكا كان أو قرآنا، أو غير ذلك. قوله: ( فَالْمُلْقِيَاتِ ): فالملائكة. قوله ( ذِكْرًا ): الوحي. والمعنى: الملائكة؛ تلقي، وتبلغ وحي الله إلى الأنبياء. ومنه قوله تعالى ( فالتاليات ذكرا ): فالتاليات: أي الملائكة. و"زكرا": الوحي. فذلك قوله ( وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر ): يعني الوحي، القرآن. قوله: ( عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ): أصله ( عذرا ونذرا )؛ بدون ألف. قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني عذرا ونذرا والأَلف ها هنا صلة. انتهى كلامه والمعنى: أي للإعذار والإنذار. الملائكة تلقي الوحي إلى الأنبياء، إعذارا من الله تبارك وتعالى وإنذارا؛ يعني: للإعذار والإنذار كي تنقطع حجتهم. ____ المصدر: أنظر: النكت للقصاب،التصاريف ليحيى بن سلام، تأويل المشكل لابن قتيبة، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للنحاس، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، تفسير مقاتل، تفسير الألوسي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تفسير السمعاني، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن.
( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف (36) قوله {ومن يعشُ}: يعرض. قاله السمين الحلبي(ع)، والإيجي الشافعي، والفراء، والبغوي، وابن الجوزي(ز)، والخازن، والواحدي (ج)، ومكي( في المشكل، والهداية)، وسراج الدين النعماني، وبه قال التستري، والطبري، وابن أبي زمنين، والقاسمي. واختاره الزجاج. حكاه الواحدي البسيط. وحكاه الماوردي في النكت عن قتادة. قال مكي: ومن فتح الشين فمعناه: يعمى عنه. قال البيضاوي: ومن يعش عن ذكر الرحمن يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات. قوله {عن ذكر الرحمن}: أي القرآن. قاله الجلال المحلي، وبه قال الفخر الرازي، وسراج الدين النعماني، والطاهر بن عاشور. قال الطاهر بن عاشور: هو القرآن المعبر عنه بالذكر. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ): ذكر مبارك: يعني: القرآن. قاله ابن أبي زمنين، ومكي، والواحدي(ج)، وغيرهم.
قال الزجاج: المعنى هذا القرآن ذكر مبارك.
وقال السمرقندي: يعني: هذا القرآن ذكر مبارك يعني: فيه السعادة والمغفرة للذنوب والنجاة لمن آمن به. ومنه ( هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ): قال ابن قتيبة: يعني القرآن. ومنه ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ): "هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ": قال الراغب الأصفهاني، وابن قتيبة: يعني القرآن. وبه قال الجلال، و"وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي": قال ابن قتيبة: يعني الكتب المتقدمة من كتب الله. ومنه ( وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ): قال السمرقندي: إن هو يعني: ما هذا القرآن إلا ذكر للعالمين يعني: إلا عظة للجن، والإنس. وقال مكي في قوله {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}، أي: ما هذا القرآن الذي جئتكم به من عند الله إلا ذكر من الله يتذكر به جميع الخلق من الجن والإنس. قوله {نقيض له }: في الدنيا. ومعنى نقيض: نسبب. قاله الإيجي الشافعي، وأبو بكر السجستاني، والسمرقندي، والجلال المحلي، وغيرهما. قال الإيجي: نسبب له ونسلط عليه. قال السمرقندي: مجازاة لإعراضه عن ذكر الله. قوله {شيطانا}: يزين له الغواية، ويصده عن الهداية. قوله {فهو له قرين}: أي مقارن، وملازم؛ يزين له الغي؛ لا يفارقه. قال البغوي: لا يفارقه، يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى. قال أبو بكر السجستاني: نسبب له شيطانا، يجعل الله جل وعز ذلك جزاءه. قلت ( عبدالرحيم ): ونظير ذلك فط التنزيل؛ قوله تعالى ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ): وَقَيَّضْنَا: سببنا. قاله الزجاج، وابن الجوزي، والواحدي(ج)،وابن الهائم، والجلال المحلي. وزاد الزجاج: من حيث لا يحتسبون. قال مكي في الهداية: وحقيقة قيضنا سببنا لهم من حيث لم يحتسبوا. و{قرناء} يعني: شياطين. قاله ابن أبي زمنين، وحكاه مكي في الهداية عن ابن عباس. ونظيره قوله: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ): قال القاسم بن سلام في غريب الحديث: أي تدفعهم، وتسوقهم؛ وهو من التحريك. انتهى والحمد لله أولا وآخرا. _____ المصدر: أنظر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير السمعاني، اللباب لسراج الدين النعماني، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تفسير مقاتل، زاد المسير لابن الجوزي، جامع البيان للإيجي الشافعي، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير التستري، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير الخازن، النكت والعيون للماوردي، تفسير البيضاوي، التفسير الكبير للرازي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، غريب الحديث للقاسم بن سلام.
( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ): قوله ( الْأَجْدَاث): يعني: القبور. واحدها: جدث؛ بلغة أهل العالية، وأهل نجد يقولون «جدف». كما في قوله ( وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا ثومها ): فومها: ثومها. في قراءة ابن مسعود. حكاه ابن كثير. وذكره الطبري بصيغة التمريض. ومثله ( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ): الأجداث: القبور.
و ( ينسلون): يسرعون. قاله غلام ثعلب، وغيره. وقال بيان الحق: يخرجون.
ومثله ( خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ): أي يوم يبعثون ويخرجون؛ من القبور. قوله ( سِرَاعًا ): إلى المحشر. قوله ( نُصُب ): صنم؛ يعني الأصنَام، يسرعون إليها أيهم يستلمها أولا. قال الراغب الأصفهاني: وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها. قال الفراء: قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «إلى نَصْبٍ» إلى شيء مَنْصُوب يستبقون إِلَيْه، وقرأ زَيْد بْن ثابت: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» فكأن النُّصبَ الآلهة التي كانت تعبد من دون اللَّه؛ وكلٌّ صواب، وهو واحد، والجمع: أنصاب. انتهى كلامه. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى؛ في ذكر المحرمات من المطعومات ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ): النصب: جمع نصاب؛ وهي الأصنام. قاله السيوطي. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه. ومنه ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ): الأنصاب: قال ابن عباس: الحجارة التي كانت العرب تعبدها من دون الله، وتذبح لها. حكاه عنه نافع بن الأزرق. وقال السيوطي، وغيره: الأصنام. وقال ابن قتيبة: و "النُّصُب": حجر يُنصب ويُذبح عنده، أو صنمٌ يقال له: نَصْبٌ ونُصْبٌ ونُصُب. انتهى كلامه. ومنه قولهم: نُصْبٌ تَذْكَارِي : يعني تِمْثَال. ( زعموا؛ لأنه ليس من الإسلام في شيء). قوله ( يُوفِضُونَ ): يسرعون. قاله معمر بن المثنى، وابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان الأندلسي، وابن الهائم، والواحدي(ج). قال الألوسي: والمراد أنهم يخرجون مسارعين إلى الداعي يسبق بعضهم بعضا. والإسراع في السير إلى المعبودات الباطلة كان عادة للمشركين. وذكر ابن حسنون السامري؛ أن قوله تعالى ( إلى نصب يوفضون ): يعني إِلى عَلَمٍ يُسرِعونَ. بلغة قريش. قال الفراء، والراغب، وابن قتيبة، والطبري: و «الإيفاض»: الإسراع. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ): قال العز بن عبد السلام: أسرعتم، أو رجعتم من حيث بدأتم. وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والإفاضة هنا: الخروج بسرعة. انتهى كلامه. قلت: ومن تأمل حال الحجيج؛ عند إفاضتهم ( إسراعهم ) من عرفات؛ لأدرك معنى هذه الآية، ولتذكر هول المطلع يوم النشر، والحشر؛ من مشي الناس بعجل شديد، وهمة عالية، ومنظر مهيب. فقوله ( يُوفِضُونَ ): يسرعون؛ يمشون بعجل؛ يسرعون إسراعا دون الجري. ومنه قول رؤبة: يمشى بنا الجدّ على أوفاض. قال معمر بن المثنى: أي: عجلة. قلت: ويستثنى من ذلك أكلة الربا؛ فهم يقومون كما وصفهم الله بقوله ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ). قال ابن قتيبة في تأويل المشكل؛ في قوله ( يُوفِضُونَ ): أي يسرعون. ثم قال - رحمه الله: إلّا أكلة الرّبا، فإنهم يقومون ويسقطون، كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ويسقط، لأنهم أكلوا الرّبا في الدنيا فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم، فهم ينهضون ويسقطون، ويريدون الإسراع فلا يقدرون. ______ المصدر: أنظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للفراء، تفسير الطبري، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين، تفسير الألوسي، الوجيز للواحدي، تفسير ابن كثير، توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري،.
( وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ) النور:8 قوله [ويدرأ]: يَدْفَعُ. قاله الطبري، وصديق حسن خان، وأبو حيان الأندلسي، والنحاس، وإلا يجي الشافعي، ومجير الدين العليمي، والبغوي، والواحدي، والعز بن عبدالسلام، والنسفي، والسيوطي، وجلال الدين المحلي، والشربيني، وغيرهم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ): «فَادَّارَأْتُمْ» قال أبو حيان، والزجاج، والسمرقندي: تدافعتم. انتهى والمعنى: كل واحد منكم يدفع عن نفسه تهمة القتل؛ فأخرج الله ما كتمتموه. قال الأخفش: فإنما هي: "فَتَدارَأْتُم" ولكن التاء تدغم أحياناً كذا في الدال لأن مخرجها من مخرجها. قال الزجاج: ( فَتَدارَأتمْ فيها ): أي تدافعتم، أي ألقى بعضكم على بَعْض، يقال: درأتُ فلاناً إِذا دافعتُه. انتهى كلامه. ومنه قوله تعالى ( الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ): «فَادْرَءُوا» : قال الطبري، والبغوي: فادفعوا. قال ابن قتيبة: أي ادفعوه. يقال: درأ الله عنك الشرك أي دفعه. ومنه قوله ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ): «وَيَدْرَءُونَ»: قال غلام ثعلب: أي يدفعون بالتوبة والطاعة. وقال ابن قتيبة: أي يدفعون السيئة بالحسنة، كأنهم إذا سفه عليهم حلموا. فالسفه سيئة والحلم حسنة. ونحوه {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} ويقال: درأ الله عني شرك: أي دفعه. فهو يدرؤه درءا. قال السيوطي: يدفعون {بالحسنة السيئة} كالجهل بالحلم والأذى بالصبر. ومنه ما قاله ابن مسعود - رضي الله عنه -: ادرءوا الجلد والقتل عن المسلمين ما استطعتم. (1). أنظر تخريجه؛ أدناه. فمعنى قول ابن مسعود: "ادرءوا": أي ادفعوا الحدود عن أهلها؛ إن وجدتم شبهة؛ توجب الشك في ثبوت الحد. قوله [عنها]: عن المرأة؛ التي قذفها زوجها بالزنى. قوله [العذاب]: الدنيوي؛ وهوالرجم؛ حد الزنا الذي ثبت بشهادة زوجها. قوله [أن تشهد أربع شهادات بالله إنه]: «إنه»: أي الزوج. قاله الإيجي. قوله [لمن الكاذبين]: فيما رماني به من الزنا. والمعنى الإجمالي للآية: يدفع عن المرأة التي قذفها زوجها بالزنى؛ عقوبة الحد في الدنيا؛ إذا شهدت أربع شهادات بالله؛ إنه لكاذب فيما رماها به. وإنما قلنا: في الدنيا؛ لأن الحد يدرأ عنها؛ وإن كانت كاذبة في حلفها، ثم مرد عذابها في الآخرة إلى الذي غضب عليها- عز وجل -.
(1) قال الألباني ( إرواء الغليل- تخريج حديث رقم: 2356 ): وقد صح موقوفا على ابن مسعود. أخرجه ابن أبى شيبة (١١/٧٠/٢) والبيهقى وقال: " هذا موصول ". قلت: وهو حسن الإسناد. انتهى كلامه. _____ المصدر: أنظر: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للزجاج، تفسير يحيى بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، تفسير الجلالين، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح القدير للشوكاني، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، تفسير النسفي، تفسير العز بن عبد السلام، الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، السراج المنير للخطيب الشربيني، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، التفسير المختصر.
( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) ) الزخرف قوله ( مبلسون ): أي يائسون من كل خير؛ من رحمة الله، من رزق الجنة، من التخفيف عنهم؛ حتى الموت؛ يطلبونه فلا يعطونه. ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ). قال الزجاج: المبلس: الساكت الممسك إمساك يائس من فرج. _____ المصدر: أنظر: التصاريف ليحيى بن سلام، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للزجاج، تفسير مقاتل، تفسير السمرقندي.
(يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) ) الذاريات قوله ( يفتنون ): أي يعذبون. قاله مقاتل وابن قتيبة، والماوردي، والسمعاني، وغيرهم. وقال ابن الجوزي، وابن فورك، وغيرهما: يحرقون. وقيل: يطبخون ويحرقون، كما يفتن الذهب بالنار، وهو معنى قول عكرمة والضحاك. حكاه الماوردي. وقيل: يكذبون. قال الطبري: وأولى القولين بالصواب في تأويل قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قول من قال: يعذّبون بالإحراق، لأن الفتنة أصلها الاختبار، وإنما يقال: فتنت الذهب بالنار: إذا طبختها بها لتعرف جودتها، فكذلك قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) يحرقون بها كما يحرق الذهب بها. قوله ( ذوقوا فتنتكم ): ذوقوا عذابكم. قاله عبدالرزاق، وابن قتيبة. وقال مجاهد: حريقكم. ____ المصدر: غريب القرآن لابن قتيبة، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، تفسير مجاهد، تفسير عبدالرزاق، النكت والعيون للماوردي، تفسير مقاتل، تفسير ابن فورك، تفسير الطبري، تفسير السمعاني.
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور (21) قوله ( ألتناهم ): نقصناهم. قاله مكي. وقال الطبري: وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفَّيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلا منا عليهم. _____ المصدر تفسير المشكل لمكي القيسي، تفسير الطبري.
( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) ) القمر قوله ( سعر ): أي جنون. _____ المصدر : تفسير المشكل لمكي القيسي.
( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الحديد (4) هذه الآية؛ عظيمة الشأن جليلة القدر؛ وصف الله فيها نفسه بصفات؛ فلا تلقه إلا بقلب سليم؛ مؤمنا بها على مراد الله، ومراد أعلم الخلق بربه_ صلوات الله وسلامه عليه _ و كما اعتقد صحبه_ رضي الله عنهم _ ومن تبعهم بإحسان، وأجمع عليه سلف الأمة. وبصدد هذه الآية سأشير إلى شيء من موضوعها؛ مبينا عقيدة الصحابة_ رضي الله عنهم _وأتباعهم بإحسان من سلف هذه الامة؛ ولن استطرد كثيرا، وعسى أن يأتي في حينه ( إن شاء الله )؛ في كتابي تفسير معاني وغريب القرآن. فهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه، ورسله صادقون مصدقون؛ بخلاف الذين يقولون عليه مالا يعلمون. ولهذا قال الله سبحانه ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين ). أنظر العقيدة الواسطية. قوله ( ثم استوى على العرش ): علا، واستقر استقرار يليق بعظمته؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. قال أبو عبيدة: علا عليه. قال ابن قتيبة: أي استقر. قال عبيد الله السجزيّ الوائلي البكري ( 444 هـ ): وقد سئل مالك بن أنس رحمة الله عليه عن هذه المسألة فأجاب: "بأن الاستواء غير مجهول، والكيفية غير معقولة، الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى ): وقال عبد الله بن المبارك ومن تابعه من أهل العلم وهم كثير: إن معنى استوى على العرش: استقر وهو قول القتيبي وقال غير هؤلاء: استوى أي ظهر. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: استوى بمعنى علا. قال ابن قتيبةفي ( تأويل مختلف الحديث ): ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه، لعلموا أن الله تعالى هو العلي، وهو الأعلى، وهو بالمكان الرفيع، وإن القلوب عند الذكر تسمو نحوه، والأيدي ترفع بالدعاء إليه. ومن العلو يرجى الفرج، ويتوقع النصر، وينزل الرزق.
قوله ( يعلم ما يلج في الأرض ): أي يعلم ما يدخل فيها؛ من ماء وبذر، وكائن؛ حي أو ميت.
ومنه قوله تعالى ( حتى يلج الجمل ): قال ابن قتيبة: أي يدخل البعير. قوله ( وما يخرج منها ): من زرع وغيره. قاله الزجاج. قال صديق حسن خان: من نبات ومعادن وغيرها. قوله ( وما ينزل من السماء ): إلى الأرض من شيء قط؛ من ماء، وثلج، وملك، وقضاء وقدر. قال نجم الدين النيسابوري: من الأقضية والأقدار. قوله ( وما يعرج فيها ): أي ما يصعد إليها من أعمال العباد، وما يعرج من الملائكة. قاله الزجاج. قال صديق حسن خان: أي يصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد والدعوات. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله ( تعرج الملائكة والروح إليه ): أي تصعد. وفيه دليل أن الله في السماء؛ كما هو مقرر في الكتاب العزيز، والسنة المتواترة، وفي فطرة من صلحت فطرته من دنس البدعة؛ فهو سبحانه في السماء؛ أي علا السماء، وقد تواترت بذلك النصوص؛ من الوحيين، وأجمع عليه السلف: فمن ذلك قوله ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فهي تمور ). قال ابن بطة: أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أن الله على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه. حكاه الذهبي في العلو. ومن ذلك الرفع والصعود إليه ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ). وقال النبي: يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل. شطر من حديث رواه مسلم من حديث عبدالله بن قيس. وقال تعالى ( إني متوفيك ورافعك إلي )، وقوله وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه)، قال موفق الدين ابن قدامة: فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتوارترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أم مفتون (بتقليده) واتباعه على ضلالته. انتهى كلامه وقوله ( وهو العلي العظيم )، وقوله ( سبح اسم ربك الأعلى )،
وقوله ( وهو القاهر فوق عباده )، وقوله ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )،
وقوله ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)،
وقوله ( إنا نحن نزلنا الذكر )،
وفي الحديث؛ قال النبي ﷺ «ثُمَّ عُرِجَ بِي، حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ»
شطر من حديث متفق عليه من حديث أنس عن أبي ذر_ رضي الله عنهما.
ولما رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ وفيه: قال _ النبي ﷺ _ للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة». ومن ذلك ما تواتر عنه_ صلوات الله وسلامه عليه_ من رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث . وهذا إثبات للعلو بالفعل . قال أبو بكر الصديق؛ عند موت النبي: ومن كان يعبد الله الذي في السماء فإن الله حي لايموت. أورده أحمد فريد في الثمرات الزكية. انتهى
قوله ( وهو معكم أينما كنتم ): معية علم وإحاطة؛ ليس مختلطا بالخلق.
قال مرعي بن يوسف الكرمي: فإنه يقال ما زلنا نسير والقمر والنجم معنا؛ وإن كان فوق رأسك فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه. قال ابن جرير الطبري: يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع. وقال ابن كثير: أي رقيب عليكم ، شهيد على أعمالكم حيث أنتم ، وأين كنتم ، من بر أو بحر ، في ليل أو نهار ، في البيوت أو القفار ، الجميع في علمه على السواء ، وتحت بصره وسمعه ، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم. قال صديق حسن خان: بقدرته وسلطانه وعلمه عموماً، وبفضله ورحمته خصوصاً، فليس ينفك أحد من تعليق علم الله تعالى وقدرته به أينما كان من أرض أو سماء، بر أو بحر، وقيل هو معكم بالحفظ والحراسة، قال ابن عباس: عالم بكم، وهذا تمثيل للإحاطة بما يصدر منهم، أينما داروا في الأرض من بر وبحر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (شرح حديث النزول) : لفظ المعية في سورة الحديد والمجادلة، في آيتيهما، ثبت تفسيره عن السلف بالعلم. وقالوا: هو معهم بعلمه. وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم أحد يعتدّ بقوله. وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية: هو على العرش وعلمه معهم، وهكذا عمن ذكر معه. حكاه القاسمي في محاسن التأويل. قال ابن عبدالبر: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل؛ قالوا في تأويل قوله ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ): هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله. حكاه الذهبي في العلو. قال شيخ الاسلام ابن تيمية: وليس معنى قوله: ( وهو معكم ) أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه، اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان. وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكل هذا الكلام الذي ذكره الله ـ من أنه فوق العرش وأنه معنا ـ حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة؛ مثل أن يظن أن ظاهر قوله: ( في السماء )، أن السماء تظله أو تقله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان؛ فإن الله قد وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يمسك السموات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض؛ إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره. انتهى _____ المصدر: غريب القران لابن قتيبة، غريب القران لابي بكر السجستاني، التبيان لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، مختلف الحديث لابن قتيبة، سالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت، العلو للذهبي، العقيدة الواسطية، إثبات صفة العلو لأبي محمد موفق الدين ابن قدامة المقدسي، مجموع الفتاوى لابن تيمية.
( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) التكوير (4)
قوله ( العشار ): النوق الحوامل من الإبل؛ التي في بطنها أولادها. قال أبو بكر السجستاني: واحدها عشراء، وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع، وبعدها تضع. وهي من أنفس الإبل عندهم. قوله ( عطلت ): أُهملت، وتُركت؛ عطلها أهلها؛ لشغلهم بأنفسهم عنها؛ وذلك من هول القيامة. قال الطبري: يقول تعالى ذكره: وإذا هذه الحوامل التي يَتَنافس أهلها فيها أُهملت فتركت، من شدة الهول النازل بهم فكيف بغيرها ؟!. وقيل: لم تحلب ولم تدر. وقال غلام ثعلب: الدور مات أهلها، فتعطلت. _____ المصدر: أنظر: غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، معاني القرآن للزجاج، تفسيرالطبري، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي.
( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) ) الماعون قوله ( بالدين ): يعني يوم الحساب. قاله مجاهد، ومقاتل. وقال أبو حيان في البحر: الجزاء بالثواب والعقاب. قلت ( عبدالرحيم ):ومنه قوله تعالى ( مالك يوم الدين): يوم الحساب، ويوم الجزاء. وقوله ( أإنا لمدينون ): قال مقاتل: يعني إنا لمحاسبون. وقوله ( وإن الدين لواقع ): قال مقاتل: يعني الحساب لكائن. قوله ( يدع اليتيم ): أي يدفعه. قاله ابن قتيبة. قال ابن عباس: يدفع اليتيم عن حقه. حكاه نافع بن الأزرق. و حكاه الجصاص عن مجاهد وقتادة. قال أبو حيان في البحر المحيط: أي يدفعه دفعا عنيفا بجفوة أو أذى. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ): يعني يُدفعونَ إِلى نارِ جَهَنّم. بلغة قريش. ذكره ابن حسنون السامري. وقال الزجاج: أي يدفعون إليها دفعاً بعنف
وقال معمر بن المثنى: أي يدفعون؛ يقال: دعت فى قفاه أي دفعت.
____ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، معاني القرآن للزجاج، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، البحر المحيط لأبي حيان، أحكام القرآن للجصاص، تفسير مجاهد، تفسير مقاتل.
( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) مريم:83 قوله ( تؤزهم أزا ): تُهيجهم، وتزعجهم، وتغويهم؛ تحركهم بالشر تحريكا شديدا؛ من شرك ومعصية؛ بسبب كفرهم. وهذا جزاء لهم؛ من جنس أعمالهم؛ فهم لما تولوا الشياطين؛ سلطوا عليهم. قال تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون )، فلا أظلم ممن يتبع عدوه، ويعرض عن ولييه، قال الله ( وأن الكافرين لا مولى لهم ): تقديره: لا مولى لهم إلا الشياطين. قال الله ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ): روى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال: الطاغوت: الشيطان. وحكاه ابن المنذر عن الشعبي، وأبي العالية.
فقد حرموا أنفسهم عصمة الله لهم؛ بشركهم، واستجابوا بمجرد دعوة إبليس.
قال تعالى عن إبليس( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ). لذا كان الإيمان بالله عصمة؛ بسبب ولاية الله لأهل الإيمان. قال تعالى ( الله ولي الذين آمنوا ). فلا تغتر بأهل الكفر؛ فهم كأنهم شياطين تمشي على ظهر الأرض. ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا ). قال مكي في الهداية: أي تحملهم على المعاصي حملا شديدا، وتزعجهم إلى الغي. قال السمرقندي: تزعجهم إزعاجا وتغريهم إغراء حتى يركبوا المعاصي. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أي تهيّجهم وتغويهم. قال ابن قتيبة: تزعجهم وتحرِّكهم إلى المعاصي. قال مقاتل: يعني تزعجهم إزعاجا وتغريهم إغراء تزين لهم الذي هم عليه من الشرك. وقال الضحاك: تأمرهم أمرا. حكاه السمرقندي. وعن ابن عباس: تغريهم إغراء بالشر: امض امض في هذا الأمر ، حتى توقعهم في النار. حكاه القرطبي. _____ المصدر: أنظر: غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تفسير مقاتل، تفسير السمرقندي، تفسير القرطبي.
( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ) يونس: 7 قوله ( لا يرجون لقاءنا ): أي لا يخافون. قاله الفراء، وابن قتيبة، ونجم الدين النيسابوري، وبيان الحق النيسابوري. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ): قال الفراء، وابن قتيبة: لا تخافون له عظمة. قال الأخفش: و"الرجاء" ها هنا خوف. قال الزجاج، والأخفش: أي لا تخافون لله عظمة. وزاد الزجاج: ولا عظة. وقال ابن عباس: قال: لا تخشون لله عظمة. حكاه نافع بن الأزرق. وقوله ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) : يعني يخاف بلغة هذيل. ذكره عبدالله بن حسنون السامري. قال ابن أبي زمنين: يخاف البعث. وقال ابن قتيبة: أي يخاف لقاء ربه. وحكاه الماوردي عن قطرب ومقاتل. وقيل غير ذلك. وقوله ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ): قال ابن قتيبة، ونجم الدين النيسابوري: أي لا يخافون. وقوله ( بل كانوا لا يرجون نشورا ): قال نجم الدين النيسابوري: لا يخافون بعثا. ____ المصدر: مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير ابن أبي زمنين، النكت والعيون للماوردي.
( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ) الحديد 20 قوله ( الكفار ): أي الزراع. من قولك: كفرت الشيء إذا غطيته. ويقال لليل كافر لأنه يستر بظلمته كل شيء. وسمي الزارع كافرا: لأنه يستر ويغطي البذر في الأرض. وكذا: سمي الكافر بالله كافرا: لأنه يغطي ويستر أعظم حقيقة في الوجود؛ وهي الإيمان بالله، وبستره نعم الله عليه؛ التي تدله على ربه. ____ المصدر : أنظر: التفسير الكبير للرازي، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان لابن الهائم، معاني القرآن للزجاج.
( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) الكوثر: 3 قوله ( شانئك ): مبغضك.
قاله الإيجي الشافعي، والفراء، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة، والزجاج، وأبو بكر السجستاني، ومكي، وابن الهائم، وصديق حسن خان.
وزاد الإيجي، والفراء: وعدوك. قال الزجاج: وهذا هو العاص بن وائل؛ دخل النبي عليه السلام وهو جالس فقال: هذا الأبتر، أي هذا الذي لا عقب له، فقال الله تعالى: ( إن شانئك ) يا محمد ( هو الأبتر ).فجائز أن يكون هو المنقطع العقب. وجائز أن يكون هو المنقطع عنه كل خير. والبتر استئصال القطع. قال ابن جزي: الشانئ هو المبغض، وهو الشنآن بمعنى العداوة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ): قال ابن عرفة: بغضكم قوم. قال الماوردي في النكت: وهذا قول ابن عباس. قال غلام ثعلب: أي: عداوة قوم. وحكاه الماوردي عن قتادة. قال الزجاج: أي لا يحملنكم بغض قوم، يقال شنئته شنآنا معناه أبغضته إبغاضا. وقوله ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ): قال الإيجي: عداوتهم. قال البقاعي: أي شدة عداوة. وقوله ( ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح ): قال مقاتل، ويحيى بن سلام، والفراء: لا تحملنكم عدواتي. قال السمين الحلبي: أي لا يحملنكم خلافي وبغضي. قوله ( هو الأبتر ): الذي لا عقب له. قاله معمر بن المثنى. وبه قال ابن قتيبة، وابن الهائم. وزاد ابن قتيبة: وكانت قريش قالت: «إن محمدا لا ذَكرَ له، فإذا مات: ذهب ذِكْرُه»، فأنزل الله هذا، وأنزل: ورفعنا لك ذكرك. قال الإيجي الشافعي: الأقل الأذل، الذي لا عقب له المنقطع ذكره. قال ابن فورك: الأبتر: المنقطع عن الخير. قال نجم الدين النيسابوري: المقطوع عن كل خير. قال الراغب الأصفهاني: أي المقطوع الذكر، وذلك أنهم زعموا أن محمدا ﷺ ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله، فنبه تعالى أن الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه، فأما هو فكما وصفه الله تعالى بقوله: ( ورفعنا لك ذكرك )، وذلك لجعله أبا للمؤمنين، وتقييض من يراعيه ويراعي دينه الحق. وقال قتادة: ( هو الأبتر ) أي: هو الحقير الذليل. حكاه مكي في الهداية. قال صديق حسن خان: هو المنقطع عن الخير على العموم، فيعم خيري الدنيا والآخرة، أو الذي لا عقب له أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته. وظاهر الآية العموم، وإن هذا شأن كل من يبغض النبي صلى الله عليه. ______ المصدر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان لابن الهائم، التصاريف ليحيى بن سلام، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير مقاتل، تفسير ابن فورك، النكت والعيون للماوردي، تفسير ابن عرفة، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي.
( لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الزمر (63) قوله ( مقاليد ): مفاتيح. قاله غلام ثعلب، وأبو بكر السجستاني، وغيرها. قال الطبري: له مفاتيح خزائن السموات والأرض، يفتح منها على من يشاء، ويمسكها عمن أحب من خلقه، واحدها: مقليد. وقال الراغب الأصفهاني: أي ما يحيط بها. ____ المصدر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للفراء،تفسير الطبري.
( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) ) المرسلات قوله ( كفاتا ): ذات جمع. والكَفْت: الضم والجمع. أي ضامة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها. ___ المصدر: أنظر: معاني القرآن للزجاج، تفسير القرطبي.
( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) ) المرسلات
أي: ألم نجعل الأرض بسعتها وما بُث فيها؛ كافية لهم؛ تضمهم وتجمعهم أحياء على ظهرها، وتضمهم في بطنها أمواتا. وفي الآية تقرير، وتوبيخ لمنكري البعث؛ فالقادر على ضمهم وجمعهم في الأولى؛ فهو في الآخرة أقدر، ( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير )، وقال ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ): أي كبعث نفس واحدة.
قال مقاتل: يقول أليس قد جعل لكم الأرض كفاتا لكم، تدفنون فيها، أمواتكم وتبثون عليها أحياءكم، وتسكنون عليها فقد كفت الموتى والأحياء قال ابن سيده في( المحكم والمحيط الأعظم ): وكفات الأرض: ظهرها للأحياء وبطنها للأموات ومنه قولهم للمنازل: كفات الأحياء، وللمقابر: كفات الاموات. قال ابن فارس في ( مجمل اللغة ): يقول: ما داموا أحياء فإنهم يمشون على ظهرها، فإذا ماتوا ضمتهم إليها. قال الأزدي في ( جمهرة اللغة ): وكفات كل شيء: ما ضمه فالبيوت كفات الأحياء والقبور كفات الأموات. قال الله عز وجل: ( ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا ). قال الفارابي في ( معجمه ): والكِفاتُ: الموضِعُ الذي يُكْفَتُ فيه الشَّيءُ، أَي: يُضَمّ، ومنه قول الله عز وجل: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْض كِفاتاً، أَحياءً وأَمْواتاً). قال الهروي في ( تهذيب اللغة ): في حديث النبي ﷺ أنه قال: (اكفتوا صبيانكم) . قال أبو عبيد: يعني ضموهم إليكم واحبسوهم في البيوت، وكل شيء ضممته إليك فقد كفته. قال الزجاج: (كفاتا) ذات جمع، المعنى تضمهم أحياء على ظهورها، وأمواتا في بطنها، و (أحياء) منصوب بقوله (كفاتا)، يقال كفت الشيء أكفته إذا جمعته وضممته. قال الطبري: يقول: وعاء، تقول: هذا كفت هذا وكفيته، إذا كان وعاءه. وإنما معنى الكلام: ألم نجعل الأرض كِفاتَ أحيائكم وأمواتكم، تكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتَكم في بطونها في القبور، فيُدفَنون فيها. قال ابن قتيبة ( في غريب الحديث )لأنها تضم الحي والميت. قال القرطبي: يقال : كفت الشيء أكفته : إذا جمعته وضممته ، والكفت : الضم والجمع ورد في كتاب العين ( المنسوب للخليل بن أحمد الفراهيدي ): وكفات الأرض: ظهرها للأحياء وبطنها للأموات. قال ابن قتيبة: أي تضمكم فيها. و"الكفت": الضم. يقال: أكفت إليك كذا؛ أي أضمه إليك. وكانوا يسمون بقيع الغرقد: "كَفْتَةً"؛ لأنها مقبرة تضم الموتى. قال مكي في الهداية: والكفت الجمع والضم، أي: تجمعهم وتضمهم على ظهرها أحياء وفي بطنها أمواتا. قال الزجاج: ذات جمع، المعنى تضمهم أحياء على ظهورها، وأمواتا في بطنها. قال معمر بن المثنى، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان، والواحدي ( وجيز )، والبغوي: أي واعية. وزاد أبو بكر السجستاني: واحدها كفت. وزاد أبو حيان: واحدها: كَفْت. ويقال: كفاتا منضما: تكفت أهلها أي تضمهم أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها. قال الجرجاني: ذات كفت وهو الجمع والضم. قال الفراء: تكفتهم أحياء على ظهرها في بيوتهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتا في بطنها، أي: تحفظهم وتحرزهم. قال السمين الحلبي: أي: جامعةً. والكفت: الضم والجمع، وكل شيءٍ كفته فقد جمعته، وفي الحديث: «اكتفوا صبيانكم بالليل» أي ضموهم. أحكام: قال الزمخشري: وقد استدل بعض أصحاب الشافعي رحمه الله على قطع النباش بأن الله تعالى جعل الأرض كفاتا للأموات، فكان بطنها حرزا لهم، فالنباش سارق من الحرز. قال القرطبي: وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه _____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، الكشاف للزمخشري، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تفسير مقاتل، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، مجمل اللغة لابن فارس، جمهرة اللغة للأزدي، معجم الفارابي، تهذيب اللغة للهروي،غريب الحديث لابن قتيبة.
( فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ) الأنبياء (58) قوله ( جذاذا ): أي فتاتا. قاله ابن قتيبة، ومكي، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان الأندلسي. وقال نجم الدين النيسابوري: قطعا. ورواه الطبري عن قتادة. وقال بيان الحق النيسابوري: حُطاما. ورواه الطبري عن ابن عباس. قال الراغب: الأصفهاني: الجذ: كسر الشيء وتفتيته، ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفُتات الذهب: جذاذ. _____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلس، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير الطبري.
( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) طه (108) قوله ( الداعي ): هو الملك الذي يدعو الناس للحشر؛ للقضاء، والحساب. قوله ( لا عوج له ): أي لا عوج لهم عنه. أي: لا عوج لأهل المحشر عن الداعي؛ فلا يتباطؤون، ولا يذهبون إلى ناحية غير ناحيته؛ لا يذهبون إلى غيره؛ يجيبونه مسرعين رغما عنهم، غير ناظرين إلى غيره؛ وإنما كانت تنفعهم إستجابتهم في الدنيا مختارين؛ أما في الآخرة فلا. فهم كما وصفهم الله ( مهطعين إلى الداع ): قال ابن عباس: مذعنين خاضعين. حكاه نافع بن الأزرق. وقال الفراء: ناظرين قِبلَ الداع. قال غلام ثعلب: مسرعين. ____ المصدر: أنظر: مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، معاني القرآن للفراء، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، أضواء البيان للشنقيطي.
( وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ) الأحزاب (26) قوله ( من صياصيهم ): يعني من حصونهم؛ بلغة قيس عيلان. قال غلام ثعلب: أي من قصورهم وحصونهم. وأصل "الصياصي": قرون البقر؛ لأنها تمتنع بها وتدفع عن أنفسها. فقيل للحصون صياصي: لأنها تمنع. قوله ( فريقا تقتلون ): يعني: رجالهم. قوله ( وتأسرون فريقا ): تسبون طائفة وهم النساء والصبيان. ____ المصدر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، تفسير السمرقندي.
( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ): القمر: 14 قوله [ تَجْرِي ]: السفينة التي حملنا نوحا فيها. قوله [بِأَعْيُنِنَا]: أي تجري مصحوبة بنظرنا، وبصرنا؛ بمرأى منا ومنظر. والباء للمصاحبة. وفي الآية إثبات صفة العين لله تعالى؛ على ما يليق بعظمته. والأصل في ذلك قوله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )، و نظيرتها ( واصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ): قال الطبري: أي بعين الله ووحيه كما يأمرك. وقوله ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي). وهذا كقوله ( إنني معكما أسمع وأرى ). قوله [ جَزَاءً ]: أي فعلنا ذلك؛ من إغراقهم، ونجاة نوح ومن معه؛ جزاء، وثوابا، وانتصارا؛ لما فُعل به؛ بعد أن دعاهم ألف سنة إلا خمسين؛ ليلا ونهارا، سرا وجهرا. قوله [لمن كان كُفِرَ ]: كُفِرَ: أي جُحِد؛ وهو نوح - عليه السلام - المكفور به؛ لأنهم جحدوا نبوته. _____ المصدر: أنظر: تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير الطبري، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير السمعاني، تفسير مقاتل، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) الأحزاب: 19 قوله ( سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ): يقول: رفعوا أصواتهم عليكم، وآذوكم بالكلام الشديد، وبالغوا في الاحتجاج عليكم. ____ المصدر: أنظر: ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، معاني القرآن للنحاس.
( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) ص: (36) قوله {فسخرنا له}: أي ذللنا لسليمان – عليه السلام -. ومنه { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ}: قال القاسمي، وابن كثير: أي ذللناها لكم. وقال إسماعيل حقي الخلوتي: ذللناها لمنافعكم. ونحوه { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ}: قال السمرقندي، والماوردي: ذللها لكم. قوله {الريح تجري بأمره رخاء}: رخاء: لينة. قاله الزجاج، وأبو بكر السجستاني، والجلال المحلي، وغيرهما. قال الراغب الأصفهاني في المفردات: الرُّخَاءُ: اللّيّنة. من قولهم: شيء رِخْوٌ، وقد رَخِيَ يَرْخَى... ومنه: أَرْخَيْتُ السّتر. قال ابن قتيبة: أي رِخْوَةً لينة. قال الحسن: بين العاصف واللينة. وقال مجاهد: طيبة. وحكى النحاس عن ابن عباس: مطيعة. قال أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (285 هـ ) في غريب الحديث: كل ذلك يجوز أن يكون لينة في هبوبها، طيبة في مسها، مطيعة لمن أمرها. قوله {حيث أصاب}: أي حيث أراد. بلغة الأزد وعمان. حكاه ابن حسنون السامري، وبه قال ابن الهائم في التبيان، وأبو عُبيد القاسم بن سلاّم في لغات القبائل؛ إلا أن أبا عبيد لم يذكره عن الأزد. فقوله تعالى {حيث أصاب}: أي حيث أراد. قاله أبو هلال العسكري، وغلام ثعلب، والخطابي، وأبو بكر السجستاني، و الفراء، والزجاج، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة، والجلال المحلي. وقال بيان الحق النيسابوري، ونجم الدين النيسابوري: قصد وأراد. وقال الجلال السيوطي في اتقانه: مطيعة له حيث أراد. قال معمر بن المثنى: يقال: أصاب الله بك خيرا أي أراد الله بك خيرا. قال الزجاج: إجماع المفسرين وأهل اللغة أنه حيث أراد، وحقيقته قصد، وكذلك قولك للمجيب في المسألة: أصبت، أي قصدت، فلم تخطئ الجواب. انتهى كلامه. والعرب تقول: أصاب الصواب، وأخطأ الجواب، أي: أراد الصواب، فأخطأ. حكاه صاحب الياقوتة. قال في الوجوه والنظائر: أي أراد وصاب الشيء إذا نزل من علو إلى سفل، كأنه يقصد الوجهة التي يمر فيها، وكذلك في إصابة السهم. ______ المصدر: اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب الحديث للخطابي، غريب الحديث، لأبي إسحاق الحربي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير السمرقندي، النكت والعيون للماوردي، تفسير ابن كثير، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير الجلالين، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري، روح البيان لإسماعيل حقي الخلوتي
( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) الإسراء: (8) قوله ( حَصِيرًا ): حبيسا؛ سجنا لا فكاك، ولا نجاة لهم منها؛ يحصرون فيها. وهو فَعِيل بمعنى فاعل؛ كقوله تعالى ( حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ): حَقِيقٌ: أي حق؛ واجب علي. وكقوله ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ): أي كاظم، وحابس حزنه؛ فلا يشكوه. فهو فعيل بمعنى: فاعل؛ كقوله ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ). فقوله تعالى ( حَصِيرًا ): حبيسا. قاله غلام ثعلب، والسمرقندي. وقال قتادة: يعني: سجنا. حكاه ابن أبي زمنين. قال الخضيري: سجنا لا خروج منه أبدا. قال الزجاج: حبسا. وقال الراغب الأصفهاني: أي حابسا. قال ابن قتيبة، ومكي، ومقاتل بن سليمان، والثعلبي: أي مَحْبِسا. وزاد ابن قتيبة: من حَصَرْتُ الشيء: إذا حبسته. فَعِيل بمعنى فاعل. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: من الحصر والحبس فكان معناه محبسا. قال الزجاج: ويقال للسجن الحصير لأن الناس يحصرون فيه، ويقال حصرت الرجل إذا حبسته، وأحصره المرض إذا منعه من السير. قال السمرقندي: حصيرا أي حبيسا، أخذ من قوله: حصرت الرجل إذا حبسته، وهو محصور، والحصير المنسوج، وإنما سمي حصيرا لأنه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض. قال البغوي: سجنا، ومحبسا؛ من الحصر وهو الحبس. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا): قال القرطبي: أصله من الحصر وهو الحبس. حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني. وقال البيضاوي: مبالغا في حبس النفس عن الشهوات والملاهي. وبه قال الخطيب الشربيني في السراج المنير. وقال الزجاج: أي لا يأتي النساء، وإنما قيل للذي لا يأتي النساء حصور لأنه حبس عما يكون من الرجال، كما يقال في الذي لا يتيسر له الكلام قد حصر في منطقه. (تنبيه، واستطراد) : قلت ( عبدالرحيم ): ينبغي أن يُعلم؛ أن حبس يحيى– عليه السلام – عن النساء؛ كان ذلك منه على قدرة؛ من غير علة. كما أن أباه كان محبوسا عن الكلام؛ من غير علة؛ أعني من غير خرس، وذلك قوله تعالى مخاطبا زكريا_ عليه السلام_( قالَ آيَتُكَ أَلّا تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ): قال الفراء: من غير خرس. وقال ابن قتيبة: أي سليما غير أخرس. وقال الزجاج: أي وأنت سوي. وقال أيضا: أي تمنع عن الكلام وأنت سوي. انتهى كلامهما. وليس معناه كانت به علة؛ فانتبه. فالمراد من حبس يحيى – عليه السلام – عن النساء؛ حبسه عنهن مع قدرته على النكاح؛ فالمعنى من شدة عفته؛ كأنه حبس عنهن. لذا قال الراغب: فالحصور: الذي لا يأتي النساء، إمّا من العنّة، وإمّا من العفّة والاجتهاد في إزالة الشهوة. والثاني أظهر في الآية، لأنّ بذلك تستحق المحمدة.
انتهى.
ومنه ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُم ْوَاحْصُرُوهُمْ ): وَاحْصُرُوهُمْ: قال السمين الحلبي، النحاس، وابن الهائم، وابن قتيبة: احبسوهم. وزاد ابن الهائم: وامنعوهم من التصرف. وزاد ابن قتيبة: والحصر: الحبس.
ومنه ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ): قال الطاهر بن عاشور: أي حبسوا وأرصدوا.
قال البغوي: فيه أقاويل؛ قال قتادة - وهو أولاها - حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله. وبه قال السيوطي في الجلالين. قال السمرقندي، والثعلبي: حبسوا أنفسهم في طاعة الله. ومنه ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ): قال السمرقندي: أي حبستم عن البيت بعدما أحرمتم. قال الفخر الرازي: أي حبستمومنعتم والحبس لا بد له من حابس. قال الواحدي في الوسيط: أي حبستم، ومنعتم عن إتمام الحج. وأصل الحصر والإحصار: الحبس. يقال من حصرك ههنا، ومن أحصرك؟ قال مقاتل بن سليمان: يقول إن حبسكم في إحرامكم بحج أو بعمرة كسر أو مرض أو عدو عن المسجد الحرام فما استيسر من الهدي يعني فليقم محرما مكانه ويبعث ما استيسر من الهدى أو بثمن الهدى فيشتري له الهدى. _____ المصدر: أنظر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، تفسير مجاهد، الوسيط للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير البغوي، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير النسفي، تفسير ابن أبي زمنين، التفسير الكبير للرازي، الكشف والبيان للثعلبي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تفسير مقاتل، تفسير البيضاوي، السراج المنير للخطيب الشربيني، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.
( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١)) الشعراء قوله ( وَأُزْلِفَتِ ): يعني: وقربت، وأدنيت. ومنه قوله تعالى ( وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ): أي وقرّبنا. والمعنى: وقرّبنا؛ هنالك آل فرعون من البحر، وقدمناهم إليه. ومنه ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ):أي قربت، وأُدنيت. والمعنى: أي وأُدنيت الجنة وقرّبت للذين اتقوا ربهم، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. قوله ( وَبُرِّزَتِ ): أي ظهرت. حتى رآها الخلق، وعلم الكافر أن مصيره إليها. ومنه قوله ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ): ( بَرَزُوا ): أي ظهروا لقتالهم، وتصافوا صفوفا للقتال. ______ المصدر: أنظر: معاني القرآن للزجاج، تفسير الطبري، تفسير يحيى بن سلام، تفسير مقاتل، التفسير الكبير للرازي، تفسير القرطبي، تفسير الجلالين.
( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا )مريم: 97 قوله {فإنما يسرناه}: يعني القرآن. قاله ابن أبي زمنين، وغيره. قال مكي: فإنما سلهنا يا محمد هذا القرآن. قوله {بلسانك}: العربي. قاله السيوطي. قوله {لتبشر به المتقين}: بالجنة. قاله ابن أبي زمنين. قوله {وتنذر}: تخوف من كفر النار. قوله { لدا}: شديد الخصومة. قاله أبو بكر السجستاني، وأبو بكر السجستاني. قال الزجاج: جمع ألَدّ مثل أصمْ وَصُمّ. قال نجم الدين النيسابوري: ذوي جدل بالباطل. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ): أَلَدُّ: قال معمر بن المثنى: وهو الشديد الخصومة الذي لا يقبل الحق ويدعى الباطل. _____ المصدر: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الجلالين.
( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ) قوله { قل أعوذ }: ألتجئ، وأعتصم، وأمتنع، وأحتمي. قوله { برب الناس }: لما أمر بالاستعاذة من شرهم أخبر أنه هو الذي يعيذُ منهم. قاله العز بن عبد السلام. قوله {من شر الوسواس}: يعني: ذا الوسواس. قاله الواحدي في الوجيز. قوله { الوسواس }: الشيطان؛ يوسوس في القلوب. قوله {الخناس}: نعت؛ صفة للشيطان؛ لكثرة اختفائه. وهو الذي يخنس ويرجع إذا ذُكر الله. وسمي " الخناس"؛ لأنه يخنس، أي: يختفي، ويتأخر عن القلب، وينقبض، ويرجع، ويهرب عند ذكر الله؛ فإذا ذكر العبد ربه خنس، أي: أقصر، وكف، وتنحى. قال الزجاج: والخَنس قِصَرُ الأنف وتأخره عن الفم. قال نجم الدين أبو السعادات في غريب الحديث والأثر: الخنوس: التأخر والاختفاء. يقال خَنَس، وانْخَنس، واخْتَنَس. قال ابن منظور في اللسان: الخنوس: الانقباض، والاستخفاء. قال البغوي: وأصل الخنوس: الرجوع إلى وراء. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ . الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ): قال أبو حيان الأندلسي: الراجعة في مجراها. قال ابن قتيبة: النجوم الخمسة الكبار؛ لأنها تخنس. أي: ترجع في مجراها. قال أبو إسحاق إبراهيم الحربي في غريب الحديث (285 هجري): فقال المفسرون: في ذلك أشياء كلها ترجع إلى الاختفاء والتغيب. قال البقاعي: أي الكواكب التي يتأخر طلوعها عن طولع الشمس فتغيب في النهار لغلبة ضياء الشمس لها قال أبو بكر السجستاني: وهي خمسة أنجم: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد. وسميت بذلك، لأنها تخنس في مجراها، أي ترجع. وتكنس: أي تستتر، كما تكنس الظباء في كنسها. قال الطاهر بن عاشور: جمع خانسة ، وهي التي تخنس، أي تختفي ، يقال : خنست البقرة والظبية ، إذا اختفت في الكناس . قوله {يوسوس}: يدعو إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل أو يقع في النفس من أمر متوهم وأصله الصوت الخفي. قاله العز بن عبد السلام. قوله {الجنة}: الجن. قاله ابن الجوزي، والجلال المحلي. وزاد ابن الجوزي: والمعنى من شرالوسواس الذي هو من الجن ثم عطف الناس على الوسواس فالمعنى من شرالوسواس ومن شر الناس كأنه أمر بالاستعاذة من الإنس والجن. _____ المصدر: أنظر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات، غريب الحديث لأبي إسحاق الحربي، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، التفسير الكبير للرازي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير الجلالين، تفسير البغوي، تفسير العز بن عبد السلام، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، لسان العرب لابن منظور، أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري، التفسير الحديث لمحمد عزة دروزة، التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري.
( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ) الشورى: (45) قوله {وتراهم}: يعني: الكافرين. قوله {يعرضون عليها}: على النار. قاله الإيجي الشافعي، والسمعاني، والواحدي. قوله {خاشعين من الذل}: خائفين، ساكنين، خاضعين، متذللين؛ متواضعين رغما عنهم، وقد كان ينفعهم التواضع في الدنيا. قوله {ينظرون}: إلى النار. قاله الزجاج، والواحدي، والنسفي. قوله {من طرف خفي}: من ابتدائية، أو بمعنى الباء؛ أي: "بطرف". كما تقول العرب: "ضربته في السيف" و"بالسيف". أفاده الأخفش، والجلال المحلي. والمعنى: لا يفتحون أعينهم إنما ينظرون ببعضها؛ قد غضوا أبصارهم من الذل؛ فلا يرفعونها؛ يغضون استكانة وذلا. قال ابن الجوزي: {من طرف خفي}: أي ذليل. قال القرطبي: أي لا يرفعون أبصارهم للنظر رفعا تاما؛ لأنهم ناكسو الرءوس . والعرب تصف الذليل بغض الطرف ، كما يستعملون في ضده حديد النظر إذا لم يتهم بريبة فيكون عليه منها غضاضة . قال ابن قتيبة، ومكي: أي قد غضوا أبصارهم من الذل. قال أبو بكر السجستاني: لا يرتفع نظر عينيه، أي لا يرفع عينيه إنما ينظر ببعضها، أي يغضون أبصارهم استكانة وذلا. وقال ابن أبي زمنين، والسمعاني، وبيان الحق النيسابوري: يسارقون النظر. وزاد السمعاني: إلى النار. قال الإيجي الشافعي: مسارقة فإن الكاره لشيء، لا يقدر أن يفتح أجفانه عليه. وقيل: ينظرون بأنصاف عيونهم، ولا يفتحون أعينهم عليها خوفا منها. وقيل: ينظرون بقلوبهم؛ لأنهم يحشرون عميا، فالطرف الخفي هو رؤية القلب. قال الطبري: والصواب من القول في ذلك، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد، وهو أن معناه: أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل، وصفه الله جلّ ثناؤه بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم، حتى كادت أعينهم أن تغور؛ فتذهب. قوله {وقال الذين آمنوا}: أي يقولون يوم القيامة. قاله ابن كثير. قوله { إن الخاسرين}: أي الخسار الأكبر. قاله ابن كثير. قوله {الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة}: أي ذهب بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد ، وخسروا أنفسهم ، وفرق بينهم وبين أصحابهم وأحبابهم وأهاليهم وقراباتهم ، فخسروهم. قاله ابن كثير. قوله {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم}: دائم، أبدي. قال الجلال المحلي: من مقول الله تعالى. قال الإيجي: تصديق من الله تعالى، أو تتمة كلامهم. ______ المصدر: أنظر: باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، معاني القرآن للأخفش، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الطبري، القرطبي، تفسير ابن كثير، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير السمعاني، تفسير النسفي، تفسير الجلالين.
( وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) القصص: 82
- سيأتي تأويل هذه الآية، الكثيرة المعاني؛ بتوسع؛ عند تفسيرنا لسورة القصص ( إن شاء الله ).
فأسأله - تبارك وتعالى - البركة في العمر؛ لي ولكم ولعامة المسلمين؛ إنه سميع مجيب. قوله [وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس]: أي من قريب. قاله الجلال المحلي. قوله [يقولون ويكأن الله] ألم تر أن الله. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو بكر السجستاني، وابن الهائم. وحكاه ابن قتيبة في تأويل المشكل عن الكسائي. وقال ابن الأعرابي: معنى ويكأن الله: أعلم أن الله. وقال القتبي: معناها بلغة حمير رحمة. حكاه عنهما الشوكاني في فتح القدير. قوله [يبسط الرزق] يوسع. قوله [لمن يشاء من عباده ويقدر]: يضيق على من يشاء. قاله الجلال المحلي. قوله [لولا أن من الله علينا لخسف بنا]: بالبناء للفاعل والمفعول. قاله الجلال المحلي. قوله [ويكأنه لا يفلح الكافرون]: لنعمة الله كفارون. قاله الجلال المحلي. ____ المصدر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، فتح القدير للشوكاني، تفسير الجلالين.
( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ )): القمر قوله [بالنذر]: بالإنذار الذي جاءهم به صالح - عليه السلام-. قوله [فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه]: استفهام بمعنى: النفي. والمعنى أنتبع بشرا؛ وكيف نتبعه ونحن جماعة كثيرة، وهو واحد منا، وليس بمَلَكٍ أي لا نتبعه. ونحوه قوله تعالى ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ). قوله [إنا إذا]: إن اتبعناه. قوله [لفي ضلال]: لفي خطأ، وذهاب عن الصواب. قوله [وسعر]: جنون. قاله ابن قتيبة، ومكي، والجلال المحلي، وبه قال أبو بكر السجستاني. وحكاه القرطبي، والمظهري عن الفراء. قال الطاهر بن عاشور: و ( السعر ): الجنون. يقال بضم العين، وسكونها. قال الإيجي الشافعي: جنون، أو عذاب. قال السمعاني: يقال: ناقة مسعورة، أي: كالمجنونة من النشاط. قال الجرجاني: حيوان وناقة مسعورة إذا كان بها جنون. قال القرطبي: يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها . وقال يحيى بن سلام، ومقاتل بن سليمان: شقاء. ______ المصدر: أنظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير يحيى بن سلام، تفسير القرطبي، تفسير مقاتل بن سليمان، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير البغوي، تفسير السمعاني، تفسير الجلالين، التفسير المظهري لمحمد ثناء الله، جامع البيان للإيجي الشافعي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ) الرحمن 24 قوله ( الْجَوَارِ ): السفن الجارية الضخمة. ومنه قوله تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ . فِي الْبَحْرِ كالأعلام ): قال ابن قتيبة: يعني السفن. ومنه ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ): قال الراغب الأصفهاني: أي السفينة التي تجري في البحر، وجمعها: جوار. قوله ( الْمُنْشَآتُ ): المرفوعات الأشرعة. قاله الخضيري. وقال الجلال المحلي: الْمُحْدَثَات. وعن قتادة: المخلوقات للجري؛ مأخوذ من الإنشاء. قوله ( كَالْأَعْلَامِ ): كالجبال؛ عظما وارتفاعا. واحدها: عَلَم. ومنه قولهم ( فلانٌ أشهر من نار على علم ): أي نار على جبل؛ وذلك أنهم كانوا يشعلون النار فوق الجبل لإرشاد التائه، والقرى ( استضافتهم )؛ فيعرف المسافر ليلا بوجود قوم في هذا المكان؛ فينزل عليهم؛ يضيفوه؛ وكان هذا من كرمهم. فالعلم هنا معناه: الجبل. وليس ما يتبادر يفهمه البعض. ___ المصدر : أنظر: غريب القرآن لابن قتيبة، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، السراج في بيان غريب القرآن للخضيري، تفسير الجلالين.
( عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) التحريم (5) قوله ( عَسَىٰ رَبُّه ): كل " عسى" في القرآن واجب؛ للتحقيق؛ إلا هذا؛ فإنهن - رضي الله عنهن - لم يطلقن، وهن أزواج النبي - ﷺ - في الدنيا والآخرة.
فمما ورد في معنى التحقيق، والوقوع قوله تعالى ( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ): يعني حق، وواجب؛ أي سيكون من المفلحين.
وقوله ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ): أي سيعطيك ربك مقاما محمودا؛ يعني: الشفاعة. وهذا للتحقيق؛ فالمقام المحمود " الشفاعة " يحمده الأولون والآخرون عليها؛ فهي كائنة يوم القيامة، ولا ريب؛ وفي الحديث: حلت له شفاعتي يوم القيامة. شطر من حديث رواه البخاري من حديث جابر بن عبدالله. وقوله ( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ): وقد تحقق ذلك؛ بإهلاك الله لفرعون وملائه. وكما قال ( وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ): وقد تحقق ذلك، وتاب الله عليهم؛ الثلاثة الذين تخلفوا عن غزاة تبوك. قوله ( قَانِتَاتٍ ): مطيعات. قوله ( سَائِحَاتٍ ): صائمات؛ بلغة هذيل. ذكره عبدالله بن حسنون السامري، والقاسم بن سلّام. وبه قال ابن عباس، والجمهور . حكاه ابن الجوزي. قال أبو حيان وابن الهائم : والسياحة في هذه الأمة الصوم. قال الفخر الرازي: وقيل للصائم: سائح لأن السائح لا زاد معه، فلا يزال ممسكا إلى أن يجد من يطعمه فشبه بالصائم الذي يمسك إلى أنيجيء وقت إفطاره. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ...): السَّائِحُونَ: الصائمون. قاله الراغب الأصفهاني، وابن قتيبة، والسيوطي، وغيرهم. وزاد ابن قتيبة: وأصل السائح: الذاهب في الأرض. ومنه يقال: ماء سائح وسيح: إذا جرى وذهب. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات. فشبه الصائم به. لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح. قال ابن حسنون السامري: يعني الصائمون بلغة هذيل. وقال زيد بن أسلم: مهاجرات. ____ المصدر: أنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، اللغات في القرآن لابن حسنون السامري، لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم البغدادي، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للفراء، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الألوسي، تفسير الجلالين، التفسير الكبير للفخر الرازي، تفسير الطبري، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
( وَاللَّيْلِ إِذَا أدَبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) المدثر قوله ( وَاللَّيْلِ إِذَا أدَبَرَ ): «أدَبَرَ» أي جاء بعد النهار، وولى، وذهبت ظلمته؛ بطلوع الفجر. كما تقول: خَلَفَه. يقال: دَبَرني فلان وخَلَفني؛ إذا جاء بعدي. ومنه قوله تعالى ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ): قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: صل له في إدبار النجوم، أي: حين تدبر، أي: تغيب بضوء الصبح. قال الفخر الرازي: والمشهور والظاهر أن المراد من إدبار النجوموقت الصبح حيث يدبر النجم ويخفى ويذهب ضياؤه بضوء الشمس. قال السمرقندي: وإنما أدبرت النجوم بعد ما أسفر. قوله ( وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ): «أَسْفَرَ»: أي ظهر، وأضاء، وتبين. من قولهم: امرأة سافر؛ إذا ألقت قناعها؛ فظهر وجهها، وتبين. قوله ( إِنَّهَا ): يعني: سقر؛ جهنم. قوله ( لَإِحْدَى الْكُبَر ): يعني: إن سقر لإحدى الدواهي، والبلايا، والأمور العظام. كأنه قال: أعظم الكبر إنذارا. والكبر جمع كبرى. _____ المصدر: أنظر: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، زاد المسير لابن الجوزي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير مقاتل، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، الكشف والبيان للثعلبي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، التفسير الكبير للفخر الرازي، تفسير الجلالين جمهرة اللغة للأزدي.
( وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)) القمر قوله {ولقد أنذرهم}: خوفهم لوط عقوبتنا. قاله السمرقندي. قوله {بطشتنا}: أي أنذر لوط قومه بطشة الله بهم، وهي عذابه الشديد وعقوبته البالغة. قاله صديق حين خان: قال البيضاوي، والنسفي: أخذتنا بالعذاب. وهو قول أبي حيان في البحر المحيط. وقال ابن جزي الغرناطي: البطش الأخذ بقوة وسرعة. قال السمين الحلبي في العمدة: أي عقوبتنا السريعة. وقال مقاتل: إذا غضب بطش، وإذا بطش أهلك. قال السمعاني: البطش هو الأخذ بعنف وشدة. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}: قال الإيجي الشافعي: أخذه بالعنف لأعدائه. قال البيضاوي: إن بطش ربك لشديد مضاعف عنفه؛ فإن البطش أخذ بعنف. قال النسفي: البطش الأخذ بالعنف فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم والمراد أخذه الظلمة والجبابرة بالعذاب والانتقام. قال ابن أبي زمنين: عقوبة ربك. قال مكي في الهداية: أي: إن أخذ ربك يا محمد من أخذ من أعدائه وانتقامه منهم لتشديد. وقال الواحدي في الوجيز: أخذه بالعذاب {لشديد}. قال البقاعي: أي أخذ المحسن إليك المدبر لأمرك أعداء الدين بالعنف والسطوة وغاية الشدة {لشديد} أي شدة يزيد عنفها على ما في البطش من العنف المشروط في تسميته، فهو عنف مضاعف. قوله {فتماروا}: أي شكوا برسالة الرسل. قاله السمعاني. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً): «مِرْيَة» ٍ قال الزجاج، والنحاس: أي في شك مِنه. "بغتة" أي فجأة. قلت: ووجه كلام السمعاني: " شكوا برسالة الرسل". أن من كذب برسول واحد فقد كذب بجميع الرسل؛ دليله ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ). ومعلوم أن نوحا أول الرسل؛ فمن كذّب بأولهم فقد كذّب بآخرهم؛ كما أن من كذب بآخرهم كذب بأولهم؛ والحاصل: أن من كفر بواحد بكفر بالجميع؛ قال الله ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ). ونحوها في التنزيل كثير. انتهى قوله {بالنذر}: بإنذاره. قاله الجلال المحلي. أي: شكوا في الانذار. قاله ابن قتيبة، ومكي، وابن الهائم، وصديق حسن خان. وزاد صديق خان: ولم يصدقوه، وهو تفاعلوا من المرية وهي الشك، أو تجادلوا وكذبوا بإنذاره. وقال الفراء: كذبوا بما قال لهم. قال البغوي: شكوا بالإنذار وكذبوا ولم يصدقوا . وقال الجلال المحلي: تجادلوا وكذبوا. قال ابن أبي زمنين: كذبوا بما قال لهم لوط. قال البيضاوي: فكذبوا بالنذر متشاكين. قال السمرقندي: يعني: شكوا بالرسل، فكذبوا، يعني: لوط. ويقال: معناه شكوا بالعذاب الذي أخبرهم به الرسل أنه نازل بهم. قال مقاتل بن سليمان: يقول شكوا في العذاب بأنه غير نازل بهم الدنيا.
وعن قتادة: «لم يصدقوه».
رواه عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره. قال السمرقندي: يعني: شكوا بالرسل، فكذبوا، يعني: لوط. ويقال: معناه شكوا بالعذاب الذي أخبرهم به الرسل أنه نازل بهم. قوله {بالنذر}: بإنذاره. قاله الجلال المحلي. قوله {ولقد راودوه عن ضيفه}: أرادوا فعل الفاحشة بأضياف لوط - عليه السلام -. قال البيضاوي: قصدوا الفجور بهم. قال صديق حسن خان: أي أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الملائكة، ليفجروا بهم، كما هو دأبهم، يقال: راودته عن كذا مراودة، ورواداً أي: أردته، وراد الكلام يروده رواداً أي: طلبه المرة بعد المرة، فالمعنى طلبوه المرة بعد المرة أن يخلي بينهم وبينهم. قال النسفي: طلبوا الفاحشة من أضيافه. قال الثعلبي: طالبوه وسألوه أن يخلي بينهم وبينهم. قال السمعاني: أي: طلبوا من لوط أن يسلم إليهم أضيافه. قال الواحدي في البسيط: ومعنى المراودة في اللغة: المطالبة بأمر للعمل به. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ ): قال نجم الدين النيسابوري: طلبته بهوى وميل من الإرادة. قال ابن الهائم: أي طلبته أن يواقعها. قال الزجاج: المعنى أنها راودته عما أرادته مما يريد النساء من الرجال. قالت كاملة الكواري: أصل المراودة: الإرادة والطلب برفق ولين، والمعنى أن امرأة العزيز طلبت من يوسف الفعل القبيح، ودعته إلى نفسها ليواقعها. قوله {فطمسنا أعينهم}: قال القصاب: دليل على أن قوم لوط عموا قبل أن يخسف بهم. قلت ( عبدالرحيم ): ومعنى قوله تعالى ( فطمسنا أعينهم ): أي محونا، وأذهبنا أبصارهم؛ بأن جعلها بلا شق؛ كباقي الوجه؛ فمن أين لهم الصر، وقد ذهبت أعينهم؟. فلا يقدر على ذلك إلا الله ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ): قادر أن يذهب بها، ومن قدر على ذهابها؛ هو وحده القادر على ردها. قال البيضاوي: فمسحناها وسويناها بسائر الوجه. قال الإيجي الشافعي: صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شق. قال الواحدي في الوجيز: أعميناها وصيّرناها كسائر. قال أبو حيان: محونا. والمطموس: الذي ليس بين جفنيه شق. قال الجلال المحلي: أعميناها وجعلناها بلا شق كباقي الوجه. قال صديق حسن خان: الطموس الدرس والانمحاء. قال السمرقندي: يعني: أذهبنا أعينهم، وأبصارهم. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ): قال الفراء: أي ذهب ضوؤها. ومنه قوله تعالى ؛ على لسان موسى ( رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ): "اطْمِسْ " قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أي أذهب أموالهم، ويقال: طمست عينه وذهبت، وطمست الريح على الديار. قال أبو بكر السجستاني: اطمس: أي امح، أي أذهبه. ومنه ( وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ): لَطَمَسْنَا" قال الألوسي: لو نشاء لأذهبنا أحداقهم وأبصارهم. وقال الواحدي في الوسيط: أذهبنا أعينهم وجعلناها بحيث لا يبدو لها شق ولا جفن، يهددهم الله بهذا. (نكتة): قوله تعالى ( فطمسنا أعينهم ): أي سواها بسائر الوجه؛ فذهبت أبصارهم؛ فأصابهم العمى ولا ريب. يذكرك ها بأمرين: الأول : ما أخبر الله به عن عيسى عليه السلام أنه كان يبرئ الأكمه كما قال (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي )؛ لأن الأكمه: الذي ولد أعمى؛ فعيناه غير مفتوحتين؛ فمن أين له الابصار؟. وهذا عين الاعجاز لعيسى عليه السلام. الثاني: ما رواه ابن ماجة القزويني ؛ من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن علي أن النبي ﷺ كان إذا سجد قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت أنت ربي سجد وجهي للذي شق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين. صححه الألباني (صحيح وضعيف سنن ابن ماجة- 1054 ). فالشاهد قوله ( شق سمعه وبصره ): أي لولا أن مَنّ علي؛ فشق بصري؛ أي: فتحه؛ لما أبصرت. وإن الذي شقه قادر أن يطمسه؛ يمحوه، ويذهب به؛ لذا قال الله؛ مهددا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ). فاتقوا الله عباد الله؛ في السمع والبصر. انتهى قوله {فذوقوا}: فقلنا لهم ذوقوا. قاله الجلال المحلي. قال النسفي: فقلت لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة. وهو قول أبي حيان في البحر، والإيجي في الجامع. قوله {عذابي ونذر}: أي ما كنتم به تكذبون، وتمترون. قال الجلال المحلي: إنذاري وتخويفي؛ أي ثمرته وفائدته. ____ المصدر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، تفسير السمعاني، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، تفسير البيضاوي، تفسير النسفي، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تفسير مقاتل بن سليمان، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير ابن أبي زمنين، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، الكشف والبيان للثعلبي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير السمرقندي، تفسير الجلالين، النكت للقصاب، تفسير البغوي، تفسير عبدالرزاق الصنعاني، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ): يوسف: (85) قوله ( تَفْتَأُ ): أصله لا تَفْتَأُ. وإنما حذفت "لا" لظهور معناها؛ وإن كانت مضمرة. ونظيرتها قوله تعالى ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ): والمضمر: وسرابيل تقيكم البرد. قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: و " لا " مضمرة. انتهى كلامه. ومعنى " تَفْتَأُ ": تزال. قاله الحوفي في البرهان في علوم القرآن ( غير البرهان للزركشي )، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم. زاد الحوفي: يقال فتئ يفتأ فتأ وفتوءا. كما قال: فما فتئت حتى كأن غبارها ... سرادق يوم ذي رياح ترفع. أي: فما زالت. أي: فما زالت، والمعنى لا يزال. انتهى كلامه والحاصل أن معنى قوله تعالى ( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف ): أي لا تزال تذكر يوسف. قاله الفراء في معاني القرآن، والزجاج، وابن قتيبة في غريب القرآن، وبه قال أبو بكر السجستاني في الغريب، والطبري، والحوفي في البرهان في علوم القرآن، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم. وحكاه نافع ابن الأزرق في مسائله عن ابن عباس. قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: تفتأ تذكر يوسف: أي لا تزال تذكر يوسف. وجواب القسم (لا) المضمرة التي تأويلها تالله لا تفتأ تذكر يوسف. انتهى وعن ابن عباس: «لا تفتر من حبه». رواه عنه الطبري. قال أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة: أي لا تزال تذكر يوسف ولا تنسى ذكره؛ حتى تسلو؛ من حزنه، كأنهم دَعَوْه إلى السلو من حزنه؛ لأنه بالذكر يتجدد الحزن ويحدث، فقالوا له: لا تزال تذكر يوسف. قوله ( حَرَضًا ): تشرف على الهلاك. قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن. قال قتادة: حتى تكون هرما. رواه عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره. قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: الذي قد أذابه الحزن والعشق. قال الحوفي: وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل، من الحزن أو من العشق. قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والحرض الفاسد في جسمه، أي حتى تكون مدنفا مريضا. والحرض الفاسد في أخلاقه، وقولهم: حرضت فلانا على فلان، تأويله أفسدته عليه. قال السمعاني في تفسيره: قال ثعلب - أحمد بن يحيى - الحرض: كل شيء لا ينتفع به، قال مجاهد: الحرض ما دون الموت، وقال الفراء: الحرض هو الذي فسد جسمه وعقله، وقال أبو عبيدة: الحرض هو الذي أذابه الحزن. وقيل: هو المدنف البال، والأقوال متقاربة. قوله ( مِنَ الْهَالِكِينَ ): يعني: الموتى. قاله ابن قتيبة في غريب القرآن. قال الحوفي في البرهان: أي: ممن هلك بالموت. قال السمعاني، ومقاتل بن سليمان: أي من الميتين. إلا أن مقاتلا قال: يعنى الميتين. قلت ( عبدالرحيم ): ومن معاني الهلاك في التنزيل الموت، والذهاب؛ وسيأتي مفصلا بتمامه عند تفسيرنا لسورة يوسف ( إن شاء الله ). فمن معانيه " الموت" كما في قوله ( إن امرؤ هلك ليس له ولد ): يعني مات. قاله السمرقندي في بحر العلوم، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، وغيرهم جمع. ومن معانيه " الذهاب " كما في قوله تعالى (هلك عني سلطانيه): قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي زال عني ملكي وقدرتي. قال الثعلبي في الكشف والبيان: ذهبت عني حجتي عن أكثر المفسرين. وسيأتي مزيد بحث ( إن شاء الله ).
( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) ) النازعات هذه الآيات على وجازتها فقد حوت علما (بل علوما دينية، ودنيوية) كثيرا طيبا مباركا فيه؛ فلا يسمع عاقل إلا أن يقول: إنه من عند الله. لكن ( فويل للذين كفروا من النار ). قوله ( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ): سؤال يراد به التقرير؛ أي أن الحال، والواقع هي أشد منكم. ونظيرتها قوله تعالى (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا): يعني خلقنا أشد منهم. قال ابن كثير في تفسيره: يعني بل السماء أشد خلقا منكم. قال البغوي في تفسيره: يعني أخلقكم بعد الموت أشد عندكم وفي تقديركم أم السماء ؟ وهما في قدرة الله واحد ، كقوله " لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ". قوله ( بَنَاهَا ): فسره - تبارك وتعالى - بما بعده. قوله ( رَفَعَ ): أعلى. قاله النسفي في مدارك التنزيل. قوله ( سَمْكَهَا ): سقفها. قاله أبو الليث السمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره، والنسفي في المدارك، والواحدي في الوجيز. زاد السمرقندي: بغير عمد. وقال السيوطي في الإتقان في علوم: بناءها. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعنى طولها. قال ابن كثير في تفسيره: أي جعلها عالية البناء. قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: السمك: غلظ السماء وهو الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها. وبه قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط. قال الجلال المحلي في تفسير الجلالين: تفسير لكيفية البناء أي جعل سمتها في جهة العلو رفيعا وقيل سمكها سقفها. قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي أعلاه في الهواء، وهذا بيان للبناء، أو جعل مقدار ذهابها وارتفاعها في سمت العلو رفيعا مسيرة خمسمائة عام، يقال سمكت الشيء أي رفعته في الهواء وسمك الشيء سموكا ارتفع قال الفراء كل شيء حمل شيئا من البناء أو غيره فهو سمك، وبناء مسموك وسنام سامك أي عال والسموكات السموات. قوله ( فَسَوَّاها ): فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور. قاله النسفي في المدارك. قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي أتقن خلقتها. وقال مقاتل بن سليمان: ليس فيها خلل. قال الجلال المحلي: جعلها مستوية بلا عيب. قال السمرقندي في البحر: يعني: سوى خلقها ويقال: خلقها مستوية، بلا صدع ولا شق. قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي جعلها مستوية لا شيء منها أرفع من شيء ولا شيء منها أخفض من شيء. قال أبو حيان في البحر: فسواها: أي جعلها ملساء مستوية، ليس فيها مرتفع ولا منخفض، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث إنها محكمة الصنعة. قال صديق حسن خان: جعلها مستوية الخلق معتدلة الشكل لا تفاوت فيها ولا اعوجاج ولا فطور، ولا فروج ولا شقوق. قوله ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ): وَأَغْطَشَ: أي وأظلم. قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والغطاش: ظلمة الليل واختلاطه. ليل اغطش. وقد اغطش، واغطشه الله. وفلاة غطشاء، وغطيش: لا يهتدي فيها لطريق. انتهى كلامه. فمعنى قوله تعالى ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ): أظلم ليلها. قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي بن حموش في الهداية إلى بلوغ النهاية، والسمعاني في تفسيره، وأبو حيان في البحر المحيط. زاد مكي: أي ليل السماء. فأضاف الليل إلى السماء، لأنه [يأتي بغروب] الشمس ويذهب بطلوعها، والشمس في السماء. كما قيل: نجوم الليل. فأضاف النجوم إلى الليل إذ كان فيه طلوعها وغروبها. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ونسب الليل والضحى إليها من حيث هما ظاهران منها وفيها. وقال الراغب في المفردات في غريب القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي جعله مظلماً. زاد ابن جزي: يقال: غطش الليل إذا أظلم. قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي بغياب شمسها فأخفى ضياءها بامتداد ظل الأرض على كل ما كانت الشمس ظهرت عليه. قوله ( وَأَخْرَجَ ): وحده من يقدر على ذلك؛ إذ لوشاء ظل ليلا بهيما إلى قيام الساعة؛ مصداقا لقوله ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ). فما كان من أكثر الخلق إلا الكفر، والإعراض، والتكذيب. ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ). ومعنى" أخرج ":أبرز. قاله البغوي وغيره. وأصل الإِخراج النقل من مكان حاوٍ واستعير للإِظهار استعارة شائعة. قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير. قوله ( ضُحاها): ضوءها بالنهار. قاله معمر بن المثنى في مجاز القرآن. قال ابن كثير في تفسيره: أي أنار نهارها . وقال جار الله الزمخشري في الكشاف، والنسفي في المدارك، وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: أبرز ضوء شمسها. زاد الزمخشري: يدل عليه قوله تعالى {والشمس وضحاها} يريد وضوئها.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والواحدي في الوجيز: أظهر نورها بالشمس.
وقال ابن أبي زمنين: شمسها ونورها. قال مقاتل بن سليمان: يعني وأبرز. يقول: وأخرج شمسها. قال السمعاني: أي أبرز نهارها. قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أضاف الليل والنهار إلى السماء، لأنهما يحدثان بحركتها. قال أبو السعود في تفسيره: أي أبرز نهارها عبر عنه بالضحى لأنه أشرف أوقاته وأطيبها فكان أحق بالذكر في مقام الامتنان وهو السر في تأخير ذكره عن ذكر الليل وفي التعبير عن إحداثه بالاخراج فإن إضافة النور بعد الظلمة أتم في الإنعام. قال ابن كثير: أي جعل ليلها مظلما أسود حالكا ، ونهارها مضيئا مشرقا نيرا واضحا. قوله ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ ): أي المذكور كله. قاله البقاعي في النظم. قال في البحر المحيط، وصديق خان في فتح البيان: بعد خلق السماء. زاد أبو حيان: وما فعل فيها. قوله ( دَحاها ): الدحو: البسط. ويقال للفرس إذا رمى بيديه رميا، لا يرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيرا: مر يدحو دحوا. والدحو نظير الطحو، أو شبهه؛ وهو البسط أيضا. ومنه قوله تعالى مقسما بها، وبذاته - جل شأنه - ( وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ):أي بسطها. قاله القصاب في النكت، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم جمع. زاد ابن قتيبة: يقال: حي طاح؛ أي كثير متسع. وزاد أبو بكر السجستاني: طحاها: فوسعها. زاد ابن الهائم: ووسعها. زاد الألوسي: من كل جانب ووطأها كدحاها.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: ومن بناها بسطها يمينا وشمالا ومن كل جانب.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: الطحو: الدحو، وهو البسط. قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الطاء والحاء والحرف المعتل أصل صحيح يدل على البسط والمد. من ذلك الطحو وهو كالدحو، وهو البسط. قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: طحو: الطحو: شبه الدحو، وهو البسط [وفيه لغتان: طحا يطحو وطحى يطحى]. قال ابن فارس في مجمل اللغة: ويقال للفرس إذا رمى بيديه رميا، لا يرفع شنبكه عن الأرض كثيرا: مر يدحو دحوا. قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الطحو: كالدحو، وهو بسط الشيء والذهاب به. فالحاصل: أن معنى قوله تعالى ( دَحاها ): بسطها. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن جزي الغرناطي في التسهيل، وأبو حيان في البحر، والبقاعي في نظم الدرر. زاد ابن أبي زمنين: بعد خلق السماء. وزاد النسفي: وكانت مخلوقة غير مدحوة...
وزاد السمعاني: قال أمية بن أبي الصلت:
(وبث الخلق فيها إذ دحاها ... فهم قطانها حتى التنادي). زاد البقاعي: ومدها للسكنى وبقية المنافع بعد أن كان خلقها وأوجدها قبل إيجاد السماء غير مسواة بالفعل ولا مدحوة. قال مكي في الهداية: والدحو في كلام العرب. البسط والمد. قال ابن عطية في المحرر: وقوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) متوجه على أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها وبناها، ثم دحا الأرض بعد ذلك. قال صديق حسن خان: بسطها يقال دحا يدحو دحوا ودحى يدحي دحيا أي بسط ومد فهو من ذوات الواو والياء فيكتب بالألف والياء ويقال لعش المنعامة أدحى لأنه مبسوط على الأرض.
﴿قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها (9) وَقَد خابَ مَن دَسّاها (10)﴾: الشمس. قوله ( قَد ): للتحقيق. أي: تحقق، وحصل، وقضي الأمر به. وهذا بعد أن أقسم الله أحد عشر قسما في الآيات التي سبقت. ونظير ذلك في التنزيل كثير جدا؛ من ذلك قوله تعالى ( قدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ): قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: و (قد) للتحقيق، والتسلل: الخروج من البين في خفية. يقال: تسلل فلان من بين أصحابه، إذا خرج من بينهم. وقوله ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ): يعني نرى. قال الخطيب الشربيني في السراج المنير، وابن كثير في تفسيره، وغيرهما: قَدْ: للتحقيق. وقوله ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ ): يعني نعلم. قال الجلال المحلي في الجلالين: وَلَقَدْ: للتحقيق. وقوله ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ): يعني يعلم ما أنتم عليه. قال الشنقيطي في أضواء البيان: ولفظة قد في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: قد يعلم ما أنتم عليه للتحقيق. وقوله ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ): يعني نعلم. قال السيوطي في الجلالين، وغيره: للتحقيق. وقوله ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ): ولقد للتحقيق. يضيق صدرك أي ينقبض حسرة وحزنا. قاله الزحيلي في التفسير المنير. قوله ( أَفلَحَ ): فاز، وظفر. قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي ظفر من طهّر نفسه بالعمل الصالح. قال القرطبي في تفسيره: فاز. قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والخطيب الشربيني في السراج المنير: أي ظفر بجميع المرادات. زاد الخطيب: والأصل: لقد وإنما حذفت لطول الكلام. قال أبوالسعود في تفسيره: أي فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنماها وأعلاها بالتقوى. قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي قد فاز من زكى نفسه وأنماها وأعلاها بالتقوى بكل مطلوب وظفر بكل محبوب. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى على لسان فرعون ( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) أي: فاز من غلب. قاله جار الله الزمخشري في الكشاف، والبغوي في تفسيره، والثعلبي في الكشف والبيان، والفخر الرازي في التفسير الكبير، والخازن في اللباب.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: قد فاز ونجا اليوم من استعلى أي: من علا بالغلبة.
قال الخطيب الشربيني في السراج المنير، وأبو السعود في تفسيره: أي فاز بالمطلوب من غلب. إلا أن أبا السعود: قال أي قد ... ومنه (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ): قال ابن عباس: قد فاز المؤمنون وسعدوا يوم القيامة. حكاه نافع ابن الأزرق في مسائله لابن عباس. قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي فاز وظفر الآن بكل ما يريد، ونال البقاء الدائم في الخير. قال النسفي في مدارك التنزيل: الفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب. قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: فازوا بما طلبوا ونجوا عما هربوا. قال السمرقندي في بحر العلوم: أي سعد وفاز ونجا المصدقون بإيمانهم. قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: ظفروا بالمراد وفازوا بأمانيهم. قال البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل: قد فازوا بأمانيهم وقد تثبت المتوقع. قال ابن كثير في تفسيره: أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف. قال أبو السعود في تفسيره: فالمعنى قد فازوا بكل خير ونجوا من كل ضير حسبما كان ذلك متوقعا من حالهم. ومنه ( أولئك هم المفلحون ): قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي الظافرون بما طلبوا، الباقون في الجنة. قوله ( مَن زَكّاها ): أي من زكى نفسه بعمل [البر] ، واصطناع المعروف. قاله ابن قتيبة في غريب القرآن. وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: يريد أفلح من زكى نفسه، أي: أنماها وأعلاها بالطاعة والبر والصدقة واصطناع المعروف. وأصل التزكية: الزيادة، ومنه يقال: زكا الزرع يزكوا: إذا كثر ريعه، وزكت النفقة: إذا بورك فيها، ومنه زكاة الرجل عن ماله، لأنها تثمر ماله وتنميه. وتزكية القاضي للشاهد منه، لأنه يرفعه بالتعديل والذكر الجميل. قوله ( وَقَد خابَ ): خسر. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: خسر من أغفلها وأغواها، وخذلها وأضلها. قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: وقد خسر النجاء والفوز من دسى نفسه بالعمل الخبيث والكفر، فوضع منها وأوردها غضب الله. قال الشوكاني في فتح القدير: أي خسر من أضلها وأغواها. قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ): وَخَابَ: أي خسر. قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في البحر، والجلال المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن، وغيرهم. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله. قال السمرقندي في بحر العلوم: يقول: خسر عند الدعاء كل متكبر عن الإيمان، معرض عن التوحيد. ومنه ( قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ): خَابَ: يعني: خسر. قاله السمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير، و الإيجي الشافعي في جامع البيان، والسمرقندي في البحر، و الواحدي في الوجيز، مقاتل بن سليمان في تفسيره، وغيرهم. زاد السمعاني، والقرطبي، والشوكاني: وهلك. وزاد الواحدي: من ادعى مع الله إلها آخر. زاد السمرقندي: يعني: اختلق على الله كذبا. ومنه ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ): وَقَدْ خَابَ: وقد خسر. قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والقرطبي في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في البحر، ومكي في الهداية، والواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين. زاد البقاعي: خسارة ظاهرة. زاد مقاتل: من حمل شركا يوم القيامة على ظهره. زاد الواحدي: من أشرك بالله. وزاد السمرقندي: من حمل ظلما، يعني: شركا. زاد مكي: من حمل يوم القيامة شركا بالله. قوله ( دَسّاها ): أخفاها. قاله القصاب في النكت، وابن عطية في المحرر الوجيز، وأبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة. زاد الماتريدي: وأخملها. قال الزمخشري في الكشاف: والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور. وأصل دسى: دسس، كما قيل في تقضض: تقضى. قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي دس نفسه- أي أخفاها- بالفجور والمعصية. قال الواحدي في الوجيز: ومعنى دساها: أخفى محلها ووضع منها وأحملها وخذلها. قال الجلال المحلي: أخفاها بالمعصية. قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: والأصل دسسها بمعنى أحملها وأخفاها عن حظها الوافر. قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( وَقَد خابَ مَن دَسّاها ): أي خسرت نفس من أخفاها؛ أي: أثقلها بالذنوب والمعاصي. لأن الدس: الإخفاء؛ فهذا دسها ولم يظهرها بشرف الإيمان والطاعة. لذا تجد العاصي ذليل مهين خفي. وقال أيضا - ابن قتيبة - في تأويل مشكل القرآن: أي نقصها وأخفاها؛ بترك عمل البر، وبركوب المعاصي. والفاجر أبدا خفي المكان، زمر المروءة، غامض الشخص، ناكس الرأس. وقال الشوكاني في فتح القدير: فمعنى دساها في الآية: أخفاها وأهملها ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح، وكانت أجواد العرب تنزل الأمكنة المرتفعة ليشتهر مكانها فيقصدها الضيوف، وكانت لئام العرب تنزل الهضاب والأمكنة المنخفضة ليخفى مكانها عن الوافدين. انتهى كلامه. فمعنى قوله ( دساها ): أي أخفاها. ومنه قوله تعالى ( يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ): يَدُسُّهُ: يخفيه.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان، وصديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، والثعلبي في الكشف والبيان، والواحدي في كتابيه ( البسيط، والوجيز )، والبغوي في تفسيره، والبيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وأبو السعود في تفسيره.
وزاد الثعلبي: في التراب فيقتله. وزاد الواحدي في البسيط: والدس: إخفاء الشيء. وزاد البغوي، والبيضاوي: فيه فيئده. وزاد صديق خان: فيه بالوأد كما كانت تفعله العرب، والدس إخفاء الشيء في الشيء فلا يزال الذي بشر بحدوث الأنثى متردداً بين هذين الأمرين.
{ وَكَأْسًا دِهَاقًا} النبأ: 34 قوله ( وَكَأْسًا ): الكأس كل إناء فيه شراب فهو كاس، فإذا لم يكن فيه شراب. فليس بكأس. قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن. قوله ( دِهَاقًا ): ممتلئا، مكتظا؛ متتابعا غير منقطع لا ينفد، ولا تشوبه شائبة؛ بخلاف ما عهده الشُّرابُ في الدنيا. فقد لا يملئ لهم الكأس بتمامه، أو لا يتتابع لهم الشراب، أو ينقطع شرابهم لكونه نفد، أو لا يقدر على شرب المزيد؛ إما لمطلق الزيادة، أو قبح الشراب. قال عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: يعني ملأى بلغة هذيل. وهو قول ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وأبي عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي ملأى. وبه قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن. وهو قول الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز. سوى أنهم قالوا: ممتلئة. وقال التستري في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: أي مملوءة. وزاد التستري: متتابعة. قال الألوسي في روح المعاني: يقال: دهق فلان الحوض وأدهقه أي: ملأه. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «الدهاق» : المترعة(1) فيما قال الجمهور. قال مكي: ملأى من الخمر مترعة. وقال ابن عباس: دِهَاقًا: قال: الكأس: الخمر. والدهاق: الملآن. حكاه نافع بن الأزرق في مسائله. و روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عباس: "وكأسا دهاقا" قال: ممتلئا. قال الزجاج في معانيه: ومعنى دهاقا مليء، وجاء في التفسير أيضا أنها صافية. قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والمراد بالكأس الخمر، قال الضحاك: كل كأس في القرآن فهو خمر، التقدير. وخمرا ذات دهاق، أي عصرت وصفيت بالدهاق. المعنى الإجمالي للآية: يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء، وأصله من الدهق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء. قاله أبو جعفر الطبري. ..............
(1): قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: [ترع] حوضٌ تَرَعٌ بالتحريك، وكوزٌ ترع، أي ممتلئ. وقد ترع الإناء بالكسر، يَتْرَعٌ تَرَعاً، أي امتلأ. وأَتْرَعْتُهُ أنا، وجَفْنَةٌ مُتْرَعَةٌ. قال ابن فارس في مجمل اللغة: وأترعتُ الإناء: ملأته، وجفنة مترعة. قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وأدهَق الكأس: ملأها. وفي المعجم الوسيط: (الدهاق) يُقَال كأس دهاق مترعة ممتلئة ومتتابعة على شاربيها وصافية وَمَاء دهاق كثير.