انتقل إلى المحتوى

مستخدم:Obayd/صفحة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الغرانيق


تاريخ

[عدل]

من كتاب الأصنام للكلبي

وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول: واللاتِ والعزَّى ومناةَ الثالثةِ الأخرى! فإنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى! كانوا يقولون: بنات الله (عز وجل عن ذلك) وهن يشفعن إليه.

فلما بعث الله رسوله أنزل عليه: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}.

الحديث الصحيح في البخاري

[عدل]

وليس فيه ذكر للغرانيق: صحيح البخاري/كتاب تفسير القرآن: باب: {فاسجدوا لله واعبدوا}

4581 - حدثنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

سجد النبي بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس.

تابعه ابن طهمان، عن أيوب، ولم يذكر ابن علية ابن عباس.

4582 - حدثنا نصر بن علي: أخبرني أبو أحمد: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله رضي الله عنه قال:

أول سورة أنزلت فيها سجدة {والنجم} قال: فسجد رسول الله وسجد من خلفه إلا رجلا، رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا، وهو أمية بن خلف.

قال ابن تيمية في إقامة الدليل:

والمشركون ما كانوا ينكرون عبادة الله وتعظيمه، ولكن كانوا يعبدون معه آلهة أخرى، كما أخبر الله عنهم بذلك، فكان هذا السجود من عبادتهم له

سبب سجود المشركين مع النبي

[عدل]

قال الآلوسي في تفسيره روح المعاني:

"وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، وإلا لما سجدوا، لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: "وأنه أهلك عادا الأولى (50) وثمود فما أبقى (51) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هو أظلم وأطغى (52) والمؤتفكة أهوى (53) فغشّاها ما غشّا (54)" إلى آخر الآيات [النجم]. فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، ولعلهم لم يسمعوا قب ذلك مثلها منه ، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان، كافٍ في دفع ما توهَّموه، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه ، فقد نزلت سورة (حم السجده) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس. ذكره السيوطي في أول "الإتقان" فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: "فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود (13)" [فصّلت]! أمسك على فم رسول الله ، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال: "كيف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب" وقد أخرج ذلك البيهقي في "الدلائل" وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

ويمكن أن يقال على بعد: إن سجودهم كان لاستشعار مدح آلهتهم، ولايلزم منه ثبوت ذلك الخبر، لجواز أن يكون ذلك الاستشعار من قوله تعالى: "أفرأيتم اللات والعزّى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)" [النجم]، بناء على أن المفعول محذوف وقدّروه حسبما يشتهون، أو على أن المفعول: (ألكم الذكر وله الأنثى (21)" [النجم]. وتوهّموا أن مصب الإنكار فيه كون المذكورات إناثا، والحب لشيء يعمي ويُصمّ، وليس هذا بأبعد من حملهم "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" على المدح حتى سجدوا لذلك آخر السورة، مع وقوعه بين ذمين المانع من حمله على المدح في البين كما لا يخفى على من سلمت عين قلبه من الغين".

روايات الغرانيق

[عدل]

الدر المنثور/سورة الحج

رأي محمد رضا

[عدل]

رأي محمد رشيد رضا في سيدنا محمد :

شفاعة الغرانيق افتراء الزنادقة على رسول الله

[عدل]

روى بعض المؤرخين ونقل عنهم المفسرون أن رسول الله لما رأى من قومه كفَّا عنه، جلس خاليا وتمنى فقال: ليته لا ينزل عليّ شيء ينفرهم عني وقارب رسول الله قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يوما مجلسا في ناد من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (النجم: 1)، حتى بلغ: {أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى} (النجم: 19، 20) ألقى الشيطان كلمتين على لسانه: «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى» فتكلم رسول الله بها ثم مضى فقرأ السورة كلها وسجد وسجد القوم جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود، ويقال: إن أبا أحيحة سعيد ابن العاص أخذ ترابا ورفعه إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرا فبعض الناس يقول: إنما الذي رفع التراب الوليد وبعضهم يقول: أحيحة، وبعضهم يقول كلاهما فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول الله وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده وأما إذا جعلت لها نصيبا فنحن معك، فكبر ذلك على رسول الله من قولهم حتى جلس في البيت، فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض عليه السورة. فقال جبريل: ما جئتك بهاتين الكلمتين، فقال رسول الله «قلتُ على الله ما لم يقل» فأوحى الله إليه: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذا لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا إِذًا لأَذَقْنَكَ ضِعْفَ الْحَيَوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} إلى قوله: {إِلاَّ فِى كِتَبٍ مُّبِينٍ} (الإسراء: 73 - 75).

نقل هذه الرواية ابن سعد في «طبقاته» عن عبد الله بن حنطب، وقد قال الترمذي: إن عبد الله ابن حنطب لم يدرك النبي أخرجه الثلاثة، أما الآية التي قيل: إنها نزلت بسبب أن رسول الله قد قال على الله ما لم يقل بذكره شفاعة الغرانيق وهي: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} (الإسراء: 73) الآية، فلم تنزل بهذه المناسبة، فقد قال ابن عباس في رواية عطاء، نزلت هذه الآية في وفد ثقيف أتوا رسول الله فسألوه شططا وقالوا: متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة من شجرها وطيرها ووحشها فأبى رسول الله ولم يجبهم فكرروا ذلك الالتماس وقالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله عنهم وداخلهم الطمع فصاح عليهم عمر وقال: أما ترون رسول الله قد أمسك عن الكلام كراهية لما تذكرونه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى صاحب «الكشاف» أنهم جاءوا بكاتبهم فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله إلى ثقيف لا يعشرون ولا يحشرون، ولا يجبون، فسكت رسول الله ثم قالوا للكاتب: اكتب ولا يجبون، والكاتب ينظر إلى رسول الله فقام عمر بن الخطاب وسلّ سيفه وقال: أسعرتم قلب نبينا يا معشر قريش، أسعر الله قلوبكم نارا، فقالوا: لسنا نكلمك إنما نكلم محمدا، فنزلت هذه الآية، وهذه القصة إنما وقعت بالمدينة فلهذا السبب قالوا: إن هذه الآية مدنية.

وذكر الطبري مسألة شفاعة الغرانيق فقال: حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد المدني، عن محمد بن كعب القرظي، ثم سرد رواية محمد بن كعب القرظي بما يقارب رواية عبد الله بن حنطب التي نقلناها عن طبقات ابن سعد إلا أنه قال: فأنزل الله عز وجل: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءايَتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحج: 52) فأذهب الله عز وجل عن نبيّه الحزن وآمنه من الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم إنها الغرانيق العلا وإن شفاعتهن ترتجى بقول الله عز وجل حين ذكرت اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى تِلْكَ إِذا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَآء سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَنٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الاْنفُسُ وَلَقَدْ جَآءهُم مّن رَّبّهِمُ الْهُدَى أَمْ لِلإنسَنِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الاْخِرَةُ والاْولَى وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى السَّمَوتِ لاَ تُغْنِى شَفَعَتُهُمْ شَيْئا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآء وَيَرْضَى} إلى قوله: {لِمَن يَشَآء وَيَرْضَى} (النجم: 21 - 26) أي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده، الخ.

أما محمد بن كعب القرظي - منسوب إلى بني قريظة الطائفة المعروفة من اليهود - فهو تابعي توفي سنة ثمان ومائة، جاء في «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني ما يأتي:

«وما تقدم نقله عن قتيبة من أنه ولد في عهد النبي لا حقيقة له وإنما الذي ولد في عهده هو أبوه فقد ذكروا أنه من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلوا سبيله، حكى ذلك البخاري في ترجمة محمد، قال الفخر الرازي في «تفسيره»: الآية المتقدمة بعد أن ذكر قصة الغرانيق، هذه رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجوا عليه بالقرآن والسنّة والمعقول، أما القرآن فمن وجوه:

أحدها: قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (الحاقة: 44 - 46).

وثانيها: قوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَآء نَفْسِى إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ} (يونس: 15).

وثالثهما: قوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى} (النجم: 3، 4)، فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلا، وكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال، وذلك لا يقوله مسلم.

ورابعها: قوله تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذا لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا} (الإسراء: 73)، وكلمة كاد معناها قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل.

وخامسها: قوله: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا} (الإسراء: 74)، وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لوجود غيره فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل لوجود التثبيت.

وسادسها: قوله: {كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} (الفرقان: 32).

وسابعها: قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} (الأعلى: 6).

أما السنة فهي ما رُوي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة؛ وصنف فيه كتابا.

وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وأيضا فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن، وليس فيها حديث الغرانيق.

ورُوي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق، وأما المعقول فمن وجوه:

أحدها: أن من جوَّز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.

وثانيها: أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلا أو في أوقات خلوة وذلك يبطل قولهم.

وثالثها: أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجدا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم؟.

رابعا: قوله: {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءايَتِهِ} (الحج: 52) وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها فإذا أراد الله الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن بالقرآن فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى.

وخامسها: وهو أقوى الوجوه - أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطل قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: 67) فإنه لا فرق في العقل بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة وكل ما في الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها هنا لكنهم ما بلغوا حد التواتر وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة.

ثم ذكر الفخر الرازي تفصيلات أخرى فلتراجع، وإنا نعتقد أن هذه القصة باطلة ومدسوسة ومن وضع الزنادقة الذين يريدون بالإسلام سوءا ومع هذا فليس من المعقول أن يعترف النبي بشفاعة الغرانيق وهو يدعو إلى عبادة الله تعالى ويحارب الأصنام ولو كان الشيطان له سلطان عليه بدرجة أنه يملي عليه ويحرك لسانه بالكفر لكان ألعوبة له ليس في هذه القصة فقط بل في غيرها أيضا، والنبي معصوم من الشيطان، قال البيضاوي في تفسيره بعد ذكر قصة الغرانيق: - ثم نبّهه جبريل فاغتم به فعزاه الله بهذه الآية وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه -، قال إسماعيل القنوي في «حاشيته»: وهو مردود عند المحققين، بل يجب أن يكون مردودا عند جميع المسلمين لما عرفته من أمارات الكذب، قوله: وإن صح الخ إشارة إلى منع صحته رواية لما قاله القاضي عياض في «الشفاء»: إنه لم يوجد في شيء من الكتب المعتمدة بسند صحيح وقال إنه من وضع الزنادقة. وقال القاضي عياض: إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواة ثقة بسند سليم متصل إنما أولع به المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب.

قال ابن حزم في كتاب «الملل والنحل» جزء 4 ص 23: وأما الحديث الذي فيه «وأنهن الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترتجى» فكذب بحت لأنه لم يصح قط من طريق النقل ولا معنى للاشتغال به إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد.

وقال البيهقي: رواة هذه القصة كلهم مطعون فيهم، وقال الإمام النووي نقلا عنه: وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب سجود المشركين مع رسول الله ما جرى على لسانه من الثناء على آلهتهم فباطل لا يصح منه شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن مدح إله غير الله كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ولا يصح تسلط الشيطان عليه وإلا لزم عدم الوثوق بالوحي، اه.

وقال الآلوسي في «تفسيره»: «وأقبح الأقوال التي رأيناها في هذا الباب وأظهرها فسادا أنه أدخل تلك الكلمة من تلقاء نفسه حرصا على إيمان قومه ثم رجع عنها، ويجب على قائل ذلك التوبة، كبرت كلمة خرجت من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، وقريب منه ما قيل إنها كانت قرآنا منزلا في وصف الملائكة عليهم السلام، فلما توهم المشركون أنه يريد عليه الصلاة والسلام مدح آلهتهم بها نسخت، وأنت تعلم أن تفسير الآية أي قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا} (الحج: 52) الخ، لا يتوقف على ثبوت أصل لهذه القصة».

أما معنى قوله تعالى في سورة الحج: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ} (الحج: 52) الخ الآية، أن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى، وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم فلم يعصمهم عن جواز السهو ووسوسة الشيطان بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر، فالآية ليست بخصوص قصة الغرانيق بل هي بخصوص وسوسة الشيطان على العموم للأنبياء والرسل، فالواجب ألا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم، فذلك هو المحكم، وقال أبو مسلم: معنى الآية أنه لم يرسل نبيا إلا إذا تمنى كأنه قيل وما أرسلنا إلى البشر ملكا، وما أرسلنا إليهم نبيا إلا منهم وما أرسلنا نبيا خلا عند تلاوته الوحي من وسوسة الشيطان وأن يلقي في خاطره ما يضاد الوحي ويشغله عن حفظه فيثبت الله النبي على الوحي وعلى حفظه ويعلم صواب ذلك وبطلان ما يكون من الشيطان، قال: وفيما تقدم من قوله: {قُلْ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (الحج: 49)، تقوية لهذا التأويل فكأنه تعالى أمره أن يقول للكافرين أنا نذير لكم لكني من البشر لا من الملائكة ولم يرسل الله تعالى مثلي ملكا بل أرسل رجالا فقد يوسوس الشيطان إليهم.

فأمثال هذه القصص المدسوسة المكذوبة على رسول الله هي التي جعلت للطاعنين في الإسلام مجالا للنقد وتشويه الحقائق وتقبيح المحاسن، وقد حُشِرت في كتبنا من غير تحقيق وهاك دليلا آخر على كذب هذه القصة من الوجهة التاريخية وهو:

إن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت في رجب سنة خمس من النبوة وكانت السجدة في رمضان من السنة نفسها أي قبل إسلام حمزة وعمر لأنهما أسلما في السنة السادسة.

وقد أجمع المؤرخون على أن المسلمين قبل إسلام عمر كانوا يستخفون في دار الأرقم ويؤدون شعائرهم الدينية في منازلهم، وكان أصحاب النبي لا يقدرون أن يصلوا عند الكعبة حتى أسلم عمر. فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلوا معه واتفقوا على تسميته «الفاروق».

فإذا كان المسلمون قبل إسلام عمر ما كانوا يستطيعون الصلاة عند الكعبة فكيف مع هذا يقال: إن رسول الله سجد عند الكعبة وسجد معه القوم جميعا؟ الحقيقة أن الرواية كذب واختلاق محض.

قال «موير» في الجزء الثاني من «حياة محمد»: إن حمزة وعمر أسلما في السنة السادسة من النبوة، وقال: إن المسلمين لم يعودوا يخفون صلاتهم في منازلهم بل كانوا بعدئذ يجتمعون حول الكعبة ويصلون وهم آمنون مطمئنون.

إن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة عادوا إلى مكة بسبب ما بلغهم من تحسن الأحوال أو أنهم سمعوا إشاعة كاذبة تطمئنهم فقدموا في شوال سنة خمس إلا أنه لم يدخل أحد منهم إلا بجوار عثمان بن مظعون فإنه دخل بلا جوار ومكث قليلا ثم أسرع الرجوع إلى الحبشة لأن المسلمين كانوا لا يزالون يُضطهدون وكان النبي يعيب الأصنام».

فكل هذه البراهين تؤيد أن قصة شفاعة الغرانيق أو أن النبي ذكر آلهة قريش بخير، افتراء واختلاق ولا يمكن أن يصدق هذه القصة أحد من المؤرخين المحققين، وقد ذُكِرَت في كتاب «تاريخ القرون الوسطى» لجامعة كامبردج الجزء الثاني ص 310، 311، باعتبار أنها صحيحة، وأنه ندم على ما قال ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه، واستنتج الكاتب أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعتقد أنه إنما يتبع أمرا إلهيا سواء عند تلفظه بهذه الكلمات أو عند عدوله عنها، لكنه علق في الهامش بما يأتي:

«إن كثيرا من المحققين المسلمين يعتبرون هذه القصة خرافية وهذا ما كان ينتظر منهم، لكن من المدهش أن مؤرخا غير متحيز مثل - كايتاني - ينكرها أيضا».

وأنا أقول: لا وجه للدهشة لأن المؤرخ الذي يقدر موقفه ولا يتحيز لأحد يعترف بالحقيقة بغض النظر عن أي اعتبار آخر فإذا كان الأستاذ (كايتاني) وهو ذلك المؤرخ الإيطالي الكبير الذي يصدر المؤلفات الضخمة عن تاريخ الإسلام ينكر هذه القصة فما ذلك إلا أنه لم يرد أن يثبت إلا ما وصل إليه تحقيقه في هذه المسألة دون تحيز.

من كتاب سيدنا محمد لمحمد رشيد رضا

هل رواية المؤرخ دليل على التصحيح؟

[عدل]

قال الطبري في خطبة تاريخه: وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه دون ما أدرك بحجج العقول واستنبط بفكر النفوس إلا اليسير القليل منه إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين وما هو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلا بإخبار المخبرين ونقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول والاستنباط بفكر النفوس فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا وأنّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا.

البداية والنهاية لابن كثير

[عدل]

البداية والنهاية/الجزء الثالث/المستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم وما ظهر فيهم

ثم ذكر ابن إسحاق من عاد من مهاجرة الحبشة إلى مكة وذلك حين بلغهم إسلام أهل مكة وكان النقل ليس بصحيح، ولكن كان له سبب، وهو ما ثبت في (الصحيح) وغيره أن رسول الله : جلس يوما مع المشركين، وأنزل الله عليه: { والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم } يقرؤها عليهم حتى ختمها وسجد.

فسجد من هناك من المسلمين والمشركين والجن والإنس، وكان لذلك سبب ذكره كثير من المفسرين عند قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الحج: 52] .

وذكروا قصة الغرانيق وقد أحببنا الإضراب عن ذكرها صفحا لئلا يسمعها من لا يضعها على مواضيعها، إلا أن أصل القصة في (الصحيح).

قال البخاري: حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس.

قال: سجد النبي بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس انفرد به البخاري دون مسلم.

وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت الأسود عن عبد الله.

قال: قرأ النبي والنجم بمكة، فسجد فيها وسجد من معه غير شيخ أخذ كفا من حصا - أو تراب - فرفعه إلى جبهته وقال: يكفيني هذا، فرأيته بعد قتل كافرا، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث شعبة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم حدثنا رباح عن معمر عن ابن طاووس عن عكرمة بن خالد عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة عن أبيه.

قال: قرأ رسول الله بمكة سورة النجم، فسجد وسجد من عنده، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ولم يكن أسلم يومئذ المطلب، فكان بعد ذلك لا يسمع أحدا يقرأها إلا سجد معه.

وقد رواه النسائي عن عبد الملك بن عبد الحميد عن أحمد بن حنبل به.

وقد يجمع بين هذا والذي قبله بأن هذا سجد ولكنه رفع رأسه استكبارا، وذلك الشيخ الذي استثناه ابن مسعود لم يسجد بالكلية والله أعلم.

والمقصود أن الناقل لما رأى المشركين قد سجدوا متابعة لرسول الله أعتقد أنهم قد أسلموا واصطلحوا معه ولم يبق نزاع بينهم، فطار الخبر بذلك وانتشر حتى بلغ مهاجرة الحبشة بها..

فظنوا صحة ذلك فأقبل منهم طائفة طامعين بذلك، وثبتت جماعة وكلاهما محسن مصيب فيما فعل فذكر ابن إسحاق أسماء من رجع منهم؛ عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو وعبد الله بن جحش بن رئاب، وعتبة بن غزوان، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وسويبط بن سعد بن حرملة.

وطليب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف والمقداد بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية ابن المغيرة، وشماس بن عثمان، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة - وقد حبسا بمكة حتى مضت بدرا وأحدا والخندق - وعمار بن ياسر - وهو ممن شك فيه أخرج إلى الحبشة أم لا -.

ومعتب ابن عوف، وعثمان بن مظعون، وابنه السائب، وأخواه قدامة وعبد الله ابنا مظعون، وخنيس بن حذافة، وهشام بن العاص بن وائل - وقد حبس بمكة إلى بعد الخندق - وعامر بن ربيعة، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة.

وعبد الله بن مخرمة، وعبد الله بن سهيل بن عمرو - وقد حبس حتى كان يوم بدر فانحاز إلى المسلمين فشهد معهم بدرا - وأبو سبرة بن أبي رهم، وامرأته أم كلثوم بنت سهيل، والسكران بن عمرو بن عبد شمس، وامرأته سودة بنت زمعة - وقد مات بمكة قبل الهجرة وخلف على امرأته رسول الله - وسعد بن خولة، وأبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن الحارث بن زهير وسهيل بن بيضاء، وعمرو بن أبي سرح فجميعهم ثلاثة وثلاثون رجلا رضي الله عنهم.

تاريخ الطبري

[عدل]

الجزء الثالث

فكان رسول الله حريصا على صلاح قومه محبا مقاربتهم بما وجد إليه السبيل قد ذكر أنه تمنى السبيل إلى مقاربتهم فكان من أمره في ذلك ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد المدني عن محمد بن كعب القرظي قال لما رأى رسول الله تولي قومه عنه وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه وكان يسره مع حبه قومه وحرصه عليهم أن يلين له بعض ما قد غلظ عليه من أمرهم حتى حدث بذلك نفسه وتمناه وأحبه فأنزل الله عز وجل والنجم إذ هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى فلما انتهى إلى قوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه تلك الغرانيق العلا وإن شافعتهن لترتجى فلما سمعت ذلك قريش فرحوا وسرهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم فأصاخوا له والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم ولا يتهمونه على خطإ ولا وهم ولا زلل فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لأمره وسجد من في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر آلهتهم فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا كبيرا فلم يستطع السجود فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس من المسجد وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم يقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر قد زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلا وأن شفاعتهن ترتضى وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله وقيل أسلمت قريش فنهض منهم رجال وتخلف آخرون وأتى جبريل رسول الله فقال يا محمد ماذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل وقلت ما لم يقل لك فحزن رسول الله عند ذلك حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله عز وجل وكان به رحيما يعزيه ويخفض عليه الأمر ويخبره أنه لم يك قبله نبي ولا رسول تمنى كما تمنى ولا أحب كما أحب إلا والشيطان قد ألقى في أمنيته كما ألقى على لسانه فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته أي فإنما أنت كبعض الأنبياء والرسل فأنزل الله عز وجل وما أرسلنا من قبلك من رسولا ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فنيسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم فأذهب الله عز وجل عن نبيه الحزن وآمنه من الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم أنها الغرانيق العلا وأن شفاعتهن ترتضى بقول الله عز وجل حين ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى أي عوجاء إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم إلى قوله لمن يشاء ويرضىأي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده فلما جاء من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقى على لسان نبيه قالت قريش ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتكم عند الله فغير ذلك وجاء بغيره وكان ذانك الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم واتبع رسول الله منهم وأقبل أولئك النفر من أصحاب رسول الله الذين خرجوا من أرض الحبشة لما بلغهم من إسلام أهل مكة حين سجدوا مع رسول الله حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار او مستخفيا فكان ممن قدم مكة منهم فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة فشهد معه بدرا من بني عبد شمس بن عبد مناف بن قصي عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية معه امرأته رقية بنت رسول الله وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس معه امرأته سهلة بن سهيل وجماعة أخر معهم عددهم ثلاثة وثلاثون رجلا

حدثني القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين بن داود قال حدثني حجاج عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا جلس رسول الله في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنى يومئذ ألا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه فأنزل الله عز وجل والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى فقرأها رسول الله حتى إذا بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان عليه كلمتين تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترجى فتكلم بهما ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد في آخر السورة وسجد القوم معه جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود فرضوا بما تكلم به وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإذا جعلت لها نصيبا فنحن معك قالا فلما أمسى أتاه جبرئيل عليه السلام فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال ما جئتك بهاتين فقال رسول الله افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره إلى قوله ثم لا تجد لك علينا نصيرا. فما زال مغموما مهموما حتى نزلت وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلى قوله والله عليم حكيم.

قال فسمع من كان بأرض الحبشة من المهاجرين أن أهل مكة قد أسلموا كلهم فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا هم أحب إلينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان ثم قام فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق في نقض الصحيفة التي كانت قريش كتبت بينها على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش وكان أحسنهم بلاء فيه هشام بن عمرو بن الحارث العامري من عامر بن لؤي وكان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه وإنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يبايعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم أما إني أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا قال ويحك يا هشام فماذا أصنع إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها قال قد وجدت رجلا قال من هو قال أنا قال له زهير ابغنا ثالثا فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعا قال ويحك فماذا اصنع إنما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال أنا قال ابغنا ثالثا قال قد فعلت قال من هو قال زهير بن أبي أمية قال ابغنا رابعا

فذهب إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي فقال وهل من أحد يعين على هذا قال نعم قال من هو قال زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك قال ابغنا خامسا فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد قال نعم ثم سمى له القوم فاتعدوا له خطم الحجون الذي بأعلى مكة فاجتمعوا هنالك وأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها وقال زهير أنا أبدؤكم فأكون أولكم يتكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة له فطاف بالبيت سبعا ثم أقبل على الناس فقال يا أهل مكة أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يبايعون ولا يبتاع منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة قال أبو جهل وكان في ناحية المسجد كذبت والله لا تشق قال زمعة بن الأسود أنت والله أكذب ما رضينا كتابها حين كتبت قال أبو البختري صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به قال المطعم بن عدي صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك قال أبو جهل هذا أمر قضي بليل وتشوور فيه بغير هذا المكان وأبو طالب جالس في ناحية المسجد وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان من باسمك اللهم وهي فاتحة ما كانت تكتب قريش تفتتح بها كتابها إذا كتبت

قال وكان كاتب صحيفة قريش فيما بلغني التي كتبوا على رسول الله ورهطه من بني هاشم وبني المطلب منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلت يده

وأقام بقيتهم بأرض الحبشة حتى بعث فيهم رسول الله إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري فحملهم في سفينتين فقدم بهم على رسول الله وهو بخيبر بعد الحديبية وكان جميع من قدم في السفينتين ستة عشر رجلا

ولم يزل رسول الله مقيما مع قريش بمكة يدعوهم إلى الله سرا وجهرا صابرا على أذاهم وتكذيبهم إياه واستهزائهم به حتى إن كان بعضهم فيما ذكر يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلي ويطرحها في برمته إذا نصبت له حتى اتخذ رسول الله منهم فيما بلغني حجرا يستتر به منهم إذا صلى

تفسير ابن كثير

[عدل]

قال ابن كثير في تفسير سورة الحج (ج10 ص83):

قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغَرَانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا. ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبي بِشْر، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: قرأ رسول الله بمكة "النجم" فلما بلغ هذا الموضع: { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى } قال: فألقى الشيطان على لسانه: "تلك الغَرَانيق العلى. وإن شفاعتهن ترتجى". قالوا: ما ذكر آلهَتنا بخير قبل اليوم. فسجَدَ وسجدوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] }

رواه ابن جرير، عن بُنْدَار، عن غُنْدَر، عن شعبة، به نحوه، وهو مرسل، وقد رواه البزار في مسنده، عن يوسف بن حماد، عن أمية بن خالد، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - فيما أحسب، الشك في الحديث - أن النبي قرأ بمكة سورة "النجم"، حتى انتهى إلى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى }، وذكر بقيته. ثم قال البزار: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد، وهو ثقة مشهور. وإنما يُروى هذا من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

ثم رواه ابن أبي حاتم، عن أبي العالية، وعن السدي، مرسلا. وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس، مرسلا أيضا.

وقال قتادة: كان النبي [يصلي] عند المقام إذ نَعَس، فألقى الشيطان على لسانه "وإن شفاعتها لترتجى. وإنها لمع الغرانيق العلى"، فحفظها المشركون. وأجرى الشيطان أن نبي الله قد قرأها، فزَلَّت بها ألسنتهم، فأنزل الله: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ [ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى ] } الآية، فدَحَرَ الله الشيطان.

ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي، حدثنا محمد بن إسحاق المُسَيَّبِي، حدثنا محمد بن فُلَيْح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: أنزلت سورة النجم، وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالهم، فكان يتمنى هُداهم، فلما أنزل الله سورة

"النجم" قال: { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى } ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت، فقال: "وإنهن لهن الغرانيق العلى. وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى ". وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وزلت بها ألسنتهم، وتباشروا بها، وقالوا: إن محمدا، قد رجع إلى دينه الأول، ودين قومه. فلما بلغ رسول الله [آخر النجم]، سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك. غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا، فرفع على كفه ترابا فسجد عليه. فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود، لسجود رسول الله ، فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين - ولم يكن المسلمون سمعوا الآية التي ألقى الشيطان في مسامع المشركين - فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطانُ في أمنية رسول الله ، وحدثهم به الشيطان أن رسول الله قد قرأها في السورة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم. ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان، حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين، عثمان بن مظعون وأصحابه، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم، وصلوا مع رسول الله ، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه، وحُدِّثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته، وحفظه من الفرية، وقال [تعالى]: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }، فلما بين الله قضاءه، وبرأه من سجع الشيطان، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم المسلمين، واشتدوا عليهم. وهذا أيضًا مرسل.

وفي تفسير ابن جرير عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، نحوه. وقد رواه الإمام أبو بكر البيهقي في كتابه "دلائل النبوة" فلم يَجُزْ به موسى بن عقبة، ساقه في مغازيه بنحوه، قال: وقد روينا عن ابن إسحاق هذه القصة.

قلت:1 وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا، وكلها مرسلات ومنقطعات، فالله أعلم. وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة من كلام ابن عباس، ومحمد بن كعب القُرَظِيّ، وغيرهما بنحو من ذلك، ثم سأل هاهنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه؟ ثم حكى أجوبة عن الناس، من ألطفها: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله ، وليس كذلك في نفس الأمر، بل إنما كان من صنيع الشيطان لا من رسول الرحمن ، والله أعلم.2

وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته. وقد تعرض القاضي عياض، رحمه الله، في كتاب "الشفاء" لهذا، وأجاب بما حاصله.

قول القاضي عياض

[عدل]

قال القاضي عياض في الشفاء (2/107):

"فاعلم، أكرمك الله أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله. والثانى: على تسليمه.

أما المأخذ الأول: فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل.. وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم.

وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته، فقائل يقول: إنه فى الصلاة، وآخر يقول: قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول: قالها وقد أصابته سنة، وآخر بقول: بل حدث نفسه فسها، وآخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه وإن النبي لما عرضها على جبريل قال: ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول: بل أعلمهم الشيطان أن النبي - - قرأها فلما بلغ النبي ذلك قال: "والله ما هكذا أنزلت".

إلى غير ذلك من اختلاف الرواة.

ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية.

والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: فيما أحسب - الشك في الحديث أن النبي - - كان بمكة وذكر القصة.

قال أبو بكر البزار: هذا لا نعلمه يروى عن النبي بإسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا، ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد، وغيره يرسله عن سعيد بن جبير، وإنما يعرف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

"فقد بين أبو بكر أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا، وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه. أما حديث الكلبي فمما لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه، كما أشار إليه البزار، رحمه الله. والذي منه في الصحيح: أن النبي قرأ "والنجم" وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس هذا توهينه من طريق النقل."3

ووجه ثان: هو استحالة هذه القصة نظرا وعرفا، وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روى لكان بعيد الالتئام، متناقض الأقسام، ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف والنظم، ولما كان النبي ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك.

وهذا لا يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه، واتسع في باب البيان ومعرفة فصيح الكلام علمه!!

ووجه ثالث: أنه قد علم من عادة المنافقين، ومعاندي المشركين، وضعفة القلوب، والجهلة من المسلمين، نفورهم لأول وهلة، وتخليط العدو على النبي لأقل فتنة، وتعيرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة...

ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة.

ووجه رابع: ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت " وإن كادوا ليفتنونك.. " الآيتين.

وهاتان الآيتان تردان الخبر الذي رووه ؛ لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه، حتى يفتري وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم.

فمضمون هذا ومفهومه: أن الله تعالى عصمه من أن يفتري، وثبته حتى لم يركن اليهم قليلا فكيف كثيرا وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وأنه قال : افتريت على الله وقلت ما لم يقل وهذا ضد مفهوم الآية وهي تضعف الحديث لو صح، فكيف ولا صحة له، وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى: " ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ".

وأما المأخذ الثاني: فهو مبني على تسليم الحديث لو صح. وقد أعاذنا الله من صحته، ولكن على كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبة منها الغث والسمين.

ثم أجاب عليها (2/111 - 114)

قول القرطبي

[عدل]

قال القرطبي في تفسير الآيات (12/82)

روى الليث عن يونس عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: قرأ رسول الله {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] فلما بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} سها فقال: "إن شفاعتهم تُرْتَجَى" فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه وفرحوا ؛ فقال: "إن ذلك من الشيطان" فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} الآية. قال النحاس: وهذا حديث منقطع وفيه هذا الأمر العظيم. وكذا حديث قتادة وزاد فيه "وإنهن لهن الغرانيق العلا". وأقطع من هذا ما ذكره الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: سجد المشركون كلهم إلا الوليد بن المغيرة فإنه أخذ ترابا من الأرض فرفعه إلى جبهته وسجد عليه، وكان شيخا كبيرا. ويقال إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص، حتى نزل جبريل عليه السلام فقرأ عليه النبي ؛ فقال: "ما جئتك به"! وأنزل الله {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلا} [الإسراء: 74]. قال النحاس: وهذا حديث منكر منقطع ولا سيما من حديث الواقدي. وفي البخاري أن الذي أخذ قبضة من تراب ورفعها إلى جبهته هو أمية بن خلف. وسيأتي تمام كلام النحاس على الحديث - إن شاء الله - أخر الباب. قال ابن عطية: وهذا الحديث الذي فيه هي الغرانيق العلا وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور ؛ بل يقتضي مذهب أهل الحديث أن الشيطان ألقى، ولا يعينون هذا السبب ولا غيره. ولا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة ؛ بها وقعت الفتنة. ثم اختلف الناس في صورة هذا الإلقاء، فالذي في التفاسير وهو مشهور القول أن النبي تكلم بتلك الألفاظ على لسانه. وحدثني أبي رضي الله عنه أنه لقي بالشرق من شيوخ العلماء والمتكلمين من قال: هذا لا يجوز على النبي وهو المعصوم في التبليغ، وإنما الأمر أن الشيطان نطق بلفظ أسمعه الكفار عند قول النبي : {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19 - 20] وقرب صوته من صوت النبي حتى التبس الأمر على المشركين، وقالوا: محمد قرأها. وقد روي نحو هذا التأويل عن الإمام أبي المعالي. وقيل: الذي ألقى شيطان الإنس ؛ كقوله عز وجل: {وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26]. قتادة: هو ما تلاه ناعسا.

وقال القاضي عياض في كتاب الشفا بعد أن ذكر الدليل على صدق النبي ، وأن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه، لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا وغلطا: اعلم أكرمك الله أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله، والثاني: على تسليمه. أما المأخذ الأول فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه بسند سليم متصل ثقة ؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم. قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي بإسناد متصل يجوز ذكره ؛ إلا ما رواه شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "فيما أحسب، الشك في الحديث أن النبي كان بمكة..." وذكر القصة. ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد، وغيره يرسله عن سعيد بن جبير. وإنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ؛ فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا، وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه الذي ذكرناه، الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه. وأما حديث الكلبي فما لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه ؛ كما أشار إليه البزار رحمه الله. والذي منه في الصحيح: أن النبي قرأ {والنَّجْمِ} بمكة فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ؛ هذا توهينه من طريق النقل.

وأما المأخذ الثاني فهو مبني على تسليم الحديث لو صح. وقد أعاذنا الله من صحته، ولكن على كل حال فقد أجاب أئمة المسلمين عنه بأجوبة ؛ منها الغث والسمين. والذي يظهر ويترجح في تأويله على تسليمه أن النبي كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيلا، ويفصل الآي تفصيلا في قراءته ؛ كما رواه الثقات عنه، فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكنات ودسه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات، محاكيا نغمة النبي بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار، فظنوها من قول النبي وأشاعوها.

لم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله، وتحققهم من حال النبي في ذم الأوثان وعيبها ما عرف منه ؛ فيكون ما روي من حزن النبي لهذه الإشاعة والشبهة وسبب هذه الفتنة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} الآية.

قلت: وهذا التأويل، أحسن ما قيل في هذا. وقد قال سليمان بن حرب: إن "في" بمعنى عنده ؛ أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي ؛ كقوله عز وجل: {وَلَبِثْتَ فِينَا} [الشعراء: 18] أي عندنا. وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء الشرق، وإليه أشار القاضي أبو بكر بن العربي، وقال قبله: إن هذه الآية نص في غرضنا، دليل على صحة مذهبنا، أصل في براءة النبي مما ينسب إليه أنه قاله ؛ وذلك أن الله تعالى قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي في تلاوته. فأخبر الله تعالى أن من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه إذا قالوا عن الله تعالى قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه كما يفعل سائر المعاصي. تقول: ألقيت في دار كذا وألقيت في الكيس كذا ؛ فهذا نص في الشيطان أنه زاد في الذي قال النبي ، لا أن النبي تكلم به. ثم ذكر معنى كلام عياض إلى أن قال: وما هدي لهذا إلا الطبري لجلالة قدره وصفاء فكره وسعة باعه في العلم، وشدة ساعده في النظر ؛ وكأنه أشار إلى هذا الغرض، وصوب على هذا المرمى، وقرطس بعدما ذكر في ذلك روايات كثيرة كلها باطل لا أصل لها، ولو شاء ربك لما رواها أحد ولا سطرها، ولكنه فعال لما يريد.


تعارض الروايات

[عدل]

من رويات الطبراني

رواه مرسلا، كما في " المجمع " ( 6 / 32 34 و7 / 70 72 ) وقال: " وفيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة ".

وفيها: "ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان"

رواية ابن سعد: قال القرطبي:

"قال النحّاس: هذا حديث منكر منقطع، ولا سيما من حديث الواقدي".

قال الحافظ في "الفتح" (8/354-355)

وكلها سوى طريق سعيد بن جبير، إما ضعيف وإما منقطع، ولكن لكثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا، مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين

السند المرسل ضعيف ولو كان رجاله رجال الصحيح

[عدل]

قال ابن الصلاح في المقدمة:

"لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: «الأذنان من الرأس» ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن لأن بعض ذلك عضد بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا.

وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت: فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة. فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر. ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته. وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا. وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة. والله أعلم"

وقال في النوع التاسع:

"ثم اعلم أن حكم المُرسَل حكم الحديث الضعيف، إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه... وما ذكرناه من سقوط الإحتجاج بالمرسل والحكم بضَعفه، هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث، ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم".

قال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص 287):

"والذي نختاره سقوط فرض العمل بالمراسيل، وأن المرسل غير مقبول، والذي يدل على ذلك أن إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بيّنا من قبل أنه لا يجوز قبول الخبر إلا ممن عرفت عدالته، فوجب كذلك كونه غير مقبول، وأيضا فإن العدل لو سئل عمن أرسل عنه؟ فلم يُعدّله، لم يجب العمل بخبره، إذا لم يكن معروف العدالة من جهة غيره، وكذلك حاله إذا ابتدأ الإمساك عن ذكره وتعديله، لأنه من الإمساك عن ذكره غير مُعدّل له، فوجب أن لا يقبل الخبر عنه".

وذكر الحافظ في شرح النخبة الحديث المرسل في "أنواع الحديث المردود" وقال:

" وإنما ذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف، لأنه يحتمل أن يكون صحابيا، ويحتمل أن يكون تابعيا، وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفا، ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حُمل عن صحابي، ويحتمل أن يكون حمل عن تابعي آخر وعلى الثاني فيعود الإحتمال السابق ويتعدد، أما بالتجويز العقلي، فإلى مالا نهاية، وأما بالإستقراء، فإلى ستة أو سبعة، وهو أكثر ما وجد من رواية بعض التابعين عن بعض، فإن عرف من عادة التابعي أنه لا يرسل إلا عن ثقة، فذهب جمهور المحدثين إلى التوقف، لبقاء الإحتمال، وهو أحد قولي أحمد، وثانيهما: يقبل مطلقا، وقال الشافعي رضي الله عنه: يُقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسندا كان أو مرسلا ليترجّح احتمال كون المحذوف ثقة في نفس الأمر"

قال ابن تيمية في منهاج السنة:

وأما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل: ثلاث علوم لا إسناد لها وفي لفظ ليس لها اصل التفسير والمغازي والملاحم ويعني أن أحاديثها مرسلة

والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها وحسب الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود الموقوف فمن علم من حاله انه لا يرسل إلا عن ثقة قبل مرسله ومن عرف انه يرسل عن ثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله فهذا موقوف وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا

وإذا جاء المرسل من وجهين كل من الراويين اخذ العلم عن شيوخ الآخر فهذا مما يدل على صدقه فان مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب كان هذا مما يعلم انه صدق فان المخبر إنما يؤتي من جهة تعمد الكذب ومن جهة الخطأ فإذا كانت القصة مما يعلم انه لم يتواطأ فيه المخبران والعادة تمنع تماثلهما في الكذب عمدا والخطأ مثل أن تكون القصة طويلة فيها أقوال كثيرة رواها هذا مثل ما رواها هذا فهذا يعلم انه صدق

قال الفخر الرازي في تفسيره (6/193):

"روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة؟ فقال: "هذا من وضع الزنادقة"، وصنّف فيه كتابا. وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: "هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل" ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم، وأيضا: فقد روى البخاري في "صحيحه" أن النبي قرأ سورة (النجم) وسجد وسجد فيها المسلمون والمشركون، والإنس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق وروى هذا الحديث من طرق كثيرة، وليس فيها البتة حديث الغرانيق.

من أنكر القصة

[عدل]

كلام ابن العربي

[عدل]

قال في أحكام القرآن ج2 ص74

"اعلموا أنار الله أفئدتكم بنور هداه، ويسَّر لكم مقصد التوحيد ومغزاه، أن الهدى هدى الله، فسبحان من تفضل به على من يشاء ويصرفه عمن يشاء، وقد بيَّنَّا معنى هذه الآية في "فضل تنبيه الغبي على مقدار النبي" بما نرجو به عند الله الجزاء الأوفى في مقام الزلفى، ونحن الآن نجلو بتلك الفصول الغماء، ونرقيكم بها عن حضيض الدهماء إلى بقاع العلماء في عشر مقامات.

المقام الأول: أن النبي إذا أرسل الله إليه الملَك بوحيه، فإنه يخلق له العلم به حتى بتحقيق أنه رسول من عنده، ولولا ذلك لما صحّت الرسالة، ولا تبينت النبوة، فإذا خلق الله له العلم به تميز عنده من غيره، وثبت اليقين، واستقام سبيل الدين، ولو كان النبي إذا شافهه الملك بالوحي لا يدري، أمَلَكٌ هو، أم شيطان، أم أنسان، أم صورة مخالفة لهذه الأجناس ألقت عليه كلاما وبلغت إليه قولا لم يصح أن يقول: إنه من عند الله، ولا تثبت عندنا أنه أمر الله، فهذه سبيل متيقنة، وحالة متحققة لا بد منها، ولا خلاف في المنقول ولا في المعقول فيها، ولو جاز للشيطان أن يتمثل فيها، أو يتشبّه بها ما أمناه على آية، ولا عرفنا منه باطلا من حقيقة، فارتفع بهذا الفصل اللَبس، وصح اليقين في النفس.

المقام الثاني: أن الله قد عصم رسوله من الكفر، وأَمنه من الشرك، واستقر ذلك من دين المسلمين بإجماعهم فيه وإطباقهم عليه، فمن ادعى أنه يجوز عليه أن يكفر بالله أو يشك فيه طرفة عين، فقد خلع رقبة الإسلام من عنقه، بل لا تجوز عليه المعاصي في الأفعال، فضلا عن أن ينسب إلى الكفر في الاعتقاد، بل هو المنزّه عن ذلك فعلا واعتقادا، وقد مهدنا ذلك في كتب الأصول بأوضح دليل.

المقام الثالث: أن الله قد عرّف رسوله بنفسه وبصّره بأدلته، وأراه ملكوت سماواته وأرضه، وعرّفه سنن من كان قبله من إخوته فلم يكن يخفى عليه من أمر الله ما نعرفه اليوم، ونحن حُثالة أمته، ومن خطر له ذلك فهو ممن يمشي مُكِبّا على وجهه، غير عارف بنبيّه ولا بربه.

المقام الرابع: تأملوا فتح الله أغلاق النظر عنكم إلى قول الرواة الذين هم بجهلهم أعداء على الإسلام ممن صرح بعداوته أن النبي لما جلس مع قريش تمنى أن لا ينزل عليه من الله وحي فكيف يجوز لمن معه أدنى مسكة أن يخطر بباله أن النبي آثر وصل قومه على وصل ربه، وأراد أن لا يقطع أنسه بهم بما ينزل عليه من عند ربه من الوحي الذي كان حياة جسده وقلبه، وأنس وحشته وغاية أمنيته، وكان رسول الله أجود الناس، فإذا جاءه جبريل، كان أجود بالخير من الريح المرسَلة، فيؤثر على هذا مجالسته للأعداء؟!.

المقام الخامس: أن قول الشيطان: "تلك الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن لترتجى" للنبي قَبِله منه، فالتبس عليه الشيطان بالملَلك، واختلط عليه التوحيد بالكفر، حتى لم يفرّق بينهما، وأنا من أدنى المؤمنين منزلة، وأقلهم معرفة بما وفقني الله له، وآتاني من علمه لا يخفى عليَّ وعليكم أن هذا كفر لا يجوز وروده من عند الله، ولو قال أحد لكم لتبادر الكل إليه قبل التفكير بالإنكار والردع والتثريب والتشنيع، فضلا عن أن يجهل النبي حال القول، ويخفى عليه قوله ولا يتفطن لصفة الأصنام بأنها "الغرانيق العلى وأن شفاعتهن ترتجى" وقد علم علما ضروريا أنها جمادات لا تسمع ولا تبصر، ولا تنطق ولا تضر، ولا تنفع ولا تنصر ولا تشفع، بهذا كله كان يأتيه جبريل الصباح والمساء، وعليه انبنى التوحيد ولا يجوز نسخه من جهة المنقول، فكيف يخفى هذا على الرسول؟! ثم لم يَكْفِ هذا حتى قالوا: إن جبريل عليه السلام لما عاد إليه بعد ذلك ليعارضه فيما ألقي إليه من الوحي كررها عليه جاهلا بها – تعالى الله عن ذلك- فحينئذ أنكرها عليه جبريل، وقال له: "ما جئتك بهذا!" فحزن النبي وأنزل عليه: "وإن كادُوا لَيَفْتِنونَكَ عن الذي أوْحَينا إلَيكَ لتفتري عَلينا غَيره" [الإسراء:73] فيالله والمتعلمين والعالمين من شيخ فاسد موسوس هامد لا يعلم أن هذه الآية نافية لما زعموا، مبطلة لما رووا وتقوّلوا. وهو:

المقام السادس: وذلك أن قول ابن العربي: "كاد يكون كذا" معناه قارب ولم يكن فأخبر الله في هذه الآية أنهم قاربوا أن يفتنوه عن الذي أوحي إليه، ولم تكن فتنة، ثم قال: "لِتفتَرىَ علينا غَيرَهُ" [الإسراء:73] وهو:

المقام السابع: ولم يفتر، ولو فتنوك وافتريت لاتخذوك خليلا، فلم تفتتن ولا افتريت ولا اتخذوك خليلا، "ولولا أن ثبّتْناك" [الإسراء:74] وهو:

المقام الثامن: "لقد كِدت تَركن إليهم شَيئا قَليلا" [الإسراء:74]، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه ثبته، وقرر التوحيد والمعرفة في قلبه، وضرب عليه سرادق العِصمة، وآواه في كَنَف الحرمة، ولو وكله إلى نفسه، ورفع عنه ظل عصمته لحظة، لألممت بما راموه ولكنا أمرنا عليك المحافظة، وأشرقنا بنوره الهداية فؤادك، فاستبصر وأزاح عنك الباطل ودحر، فهذه الآية نص في عصمته من كل ما نسب إليه، فكيف يتأولها أحد عدوا عما نسب إليه من الباطل إليه؟!.

المقام التاسع: قوله: "فما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه: (وما أرسلنا من قَبلكَ من رّسولٍ ولا نبي) [الحج:52]، فأما غمه وحزنه، فبأن تمكن الشيطان مما تمكن مما يأتي بيانه، وكان النبي يعز عليه أن ينال الشيطان شيئا وإن قل تأثيره.

المقام العاشر: إن هذه الآية نص في غرضنا، الدليل على صحة مذهبنا، أصل في براءة النبي مما نسب إليه أنه قاله عندنا، وذلك أنه قال تعالى: (و ما أرسلنا من قبلك من رّسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) [الحج:52]،4 فأخبر الله تعالى أن من سنته في رسله، وسيرته في أنبيائه، أنهم إذا قالوا عن الله قولا، زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، كما يفعل سائر المعاصي، كما تقول: ألقيت في الدار كذا، وألقيت في العِكم 5 كذا، وألقيت في الكيس كذا، فهذا نص في أن الشيطان زاد في الذي قاله النبي ، لا أن النبي قاله، وذلك أن النبي كما إذا قرأ تلا قرآنا مقطّعا، وسكت في مقاطع الآي سكوتا محصلا، وكذلك كان حديثه مترسلا فيه، متأنيا، فتبع الشيطان تلك السكتات التي بين قوله: (و مناة الثالثة الأخرى) [النجم:20] وبين قوله تعالى: (ألكُمُ الذّكرُ وله الأنثى) [النجم:21]، فقال يحاكي صوت النبي : "وأنهن الغرانقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى"، فأما المشركون، والذين في قلوبهم مرض لقلة البصيرة وفساد السريرة، فتلوها عن النبي ، ونسبوها بجهلهم إليه، حتى سجدوا معه اعتقادا أنه معهم، وعلم الذين أوتوا العلم والإيمان أن القرآن حق من عند الله، فيؤمنون به، ويرفضون غيره، وتجيب قلوبهم إلى الحق، وتنفر عن الباطل، وكل ذلك إبتلاء من الله، ومحنة، فأين هذا من قولهم؟! وليس في القرآن إلا غاية البيان بصيانة النبي في الإسرار والإعلان، عن الشرك والكُفران، وقد أودعنا إليكم توصية أن تجعلوا القرآن، إمامكم، وحروفه أمامكم، فلا تحملوا عليها ما ليس فيها، ولا تربطوا بها ما ليس منها، وما هدي لهذا إلا الطبري بجلالة قدره وصفاء فكره، وسعة باعه في العلم، وشدة ساعده وذراعه في النظر، وكأنه أشار إلى هذا الغرض، وصوَّب على هذا المرمى فقرطس بعد ما ذكر في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، ولو شاء ربك لما رواها أحد، ولا سطرها، ولكنه فعال لما يريد، عصمنا الله وإياكم بالتوفيق والتسديد, وجعلنا من أهل التوحيد بفضله ورحمته".

كلام القاضي عياض

[عدل]

وقال القاضي عياض:

"فاعلم أكرمك الله: أن لنا في الكلام على مشكل الحديث مأخذين:

أحدهما في توهِين أصله، والثاني على تسليمه.

أما المأخذ الأول، فيكفيك أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند متصل سليم، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بُلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقله، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده واختلاف كلماته. فقائل يقول: إنه في الصلاة، وآخر يقول: قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول: قالها وقد أصابته سِنة، وآخر يقول: بل حَدَّثَ نفسه فسها، وآخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه، وإن النبي لما عرضها على جبريل قال: ما هكذا أقرأتك؟! وآخر يقول: بل أعلمهم الشيطان أن النبي قرأها، فلما بلغ النبي ذلك، قال: والله ما هكذا أنزلت. إلى غير ذلك من اختلاف الرواة، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يُسْندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية، والمرفوع فيه حديث شُعبة عن أبي بِشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب – الشك في الحديث- أن النبي كان بمكة، وذكر القصة. وقال أبو بكر البزّار: "هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي بإسناد متصل يجوز ذِكره إلا هذا، ولم يسنده عن شبعة إلا أمية بن خالد، وغيره يرسله عن سعيد بن جبير، وإنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس".

فقد بيَّن لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يُُعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا، وفيه من الضعف ما نبَّه عليه مع وقوع الشك فيه – كما ذكرنا- الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه. وأما حديث الكلبي فمما لا تجوز الرواية عنه، ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البزّار، والذي منه في "الصحيح" "أن النبي قرأ: (النجم) وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس" هذا توهينه من طريق النقل.

فأما من جهة المعنى: فقد قامت الحُجَّة، وأجمعت الأمة على عِصمته ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهةٍ غيرٍ الله وهو كفر، أو أن يتسور عليه الشيطان ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه عليه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه أو يقول ذلك النبي من قبل نفسه عمدا، وذلك كفر، أو سهو، وهو معصوم من ذلك كله، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته من جَرَيان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا، وأن يشتبه عليه ما يلقيه الملَك بما يلقي الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه، وقد قال تعالى: (وَلَوْ تقوَّل علَيْنا بعضَ الأقاويل) الآية [الحاقة:44]، وقال (إذا لأذقناك ضِعف الحياة وضِعفَ الممات) [الإسراء:75].

ووجه ثانٍ: وهو استحالة هذه القصة نظرا وعُرفا، وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الإلتئام متناقض الأقسام، ممتزج المدح والذم، متخاذل التأليف والنّظم، ولَمَا كان النبي ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك، وهذا لا يخفى على أدنى متأمِّل، فكيف بمن رجَحََ حلمه، واتسع في باب البيان ومعرفة فصيح الكلام علمه؟!.

ووجه ثالث: أنه قد علم من عادة المنافقين، ومعاندة المشركين، وضعفة القلوب، والجهلة من المسلمين، نفورهم لأول وَهْلة، وتخليط العدو على النبي لأقل فتنة، وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفنية بعد الفنية، وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شُبهة، ولم يحكِ أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة، ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة، كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء، حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردّة. كذلك ما روي في قصة القضية، ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت، ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت، فما رُوي عن معاند فيها كلمة، ولا عن مسلم بسببها بنت شفة، فدل على بطلانها واجتثاث أصلها. ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على مُغفَّلي المحدثين، يلبس به على ضعفاء المسلمين.

ووجه رابع: ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت: (و إن كادوا لَيَفتِنونَك...) الآيتين [الإسراء:73- 74]. وهاتان الآيتان تردّان الخبر الذي رووه، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا ليفتنونه حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم، فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى قد عصمه من أن يفتري، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلا، فكيف كثيرا؟ وهم يروون في أخبارهم الواهية أن زاد على الركون الافتراء بمدح آلهتهم، وأنه قال : "أفتريت على الله، وقلت ما لم يقل" وهذا ضد مفهوم الآية، وهي تضعف الحديث لو صح فكيف ولا صحة له؟ وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى: (و لولا فضل الله عليكَ ورحمتهُ لهمّت طائفةٌ منهم أن يُضلّوك وما يضّلون إلا أنفسهم وما يضرّونك من شيء) [النساء:113]. وقد روي عن ابن عباس: "كل ما في القرآن "كاد" فهو ما لا يكون".

قال القاضي:و لقد طالَبَتْه قريش وثقيف إذا مرّّ بآلهتهم أن يُقبل بوجهه إليها، ووعوده الإيمان به إن فعل، فما فعل ولا كاد أن يضل، وقد ذكرت في معنى الآية تفاسير أخر، ما ذكرناه من نصّ الله على عصمة رسوله برد سفاسفها، فلم يبق في الآية إلا أن الله تعالى امتن على رسوله بعصمته وتثبيته بما كاده به الكفار، وراموا من فتنته، ومرادنا في ذلك تنزيهه وعصمته وهو مفهوم الآية.

وأما المأخذ الثاني: فهو مبني على تسليم الحديث لو صح أعاذنا الله من صحته، ولكن مع كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة بأجوبه منها الغث والسمين".

كلام الشوكاني

[عدل]

قال الشوكاني في تفسير فتح القدير ج3/247:

ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه قال الله ) ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ( وقوله ) وما ينطق عن الهوى ( وقوله ) ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم ( فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون قال البزار هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي ( ) بإسناد متصل وقال البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم وقال إمام الأئمة ابن خزيمة إن هذه القصة من وضع الزنادقة قال القاضي عياض فى الشفاء إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا قال ابن كثير قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح

كلام الآلوسي

[عدل]

قال الآلوسي في إبطال القصة في روح المعاني ج17/160:

لذلك وقد أنكر كثير من المحققين هذه القصة فقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل وقال القاضي عياض في الشفاء: يكفيك في توهين هذا الحديث أنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند صحيح سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم وفي البحر أن هذه القصة سئل عنها الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية فقال: هذا من وضع الزنادقة وصنف في ذلك كتابا وذكر الشيخ أبو منصور الماتريدي في كتاب حصص الأتقياء الصواب أن قوله: تلك الغرانيق العلا من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة حتى يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين ليرتابوا في صحة الدين وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية

"لكن إثبات صحة الخبر أشد من خرط القتاد، فإن الطاعنين فيه من حيث النقل علماء أجلاء، عارفون بالغث والسمين من الأخبار، وقد بذلوا الوُسع في تحقيق الحق فيه فلم يرووه إلا مردودا، وهم أكثر ممن قال بقَوله، ومنهم من هو أعلم منه، ويغلب على الظن أنهم وقفوا على رواته في سائر الطرق فرأوهم مجروحين، وفات ذلك القائل بالقََبول. ولَعمري إن القول بأن هذا الخبر مما ألقاه الشيطان على بعض ألسنة الرواة، ثم وفق الله تعالى جمعا من خاصته لإبطاله، أهون من القول بأن حديث الغرانيق مما ألقاه الشيطان على لسان رسول الله ثم نَسَخَه سبحانه وتعالى، ولا سيّما وهو مما لم يَتوقف على صحته أمر ديني، ولا معنى آية، ولا سِوى أنها يتوقف عليها حصول شبه في قلوب كثير من ضعفاء المؤمنين لا تكاد تدفع إلا بجهد جهيد ويؤيد عدم الثبوت مخالفته لظواهر الآيات فقد قال سبحانه في وصف القرآن: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكم حميد والمراد بالباطل ما كان باطلا في نفسه وذلك الملقى كذلك وإن سوغ نطق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم به تأويله بأحد التأويلين والمراد بلا يأتيه استمرار النفي لا نفي الاستمرار وقال عز وجل: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فجيء بالجملة الإسمية مؤكدة بتأكيدين ونسب فيها الحفظ المحذوف متعلقة إفادة للعموم إلى ضمير العظمة وفي ذلك من الدلالة على الاعتناء بأمر القرآن ما فيه ".

"وتأويل جميع الظواهر الكثيرة لقول شرذمة قليلة بصحة الخبر المنافي لها مع قول جم غفير بعد الفحص التام بعدم صحته مما لا يميل إليه القلب السليم ولا يرتضيه ذو الطبع المستقيم ويبعد القول بثبوته أيضا عدم إخراج أحد من المشايخ الكبار له في شيء من الكتب الست مع أنه مشتمل على قصة غريبة وفي الطباع ميل إلى سماع الغريب وروايته ومع إخراجهم حديث سجود المشركين معه حين سجد آخر النجم فقد روى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ابن مسعود أن النبي قرأ والنجم فسجد فيها وسجد كل من كان معه غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب ورفعه إلى جهته وقال: يكفيني هذا وروى البخاري أيضا والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس إلى غير ذلك وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم وإلا لما سجدوا لأنا نقول: يجوز أن يكونوا لدهشة أصابتهم وخوف اعترافهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشي إلى آخر الآيات فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مقلها منه وهو قائم بين يدي ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير وقد ظنوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان كاف في دفع ما توهموه ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه فقد نزلت سورة حم السجدة بعد ذلك كما جاء مصرحا به في حديث عن ابن عباس ذكره السيوطي في أول الإتقان فلما سمع عتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود أمسك على فم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وناشده بالرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال: كيف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب وقد أخرج ذلك البيهقي في الدلائل وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه "


في السيرة الحلبية

[عدل]

قال في السيرة الحلبية: وفيه كيف يجترىء الشيطان على التكلم بشيء من الوحي. ومن ثم قيل: هذه القصة طعن في صحتها جمع وقالوا إنها باطلة وضعها الزنادقة: أي ومن ثم أسقطها القاضي البيضاوي. ومن جملة المنكرين لها القاضي عياض، فقد قال: هذا الحديث لم يخرّجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وإنما أولع به المفسرون المؤرخون، المولعون بكل غريب.

أي وقال البيهقي: رواة هذه القصة كلهم مطعون فيهم. وقال الإمام النووي نقلا عنه وأما ما يرويه الإخباريون والمفسرون أن سبب سجود المشركين مع رسول الله ما جرى على لسانه من الثناء على آلهتهم فباطل لا يصح منهم شيء، لا من جهة النقل، ولا من جهة العقل، لأن مدح إله غير الله كفر، ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله، ولا أن يقوله الشيطان على لسان رسول الله، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك: أي وألا يلزم عدم الوثوق بالوحي.

وقال الفخر الرازي: هذه القصة باطلة موضوعة، لا يجوز القول بها. قال الله تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} أي الشيطان لا يجترىء أن ينطق بشيء من الوحي. وقال بصحتها جمع منهم خاتمة الحفاظ الشهاب ابن حجر، وقال: رد عياض لا فائدة فيه، ولا يعود عليه، هذا كلامه

في مجمع الزوائد

[عدل]

6 / 33

9850 - وعن عروة بن الزبير في تسمية الذين خرجوا إلى أرض الحبشة المرة الأولى قبل خروج جعفر وأصحابه : الزبير بن العوام وسهل بن بيضاء وعامر بن ربيعة وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف . وعثمان بن عفان ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وعثمان بن مظعون ومصعب بن عمير أحد بني عبد الدار . وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة وأبو سبرة بن أبي رهم ومعه أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو . وأبو سلمة بن عبد الأسد ومعه امرأته أم سلمة قال : ثم رجع هؤلاء الذين ذهبوا المرة الأولى قبل جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين أنزل الله السورة التي يذكر فيها { والنجم إذا هوى } فقال المشركون [ من قريش ] : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه فإنه لا يذكر أحدا ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشر والشتم فلما أنزل الله السورة الذي يذكر فيها والنجم وقرأ : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال : وإنهن من الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى وذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا : إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا فرفع ملء كفه ترابا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه و سلم فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين . وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم [ وأصحابه لما سمعوا الذي ألقى الشيطان في أمنية النبي صلى الله عليه و سلم ] وحدثهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه و سلم قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس [ قد ] أسلموا وصاروا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه أقبلوا سراعا فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فشكا إليه فأمره فقرأ عليه فلما بلغها تبرأ منها جبريل وقال : معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم شق عليه وقال : أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله . فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأنزل عليه : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم . ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد } فلما برأه الله عز و جل من سجع الشيطان وفتنته انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم وبلغ المسلمون ممن كان بأرض الحبشة وقد شارفوا مكة فلم يستطيعوا الرجوع من شدة البلاء الذي أصابهم [ والجوع ] والخوف وخافوا أن يدخلوا مكة فيبطش بهم فلم يدخل رجل منهم إلا بجوار فأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون فلما أبصر عثمان بن مظعون الذي يلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه من البلاء وعذبت طائفة منهم بالنار وبالسياط وعثمان بن مظعون معافى لا يعرض له رجع إلى نفسه فاستحب البلاء على العافية وقال : أما والله من كان في عهد الله وذمته وذمة رسوله الذي اختار لأوليائه من أهل الإسلام ومن دخل فيه فهو خائف مبتلى بالشدة والكرب عمد إلى الوليد بن المغيرة فقال : يا ابن عم أجرتني فأحسنت جواري وإني أحب أن تخرجني إلى عشيرتك فتبرأ مني بين أظهرهم . فقال له الوليد : ابن أخي لعل أحدا آذاك أو شتمك وأنت في ذمتي فأنت تريد من هو أمنع لك مني فأنا أكفيك ذلك ؟ قال : لا والله ما بي ذلك وما اعترض لي من أحد فلما أبى عثمان إلا أن يتبرأ منه الوليد أخرجه إلى ص . 37 المسجد وقريش فيه كأحفل ما كانوا ولبيد بن ربيعة [ الشاعر ] ينشدهم فأخذ الوليد بيد عثمان فأتى به قريشا فقال : إن هذا غلبني وحملني على أن أنزل إليه عن جواري أشهدكم أنى بريء فجلسا مع القوم وأخذ لبيد ينشدهم فقال : ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال عثمان : صدقت . ثم إن لبيدا أنشدهم تمام البيت فقال : وكل نعيم لا محالة زائل فقال : كذبت . فسكت القوم ولم يدروا ما أراد بكلمته ثم أعادها الثانية وأمر بذلك فلما قالها قال مثل كلمته الأولى والأخرى صدقه مرة وكذبه مرة وإنما يصدقه إذا ذكر كل شيء يفنى وإذا قال : كل نعيم ذاهب كذبه عند ذلك أي نعيم أهل الجنة لا يزول نزع عند ذلك رجل من قريش فلطم عين عثمان بن مظعون فاخضرت مكانها فقال الوليد بن المغيرة وأصحابه : قد كنت في ذمة مانعة ممنوعة فخرجت منها إلى هذا فكنت عما لقيت غنيا ثم ضحكوا فقال عثمان : بل كنت إلى هذا الذي لقيت منكم فقيرا وعيني التي لم تلطم إلى مثل هذا الذي لقيت صاحبتها فقيرة لي فيمن أحب إلي منكم أسوة فقال له الوليد : إن شئت أجرتك الثانية . قال : لا أرب لي في جوارك رواه الطبراني هكذا مرسلا وفيه ابن لهيعة أيضا


7 / 127

11186 - قوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى } عن عروة - يعني ابن الزبير - في تسمية الذين خرجوا إلى أرض الحبشة المرة الأولى قبل خروج جعفر وأصحابه : عثمان بن مظعون وعثمان بن عفان ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو وولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة والزبير بن العوام ومصعب بن عمير أحد بني عبد الدار وعامر بن ربيعة وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة وأبو سبرة بن أبي رهم ومعه أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو وسهيل بن بيضاء قال : ثم رجع هؤلاء الذين ذهبوا المرة الأولى قبل جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين أنزل الله السورة التي يذكر فيها : { والنجم إذا هوى } فقال المشركون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه فإنه لا يذكر أحدا ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر . فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها { والنجم } وقرأ : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال : وإنهم من الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى . وذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا : إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه . فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا فرفع ملء كفه ترابا فسجد عليه . فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه و سلم . فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين . وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم وحدثهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه و سلم قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم . ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة . فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه أقبلوا سراعا فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فشكا إليه فأمره فقرأ عليه فلما بلغها تبرأ منها جبريل وقال : معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك . فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم شق عليه وقال : " أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله " . فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم . ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد } فلما برأه الله عز و جل من سجع الشيطان وفتنته انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم . فذكر الحديث وقد تقدم في الهجرة إلى الحبشة

رواه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة

7 / 248

11376 - قوله تعالى : { أفرأيتم اللات والعزى } عن ابن عباس - فيما يحسب سعيد بن جبير - أن النبي صلى الله عليه و سلم كان بمكة فقرأ سورة والنجم حتى انتهى إلى : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } فجرى على لسانه : تلك الغرانيق العلى الشفاعة منهم ترتجى . قال : فسمع بذلك مشركو أهل مكة فسروا بذلك . فاشتد على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله تبارك وتعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته }

رواه البزار والطبراني وزاد إلى قوله : { عذاب يوم عقيم } يوم بدر ورجالهما رجال الصحيح إلا أن الطبراني قال : لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبي وقد تقدم حديث مرسل في سورة الحج أطول من هذا ولكنه ضعيف الإسناد

متفرقات

[عدل]

قال الأستاذ بجامعة الأزهر محمد شامة:

- إن هذه الرواية التي ذكرت تلك القصة مشكوك فى صحتها، وإذا تطرق الشك إلى دليل فقد حجيته.

- زد على ذلك أن المرء إذ قرأ الآيات التى أوحت بهذه القصة وهى:

( أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى).

ثم أضاف إليها النص المزعوم الذى أحدث البلبلة وهو:

" تلك الغرانيق العلا. وإن شفاعتهن لترجى "

ما استقام المعنى إطلاقا، إذ عقب هذا مباشرة- على فرض صحة النص المزعوم- جاء قوله تعالى:

( ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذن قسمة ضيزى )

فكيف يستقيم المعنى، لو أقحم النص المفترى بين تلك الآيات؟

لا يستقيم إلا فى عقل سقيم "6


ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج7


وفي نصب المجانيق:

ولكن أعداء الدين الذين قعدوا له في كل طريق، وترصدوا له عند كل مرصد، لا يرضيهم إلا أن يدسوا فيه ما ليس منه، ولم يقله رسوله، فذكروا ما ستراه في الروايات الآتية، مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، وذلك دَيْدَنهم منذ القديم، كما فعلوا في غير ما آية وردت في غيره من الأنبياء، كداود، وسليمان، ويوسف عليهم الصلاة والسلام، فرووا في تفسيرها من الإسرائيليات ما لا يجوز نسبته إلى رجل مسلم فضلا عن نبي مُكَرَّم. كما هو مبين في محله من كتب التفاسير والقصص.

وقال:

سلَّم الحافظ بأن الحديث مُرْسَلٌ، ولكن ذهب إلى تقويته بكثرة الطرق

ثم قال:

وبالجملة، فالحديث مرسل، ولا يصح عن سعيد بن جبير موصولا بوجه من الوجوه.

  • التحقيق في قصة الغرانيق لأحمد بن عبد العزيز القصير.

[3]


  • دلائل التحقيق لإبطال قصة الغرانيق رواية ودراية

[4]


هامش

  1. ابن كثير
  2. معالم التنزيل للبغوي (5/394).
  3. نسف قصة الغرانيق
  4. الأصل: تلاوته
  5. العدل
  6. [1]
  7. [2]