مراتب الإجماع/الجزء الثاني/باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع
اتفقوا أن الله عز وجل وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه ثم خلق الاشياء كلها كما شاء وأن النفس مخلوقة والعرش مخلوق والعالم كله مخلوق وأن النبوة حق وأنه كان أنبياء كثير منهم من سمى الله تعالى في القرآن ومنهم من لم يسم لنا وأن محمد بن عبدالله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر إلى المدينة رسول الله ﷺ إلى جميع الجن والانس إلى يوم القيامة
وأن دين الاسلام هو الدين الذي لا دين لله في الارض سواه وأنه ناسخ لجميع الاديان قبله وأنه لا ينسخه دين بعده أبدا وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدا
وأن الجنة حق وانها دار نعيم أبدا لا تفنى ولا يفنى أهلها بلا نهاية وانها أعدت للمسلمين والنبي ﷺين المتقدمين وأتباعهم على حقيقة كما أتوا به قبل ان ينسخ الله تعالى أديانهم بدين الاسلام
وان النار حق وأنها دار عذاب أبدا لا تفنى ولا يفنى أهلها أبدا بلا نهاية وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الاسلام ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث رسول الله ﷺ وعليهم الصلاة والتسليم وبلوغ خبره اليه
وأن القرآن المتلو الذي في المصاحف بايدي الناس في شرق الأرض وغربها من أول الحمد لله رب العالمين إلى آخر قل أعوذ برب الناس هو كلام الله عز وجل ووحيه أنزله على نبيه محمد ﷺ مختارا له من بين الناس
وأنه لا نبي مع محمد ﷺ ولا بعده أبدا الا أنهم اختلفوا في عيسى عليه السلام أيأتي قبل يوم القيامة أم لا وهو عيسى بن مريم المبعوث إلى بني إسرائيل قبل مبعث محمد ﷺ
واتفقوا أن كل نبي ذكر في القرآن حق كآدم وأدريس ونوح وهود وصالح وشعيب ويونس وابراهيم واسمعيل واسحاق ويعقوب ويوسف وهارون وداود وسليمان والياس واليسع ولوط وزكريا ويحيى وعيسى وأيوب وذي الكفل
واختلفوا في نبوة مريم وام موسى وام اسحاق
واتفقوا أن عيسى عليه السلام عبد مخلوق من غير ذكر لكن في بطن مريم وهي بكر
واتفقوا أن محمدا ﷺ دعا العرب إلى أن يأتوا بمثل القرآن فعجزوا عنه كلهم
واتفقوا أن مهاجر رسول الله ﷺ كان من مكة دار الحج إلى المدينة يثرب وأن قبره بيثرب وبها مات عليه السلام وأنه عليه السلام نكح النساء وأولد وأنه عليه السلام بقي بالمدينة عشر سنين نبيا رسولا وبمكة مثلها رسولا ونبيا واختلفوا هل بقي بمكة أكثر أم لا
واتفقوا ان الملائكة حق وان جبريل وميكائيل ملكان رسولان لله عز وجل مقربان عظيمان عند الله تعالى وأن الملائكة كلهم مؤمنون فضلا وأن الجن حق وأن ابليس عاص لله كافر مذ أبى السجود لآدم وأستخف به عليه السلام
وأن كل ما في القرآن حق وأن من زاد فيه حرفا من غير القرءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة أو نقص منه حرفا أو بدل منه حرفا مكان حرف وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمدا لكل ذلك عالما بانه بخلاف ما فعل فانه كافر
واتفقوا أنه لا يكتب في المصحف متصلا بالقرآن ما ليس من القرآن
واختلفوا في بسم الله الرحمن الرحيم فقال قائل لا تكتب وليست من القرأن الا في داخل سورة النمل وقال آخرون تكتب في أول كل سورة حاشا براءة وهي من القرآن في كل موضع قبل أول كل سورة وقال آخرون تكتب في أول كل سورة حاشا براءة وليست من القرآن
واتفقوا انها في داخل النمل من القرآن وأنها تكتب هنالك
واتفقوا انها ليست في أول براءة وأنها لا تكتب هناك
واتفقوا أنه مذ مات النبي ﷺ فقد انقطع الوحي وكمل الدين واستقر وأنه لا يحل لاحد أن يزيد شيئا من رأيه بغير استدلال منه ولا أن ينقص منه شيئا ولا أن يبدل شيئا مكان شيء ولا أن يحدث شريعة وأن من فعل ذلك كافر
واتفقوا أن كلام رسول الله ﷺ اذا صح أنه كلامه بيقين فواجب اتباعه
واختلفوا في كيفية صحته بما فيه البلاغ إلى نقل الكافة
واتفقوا أن نقل الكافة حق فمن خالفه بعد علمه أنه نقل كافة كفر
واتفقوا أن طلب رخص كل تأويل بلا كتاب ولا سنة فسق لا يحل
واتفقوا أنه لا يحل ترك ما صح من الكتاب والسنة والاقتصار على ما اقتصر عليه فقط
واتفقوا أنه لا يحل لأحد أن يحلل ولا أن يحرم ولا أن يوجب حكما بغير دليل من قرآن أو سنة أو إجماع أو نظر
واختلفوا في النظر فقال بعضهم منه الاستحسان
وقال بعضهم منه تقليد صاحب أو تابع أو فقيه فاضل
وقال بعضهم منه القياس
وقال بعضهم هو استصحاب الحال المجتمع عليها ومفهوم اللفظ والوارد في نص القرآن والسنة
واتفقوا أن الله تعالى مسمى بأسمائه التي نص عليها في القرآن فقد ذكرناها في مكان آخر وأنه تعالى لا يخفى عليه شيءولا يضل ولا ينسى ولا يجهل وأن كل ما ورد في القرآن من خبر ما مضى أو ما يأتي حق صحيح وصدق ولا شك فيه
واتفقوا أن البعث حق وأن الناس كلهم يبعثون في وقت تنقطع فيه سكناهم في الدنيا يحاسبون عما عملوا من خير وشر وأن الله تعالى يعذب من يشاء ويغفر لم يشاء واختلفوا في تفسير هذه الجملة بعد اتفاقهم على هذا اللفظ
واتفقوا أن محمدا ﷺ وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا الا حين يبعثون مع جميع الناس وأن الاجساد تنشر وتجمع مع الانفس يومئذ
واتفقوا أن التوبة من الكفر مقبولة ما لم يوقن الانسان بالموت بالمعاينة ومن الزنا ومن فعل قوم لوط ومن شرب الخمر ومن كل معصية بين المرء وربه تعالى مما لا يحتاج في التوبة منه إلى دفع مال ومما ليس مظلمة لانسان
واتفقوا أن ما وصف الله تعالى به في الجنة من اكل وشرب وازواج مقدسات ولباس ولذة حق صحيح وأنه ليس شيء من ذلك معاني بنار وأنه لا ذبح فيها ولا موت وأن كل ذلك بخلاف ما في الدنيا لكن أمر من أمره تعالى لا يعلم كيفيته غيره
وأن الاجساد تدخل مع أنفسها الفاضلة الجنة بعد أن تصفى الأجساد من كل كدر والأنفس من كل غل وأن أجساد العصاة تدخل مع أنفسهم في النار وأن الانفس لا تنتقل بعد خروجها عن الاجسام إلى أجسام أخر البتة لكنها تستقر حيث شاء الله
واختلفوا في موضع استقرارها وفي فنائها وعودتها وأن لا فناء وقد بينا الحق في ذلك في غير هذا المكان
واتفقوا في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلوب
واختلفوا في وجوبه بالأيدي والسلاح
واتفقوا أن من آمن بكل ما ذكرنا وحرم كل ما قدمنا أنه حرام وأحل كل ما ذكرنا أنه حلال وأوجب كل ما قدمنا أنه واجب وتبرأ من ايجاب كل ما ذكرنا أنه غير واجب فقد استحق اسم الايمان والاسلام
ثم اختلفوا في زواله عنه بتقصيره في العمل أو برأي أو تأويل له تفسير هذه الجملة التي قدمنا
واتفقوا ان من آمن بالله تعالى وبرسوله وبكل ما أتى به ﷺ مما نقل عنه نقل الكافة أو شك في التوحيد أو في النبوة او في محمد ﷺ أو في حرف مما أتى به عليه السلام أو في شريعة أتى بها عليه السلام مما نقل عنه نقل كافة فان من جحد شيئا مما ذكرنا أو شك في شيء منه ومات على ذلك فانه كافر مشرك مخلد في النار أبدا
قال أبو محمد قد انتهينا حيث انتهى بنا عون الله عز وجل لنا وبلغنا حيث بلغنا ما وهبنا الله تعالى من العلم ولله الحمد والشكر ونحن نرغب ممن قرأ كتابنا هذا أن يلتزم لنا شرطين
أحدهما أن لا ينحلنا ما لم نقل بكلفة منه أو تعمد وذلك مثل ان يجدنا قلنا في أمر ما قد وصفناه فمن فعل ذلك فقد أصاب فظن أن قولنا ان من خالف ذلك فقد أخطأ وما أشبه ذلك مما نذكر الحكم فيه فيوجب علينا ان من خالف تلك الجملة ما وصفناها به فليس هذا قولنا لكن من خالف تلك الجملة موقوف على اختلاف الناس فيه فمن مصوب له ومن مخطئ له وانما شرطنا ذكر الاتفاق لا ذكر الاختلاف ولعل الاختلاف يكون أزيد من خمسمائة كتاب مثل هذا الكتاب اذا تقصى
والثاني أن يتدبر جميع ألفاظنا في هذا الكتاب فانا لم نورد منه لفظة في ذكرنا عقد الإجماع الا لمعنى كان يختل لو لم تذكر تلك اللفظة فليتعقب هذا فانه ينتفع بمثله منفعة عظيمة ويكتسب علما وشحذا لذهنه وتعلما لمعاني الالفاظ وبناء الكلام على المعاني
ورأيت لبعض من ينسب نفسه للامامة والكلام في الدين ونصب لذلك طوائفه من المسلمين فصولا ذكر فيها الإجماع فاتى بكلام لو سكت عنه لكان أسلم له في أخراه بل الخرس كان اسلم له وهو ابن مجاهد البصرى الطائي لا المقرئ فانه أتى فيما ادعى فيه الإجماع أنهم أجمعوا على ان لا يخرج على أئمة الجور فاستعظمت ذلك ولعمري انه عظيم ان يكون قدعلم ان مخالف الإجماع كافر فيلقي هذا إلى الناس وقد علم أن افاضل الصحابة وبقية الناس توم الحرة خرجوا على يزيد بن معاوية وأن ابن الزبير ومن اتبعه من خيار المسلمين خرجوا عليه أيضا رضي الله عن الخارجين عليه ولعن قتلتهم وأن الحسن البصري وأكابر التابعين خرجوا على الحجاج بسيوفهم أترى هؤلاء كفروا بل والله من كفرهم أحق بالكفر منهم ولعمري لو كان اختلافا يخفى لعذرناه ولكنه أمر مشهور يعرفه أكثر العوام في الاسواق والمخدرات في خدورهن لاشتهاره فلقد يحق على المرء أن يخطم كلامه وأن يزمه الا بعد تحقيق وميز وأن يعلم ان الله تعالى بالمرصاد وان كلامه محسوب مكتوب مسئول عنه يوم القيامة وعن كل تابع له إلى آخر من اتبعه عليه وزره
ثم لجمهور علماء الحديث ائمتنا رضي الله عنهم اتفاقات أخر لم نذكرها ههنا لانهم لم يجمعوا على تفسيق من خالفها فضلا عن تكفيره كما أنهم لم يختلفوا في تكفير من خالفهم فيما قدمنا في هذا الكتاب
وليعلم القارئ لكلامنا أن بين قولنا لم يجمعوا وبين قولنا لم يتفقوا فرقا عظيما
وهو آخر ما وجد في الأصل الذي طبعنا عنه