مرآة الحسناء (1872)/قافية السين
المظهر
قافية السين
وقال موشحًا
بدت شمسُ الحمى والليلُ عابس
فكان النورُ للظلماءِ لابس
مهاةٌ شاكلت قمر السماء
فذات سنًى تشعشع من سناءِ
لها مُقَلٌ زرت مُقَلَ الظباءِ
فأجفنُها اكتحلنَ بكهرباءِ
تجاذبُني مجاذبةَ الفوارسِ
وهُنَّ لمهجتي أبدًا فوارس
نظرتُ جمالَها فأضعتُ لبِّي
وعاد الوجدُ موجودًا بقلبي
فيا قلبي لذات العجبِ عجْ بي
ويا شوقي لسربِ الحبِّ سرْبي
فللعشاقِ أنفاسٌ نفائس
وألفاظٌ بها تحلو العرائس
أنا أهوى العيون على الدوامِ
ولو أحشاي كن بها دوامي
ومذ حبُّ الجفون غدا مرامي
وجدت لهنَّ في كبدي مرامي
فخلِّ الحربَ يا قلبي وآيس
فإنَّ الحسنَ يفعل كابن آيس
محبٌ في الهوى قاسى عذابا
وقد وجدَ الشجونَ بهِ عِذابا
فللآمال لو لم يرعَ ذابا
ولو كانت رواقبهُ عذابا
لكان على سرير الوصل جالس
وللنعمى بأيدي الفوز خالس
التنبيه
قومي بنا يا غزالة الأُنس
نقض الصفا تحت مضرب الغلسِ
قومي فسترُ الظلام منسدِلٌ
على الملا، والرقيبُ في النعسِ
قد نبهتني يدُ الغرامِ لذا
عفت الكرى، والغرامُ كالجرسِ
وكيف يرضى بأن ينامَ فتًى
إليك ينقادُ غيرَ منعكسِ
يا ربَّةَ الحسن والدلال ويا
من قد سبتني برقة الميسِ
ميلي على الصبِّ ميلَ غصن نقًا
واستودعي سمعهُ صدى الهجسِ
وإن شرحتِ الغرامَ لي علنًا
لا تجعلي الشرحَ قاصرَ النفسِ
يا طالما فوقَ عاج زندكِ قد
عجَّت شفاتُ المحبِّ ذي الهوسِ
وفي الحشا كم ضرمتِ نارَ هوًى
إذ تبسمينَ السنا عن اللعسِ
سَجَنتُ في مهجتي الهوى فغدت
عليهِ تلك اللحاظُ كالحرَسِ
آهًا ووا حسرتاهُ كم فعلت
عيناكِ في القلبِ فعلَ مفترسِ!
طبعتِ في النفس رسمَ وجهكِ يا
روحي ولكنَّما على قَبَسِ
فحيثما لحتِ طاب لي تلفي
في ذا التصابي ولذَّ لي تعسي
وقال
رأينا لابن خيَّاطٍ قريضًا
يقرِّضنا بلا نابٍ وضرسِ
إذا ما قال في تموز شعرًا
أعاد الثلج قنطارًا بفلسِ
وقال
قايستُهُ بالغصن لما زارني
متسربلًا ثوبَ الجمالِ فماسا
فعلمتُ أنَّ الغصنَ ليس كقدهِ
وعلمتُ أني ما أصبتُ قياسا
وقال
في رقعة الشطرنج كشي لم يكد
يبقي لشاهِ الخصم بيت مداسِ
سطت الرخاخُ عليهِ سطوة ضيغمٍ
فقضى وقد حاقت بهِ أفراسي
مظاهر
أَسْمَعَتْ أُذْني رنَّةَ الأقواسِ
بفؤادي حواجبُ الميَّاسِ
أغيدٌ كالغزال يُبدي نفارًا
تارةً أو يجودُ بالإيناس
أحوَرُ الطرفِ، أنورُ الوجهِ دريُّ
الثنايا مُعَطَّرُ الأنفاس
شعرُهُ كالدُّجى فإن تهتُ فيهِ
يهدني نورُ وجههِ النبراسِ
طرفهُ قد حبا عيون المها من
حسنهِ ثم راح يغزو نعاسي
إنَّ سكري بغنج مقلتهِ لا
بابنةِ الكرم بين طاسٍ وكاسِ
رمتُ وصلًا فازورَّ غيظًا فمن لي
بازورارٍ من الحبيب القاسي
كم أقاسي من شدَّةٍ بهواهُ
ليتهُ كان عارفًا ما أقاسي
يا بديعَ الجمالِ، رفقًا بمن لم
يبقَ منهُ سوى عظامٍ كواسِ
آسُ تلك الخدودِ أمرضَ قلبي
وأرى البرءَ عندَ ذاك الآسي
زُرْ مُعَنَّاك آمنًا يا حبيبي
غسقًا عند غفلةِ الحرَّاس
بمحيَّاكَ من أحلَّك قتلي
بالحواجيبِ بالعيون النعاسِ
إن تكن قد نسيتَ عهدي فإني
لم أكنْ قطُّ للعهود بناسِ
لك عينٌ يا ظبيُ ما بَرِحَتْ تجدحُ م
كاس الهوى وقلبي الحاسي
هجرُكَ المرُّ قد أذابَ فؤَادي
وبرى أعظمي وشيَّب راسي
ليس لي منك والهوى من مرامٍ
غيرُ مرآك هل بذا من باسِ
قد أطلتَ الصدودَ عني فهلَّا
من محيَّاكَ نظرةٌ باختلاسِ
عن عيوني إن غبتَ لا قدَّر اللهُ
فبالقلب والحشا أنتَ راسِ
إن تنوِّعْ بمقلتيك عذابي
فاحتمالي قد جاء بالأجناسِ
لم أحل عن هواكَ يا من كساني
بثيابِ الضنا ونعمَ الكاسي
أنا كالرخِّ في رقاع الهوى لا
أتلوَّى والغير كالأفراسِ
وقال موشح
رسم الشرقُ على أُفقِ السما
بخطوط الفجرِ أشكال قِسيِّ
اتخذ النورَ نبالًا ورمى
عند دور الأرض جيش الغَلَسِ
دور
إنَّ ضوءَ البدرِ قد غشَّى السُّهى
وحبا الأرضَ إزارًا من بهق
وأثار الصبحُ هيجاءً لها
لاح وخطُ الشيبِ في فرع الغسق
صارمُ الفجر فرى الليلَ وها
دمهُ خضَّب أذيال الشفق
قم إلى الروضِ، فذا الوقتُ سما
وارشفِ الصهباءَ بين النرجسِ
فترى الشحرورَ يتلو الفرضَ ما
سجدَ الغصنُ لشمس الأكؤُسِ
دور
فاح نشرُ الوردِ من تلك الرياض
ساريًا في طيِّ أبرادِ النسيم
وصدوحُ الورق ما بينَ الغياض
نوَّعَ الألحانَ كالنَّاي الرخيم
وغدا الزهوُ ضحوكًا حيث فاض
مدمعُ الطلِّ على ذاك الأديم
يا سقى صوبُ الحيا روضًا نما
ضمنهُ نبتُ الصفا والأنسِ
ومن البؤس تعرى مثلما
بثياب البشر والنعمى كسي
دور
دارتِ الكأْسُ على قطب العراق
وصبا الشاذي إلى الدور الكبير
فاشربِ الصهباءَ واملأْ للرفاق
واكتم الأسرارَ إن كنتَ الخبير
بنتُ كرمٍ خدَّرُوها في زقاق
وجلوها من يدي ظبيٍ غرير
عنبريُّ الخال مسكيُّ اللما
ليِّنُ الأعطافِ حلوُ الميسِ
ريقهُ الجريالُ يشفي السقما
وبمرآهُ حياةُ الأنفسِ
دور
مَنْ يفُزْ بالقربِ منهُ فسعيد
شاذنٌ إن لاح يزري ب سعاد
مدمعي في حبهِ بحرٌ مديد
أين من يشرحُ حالي بمداد
خصرُهُ والقلبُ شمعٌ وحديد
والحيا والطرفُ نارٌ وحداد
جمعَ الحسنَ ولمَّا قسما
قسمةَ الميراثِ بين الأرؤُسِ
أورثَ البدرَ سناهُ والدُّمى
دلَّهُ والغضنَ لطفَ المَيسِ
دور
بأَبي أفدي محياهُ النضير
وبروحي لا بمالٍ ونضار
كلما قلتُ لهُ جدْ للفقير
قال من عيني ولكن ذو الفقار
ليت شعري هل لذي الحبِّ مجير
من رشًا قاسٍ على العشَّاق جار
هزَّ من أعطافهِ سمرًا كما
سلَّ بيضًا من جفونٍ نعَسِ
لا أبالي إن يرُمْ قتليَ ما
دام لي في الحبِّ كلُّ الهَوسِ
وقال
قالوا لزيدٍ إنَّ عمرًا فاز إذ
ربحت نجارتهُ بحظٍّ كيِّسِ
فازورَّ من غضبٍ وسكرجَ عينهُ
وتنفَّس الصُعدَاءَ أيَّ تنفسِ
وأجابهم مخرنطمًا ومبرطمًا
ويلاهُ من تحسين حال المفلسِ
وكذاكَ لما أخبروا عمرًا بأن
بكرٌ غدا ذا رفعةٍ في المجلسِ
أرغى وأزبدَ خائرًا كالمعتري
وانتابَ سحنتهُ ظلامُ الحندسِ
وتوقَّدت عيناهُ أيَّ توقدٍ
بشرارة الحسد البهيم الغطرسِ
وإنحاز يصرخُ قد كذبتم فاصدقوا
إنَّ السعادةَ لا ترى في المتعسِ
وروَوا على بكرٍ بأنَّ صديقهُ
يحيي بعزٍّ بعد ذلٍ قد كسي
فانساب كالأفعى وقال أعوذ من
غمرٍ غدا متبخترًا بالأطلسِ
والكلُّ يبدون المسرَّة كلَّما
سمعوا بنائبةٍ سرت بالأرؤُسِ
تبًّا لبغيك أيها الإنسان ما
إبليسُ ربُّ النحس منك بأنحسِ
لولاك لم يُطرحْ بنار جهنَّمٍ
خزيًا وقدرُ مقامهِ لم يُركَسِ
يا أيها الإنسان شرُّكَ قد نما
في الأرض بين منوَّع ومجنَّسِ
يؤَذيك عطرُ سواك إِمَّا فاح وا
عجبي وأنتَ تذمُّ طبعَ الخنفسِ
ذي كبرياؤُكَ يا لها من آفةٍ
كالأفعوانِ سعت لقتل الأنفسِ
أمُّ الكبائرِ والجرائرِ كلَّما
شابت تشبُّ بطبعها المتدنسِ
وتُعيدُ من يبلى بها بين الورى
متعرضًا لعروض ثوبِ الملبسِ
هي أصل كلِّ خطيئةٍ ولأجلها
أتت الشريعة بالقصاص المركسِ
لولا الخطيئةُ لم يكن شرع كذا
لولا الشريعةُ لم يكن خطأٌ يُسي
وقال
عارٌ على الشعرآء مدحُ الناسِ
فالشعرُ أفخر من لهى الاكياسِ
ما الفرقُ بين يدٍ تُمدُّ بذلُةٍ
ويدٍ تخطُ المدحَ دونَ قياسِ
لا امدحنَّ سوى لبيبٍ فاضل
او صاحبٍ حامي الذمام مواسِ
مالي وللالقاب فهي باهلها
جآءَت كاجراسٍ على افراسِ
كم دولةٍ او رفعةٍ او عزَّةٍ
شُرِبَتْ بمالٍ او برشفة كاسِ
كلماتُ تعظيمٍ على مستحقرٍ
لم يسوَ فلساً في غلاءِ الناس
لو كانت العظماتُ تحلق اهلها
خفيت ولم ينصبْ لهنَّ كراسي
كم من دنيءٍ تحت اسماءِ العُلىَ
يبغي التسامي وهو واطي الراسِ
يتسربل الديباجَ مختالاً بهِ
فخراً على بَدَنِ من الادناسِ
لكن يمدُّ يدَ السؤَالِ لرشوةٍ
فيثلُّ عرش الشرعِ بالاركاسِ
واذا اردت خصامهُ اوما الى
لوحٍ عليه مرصّعٍ بالماسِ
لوحٌ بهِ لاحقَّ للشاكي ولا
صاغٍ لمن يدعو سوى الحبَّاسِ
انّ الذي يشري القضآءَ يبيعهُ
ذا متجر الباغي وشفلُ الخاسي
لا امدحنَّ نظيرَ هذا لا ومن
سبحانهُ خَلَقَ الاسى والآسي
اني ارى باني القصورِ احقَّ من
سكانها بالمدحِ والايناسِ
كلٌّ يجد الى العلى وبقدر ما
يعلو يرى ضيق العلى ويقاسي
فدوائر العلياء كالمخروط ما
برحت تضيق لتنتهي في الراسِ
وثبة النخوة
لِمَ الذلُّ لا حزتُ المعزّةَ في جنسي
اذبعتُ في سوق الهوى شرفَ النفسِ
الا يالحى الله الجمالَ فكم بـهِ
يذلُّ لذي ضعفٍ قويٌّ أخو بأسِ
سلوتُ وما السلوانُ الاَّ لاننى
أرى الراس مني لا يميل الى النكسِ
ولا عدتُ اهوى ربَّة الحسنِ طالما
أبى الحسنُ ان يجدي المحب سوى النحسِ
اذا ما نأَى عنكَ الغرامُ حذارِ من
مفاعيل ردٌ الفعل تنجُ من البؤْسِ
وان اصبحتْ مثل السيوف عيون من
تحبُّ فغض الطرف فالغضُّ كالنرسِ
هويتُ فتاةً والهوى شرُّ نقمةٍ
فرحتُ عديم الرشدِ والعقل والحسِ
ذللتُ لها ذلَ الفقيرِ لدى الغني
فياويحَ ذي عزٍّ غدا ناكس الراسِ
ولكنني والحمدُ لله سالياً
غدوتُ وسلوانُ لهوى راحة النفسِ
غرستُ بقلبي نصح اهل مودتي
فذقتُ ثمارَ الفوز من ذلك الغرسِ
بسجن الهوى قد غادرتني كمجرمٍ
حبيساً وها اني خرجتُ من الحبسِ
وقد اطلقتْ عيني الى النوح والبكا
كما قيَّدت عقلي عن العلم والدرسِ
عشقتُ احمرارَ الخد منها ولم اكن
عليماً بانَّ الفضل للصبغِ والدبسِ
ومن وجههُ لم يكسهُ الطبعُ رونقاً
فموَّهَ ذا قبرٌ تبيَّض بالكلسِ
ارتني اليها بينَ الحواحب وانثنت
تقولُ اشمتَ الشمسَ في دارة القوسِ
فقلتُ بلى لكنَّ ذاك تَصَنُعٌ
وما اليوم قد عاينتهُ لم يكن امس
اذا لم يكن لونُ المحيَّا يلوحُ عن
تشعشع انوار الجمال فذو فكس
وقال
دارت عليَّ من الصفاحِ كؤُوسُ
وبدت لديَّ من الرماح شموسُ
بابي كؤُوسَ هوىً تدورُ بها على
قلبي شموس دمىً لهنَّ نفوسُ
من كل بيضاءِ الجبين عفافُها
ما شابهُ كدرٌ ولا تدنيسُ
عذراءُ عزَّ على المحبِّ وصالُها
والصبرُ عزَّ فذا وذاك نفيسُ
كيف الهجومُ على الوصال وبرجُهُ
ابداً باسوارِ الحيا محروسُ
راق التغزُّلُ قلبها فصبتْ ولا
عجبٌ فذا عطرٌ وتلك عروسُ
يا ربَّةَ الحسن الذي هو فاعلٌ
ما ليس تفعلهُ الكماةُ الشوسُ
قسُي فؤَادكِ ما استطعتِ فانّ لي
سحراً يقودُ زمامهُ ويسوسُ
هذا فؤادٌ من حديدٍ باردٍ
ابداً وذاك السحرُ مغناطيسُ
اهواكِ او القى العدوَّ مشاركي
وارى الجنادلَ في النجوم تدوسُ
وارى الحسودَ بمرُّ بي متبسماً
وبلوحُ وجهُكِ وهو فيَّ عبوسُ
اينَ الخلاصُ من الهوى وحسودهِ
فَجَهَنَّمٌ هذا وذا إِبليسُ
حتى مَ يا قاضي الغرامِ تكدُّني
لا قامَ شرعٌ والقضاةُ نكوسُ
عيني جنتْ ذنباً فكفَّرهُ دمي
فالى مَ قلبي في الجوى محبوسُ
وقال مؤرخاً جلوس عظمة السلطان عبد العزيز خان دام ملكهُ الى مدى الدوران
على سرير الملك لمَّا علا
عبدُ العزيز ارتاحت الانفسُ
اقامهُ اللهُ على ارضهِ
خليفةً بهِ الورى تحرسُ
والمِلْكُ قد حيَّاهَ فهو الذي
عودُ الرجا ارّخْ بهِ يغرسُ
سنة 1277