انتقل إلى المحتوى

مداس أبي القاسم الطنبوري

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

حكي أنه كان ببغداد شخص يعرف بأبي القاسم الطنبوري، صاحب نوادر وحكايات وله مداس له مدة سنتين كلما انقطع منه موضع جعل عليه رقعة إلى أن صار في غاية الثقل، وصار يضرب به المثل، فيقال: أثقل من مداس أبي القاسم الطنبوري. واتفق أنه دخل سوق الزجاج فقال له سمسار: يا أبا القاسم قد وصل تاجر من حلب ومعه زجاج مذهب قد كسد، فاشتره منه وأنا أبيعه لك بعد مدة بمكسب المثل مثلين فاشتراه بستين دينارا. ثم دخل سوق العطارين، فقال له سمسار آخر: قد ورد تاجر آخر من نصيبين بماء ورد في غاية الحسن والرخص، اشتره منه وأنا أبيعه لك بفائدة كثيرة، فاشتراه بستين دينارا أخرى، ثم جعله في الزجاج المذّهب ووضعه على رف في صدر البيت، ثم دخل الحمّام بفلس، فقال له بعض أصدقائه: يا أبا القاسم: لو غيّرت مداسك فإنه في غاية الوحاشة، وأنت ذو مال، فقال: أفعل إن شاء الله.

ولما خرج من الحمّام ولبس ثيابه وجد إلى جانب مداسه مداسا جديدا فلبسه ومضى إلى بيته، وكان القاضي قد دخل الحمّام يغتسل ففقد مداسه، فقال: الذي لبس مداسي ما ترك عوضه شيئا ؟ فوجدوا مداس أبي القاسم، فإنه معروف، فكبسوا بيته فوجدوا مداس القاضي عنده، فأخذ منه وضرب أبو القاسم وحبس وغرّم جملة مال، حتى خرج من الحبس فأخذ المداس، وألقاه في نهر دجلة، فغاص في الماء، فصادف أن رمى بعض الصيادين شبكته فطلع فيها المداس، فقال: هذا مداس أبي القاسم والظاهر أنه سقط منه، فحمله إلى بيت أبي القاسم، فلم يجده فرماه من النافذة إلى بيته، فسقط على الرف الذي عليه الزجاج المذّهب فتبدد ماء الورد وانكسر الزجاج.

فلما رأى أبو القاسم ذلك لطم على وجهه وصاح: وافقراه، أفقرني هذا المداس، ثم قام يحفر له في الليل حفرة، فسمع الجيران حس الحفر، فظنوا أنه لص يحفر في جدارهم فشكوه إلى الوالي، فأرسل إليه من اعتقله، وقال له: تنقب على الناس حائطهم ! اسجنوه، ففعلوا، فلم يخرج من السجن إلى أن غرّم جملة مال.

فأخذ المداس ورماه في مستراح الخان، فسدّ قصبة المستراح وفاض الماء، فكشف الصناع ذلك حتى وقفوا على موضع السد، فوجدوه مداس أبي القاسم، فحملوه إلى الوالي وحكوا له ما وقع، فقال: غرّموه المصروف كله. فقال أبو القاسم: لن أفارق هذا المداس بعد اليوم فغسله وجعله على السطح حتى يجف، فرآه كلب ظنه قطعة لحم، فحمله وعبر به سطح آخر فسقط على امرأة حامل فارتجفت وأسقطت ولدا ذكرا، فنظروا ما السبب، فإذا هو مداس أبي القاسم، فرفع الأمر إلى الحاكم، فقال: يجب عليه الدية، فدفعها لهم، وقد افتقر ولم يبق معه شيء يذكر.

فأخذ المداس وجاء به إلى القاضي وحكى له جميع ما اتفق له فيه، وقال للقاضي: أريد من جنابكم الفاضل أن تكتبوا بيني وبين هذا المداس براءة فإني برئ منه، ومهما فعل يؤاخذ هو بفعله، فقد جلب لي ما لا تحمله الجبال، فضحك القاضي ووصله بشيء ومضى.

المصدر

[عدل]

كتاب (ثمرات الأوراق في المحاضرات) لابن حجة الحموي في حاشية كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) للأبشيهي - الجزء الثاني، ص 149-151.