مختصر اليمانيات المسلولة على الرافضة المخذولة
► | المختصر مجهول | ◄ |
المقالة الأولى في بيان فرق أهل القبلة وتفصيل عقائد الشيعة منهم
المقالة الثانية في الآيات التي أخذ العلماء منها القول بكفر الشيعة والأحاديث الواردة في حقهم
المقالة الثالثة في إفتاء العلماء بكفرهم
المقالة الرابعة في بيان حال متأخريهم وأنه لا يشتبه في أن دارهم دار كفر حكما وإفتاء العلماء بذلك
الخاتمة في تحصيل المقال والتكلم على الإجمال
نحمد الله على أن شرح صدورنا بنور الاهتداء وطهر قلوبنا عن دنس الشبه والادعاء، ونشكره على أن وفقنا لمسالك السعداء وأزاحنا عن وساوس الخذلة الأشقياء. ونصلي على محمد المبعوث من أشرف القرون أشرف الأنبياء المعزز بأصهار وأنصار من البررة الأتقياء، وعلى آله وأزواجه الطاهرات عما تقيح به أهل الأهواء، وأصحابه الهداة في غياهب الضلال كالنجم في السماء.
وبعد، فهذه أبحاث وافية وأقوال كافية في تحقيق ما هو عقيدة وصنيعة للشيعة الشنيعة وبيان أنهم هل يكفرون بتلك العقيدة والصنيعة، مفرغة في قالب الإيجاز والاختصار مستنبطة من مشاهير التفاسير ودواوين الأخبار، مع ما سمحت به آراء أكابر الأئمة وعلماء الأمة الذاهبين في المذاهب الأربعة المستقيمة السالكين منهج السنة القويمة. جمعتها بعد ما شاهدت بعض العلماء يكفر هؤلاء الكافرين وبعضا آخر يكفر المكفرين. وإني وإن عددت إرضاء المنكر أعز من بيض النوق ومناط العيوق، إلا أني لاحظت في ذلك ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب جامع الأحاديث عن النبي ﷺ أنه قال: "إذا ظهرت البدع وسُب أصحابي فليظهر العالم علمه ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا". فجاءت بحمد الله تعالى رسالة عذراء لم يظفر أحد بمثالها ومجموعة غراء لم ينسج على منوالها. فتوسلت بها إلى عتبة خاقان خواقين الآفاق سلطان السلاطين على الإطلاق مالك رقاب الأمم قهرمان الروم والعرب والعجم حامي بلاد الإسلام ماحي الكفرة الطغام مشيد قواعد الأمن والأمان ممتثل {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} السلطان ابن السلطان، السلطان محمد خان بن السلطان إبراهيم خان، لا زال غصن الإقبال بسحائب ميمنته منصورا وما برح مجاهدا في سبيل الله منصورا. وأدام الله تعالى أيام الصدر المكرم والدستور المعظم المستعلي على متقدمي الوزراء استعلاء الشمس على كواكب السماء الفاروق بين السين والشين المهتدي في الدنيا والدين مصداق {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} الوزير الأعظم أحمد باشا لا زال قائما بمصالح الإسلام.
وهذه دعوة شاملة للأنام، فإن وقعت في حيز القبول فهو منتهى المنى والمأمول. وهي مرتبة على مقدمة وأربع مقالات وخاتمة. أما المقدمة ففي الاجتهاد والإفتاء. وأما المقالات فالأولى في بيان فرق أهل القبلة وتفصيل عقائد الشيعة منهم. والثانية في الآيات التي أخذ العلماء منها القول بكفر الشيعة والأحاديث الواردة في حقهم. والثالثة في إفتاء العلماء بكفرهم. والرابعة في بيان حال متأخريهم وأنه لا يشتبه في أن دارهم دار كفر حكما وإفتاء العلماء بذلك. وأما الخاتمة ففي تحصيل المقال والتكلم على الإجمال.
مقدمة
الاجتهاد لغة على ما ذكره عضد الملة والدين: تحمل الجهد في أمر واصطلاحا استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. قال العلامة التفتازاني في التلويح: وهذا هو المراد بقولهم بذل المجهود لنيل المقصود. وقال الشيخ الإمام البزدوي في أصوله: الكلام في شرطه وحكمه، أما شرطه فأن يحوي علم الكتاب بمعانيه ووجهوهه التي قلنا وعلم السنة بطرقها ومتونها ووجوه معانيها وأن يعرف وجوه القياس على ما تضمنه كتابنا هذا، وأما حكمه فالإصابة بغالب الرأي حتى قلنا إن المجتهد يخطئ أو يصيب، وقالت المعتزلة كل مجتهد مصيب. انتهى. وقال في التلويح: المراد بالكتاب قدر ما يتعلق بمعرفة الأحكام والمعتبر هو العلم بمواقعها بحيث يتمكن من الرجوع عند طلب الحكم لا الحفظ عن ظهر قلب. ثم صرح في أسانيد الأحاديث بالاكتفاء بالرجوع إلى كتب الأئمة الموثوق بهم كالبخاري ومسلم والبغوي والصغاني وغيرهم، وخصص السنة بالأحاديث الواردة في الأحكام. وقال السبكي في جمع الجوامع: المجتهد الفقيه هو البالغ العاقل ذو ملكة يدرك بها المعلوم، ذو الدرجة الوسطى لغة وعربية وأصولا وبلاغة ومتعلق الأحكام في الكتاب والسنة وإن لم يحفظ المتون. ثم ذكر اشتراط العلم بالإجماع أهو واقع فيما يجتهد فيه أم لا لئلا يخرقه، وبالنسخ وأحوال روايات الأحاديث. وقال: ويكفي في زماننا الرجوع إلى أئمة ذلك. وقال الإمام في المحصول ما حاصله ما سبق نقلا عن التلويح في كفاية رجوعه إلى كتب الحديث المعتبرة. وقال ابن حجر: أدون أصحابنا فمن بعدهم بلغ ذلك، فأكثر من أفتى في المتأخرين بكفر الروافض والطائفة اليزيدية المرتدين مجتهدون، وقال كثيرون لا يشترط علم الكلام لعدم الحاجة إليه وكذا القياس وفروع الفقه لتوقفها على الاجتهاد ولزوم الدور من توقفها عليها، وقالوا يجوز تجزئ الاجتهاد وهو أن يجتهد الفقيه في بعض المسائل ويجهل كثيرا منها واستدلوا عليه بالعقل والنقل، أما العقل فهو أنه لو اشترط عدم التجزئ لوقع العلم بالجميع واللازم منتف قالملزوم مثله. وأما النقل فهو ما ذكره ابن الحاجب في مختصر المنتهى من أن مالكا رضي الله عنه مع الاتفاق على اجتهاده سئل عن أربعين مسئلة فقال في ستة وثلاثين لا أدري وأفتى في أربع منها. ونقل في التلويح عن الغزالي سبب ذلك. وليس كل من انتحل شبهة كأكثر أهل البدع في زماننا مجتهدا كما صرح به ابن حجر بعد نقله عن كثيرين ما يؤيده. وقال السبكي بعد ما ذكر المجتهد بالمذهب: ودونه المجتهد وهو المتمكن في تخريج الوجوه على نصوص إمامه، ودونه مجتهد الفتوى وهو المتبحر المتمكن من ترجيح قول على آخر. ثم قال: ونافي الإسلام مخطئ آثم كافر. انتهى، وأراد به في معظمه.
ولا خلاف في صحة فتوى المجتهد. واختلفوا في المقلد. فقال عضد الملة والدين في شرح المختصر ما حاصله إن مذهب الإمام الأغظم والإمام الشافعي رضي الله عنهما صحة فتوى المقلد. وقال في الاستدلال: لما أنه وقع إفتاء العلماء وأنهم يكونوا مجتهدين في جميع الأعصار وتكرر ولم ينكر فصار إجماعا. وقال في الكتاب المذكور: ويجوز الاستفتاء لمن علم اشتهاره بالعلم والعدالة وانتصابه بين الناس ليستفتونه. ووافقه السبكي وغيره في ذلك وقالوا: يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة في العمل وكذا في الإفتاء إذا رأى المفتي فيه مصلحة دين مع تبيينه للمستفي قائل ذلك، كما صرح به ابن حجر في أدب القضاء نقلا عن السبكي.
فعلم من هذا التفصيل أن إفتاء العلماء من عصرنا وغيرهم بكفر الرافضة إنما هو بالاجتهاد المقارن للتقوى والاستناد المعتبر في الفتوى، والقدح فيهم من القدح في الدين والضلال المبين.
المقالة الأولى في تفصيل الفرق
اعلم أن كبائر الفرق التي ورد فيها الحديث المشهور ثمانية: الشيعة والمعتزلة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والناجية.
أما الشيعة فهم اثنتان وعشرون فرقة يكفّر بعضهم بعضا، أصولهم ثلاث فرق: غلاة وزيدية وإمامية.
أما الغلاة فهم ثماني عشرة فرقة.
الأولى السبائية: هم أصحاب عبد الله بن سبأ، قال لعلي: أنت الإله حقا. فنفاه إلى المدائن. وقال لم يمت علي وإنما قتل ابن ملجم شيطانا تصور بصورته وإنه في السحاب والرعد صوته والبرق سطوته وينزل إلى الأرض يملؤها عدلا. وهؤلاء يقولون عند سماع الرعد: عليك السلام يا أمير المؤمنين.
الثانية الكاملية: أصحاب أبي كامل، قال بكفر الصحابة بترك بيعة علي وبكفر علي بترك الحق. وقال بتناسخ الأرواح وتناسخ الإمامة بأنها نور ينتقل من شخص إلى آخر وقد ينقلب نبوة.
الثالثة البنانية: أصحاب بنان بن سمعان، قال إن الله تعالى على صورة إنسان ويهلك كله إلا وجهه وروح الله حلت في علي ثم ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه هاشم ثم في بنان.
الرابعة المغيرية: أصحاب مغيرة بن سعيد العجلي. قال إن الله تعالى جسم على صورة الخلق على رأسه تاج وإذا أراد إيجاد شيء تكلم بالاسم الأعظم.
الخامسة الجناحية: أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، قال بتناسخ الأرواح وكان روح الله تعالى في آدم ثم شيت ثم الأنبياء والأئمة وانتهت النبوة إلى علي وأولاده الثلاثة ثم إلى عبد الله بن معاوية القائل. وقال أصحابه إنه حي مقيم بجبل أصفهان وسيخرج، وأنكروا القيامة واستحلوا المحرمات من الخمر والميتة والزنا وغيرها.
السادسة المنصورية: أصحاب أبي منصور العجلي، صاحب أبا جعفر الباقر فتبرء منه وطرده فادعى الإمامة لنفسه. وزعم أصحابه أنه صعد إلى السماء فمسح الله رأسه بيده فقال: يا بني اذهب فبلّغ عني. وقالوا الرسالة لا تنقطع أبدا والجنة رجل أُمرنا بموالاته والفرائض أيضا رجال كذلك والنار رجل أمرنا بمعاداته والمحرمات أيضا كذلك.
السابعة الخطابية: أصحاب أبي الخطاب الأسدي، صاحب أبا عبد الله جعفر الصادق فلما علم تجاوزه الحد في حقه تبرء منه. ثم ادعى الأمر لنفسه فقال أصحابه: الأئمة أنبياء وأبو الخطاب نبي، ففرضوا طاعته بل زادوا أن الأئمة آلهة والحسن والحسين ابنا الله -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- وجعفر الصادق إله إلا أن أبا الخطاب أفضل منه. وقالوا الجنة نعيم الدنيا والنار آلامها، واستباحوا المحرمات. ومن معتقدات هؤلاء أن شهادة الزور جائزة للموافقين على المخالفين.
الثامنة الغرابية: وهم القائلون بأن عليا أشبه بمحمد من الغراب بالغراب والذباب بالذباب، فاشتبها على جبريل فغلط فبلغ الرسالة إلى محمد وكانت لعلي. وقال شاعرهم في ذلك:
غلط الأمين فصدها عن حيدرا ** والله ما كان الأمين أمينا
ويلعنون صاحب الريش، ويعنون به جبريل.
التاسعة الذمية بفتح المعجمة: سموا كذلك لذمهم محمدا ﷺ بأن عليا بعثه لدعوة الناس إليه بالعبودية فدعى إلى نفسه، وقال بعضهم بآلهيتهما، واختلفوا في التقديم والتأخير. وزاد بعضهم آلهية الحسنين وفاطمة، وطرحوا التاء من اسمها تحاشيا عن وصمة التأنيث. وقالوا هذه الخمسة شيء واحد والروح فيهم بالسوية.
العاشرة الهشامية: أصحاب هشام بن سالم الجواليقي وهشام بن الحكم. اتفقوا على أن الله تعالى جسد واختلفوا في كيفيته. وقال ابن الحكم: يتساوى طوله وعرضه وعمقه، يتلألأ كالسبيكة البيضاء. وقال ابن سالم: هو على صورة رجل وله حواس وآلات كالأنف والأذن وعلى أذنه وفرة سوداء من الشعر ونصفه الأعلى مجوف. وأثبتوا له القيام والقعود والطعم واللون وسائر الكيفيات.
الحادية عشر الزرارية: أصحاب زرارة بن أعين، قال بحدوث الصفات لله تعالى وبأنه كان قبل حدوثها بلا حياة.
الثانية عشر اليونسية: أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي، قال إن الله تعالى على العرش تحمله الملائكة وهو أقوى منهم كالكركي يحمله رجلاه وهو أقوى منهما.
الثالثة عشر الشيطانية: أصحاب محمد بن نعمان الملقب بشيطان الطاق، والطاق اسم موضع. قال إن الله تعالى نور على صورة إنسان وإنما يعلم الأشياء بعد كونها.
الرابعة عشر الرزامية: قالوا بأمور فاسدة منها أن الله تعالى حل في أبي مسلم، واستحلوا المحارم وتركوا الفرائض، ومنهم من ادعى الإلهية.
الخامسة عشر المفوضة: وهم القائلون بأن الله فوّض خلق الدنيا إلى محمد، وشرك بعضهم عليا في ذلك.
السادسة عشر البدائية: وهم القائلون بجواز البداء على الله تعالى لعدم علمه بعواقب الأمور.
السابعة عشر النصيرية والإسحاقية: قالوا بحلول الله تعالى في علي وأولاده. وقد أبطلنا مذهبهم الفاسد ومذهب من يحذوهم في الحلول بالبراهين الدامغة في تفسيرنا لسورة الإخلاص.
الثامنة عشر الإسماعيلية: وهم المنسوبون إلى إسماعيل بن جعفر لإثباتهم الإمامة له. ولهم عقائد فاسدة أعاذنا الله منها، ومن عقائدهم أن الله تعالى ليس بموجود ولا معدوم. وقدحوا في الشريعة بأنه لم وجب الغسل من المني دون البول ولم قضى صوم الحائض دون صلاتها. ومنعوا التكلم في بيت فيه سراج، أي موضع فيه متكلم أو فقيه. فلا يزالون مستهزئين بالنواميس الدينية والأحكام الشرعية حتى ظهرت شوكتهم فأظهروا استحلال المحرمات فصاروا كحيوانات بل هم أضل سبيلا.
وأما الزيدية فهم المنسوبون إلى زيد بن علي زين العابدين، وزيد هذا كان إماما جليلا، ويروى أنه خرج إلى الكوفة وبايعه خلق كثير ومضى إليه الشيعة وقالوا له: تبرأ عن الشيخين ونحن نتابعك، فأبى، فقالوا: إنا نرفضك، فقال: اذهبوا أنتم الرافضة. وسميت شيعته بالزيدية، وهم ثلاث فرق.
الأولى الجارودية: أصحاب أبي الجارود الذي سماه الباقر سرحوبا وفسّره بأنه شيطان يسكُن البحر. قالوا بالنص على إمامة علي وكفروا الصحابة بمخالفتهم لعلي.
الثانية السليمانية: أصحاب سليمان بن جرير. قالوا بكون الإمامة شورى وبانعقادها برجلين من المسلمين، وكفروا عثمان وطلحة والزبير وعائشة.
الثالثة البتيرية: أصحاب بتير القمي، وهم وافقوا السليمانية في أكثر عقائدهم.
وأما الإمامية فقالوا بالنص الجلي على إمامة علي وكفروا الصحابة. وتشعبوا إلى معتزلة وإلى إخبارية يعتبرون ما ورد به ظواهر الأخبار. ومتأخرو هؤلاء ينقسمون إلى مشبهة وإلى ملتحقة بالفرق الضالة، كذا في المواقف وشرحه. والإمامية عُدت فرقة واحدة لقلة الخلاف بينهم في أول الأمر، إلا أن الشيطان كان لا يزال يغويهم إلى أن تمادى بهم الزمان وتوافر فيهم المعصية فافترقوا على الوجه الذي سبق نقله عن المواقف وشرحه.
وأما المعتزلة فهم عشرون فرقة: الواصلية والعمروية والهذلية والنظامية والأسوارية والإسكافية والجعفرية والبشرية والمزدارية والهشامية والصالحية والخابطية والحدثية والمعمرية والثمامية والخاطئية والجاحظية والكعبية والجبائية والبهشمية.
وأما الخوارج، وهم الذين خرجوا على علي عند التحكيم، فهم عشرون فرقة: المحكمة والبيهسية والأزارقة والعاذرية والأسقرية والإباضية والحفصية واليزيدية والحارثية والقائلون بطاعة لم يقصدها الله تعالى والميمونية والحمزية والشعيبية والحازمية والخلفية والأطرافية والمعلومية والمجهولية والصلتية والثعالبة.
وأما المرجئة، وهم الذين يعتمدون على الرجاء بناء على أن المعصية لا تضر مع الإيمان، فهم خمس فرق: اليونسية والعبيدية والغسانية والثوبانية والتومنية.
وأما النجارية، وهم طائفة بين أهل السنة والمعتزلة، فهم ثلاث فرق: البرغوثية والزعفرانية والمستدركة.
وأما الجبرية، وهم القائلون بأن فعل العبد بجبر من الله تعالى، فهم أربع فرق: الأشعرية والنجارية والضرارية والجهمية.
وأما المشبهة فهم الذين شبهوا الخالق بالمخلوق.
والناجية الذين هم أهل السنة والجماعة فكل واحد منها فرقة واحدة.
وهذه هي الفرق الثلاث والسبعون. وكلامنا في تحقيق حال الشيعة ومعتقدهم دون غيرهم.
المقالة الثانية في الآيات الشاهدة بكفر الشيعة والأحاديث الواردة في حقهم
وفيها مقصدان
المقصد الأول في الآيات
وهي كثيرة، ومنها قوله تعالى في سورة الأنفال: { وَالَّذِينَ 1 آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } قال المفسرون: المراد بالذين آمنوا وهاجروا المهاجرون، وبالذين آووا ونصورا الأنصار. وقال بعضهم: ليت شعري لم بدل هؤلاء الطاعنون المغفرة العظيمة باللعنة الفاحشة والرزق الكريم بالعذاب العظيم، وإن هذا إلا كفر شديد وضلال بعيد.
ومنها قوله تعالى في سورة الفتح في النبي ﷺ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا } إلى قوله { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} قال ابن حجر: من هذه الآية أخذ الإمام مالك رحمه الله القول بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة وقال: لأن الصحابة يغيظونهم ومن أغاظه الصحابة فهو كافر. ثم قال: وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الآية ومن ثم وافقه الشافعي رضي الله عنه في قوله بكفرهم ووافقه أيضا جماعة من الأئمة. انتهى.
ومنها قوله تعالى في سورة الفتح: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } فصرح تعالى برضاه على أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة. قال ابن حجر: ولا يقع رضاء الله إلا على من يعلم الله موته على الإسلام. ثم قال: ومن لم يصدق ذلك فيهم فهو مكذب بما في القرآن، ومن كذب بما في القرآن مما [لا] يحتمل التأويل كان كافرا جاحدا ملحدا مارقا. وهؤلاء الضالون متفقون على ذلك التكذيب كما نقله بعض المؤلفين من علمائهم في رسالته التي أرسلها إلى العراق حيث صرح فيها بأن أئمتنا متفقون على كفر الصحابة بترك مبايعة علي إلا ستة رجال. فعلم من ذلك اتفاق عامتهم على ذلك بلا شبهة. وأما اتفاق متقدميهم من العلماء على ما زعمه ذلك المؤلف فبهتان عظيم، كيف ومن أعظم علمائهم المرتضى وقد ذكر في بعض تصانيفه: وإني أطيل العجب من أصحابنا ممن يعتقد أن القرآن نزل بذم رجال من الصحابة كما يقولون في قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ } وكيف تقبل عقولهم وتمثل أوهامهم ذلك في قوم قد بلغوا الغاية القصوى في الاختصاص بالنبي ﷺ والالتباس به والاشتمال عليه، وإنه كان ﷺ يعظمهم في ظهر الغيب ويجلهم. وأيضا من أعظم علمائهم الطبرسي، وقد اعترف في تصانيفه بعلو شأن الصحابة رضي الله عنهم وصرح بنزول الآيات المذكورة هنا في الثناء عليهم عموما وخصوصا ونقل في ذلك آيات أخر تزيد على عشر آيات. فعلم أن اعتقاد جمهورهم في كفرهم إنما هو عن جهل وعناد من غير علم واستناد.
ومنها قوله تعالى في سورة البقرة: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } قال الطبرسي من علماء الشيعة: نزلت في حق الصحابة، ونقل الإجماع على دخول أحد عشر صحابيا في ذلك الخطاب من الصحابة الذين يكفرهم جمهور هؤلاء الضالين. وقال ابن حجر: والصحابة هم المشافهون بهذا الخطاب على لسان رسول الله ﷺ. ثم ذكر في هذه الآية ما ذكره في السابقة آنفا من كفر المنكرين وإلحادهم.
ومنها قوله تعالى في سورة آل عمران: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فإنه تعالى شهد للصحابة بالخير وهو أعلم بأحوال عباده. قال ابن حجر في هذه الآية: لا شك أنه من ارتاب في حقية شيء مما أخبر الله تعالى به كان كافرا بإجماع المسلمين.
ومنها قوله تعالى في سورة الحشر: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } قد عُلم من سياق الآية أن المستحق لمال الفيء من اتصف بالإخراج من الديار والأموال وابتغاء مرضاة الله تعالى، ولا خلاف بين أهل السير أن أول من اتصف بذلك كان أبو بكر رضي الله عنه. وقال ابن كثير في تفسيره: وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما يمدح الله به هؤلاء، أي في قوله تعالى: { يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا } الآية المذكورة فافهم. قال الطبرسي من كبار علمائهم: نزلت في أربعمائة من صحابة رسول الله ﷺ حبسوا أنفسهم على طاعة الله ومنعوها التصرف في أسباب الدنيا. وهكذا رواه الطبرسي عن أبي جعفر وعن ابن عباس. وليت شعري من أي وجه يقولون بكفرهم بعد هذه الأوصاف.
والعجب كل العجب من هؤلاء الضالين كيف يتجاسرون على القول بكفر أشراف الصحابة بمجرد ترك المتابعة لعلي كرم الله وجهه ولا يلتفتون إلى أن معتقدهم ومعتمدهم وهو سيدنا علي لم يكفر الصحابة الذين تحاربوا معه في وقعة معاوية رضي الله عنه على ما وقع في نهج البلاغة الذي هو من كتبهم المنسوبة إلى علي، حيث كتب فيه إلى عماله يخبرهم عما وقع بينه وبين معاوية: "أما بعد فإنا التقينا نحن والقوم بصفين، ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا واحدة، لا نستزيدهم بالإيمان بالله ورسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا عليه في دم عثمان ونحن منه براء". وأيضا في نهج البلاغة مما قاله في الوقعة المذكورة: "إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام". وأيضا في نهج البلاغة لما نزلت آية { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا } قال كرم الله وجهه: قلت: يا رسول الله، هل من بُلي بورك؟ قال ﷺ: "يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي". فقلت: ما أحملهم يا رسول الله على فتنة أم على ردة؟ قال ﷺ: "لا بل على فتنة". انتهى. فظهر أنهم في قولهم بارتداد الصحابة رضي الله عنهم تابعون للشيطان وخارجون عن الإيمان، قاتلهم الله أنى يؤفكون. وذلك لأن معتقدهم في المقال مخالف لقول من زعموه إمامهم ومعتمدهم من الرجال.
وأيضا هؤلاء الضالون المسترسلون بعقولهم الضعيفة لا ينظرون إلى أن قدحهم في كبار الصحابة يوجب القدح في معتقدهم وإمامهم الذي هو سيدنا علي بل هو موجب لتخفيف شأن سيد المرسلين وأمير المؤمنين عند سائر الكافرين كالنصارى واليهود. وكيف وهم من أشراف عشيرته وأكابر قبيلته ﷺ. وبنت أبي بكر كانت عند النبي، وبنتا النبي كانتا عند عثمان، وبنت علي كانت عند عمر رضي الله عنهم أجمعين. وبالجملة هم راجعون إلى حسبه ونسبه ﷺ رجوع الأغصان إلى الشجرة، فالمدح فيهم مدح فيه ﷺ، والقدح فيهم قدح فيه ويظهر أن هؤلاء القادحين المعتدين ليس لهم نصيب في الإسلام والدين.
المقصد الثاني في الأحاديث
وهي كثيرة. منها ما رواه البيهقي وجماعة عن النبي ﷺ أنه قال: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صوما ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين".
ومنها ما رواه أبو حاتم في حزبه عن النبي ﷺ أنه قال: "أصحاب البدع كلاب النار".
ومنها ما رواه الطبراني عن النبي ﷺ أنه قال: "من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام".
ومنها ما أخرجه الخطيب والديلمي عنه ﷺ أنه قال: "إذا مات صاحب بدعة فقد فتح في الإسلام فتح".
وهذه الأحاديث وردت في مطلق المبتدعة، وتشمل الرافضة والشيعة كما صرح به ابن حجر في الصواعق. وقد وردت في هؤلاء أحاديث مخصوصة:
ومنها ما أخرجه أبو ذر الهروي والذهبي عن ابن عباس مرفوعا أنه: "يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام فاقتلوهم فإنهم مشركون".
ومنها ما أخرجه الذهبي عن إبراهيم بن حسن بن حسين بن علي عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: "يظهر في أمتي آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام".
ومنها ما أخرجه الدارقطني عن علي عن النبي ﷺ أنه قال: "سيأتي زمان من بعدي فيه قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون". قال: قلت يا رسول الله ما العلامة فيهم؟ قال: "يفرطونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف". وأخرجه عنه من طرق أخر نحوه وزاد في طريق: "وينتحلون حبنا أهل البيت وليس كذلك، وآية ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر". وأخرج أيضا من طرق متعددة عن فاطمة الزهراء وعن أم سلمة رضي الله عنهما نحوه. قال: ولهذا الحديث عندنا طرق كثيرة.
ومنها ما وراه ابن حجر أنه قال رسول الله ﷺ: "لا يجتمع حب علي وبغض أبي بكر في قلب مؤمن".
ومنها ما أخرجه ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: "إن حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر".
وعجبا من جمهور هؤلاء الضالين كيف يقحمون أنفسهم في الكفر ببغضهما والقدح فيهما مع كثرة أمثال هذه الروايات في كتبنا وكتبهم من الأحاديث وغيرها.
ومن ذلك ما وقع في كتابهم المسمى بكشف الغمة عن علي بن حسين أنه وفد إليه رجال من أهل العراق فسألوا عن أبي بكر وعمر وعثمان فلما فرغوا قال: هل أنتم من المهاجرين الأولين؟ قالوا: لا، قال: أفأنتم الذين تبؤوا الدار والإيمان؟ قالوا: لا، قال: وأنا أشهد أنكم لستم ممن قال الله فيهم: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } اخرجوا عني، ثم أشار إلى أنهم خرجوا عن الإيمان.
ومن ذلك أيضا ما وقع في كتابهم المسمى بمطالب السؤل عن ورام عن جفعر الصادق أنه قال لجابر الجعفي: يا جابر، بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ينالون من أبي بكر وعمر ويزعمون أنني أمرتهم بذلك، كذبوا والله، فبلغهم عني أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وُليت لتقربت إلى الله بدمائهم.
ومن ذلك أيضا ما ذكره الطوسي من علمائهم في كتابه المسمى بالشافي من أنه لما بلغ عليا قول من يبغض أبا بكر وعمر فغضب من ذلك غضبا شديدا وخرج إلى المسجد وصعد المنبر فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدَي قريش وأبوي المسلمين بما أنا بريء منه ومنزه عنه وعلى ما يقولون معاقب، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي ولا يبغضهما إلا فاجر شقي، صاحبا رسول الله ﷺ ووزيراه، ثم قال في آخر الخطبة: فمن أبغضني فليبغضهما فأنا منه بريء، ألا وإن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم بالخير أين هو. انتهى.
فانظر إلى هؤلاء الكافرين كيف اتفقوا على الكفر العنيد والضلال البعيد مخالفين لكلام أئمتهم وعلمائهم المتقدمين بمجرد العصبة في معاداة أصل الدين.
المقالة الثالثة في إفتاء العلماء بكفرهم
قد أفتى بذلك الإمام الشافعي والإمام مالك رضي الله عنهما ووافقهما كثيرون من أئمة المسلمين كما سبق في المقالة الثانية نقلا عن ابن حجر. ونقل القاضي عياض عن الإمام مالك كيفية عقوبتهم من القتل وغيره. وذلك مفصل في كتابه المسمى بالشفاء.
ووقع في الفتاوى البزازية القول بكفرهم لقولهم برجعة الأموات إلى الدنيا وإنكارهم خلافة الشيخين وغير ذلك من قبائحهم.
وقال الشيخ طاهر البخاري من كبار أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله في الخلاصة: الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر، والمعتزلي مبتدع إلا إذا قال باستحالة الرؤية فحينئذ هو كافر. انتهى.
وفي النوع الثالث من الفصل الثالث من كتاب الإسلام والكفر: إذا استخف بسنة أو حديث من أحاديثه عليه الصلاة والسلام كفر. انتهى. وهؤلاء الضالون كم أحرقوا دواوين صحاح الأحاديث استخفافا واستهزاء كما شاهده منهم غير واحد.
وقال الإمام البزدوي في كشف الأحكام: وقد صح عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ناظرت أبا حنيفة رضي الله عنه في مسئلة خلق القرآن ستة أشهر فاتفق رأيي ورأيه على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر. وقد صح هذا القول عن محمد رحمه الله. انتهى. وهو صريح في كفر هؤلاء الضالين لاتفاقهم مع المعتزلة على كون القرآن مخلوقا على ما هو مسطور في كتبنا وكتبهم.
ونقل الإمام الرازي في التفسير الكبير القول بكفرهم وكفر الخوارج أيضا.
وقال ابن حجر في الصواعق: لم نكفر القائلين بأفضلية علي على أبي بكر وإن كان خلاف ما أجمعنا عليه في كل عصر منا إلى النبي ﷺ. ثم قال: ومن كفر الرافضة من الأئمة فلأمور أخر من قبائح انضمت إلى ذلك. انتهى. وقال في موضع آخر: عُلم من حديث الإفك -أراد حديث بهتان عائشة رضي الله عنها- أن من نسبها إلى الزنا كان كافرا وهو ما صرح به أئمتنا وغيرهم لأن في ذلك تكذيب النصوص القرآنية ومكذبها كافر بإجماع المسلمين، ومنه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض لأنهم ينسبونها إلى ذلك قاتلهم الله أنى يؤفكون. انتهى. وقال في موضع آخر: الروافض أشد ضررا على الدين من اليهود والنصارى. وقال أبو زرعة الرازي من أجلّ شيوخ مسلم: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق، وذلك لأن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به الرسول حق، وإنما [ما] أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة. انتهى.
وقد سبق أن هؤلاء الضالين يحكمون بكفر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. ومن أباطيل عقائدهم أنهم ينفون إسلام السواد الأعظم. وقد سبق في المقدمة أن نافي الإسلام مخطئ في اجتهاده كافر، مع أن المجتهد في هؤلاء كالكبريت الأحمر بل أعز وأندر لبعدهم عن مطارح إشراق اليقين وحرمانهم من اقتباس أنوار النبوة من الصحابة والتابعين بمنافرتهم عنهم ومخالفتهم لهم حتى خابوا عن موارد النقل وآبوا إلى شوارد العقل، أعاذنا الله تعالى من قبائح أفعالهم وأحوالهم وشنائع أقوالهم.
قال ابن حجر: فالحذر الحذر مما يلقونه إليهم -أي إلى أهل البيت- من أباطيل [من أن] من اعتقد تفضيل أبي بكر على علي رضي الله عنهما كان كافرا، لأن مرادهم بذلك أن يقرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم وأنه لا مؤمن غيرهم، وهذا مؤد إلى هدم قواعد الشريعة من أصلها وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبي ﷺ وعن صحابته وأهل بيته، إذ الرواة لجميع آثارهم وأخبارهم وللأحاديث بأسرها بل الناقل للقرآن في كل عصر إلى عصر النبي ﷺ إلينا وإلى هؤلاء هم الصحابة والتابعون وعلماء الدين، إذ ليس لنحو الرافضة رواية ولا دراية يدرون بها فروع الشريعة. ثم قال: فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأسا وصار الأمر كما في زمن الجاهلية، فلعنة الله وأليم عذابه وعظيم نقمته على من يفتري على الله تعالى ورسوله بما يؤدي إلى إبطال ملته وهدم شريعته، وكيف يسع العاقل أن يحكم بكفر السواد الأعظم من أمة محمد ﷺ. انتهى كلامه رفع مقامه.
ونقل عضد الملة والدين عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني أن كل مخالف يكفرنا فنحن نكفره. وهؤلاء الكفرة قد ضربوا الجزية على المسلمين الساكنين في بلادهم مع ما سبق منه إكفارهم للسواد الأعظم ويقطعون رجل من غسل رجليه كما شاهده الثقات منهم.
المقالة الرابعة في بيان حال المتأخرين منهم وحكم دارهم وإفتاء المسلمين في حقهم
اعلم أن ما سبق هو بيان حال مطلق الشيعة، فلو تنزلنا عن تكفيرهم جميعا فلا شك أن كثير من متأخري هذه الفرقة سيما الإمامية قد التحقوا بالفرق الضالة كما مر نقله عن المواقف وشرحه. ومن هؤلاء الضالين الطائفة الشاهية كما وصل إلينا من ثقات العلماء العاملين المخالطين لهم وكما شاهدناه منهم بعد مخالطتنا لهم ومجالستهم معنا وبحثنا عن عقائدهم لا على سبيل التجسس المنهي عنه بل لتحقيق الحق وإظهار الصواب. حتى إن كثيرا من المتصلفين المتوسمين بالمصنفية فيهم جعلوا سب الصحابة والتبرء منهم وسب عائشة رضي الله عنها ونسبتها إلى الزنا جزءا من الدين، وقد مر حكم ذلك. وجعل هؤلاء الضالون سبها وسب أبيها وسب عمر وسب عثمان رضي الله عنهم شعارا على المنابر والمنارات في بلادهم؛ بل جعلوا ذلك بدلا من الصلوات المفروضات والجمعة والجماعات. وكثير من عوامهم ينكرون صحبة أبي بكر رضي الله عنه، بل يسمون الكلاب بأسماء كبار الصحابة ويكتبون أسماءهم الشريفة تحت النعال. ويحكى أن بعض الأكراد رأى واحدا منهم على طرف سطح مكتوبا تحت نعله اسم واحد من الصحابة الكبار فغضب من قبيح فعله فرماه بسهم فأصاب موضع الاسم وقتله، فأخذوه مهتمين بقتله سائلين عنه لم فعلت ذلك فقال في جوابهم: فعلت ذلك بغضا لصاحب الاسم وإني من جملتكم، فاستحسنوا منه ذلك وأحسنوا عليه.
والسبب الأكثري في هذه الشناعات والقبائح هو معاداة المسلمين ومخالفة أهل الدين، حتى إنهم يخالفونهم في الملابس والمشارب والمجالس والمآكل عنادا وبغضا. وإن بعض عوامهم يفضلون عليا على محمد ﷺ بمجرد التعصب، كيف ولو كان سبهم للصحابة رضي الله عنهم بأرفع أصواتهم مع رفع الأعلام واجتماع الصبيان والنسوان وعمل الصور ورفعها صادرا عنهم مع غرض ثابت وملاحظة استحقاق لشركوا في ذلك من يستحق اللعن قطعا كأبي لهب وفرعون وهامان ونمرود وإبليس خذلهم الله خذلانا أصيرا وأوصلهم إلى جهنم وساءت مصيرا. ونعوذ بالله من حالاتهم الشينة وضلالاتهم البينة.
قال ابن حجر: أما قدحهم فإن خالف دليلا قطعيا كقذف عائشة رضي الله عنها وإنكار صحبة أبيها رضي الله عنه كان كفرا. وصرح بذلك العلامة التفتازاني والعلامة الدواني مع كونهما من أهل الخبرة بمعتقدات هؤلاء الضالين.
وإذا عرفت هذا فما نقل عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه والإمام الشافعي رضي الله عنه في أحد قوليه وأبي حسن الأشعري في كتابه المسمى بمقالات الإسلام وأبي بكر الرازي والكرخي والحاكم صاحب المختصر في كتابه المسمى بالمنتقى وغيرهم من أنهم كانوا لا يكفرون أحدا من أهل القبلة حتى صار ذلك قاعدة لأهل السنة والجماعة ويقبلون شهادتهم: محمول على من خالف في أمور متشابهة كمسئلة الصفات وخلق الأعمال وغيرها بعد اتفاقه على ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد وما أشبه ذلك ككثيرين من متقدمي هؤلاء، كذا حققه بعض المحققين. ثم قال: لا نزاع في كفر أهل القبلة المواظب على الطاعات طول العمر مع اعتقاد قدم العالم ونفي الحشر ونفي العلم بالجزئيات ونحو ذلك وكذا صدور شيء مما يوجب الكفر. انتهى ونسب كلامه من أوله إلى آخره إلى شرح المقاصد.
وعند ذلك يتعجب من استشكال العلامة التفتازاني في شرح العقائد الجمع بين قولهم لا نكفر أحدا من أهل القبلة وقولهم بكفر القائلين بخلق القرآن وسب الشيخين ونحوهما كالمعتزلة والشيعة. والتطبيق بين الكلامين بالاجتهاد وعدمه كما وقع لبعض معاصرينا شطط وفتح لباب الضلالة والكفر، بل التطبيق إنما هو على الوجه الذي سبق آنفا بنقل بعض المحققين عن شرح المقاصد. ثم إن محققي المتأخرين منا لما رأوا متأخري هؤلاء الضالين مجتمعين على ما ذكرنا من العقائد القبيحة والأفعال الشنيعة غيروا اعتذارنا في حقهم وردنا على من أكفرهم كما هو مبسوط في المواقف وشرحه. ألا ترى أن ابن حجر رحمه الله أكفرهم بكثير مما رده أصحابنا وذلك لإمكان التوجيه في الرد في حق متقدميه بخلاف متأخريهم الضالين كالطائفة الشاهية وغيرهم من الذين هم أشد ضرا في الدين من اليهود والنصارى كما سبق.
وممن صرح بكفرهم وأفتى به فيما بلغنا العالم الزاهد المحقق المدقق مفتي الثقلين أستاذ الفريقين أبو السعود قدس الله سره والفاضل الكامل المدقق عصام الدين الإسفرائيني مع كثرة ممارسته لهم وطول مؤانسته بهم. وأفتى به العالم الزاهد الشيخ الصالح الحكاري والمحقق الكامل محمد البرقعلي والمولى البرسفي والمولى حسين الشيفكي. وإن منهم من بلغ الدرجة الوسطى الكافية في الاجتهاد. ولو تنزلنا عن ذلك فمنهم من بلغ التجزء الكافي في الإفتاء كما مر نقلا عن السبكي. ولو تنزلنا عن ذلك أيضا فلا أقل [من] أنهم مقلدون والمقلد يجوز له الإفتاء إن قلد الأئمة الأربعة أو غيرهم ورأى في الإفتاء مصلحة دينية. ولا مصلحة فوق زجر من يكفر السواد الأعظم ومن هو أضر في الدين من اليهود والنصارى. وقد مر كل ذلك في المقدمة وما بعدها.
وأيضا أفتوا بأن دارهم دار كفر، أي دارهم المخصوصة بهم بخلاف الديار التي يداري أهلها مع هؤلاء الضالين مع كونهم على السنة السَّنية وإقامتهم للجماعة والجمعة ومدحهم للصحابة رضي الله عنهم ودعائهم لسلطان الإسلام أيده الله تعالى على المنابر. وأفتى بذلك العالم الزاهد جدي المحقق أبو بكر المشهور بالمصنف ورئيس المفسرين خالي العزيز مولانا عبد الكريم مع تبحره واختباره بحال هؤلاء الضالين، حتى إنه غزاهم مع الأمير المرحوم العادل هلوخان الأردلاني وقتل هو بنفسه منهم نيفا، وكانوا يقولون له إن هذا الفارس علي رضي الله عنه، صالح أهل السنة فيعينهم علينا.
ووقع في كتاب المتفق والمختلف أن مذهب الإمام مالك أن أمارات الكفر إذا ظهرت في بلاد يصير حكمها حكم دار الحرب. وقد سبق أن هؤلاء الكفرة جعلوا أمارات الكفر شعارا فيما بينهم. ونحن تنزلنا إلى أنهم في دراهم كالكفرة الأصلية حكما بلا خلاف، ومن خرج من بلادهم إلى بلادنا فلا بد من بيان حاله، فإن صدر عنه ما يكفر به أجرينا مقتضى كفره، أو لا فلا.
فإن قلت يحتمل أن يكون بينهم من المسلمين رجالا أو يكون في أيديهم من أموالهم شيئا؟ قلت: لا فرق بينهم وبين سائر الحربيين في ذلك الاحتمال.
فإن قلت: يتلفظون بالشهادتين، قلت: لا بد مع ذلك من استبرائهم عما كفروا به كما قرره جمهور الفقهاء. والحال أنهم لا يستبرءون عما كفروا به ولو قطعوا إربا إربا، على أنهم بمثابة الزنادقة كما سبق نقلا عن أبي زرعة الرازي، وتوبة الزنديق لا تقبل. قال النووي: وقال الروياني في الحلية: والعمل على هذا، وعليه الإمام الأعظم أبو حنيفة ومالك وأحمد في أحد روايتيه.
خاتمة في التكلم إجمالا فيما سبق وبيان ما حصل منه
اعلم أنا قد بينا في هذه الرسالة معظم عقائد الشيعة بالنقل على الكتب المعتبرة والعلماء المهرة وبيّنا ما أثبت الأئمة والعلماء به كفرهم من الآيات والأحاديث وذكرنا ما كفروا به ومن أفتى بكفرهم من العلماء سيما علماء المذاهب الثلاثة مذهب الإمام الأعظم والإمام الأكمل الشافعي والإمام السالك مالك رضي الله تعالى عنهم مع التحقيق في ذلك كله وأثبتنا كون دار متأخريهم المخصوصة بهم دار كفر بلا شبهة. وهذا الحكم من جملة الباعث لتأليف الرسالة. وأوضحنا أن إفتاء العلماء المتأخرين في حق هؤلاء الضالين إنما كان عن علم وورع واختبار ومن يقدح فيهم ويخطئهم في فتواهم كبعض معاصرينا فهو مخطئ لابن أخت خالته مضر للدين في مقالته. ولعمري إنه يستحق أن يظن ببعض الظن ويقعقع بالشن، فإن هذا ليس منكرا شديدا يرفعه أو ضررا واقعا في الإسلام يدفعه، وهو ليس بمنفرد في العلم بأن الأئمة عدوا المتقدمين من هؤلاء الضالين مسلمين وجوزوا إمامتهم وقبلوا شهادتهم وبأن العلماء ردوا على من كفرهم واعتذروا عنهم بأنهم أصحاب تأويل وبأنهم يتكلمون بالشهادتين وبأنهم من أهل القبلة إلى غير ذلك. على أن كثيرا من أعوامهم الذين هم أهل الخيام لا يعلمون شهادة ولا صلاة ولا قبلة، كحيوانات عجماء بلا وازع ديني ولا ضابط شرعي كما شاهدناهم وأخبرنا من شاهدهم مرارا. وظاهرٌ أن هؤلاء النحارير الفضلاء كانوا أعلم بقوانين الشرع وبعقائد هؤلاء الضالين من غيرهم. كيف والحكم الفاسد يرد فتواهم وبانحطاطهم عن درجة الفتوى لا يخلو إما أن يكون مع الحكم بكفرهم لإكفارهم المسلمين بزعم الزاعم أو لا يكون كذلك. وعلى الأول فحاشا لجلالة هؤلاء الذين كان كل واحد منهم أفضل أقرانه ووحيد زمانه أن يكونوا كافرين، وحال من يكفرهم لا يخفى في قانون الشرع، وعلى الثاني لا يبقى فرق بين الغواية والرشاد ولا رسم للكفر والارتداد. ومن هنا صح أن البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء.
اللهم قنا من التفريط والإفراط واهدنا إلى سواء الصراط. ونسألك السلامة من التطاول في القِصَر وزلات البصيرة والبصر. والحمد لله على التمام وعلى رسوله أفضل الصلاة والسلام وآله وصحبه الأكرام.
هامش
- ↑ في الأصل: إن الذين