محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والعشرون
كتاب الزكاة
684 - مسألة : والزكاة واجبة في حلي الفضة والذهب إذا بلغ كل واحد منهما المقدار الذي ذكرنا وأتم عند مالكه عاما قمريا . ولا يجوز أن يجمع بين الذهب والفضة في الزكاة ولا أن يخرج أحدهما عن الآخر ولا قيمتهما في عرض أصلا ، وسواء كان حلي امرأة أو حلي رجل ، وكذلك حلية السيف والمصحف والخاتم وكل مصوغ منهما حل اتخاذه أو لم يحل ؟ وقال أبو حنيفة : بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة وقال مالك : إن كان الحلي لامرأة تلبسه أو تكريه أو كان لرجل يعده لنسائه فلا زكاة في شيء منه ، فإن كان لرجل يعده لنفسه عدة ففيه الزكاة ولا زكاة على الرجل في حلية السيف ، والمنطقة ، المصحف ، والخاتم ؟ وقال الشافعي : لا زكاة في حلي ذهب ، أو فضة ؟ وجاء في ذلك عن السلف ما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن ابن مسعود عن إيجابه الزكاة في حلي امرأته . وهو عنه في غاية الصحة وروينا من طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال قالت امرأة لعبد الله بن مسعود : لي حلي ؟ فقال لها : إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة ؟ وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى : مر نساء المسلمين يزكين حليهن - : ومن طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : كان عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر بالزكاة في حلي بناته ونسائه ؟ ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه كان يأمره بذلك كل عام ؟ وعن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت : لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته ؟ وهو قول مجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وجابر بن زيد ، وميمون بن مهران ، وعبد الله بن شداد ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وذر الهمداني وابن سيرين ، واستحبه الحسن . قال الزهري : مضت السنة أن في الحلي الزكاة ؟ وهو قول ابن شبرمة ، والأوزاعي ، والحسن بن حي . وقال الليث : ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه ، وما كان من حلي اتخذ ليحرز من الزكاة ففيه الزكاة ؟ وقال جابر بن عبد الله ، وابن عمر : لا زكاة في الحلي ؟ وهو قول أسماء بنت أبي بكر الصديق ؛ وروي أيضا عن عائشة ، وهو عنهما صحيح ، وهو قول الشعبي ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وأبي جعفر محمد بن علي ؛ وروي أيضا عن طاوس ، والحسن ، وسعيد بن المسيب . واختلف فيه قول سفيان الثوري ، فمرة رأى فيه الزكاة ، ومرة لم يرها قال أبو محمد : وهنا قول أنس : إن الزكاة فيه مرة واحدة ، ثم لا تعود فيه الزكاة . وروينا عن أبي أمامة الباهلي وخالد بن معدان : أن حلية السيف من الكنوز . وعن إبراهيم النخعي وعطاء : لا زكاة في قدح مفضض ولا في منطقة محلاة ولا في سيف محلى . قال علي : أما قول مالك فتقسيم غير صحيح ، وما علمنا ذلك التقسيم عن أحد قبله ، ولا تقوم على صحته حجة من قرآن ولا سنة ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي له وجه والعجب أنهم احتجوا في ذلك بأن الزكاة إنما سقطت عن الحلي المتخذ للنساء لأنه مباح لهن ، وكذلك عن المنطقة ، والسيف ، وحلية المصحف ، والخاتم للرجال قال أبو محمد : فكان هذا الاحتجاج عجبا ولقد علم كل مسلم أن الدنانير والدراهم ونقار الذهب والفضة - : مباح اتخاذ كل ذلك للرجال والنساء فينبغي على هذا أن تسقط الزكاة عن كل ذلك ، إن كانت هذه العلة صحيحة ويلزم على هذه العلة أن من اتخذ ما لا زكاة فيه - مما لم يبح له اتخاذه - أن تكون فيه الزكاة عقوبة له ، كما أسقط الزكاة عما فيه الزكاة من الذهب والفضة إذا اتخذ منه حلي مباح اتخاذه فإن قالوا : إنه يشبه متاع البيت الذي لا زكاة فيه من الثياب ونحوها ؟ قلنا لهم : فأسقطوا بهذه العلة نفسها - إن صححتموها - الزكاة عن الإبل المتخذة للركوب والسني والحمل والطحن ، وعن البقر المتخذة للحرث ؟ وقبل كل شيء وبعد ، فمع فساد هذه العلة وتناقضها ، من أين قلتم بها ؟ ومن أين صح لكم أن ما أبيح اتخاذه من الحلي تسقط عنه الزكاة ؟ وما هو إلا قولكم جعلتموه حجة لقولكم ولا مزيد ثم أين وجدتم إباحة اتخاذ المنطقة المحلاة بالفضة والمصحف المحلى بالفضة للرجال دون السرج واللجام ، والمهاميز المحلاة بالفضة ؟ فإن ادعوا في ذلك رواية عن السلف ادعوا ما لا يجدونه وأوجدناهم عن السلف بأصح طريق من طريق البخاري محمد بن إسماعيل في تاريخه عن عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه مصعب بن سعد قال : رأيت على سعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وصهيب خواتيم ذهب ؟ وصح أيضا عن البراء بن عازب . فأسقطوا لهذا الزكاة عن خواتيم الذهب للرجال ؛ أو قيسوا حلية السرج واللجام والدرع والبيضة على المنطقة والسيف ؛ وإلا فلا النصوص اتبعتم ، ولا القياس استعملتم فسقط هذا القول بيقين ؟ وأما قول الليث ففاسد أيضا ، لأنه لا يخلو حلي النساء من أن تكون فيه الزكاة أو لا تكون فيه الزكاة ، فإن كانت فيه الزكاة ففي كل حال فيه الزكاة وإن كان لا زكاة فيه فما علمنا على من اتخذ ما لا زكاة فيه ليحرزه من الزكاة زكاة ولو كان هذا لوجب على من اشترى بدراهمه دارا أو ضيعة ليحرزها من الزكاة أن يزكيها ، وهو لا يقول بهذا ؟ وأما الشافعي فإنه علل ذلك بالنماء . فأسقط الزكاة عن الحلي وعن الإبل ؛ والبقر والغنم غير السوائم ؟ قال أبو محمد : وهذا تعليل فاسد ؛ لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا نظر صحيح ؛ وقد علمنا أن الثمار والخضر تنمي ، وهو لا يرى الزكاة فيها وكراء الإبل ، وعمل البقر ينمي ، وهو لا يرى الزكاة فيها والدراهم لا تنمي إذا بقيت عند مالكها ، وهو يرى الزكاة فيها ، والحلي ينمي كراؤه وقيمته ، وهو لا يرى الزكاة فيه ؟ وأما أبو حنيفة - فأوجب الزكاة في الحلي ، وأسقط الزكاة عن المستعملة من الإبل ، والبقر ، والغنم ؛ وهذا تناقض واحتج له بعض مقلديه بأن الذهب ، والفضة قبل أن يتخذ حليا كانت فيهما الزكاة ، ثم قالت طائفة : قد سقط عنهما حق الزكاة . وقال آخرون : لم يسقط ، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف ؟ فقلنا : هذه حجة صحيحة ؛ إلا أنها لازمة لكم في غير السوائم ؛ لاتفاق الكل على وجوب الزكاة فيها قبل أن تعلف ، فلما علفت اختلفوا في سقوط الزكاة أو تماديها ، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف ؟ وقال هذا القائل : وجدنا المعلوفة ننفق عليها ونأخذ منها ، ووجدنا السوائم نأخذ منها ولا ننفق عليها ؛ والحلي يؤخذ كراؤه وينتفع به ولا ينفق عليه ، فكان أشبه بالسوائم منه بالمعلوفة ؟ فقيل له : والسائمة أيضا ينفق عليها أجر الراعي . وهذه كلها أهواس وتحكم في الدين بالضلال ؟ قال أبو محمد : واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلي بآثار واهية ، لا وجه للاشتغال بها ، إلا أننا ننبه عليها تبكيتا للمالكيين المحتجين بمثلها وبما هو دونها إذا وافق تقليدهم وهي - : خبر رويناه من طريق خالد بن الحارث عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن امرأة دخلت على رسول الله ﷺ وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها : أتؤدين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ فألقتهما ، وقالت : هما لله ولرسوله } . والمالكيون يحتجون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافق أهواءهم ، ولم يروه هاهنا حجة ؟ - : وخبر من طريق عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن { أم سلمة أم المؤمنين قالت كنت ألبس أوضاحا لي من ذهب ، فقلت : يا رسول الله أكنز هو ؟ قال : ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز } . وعتاب مجهول ، إلا أن المالكيين يحتجون بمثل حرام بن عثمان ، وسوار بن مصعب ، وهذا خير منه ؟ - : ومن طريق يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر : أن محمد بن عمرو هو ابن عطاء - أخبره [ عن ] عبد الله بن شداد بن الهاد قال : { دخلنا على عائشة أم المؤمنين فقالت دخل علي رسول الله ﷺ فرأى في يدي سخابا من ورق فقال : أتؤدين زكاته ؟ قلت : لا ، أو ما شاء الله تعالى ، فقال : هو حسبك من النار } . قال أبو محمد : يحيى بن أيوب ضعيف ، والمالكيون يحتجون بروايته ، إذا وافق أهواءهم . ونقول للحنفيين : أنتم قد تركتم رواية أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا من أجل أنكم رويتم من طريق لا خير فيها أنه خالف ما روي من ذلك لا حجة لكم في ترك ذلك الخبر الثابت إلا بهذا ، ثم أخذتم براوية عائشة هذه التي لا تصح ؛ وهي قد خالفته من أصح طريق ، فما هذا التلاعب بالدين ؟ فإن قالوا : قد روي عنها الأخذ بما روت من هذا ؟ قلنا لهم : وقد صح عن أبي هريرة الأخذ بما روى في غسل الإناء من ولوغ الكلب ؟ فإن قالوا : قد روى زكاة الحلي كما أوردتم غير عائشة ، وهو عبد الله بن عمرو . قلنا لهم : وقد روى غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا غير أبي هريرة ، وهو عبد الله بن مغفل ؛ وهذا ما لا انفكاك لهم منه ؟ قال أبو محمد : لو لم يكن إلا هذه الآثار لما قلنا بوجوب الزكاة في الحلي ؛ ولكن لما صح عن رسول الله ﷺ { في الرقة ربع العشر } { وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم } وكان الحلي ورقا وجب فيه حق الزكاة ، لعموم هذين الأثرين الصحيحين ؟ وأما الذهب فقد صح عن رسول الله ﷺ { ما من صاحب ذهب لا يؤدي ما فيها إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها } فوجبت الزكاة في كل ذهب بهذا النص ، وإنما تسقط الزكاة من الذهب عمن لا بيان في هذا النص بإيجابها فيه ؛ وهو العدد والوقت ، لإجماع الأمة كلها - بلا خلاف منها أصلا - على أنه عليه الصلاة والسلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب ، ولا في كل وقت من الزمان ، فلما صح ذلك ولم يأت نص في العدد والوقت وجب أن لا يضاف إلى رسول الله ﷺ إلا ما صح عنه بنقل آحاد أو بنقل إجماع ؛ ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلا بعض أحوال الذهب وصفاته ، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص ولا إجماع ؟ فإن قيل : فهلا أخذتم بقول أنس في الحلي بهذا الدليل نفسه ، فلم توجبوا فيه الزكاة إلا مرة واحدة في الدهر ؟ قلنا لهم : لأنه قد صح عن النبي ﷺ إيجاب الزكاة في الذهب عموما ، ولم يخص الحلي منه بسقوط الزكاة فيه ، لا بنص ولا بإجماع ، فوجبت الزكاة بالنص في كل ذهب وفضة ، وخص الإجماع المتيقن بعض الأعداد منهما وبعض الأزمان ، فلم تجب الزكاة فيهما إلا في عدد أوجبه نص أو إجماع وفي زمان أوجبه نص أو إجماع ، ولم يجز تخصيص شيء منهما ؛ إذ قد عمهما النص ؛ فوجب أن لا يفرق بين أحوال الذهب بغير نص ولا إجماع ، وصح يقينا - بلا خلاف - أن رسول الله ﷺ كان يوجب الزكاة في الذهب والفضة كل عام ، والحلي فضة أو ذهب ، فلا يجوز أن يقال " إلا الحلي " بغير نص في ذلك ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق . وأما الجمع بين الفضة والذهب في الزكاة فإن مالكا ، وأبا يوسف ، ومحمد بن الحسن ، قالوا : من كان معه من الدراهم والدنانير ما إذا حسبهما على أن كل دينار بإزاء عشرة دراهم فاجتمع من ذلك عشرون دينارا أو مائتا درهم - زكى الجميع زكاة واحدة ، مثل أن يكون له دينار ومائة وتسعون درهما ، أو عشرة دراهم وتسعة عشر دينارا أو عشرة دنانير ومائة درهم وعلى هذا الحكم أبدا . فإن كان له أقل من ذلك فلا زكاة عليه ، ولم يلتفتوا إلى غلاء قيمة الدنانير ، أو الدراهم أو رخصها - وهو قول أبي حنيفة الأول ؟ ثم رجع فقال : يجمع بينهما بالقيمة ، فإذا بلغ قيمة ما عنده منهما جميعا عشرين دينارا أو مائتي درهم فعليه الزكاة ، وإلا فلا ، فيرى على من عنده دينار واحد يساوي - لغلاء الذهب - مائتي درهم غير درهم وعنده درهم واحد - : أن الزكاة واجبة عليه ، ولم ير على من عنده تسعة عشر دينارا ومائتي درهم غير درهم - لا تساوي دينارا - زكاة وقال ابن أبي ليلى ؛ وشريك ؛ والحسن بن حي ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا يضم ذهب إلى ورق أصلا ؛ لا بقيمة ولا على الأجزاء ، فمن عنده مائتا درهم غير حبة وعشرون دينارا غير حبة - : فلا زكاة عليه فيهما ، فإن كمل أحدهما نصابا زكاه ولم يزك الآخر ؟ قال أبو محمد : واحتج من رأى الجمع بينهما بأنهما أثمان الأشياء ؟ قال علي : فيقال له : والفلوس قد تكون أثمانا أيضا ، فزكها على هذا الرأي الفاسد . والأشياء كلها قد يباع بعضها ببعض ، فتكون أثمانا ، فزك العروض بهذه العلة وأيضا : فمن لكم بأنهما لما كانا أثمانا للأشياء وجب ضمهما في الزكاة ؟ فهذه علة لم يصححها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية فاسدة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس يعقل ، ولا رأي سديد وإنما هي دعوى في غاية الفساد ؟ وأيضا : فإذ صححتموها فاجمعوا بين الإبل والبقر في الزكاة ، لأنهما يؤكلان وتشرب ألبانهما ، ويجزئ كل واحد منهما عن سبعة في الهدي نعم ، واجمعوا بينهما وبين الغنم في الزكاة ، لأنها كلها تجوز في الأضاحي وتجب فيها الزكاة فإن قيل : النص فرق بينهما ؟ قلنا : والنص فرق بين الذهب ، والفضة في الزكاة ، لا يخلو الذهب ، والفضة من أن يكونا جنسا واحدا أو جنسين ، فإن كانا جنسا واحدا فحرموا بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، وإن كانا جنسين فالجمع بين الجنسين لا يجوز ، إلا بنص وارد في ذلك ويلزمهم الجمع بين التمر ، والزبيب في الزكاة ، وهم لا يقولون هذا ، لأنهما قوتان حلوان فظهر فساد هذا القول بيقين ؟ وأيضا : فيلزم من رأى الجمع بينهما بالقيمة أن يزكي في بعض الأوقات دينارا أو درهما فقد شاهدنا الدينار يبلغ بالأندلس أزيد من مائتي درهم ، وهذا باطل شنيع جدا ويلزم من رأى الجمع بينهما بتكامل الأجزاء أنه إن كان الذهب رخيصا أو غاليا فإنه يخرج الذهب عن الذهب ، والفضة بالقيمة . أو تخرج الفضة عن الذهب والفضة بالقيمة وهذا ضد ما جمع به بينهما ، فمرة راعى القيمة لا الأجزاء ، ومرة راعى الأجزاء لا القيمة ، في زكاة واحدة وهذا خطأ بيقين ولا فرق بين هذا القول وبين من قال : بل أجمع الذهب مع الفضة بالقيمة وأخرج عنهما أحدهما بمراعاة الأجزاء ؛ وكلاهما تحكم بالباطل ؟ وأيضا : فيلزمه إذا اجتمع له ذهب وفضة تجب فيهما عنده الزكاة - وكان الدينار قيمته أكثر من عشرة دراهم - فإنه إن أخرج ذهبا عن كليهما فإنه يخرج ربع دينار وأقل عن زكاة عشرين دينارا ، وهذا باطل عندهم ، وإن أخرج دراهم عن كليهما - وكان الدينار لا يساوي إلا أقل من عشرة دراهم - وجب أن يخرج أكثر من عشرة دراهم عن مائتي درهم ، وهذا باطل بإجماع ؟ فإن قالوا : إنكم تجمعون بين الضأن والماعز في الزكاة ، وهما نوعان مختلفان ؟ قلنا نعم ، لأن الزكاة جاءت فيهما باسم يجمعهما ، وهو لفظ " الغنم " " والشاء " ولم تأت الزكاة في الذهب ، والفضة بلفظ يجمعهما ولو لم تأت الزكاة في الضأن إلا باسم " الضأن " ولا في الماعز إلا باسم " الماعز " لما جمعنا بينهما ، كما لم نجمع بين البقر ، والإبل ولو جاءت الزكاة في الذهب ، والفضة بلفظ واسم جمع بينهما لجمعنا بينهما ؟ قال أبو محمد : وهم مجمعون على أن الذهب غير الفضة ، وأنه يجوز بيع درهم من أحدهما بمائة من الآخر ، وأن أحدهما حلال للنساء والرجال ، والآخر حلال للنساء حرام على الرجال ، وهم مقرون أن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ، ولا في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في عشرة دنانير ومائة درهم وهذا تناقض لا خفاء به ؟ قال أبو محمد : وحجتنا في أنه لا يحل الجمع بينهما في الزكاة هو قول رسول الله ﷺ : { ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة } فكان من جمع بين الذهب ، والفضة قد أوجب الزكاة في أقل من خمس أواق وهذا خلاف مجرد لأمر رسول الله ﷺ وشرع لم يأذن الله تعالى به ؛ وهم يصححون الخبر في إسقاط الزكاة في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في أقل . وهذا عظيم جدا وقد صح عن علي ، وعمر ، وابن عمر : إسقاط الزكاة في أقل من مائتي درهم ، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم - وبالله تعالى التوفيق . وأما إخراج الذهب عن الورق ، والورق عن الذهب ، فإن مالكا ، وأبا حنيفة أجازاه ومنع منه الشافعي ، وأبو سليمان ، وبه نأخذ ؛ لأن رسول الله ﷺ قال : { في الرقة ربع العشر ، وفي مائتي درهم خمسة دراهم } فمن أخرج غير ما أمر رسول الله ﷺ بإخراجه فقد تعدى حدود الله . { ومن يطع الرسول فقد أطاع الله } . { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . ولم يأت بما أمر ، ومن لم يأت بما أمر فلم يزك ؟ ( وأما الذهب فالأمة كلها مجمعة على أنه إن أخرج في زكاتها الذهب ) فقد أدى ما عليه ، ووافق ما أمره به رسول الله ﷺ ؟ واختلفوا فيمن أخرج فضة عن ذهب ، أو عرضا عن أحدهما ، أو غير ما جاء به النص ( عن رسول الله ﷺ ) فيما عداهما فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله ﷺ حكما بغير نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .