انتقل إلى المحتوى

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة الخامسة عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الأطعمة

997 - مسألة: ولا يحل أكل شيء من الحمر الإنسية توحشت أو لم تتوحش، وحلال أكل حمر الوحش تأنست أو لم تتأنس، وحلال أكل الخيل والبغال:

روينا من طريق البخاري نا محمد بن سلام نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي أنا أيوب هو السختياني عن محمد، هو ابن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله أمر مناديا فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم. فصح أنها كلها رجس، وإهراق الصحابة رضي الله عنهم القدور بها بحضرة النبي بيان أن ودكها وشحمها وعظمها وكل شيء منها حرام.

ومن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل.

ومن طريق مسلم حدثني محمد بن حاتم نا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش فنهانا رسول الله عن الحمار الأهلي.

وروينا تحريم الحمر الأهلية عن النبي من طريق البراء بن عازب، وعبد الله بن أبي أوفى، وعلي بن أبي طالب، وأبي ثعلبة الخشني، والحكم بن عمرو الغفاري: وسلمة بن الأكوع، وابن عمر بأسانيد كالشمس. وعن أنس وجابر كما ذكرنا، فهو نقل تواتر لا يسع أحدا خلافه.

وروينا من طريق عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أنه كان ينهى عن لحوم الحمر ويأمر بلحوم الخيل. وقد روينا النهي عنها عن مجزأة بن زاهر أحد المبايعين تحت الشجرة، وعن سعيد بن جبير في لحوم الحمر قال: هي حرام ألبتة.

وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان ونحا نحوه مالك، فإن ذكر ذاكر: أن ابن عباس أباحها. قلنا: لا حجة في أحد مع رسول الله فكيف، وابن عباس قد أخبر بأنه متوقف فيها كما روينا من طريق البخاري نا محمد بن أبي الحسين نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا عاصم بن أبي النجود عن عامر الشعبي، عن ابن عباس، أنه قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمه في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية " فهذا ظن منه، ووهلة لأنه لو لم يحرمها عليه السلام جملة لبين وجه نهيه عنها، ولم يدع الناس إلى الحيرة ; فكيف وقوله عليه السلام فإنها رجس ويبطل كل ظن ولقد كانوا إلى الخيل بلا شك أحوج منهم إلى الحمر، فما حمله ذلك على نهي عنها ; بل أباح أكلها وذكاتها، إذ كانت حلالا، وبذلك أيضا يبطل قول من قال: إنما نهى عنها لأنها لم تخمس.

وأما قول من قال: إنما حرمت لأنها كانت تأكل العذرة فظن كاذب أيضا بلا برهان، والدجاج آكل منها للعذرة وهي حلال.

فإن ذكروا: أن عائشة أم المؤمنين احتجت بقوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية قلنا: لم يبلغها التحريم ولو بلغها لقالت به، كما فعلت في الغراب، وليس مذكورا في هذه الآية.

فإن ذكروا: ما روي من قوله عليه السلام في لحوم الحمر أطعم أهلك من سمين مالك، فإنما كرهت لكم جوال القرية، أليس تأكل الشجر وترعى الفلاة فأصد منها. فهذا كله باطل، لأنها من طريق عبد الرحمن بن بشر وهو مجهول، والآخر من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن لويم وهو مجهول أو من طريق شريك وهو ضعيف. ثم عن أبي الحسن، ولا يدرى من هو عن غالب بن ديج، ولا يدرى من هو ومن طريق سلمى بنت النضر الخضرية، ولا يدرى من هي.

وأما حمر الوحش: فكما ذكرنا عن النبي تحليلها.

وقال مالك: إن دجن لم يؤكل وهذا خطأ لأنه لم يأت به نص ; فهو قول بلا برهان، ولا يصير الوحشي من جنس الأهلي حراما بالدجون، ولا يصير الأهلي من جنس الوحشي حلالا بالتوحش.

وأما البغال، والخيل: فقد روينا من طريق صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد أن النبي نهى عن أكل لحوم الخيل، والبغال، والحمير، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير.

ومن طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر نهى رسول الله عن لحوم الحمر والخيل والبغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وحرم المجثمة. وخبر رويناه من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر نهانا رسول الله عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل. وذكروا قول الله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون}.

وقال تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}. قالوا: فذكر في الأنعام الأكل، ولم يذكره في الخيل، والبغال، والحمير. وقالوا: البغل ولد الحمار فهو متولد منه والمتولد من الحرام حرام.

قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به فأما الأخبار فلا يحتج بشيء منها: أما حديث صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب فهالك لأنهم مجهولون كلهم، ثم فيه دليل الوضع، لأن فيه عن خالد بن الوليد قال: غزوت مع النبي خيبر وهذا باطل ; لأنه لم يسلم خالد إلا بعد خيبر بلا خلاف.

وأما حديث عكرمة بن عمار، فعكرمة ضعيف. وقد روينا من طريقه خبرا موضوعا ليس فيه أحد يتهم غيره:

فأما أدخل عليه فلم يأبه له، وأما البلية من قبله; وقد ذكرناه مبينا في كتاب الإيصال.

وأما حديث حماد بن سلمة فإنه لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر ; وقد ذكرنا قبل الرواية الصحيحة أن ما لم يكن عند الليث بن سعد من حديثه عن جابر، ولا ذكر فيه سماعا من جابر فلم يسمعه من جابر فصح منقطعا. وقد روينا هذا الخبر من طريق أبي الزبير أنه سمع من جابر فلم يذكر فيه البغال وقد صح قبل عن جابر إباحة الخيل عن النبي .

وأما الآية: فلا ذكر فيها للأكل لا بإباحة، ولا بتحريم، فلا حجة لهم فيها، ولا ذكر فيها أيضا البيع فينبغي أن يحرموه لأنه لم يذكر في الآية، وإباحة النبي لها حاكم على كل شيء. وقد صح من طريق أسماء بنت أبي بكر الصديق نحرنا على عهد رسول الله فرسا فأكلناه. رويناه من طريق البخاري عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء. ورويناه أيضا: من طريق وكيع، وحفص بن غياث، وسفيان الثوري، وعبد الله بن نمير، ومعمر، وأبي معاوية، وأبي أسامة، كلهم عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر الصديق.

ومن طريق ابن سعيد القطان، عن ابن جريج سألت عطاء بن أبي رباح عن لحم الفرس فقال: لم يزل سلفك يأكلونه قلت: أصحاب رسول الله قال: نعم. وقد أدرك عطاء جمهور الصحابة من عائشة أم المؤمنين فمن دونها.

ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: ذبح أصحاب ابن مسعود فرسا، قال ابن مهدي: فاقتسموه بينهم ; وقال عبد الرزاق: فأكلوه.

ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم قال: أهدي للأسود بن يزيد لحم فرس فأكل منه وبه إلى هشيم عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير قال: ما أكلت لحما أطيب من معرفة برذون.

ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن لحم الفرس، والبغل، والبرذون فقال: لا أعلمه حراما، ولا يفتي أحد من العلماء بأكله.

قال أبو محمد: لم يحرم الزهري البغل، وأما فتيا العلماء بأكل الفرس فتكاد أن تكون إجماعا على ما ذكرنا قبل وما نعلم عن أحد من السلف كراهة أكل لحوم الخيل إلا رواية، عن ابن عباس لا تصح ; لأنه عن مولى نافع بن علقمة وهو مجهول لم يذكر اسمه فلا يدرى من هو. ولو صح عندنا في البغل نهي لقلنا به.

وأما قولهم: إن البغل ولد الحمار، ومتولد منه، فإن البغل مذ ينفخ فيه الروح فهو غير الحمار، ولا يسمى حمارا، فلا يجوز أن يحكم له بحكم الحمار، لأن النص إنما جاء بتحريم الحمار، والبغل ليس حمارا، ولا جزءا من الحمار. وقال بعض الجهال: الحمار حرام بالنص، والفرس، والبغل مثله، لأنهما ذوا حافر مثله فكان هذا من أسخف قياس في الأرض، لأنه يقال له: ما الفرق بينك وبين من عارضك فقال: قد صح تحليل الفرس بالنص الثابت، والبغل والحمار ذوا حافر مثله، فهما حلال ; فهل أنتما في مخالفة رسول الله إلا فرسا رهان أو من قال لك: حمار وحش حلال بإجماع وهو ذو حافر، فالفرس، والبغل مثله وهذا كله تخليط، بل حمار الوحش، والفرس منصوص على تحليلهما، والحمار الأهلي منصوص على تحريمه، فلا يجوز مخالفة النصوص.

وأما البغل فقد قال الله تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا}.

وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}. فالبغل حلال بنص القرآن لأنه لم يفصل تحريمه، ولا يحل من الحمار إلا ما أحله النص من ملكه، وبيعه، وابتياعه، وركوبه، فقط وبالله تعالى نتأيد.

998 - مسألة: وكل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه، لأنه بعضه ومنسوب إليه وبالله تعالى التوفيق: إلا ألبان النساء فهي حلال كما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق. ويقال: لبن الأتان، ولبن الخنزير، وبيض الغراب، وبيض الحية، وبيض الحدأة كما يقال يد الخنزير، ورأس الحمار، وجناح الغراب، وزمكى الحدأة، ولا فرق.

999 - مسألة: ولا يحل أكل الهدهد، ولا الصرد، ولا الضفدع، لنهي النبي عن قتلها، كما ذكرنا قبل.

1000 - مسألة: والسلحفاة البرية والبحرية حلال أكلها، وأكل بيضها لقول الله تعالى: {كلوا مما في الأرض حلالا طيبا} مع قوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} ولم يفصل لنا تحريم السلحفاة، فهي حلال كلها وما تولد منها.

وكذلك النسور، والرخم، والبلزج، والقنافذ، واليربوع، وأم حبين والوبر، والسرطان، والجراذين، والورل، والطير كله، وكل ما أمكن أن يذكى مما لم يفصل تحريمه.

وكذلك الخفاش، والوطواط، والخطاف وبالله تعالى التوفيق.

روينا عن عطاء إباحة أكل السلحفاة، والسرطان. وعن طاووس، والحسن، ومحمد بن علي، وفقهاء المدينة: إباحة أكل السلحفاة. وعن ابن عباس: أنه نهى المحرم عن قتل الرخمة وجعل فيها الجزاء، فإن ذكر الخبر الذي فيه: القنفذ خبيث من الخبائث فهو عن شيخ مجهول لم يسم ولو صح لقلنا به، وما خالفناه.

1001 - مسألة: ولا يحل أكل لحوم الجلالة، ولا شرب ألبانها، ولا ما تصرف منها ; لأنه منها وبعضها، ولا يحل ركوبها، وهي التي تأكل العذرة من الإبل وغير الإبل من ذوات الأربع خاصة. ولا يسمى الدجاج، ولا الطير: جلالة، وإن كانت تأكل العذرة فإذا قطع عنها أكلها فانقطع عنها الأسم حل أكلها، وألبانها، وركوبها. لما روينا من طريق أبي داود نا عثمان بن أبي شيبة نا عبدة عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله عن أكل الجلالة وألبانها.

ومن طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن يزيد نا يزيد بن محمد نا يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس نهى رسول الله عن لبن الجلالة ولحومها وعن أكل المجثمة وهذا عموم لكل ما طعامه الجلة، وهي العذرة هكذا روينا عن الأصمعي، وأبي عبيد.

ومن طريق أبي داود نا أحمد بن سريج الرازي أنا عبد الله بن جهم نا عمرو يعني ابن أبي قيس عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها ففي هذا بعض ما في ذلك. وفيه أيضا زيادة الركوب وتحريمه.

روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه: أن عمر قال لرجل له إبل جلالة: لا تحج عليها، ولا تعتمر.

ومن طريق ابن وهب، عن ابن جريج كان عطاء ينهى عن جلالة الإبل، والغنم أن تؤكل فإن حبستهما وعلفتهما حتى تطيب بطونهما فلا بأس حينئذ بأكلها. قال ابن جريج: وأخبرني عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر، أنه قال: لا أصاحب أحدا ركب جلالة.

1002 - مسألة: ولا يحل أكل ما ذبح أو نحر لغير الله تعالى، ولا ما سمي عليه غير الله تعالى متقربا بتلك الذكاة إليه سواء ذكر الله تعالى معه أو لم يذكر وكذلك ما ذكي من الصيد لغيره تعالى: فلو قال: باسم الله وصلى الله على المسيح، أو قال: على محمد، أو ذكر سائر الأنبياء، فهو حلال ; لأنه لم يهل به لهم، قال الله تعالى: {أو فسقا أهل لغير الله به} فسواء ذكر الله تعالى عليه، أو لم يذكر هو مما أهل لغير الله تعالى به فهو حرام سواء ذبحه مسلم أو كتابي. وقال بعض القائلين: قد أباح الله تعالى لنا أكل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون: وهذا ليس حجة في إباحة ما حرم الله تعالى، لأن الذي أباح لنا ذبائحهم ; وعلم ما يقولون هو الله عز وجل المحرم علينا ما أهل لغير الله به، فلا يحل ترك شيء من أمره تعالى لأمر آخر، ولا بد من استعمالهما جميعا، وليس ذلك إلا باستثناء الأقل من الأعم. ورويت في هذا روايات عن عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، والعرباض بن سارية، وعلي، وابن عباس، وأبي أمامة، كلها عن مجاهيل، أو عن كذاب، أو عن ضعيف ; ولكنه صحيح عن بعض التابعين.

وروينا عن عائشة أم المؤمنين أن امرأة سألتها عما ذبح لعيد النصارى فقالت عائشة: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا منه.

ومن طريق ابن عمر ما ذبح للكنيسة فلا تأكله.

ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن قيس عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي بن أبي طالب قال: إذا سمعت النصراني يقول: باسم المسيح، فلا تأكل، وإذا لم تسمع فكل. وصح عن إبراهيم النخعي في ذبيحة النصراني إذا توارى عنك فكل. وعن حماد بن أبي سليمان في ذبائح أهل الكتاب، قال: كل ما لم تسمعه أهل به لغير الله تعالى. وعن الحسن، وطاووس، ومجاهد: أنهم كرهوا ما ذبح للآلهة. وعن عمر بن عبد العزيز أنه وكل بهم من يمنعهم أن يشركوا على ذبائحهم، ويأمرهم أن يسموا الله تعالى.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري قال: إذا سمعت في الذبيحة غير اسم الله تعالى، فلا تأكل.

ومن طريق وكيع عن علي بن صالح عن محمد بن جحادة عن إبراهيم النخعي قال: إذا سمعته يهل بالمسيح، فلا تأكل.

وهو قول الحارث العكلي، ومحمد بن سيرين.

قال علي: ويقال لمن خالف هذا: قد أحل الله تعالى ذبائحهم، وهو تعالى يعلم أنهم يذبحون الخنزير، أفيأكله فمن قولهم: لا، لأن الله تعالى حرم الخنزير فيقال لهم: والله تعالى حرم ما أهل به لغيره كما حرم الخنزير سواء سواء، ولا فرق.

1003 - مسألة: ولا يحل أكل ما يصيده المحرم فقتله حيث كان من البلاد، أو يصيده المحل في حرم مكة، أو المدينة فقط، فقتله لقول الله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} فكل قتل نهى الله تعالى عنه فحرام أكل ما أميت به، لأنه غير الذكاة المأمور بها. وقال أبو ثور: أكله حلال، كذبيحة الغاصب، والسارق، ولا فرق.

1004 - مسألة: ولا يحل أكل ما لم يسم الله تعالى عليه بعمد أو نسيان. برهان ذلك: قول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} فعم تعالى ولم يخص.

وقال أبو حنيفة، ومالك: إن ترك عمدا لم يحل أكله، وإن ترك نسيانا حل أكله.

وقال الشافعي: هو حلال ترك عمدا، أو نسيانا.

روينا، عن ابن عباس من طريق فيها ابن لهيعة، أنه قال: إذا خرجت قانصا لا تريد إلا ذلك، فذكرت اسم الله حين تخرج، فإن ذلك يكفيك. وصح عن أبي هريرة فيمن ذبح وهو مغضب فلم يذكر الله تعالى أنه يؤكل وليسم الله تعالى إذا أكل. وعن عطاء إذا قال المسلم: باسم الشيطان فكل.

وروينا عن جماعة من التابعين إباحة أكل ما نسي ذكر الله تعالى عليه، ولم يذكر عنهم تحريمه في تعمد ترك الذكر.

قال أبو محمد: احتج أهل الإباحة لذلك بما رويناه من طريق عمران بن عيينة أخي سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاءت اليهود إلى رسول الله فقالوا: أنأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله عز وجل فأنزل الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} إلى آخر الآية.

قال علي: هذا من التمويه القبيح، وليت شعري أي ذكر في هذا الخبر لأباحة أكل ما لم يسم الله تعالى عليه، بل حجة عليهم كافية.

فأما قول الشافعي فما نعلم له حجة أصلا.

وأما الحنفيون، والمالكيون، فإنهم ذكروا خبرا رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد قال النبي : إن ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد. فهذا مرسل، والأحوص بن حكيم ليس بشيء، وراشد بن سعد ضعيف. وخبر آخر: من طريق وكيع نا ثور الشامي عن الصلت مولى سويد قال: قال النبي : ذبيحة المسلم حلال وإن نسي أن يذكر اسم الله لأنه إذا ذكر لم يذكر إلا الله تعالى. وهذا مرسل لا حجة فيه، والصلت أيضا مجهول لا يدرى من هو.

وقال بعضهم: إنما ذبحت بدينك.

قال علي: وما نذبح إلا بأدياننا وبما ينهر الدم، ومن الذبح بالدين أن يسمى الله تعالى فمن لم يسمه عز وجل فلم يذبح بدينه، ولا كما أمر. واحتجوا أيضا بأن قالوا: قال الله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به}

وقال رسول الله : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وأنتم تجيزون صلاة من تكلم فيها ناسيا، وصوم من أكل فيه ناسيا، فما الفرق قالوا: وقول الله تعالى: {وإنه لفسق} إخراج للناسي من هذه الجملة، لأن النسيان ليس فسقا. هذا كل ما احتجوا به، ولا حجة لهم في شيء منه. أما سقوط الجناح في الخطأ، وسقوط المؤاخذة بالنسيان والخطأ، ورفعهما عنا، فنعم وهو قولنا، وهكذا نقول: إنه ههنا مرفوع عنه الإثم والحرج إذا نسي التسمية، لكنا

قلنا: إنه لم يذك، لكن ظن أنه ذكى ولم يذك، كمن نسي الصلاة وظن أنه صلى وهو لم يصل، فلما لم يذك كان ميتة لا يحل أكله، لأن الله تعالى نهانا أن نأكل ما لم يذكر اسم الله عليه فكانت هذه الصفة متى وجدت في مذبوح أو منحور أو تصيد لم يحل أكله. والفرق بين ما جهلوا الفرق بينه من ذلك: هو أن العمل المأمور به من نسي أن يعمله، أو تعمد أن لا يعمله، فلم يعمله إلا أن الناسي غير حرج في نسيانه والعامد في حرج، وكل عمل عمله المرء مما أمر به فزاد فيه ما لم يؤمر به ناسيا فلا حرج عليه فيما عمل ناسيا، وعمله لما عمل مما أمر به صحيح جائز جاز فهذا هو حكم القرآن والسنن إلا ما جاء نص بإخراجه عن هذا الحكم فيوقف عنده.

وأما قوله تعالى: {وإنه لفسق} فلم نقل قط: إن نسيان الناسي لتسمية الله تعالى على ذبيحته ونحيرته وصيده: فسق، ولا قلنا: إن الله تعالى سمى نسيانه لذلك: فسقا، لكن الله تعالى سمى ذلك العقير الذي لم يذكر اسم الله عليه: فسقا هذا نص الآية الذي لا يجوز إحالتها عنه أن ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه، فإنه فسق، والفسق محرم، وما لم يذكر اسم الله عليه فهو مما أهل لغير الله به فهو حرام بنص الآية التي لا تحتمل تأويلا سواه وبالله تعالى التوفيق. نا حمام بن أحمد نا أبو محمد الباجي نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن مسلم نا أبو ثور نا معلى نا هشيم، عن يونس، هو ابن عبيد عن محمد بن زياد قال: إن رجلا نسي أن يسمي الله تعالى على شاة ذبحها فأمر ابن عمر غلامه فقال: إذا أراد أن يبيع منها لأحد فقل له: إن ابن عمر يقول: إن هذا لم يذكر اسم الله عليها حين ذبحها وهذا إسناد في غاية الصحة.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا معتمر بن سليمان عن خالد هو الحذاء، عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد قال: لا تأكل إلا مما ذكر اسم الله عليه.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن أشعث هو الحمراني، عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد سأله رجل عمن ذبح ونسي أن يسمي الله فتلا عبد الله قول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} وعبد الله هذا هو صحيح الصحبة.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي أنه كره ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه بنسيان.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قال: إذا وجدت سهما في صيد وقد مات فلا تأكله، إنك لا تدري من رماه، ولا تدري أسمى أم لم يسم ومن طريق وكيع نا عبد الله بن راشد المنقري، عن ابن سيرين فيما نسي أن يذكر اسم الله عليه أرأيت لو قلت: كل وقال الله: لا تأكل أكنت تأكل ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر أنه كره أكل ما نسي ذابحه أن يسمي الله تعالى عليه.

ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب، عن ابن سيرين أنه كره أكل ما نسي ذابحه أن يسمي الله تعالى عليه.

وهو قول أبي ثور، وأبي سليمان، وأصحابه، وبهذا جاءت السنن.

روينا من طريق أبي داود الطيالسي نا زائدة عن سعيد بن مسروق نا عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج قال: قال لنا رسول الله : ما أنهر الدم وذكر اسم الله تعالى عليه فكل وذكر باقي الحديث.

ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة نا الشعبي سمعت عدي بن حاتم يقول: قلت لرسول الله أرسل كلبي فأجد مع كلبي كلبا قد أخذ لا أدري أيهما أخذ فقال رسول الله : فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره فجعل عليه السلام المانع من الأكل لأنه لم يسم على الذي لا يدري أهو قتله أم غيره.

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الأطعمة
كتاب الأطعمة (مسألة 989(مكرر) - 993) | كتاب الأطعمة (مسألة 994 - 996) | كتاب الأطعمة (مسألة 997 - 1004) | كتاب الأطعمة (مسألة 1005 - 1022) | كتاب الأطعمة (مسألة 1023 - 1044)