محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة التاسعة
كتاب الأضاحي
973 - مسألة: الأضحية سنة حسنة, وليست فرضا، ومن تركها غير راغب عنها فلا حرج عليه في ذلك. ومن ضحى عن امرأته، أو ولده، أو أمته فحسن، ومن لا فلا حرج في ذلك. ومن أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي، لا بحلق، ولا بقص، ولا بنورة، ولا بغير ذلك، ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك.
روينا من طريق أبي داود نا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري نا أبي نا محمد بن عمرو نا عمر بن مسلم سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة أم المؤمنين تقول: قال رسول الله ﷺ: من كان له ذبح يذبحه فأهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي.
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سليمان بن سلم البلخي ثقة أنا النضر بن شميل أنا شعبة عن مالك بن أنس، عن ابن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي ﷺ قال: من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره حتى يضحي. فقوله عليه السلام: " فأراد أن يضحي برهان بأن الأضحية مردودة إلى إرادة المسلم، وما كان هكذا فليس فرضا.
وقال أبو حنيفة: الأضحية فرض، وعلى المرء أن يضحي عن زوجته فجمع وجوها من الخطأ، أولها: إيجابها عليه، ثم إيجابها على امرأته ; وإذ هي فرض فهي كالزكاة، وما يلزم أحد أن يزكي عن امرأته، ولا أن يهدي عنها هدي متعة، ولا جزاء صيد، ولا فدية حلق الرأس من الأذى. ثم خلاف أمر النبي ﷺ من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره، ولا من ظفره شيئا كما ذكرنا.
فإن قيل: كيف لا تكون فرضا وأنتم ترون فرضا على من أراد أن يضحي: أن لا يمس من شعره، ولا من ظفره إذا أهل هلال ذي الحجة حتى يضحي قلنا: نعم، لأنه ﷺ أمر بذلك من أراد أن يضحي، ولم يأمرنا بالأضحية، فلم نتعد ما حد، وكل سنة ليست فرضا، فإن لها حدودا مفروضة لا تكون إلا بها كمن أراد أن يتطوع بصلاة ففرض عليه ألا يصليها إلا بوضوء، وإلى القبلة، إلا أن يكون راكبا، وأن يقرأ فيها ويركع، ويسجد، ويجلس، ولا بد، وكمن أراد أن يصوم ففرض عليه أن يجتنب ما يجتنبه الصائم وإلا فليس صوما. وهكذا كل تطوع في الديانة، والأضحية كذلك إن أداها كما أمر وإلا فهي شاة لحم وليست أضحية.
فإن قيل: فقد جاء ما حق امرئ له شيء يريد أن يوصي فيه إلى آخر الحديث، ولم يكن هذا اللفظ منه عليه السلام دليلا عندكم على أن الوصية ليست فرضا، بل هي عندكم فرض قلنا: نعم، لأنه قد جاء نص آخر بإيجاب الوصية في القرآن والسنة قال تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} الآية فأخذنا بهذا ولم يأت نص بإيجاب الأضحية، ولو جاء لاخذنا به. واحتجوا بأشياء منها خبر من طريق أحمد بن زهير بن حرب عن يحيى بن أيوب عن معاذ بن معاذ، عن ابن عون عن أبي رملة عن مخنف بن سليم أن رسول الله ﷺ قال بعرفة: إن على كل أهل بيت في كل عام أضحى وعتيرة، أتدرون ما العتيرة هي التي يسميها الناس الرجبية.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عبد الكريم عن حبيب بن مخنف عن أبيه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول بعرفة على كل أهل بيت أن يذبحوا في كل رجب شاة وفي كل أضحى شاة.
ومن طريق محمد بن جرير الطبري نا ابن سنان القزاز نا أبو عاصم عن يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث حدثني أبي عن جده أنه سمع رسول الله ﷺ يقول في حجة الوداع من شاء فرع، ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر، ومن شاء لم يعتر، وفي الغنم أضحيتها.
ومن طريق الطبري أيضا: حدثني أبو عاصم مروان بن محمد الأنصاري نا يحيى بن سعيد القطان حدثني محمد بن أبي يحيى حدثتني أمي عن أم بلال الأسلمية قالت: قال رسول الله ﷺ: ضحوا بالجذع من الضأن.
ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر الجعفي عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: أمرت بالأضحى ولم تكتب.
ومن طريق ابن لهيعة، عن ابن أنعم عن عتبة بن حميد الضبي عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن معاذ بن جبل قال: كان رسول الله ﷺ يأمر أن نضحي ويأمر أن نطعم منها الجار والسائل.
ومن طريق وكيع نا الربيع عن الحسن أن رسول الله ﷺ أمر بالأضحى.
ومن طريق ابن أخي ابن وهب عن عمه عن عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري، عن ابن المسيب عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال: من وجد سعة فليضح.
ومن طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أبو يحيى بن أبي مسرة نا عبد الله بن يزيد المقري نا عبد الله بن عياش بن عباس القتباني حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من وجد سعة فلم يضح فلا يقرب مصلانا وكل هذا ليس بشيء. أما حديث مخنف فعن أبي رملة الغامدي، وحبيب بن مخنف وكلاهما مجهول لا يدرى.
وأما حديث الحارث فهو عن يحيى بن زرارة عن أبيه وكلاهما مجهول لا يدرى.
وأما حديث أم بلال ففيه أم محمد بن أبي يحيى هي مجهولة.
وأما حديث ابن عياش ففيه جابر الجعفي وهو كذاب.
وأما حديث معاذ ففيه ابن لهيعة، وابن أنعم وكلاهما في غاية السقوط.
وأما حديث الحسن فمرسل.
وأما حديث أبي هريرة فكلا طريقيه من رواية عبد الله بن عياش بن عباس القتباني فليس معروفا بالثقة فسقط كل ما موهوا به في ذلك. وذكروا قول الله تعالى: {فصل لربك وانحر} فقالوا: هو الأضحية.
قال أبو محمد:
وهذا قول على الله تعالى بغير علم، وقال تعالى: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}. وقد روينا عن علي، وابن عباس، وغيرهما: أنه وضع اليد عند النحر في الصلاة، ولعله نحر البدن فيما وجبت فيه.
كما روينا عن مجاهد، وإسماعيل بن أبي خالد وما نعلم أحدا قبلهم قال: إنها الأضاحي. وذكروا أيضا قوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا} وهذا لا دليل فيه على الفرض، وإنما فيه أن النسك لنا فهو فضل لا فرض. وذكروا الخبر الصحيح من قول رسول الله ﷺ: ومن ذبح قبل الصلاة فليعد ذبحا، ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله.
قال علي: أما أمره عليه السلام بإعادة الذبح من ذبح قبل الصلاة ففرض عليه لأنه أمر منه عليه السلام، ولا نكرة في وجود أمر في الدين ليس فرضا ويكون العوض منه فرضا فهم موافقون لنا فيمن تطوع بيوم ليس فرضا فأفطر عمدا أن قضاءه عليه فرض. ويقولون فيمن حج تطوعا فأفسده: أن قضاءه فرض، وإنما يراعي أمر الله تعالى وأمر رسوله ﷺ فما وجد فيه فهو فرض، وما لم يوجد فيه فليس فرضا.
وأما قوله عليه السلام: ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله فالدليل على أنه ليس أمر فرض صحة الإجماع على أن من ضحى ببعير فنحره فليس عليه فرضا أن يذبح فصح أنه أمر ندب وبالله تعالى التوفيق. وممن روينا عنه إيجاب الأضحية: مجاهد، ومكحول. وعن الشعبي: لم يكونوا يرخصون في ترك الأضحية إلا لحاج، أو مسافر.
وروي عن أبي هريرة، ولا يصح.
وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لقد رأيت أبا بكر، وعمر وما يضحيان كراهية أن يقتدى بهما.
ومن طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري، أنه قال: لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم مخافة أن يحسب الناس أنها حتم واجب.
ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص أنا عمران بن مسلم هو الجعفي عن سويد بن غفلة قال: قال لي بلال: ما كنت أبالي لو ضحيت بديك، ولان آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين مقتر فهو أحب إلي من أن أضحي.
ومن طريق حماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة عن زياد بن عبد الرحمن، عن ابن عمر قال: الأضحية سنة.
ومن طريق شعبة عن تميم بن حويص الأزدي قال: ضلت أضحيتي قبل أن أذبحها فسألت ابن عباس فقال: لا يضرك هذا كله صحيح:
ومن طريق وكيع نا أبو معشر المديني عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس أنه أعطى مولى له درهمين وقال: اشتر بهما لحما ومن لقيك فقل: هذه أضحية ابن عباس.
قال أبو محمد: لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة. وصح أن الأضحية ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي و، أنه قال: لان أتصدق بثلاثة دراهم أحب إلي من أن أضحي. وعن سعيد بن جبير، وعن عطاء، وعن الحسن، وعن طاووس، وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد وروي أيضا عن علقمة، ومحمد بن علي بن الحسين.
وهو قول سفيان، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي سليمان وهذا مما خالف فيه الحنفيون جمهور العلماء.
974 - مسألة: ولا تجزي في الأضحية العرجاء البين عرجها، بلغت المنسك أو لم تبلغ، مشت أو لم تمش. ولا المريضة البين مرضها والجرب مرض فإن كان كل ما ذكرنا لا يبين أجزأ. ولا تجزي العجفاء التي لا تنقي، ولا تجزي التي في أذنها شيء من النقص أو القطع، أو الثقب النافذ، ولا التي في عينها شيء من العيب، أو في عينيها كذلك، ولا البتراء في ذنبها. ثم كل عيب سوى ما ذكرنا فإنها تجزي به الأضحية كالخصي، وكسر القرن دمي، أو لم يدم والهتماء والمقطوعة الألية، وغير ذلك لا تحاش شيئا غير ما ذكرنا.
روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وغيرهما من أصحاب شعبة كلهم: نا شعبة سمعت سليمان بن عبد الرحمن قال: سمعت عبيد بن فيروز أن البراء بن عازب قال له رسول الله ﷺ: أربع لا تجزي في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقي. قال البراء: فما كرهت منه فدعه، ولا تحرمه على أحد.
قال علي: التي لا تنقي هي التي لا شيء من الشحم لها، فإن كان لها منه شيء وإن قل أجزأت عنه وإن كانت عجفاء:
روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن آدم عن عبد الرحيم، هو ابن سليمان عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله ﷺ أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة، ولا بمدابرة، ولا بتراء، ولا خرقاء.
ومن طريق أبي داود نا عبد الله بن محمد النفيلي نا زهير، هو ابن معاوية نا أبو إسحاق هو السبيعي عن شريح بن النعمان وكان رجل صدق عن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله ﷺ أن نستشرف العين، والأذن، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء. قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة قال: تقطع طرف الأذن، قلت: فما المدابرة قال تقطع مؤخر الأذن، قلت فما الشرقاء قال: تشق الأذن، قلت: فما الخرقاء قال: تخرق أذنها السمة. نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر الهروي نا علي بن عمر الدارقطني نا يحيى بن محمد بن صاعد نا محمد بن عبد الله المخزومي نا أبو كامل مظفر بن مدرك نا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب في الأضاحي قال قيس: قلت لأبي إسحاق: سمعته من شريح قال: حدثني عنه سعيد بن أشوع. قال الدارقطني: نا علي بن إبراهيم، عن ابن فارس عن محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح قال شريح بن النعمان الصايدي: سمع علي بن أبي طالب قال أبو نعيم،، ووكيع عن سفيان الثوري عن سعيد بن أشوع عن شريح بن النعمان سمعت علي بن أبي طالب يقول: سليمة العين والأذن وسعيد بن أشوع ثقة مشهور. فصح هذا الخبر.
وبه يقول طائفة من السلف.
روينا من طريق علي بن أبي طالب أنه أفتى بهذا وقال في الأضحية: لا مقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، سليمة العين والأذن.
ومن طريق عمرو بن مرة عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال: سليم العين والأذن.
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا ابن علية عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر في الأضحية أنه كره ناقص الخلق والسن.
ومن طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان أنه كره أن يضحى بالأبتر. وعن شعبة عن المغيرة عن إبراهيم أنه كره أن يضحى بالأبتر. وعن ابن سيرين أنه كره أن يضحى بالأبتر. وأجاز قوم أن يضحى بالأبتر، واحتجوا بأثرين رديئين أحدهما: من طريق جابر الجعفي عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد قال: اشتريت كبشا لأضحي به فعدا الذئب على ذنبه فقطعه فسألت النبي ﷺ فقال: ضح به، والآخر: من طريق الحجاج بن أرطاة عن بعض شيوخه أن النبي ﷺ سئل أيضحى بالبتراء قال: لا بأس بها. جابر كذاب، وحجاج ساقط، وعن بعض شيوخه ريح.
وروي، عن ابن عمر، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، والحكم: إجازة البتراء في الأضحية. وعن الحسن أنه حد القطع في الأذن بالنصف فأكثر. ولأبي حنيفة قولان: أحدهما: إن ذهب من العين أو الأذن، أو الذنب، أو الألية أقل من الثلث: أجزأت في الأضحية، فإن ذهب الثلث فصاعدا لم تجز. والآخر أنه حد ذلك بالنصف مكان الثلث. قال: فإن خلقت بلا أذن أجزأت وروي عنه لا تجزي.
وقال مالك: إن كان القرن ذاهبا لا يدمى أجزأت، فإن كان يدمى لم تجز، وقال أبو حنيفة، ومالك في العرجاء: إذا بلغت المنسك: أجزأت.
قال علي: هذه أقوال لا دليل على صحة شيء منها، ولا يعرف التحديد المذكور بالثلث، أو النصف في كل ذلك عن أحد قبل أبي حنيفة.
وروي عن علي من طريق لا تصح في العرجاء إذا بلغت المنسك.
وروي عن عمر المنع من العرجاء جملة. ويقال لمن صحح هذا: إن المنسك قد يكون على ذراع وأقل ويكون على فرسخ فأي ذلك تراعون وروي في الأعضب أثر: أنه لا يجزي، ولا يصح، لأنه من طريق جري بن كليب، وليس مشهورا عمن لم يسم عن علي. وجاء خبر في أنه لا تجزي المستأصلة قرنها، ولا يصح ; لأنه من طريق أبي حميد الرعيني عن أبي مضر وهما مجهولان. وحديث آخر في أنه لا تجزي الجدعاء، ولا يصح ; لأنه من طريق جابر الجعفي.
محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الأضاحي |
كتاب الأضاحي (مسألة 973 - 974) | كتاب الأضاحي (مسألة 975 - 976) | كتاب الأضاحي (مسألة 977 - 982) | كتاب الأضاحي (مسألة 983 - 989) |