محاضرات في تاريخ الدولة العباسية/الباب الثاني، الفصل الثالث: دولة الأغالبة في القيروان
ولاية إبراهيم بن الأغلب:
مؤسس دولة الأغالبة هو إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي ووالـده الأغلب قد عهد إليه المنصور بولاية أفريقية في أواخر سنة ١٤٨هـ ومات بضربة سهم في سنة ١٥٠هـ / ٧٦٧م1.
أما ابراهيم فيذكر عنه الكتاب أنه أمضى صباه في طلب العلم في فسطاط مصــر وأنه كان يختلف كثيراً إلى مجالس الليث بن سعد فقيه مصر الأشهر. وتذكر الروايـة أن الليث قال يوماً عنه: "ليكونن لهذا نبأ وشأن"2. ويفهم من رواية الرقيق أنه خرج مـن مصر شاداً رحاله إلى إفريقية حتى وصل الزاب وكان والي إفريقية في ذلك الوقت هـو الفضل ابن روح "فلقي من تعصبه وسوء مجاورته عظيمـاً"3. وولى ولاية الـــــــــــزاب وتدخل لنصرة محمد بن مقاتل العكي كما سبق أن رأينا.
ويفهم من الرواية أن ولاية إبراهيم لإفريقية لم تتم بسهولة، وأنه حدث بينه وبين الوالي السابق محمد بن مقاتل العكي صراع مرير. فهناك رواية في تاريخ إفريقيـة الرقيق تقول: أنه بعد أن أعاد ابن الأغلب إلى الولاية محمد بن مقاتل العكي كتـب صاحب البريد في إفريقية يحيى بن زياد إلى هارون الرشيد بخبر ابن العكي وتمـام، وما كان من أمورهم، فلما قرأ الرشيد الكتاب على أصحابه وعرفهم ما فعل إبراهيم بــن الأغلب وشاورهم في الأمر، واستشار على وجه الخصوص هرثمة بن أعين والي المغـرب السابق، الذي أكد له أنه ليس بإفريقية "أحد أفضل طاعة ولا أبعد صيتاً ولا أرضـى عند الناس من إبراهيم4 فكان ذلك سبباً في أن كتب الرشيد عهده على إفريقية إلى إبراهيم بن الأغلب5. وهناك رواية أخرى في كتاب الكامل لابن الأثير تقول ان ابن الأغلب كان قـد كتب إلى الرشيد بناء على طلب أهل البلد يطلب منه ولاية إفريقية وأنه عرض علــــى المعونة السنوية التي كانت تحمل إلى إفريقية من مصر وتقدر بمائة ألف دينار وأنه تعمد أن يحمل كل سنة أربعين ألف دينار إلى بيت مال الخلافة6. وكما يقول الدكتور سعد زغلول يمكن التوفيق بين الروايتين إذا اعتبرنا أن اتصال ابـن الأغلب بالرشيد بأن عن طريق عمال الخليفة مثل صاحب البريد7.
ونستشف من الرواية أن ابن مقاتل نما إليه خبر الاتصالات التي كان يقوم بهـا ابن الأغلب فناول بدوره القيام بعمل يكفل له الاستمرار في الولاية.
فعندما وصل عهد الرشيد لابن الأغلب أرسل ابراهيم إلى ابن مقاتل يقول لـه: "أقم ما شئت حتى تتجوز ولكن ابن مقاتل أقام أياماً ثم رحل إلى طرابلس وهناك لقـي رسولاً قدم من بغداد (حماد السعودي) برسالتين إلى ثغر إفريقية، فزيف أو افتـرى ابن العكي رسالة ثالثة تتضمن عزل إبراهيم وأرسل بها مع الكتابين إلى القيروان كما بعث برسالة أخرى إلى أحد أعوانه وهو سهل بن حاجب يستخلفه فيها على القيروان لحين قدومه8. فلما قرئت الرسالة مع الكتابين على الناس اجتمع الناس إلـى إبراهيم وطلبوا منه أن يظل في مكانه وأن يكتب إلى أمير المؤمنين يبين له فعل ابــن العكي، ورغم أن ابن الأغلب وافقهم على صحة اختلاق ابن العكي للرسالة وأنه إنما فعل ذلك واجترأ على ثغر إفريقية اعتماداً على مكانته القوية لدى جعفر بن يحيى إلا أنه حشد رجاله يريد الخروج إلى الزاب ولايته الاولى9.
وكتب صاحب البريد بالخبر كله إلى الرشيد فغضب وكتب إلى ابن العكي يعنفه على فعاله وختم خطابه بقوله: "فإذا نظرت في كتابي فأقدم غير محمود الفعـال" فعاد ابن مقاتل إلى المشرق "وكتب في نفس الوقت إلى إبراهيم ابن الأغلب بتجديـد ولايته فقدم الرسول بالكتاب إلى القيروان وإبراهيم بالزاب فسار إليه في الزاب فعـاد إبراهيم إلى القيروان في ١٢ جمادى الآخرة سنة ١٨٤هـ10 . ولما ولي إبراهيم إفريقية انقمع الشر بها وضبط أمرها وأحسن إلى من بها من أهل الخيـر11.
بناء العباسية (القصر القديم) وجعلها حاضرة إفريقية:
بدأ إبراهیم عهده بتشييد مدينة أو عاصمة جديدة ويذكر ابن عذاري أنه شرع في تخطيطها في سنة ١٨٥هـ وأنها صارت بعد ذلك حاضرة لأمراء بني الأغلب12. ووقع اختياره على قطعة من الأرض، تبعد ثلاثة أميال من القيروان وكانت ملكاً لجماعـة من بني طالوت فاشتراها منهم13. أما عن السبب الذي دفعه إلى الابتعاد عـن القيروان فهو مما نستبين من رواية الرقيق، علمه أنه لا سلطان له على وجوه الجند وخوفه من قيامهم عليه لأن أكثرهم يرى أنه أحق بالأمر منه، ولذلك فقد رأى أن يبتعـد عنهم14. وابتنى بالمدينة قصراً، كما ابتنی مسجداً كما تنص رواية الرقيق كان يتولـى الصلاة فيه بنفسه15 وبعد أن تم البناء أطلق ابن الأغلب على مدينته الجديدة اسم العباسية كما يقول ابن الأثير16 هذا كما أنها عرفت أيضاً باسم القصر القديم كما ينص على ذلك الرقيق ومن نقلوا عنه17.
وكان إبراهيم يعمل في خفية على تحقيق هدفه من إنشاء القصر القديم وهو التحرر من سيطرة العسكر ولكي يحقق هدفه هذا، أخذ يراعي "أمور أجناده ويصلح طاعتهـم ويتفقه أمورهم، ويصبر على جفائهم"18. ثم أخذ في شراء العبيد وأظهر أنه يريد أن يتخذ من كل صناعة صنعة تغنيه عن استعمال الرعية في كل شيء من أمورهم، ثـم اشترى عبيد لحمل سلاحه وأظهر للجند أنه أراد بذلك إكرامهم عن حمل سلاحه. ولمـا تم له ما أراد انتقل من دار الإمارة وسار إلى القصر القديم بعبيده وأهله وحشمه وأهـل بيته، وكان انتقالـه لـه بالليـل، وأسكن في حاضرته الجديـدة مـن یثق به من الجند19.
إقرار ابن الأغلب للأمور في إفريقية:
حدث ما كان يخافه ابن الأغلب من عسكر إفريقية ففي سنة ١٨٦هـ تعرض ابـن الأغلب لثورة عظيمة تزعمها بتونس حمد يس بن عبد الرحمن الكندي، الذي خلع السواد، وجمع جموعاً كثيرة من العرب والبربر20.
ولما كثرت مجموعه أرسل إليه إبراهيم ابن الأغلب عسكراً يضم وجوه القواد بقيادة عمران بن مخالد لقتاله، وتم اللقاء بين عسكر الوالي وبين قوات الثوار في موضع يعرف بسبخة تونس واقتتلوا قتالاً شديداً، وانتهى القتال بكارثة بالنسبة لأصحاب حمد يس وقتلوا مقتلة عظيمة" وقتل حمد يس ودخل عمران تونس وتتبع أنصار حمد يس وقتلهـم حتى أفناهم21.
ولقد سببت مدينة طرابلس بدورها كثيراً من المتاعب لابن الأغلب كما ينص على ذلك ابن الأثير فقد كثر شغب أهل طرابلس على ولاتهم وكان إبراهيم بن الأغلب أميـر إفريقية قد ولى عليهم عدة ولاة فكانوا يشكون من ولاتهم فيعزلهم ويولي عليهم وفي سنة ۱۸۹هـ ثار أهل طرابلس ضد واليهم سفيان بن المضاء (وهي ولايته الرابـعـة). فاتفق أهل البلد على إخراجه عنهم وإعادته إلى القيروان فزحفوا إليه فأخذ سلاحه وقاتلهم هو ومن معه فأخرجوه من داره وألجأوه إلى المسجد الجامع، فقاتلهم فيـه فقتلوا أصحابه ثم سمحوا له بالخروج بالأمان، بعد ولاية استمرت سبعة وعشرين يوماً22.
ويفهم من رواية ابن الأثير الذي ينفرد بذكر خبر انتفاض طرابلس - إن جنـد طرابلس وليس أهلها هم الذين قاموا بتلك الثورة إذ الجند هم الذين ولوا على البلد إبراهيم بن سنيان التميمي. ويقول ابن الأثير أن الخلاف وقع بعد ذلك بين الأبنـاء بطرابلس وبين قوم من بني ابن كنانة وبنى يوسف حتى فسدت طرابلس. والظاهـــر أن المقصود بالأبناء كما يقول الدكتور سعد زغلول هم الجند الأغلبي أو المماليك الذيـن كان يشتريهم ابن الأغلب23. فعندما بلغت إبراهيم أخبار تلك الفتنة أرسل جمعا مـن الجند وأمرهم أن يحضروا الأبناء وبني أبي كنانة وبني يوسف، فأحضروهم عنده بالقيروان في ذي الحجة سنة ١٨٩هـ فلما قدموا عليه سألوه العفو عنهم في الذي فعلوه فعفـا عنهم وعادوا إلى بلدهم24.
أما أشد الثورات خطراً فهي تلك الثورة التي قام بها قائد ابن الاغلب وهـو عمران ابن مخالد الذي قضى على فتنة حمد يس – بالاشتراك مع قريش بن التونسـي وذلك سنة ١٩٤هـ25، واجتمع معهما خلق كثير ونجح في الاستيلاء على القيروان التي صارت هي وأكثر بلاد إفريقية معه كما يقول ابن الأثير26.
وخندق إبراهيم على العباسية وامتنع فيها ودامت الحرب بين عمران وابـن الأغلب سنة كاملة وأخيراً وصلت ابن الأغلب الأموال التي أنفذها أو أرسلها إليــه الرشيد ولما سارت إليه الأموال أمر منادياً ينادي: من كان من جند أمير المؤمنيـن فليحضر لأخذ العطاء، ففارق عمران أصحابه وانفضوا عنه، فوثب عليهم أصحاب إبراهيم وتمكنوا من هزيمتهم ثم نادى إبراهيم بالأمان والحضور لأخذ العطاء فحضـــــروا إليه فقتلهم ودخل إبراهيم القيروان فخلع أبوابها وهدم سورها27.
أما عمران فسار حتى وصل إلى الزاب فأقام بها حتى مات إبراهيم سنـة ١٩٦هـ وولى ابنه عبد الله فأمن عمران وحضر عنده وأسكنه معه في القصر القديم ولكنه قتلـه بعد ذلك28.
ولما انهزم عمران سكن الشر بإفريقية وأمن الناس فبقي كذلك إلى أن توفى إبراهيم بعد إمارة دامت اثنتا عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام29.
وتذكر رواية ابن الأثير أن إبراهيم بن الأغلب بدأ يتطلع إلى المغرب الأقصى لما بلغه أن إدريس بن إدريس العلوي قد كثر جمعه ونجح في استمالة القائم بأمـر إدريس من المغاربة وهو بهلول بن عبد الواحد حتى فارق إدريس وأطاع إبراهيــــم وتفرق جمع إدريس، فكتب إلى إبراهيم يستعطفه ويسأله الكف عنه ويذكر له قرابتـه من رسول الله صلى الله عليه وسلم30.
وتوفي إبراهيم بن الأغلب في أواخر شوال سنة ١٩٦هـ/ أوائل يوليه ٨١٢م. وعمره ست وخمسون سنة بعد ولاية استمرت أكثر من اثنتا عشرة سنة، بدأت بعهد الرشيد إليه بولاية إفريقية سنة ١٨٤هـ/ ٨٠٠م، وإقرار الخليفة المأمـون لـه في سنة ١٩٣هـ/ ٨٠٩م. بعد أن أقر الخليفة المأمون إبراهيم بن الأغلب في ولاية إفريقية، وطدت الأسرة الأغلبية أقدامهما. ومنذ ذلك الوقت أصبحت إفريقية ملكية وراثية في أبناء إبراهيم ابن الأغلب، الذي ولي بعده ابنه عبد الله.
وكان أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب غائبا بطرابلس، التي كان قد عهد إليه أبوه بإمارتها بعد اضطراب أحوالها نتيجة لاضطراب الجند الأغلبي بها من جهة وتهديد الخوارج من بربر هوارة أتباع عبد الوهاب بن عبد الرحمن بـن رستم من جهة أخرى. ويفهم من رواية ابن الأثير أن إبراهيم بن الأغلب كان قد اضطر إلى إعادة ابنه عبد الله إلى طرابلس مرة ثانية بعد أن كان قد عمد بإمرتها إلـى سفيان بن المضاء الذي وضح عجزه عن مقاومة البربر، فهزمهم عبد الله واستقر فـــي المدينة وبنى سورها31 وهذا يعني أنه أثبت كفاءته، وكانت وصية إبراهيم أن تكون الإمارة له بعد وفاته. وبينما كان عبد الله في طرابلس قام أخوه زيادة الله بأخــذ البيعة له من الجند وكتب إليه يعلمه بموت أبيه وبالإمارة، فعقد عبد الله الصلـح مع إباضية عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم حيث اعترف لهم بأن "يكون البلـد والبحر لعبد الله، وما كان خارجاً عن ذلك يكون لعبد الوهاب" وعاد عبد الله إلـى القيروان وتسلم مقاليـد الأمـور32.
وأتته موافقة الخليفة المأمون على ولايته على إفريقية في سنة ١٩٨هـ / ٨١٣م كما تقول رواية ابن عذاري33.
أهم أعمال عبد الله بن ابراهيم بن الأغلب:
اساءته إلى أخيه وإصلاحه المالـي:
واستمرت ولاية أبي العباس لمدة خمس سنوات وشهرين، ويورد له الكـتّـاب عملين أولهما إساءته إلى أخيه زيادة الله الذي يرجع إليه الفضل في أخذ البيعة له من كبار الجند عند وفاة والدهما إبراهيم والذي ساس شئون الدولة إلى حيــن رجوعه من طرابلس إذ تقول الرواية أن عبد الله "حمل في إمارته على أخيه زيادة الله حملاً شديداً، وكان ينتقصه، ويأمر ندماءه بإطلاق ألسنتهم بسبه، وزيادة الله مـع ذلك يظهر له التعظيم والتبجيل والصنع الجميل، ولا يظهر له تغيراً، ولا يظهـر عليه منه أثـر"34.
وثانيهما خاص بإصلاح نظام الضرائب. وكانت الضريبة المعتادة هي العشر من الحب الذي تغله الأرض، فجعل عبد الله الضريبة ثمانية دنانير على كل زوج تحـرث من البقـر.
معارضة الإصلاح المالي من قبل الفقهاء:
اعتبر الفقهاء المالكية هذا الإصلاح المالي خروجاً على السنة، مما أدى إلى سخط الناس، وتذمرهم من تلك الضريبة التي كانت تعتبر بدعة، ومطالبتهم بإلغائهـا والعودة إلى نظام العشر المعروف.
ويفهم من الروايات أنه كان للفقراء والعباد دورهم في القيام بالاحتجاج علـى ذلك الإبراء المالي الجديد فتقول الرواية أن حفص بن حميد صالح إفريقية ومعـه قـوم صالحون من الجزيرة (جزيرة شريك) قدموا إلى القيروان لملاقاة الأمير الأغلبي الذي كان مقيماً في القصر القديم. فقابلوه ووعظوه في أمر الدين ومصالح المسلمين35. وقال له حفص بن حميد: "اتق الله أيها الأمير في شبابك، وارحم جمالك، واشفق علـى بدنك الجميل من النار بإزالة الجور عن رعيتك وخذ فيهم بسنة الله ورسوله، فـإن الدنيا زائلة عنك كما زالت عمن كان قبلك"36.
وتقول الرواية ولكن الأمير المغتر بجماله استخف بجماعة الصالحين واستهـان بهم، فلم يستمع إلى نصحهم. وعاد حفص بن حميد وصحبه نحو القيروان في أول ذي الحجة سنة ٢٠١هـ / ٩ يونيه ۸۱۷م ساخطين على لقاء الأمير فما أن وصلوا، إلـى وادي القصارين حتى قال لهم حفص بن حميد: "قد يئسنا من المخلوق فلا نيأس مـن الخالق فاسألوا المولى واضرعوا إليه في زوال ظلمه عن المسلمين فإن فتح في الدعاء، فقد أذن في الإجابـة37.
فتوضأوا جميعهم واتجهوا إلى مصلى روع حيث دعوا الله بعد الصلاة أن يكـف عن المسلمين جور أبي العباس، ويريحهم من أيامه. واستجيبت دعوة العباد الصالحين، فأصيب الأمير بقرحة خرجت له تحت أذنه، قتلته في اليوم السادس وقيل أنه عندما كشفت عنه ثيابه للغسيل، ظن أنه عبد أسود بعد جماله "وأن ذلـك حدث نتيجة لسوء فعاله"38.
وكانت وفاته في ٦ من ذي الحجة سنة ٢٠١هـ/ ٢٤ يونيه ۸۱۷م، بعد ولايـة استمرت خمسة أعوام وشهرين39. بعد وفاة عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، بويع لأخيه زيادة الله يوم الجمعة ٢٢ من ذي الحجة سنة ٢٠١هـ. وهو أول من اسمه زيادة الله ممن ولي من بنــــي الأغلب كما يقول ابن عذاري. وبعد توليته مقاليد الأمور خشي أخاه الأغلب بـن إبراهيم من انتقامه وكان شقيق أبي العباس عبد الله بن إبراهيم، فخرج مستأذنـاً لأداء فريضة الحج سنة ٢٠٢هـ / ۸۱۸م، وبرفقته ابنا أخيه الراحل وهما: أبو فهـر محمد، أبو الأغلب إبراهيم وكانا صغيرين. وبعد أداء الفريضة استوطن مع ابنــــي أخيه مصر، ولكن زيادة الله كما يستشف من الروايات كتب إليه فعاد مع ولدي أخيـه إلى القيروان، حيث صار مقرباً من زيادة الله كما يقول النويري40.
وهناك ذكر في الحوليات التاريخية لعدد من الاضطرابات الداخلية، مـن جانب الجند ومن جانب العامة، وتنص الروايات على أنه لم يكن في سلطان زيـادة الله في بعض الأحيان سوى العاصمة القيروان وبعض الأقاليم القليلة، ونستشف مـن الروايات أن أسباب الاضطراب كانت ترجع إلى السياسة العنيفة المتشددة التـي انتهجها الأمير إذ استبد بالناس واستخف بالجند، وخشي على نفسه منهم فاعتصم بالقصر القديم وحصنه.
ثورة ابن الصقلبية، وتمرد عمرو القيسي:
تذكر الروايات أنه في سنة ٢٠٧هـ، نتيجة لسوء سيرته في الجند ، قامت ضده ثورة تزعمها أحد قوادهم واسمه زياد بن سهل، ويعرف بابن الصقلبية كما يقول ابـن الأثير، الذي خرج في موضع يعرف بفحص أبي صالح غير بعيد من مدينة باجـة التي حصرها. لكن ثورة ابن المقلبية انتهت سريعاً على يدي قائد زيادة الله، سالـم بن سوادة، الذي تمكن من فك حصار باجة، وقتل كثيراً من أصحابه الذين خالفوا معـه وغنم أموالهم 41. وفي حوليات سنة ٢٠٨هـ يذكر لنا ابن عذاري، ثورة الزعيم القيسي عمرو بـن معاوية، الذي كان عاملاً لزيادة الله على منطقة القصرين، فخرج عليه وتغلب على الناحية وكان للقيسي ولدان أحدهما يسمى حباب والآخر سجمان، ويفهم من الروايـة أن ابنه حباب نضحه وقال له: إنك دخلت في أمر عظيم وحرضت نفسك للهلاك، ولست من رجال هذا الأمر، ولا ينفعك عدد ولا عدة.. فما كان من والده إلا أن ضربه مائتي سوط كما تقول الرواية "وتمادى على الخلاف"42.
ولم تستمر ثورة القصرين طويلا إذ قبل القيسي وولداه الاستسلام على الأمـان وذلك عندما أرسل إليهم زيادة الله قواته وجيء بهم إلى زيادة الله الذي أمر بحبسهم في قصر وزيره غلبون حتى يرى فيهم رأيه، وقد ذهب الثلاثة ضحية للأقاويل من جانب وجوه أهل بیت الأمير، فقد ترددت الأقوال بأن الأمير لم يقتص من عمرو بن معاويـة لأنه قيسي وإن العصبية القيسية قوية بمصر حتى خاف زيادة الله أن يثبوا على عمه بمصر إن قتل قائده الخارج عليه، وأثارت تلك الشائعات زيادة الله الذي تخلص من السجناء بطريقة فظيعة43.
ثـورة الطنبـذي:
أدت تلك القسوة التي اتبعها الأمير في التنكيل بالثائر القيسي إلى ثورة كبـرى كادت تعصف بالدولة الأغلبية. وكان قائد تلك الثورة أحد كبار زعماء الجند الأغلبي واسمه منصور بن نصر الطنبذي، الذي خرج على زيادة الله في السنة التالية أي سنـة ۲۰۹هـ / ٨٢٤م. ومنصور هذا كما يقول ابن الأبـار، في ترجمته له في "الحلة السيراء" من قبيلة هوازن، من ولد دريد بن الصمة، ويعرف بالطنبذي نسبة إلـى قصر كان له في قرية طنهذة من إقليم المحمدية بالقرب من تونس44.
وكان منصور عاملا على مدينة طرابلس، فلما وصلته أخبار قتل زيادة الله عمرو بـن معاوية وولديه ثار لأبناء عصبيته وامتعض، ودعا بني تميم في طرابلس إلى مؤازرته للأخذ بالثأر45. وكان كما تقول الرواية إلى جانب اتصافه بالشجاعة فصيحاً بليغاً، وعندئذ كتب صاحب الخبر (صاحب البريد) إلى زيادة الله بالكلام الذي قاله الطنبذي، فما كـان من الأمير إلا أن عزله، وأمره بالقدوم إليه ثم صفع عنه، وعاد الطنبذي إلى منازلـه بتونس 46.
ولكن الطنبذي لم يخلد إلى الهدوء والسكينة بل أخذ يراسل الجند ويذكر لهم ما يلقوه من زيادة الله وما فعل بعمرو بن معاوية وولديـه47. وعندما تأكد زيادة الله من نوايا الطنبذي حتى أرسل إليه سرية حوالي ثلاثمائة فارس بقيادة محمد بن حمــــــــزة (المعروف بالحرون) نحو تونس لمباغتة منصور، والقبض عليه، والعودة به مصفداً إلى القيروان.
وعندما وصل محمد بن حمزة إلى تونس، لم يجد منصوراً لأنه كان غائباً في قصره بطنبذة. فنزل ابن حمزة دار الصناعة في تونس، وأرسل إلى منصور فاضي تونس شجرة بن عيسى على رأس أربعين شيخاً من شيوخ تونس يقبحون له الخلاف، وينهـونـه عنه ويعرفونه "بما له في ذلك من دينه ودنياه"48.
ونستبين من الروايات أن الطنبذي أراد أن يحتال على قائد الأمير فأظهر للقاضي شجرة ومن معه من الشيوخ أنه لم يخرج على طاعة الأمير، ووعدهم أن يسير معهم إلى محمد بن حمزة في تونس، ومنها إلى الأمير في القيروان ولكنه طلب منه أن يقيموا منه تلك الليلة حتى يقوم بواجب الضيافة أزاءهم. فأقاموا معه، وأرسل الطنبذي إلى ابن حمزة والذين معه من العسكر ببقر وغنم وعلف وغير ذلك من أنـــــــــواع ما يؤكل، وكتب إليه رسالة يقول فيها، إنني قادم إليك مع القاضي والجماعة، فـركـن (أي اطمأن) محمد بن حمزة إلى قول منصور، وذبح البقر والغنم، وأكل هو والنـاس الذين معه وشربوا الخمر. وما أن حل المساء حتى قبض الطنبذي على القاضي ومـن معه، وحبسهم في قصره، وأخذ دوابهم فحمل عليها أصحابه، وجمع خيله وشيعتـه، وزحف إلى تونس، وأمر أصحابه "ألا يسمع لهم حس ولا حركة حتى يصيروا إلى دار الصناعة" وما أن اقترب من دار الصناعة حتى أمر بالطبول، فضربت ، وأمر أصحابـه فكبروا، وانقضوا على ابن حمزة ومن معه. ودارت رحى معركة رهيبة بين الجند مـن اصحاب ابن حمزة، ومن انضم إليهم من عامة الناس، وبين أصحاب منصور الطنبـذي. وانجلت المعركة بقتل معظم رجال ابن حمزة، ولم يسلم منهم إلا من سبح في البحر وذلك في ٢٠ من صفر49.
وقام الطنبـذي بقتل والي تونس وولده. ويفهم من الروايات أنه قام بهذا العمل تحت ضغط أصحابه الذين قالوا له: "..إن أحببت أن نقوم بنصرك، فاخضـــب يدك في دماء أصحاب السلطان وأهل بيته"50.
ولما وصل الخبر إلى زيادة الله حتى أرسل عسكراً كثيفاً على مقدمته وزيره غلبـون "ابن عمه" واسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب، إلى منصور الطنبذي، وودعهــم وهددهم بالقتل إن انهـزمـوا.
استفحال ثورة منصور الطنبذي:
وخرج غلبون على رأس جيشه الكثيف هذا في العاشر من ربيع الأول من سنة ٢٠٩هـ / يوليه ٨٢٤م51.
ولما وصلوا الى سبخة ، خرج إليهم منصور في رجاله، "فاقتتلوا مليـاً وحاقت الهزيمة بغلبون ورجاله نتيجة حملة قوية قادها الطنبذي، لم يستطع غلبـــــــون ورجال الوقوف أمامها وذلك في ٢٠ ربيع الأول 52. وانقض رجال غلبون من حولـه خوفاً من أن ينفذ زيادة الله ما كان قد توعدهم به من القتل، بعد أن وعدوه بالرجـوع إلى القيروان، إذ أخذ لهم الأمان من زيادة الله وعاد غلبون إلى القيروان، واعتـذر لزيادة الله عن الهزيمة، مبيناً له أنهم اجتهدوا "ولكن قضاء الله لا يرد"53. وانصرف بعض القواد إلى أعمال إفريقية كل قائد على بلد يضبطها ويعتصم فيها من عقوبة زيادة الله التي توعدهم بها كما انضم آخرون إلى منصور الطنبذي وأعطوه "أزمـة أمورهم وولوه على أنفسهم "كما يقول نص ابن عذاري"54.
وأمام نصائح غلبون لابن عمه زيادة الله، رأى زيادة الله أن يحاول استعادة ثقة قواده الثوار، فكتب إليهم صكوك الأمان وبعث بها إليهم ولكنهم لم يثقوا به واستمروا في خلع الطاعة55. وخربت كثير من المدن عن سلطان زيادة الله، وامتنع بها القواد الذين انضموا إلى الطنبذي مثل: باجة، والجزيرة، وصطفورة، والأربس وغيرها56.
وقوي الطنبذي بمن قدم عليه من كل مكان وكثرت جموعه، واجتمع الجند كلهـم إليه "أطلعوه لسوء سيرة زيادة الله معهم" كما يقول ابن الأثير57. فلما كثر جمعـه سار إلى القيروان حيث وصل اليها في ٥ جمادى الأولى سنة ٢٠٩هـ / ٢ سبتمبر ٨٢٤م. وتقول الرواية أن القاضيين أبا محرز وأسد بن الفرات ركبا إلى منصور ودار بينـه وبينهما كلام لم ينته إلى اتفاق58، وعسكر منصور قرب القيروان وخندق حـــــــــــــول معسكره59، بينما زحف زيادة الله على رأس قواته من القصر القديم (العباسيـة) حيث اتخذ موضعاً له بین القيروان والقصر. وخندق هو الآخر حول معسكره. واستمرت الحرب سجالاً بين الفريقين وأثناء ذلك انضم أهل القيروان إلى جانب الطنبذي ضـد أميرهم. وأصلح منصور سور القيروان حتى تصمد في المقاومة. ودامت الحرب بيـن منصور وبين عسكر زيادة الله على القيروان أربعين يوماً60.
"ولم يبق في سلطان زيادة الله من إفريقية كلها كما تقول رواية ابن عذاري، إلا قابس والساحل ونفراوة وأطرابلس، فإنهم تمسكوا بطاعته ولم ينقصوه شيئاً من جبايته"، وملك منصور جميع عمل زيادة الله إلى حد أن ضرب السكة باسمه61.
ولم تفل تلك الهزائم المتكررة من عزيمة زيادة الله بل زادته صلابة فبينما كتـب الجند من المتمردين إلى زيادة الله: "إرحل عن إفريقية، ولك الأمان في نفسك ومالك"، كان هو يستعد لمواصلة القتال.
وجمع زيادة الله جمعا عظيما من أصحابه، منهم الفارس والراجل، وزحف بهم نحو منصور، فكانوا خلقاً كثيراً. فلما رآهم منصور ارتاع من زيادة الله ولكنه تقدم للقـاء العسكر الأغلبي. وانتهى القتال العنيف بانهزام منصور ومن معه إلى قصره بتونس، وقتل الكثير من أصحابه، وذلك في منتصف جمادى الأخيرة سنة ٢٠١هـ/ ١٢ أكتوبر ٨٢٤م62.
واكتفى زيادة الله بهدم سور القيروان، الذي كان الطنبدي قد أصلحه حتى سواه بالأرض63. ولكنه عفا عن أهل القيروان وصفح عنهم.
وهكذا فشل الطنبذي في الاستيلاء على إفريقية نتيجة لتلك الهزيمة الساحقة التي نزلت به أمام القيروان، وظهر الانشقاق في صفوف أتباعه أمثال: عبد السلام بن المفرح وعامر بن نافع. وحاول زيادة الله أن يستغل الفرصة، فيبدأ بالقضاء على أقوى أنصار منصور وهو عامر بن نافع، فعبأ جيشاً كبيراً جعل على مقدمته ابن عمه محمد بن عبــد الله بن الأغلب، وبرفقته بعض أفراد الأسرة الأغلبية، وعدد من كبار القواد. وتـم اللقاء قرب سبيبة في العشرين من المحرم سنة ٢١٠هـ/ ٤ مايه ٨٢٥م. وانتهى اللقاء بهزيمة منكرة لجيش زيادة الله، إذ قتل قائده محمد بن عبد الله بن الأغلب، وتمادت هزيمة الرجال حتى القيروان64. وأثارت تلك الهزيمة الغم في نفس زيادة الله وتشجع منصور على العودة مرة ثانية من تونس إلى القيروان، أمام الحـاح الجند الذين كانوا يرغبون في نقل عيالاتهم عن القيروان. وتقول الرواية أن زيادة الله أخذ في جمع الرجال وبذل في ذلك الكثير من الأموال، وفي نفس الوقت كــان الطنبذي يسير نحو القيروان حيث قام بضرب الحصار على زيادة الله في قصره بالعباسية نحو ستة عشر يوماً، دون قتال، وفي هذه الأثناء استرجع الجند من الثوار نساءهــم وأولادهم من القيروان ثم إن الطنبذي عاد بعسكره إلى تونس65.
حركة عامر بن نافع في الجنوب التونسي:
وأثناء ذلك الحصار تأزم موقف زيادة الله، وخاصة بعد أن عاد قواد الجند الثائرين وألحوا عليه في الخروج من إفريقية بالأمان على نفسه وماله، وبدأ زيادة الله في مشاورة أقاربه وخاصته في الأمور، فقال له سفيان بن سوادة مكني من عسكرك لأختار منهم مائتي فارس وأسير بهم إلى نفزاوة. وكان ابن سوادة يهدف ألا يحارب بفرسانه الذين اختارهم فقط، بل أن يكونوا نواة لجيش يستنفره من البربر والعرب للوقـوف أمام عامر بن نافع الذي كان ينوى قصد نفزاوة. ووصل ابن سوادة على رأس فرسانه إلى نفزاوة، ودعا أهل الإقليم من البربر إليه فأجابوه.
ونجح سفیان بن سوادة في فتح الإقليم حتى وصل إلى حدود قسطيلية حيـث كان عامر بن نافع قد وصل كما تقول رواية ابن الأثير66. وفي قسطيلية حشد عامر بـن نافع السودان، حتى جمع منهم الف أسود ومعهم الفؤوس والمساحي، وضمهم إلى رجاله. واتجه بهم عامر نحو نفزاوة حيث اتخذ من مدينة نقيوس منزلاً له كما تقول روايـة ابن عذاري67. وخرج سفيان بن سوادة بقواته إلى لقاء عامر بن نافع، وانتهى القتال العنيف بهزيمة الجند المتوثبين أصحاب عامر ومقتل الكثير منهم. وانسحب عامر إلــــى قسطيلية حيت قام بجباية أموالها دون هوادة لمدة ثلاثة أيام، وخرج منها بأحمـال المال، بعد أن ترك بها من يضبطها من رجاله68.
وما أن خرج عامر بن نافع من قسطيلية حتى استصرخ أهلها ابن سوادة الــذي سار إليهم برجاله، فملكه، وأقر الأمن فيه69. وعاد عامر بن نافع إلى إقليم تونــس وقام الصراع بينه وبين منصور الطنبذي.
الصراع بين منصور الطنبذي وعامر بن نافع في تونس:
وكما يفهم من الروايات كان ابن نافع يعتبر نفسه نداً لمنصور، وكانت المحاسدة تظهر بينهما، وهما في مجالس الشراب، وأثر توعد منصور لعامر، رأى الأخير أن يبدأ بالتخلص من منصور، ونجح في استمالة الجند إلى جانبه، وخرج من تونس، لمفاجأة منصور وهو بالمحمدية، وحاصره واشتد حصاره له حتى خلص من كان في الحصن مـن الماء، و[رت المفاوضات بين الطرفين، وانتهت بأن عرض منصور أن يسمح له بالخروج على الأمان على أن يتوجه في سفينة الى المشرق. وأجابه عامر إلى ذلك70.
ولكن الطنبذي خرق اتفاقه مع عامر ولجأ إلى مدينة الأربس، حيث له كثير مـن الأعوان، فخرج من طنبذة مستخفياً أثناء الليل إلى الأربس، وامتنع بها، ولما عـرف عامر في صباح اليوم التالي بنبأ تلك الخدعة سار في أثر منصور إلى الأربس وضرب عليـه الحصار. وخرج أهل المدينة وطلبوا من منصور الخروج من مدينتهم فطلب منهم أن يمهلوه بعض الوقت حتى ينظر في أمر خلاصه71.
وأرسل منصور إلى أحد كبار قواد ابن نافع، وهو عبد السلام بن المفرج، يطلب الاجتماع به، فقدم إليه. وعندما حضر عبد السلام حدثه الطنبذي من أعلى السـور، وبين له أفعاله الحسنة تجاه الجند، وطلب منه أن يسعى في أمانه وخلاصه على أن يخرج عنهم إلى المشرق. ونجح عبد السلام في الحصول على الأمان لمنصور من عامر بن نافع على أن يخرج برفقة بعض فرسان عامر إلى تونس حيث يأخذ أهله وحاشيته ويسير بـهـم إلى المشـرق72.
ويفهم من الروايات أن عامر عندما أعطى الطنبذي الأمان كان يضمر الغدر بـه، وذلك أن عامراً أمر صاحب خيله الذي رافق منصوراً في السفينة من تونس بأن يسير بـه سراً إلى جزيرة جربـة، ويسجنه بها، ففعل ذلك وسجن معه أخاه حمـدون73.
فلما علم عبد السلام بذلك استعظم الأمر، وكتب عامر إلى أخيه وهو واليه علـى جربـة يأمره بقتل منصور وأخيه حمدون، "ولا يراجع فيهما"، فأحضرهما عنده، وقرأ عليهما كتاب عامر، وهنا طلب منصور دواة وقرطاساً ليكتب وصيته، ولكنه لم يستطع الكتابة. وتم قتلهما وأرسل برأسيهما إلى عامر74.
ظهور منافسون جدد لعامر بن نافع:
وهكذا كانت نهاية منصور الطنبذي بيدي أكبر أعوانه عامر بن نافع، الذي اعتقد أن الأمور استقرت له في تونس، بعد التخلص من الطنبذي، إلا أنه ظهر له منافـس هو قائده، عبد السلام بن المفرج الذي استقبل بإقليم باجة.
ويفهم من الروايات أن زيادة الله ما أن علم بمقتل منصور حتى كتب إلى عامر بـن نافع يدعوه إلى الدخول في الطاعة ويبذل له الأمان ومن معه "وبأنه معيده إلـى ما كان عليه مع أبيه إبراهيم بن الأغلب وأخيه عبد الله بن إبراهيم". ورد عليه عامر برسالة بليغة، يعدد له فيها مساوئ أفعاله كما يقول ابن الأبار75.
ولم يمر مقتل الطنبذي وأخيه حمدون دون ردود فعل بين الجند الأغلبي المتمرد، وخاصة المضرية منهم، الذين حاربوا عامر، وانضموا إلى جانب منافسه عبد السـلام ابن المفرج الذي رفع راية الأخذ بالثأر للمقتول المظلوم، وانتهى الأمر بخروج ابـن المفرج من باجة، نحو تونس لقتال عامر، وانتهى اللقاء بانتصار عبد السلام وهزيمـة عامر إلى جربة، واعتل عامر إثر ذلك، ولما أيقن بالموت دعا بنيه وأوصاهم باللحـاق بزيادة الله فعملوا برأيه وقدموا إلى زيادة الله مستأمنين. بعد وفاته في سنة ۲۱۳هـ / ۸۲۸م76، كما قدم الجند إليه يطلبون الأمان، فأمنهم وأحسن إليهـم كما يقول النويـري77.
انتهـاء الفتنـة:
وعندما بلغ زيادة الله نبأ وفاة عامر بن نافع قال: "اليوم وضعت الحرب أوزارها" كما يقول ابن عذاري، ولكن ابن الأبار في "الحلة السيراء"، يعلق علـى مقالة زيادة الله عن نهاية الحرب بنهاية عامر، بقوله: "فكان كذلك، لم يزل أمر الجند مدبراً حتى انقضت الحرب، وطفئت الثائرة، وصفت له إفريقية78. هذا ولم يتطلب القضاء على عبد السلام بن المفرج وقتاً طويلاً من العسكر الأغلبي الذي ضيق عليه الحصار في باجة حتى انتهى الأمر بموته عطشاً كما يقول النويري79.
وهناك ذكر في حوليات سنة ٢١٨هـ/ ۸۳۲ – ٨٣٣م في ابن الأثير إلى مقتل عبد السلام بن المغير في هذه السنة بعد اشتراكه في ثورة جزيرة شريك التي قام بهـا فضل بن أبي العنبر80.
وهكذا انتهت بوفاة عامر الفتنة التي استمرت أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وتوطدت الأمور لزيادة الله الذي بدأ في غزو صقليـة.
اضطرابات بين الجند في تونس:
وفي سنة ٢١٨هـ هناك ذكر في حوليات ابن الأثير وابن عذاري، إلى قيـام الاضطرابات من جديد في تونس، وذلك عندما ثار قائد من قواد الجند يدعـى فضل بن أبي العنبر بجزيرة شريك، وتمكن من هزيمة العسكر الأغلبي الذي وجههــم إليه زيادة الله وغلب على المنطقة، وأعلن الاستقلال بها81. وطلب الفضل المعونة من عبد السلام بن المفرج، الذي خرج من باجة إلى جزيرة شريك. ولكن القائدين لم يتمكنا من غلبة العسكر الأغلبي، وانتهى الأمر بمقتل ابن المفرح، وانهزام الفضل إلى تونس وامتناعه بها. وسير زيادة الله جيشاً كثيفاً إلى تونس بقيادة ابن الأغلب، ففر الأفضل من تونس، واقتحم عسكر زيادة الله المدينة وقتلوا الكثير من أهلها وهرب آخرون82.
العفو عن متمردي تونس:
وفي سنة (٢١٩هـ / ٨٣٤م)، أعلن زيادة الله العفو عن كل من شارك في تلك الثورة، وركنت البلاد إلى الدعة والسكينة83.
أهم أعمال زيادة الله العمرانية:
رباط سوسـة:
تذكر الروايات أنه في سنة ٢٠٦هـ / ٨٢١م بدأ بناء رباط سوسة الذي يعد من أكبر حصون المرابطين من العباد المجاهدين، والذي أصبح بعد سنوات قليلة قاعدة لأكبر عملية غزو بحرية قام بها العرب فيما وراء البحار، وهي فتح صقلية وإيطاليا. ويصفه البكري بقوله وهو: "محرس عظيم كالمدينة، مسور بسور متقن يعرف بمحـرس الرباط وهو مأوى للأخيار والصالحين، داخله حصن ثاني يسمى القصبة وهو بجوفـي المدينة متصل بدار الصناعة بسفح الجبل.."84.
قنطرة باب أبي الربيع:
وإلى جانب بناء زيادة الله لرباط سوسة بنى قنطرة باب أبي الربيع في القيروان وهي ساقية كبيرة كانت تحمل الماء من الجبل القريب عبر الوادي.
مسجد القيروان الجامع:
تذكر الروايات أنه في شهر جمادى الآخر من سنة ٢٢١هـ / ٨٣٦م، قام زيادة الله فأمر بهدم بناء المسجد العتيق - ما عدا المحراب - وأعاد زيادة الله البنـاء بالصخر والآجر والرخام، تاركاً محراب عقبة القديم، بعد أن كساه كله بالرخـــــــــام المخرم المنقوش بالكتابة وبغيرها من الزخرف، من أسفله إلى أعلاه85.
وقد أنفق زيادة الله في بنائه ست وثمانين ألف دينار86.
وتوفي زيادة الله في ١٤ رجب سنة ٢٢٣هـ / ١١ يونيه ٨٣٨م، وهو يبلـغ من العمر واحد وخمسون سنة، بعد إمارة حافلة بجلائل الأعمال - استمرت أكثر مـن ۲۱ سنة87، وخلفه في ملك إفريقية أخوه الأغلب أبو عقـال. آلتت مقاليد الأمور في إفريقية بعد موت زيادة الله الأول الى أخيه الأغلب، وكانت أيام حكم الأغلب قصيرة، فقد ولي سنتين وتسعة أشهر وأياماً شهدت البلاد خلالهـا فترة من الأمن والسكينة والاستقرار، كما ينص على ذلك الكتاب، باستثناء تلك الحملـة التي يورد ذكرها ابن عذاري، في سنة ٢٢٤هـ / ٨٣٨م، والتي أرسلها بقيادة عيسـى ابن ريعان الأزدي، إلى قبائل لواتة وزواغة ومكناسة، فيما بين مدينتي قفصة وقسطيلية، وقد انتهت تلك المحملة بقتل تلك القبائل، إذ تنصر الرواية على أن عيسى "قتلهـم عن آخرهم" 88.
إزالة المظالم:
تمتعت البلاد بالامن والاستقرار في خلال فترة حكمه القصيرة، فابن عذاري يقـول أنه "غير أحمدثاً كثيرة كانت قبله" 89. وابن الأثير ينص على أنه "أزال مظالم كثيرة"90 ويمكن أن نفسر ذلك بأنه أعداد ضريبة العشر، بدلاً من الضريبة الثابتة التي قررهـا الأمير عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب.
استمالة الجند والعمال:
تقول الروايات أنه أحسن إلى الجند بأن أفاض لهم في العطاء.
أما عن عماله وولاته على الأقاليم فقد أجرى عليهم الكثير من الرواتب (أي زاد في مرتباتهم)، وبذلك منع أيديهم من التطاول على أموال الناس91. منع النبيذ:
كما يذكر الكتاب أن الأغلب قام بعمل كان فيه ترضية لمشايخ القيروان وعلمائهـا وعبادها، وكان له أطيب الأثر في نفوس الناس، وذلك أنه منع عمل النبيذ والخمـر في القيروان92. بل وعاقب أيضاً على بيعه وشربـه 93.
وتوفي الأغلب بعد - إمارة هادئة - في يوم الخميس ٢٢ ربيع الآخر سنة ٢٢٦هـ فبـرابـر ٨٤١م، وخلفه ابنه أبو العباس محمد94. مميزات عصره:
ولي بعد الأغلب في إمارة إفريقية ابنه أبو العباس محمد الذي حكم مدة زادت على خمس عشرة سنة، كانت أهم أحداثها الداخلية مشاركة أخيه أحمد له في تسيير أمور الدولة ثم قيامه بانقلاب ضده استمر أكثر من سنة، تمكن محمد بعدها من استرجاع سلطانه.
أما عن أحوال البلاد فتميزت بالهدوء والأمن، اللهم إلا بعض القلائل التـي قام بها قواد الجند في المناطق التي عرفت بالثورة دائماً وهي: الزاب، وتونس. ومن الناحية الدينية، كان عهد أبي العباس محمد بن الأغلب هو عهد عظماء العلمـاء أمثال: أبي محمد عبد الله بن أبي حسان اليحصبي (توفي سنة ٢٢٧هـ/ ٨٤٢م) والإمام سحنون بن سعيد (الذي ولي القضاء سنة ٢٣٣هـ/ ٨٤٧م وتوفي سنة ٢٤٠هـ / ٨٥٤م). أما عن السياسة الخارجية فقد استمرت الفتوح في صقليـة.
صفات محمد بن الأغلب:
تصفه رواية ابن عذاري بأنه كان "قليل العلم"، ضعيف في العربية95، ويعلق على ذلك ابن الخطيب بقوله: "لكن الأمور لا ترجع إلى شكل حسن، ولا تتوقـف على فصاحة ولا لسن، إنما هو رزق مكتوب، وقدر معتوب، وظفر ورسوب، وعمل محسوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله"96.
وتمتعت البلاد في السنوات الأولى من حكمه بالهدوء والاستقرار، إذ أشـرك الأغلب أخاه أحمد بن الأغلب في الحكم، وعهد الأمير محمد بالوزارة إلى الأخوين: محمد بن علي ابن حميد، وأحمد بن علي بن حميد. ويفهم من الروايات أن ابنا حميد غلبـاه على أمره واستبدا بالأمور دونه، مستغلين فرصة انشغاله "بلهوه ولذته"، مما أثـار حقد أخيه أحمد97.
ثورة أحمد بن الأغلب على أخيه الأمیر محمد:
يفهم من الروايات أن أحمد بن الأغلب اتفق مع عدد من أنصاره على مباغتة قصر الأمير محمد في مدينة القصر القديم، وقت الظهيرة أحد أيام الصيف في سنة ٢٣١هـ / ٨٤٤م، عندما يكون باب القصر خالياً من الحرس، ونجح المتآمرون مـن صحابة أحمد في اقتحام أبواب القصر، وعقب أن أغلقوها خلفهم، هجموا على الوزيـر ابن حميد فقتلوه بأمر أحمد، ودار القتال بين رجال محمد بن الأغلب وبين رجــال أحمد بن الأغلب ولما بلغ الخبر محمد الأمير اعتصم في "علية من القصر مرتفعة" ولمــا صعب الأمر على رجال أحمد، أعلنوا أنهم لم يخلعوا طاعة الأمير محمد، وأنهم قامـــــــوا بعملهم هذا من أجل تخليصه من استبداد بني حميد الذين استأثروا دونه السلطان والمـال98.
وإزاء ذلك الموقف اضطر الأمير محمد إلى النزول إلى مجلس العامة، وأذن لأخيه أحمد ورجاله بالدخول عليه، فدخلوا بسلاحهم وتعاتب الأخوان، واصطلحا وتعاهدا "على ألا يغدر أحد منهما بصاحبه"99.
استبداد أحمد بالأمور:
انتهى الأمر بتغلب أحمد على أمر أخيه، "وتصرف في الملك بما شاء ولم يبـق لأخيه رسم"100.
محمد يسترجع سلطانه:
لم يهنأ أحمد بن الأغلب طويلاً باستبداده بحكم إفريقية، ففي السنة التاليـة (۲۳٦هـ) اختلفت الأمور عليه، إذ كان محمد يكاتب سراً قواده وأهل ثقته إلـى أن تمكن من إعداد الرجال للقيام ضد أخيه. ووصلت إلى أحمد أخبار تدبير محمد للإطاحة به، ولكنه كان واثقاً من نفسه، بل ومطمئناً إلى فشل أخيه.
واختار محمد وقت الغروب لتنفيذ تدبيره، فما أن دلت صلاة المغرب حتـى أرسل خادماً من قبله إلى حرس أخيه الموجودين ببابه يدعوهم إلى مأدبة يقيمها لهـم. وعندما قدموا قدم لهم الطعام والشراب، فلما عمل فيهم الشراب احتال علــى أخذ سيوفهم بحجة أنه يصقلها لهم. ومع آذان المغرب وهو وقت إغلاق أبواب القصر، أتاهم رجاله فقتلوهم عن آخرهم. ثم أمر محمد بالطبول فضربت - وهو العلامة - فأقبـل أصحابه من جهة "قصر الماء" ومن كل ناحية، ودارت بين الفريقين حرب عظيمة انتهت بانهزام أصحاب أحمد، ولجأ أحمد إلى داره فاعتصم بها، ثم طلب الأمان من أخيه فأمنه - ثم جيء به إليه فعاتبه على ما بدر منه من قتل وزيره، ثم نقاه إلى مصر بأهلـه وولده فمات بها 101.
اضطراب بلاد الزاب:
انتهت الفتنة بين الأخوين، واستتبت الأمور للأمير محمد بن الأغلب من جديد. ولكن نتج عن ذلك الاضطراب قلاقل في بعض الأقاليم، ففي إقليم الزاب، انتهــز سالم بن غلبون، الذي كان عاملاً على الإقليم من قبل الأمير محمد، فرصة النزاع بيـن الأخوين وخرج على الطاعة. وبعد استقرار الأمور لمحمد ظل سالم رافعاً راية العصيان، مما جعل الأمير محمد يعزله عن ولايته في سنة ٢٣٢هـ / ٨٤٥م. ولكـن سالم خرج في السنة التالية (٢٣٣ھـ / ٨٤٦م) يريد دخول القيروان، ولكنه عدل أثناء الطريق وسار إلى مدينة الأربس "مظهراً الخلاف"، ولكن أهلها منعوه من دخولها فسار إلى باجة، وتمكن من دخولها وسيطر عليها وحينئذ سير إليه الأمير محمد جيشـاً كثيفاً بقيادة خفاجة بن سفيان الذي حاصره، وشدد عليه الخناق، حتى اضطره إلى الهرب ليلاً، واتبعه خفاجة في صباح اليوم التالي ولحقه، وقتله وحمل رأسه إلى محمد، وأمر محمد بضرب عنق ابنه زيد كذلك وكان محبوساً عنده في القصر 102.
ثورة عمرو بن سليم (القوبع):
يذكر ابن عذاري في حوليات سنة ٢٣٤هـ/ ٨٤٨م ثورة عمرو بن سليم المعروف بالقوبع في تونس، ولم يتمكن خفاجة بن سفيان بن سوادة من الغلبة عليه103. وفي سنة ٢٣٥هـ/ ٨٤٨م أرسل الأمير محمد بن الأغلب قائده محمد بن موسى المعروف بعریان بجيشه إلى تونس، لقتال "القوبع" وانتهى القتال بمقتل ابن موسى بعد أن انكسرت رجله، وقتل كثير من أصحابه، وعاد بقية الجيش إلى ابن الأغلب مذلولين (مهزومين) إلى القيروان.
وهذا قول سلطان القوبع، ولكنه في سنة (٢٣٦هـ/ ٨٥٠م) خرج إليه فـي جيش كثيف خفاجة بن سفيان وقاتله قتالاً شديداً، وقتل أصحابه مقتلة عظيمة، وانتهى اللقاء بانهزام القوبع، الذي قبض عليه، وضربت عنقه، وحز رأسه وحمل إلى الأميـر محمد، الذي كان كافأ قاتله وأحسن إليه.
ولم تستسلم مدينة تونس بسهولة بل تطلب الأمر من خفاجة دخولها بالسيف (أي عنوة) في يوم السبت ۱۰ ربیع الأول، وسبى فيها "ثم عاد بالجيش إلى القيروان فكساه الأمير ابن الأغلب"104 .
أهم أعمال الأمير محمد العمرانية:
أهم الأعمال العمرانية التي تعزى إلى الأمير محمد هي: بناؤه للقصر الـذي كان بسوسة في سنة ٢٣٠هـ / ٨٤٤م كما ينص على ذلك النويري 105 .
ويمكن أن نستشف من رواية ابن الأثير التي تقول أن الأمير محمد قام ببناء مدينة غرب تاهرت سماها العباسية، أن العلاقة بين الأغالبة والرستميين الخوارج كانت قد توترت الى حد كبير. لأن العباسية هذه التي أسست قرب تاهرت كانت بمثابـة قاعدة عسكرية يهدد منها الدولة الرستمية، ولذلك فقد دبر الرستميون تخريب المدينـة. فالرواية تقول "فأحرقها أفلح بن عبد الوهاب الإباضي106 . ثم تضيف الرواية أن أفلح كتب يعلم الأمير الأموي صاحب الأندلس (عبد الرحمن بن هشام) بذلك، وأنه بعث إليه مائة ألف درهم جزاءً له على فعله 107.
ازدهار المذهب المالكي على أيام محمد بن الأغلب:
إلى جانب عناية الأمير برباطات العباد، كان معاصراً لعدد من أئمة المالكيـة من أهل إفريقية مثل: عبد الله بن أبي حسان اليحصبي.
ومن مفاخر الأمير محمد كما يقول ابن الخطيب أنه عمد بقضاء القيروان إلى إمام المالكية في إفريقية والمغرب سحنون بن سعيد التنوخي 108 .
وتوفى الأمير محمد وعمره ٣٦ سنة في ١ محرم سنة ٢٤٢هـ/ ١١ ماية ٨٥٦م، بعد إمارة استمرت خمس عشرة سنة109 وخلفه من بعده ابن أخيـه أحمد محمد بن الأغلب. خلف أحمد عمه في إمارة إفريقية وهو ابن عشرين سنة، ولم تطل مدة حكمـه إلا أقل من ثماني سنوات، اتصفت بالهدوء والسكينة، لم يكدرها إلا اضطراب منطقة طرابلس لفترة.
أما عن الجهاد في صقلية، ففي عهده سقطت قصريانة، وهي من أهم مـدن الجزيرة، وكان الأمير حسن السيرة، شهير الفضل، رفيقاً بالرعية، كما تنص على ذلك الروايات 110 .
اضطراب طرابلـس:
كان على ولاية طرابلس عبد الله بن محمد بن الأغلب، والظاهر أن مثيري القلاقل في الإقليم كانوا من قبائل البربر الإباضية في تلك النواحي، من هوارة ولواتة. ويفهم من رواية ابن الأثير، أنهم امتنعوا على الوالي، ولم يؤدوا ما كان عليهـم مـن العشور والصدقات. وأن الوالي عبد الله (أخا الأمير) قام بقتلهم بمن معه من الجند، واستمد الأمير أحمد الذي سير إليه الكثير من العساكر مع أخيه زيادة الله.
ودارت رحى حرب عنيفة بين قوات القيروان وبين الخوارج من البربر، انتهـت بقتل الكثيرين منهم. كما أحرق ما كان في معسكرهم من الأمتعة والعتاد. وبذلك خضـع ثوار طرابلس من القبائل البربرية وأعطوا الرهائن لابن الأغلب، وأدوا ما كان عليهم من الأموال 111 .
أهم أعمال الأمير التي تتصف بالورع:
يفهم من الروايات أن الأمير الشاب صرف اهتمامه إلى أعمال البر والخيـر. ومن ذلك عهده بقضاء القيروان إلى أبي الربيع سليمان بن عمران بن أبي هاشم الملقب بخروفة. كما تذكر الرواية أنه كان يركب في ليالي شعبان ورمضان وبين يديه الشمـع، فيخرج من القصر القديم ويمشي حتى يدخل القيروان من باب أبي الربيع ومعـه دواب تحمل الدراهم، وكان يكفل الضعفاء والمساكين حتى يصل إلى المسجد الجامع بالقيروان "فيخرج الناس إليه، يدعون له" 112 .
أعمال الأمير أحمد العمرانية:
بناء مواجل الماء - توسيع جامع القيروان - بناء جامع سوسة:
وجه الأمير الشاب نشاطه إلى أعمال العمران ذات المنافع العامة للناس مثـل بناء صهاريج الماء التي عرفت في إفريقية باسم "المواجل"، وتجديد المساجد منذ سنة ٢٤٥هـ كما تنص رواية ابن عذاري 113 .
فقد زاد أحمد في مسجد القيروان، والمسجد الجامع بتونس114، كذلـك حظيت سوسة بعناية الأمير فقد بنى سورها في سنة ٢٤٥هـ / ٨٥٩م115.
وفي سنة ٢٤٦هـ / ٨٦٠م بدأ في حفر الماجل الكبير على باب تونس، بمدينة القيروان كما تنصر رواية ابن عذاري، واستمر العمل فيه إلى أن كمل في سنة ٢٤٨هـ / ٨٦٢م كما أمر بإصلاح قنطرة باب أبي الربيع التي كسرت نتيجة للسيل العظيـم الذي تعرضت له القيروان في شتاء سنة ٢٤٧هـ / ٨٦١م116.
وكانت آخر أعمال أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم، كما تنص رواية ابن الخطيب هو حفر وبناء الماجل الكبير بالحاضرة، وهي القصر القديم، وذلك أنــه اعتل عاهته التي مات فيها، فكان يسأل: إن كان الماء قد دخل الماجل. وعندمـا دخله الماء وعرف ذلك سر به وأمرهم أن يأتوه بكأس مملوءة منه فشربها وقال: "الحمد لله الذي لم أمت حتى تم أمره" ثم مات على إثر ذلك 117 .
وتوفي أحمد في ۱۳ من ذي القعدة سنة ٢٤٩هـ / ٢٨ ديسمبر سنة ٨٦٣م، وله من العمر ٢٨ سنة بعد إمارة استمرت سبع سنين وعشرة أشهر وخمسة عشر يوماً118. وخلفه في الإمارة أخوه زيادة الله الثاني. ولي في اليوم الذي توفي فيه أخوه أحمد ولم تطل مدة إمارته إذ ولي سنـة واحدة وأسبوع، ويقول عنه الكتاب أنه كان عاقلاً حليماً، حسن السيرة، جميل الأفعال، ذا رأي وجود وشجاعة 119 .
أما عن وفاته فكانت السبت ١٩ من ذي القعدة سنة ٢٥٠ھـ / ۲۳ ديسمبر ٨٦٤م. وقد ولي بعده ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن الأمير الأسبق أبي إبراهيم أحمد120.
محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب، أبو الغرانيق
(٢٥٠ – ٢٦١هـ / ٨٦٤ - ٨٧٥م):
يصف الكتاب الأمير الشاب بأنه كان غاية في الجود والسخاء مسرفا في العطاء، مح حسن سيرة في الرعية121 إلى جانب ولعه بالصيد والشراب والطـرب. وبسبب هوايته للصيد لقب بـ(أبو الغرانيق).
هذا، ويذكر ابن خلدون أن أبا الغرانيق بني حصونا ومحارس على ساحل البحر بالمغرب على مسيرة خمسة عشر يوماً من برقة إلى جهة المغرب122 .
الانتصار في صقلية، والقلاقل في الزاب:
وعلى أيامه كللت الحروب في صقلية بالظفر بقيادة خفاجة (ابن سفيان بن سوادة) وهناك إشارات إلى اضطراب بلاد الزاب، وكانت الزاب تدخل ضمن نفوذ قبائل البربر التي تدين بالولاء لإباضية الرستميين في تاهرت، وأرسل محمد (أبو الغرانيق) إلـى بلاد الزاب جيشاً عظيماً جعل قيادته إلى قائده محمد بن إسماعيل الذي سار فـي المنطقة، وكانت، قبائل البربر تتبدد أمامه حتى وصل الى مدينة تهودة، ثم إلى مدينة بسكرة، وأعلن أهل تلك المناطق الخضوع إليه، ومن بسكرة اتجه إلى طبنـة، قاعدة بلاد الزاب، ولحقه القائد حي بن مالك البلوي، ومن طبنة قرر محمد بن إسماعيل المسير إلى مدينة "إبة" ونزلها بعساكره وقدم إليه رؤساء القبائل يعلنون طاعتهـم وخضوعهم، ولكنه لم يقبل منهم لأن زعيم بني كملان من هوارة لم يقدم بنفسه. وقـرر ابن إسماعيل المسير إليه، ودار القتال بين قوات الأغالبة وبين بني كملان من هوارة، وانتهى بكارثة لجيش القيروان، وبمقتل محمد ابن إسماعيل وجماعة من كبــار قواده وكثير من جنده الذين انهزموا حتى أبواب طبنة، إلى البلوي وأهل بلزمة، كما تقول رواية النويري 123 .
فتح مالطة:
ويخفف من وقع تلك الهزيمة النكراء، ذلك الانتصار العظيم الذي حققه جنـد الأمير الأغلبي بفتح جزيرة مالطة وأسر ملكها، في جمادى الأولى سنة ٢٦١هـ / ٨٧٤م كما تنص رواية ابن الخطيب124 .
وفاة أبي الغـرانيـق:
وتوفي أبو الغرانيق في ٦ جمادى الأولى سنة ٢٦١هـ / ١٦ فبراير ٨٧٥م وهـو في الرابعة والعشرين من العمر بعد ولاية استمرت عشر سنين وخمسة أشهر ونصــــــــف شهر125.
إقصائه أبي عقال بن أبي الغرانيق:
كان أبو الغرانيق محمد قد عهد بالإمارة من بعده لابنه الطفل أبي عقال، علـى أن يكون إبراهيم عمه الذي كان والياً على القيروان، وصياً عليه ولكي يتأكد وهو على فراش المرض أن إبراهيم أخاه سيفي لإبنه الطفل، جعل إبراهيم - كما تنص الروايات يحلف خمسين يميناً في جامع عقبة المبارك بالقيروان بأن يفي لولي العهد الصغير وألا ينازعـه في مقدمه. وذلك في وجود مشايخ الأسرة من بني الأغلب. وأمام قضاة القيـــــروان وفقهائها من أهل الحل والعقد126.
ولكن ما أن مات أبو الغرانيق حتى قام أهل القيروان إلى واليهم إبراهيم، الذي عرف بحسن سيرته وطلبوا إليه أن يتولى الإمارة. فاعتذر بما سبق من العهد فقالـوا له: "نحن كارهون لولايته ومبايعون لك، وليس في أعناقنا له بيعة". ولازموه حتـى ركب وحارب من في القصر القديم، حتى دخله، وفيها بايعه مشايخ أهل القيروان ثم وجوه أهل إفريقية "وجميع بني الأغلب"127.
عهـد الاستبداد:
وهكذا آلت مقاليد الأمور في دولة الأغالبة إلى إبراهيم بن أحمد الذي ولي أكثر من ثمانية وعشرين عاماً ونصف. ولإبراهيم الكثير من الحسنات منها: منعه الظلم ونشر العدل، وله سيئاته من أعمال العنف والقسوة التي تصل إلى سفك الدم لأتفه الأسباب. ولم يسلم منها أهل الأمير من بني عمومته وإخوته وحتى أبنائه وبناته.
أما عن السياسة العامة للدولة فالحرب في صقلية مظفرة وفي أيامه يتم فتـح سرقوسة وطبرمين. ومن الأعمال العمرانية بناء المدن والمدارس، إلى جانــــــــــب الاضطرابات في طرابلس، وتونس، وبلاد الزاب التي نجح الأمير في إخمادها بشـيء من العنف والشدة.
وقد قسم ابن عذاري سیرة إبراهيم إلى فترة طيبة استمرت لسبع سنوات، اتسمت بحسن السيرة، تلتها فترة تغيرت فيها أحواله إلى قرب نهاية حكمه عندما مال إلـى الزهد والتنسك، وترك الملك لابنه أبي العباس. وخرج للجهاد في صقلية128.
بنــاء رقـادة:
من أهم الأعمال العمرانية التي تنسب إليه بنائه مدينة رقادة. ففي سنة ٢٦٣هـ/ ٨٧٦م، بدأ إبراهيم بن أحمد في بناء مدينة رقـادة على أربعة أميال من القيروان. امّا عن تسمية المدينة فقد قيل أنها نسبة إلى الرقاد أي النوم، وذلك لطيب مناخ المنطقة التي اختيرت للبناء129. وبنيت بالمدينة القصور العجيبة ومسجـد جامع. وكان أول القصور التي شيدت فيها هو القصر المعروف بالفتح، الذي تـم بناؤه في عام (٢٦٤هـ/۸۷۷م)، فانتقل إليه إبراهيم بن أحمد من القصر القديم130 ولم تزل رقادة دار ملك بني الأغلب إلى أن خرج منها زيادة الله أمام أبي عبد الله الشيعي.
وتنص الرواية إلى أنه عندما انتقل إبراهيم بن أحمد من القصر القديم إلـى رقادة منع بيع النبيذ بمدينة القيروان، وأباحه في رقادة، التي صارت إلى جانـب كونها حاضرة للأمير ومتنزهاً له وموضع فرجة حيث كان يقدم عليه فيها الندماء والمداحون والشعـراء 131 .
تخلص إبراهيم من الصقالبة واستخدامه الجند السودان:
استاء الصقالبة من موالي الأغالبة لخروج الحكم من القصر القديم إلى رقـادة ولكن إبراهيم قضى على حركتهم بعنف وقسوة. إذ يفهم من الرواية أنه عندما حل وقت دفع المرتبات الى الجند والخدم، جلس إبراهيم في قصره الجديد المعروف بقصـر الفتح في رقادة، وحضر إليه جميع العبيد والموالي من القصر القديم، فكان كلما تقدم رجل منهم نزع منه سيفه وقبض عليه، حتى تم القبض عليهم جميعاً، وتقول الرواية أن إبراهيم فرقهم وشتتهم، فأمر بقتل بعضهم، كما أمر بحبس عدد منهم فـي سجن القيروان حتى الموت، كما نفى عدداً منهم إلى صقلية132.
وبعد ذلك اتجه إبراهيم إلى الاستعانة بالعبيد من السودان، فاشترى منهـم أعداداً كثيرة، ودربهم على أعمال الجندية. وصار يعتمد عليهم في الحروب. وقد ظهر منهم شجاعة وجلد133.
قلاقـل في طرابلس:
اللقاء بين الأغالبة والطولونيين:
منذ سنة (٢٦٥هـ/۸۷۸-۸۷۹م) بدأت المتاعب الحقيقية تواجه الأمير وذلك عنادما فكر العباس بن أحمد بن طولون في الاستقلال عن والده بإمارة يقتطعهـا لنفسه في برقة التي كانت في عمالة مصر وقتئذ ويضيف إليها ما يمكن إضافته من طرابلس والأقاليم الشرقية من إمارة الأغالبة. وفي الوقت الذي استقر فيه العباس فـي برقة حل القحط العظيم الذي أصاب إفريقية سنة ٢٦٦هـ / ۸۷۹م، مـا أدى إلى الغلاء الشديد.
مسير العباس إلى برقة:
انتهز العباس فرصة غياب والده في الشام وقام بانقلاب آزره فيه عدد من كبـار القواد، فاستولى على ما كان في بيت المال في مصر، وقبض على وزير والده أحمد بن محمد الكاتب، وسيّره معه مقيداً في اتجاه برقـة 134 التي وصل إليها في ثمانمائة فارس، وعشرة آلاف راجل من السودان، منهم خمسة آلاف جمل، في شهر ربيع الأول سنة ٢٦٥هـ/ نوفمبر ۸۷۸م 135 .
وأخذ العباس يكاتب روساء القبائل البربرية في طرابلس، وقد استجاب لـه بعضهم لأنهم كانوا يقفون موقف المعارضة من الدولة الأغلبية لأنهم كانوا يدينون بمذهب الخوارج الإباضية، وامتنع بعضهم منه. وتقول رواية ابن الأثير أن العبـاس حاول التغرير بإبراهيم بن أحمد فكتب إليه يقول: "إن أمير المؤمنين قلدني أمر إفريقية وأعمالها"136 وهو الأمر الغريـب.
إبراهيم يرسل قائده ابن قرهب إلى طرابلس:
ونتيجة لاستجابة بعض زعماء البربر، تشجع العباس على المسير نحو لبدة شـرق طرابلس. وعندما وصل إلى إبراهيم بن أحمد نبأ مسير العباس، أسرع بإرسال قائــده أحمد بن قرهب، في ألف وستمائة فارس، خيلاً مجردة "لا رجل فيها" كما تقول روايـة ابن عذاري، وأمره بالإسراع ليلاً نحو طرابلس، التي دخلها قبل وصول العباس إلى لبدة137، وعمل ابن قرهب في طرابلس على حشد مايمكنه حشده من جنـد طرابلس، ومن بربر المنطقة المجاورين، وأسرع في اتجاه لبدة التي دخلها قبـل أن تصلها مقدمة القوات الطولونية138.
اللقاء بين الأغالبة والطولونيين:
خرج ابن قرهب بفرسانه من لبدة متجهاً نحو الشرق، حيث ظهرت له طلائع قوات العباس بن أحمد بن طولون على بعد خمسة عشر ميلاً من لبـدة، في موضع يسميه الرقيق الذي ينقله النـويـري "ورداسة" ورغم أن العباس لم يزحـف نحو لبدة إبا بثمانمائة فارس فقط، ومعهم خمسة آلاف راجل من السودان، إلا أن الخدعة التي قام بها عندما جعل نصف رجالته السودان وهم خمسة آلاف رجـل يركبون الجمال، وهم يحملون البنود التي صنعها في برقة، ويزحفون وراء القطعـة الرئيسية من الجيش، نجحت في تحقيق هدفه.
فقد خلف ابن قرعب بعد مناوشة بسيطة، وانهزم تحو طرابلس، وهو يظـن أن من بدأ قتلهم لم يكونوا سوى مقدمة الجيش المصري 139 .
الجيش الطولوني يدخل لبدة ويحاصر طرابلس:
وبذلك، استمر العباس في سيره نحو إفريقية، وفتح حصن لبـدة أبوابه لــه دون قتال في جمادى الأولى سنة ٢٦٦هـ/ ديسمبر ۸۷۱م – يناير ٨٨٠م، ولكــن رجاله أساءوا معاملة أهل لبدة ونهبوهم140.
وفي لبدة تتبع العباس المنهزمين من عسكر ابن قرهب إلى طرابلس، فنزلهـا وضرب عليها الحصار، ونصب عليها المجانيق كما تقول رواية ابن عذاري وضيـق عليها الخناق، ثلاثة وأربعين يوماً، وكان السودان من رجاله يغيرون في هـذه الأثناء، على أهل البوادي، ويسيئون معاملتهم، "حتى اعتدوا على الحرم وهتكوا الستر" مما أثار بربر نفوسة الإباضيـة141. ورغم أن إباضية جبل نفوسـة كانوا مستقلين، ولا يعترفون بسلطان الأغالبة، فقد غضب زعيمهم إلياس بن منصور لمـا حل بجيرانه أهل طرابلس الذين استجاشوا بـه، وقام على رأس اثني عشر ألف رجـل من نفوسة زحف بهم ناحية العباس 142.
انسحاب العباس وقواته أمام الإباضيـة:
وهكذا فوجيء العباس بن أحمد بن طولون الذي كان يحارب الجند الأغلبــي حول طرابلس، بالإباضيـة من بربر نفوسة، بقيادة زعيمهم إلياس. ووقع العباس بيـن شقي الرحى، واستمرت لهيب الحرب والعباس يحاول أن يجد طريقاً للعودة إلى برقة. وكان رجاله يسقطون من حوله، وكاد العباس أن يؤسر وهو ينسحب لولا أن خلصه بعض مواليه من السودان143.
وهكذا خلص العباس بفلول قواته إلى برقة، وانتهب أعمل طرابلس جميع معسكره كما تقول رواية ابن عذاري144. وفي أثناء ذلك كان إبراهيم بن أحمد يحـاول حشد جند إفريقية في القيروان وعندما خرج على رأس قواته يريد نجدة رجاله فـي طرابلس، وصله خبر هزيمة العباس بن أحمد بن طولون، وهو في الطريق، من ابـن قرهب الذي أراد أن يبشره بالفتح كما تقول رواية النـويـري 145 وما أخذ من الأموال التي كان إبراهيم في أشد الحاجة إليها 146.
المجاعـة والقلاقل الداخلية سنة ٢٦٨هـ/ ۸۸۱-۸۸۲م:
وتسبب القحط الذي حل بالبلاد في سنة ٢٦٨هـ في كوارث أخرى، فنتيجة لتلك الشدة امتنع قبائل إقليم الزاب عن دفع ما عليهم من الأموال، ولقد فتك بهم إبراهيم ابن أحمد فتكاً ذريعاً ولم يرحم أطفالهم من القتل، فروايـة ابـن عـذاري تقول: "وقتـل أطفالهم وحملـوا على العجل إلى الحفر فألقـوا فيها147.
وهناك إشارات في النويري إلى غضب قبائل وزداجة في إقليم باجة، وهزيمتهم لواليهم، ولكن قائد إبراهيم تمكن من القضاء على حركتهم، وانتهى الأمر بدخولهم في الطاعة 148.
وقامت هوارة هي الأخرى بالعصيان ولكن حركتها انتهت بطلب الأمان والركـون إلى الطاعة.
السلام يسود لمدة خمس سنوات:
ومنذ سنة ٢٦٩هـ / ۸۸٢-۸۸۳م، استقرت الأمور في المملكة لإبراهيم فلا نجد إشارة إلا لحروب صقلية المظفرة.
الإصلاح المالي:
في سنة ٢٧٥هـ/ ٨٨٨م، قرر إبراهيم بن أحمد القيام بإصلاح مالي قوبل بمعارضة شديدة من أهل القيروان ووصل الأمر إلى قيام الاضطراب وانتهى إلى "هيجة تعرف بثورة الدراهم" كما يقول ابن عذاري 149 فلقد قرر إبراهيم إلغاء قطع النقـود الصغيرة التي يتعامل بها أهل القيروان، وقرر التعامل بالدراهم الصحاح من الفضة150. فأنكرت العامة في القيروان ذلك التغيير، وأغلقوا حوانيتهم وتجمعوا في مظاهرة كبيـرة وساروا إلى رقادة، وتصايحوا ضد الأمير الذي أمر بحبسهم في الجامع وعندما وصـل الخبر إلى أهل القيروان، تجمعوا بدورهم خارج باب المدينة، وأعلنوا معارضتهــم لإبراهيم الذي وجه إليهم وزيره أبا عبد الله بن أبي إسحاق، فرموه بالحجارة وسبـوه فرجع إلى الأمير إبراهيم وأخبره بذلك. وعندئذ ركب إبراهيم بن أحمد بنفسه إلــى القيروان، وبرفقته حاجبه نصر بن الصمصامة في جمع من الجند فناصبه القيروانيون القتال.
وقرر إبراهيم أن يعامل أهل القيروان بالمداراة، فتقدم إلى المصلى، ونزل فيـه وجلس، وطلب من جنده الامتناع عن قتالهم. وعندما استقر به المقام، وهدأ الناس، خرج إليه الفقيه الزاهد أبو جعفر أحمد بن مغيث، ودار بينهما حديث طويل، انتهى بتهدئة الأحوال، إذ تذكر الرواية أن الوزير دخل مع الفقيه إلى المدينة واخترقـا سماطها، أي شارعها الكبير، مما أدى إلى سكون الناس، ورجع إبراهيم بن أحمـد إلى رقـادة، وأطلق المحبوسين بالجامع 151.
وبذلك تم لإبراهيم إقرار إصلاحه المالي، "وانقطعت النقود والقطع الصغيرة من إفريقية إلى زمن صاحب الرواية التي ينقلها ابن عذاري في "البيان"152، وضرب إبراهيم بن أحمد دنانير ودراهم سماها العشرية، إذ كان في كل دينار منها عشرة دراهم من الفضـة 153.
تغلب إبراهیم بن أحمد وتخليصه من كبار رجال الدولة:
القاضي:
تذكر الرواية أن إبراهيم بن أحمد عزل قريبه والي القيروان، عبد الله ابن طالب التميمي، وحبسه، ثم أرسل إليه بطعام مسموم أكله في الحبس، فمـات بعد أكله مباشرة154.
الكاتـب:
وفي السنة التالية (سنة ٢٧٦هـ/ ٨٨٩م) حبس إبراهيم كاتبه محمد بن حـيـون المعروف بابن البريدي، وكان شاعراً، فكتب إليه أبياتاً يستعطفه فيها، ولكن الأميـر لم يستجب له، بل أمر به فجعل في تابوت حتى مات155.
الحاجب:
ومما يدل على عنف إبراهيم العقوبة الشديدة التي أنزلها في العام التالي (۲۷۷هـ/ ٨٩٠م) بحاجبه نصر بن الصمصامة فقد ضربه خمسمائة سوط، فلم ينطـق اليه نحو سبعمائة رجل من أبطالهـم، دعاهم إلى القدوم عليه في رقادة، وأنزلهم معه في دار كبيرة بناها لهم، كما تقول رواية ابن عذاري، وكانت تشتمل على عدد من الدور ترجع كلها إلى باب واحد 156.
وبعد أن أحس إبراهيم أن القوم اطمأنوا، جمع أهل الثقة من رجاله، لأخذ أرزاقهم، ثم أمرهم لمصاحبة ابنه عبد الله للقضاء على البلزميين في دارهم الكبيــرة، وأحاط الجند بدار البلزميين الذين دافعوا عن أنفسهم إلى وقت العصر. ولكـن القتال انتهى بمقتلهم جميعا 157.
ويـعـلـق ابـن عذاري على ذلك الحدث بقوله: "وكان ذلك من أسباب انقطـاع دولة بني الأغلب، إذ كان أهل بلزمة في نحو ألف رجل من أبناء العرب والجنـد الداخلين إلى إفريقية عند افتتاحها وبعده، وكان أكثرهم من قيس، وكانوا يذلــون كتامة، فلما قتلهم إبراهيم، استطالت كتامة، ووجدت السبيل للقيام مع الشيعـي على بني الأغلب" 158.
مخالفة البلاد على إبراهيم بن الأغلب:
نستشف من رواية ابن عذاري أن البلاد خرجت على سلطان إبراهیم بن الأغلب عقب تلك المذبحة. ففي سنة ٢٨٠هـ / ٨١٣م تنص الرواية على أن البلاد تحولت إلى دولة ملوك فتن فقد انتـزى في كل مدينة قائد من القـواد. فلقد خالفت علـى إبراهيم كل من تونس، والجزيرة والأربس وباجـة، وقمودة، وقدموا على أنفسهـــم رجالاً من الجند وغيرهم، "وصارت إفريقيةعليه ناراً موقـدة" ولم يبق بین بیده من أعمالها إلا الساحل والشرق إلى أطرابلس. وإزاء هذا الموقف الصعب اتخذ إبراهيم خندقاً حوالي رقادة، ونصب عليه أبواب حديد، وجمع حوله أهل الثقة من جنده، واستعان بحرسه السودان، وكانوا خمسة آلاف أسود 159.
الجزيـــــرة:
ومع بداية سنة ٢٨٠هـ / ٨١٣م بدأ ابراهيم ينفرد بأهل كل منطقة على حدة، وبدأ بمنطقة الجزيرة، جزيرة شريك، وصطفورة، حيث أرسل عسكره الذي انتقم من أهلها فقتل منهم خلقاً كثيراً، وأتى برئيسهم أسيراً فأمر به الأمير إبراهيم فقتـــل وصلب.
قمودة:
ثم وجه فتاه الحبشي ميمون، على رأس السودان إلى أهل قمودة، فقاتلهم حتى انهزموا، وقتل جماعة منهم 160.
تونس:
وأخيراً وجه إلى تونس جيشاً كثيفاً، على رأسه فتاه ميمون، وانتهى القتـال بانهزام أهل تونس، ودخول تونس نفسها عنوة في ٢٠ من ذي الحجة سنة ٢٨٠هـ ۲ مارس ٨١٤م. "وانتهبت الأموال وسبيت الذرية" 161.
وفي سنة ٢٨١هـ/٨٩٤م وجه إبراهيم بن أحمد ميموناً الحبشي إلى تونس، فقتل بها جماعة من بني تميم وغيرهم، وصلبهم على باب المدينة. وعاد وبصحبته وفد من أكابر أهل تونس يقدمون الطاعة والولاء. وخلع إبراهيم على ميمـــــون وكساه "الخز والوشـى والديباج، وطوقـه بالذهب، وحمله على فرس"، ثم أعـاده إلى تونس كنائب له 162.
استيطان إبراهيم تونس:
في سنة ٢٨١هـ/٨٩٤م، خرج إبراهيم بن الأغلب كما تقول رواية ابن عـذاري إلى تونس، واستوطنها 163.
تقديم أبنائه على بلاد إفريقيـة:
وقد عمل إبراهيم على توطيد الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، فقرر في سنـة ۲۸۲هـ /٨٩٥م، أن يعهد بولايـة أقاليم إفريقيـة إلى أبنائه، كما تقول رواية ابن عذاري 164.
العودة إلى رقـادة:
ولم يستمر المقام بإبراهيم في تونس إلا أقل من سنة ونصف السنة، وذلك أنـه عاد إلى رقادة في بداية سنة ٢٨٣هـ/ ٨٩٦م 165.
احتجاج الخلافة على سياسة إبراهيم القاسية في تونس ونذر الفتنة في إقليم طرابلس:
أخرج إبراهيم ابنه أحمد إلى طرابلس ليكون عاملاً عليها. وذلك بدلاً من ابـن عمـه، محمد بن زيادة الله بن الأغلب، الذي كان "أديباً ظريفاً له تواليف" وكـان مرشحاً من قبل الخلافة العباسية لتولي الإمارة في إفريقية بدلاً من إبراهيم. فالروايــة تقول أن الخليفة المعتضد العباسي، كان من بين ما كتبه لإبراهيم - بعد تعنيفه له على جوره وسـوء فعله بأهل تونس - "إن انتهيت عن أخلاقك هذه، وإلا، فسلـم العمل الذي بيدك لابن عمك محمد بن زيادة الله"166.
وقوف قبائل نفوسة في طرابلس ضد إبراهيم:
خرج إبراهيم بن أحمد من رقادة في سنة ٢٨٣هـ / ٨١٦م، بعسكره متتبعاً ابنه أحمد الذي كان قد سبقه إلى هناك من تونس. وفي منتصف الطريق بين قابس وطرابلس في موضع يعرف بمانو اعترضته قبائل نفوسة، وكانوا في جموع حوالي عشرين ألف رجل، لا فارس معهم ومنعوه من الجواز167. فتصدى لقتالهم وقاتلهم قتالاً عنيفاً حتى مزمهم وقتل أكثرهم ثم تمادى حتى أطرابلس يتبعهم بالقتل 168.
قتل عامل طرابلس محمد بن زيادة الله:
ومن نفوسة سار إبراهيم إلى طرابلس حيث قتل بها ابن عمه الأديب، محمـد ابن زيادة الله، وصلبه ثم قام من طرابلس إلى تاورغـا فقتل بها كما تقول رواية ابن عذاري خمسة عشر رجلاً، وأمر بطبخ رؤوسهم، فظهر أنه يريد أكلها هو ورجاله وقد نجح بهذا العمل في إشاعة الرعب في أهل العسكر169 الذي عاد معظمه إلى إفريقية مما اضطره إلى العودة إلى رقادة ونكل بالفارين وهزمهم.
أبو الأحوص الشيخ الصالح يأمر إبراهيم بالمعروف:
تقول رواية ابن عذاري أن أبا الأحوص الشيخ الصالح المكفوف وهو من أهـل سوسة، كتب إلى إبراهيم رسالة من إملائه بعثها إليه يأمره فيها بالمعروف وينهـاه عن المنكر. وتنص الرواية على أن إبراهيم عذر الشيخ المكفوف، لدينه وفضله، ولكنـه هدده بقتل عدد من أهل سوسة إن لم يبعث إليه بمن كتب له الرسالة. وكـان رد الشيخ عليه هو دعوته إلى التوبة من جديد، والرجوع عن الظلم. ووقى الله الشيـخ من نقمة إبراهيم، فمات في نفس السنة أي سنة ٢٨٤هـ/ ٨٩٧م 170.
اعتزال إبراهيم بن أحمد:
تذكر الرواية أنه في سنة ٢٨٧هـ / ٩٠٠م قدم من بغداد على الأمير إبراهيـم رسول من قبل الخليفة العباسي المعتضد بالله، وأمر الخليفة رسوله أن يطلب من إبراهيم بن أحمد اعتزال الحكم، وتولية ابنه أبي العباس على إفريقية، ثم القدوم مع الرسول إلى بغداد للقاء الخليفة 171.
وفي سنة ٢٨٦هـ/ ٩٠٢م كما تنص رواية ابن عذاري، أظهر إبراهيم بن أحمـد التوبة لما استقام أمر أبي عبد الله الداعي بكتامة. وأراد أن يرضي العامة ويستميــل قلوب الخاصة بأفعاله، فرد المظالم، وأسقط القبالات (المكوس) وأخذ العشر طعاماً، وترك لأهل الضياع خراج سنة، وسماها سنة العدل 172. وأعطى فقهـاء القيروان ووجوه أهلها أموالاً عظيمة ليفرقوها في الضعفاء والمساكين، وانتظر عودة ابنـه أبي العباس وكان قد بعث إليه بالرجوع من صقلية ليسلمه الملك173. وعندما وصل أبو العباس من صقلية في أواخر سنة ٢٨٨هـ / ٩٠١م سلمه مقاليد الأمور في الدولة، وبدأ هو الاستعداد للخروج إلى صقلية مجاهدا. موت إبراهيم بن أحمد في إيطاليا:
تصف الرواية عبد الله بأنه كان شجاعاً ثبتـاً، ذا بصر بالحروب، وتجربـة فيها، وكان أديباً عاقلاً، شديد الحذر من أبيه أيام حياته لما يشاهده، من أحوالـه، فكان يظهر له الطاعة والخضوع، وكان إبراهيم يرضى عنه ويعترف بفضله على سائـر ولـده 176.
وفي سنة ٢٨٩هـ/ ٩٠١م أي عندما كان عبد الله نائباً للملك، بعد خروج والده إلى صقلية، استرجع معظم الأموال التي كان أبوه أخرجها إلى الفقهاء ووجوه النـاس ليفرقوها في المساكين، والتي أعطيت لمن لا يستحقها، وكان يقول لمشايخ إفريقيـة: "أغتنم الفرصة في المال لمرض الأمير أبي، ومغيبي عنه"177. وقام عبد الله بإحداث تغييرات في ولايات الأقاليم، فولى عليها من أحب 178.
وفي خلال هذه السنة بدأت قوات الداعية الشيعي أبي عبد الله تظهر فـي بلاد الزاب وما حولها، ونجح في أخذ مدينة ميلـة، مما جعل أبا العباس يسيـر إليه أخاه أبا عبد الله المشهور بالأحول، الذي استعاد ميلـة وهزم الداعية الشيعي، هذا ولو أنه سيهزم في السنة التالية، أي سنة ٢٩٠هـ / ٩٠٢م، أمام قوات أبي عبـد الله الداعي.
وفي سنة ٢٩٠هـ / ٩٠٢م وقبل أن يصل إلى أبي العباس نبأ وفاة والده فـي صقلية، كتب إلى العمال ليأخذوا له البيعة، لأن أباه فوض الأمر إليـه، وتخلـى له عن الملك، واشتغل بالعبادة 179. وكتب إلى العمال كتاباً يقرأ على الناس بالوعد الجميـل والعدل والرفق والجهاد 180.
تقشف أبو العباس وتنسكـه:
وعندما وصل أبا العباس نبأ وفاة والده من صقلية، تغير حاله وتقول الروايات أنه أظهر التقشف ولبس الصوف، والجلوس على الأرض وإنصاف المظلوم وجالس أهـل العلم وشاورهم. وكان لا يركب إلا إلى الجامع، ولم يسكن في قصر أبيـه، ولكنـه اشتری داراً مبنية بالطوب فسكنها، وظل بها إلى أن قتـل 181.
حبس ابنه ولي عهده زيادة الله:
وصل إلى علم أبي العباس، عن طريق بعض الوشاة أن ابنه زيادة الله، ينــوي الخروج عليه، فأرسل إليه يستحثه في القدوم عليه، فلما قدم عليه زيادة الله فـي ٢٠ جمادى الآخرة سنة ٢٩٠هـ / ٢٠ ماية ٩٠٢م، قبض عليه وأخذ ما كان معه من الأموال والعتاد وحبسه في بيت داخل داره، هو وبعض أصحابه 182.
مقتل أبي العباس بن إبراهيم بن أحمد:
بعد شهرين من حبس ابنه زيادة الله في يوم الأربعاء ۲۱ شعبان دخل أبـو العباس إلى الحمام ثم مر منه للراحة في دار خالية، واستلقى على سرير خيزران، ووضع تحت رأسه سيفاً ونـام بعد أن أخرج كل من كان في الدار ما عدا اثنين من الفتيان كان يثق فيهما، فلما نام تأصرا على قتله. لتكون فرصة يقدمون فيها يد المساعدة لزيادة الله، ويفوزا بالحظوة لديه وبعد أن اغتالا عبد الله ذهبا إلى حيث كان زيادة الله محبوساً وأخبراه بمقتل والده وألقيـا إليه برأسه 183.
وهكذا انتهى عصر أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن أحمد باغتياله في قصره بمدينة تونس في آخر شعبان من سنة ٢٩٠هـ/ ٢٨ يوليه ٩٠٣م وآلت مقاليد الأمــور من بعده إلى ابنه زيادة الله الذي خرج من سجنه إلى الملك لكي ينهي دولة الأغالبة. لما تيقن زيادة الله من مقتل أبيه فك قيوده وكتم نبأ اغتيال والده خوفاً من أعمامـه الذين يمكنهم الوثوب عليه، وأخذ الإمارة منه. وبدأ يدبر أموره، فأرسل إلى بعـض أصحابه من كانوا مسجونين معه "تهمة" مثل: عبد الله بن الصائغ، وأبي مسلـم منصور بن إسماعيل وعبد الله بن أبي طالب، وطلب منهم المشورة، فأشاروا عليه بأن يرسل إلى أعمامه يستقدمهم ووجوه القواد على لسان أبيه إلى دار الإمارة.
وتقول الرواية أنه عندما وصل أعمامه ووجوه القوم، "دفع إليهم الصلات وأخـذ عليهم البيعة" 184. ثم أمر أن ينادى بتونس بقدوم من كان بها من الجند، إلـى باب الأمير فركبوا إليه بأسلحتهم فأمر زيادة الله بإدخالهم واحداً واحداً، فكان الرجـل يدخل يبايع، ويعطي خمسين مثقالاً إذا كان من وجوه العسكر 185. وكتب في ذلك اليوم كتاب بيعته، وبعث به فقرئ بتونس على منبر جامعها، ثم أخذت لـه البيعة على العامة بتونس، وكتب إلى العمال بالبلاد على أن يأخذوا له البيعة على من قبلهم 186. ولما قرب وقت العشاء نادي في الجند، أن يأتوا في صبـاح اليوم التالي لأخذ العطاء. وقبض على أعمامه أجمعين، وكبلهم، ثم أرسلهم إلـى جزيرة الكراث (على بعد ۱۲ ميلاً من مدينة تونس) حيت قتلوا بها في الثالث مـن رمضـان.
أما عن الجند والموالي الذين قدموا إلى بابه لأخذ العطاء فإنه سوفهم (أي ماطلهم) حتى "بردت قلوبهم وملوا الاختلاف" كما تقول رواية ابن عذاري 187.
وما أن استوثق له الأمر حتى أمر بقتل الفتيين اللذين قتلا والده "وأمر بهما فقطعت أيديهما وأرجلهما وصلبـا على باب القيروان، وباب الجزيرة مـن أبـواب تونس"188. وتنص الرواية على أنه أيضاً في تلك المذبحة قتل عمه أبا الأغلب الزاهد الساكن بسوسة وقتل أخاه أبا عبد الله الأحول الذي كان يقاتل أبا عبـد الله الشيعي في طبنـة 189.
وأهم ما تسجله الحوليات على عهد زيادة الله الثالث، هو انتصارات الداعي الشيعي المتوالية على قوات الأغالبة، إلى جانب محاولات الأغالبة الفاشلة فـي سبيل صد المد الفاطمي، من الاتصال بالخلافة أو تحريض الفقهاء وعامة الشعب على الفاطميين، ثم نقل الحاضرة إلى القيروان.
وينتهي الأمر بضرب الأمير الأغلبي إلى مصر، تاركاً بلاده وقصوره إلى الداعي الشيعي، مشيعاً بغضب الشعب وسخطه وتذمره على الأسرة التي لم تستطع المدافعة عن البلاد.
تنظيم الدولة والدواويـن:
بدأ زيادة الله بتنظيم الإدارة في الدولة بأن عهد بالوزارة والبريد إلى عبـد الله ابن الصائغ، وبديوان الخراج إلى أبي مسلم منصور بن إسماعيل. ولكي يكسـب زيادة الله رضى الشعب وتأييد فقهاء المالكية، عزل قاضي القيروان الحنفي، وولـى القضاء حماس ابن مروان بن سماك الهمداني، الذي عرف بالورع وكان عالماً بمذهب مالك وأصحابه وقد عدل حماس في أحكامه ولم يكن يهاب أحد في ولايته ونظره190.
وفي سنة (٢٩١هـ / ٩٠٤م) أخذ زيادة الله البيعة بولاية العهد لابنه محمد 191.
الصراع ضد الداعي الشيعي:
عهد زيادة الله بالحرب ضد أبي عبد الله الشيعي - بعد مقتل أخيه الأحول - إلى قريبه إبراهيم بن أبي الأغلب، كما وجه لها الكثير من عنايته. ولكن بلا فائـدة وذلك أن أبا عبد الله الشيعي الذي نجح في إدخال معظم قبائل كتامة في الدعـوة ورتبهم في جيوش منظمة، تدين له بالطاعة والولاء أخذ يرنـو ببصره إلى المدن الأغلبية غير البعيدة من بلاد كتامة، وهو ما نجد له تفصيلاً رائعاً في روايات القاضي النعمان في كتابه "رسالة افتتاح الدعوة".
ونهج الداعي الشيعي في سنة (٢١١هـ/١٠٤م) في الاستيلاء على مدينتـي ميلة وسطيف، مما أثار الهلع في نفس زيادة الله.
اطلاع الخلافة على الأمور في إفريقية وتوثيق صلاته بالحسنيين في المغرب:
نستشف من الروايات أن زيادة الله أخذ يطلع الخلافة العباسية على مجـرى الأمور في إفريقية وكان هدفه من ذلك هو أن تتدخل الخلافة وتسانده في موقفه، فسيّر كما تقول الرواية الحسن بن حاتم إلى العراق رسولاً من قبله "بهدايا وطرف" 192.
كما حاول توثيق صلاته بالحسنيين أقارب الأدارسة في المغرب الأوسط حتـى يساعدوه في مقاومة كتامة، فولي الحسن بن أبي العيش على رئاسة قبائل جراوة، بعد وفاة والده أبي العيش 193.
إثارة أهل إفريقية ضد الداعي الشيعي:
تنص الرواية على أن الأمير زيادة الله قام بدعوة فقهاء إفريقية إلى المجيء إليـه بتونس فوصله عدد منهم، اجتمعوا في بيت الوزير عبد الله بن الصائغ، وتفاوضوا في أمر الشيعي وأخبرهم ابن الصائغ على لسان الأميران "هذا الصنعاني الخـارج علينا مع كتامة، يلعن أبا بكر وعمر - رضهما - ويزعم أن أصحاب النبي - صلعم - ارتدوا بعده، ويسمي أصحابه "المؤمنين" ومن يخالفه في مذهبه: "الكافريـن" ويبيح دم من خالفه في رأيـه" 194.
وأظهر الفقهاء بعد سماع تلك المقالة، اللعنة والبراءة من الشيعي، وحرضوا الناس على قتاله، وأفتوا بمجاهدته 195.
مهاداة الخلافة:
تذكر الرواية أن زيادة الله، أرسل هدية عظمية الى الخليفة العباسي المكتفي من ضمنها: عشرة آلاف مثقال (دينار) في كل مثقال منها عشرة مثاقيل (أي عشرة دنانير) وكتب في كل مثقال منها هذين البيتين من الشعر:
نقل العاصمة إلى رقـادة:
وفي مواجهة الخطر الكتامي، قرر إعادة مركز الدولة من تونس إلى رقـادة القريبة من القيروان ليكون بالقرب من جبهة القتال في إقليم الزاب، ففي سنة ٢٩٢هـ / ٩٠٤م وصل صاحب الخراج أبو مسلم منصور بن إسماعيل، إلى رقـادة197 لإصلاح ورفع ما كان ؟؟ وهي من المدينة، كما قام بتجديد سورها198.
وفي شهر ربيع الآخر من السنة، قدم زيادة الله من تونس إلى رقادة فنـزل في قصره في مواجهة الماجل (الصهريج) الكبيـر 199.
الاستعداد لحرب الداعي الشيعي:
بدأ زيادة الله بعد استقراره برقادة يحشد وجوه الرجال من أنجاد العـرب والموالي من الجند كما أخذ في جمع السلاح وآلات الحرب، ولما وصلت تلك الأنباء إلى الداعي الشيعي، خاف كما تقول رواية ابن عذاري وأخذ في استصراخ كتامة 200.
موقعـة قـرب قسنطينة:
التقى ذلك الجيش الكثيف الذي أعده زيادة الله وعهد بقيادته إلى إبراهيـم ابن حبشي، في سنة ٢٩٢هـ/ ٩٠٥م بحشود كتامة التي قادها الداعي غير بعيد من قسنطينة201. وانتهى اللقاء الرهيب الذي تطاعن فيه القوم بالرماح حتى تحطمت وبالسيوف حتى تكسرت، بانهزام إبراهيم وجنده الأغلبي وتنص الرواية على أن إبراهيم ورجاله لم ينجوا إلا بفضل ما تركوه من الغنيمة والأموال والسلاح والسروج التي انشغلت بها كتامة، حتى اغتنى أصحاب الشيعي فلبسوا أثواب الحرير، وتقلدوا السيـوف المحلاة، وركبوا بسروح الفضة واللجم المذهبـة 202.
وتقول الرواية أن الداعي كتب إلى أبي عبد الله الشيعي - وهو يومئذ مختفياً بسجلماسة بأخبار الفتح كما أرسل إليه نصيبه من المال من قوم من كتامة سـراً203.
نتائج الهزيمـة:
تتلخص نتائج هزيمة العسكر الأغلبي في سنة ٢١٢هـ/ ٩٠٥م في ازديـاد قوة الداعي الشيعي وحلول الوهن والضعف بين صفوف أهل إفريقية، ودخول الهلع في قلوبهم204. ومنذ تلك الهزيمة التي حاقت بالجند الأغلبي، أصبحت الحـرب بين الأغالبة وبين الشيعي وأنصاره - كما نستشف من الروايات عبارة عن سلسلة متوالية من الهزائم للعسكر الأغلبي، ولم تجد في ذلك كتب الخلافة التي كانت تـرد من بغداد، والتي كان يحض فيها الخليفة أهل إفريقية على نصرة زيادة الله ومدافعة الشيعي. والتي كانت تقرأ في المساجد على الناس 205.
اختلاف الأمور على زيادة الله:
نستبين من تفصيلات الأحداث أن الأمور اختلفت على زيادة الله، فعقـب هزيمة إبراهيم بن حبشي جهز زيادة الله في سنة ٢٩٣هـ / ٦٠٦م جيشاً وجهـه إلـى الأربس - القريبة - لقتال الشيعي، وكان على رأس ذلك الجيش والي القيـــــــروان وزميله الذي سبق أن نكل بهما زيادة الله. وبطبيعة الحال خرج الرجلان بأمـر زيادة الله لجهاد الشيعي وهما يضمران الخلاف، فقد عادا بالعسكر إلى القيروان بعد ثلاثة أيام فقط، وقد رضوا لأنفسهم بالجبن والخضوع وهو الأمر الذي لـم يرض به عامة القيروان الذين خرجوا إليهم يدافعونهم ويعلمونهم القيام بواجبهم حتى انتهى الأمر بقتل أحدهما وصلبـه على باب رقـادة 206. الأربس مقراً للأمير وحاشيته:
أصبحت الأربس التي كانت على مسيرة يومين من القيروان – مركزاً للقيـادة، حيث نزل زيادة الله بغربيها واجتمعت إليه عساكر كثيرة طمعاً في المال وليس احتساباً في سبيل الله، وفي ذلك تقول رواية ابن عذاري، أن الأمير كان يعطي الأمـــــــوال جزافاً بالصحاف، کیلاً بلا وزن فكان الرجل يعطى ملء الصحفة دنانير في كسائـه ويحمل على فرس، ولكنه كان يخرج فلا يرى بعـدهـا أبـدا 207.
ونج زيادة الله في توجيه العساكر إلى باغاية، أما طبنة عاصمة الــــــــزاب فشحنها بالرجال والعتاد وقدم عليها حاجبه أبا المقـارع الحسن بن أحمد مع شبيب بن أبي شداد القمودي وخفاجة العبسي، وكانوا من أهل الشجاعة والنجدة، وأمرهم بشن الغارات من طبنـة إلى أرض كتامـة 208.
افتتاح الداعي بلزمـة وطبنـة:
في سنة ٢٩٣هـ/ ٩٠٦م، تمكن الداعي من التغلب على مدينة بلزمـة ثم على طبنـة التي دخلها بالأمان في آخر ذي الحجة209.
الداعي الشيعي يلغي نظام الضرائب الأغلبي ويعلن العودة إلى السنة في طبنة:
نهج الداعي الشيعي في كسب قلوب الناس في الزاب، بفضل دعايته التـي نادى فيها بالعودة بالإسلام إلى نقائه الأول على عهد الرسول صلى الله عليه وسلـم. فهو في طبنـة يرفض أموال جباية العشور التي تقدم إليه، على أساس أنها "إنما العشر حبوب، وهذا عين"، ويأمر بأن يرد على كـل رجل ما أخذ منه ويقول: سنة العشور معروفة في أخذه وتفرقته "ويقول لمن أتـاه بمال الخراج: هذا مال لا خير فيه، ولا قبالة ولا خراج على المسلمين في أموالهم. ثم يأمر ثقات أهل طبنة برده على أهله 210.
ومن هذا الطريق انتشر فعله في جميع نواحي إفريفية فتاقت أنفس النـاس إليه، وكاتبوه ودخلوا في طاعته ولما بلغ ذلك زيادة الله اغتم به غمـاً شديداً، وأخذ في حشد الرجال، وأمر بلعن الشيعي على المنابر 211.
محاولة استعادة الـزاب:
خن ابن حبشي في سنة ٢٩٤هـ / ١٠٦م بعساكره من الأربس لملاقاة أبـي عبد الله الشيعي بمدينة طبنـة 212، ولكن الرواية لا تبين لنا مصير ذلك الجيـش الذي ذهب للقاء الشيعي.
سير هرون الطبني إلى بلزمـة:
يفهم من رواية القاضي النعمان أن زيادة الله، وجه جيشاً آخر إلى بلزمـة، وأنه عهد بقيادة هذا الجيش الذي بلغت عدته اثني عشر ألف رجل إلى هـــــــرون الطبني، ولقيت تلك الحملة الهزيمة، وقتل قائدها عرون، كما كان من نتائجهـا سقوط مدينة تيجس 213، وبعد تلك الهزيمة انصرف زيادة الله كما تقول روايـة ابن عذاري من الأربس، وعاد إلى رقادة، بعد ـن استخلف على الجيش بالأربس إبراهيم بن أحمد ابن أبي عقال، وأنه بدأ بناء سور مدينة رقـادة "بالطوب والطوابي" هذا وإن كان القاضي النعمان في روايته يقول: أنه بعد مقتل هرون اغتـم زيادة الله كثيراً وقرر الخروج بنفسه للقاء الداعي، ولكنه عاد واستمع إلى نصـح المقربين إليه الذين نصحوه بألا يفعل ذلك فهزيمته لو حدثت لن تكون كهـزيـمـة قواده، فعاد إلى قصره برقادة "في أهل بيته وخاصة رجاله" 214.
تحصين رقادة والانغماس في اللهو:
بعد أن قام زيادة الله ببناء سور رقادة، انصرف كما تقول رواية ابن عـذاري إلى اللهو، فالتزم التنزه على البحر، واتباع اللذات، ومنادمة العيارين والشطار والزمامرة والزراطين، وتضيف الرواية أنه كان إذا فكر في تغلب عدوه على أكثـر مواضع عمله. يقول لندمائه: "املأ واسقني من القرن يكفيني" 215.
سقوط باغايـة وتفكير زيادة الله في اللجوء إلى مصر سنة ٢٩٤هـ / ٩٠٦م:
في سنة ٢٩٤هـ / ٩٠٦م كان لسقوط مدينة باغايـة واستسلامها لأبي عبد الله الشيعي، أثره في نفس زيادة الله الذي عظم غمـه، واستشار وزيره عبد الله بن الصالح، فنصحه بالرحيل إلى مصر سـراً، على أن يستخلف على إفريقية قائـداً يجعل إليه أمر العساكر ويترك له الأحوال، واستحسن الأمير النصيحة وأمر بشـــــــراء خمسمائة جمل لرحيله ثم ظهر له خطأ هذا الرأي وخاف من ثورة الناس ضـده، فتوقف عن تنفيذ النصيحة 216.
ونستبين من الرواية أن الذي بين له خطأ فكـرة الهروب هو قائد جيوشـه إبراهيم بن حبشي، الذي أدخله أجمل قصوره في رقادة، وهو قصر البحر، وجعله ينظر إلى ما فيه من الزخارف والصور وبين له إن مثل هذا القصر لا ينبغي أن يترك للأعداء. وأظهر له إبراهيم بن حبشي أن أهل البلاد معه، بينما عدوه الشيعـي شيخ مجهول لا يعرف مكانه في البربر، وأنه في حصن منيع، وأن الظفر معـه بإذن الله.
وهكذا تخلى زيادة الله عن الهرب. وجعل يرسل الرجال والأموال إلـى الأربس، التي أصبحت أقصى ثغوره، "فكانت خيل أبي عبد الله الشيعي تغير على الأربس من باغاية، وخيل زيادة الله تغير على باغايـة من الأربس" 217.
زيارة رسول صاحب القسطنطينيـة:
وفي نفس السنة (أي سنة ٢٩٤هـ / ١٠٦م)، وبينما كانت مدينة رقادة تتخذ الأهبة لأي طارئ، وأهلها يتخذون العسس حولها، ويبيتون في الأخبية المضروبـة بجوارها كما تقول رواية ابن عذاري، في ذلك الوقت قدم حبشي وابن أبـي حجر وابن عباس، وهم رسل زيادة الله إلى بلد الروم وبصحبتهم رسول صاحب القسطنطينية218. واعتنى زيادة الله بالرسول احتفاءً كبيراً، فكساه، وأقام لـه حفل كبير في الملعب بقرب رقادة وجمع زيادة الله الناس - للمباهاة بهم "فكان جمعاً عظيماً" 219.
خروج زيادة الله إلى مدينة تونس أول عام ٢٩٥هـ / ٩٠٧م:
جدد زيادة الله كما تقول الرواية الحشد، لحراسة القيروان ورقـادة، وكان يرغب الناس بالأموال على الانضمام إلى العساكر220. وفي سنة ٢٦٥هـ، خـرج زيادة الله في شهر المحرم، إلى مدينة تونس ليرتب أموره فيها 221.
انتصارات الداعي الفاطمي فيما بين مجالة وقمودة:
خلال سنة ٢٩٥هـ / ١٠٧م تسجل رواية ابن الأثير للداعي انتصارات متواليـة من ذلك: افتتاحه لمدينة مجانة عنوة وقتل عاملها، وملك مدن: القصر الإفريقـي، وتيفاش، وقالمة، ثم مسيره المظفر إلى مسكيانة وتبسا مديرة (حيدرة)، ومرماجنة (قرب الحدود التونسية الجزائرية الحالية). وبعد تلك المسيرة رجع أبو عبد الله الشيعي عبر قسطيلية، إلى باغايـة ومنها قفل إلى قاعدته في إيكجان 222.
استيلاء الداعي الشيعي على قسطيلية وبلاد الجريد:
وفي سنة ٢٩٦هـ وهي السنة الأخيرة في حكم الدولة الأغلبية وصلت خيل أبـي عبد الله الشيعي إلى قسطيلية حيث مني بالهزيمة أبو مسلم منصور بن إسماعيل، وشبيب ابن أبي الصارم وانسحبا إلى مدينة توزر. وتتبعتهم الخيل إلى هناك وهي تحرق القرى وتفسد ما مرت به من النعم. واتبع الداعي ذلك بالاستيلاء على قفصة عاصمة بلاد الجريـد.
ولما وصل الخبر إلى رقادة بمعاودة رجال الداعي الشيعي لنشاطهم، ارتجت الحاضرة، وهال زيادة الله الامر واضطربت أحوال الجند، وانتاب الجميـع اليأس وخافوا على ذراريهم وأهلهم من السبي والاسترقاق 223.
سقوط الأربـس:
وأخيرا سقطت الأربس في ٢٤ جمادی الأخيرة سنة ٢٩٦هـ / ١٨ مارس ١٠٦م، وانهزم إبراهيم بن أبي الأغلب (واليها) في عساكر إفريقية وجمهور أجنادها، ودخل الشيعي المدينة بالسيف عنوة 224. ولجأ أهل الأربس وفلول العسكر إلـى مسجد المدينة - الذي غص بمن فيه، وانتهى الأمر بأن أمر الشيعي بقتلهم أجمعين، وتبالغ رواية ابن عذاري عندما تنص على أن عدد من قتلتهم كتامة بأمر الشيعي داخل المسجد بلغوا ثلاثين ألفاً، وكان قتلهم من بعد صلاة العصر إلى آخـر الليل، حتى أن الدماء كانت تسيل من أبواب المسجد كما يسيل الماء من وابـل الغيث 225.
ولم يبق العسكر الشيعي في الأربس، فعندما جاء الصباح وقد انتهـى أصحاب أبي عبد الله من القتل والنهب والسلب نادى بالرحيل قافلاً إلى مدينـة باغايـة خشية أن يحاشد عليه (أي يجتمع عليه) أهل افريقيـة 226.
رحيل زيادة الله عن رقـادة:
عندما وصل خبر الهزيمة إلى زيادة الله، سقط ما بيده، وعلم أنها نهايـة ملكه. وأخذ يستعد للرحيل، وأعلن في أهل القيروان أن الأخبار أئته بالنصر علـى الشيعي، إلا أن أهل القيروان سرعان ماعلموا أن الدائرة كانت على أصحاب زيادة الله، وماجوا فيما بينهم، وجعلت الخاصة وأهل الخدمة يفرون من رقـادة227 . وأخذ زيادة الله في شد الأحمال بما خف من الجوهر والمال. ولما كان وقـت صلاة العتمة، وفي ليلة الإثنين ٢٥ من جمادى الآخرة ركب فرسه وتقلد سيفـه وجعل الأحمال تمر أمامه وقد حمل من يعز عليه من أمهات أولاده ومعـه وجــوه رجاله وفتيانه وعبيده، وخرج عن مدينة رقـادة، في ثلث الليل الأول متجهاً إلى مصر، وتوقف في طرابلس حيث أقام فيها أكثر من اسبوعين 228.
وفي صبيحة اليوم الذي خرج فيه زيادة الله عن رقادة، انتهبت المدينـة، وأخذ الناس من بقايا أموال بني الأغلب ومتاعهم وصنوف الآنية من الذهب والفضة ما لا يحيط به وصـف 229.
محاولة إبراهيم بن أبي الأغلب تقلد الإمارة في رقادة:
تنص رواية ابن عذاري، على أن إبراهيم بن أبي الأغلب المنهزم في الأربس قدم إلى القيروان فيمن بقي معه من القواد فنزل بدار الإمارة، وبعث يستقدم وجوه الناس، وانتقد في وجودهم تصرفات زيادة الله، الذي أسند أمر المسلميـن إلى "من كان يسعى في زوال ملكه" وطلب من الناس الإخلاص له وإمداده بالرجال والأموال، وأخذ لنفسه البيعة بالإمارة في المسجد الجامع بعد صلاة الظهر إلا أن عامة الناس الذين كانوا قد ملوا الحرب، ثاروا به وبينوا له أنه قد عجز عن دفع كتامة بالعساكر والسلاح والمال، فكيف يقوى على دفعهم بدون أموال… ثم صاحوا "لا طاعة لك علينا، ولا بيعة في أعناقنـا، فاخرج عنا" واضطروه هو ومن معه إلى ركوب خيلهم والنجاة بأنفسهم عن طريق الخروج من باب أبي الربيع، ثم أنهم لحقـوا بزيادة الله 230.
وعندما لحق إبراهيم بن أبي الأغلب بزيادة الله، وعلم الأخير بما كان يضمـره إبراهيم من أخذ البيعة لنفسه بالإمارة في القيروان سخط عليه، وهرب إبراهيم إلــى الإسكندرية واستجار بعاملها الذي أرسله الى والي مصر النوشري، حيث حذره مـن طمع زيادة الله في مصر ولهذا لم يحسن النوشري استقبال زيادة الله، الذي لم يقم بمصر أكثر من ثمانية أيام، خرج من بعدها متجهاً إلى بغداد، وفي الرملة مـن أرض فلسطين هرب كثير من أصحابه ورجال حاشيته وبعد استيطان الرقة لمدة سنـة، تشتت أمره وانتهى به الحال إلى الانكباب على شرب الخمر وسماع الموسيقى والغناء، وأخيراً وصلته الأوامر من ديوان الخلافة بالعودة إلى مصر، وكانت الأوامر قـد صدرت إلى عاملها بمعاونته ومساعدته في العودة إلى ولايتـه واسترجاع دولتـه وهو الشيء الذي لم يتحقق. وأنهى الأمير أيامه الأخيرة في بيت المقدس، وبذلك انقرضت دولة بني الأغلب بإفريقية بعد أن حكمت البلاد مائة سنة وإحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وعشرة أيـام 231.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ٧٤ - ٧٥.
- ↑ الرقيق، تاريخ إفريقية، ص ۲۱۲. وقارن ابن عذاري، البیان، ج ۱، ٦۲، حيث يقول النص "ليكونن لهذا الفتى شأن".
- ↑ الرقيق، ص ۲۱۳.
- ↑ الرقيق، تاریخ إفريقية، ص ۲۲۰.
- ↑ الرقيق، ص ۳۲۰.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ١٥٥، أحداث سنة ١٨١ هـ.
- ↑ أ.د سعد زغلول، تاريخ المغرب العربي، ص ٣٦٢.
- ↑ الرقيق، تاريخ إفريقية، ص ۲۲۰ – ۲۲۱.
- ↑ الرقيق، ص ٢٢١.
- ↑ الرقيق، ص ۲۲۱.
- ↑ الرقيق، ص ٢٢١.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱ ، ص ٩٢.
- ↑ الرقيق، تاریخ إفريقية، ص ۲۲۲. ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ٢٢ - ٩٣.
- ↑ الرقيق، ص ۲۱۲.
- ↑ الرقيق، تاريخ إفريقية، ص ۲۲۲.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ١٥٦، أحداث سنة ۱٨١.
- ↑ الرقيق، تاريخ إفريقية، ص ۲۲۲. ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ٩۲.
- ↑ الرقيق، تاريخ إفريقية، ص ۲۲۲.
- ↑ الرقيق، تاریخ إفريقية، ص ۲۲۲.
- ↑ الرقيق، تاريح إفريقية، ص ٢٢٤.
- ↑ الرقيق، تاريخ إفريقية، ص ٢٢٤ - ٢٢٥.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ص ۱۱۲ – ۱۹۳، أحداث سنة ١٨٩.
- ↑ تاريخ المغرب العربي، ص ٣٦٨.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ١٩٣.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ۲۳٥، أحداث سنة ١٩٤هـ.
- ↑ ابن الاثير، الكامل، ج ٦، ص ١٥٦، أحداث سنة ١٨١هـ.
- ↑ ابن الأثير، الكامل الكامل، ج ٦، ص ١٥٦ - ١٥٧.
- ↑ ابن الأثير، ج ٦، ص ١٥٧.
- ↑ ابن الأثير، ج ٦، ص ١٥٧.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ١٥٦.
- ↑ انظر، ابن الأثير، الكامل، ط تورنبرغ، ج ٦، ص ٢٦٩ – ۲۷۰، حوادث سنة ١٩٦ (ذكر الفتنة بإفريقية مع أهل طرابلس).
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ۲۷۰، ص ۱٥۷.
- ↑ انظر، ابن عذاري، البيان المغرب، طبعة ليدن، ١٩٤٨،ج ١، ص ٩٥.
- ↑ ابن عذاري، البيان المغرب، ص ٩٥.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ٩٥ - ٩٦.
- ↑ انظر، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، تحقیق أحمد مختار العبادي، إبراهيم الكتاني، طبع الدار البيضاء، ١٩٦٤، قسم ٣، ص ١٥.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٦، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ١٥ - ١٦.
- ↑ ابن عذاري، ج ۱، ص ٩٦، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص ٨٦. ابن الأثير، ج ٦، ص ٣٢٩، سنة ٢٠١.
- ↑ ابن عذاري، ج ١، ص ٩٦.
- ↑ النوبري، المخطوط، ج ۲۲، ص ۱۱۲ أ.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۹۷. ابن الأثير، ج ٦، ص ٣٢٦، سنة ٢٠١، وقارن، ابن خلدون، العبر، طبعة بولاق، ج ٤، ص ۱۱۷ حيث يسميه ابـن الصقلبية وهي التسمية التي أخذ بها أستاذنا الدكتور سعد زغلول عبد الحميد في كتابه تاريخ المغرب العربي، ج ۲، ص ٤٤.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ٩٧ - ٩٨.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۹۷ – ۹۸.
- ↑ انظر، ابن الأبار، الحلة السيراء، تحقیق د. حسین مؤنس، طبع القاهــرة ١٩٦٣، ج ۲، ص ۳۸۲، ترجمة رقم ۲۱۲.
- ↑ ابن الأبار، الحلة السيراء، ج ٢، ص ٣٨٢.
- ↑ ابن الأبار، المحلة السيراء، ج ٢، ص ٢٨٢.
- ↑ ابن الأبار، الحلة السيراء، ج ٢، ص ٢٨٢.
- ↑ ابن الأبار، الحلة السيراء، ج ۲، ص ۲۸۳. ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ۳۳۰، أحداث سنة ۲٠١، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۹۸ – ۹۹.
- ↑ ابن عذاري،البیان، ج ۱، ص ۹۹. قارن ابن الأثير، الکامل، ج ٦، ص ۳۳۰.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ۳۸۳، ج ۱، ص ۹۹. ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ۳۳۱. وقارن المحلة السيراء .حيث يقول: "وقتل عامل زيادة الله عليها إسماعيل بن سفيان ابن سالم بن عقال وولده الأكبر واستبقى الاصغر".
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ٦٩. قارن، ابن الأثیر، الکامل، ج ٦، ص ۳۳۱.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۹۱ – ۱۰۰.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٠٠.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٠.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٠.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٣٣١.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٣٣١.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٠.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٠.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٠.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠١.
- ↑ ابن عذاري، ج ١، ص ١٠٠، ابن الأثير، ج ٦، ص ٣٣١ - ٣٣٢.
- ↑ ابن عذاري، ج ١، ص ١٠٠، ابن الأثير، ج ٦، ص ٣٣٢.
- ↑ ابن عذاري، ج ١، ص ١٠١
- ↑ ابن عذاري، ج ١، ص ١٠١، ابن الأثير، ج ٦، ص ٣٣٢.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٣٢٣.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠١.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٣٢٣، ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠١.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٣٢٣.
- ↑ ابن عذاري، البیان ، ج ۱، ص ١٠١ - ۱۰۲.
- ↑ ابن عذاري، البیان ، ج ۱، ص ۱۰۲.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٤٠٥، أحداث سنة ٢١١ (ذكر الفتنة بين عامر ومنصور وقتـل منصور بإفريقية).
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٤٠٥.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٤٠٥.
- ↑ ابن الأبار، الحلة السيراء، ج ۲، ص ٣٨٤، ترجمة رقم ۲۱۳.
- ↑ ابن الأبار، الحلة السيراء، ج ۲، ص ٣٨٥، ترجمة رقم ١٠٢.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ٢٢، ص ١١١ أ.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٠٣، ابن الأبار، الحلة السيراء، ج ٢، ص ٣٨٥.
- ↑ النويري، المخطوط، ص ١١١ أ.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٤٤٠.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٤٤٠، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۰٥.
- ↑ ابن الأثير، ج ٦، ص ٤٤٠، ابن عذاري ، ج ١، ص ١٠٥.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٠٥.
- ↑ البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، نشر رسلان، الجزائر، ١٨٥٧، النسخة المصورة بالأوفست، طبع المثنى، بغداد، ص ٣٥.
- ↑ الحلة السيراء، ج ١، ص ١٦٣، وقارن البكري، المغرب، ص ۲۳.
- ↑ المغرب، ص ٢٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٠٦، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ۲۰.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٧.
- ↑ انظر البیان، ج ۱، ص ۱۰۷، ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٤٩٣، أحداث سنة ٢٢٣.
- ↑ ابن الأثير، الكامل ج ٦، ص ٤٩٣، ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٧، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ۲۰.
- ↑ ابن الأثير، الكامل ج ٦، ص ٤٩٣، ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٧، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ۲۰.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٤٩٣، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۰۷.
- ↑ ابن عذاري، ج ۱، ص ۱۰۷.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ۱۹، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۰۷، ابن الخطيب، قسم ۳، ص ۲۰.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٠٧ - ١٠٨.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٠.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢١.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ۲۱.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٠٨، ابن الخطيب، قسم ۳، ص ۲۱.
- ↑ ابن الخطيب، ص ۲۱.
- ↑ النويري، المخطوط، ١١٤ ب، ١١٥ أ، ابن عذاري، البیان، ج ١، قسم ٣، ص ۱۰٩، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢١ - ٢٢.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۰٩ – ۱۱۰.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ۱، ص ١١٠.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١١٠.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ٢٢، ص ١١٥ أ.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٩٦، أحداث سنة ٢٢٦.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ۹٦.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۲، ص ۲۲
- ↑ انظر ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۲، ابن الخطيب، ص ۲۲ – ۰۲۳
- ↑ انظر، ابن عذاري، البيان، ۱، ص ۱۱۲، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ۲۳.
- ↑ انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ۷، ص ۹۱، أحداث سنة ٢٤٥، ابن خلدون، العبر، ج ٤، ص ۲۰۱.
- ↑ انظر ابن عذاري، البيان، ۱، ص ۱۱۲.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ۱۱۳.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٣.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٣.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۳.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٣ – ٢٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۳، ابن الخطيب ، ص ٢٤.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ۱، ص ۱۱۳ - ١١٤، ابن الخطيب، ص ٢٤ - ٢٥.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١١٤، ابن الخطيـب، ص ٢٥.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١١٤، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٥.
- ↑ ابن خلدون، العبر، طبعة بولاق، ج ٤، ص ۲۰۱.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ۲۲، ص ١١٦أ.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٦.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١١٦، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٦.
- ↑ ابن عذاري، البیان ، ص ١١٦، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ۲۷، ابن خلدون، العبر، ج ٤، ص ۲۰۳.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١١٦، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٢٧.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۲ – ۱۳۳.
- ↑ انظر، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۷، البكري، المغرب، ص ۲۷.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۷.
- ↑ ابن الأبار، الحلة السيراء، ج ۱، ص ۱۷۳.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ۲۲، ص ۱۱۸أ.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ۲۲، ص ۱۱۸أ.
- ↑ انظر، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۸.
- ↑ انظر، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۸، ابن تغري بردي، النجوم، ج ۳، ص ٤٠، أحداث سنة ٢٦٥.
- ↑ ابن الأثير، أحداث سنة ٢٦٥، ج ۷، ص ٣٢٤.
- ↑ انظر، ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ۱۷۰.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ۱۱۸.
- ↑ انظر النويري، المخطوط، ج ۲۲، ص ١١٨أ، ابن عذاري، البيـان ج ۱، ص ۱۱۸.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ۷، ص ٣٢٤، أحداث سنة ٢٦٥.
- ↑ انظر، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۹.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۹.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ٣٢٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱۹.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ۲۲، ص ۱۱۸أ.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۱٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١١٩.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ۲۲، ص ۱۱۸ ب.
- ↑ انظر، ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱٢٠.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱٢٠.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ۱۲٠ – ۱۲١.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۱.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۱.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۱.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۲.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۳.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۳.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۳.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۳.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۳ - ١٢٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٢٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٢٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٢٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٢٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٢٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٢٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٢٩، النويري، المخطوط، ج ۲۲، ص ۱۲۰أ.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٢٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۲۹ - ۱۳۰.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۰.
- ↑ النويري، المخطوط، ج ٢٢، ص ١٢١ أ.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۱.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ۱۳۱ – ۱۳۲.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ٣٥ - ٣٦.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۲، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ٣٦.
- ↑ ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ۳، ص ٣٦.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٣٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ۱۳۲.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص
- ↑ ابن خلدون، العبر، ج ٤، ص ٢٠٥.
- ↑ ابن عذاري،البيان، ج ١، ص ۱۳۳ - ١٣٤، ابن الخطيب أعمال الأعلام قسم ۳، ص ٣٦ - ۳۷.
- ↑ ابن عذاري،البيان، ج ١، ص ۱۳۳ - ١٣٤، ابن الخطيب أعمال الأعلام قسم ۳، ص ۳۷.
- ↑ ابن عذاري،البيان، ج ١، ص ۱۳۳ - ١٣٤، ابن الخطيب أعمال الأعلام قسم ۳، ص ۳۷.
- ↑ ابن عذاري، البیان، قسم ۱، ص ١٣٥، ابن الخطيب، قسم ۳، ص ۳۷ - ۳۸.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٣٥.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٣٥.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٣٥.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٣٥.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٣٦.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٣٦.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٣٦.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۷.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۷.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۷.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۷.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۷.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۷ – ۱۳۸.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۸.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۸.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۸.
- ↑ انظر، القاضي النعمان، افتتاح الدعوة، ص ١٥٧.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۸.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۹.
- ↑ القاضي النعمان، افتتاح الدعوة، ص ١٥٩.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٠.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ۱۳۹.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ۱۳۹.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ۱٤٠.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٤١.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ١، ص ١٤١ - ١٤٢.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٤٢.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ١، ص ١٤٢.
- ↑ انظر، القاضي النعمان، افتتاح الدعوة، ص ١٦٤ – ۱۸۱.
- ↑ افتتاح الدعوة، ص ۱۸۰ – ۱۸۱.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٣.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٣.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٣ - ١٤٤.
الأربس: ضبطها ياقوت الحموي في معجم البلدان بضم الهمزة والبـاء، وكتبها البكري في شكل "لربس" وهي مدينة بتونس بينها وبين القيروان مسيرة ثلاثـة أيام وهي مدينة مسورة لها ربض كبيـر، وبأرضها أطيب الزعفران، ولذلك تعرف ببلد "العنبر" (ياقوت، معجم البلدان، ج ۱، ص ١٣٦ ، البكـــــــــري، المغرب، ص ٤٩). - ↑ ابن عذاري، البیان ، ج ١، ص ١٤٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان ، ج ١، ص ١٤٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان ، ج ١، ص ١٤٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان ، ج ١، ص ١٤٤.
- ↑ انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ۸، ص ١٥، سنة ٢٩٦.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ۱، ص ١٤٥.
- ↑ ابن عذاري، ج ۱، ص ١٤٦.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ۱، ص ١٤٦ - ١٤٧.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ۱، ص ١٤٧.
- ↑ ابن عذاري، البيان، ج ۱، ص ١٤٧.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٧ – ١٤٨.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٨، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٤٤.
- ↑ ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٨.
- ↑ انظر، النويري، المخطوط، ح ۲۲، ص ۱۳۹ أ - ۱۲۹ ب، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، قسم ٣، ص ٤٤ - ٤٥.