انتقل إلى المحتوى

محاضرات في تاريخ الدولة العباسية/الباب الأول، الفصل الرابع: خلافة المنصور

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الفصل الرابع

خلافة المنصور

١٣٦ - ١٥٨هـ / ٧٥٤ - ٧٧٥م

بعد أبي العباس تبوأ عرش الخلاقة أخوه أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الملقب بالمنصور بالله.

ويعتبر أبو جعفر المؤسس الحقيقي للدولة العباسية.

وأول المشاكل التي واجهها المنصور في أحقية ولايته لعهد أبي العباس إذ تذكر الرواية أنه في سنة ١٣٦هـ، أخذ أبو العباس البيعة بولاية عهد المسلميـن بالخلافة من بعده لأخيه أبي جعفر عبد الله بن محمد، ومن بعد أبي جعفر ولد أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي، وأنه جعل العهد في ثوب وختمه بخاتمه وخواتيم أهل بيته.

رغم كل هذا فإن اعتلاوه العرش لم يتم دون نزاع فعندما. توفي أبو العبــاس السفاح، كان أخوه أبو جعفر أميراً للحج، وبصحبته أبو مسلم، وقام بأخذ البيعة، لأبي جعفر، عيسى بن موسى ولي العهد الثاني، الذي كان والياً للكوفة. وكتـب عيسى إلى أبي جعفر يعلمه بموت السفاح، والبيعة له، كما كتب الى الأمصار يطلب البيعة للخليفة الجديد1.

ثورة عبد الله بن علي العباس:


وفي ذلك الوقت كان عم الخليفة عبد الله بن علي، بطل وقعة الزاب، والذي كان والياً على بلاد الشام، وكان قد سار على رأس قواته من الشاميين والخراسانية علـى الصائفة وهو يقصد بيزنطة. وعندما وصله خبر وفاة أبو العباس وولاية المنصور توقف عن المسير ودعا قواده ورجاله إلى مبايعته، وكان لا بد أن يبرر موقفه هذا ويظهر أحقيتـه في المطالبة بالخلافة فقال: "إن السفاح حين أراد أن يوجه الجنود الى مروان بـن محمد لم ينتدب غيري وعلى هذا خرجت من عنده". وهذا يعني أنه كان يـــــــرى أن قتال الخليفة الأموي حقاً للخليفة الذي سيحل مكانه وأن انتداب الخليفة له للقيـام بهذا الأمر معناه نيابته عنه وأنه لا يتنازل عن هذه النيابة ولا يعترف بما حدث بعد ذلك من التغيير والتبديل والعهد لغيره. ووقف إلى جانب عبد الله عدد من القواد وبايعوه بالفعل. والذي لا شك فيه أن تشجيع أهل الشام - عصبية الدولة الأموية - كان من الأسباب التي قوت عبد الله وجرأته على الثورة.

سار عبد الله بن علي ونزل حران. وقفل أبو جعفر من الحج ليجد نفسه أمـام ثورة عمه ولم يجد مفراً من الاستنجاد بأبي مسلم رغم ما كان يكنه له من الحقد، ورغــم ما كان يظهره الخراساني من تعال، وما كان يشعر به في قرارة نفسه من الأفضـال والخدمات الكبيرة التي أداها للدولة حتى أنه غلب على أبي جعفر، الذي كـان أميراً للحج، فكان أبو مسلم يكسو الأعراب، ويصلح الآبار، والطريق، وكان الذكر له2.

أمر المنصور أبا مسلم بالمسير لحرب عبد الله بن علي. والظاهر أن عبد الله غدر جنده من الخراسانية، الذين كانوا يدينون بالطاعة والولاء لأبي مسلم فتخلص منهم وقتل منهم الكثيرين ولم يبق له إلا أهل الشام.

سار أبو مسلم إلى حران، وانسحب عبد الله بن علي من حران إلى نصيبين وتحصن هناك، ولم يرد المنصور أن ينفرد أبو مسلم بالقيادة فاستدعى القائد المشهور الحسن بن قحطبة من أرمينية، وكان والياً عليها وأمره أن يوافي أبو مسلم فلحق بــــــه في الموصل. وتقدم أبو مسلم حتى نزل قريباً من عبد الله من ناحية نصيبين. والظاهـر أن مراكز أهل الشام كانت حصينة منيعة، فلجأ أبو مسلم إلى خطة سليمة لزحزحتهـم عن مراكزهم الاستراتيجية فكتب إلى عبد الله بأنه لم يأت لقتاله، وإنما ولي الشام بأمـر من الخليفة وأنه متوجه لتقلد ولايته، وعندئذ حشي أهل الشام من الخراسانية أصحاب أبي مسلم، على ديارهم وطلبوا أن يسيروا إلى بلادهم لحمايتها. وكـــان عبد الله يعلم أن ما أعلنه أبو مسلم لم يكن إلا خدعة، وأنه لا بد أن يناسبه القتال. ولكن أهل الشام لم يقتنعوا بذلك فقرر عبد الله الرحيل معهم نحو الشام. وعندئذ تحول أبو مسلم فنزل في معسكر عبد الله بن علي في الموضع الحصين. وغور ما حولـه من المياه وألقى فيها الجيف، واضطر عبد الله والشاميون إلى النزول في موضع عسکر أبي مسلم واستمر الصراع بين الفريقين مدة طويلة زادت إلى أكثر من خمسة أشهر. وكان أهل الشام أكثر فرساناً، ورغم حصانة المواقع التي احتلها أبو مسلم فإن الشاميين، استطاعوا بعد شهر من المناوشات من توجيه هجمة قوية نحو المعسكر العباسي وتمكنوا من زحزحته عن مواضعه.

وتشير النصوص إلى مهارة أبي مسلم في تسيير دفة القتال فقد أقام عريــــش، كان يجلس عليه فينظر إلى رجاله فإذا رأى خللاً في بعض صفوفه أرسل الرسل إلـى مختلف القواد لاتخاذ الموقف المناسب.

ولم يستطع أهل الشام أن يستفيدوا من ذلك النجاح المحقق الذي أحـــــــرزوه. وفي شهر جمادى الثاني سنة ١٣٧هـ، دارت المعركة الحاسمة ويتلخص تكتيك هذه الموقعة في أن أبا مسلم أمر الحسن بن قحطبة أن يعبيء الميمنة أكثرها إلى الميسرة وأن يترك في الميمنة جماعة أصحابه وأشداءهم، ولما رأى ذلك أهل الشام كشفوا ميسرتهم وانضموا إلى ميمنتهم بازاء ميسرة أبي مسلم، وهنا أمر أبو مسلم أهل القلـب والميمنة أن يهجموا على ميسرة أهل الشام، ونجحت هذه الخطة وانهزم أصحـاب عبد الله وتركوا عسكرهم.

اكتفى أبو مسلم بالانتصار فأعلن الأمان في الناس وأمر بعدم الانتقام من المنهزمين ولما كتب إلى المنصور يعلمه بالنصر وبالاستيلاء على معسكر عبد الله أرسل المنصــور مولاه ليحصي الغنائم. وكان ذلك من الأسباب التي أثارت غضب أبو مسلم، وعملت على زيادة الجفوة بينه وبين الخليفة. تقول الرواية أن أبا مسلم قال: "أنـا أميـن الدماء خائن في الأموال"3.

أما عبد الله بن علي وأخوه عبد الصمد بن علي الذي كان معه، فلجأ عبـد الله إلى أخيه سليمان الذي كان والياً على البصرة وتوارى عنده حتى سنة ١٣٦هـ وعندما عزل سليمان وطلب إليه المنصور أن يبعث بعبد الله بعد أن أمنه ولكنه سجن وانتهى الأمر بقتله فيما بعد4.

ولجأ عبد الصمد إلى موسى بن عيسى ولي العهد في الكوفة وطلب إليه الأمان وانتهى هو الآخر نهاية شبيهة بعبد الله5.

وهكذا تغلب المنصور على أولى الصعاب التي اعترضته بعد أهل الشام برعاية عمه عبد الله بن علي وذلك بفضل رجل الدولة أبي مسلم الخراسانـي الذي لم يلبث أن يلاقي مصرعه بدوره على يدى الخليفة.

مقتل أبي مسلم الخراساني:


مما سبق يتضح لنا أن سلطان أبي مسلم في خراسان كان قد توطد بعد تخلصه من منافسيه من العرب الذين كانوا يتوقون إلى تقلد الأمور في ولاية خراسان، وازدادت سلطة أبو مسلم.

والحقيقة أن النزاع بين أبي جعفر وأبو مسلم يرجع إلى سنة ١٣٢هـ أي إلـى أوائل أيام السفاح وذلك بعد مقتل أبي سلمة الخلال وعندما أرسل السفاح أخـاه أبا جعفر إلى أبي مسلم بخراسان ومعه العهد لأبي مسلم بولاية خراسان وبالبيعة للسفاح ولأبي جعفر من بعده فلم يهتم الزعيم الخراساني بولي العهد أي بأبي جعفر الذي كان يقول لأخيه: "أطعني واقتل أبا مسلم فوالله إن في رأسه لغدرة"6.

وحاول أبو العباس التقليل من نفوذ أبي مسلم واغتياله عدة مرات من ذلك ما تقول الرواية من أنه أمره بإسقاط من لم يكن من أهل خراسان من جنده ليقلل نفوذه، ولكن أبا مسلم أدرك الحيلة7. وتجلت قوة أبي مسلم في نفس الوقت عندما أرسل السلاح عمه عيسى بن علي والياً بفارس، وتقول الرواية أن عمال أبي مسلم هناك تصدوا له بل وبلغ الأمر أن بعضهم أراد قتل عيسى بن علي، وعلى ذلك كان من الطبيعي أن يفكر السفاح وأبو جعفر في التخلص من "أمين آل محمد" بعد أن تخلصوا من "وزير آل محمد" وذلك حسب السياسة التي رسمها والتي كانت ترمي إلى تأكيد سلطان الهاشميين. ويظن أن السفاح وافق على التخلص من أبي مسلم، ولكنه عاد وأجل ذلك لفرصة أخرى. وأخيراً في نهاية سنة ١٣٦هـ طلب أبو مسلم من السفاح أن يوليه إمرة الحج وأن يكون نائبه يوم عرفة ولكن السفاح جعله تحت إمرة أخيه أبي جعفر الذي أخذ إمرة الحج لنفسه، وحضر من ولايته أرمينية من أجــل ذلك. وتأثر أبو مسلم، وأسرها لأبي جعفر، وعمد إلى الظهور بجانبه. ثم إنه عندما وصله نبأ موت السفاح وهم في طريق العودة لم يسارع أبا مسلم ببيعة المنصور إلا بعد أن لفت الأخير نظره إلى ذلك في كتاب أرسله إليه. وأثناء قتال عبد الله بن علـي لاحظ الحسن بن قحطبة أن أبا مسلم كان يهزأ ويستخف بالكتب التي كانت تصلـه من أمير المؤمنين فكتب بذلك إلى الوزير أبو أيوب8. وأخيراً زاد التوتر عندمـا أرسل المنصور مولاه ليحصي الغنائم التي استولى عليها في معسكر أهل الشام.

وأحس المنصور، بخطورة الرجل وحاول إبعاده عن خراسان معقله وموطن سلطانه، فعرض عليه أن يوليه بلاد الشام ومصر، وطلب إليه أن يسير إلى ولايته الجديدة، وشعر أبو مسلم بما يضمره له الخليفة فلم يقبل ماعرض عليه، وقرر العودة إلى ولايته خراسان، ولكن المنصور رغبه ورعبه واتصل بنائب أبي مسلم في خراسان الذي هدد أبا مسلم وجعله يخضع لأوامر الخليفة. وبفضل إغراء بعض أصحابه سـار أبو مسلم إلى المنصور ليعتذر له عما بدر منه، وكان المنصور في ذلك الوقت قد سـار من الأنبار إلى المدائن (لينظر مكان العاصمة الجديدة)9. وقابل رجال المنصور، أبا مسلم قبولاً حسنا، وأظهروا له آيات الإجلال وطمأنوه. ثم دخل أبو مسلم علــى المنصور، فأقبل عليه الخليفة يعاتبه، ويعدد له هفواته وسقطاته. واعتذر أبـو مسلم عن ذلك ببلائه وماكان منه، وما قام به فكان رد المنصور: "يا ابن الخبيثة والله لو كانت أمة مكانك لأجزأت إنما عملت في دولتنا وبريحنا فلو كان ذلك إليـك ما قطعت فتيلاً"10. وأمر به فقتل تحت ناظريه في ٢٥ شعبان سنة ١٣٧هـ11.

وتقول النصوص أن جعفر بن حنظلة لما نظر إلى أبي مسلم مقتولاً قال للمنصـور: "يا أمير المؤمنين عد من هذا اليوم خلافتك"12.

وبعد مقتل المنصور لأبي مسلم خطب الناس وحذرهم من الخروج من أُنس الطاعة إلى وحشة المعصية وبرر موقفه من الرجل الذي أبلى في سبيلهم أحسن البلاء بقوله: "ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه"13.

الموقف في خراسان عقب مقتل أبي مسلم:


ثـورة سنهـاذ:


لم يمر موت أبي مسلم بسلام وذلك أنه قامت بخراسان ثورة تطالب "بدم أبـي مسلم". هذه الحركة تزعمها رجل من إحدى قرى مدينة نيسابور، اسمه "سنبـاذ". واستجاب لدعوة هذا الرجل التي قالت بعودة أبي مسلم "وأنه لم يمت ولن يموت حتى يظهر فيملأ الأرض عدلا"14 كثير من الناس.

واستطاع سنباذ أن يستولي على نيسابور وقومس والـري. وأتى بالكثير من أعمال العنف والتخريب والنهب. ولكن جيوش الخليفة تمكنت من هزيمته بين همذان والري وانتهى الأمر بمقتله15.

ولكن هذا لا يعني خضوع خراسان إذ ستظل البلاد أرضاً خصبة صالحة لقيـام الحركات المعادية للدولة. إذ تقول الرواية أنه في سنة ١٤١هـ قام الراوندية من أهل خراسان ممن يدينون بأفكار أبي مسلم ويعتقدون بتناسخ الأرواح، ونادوا بألوهية المنصور. وساروا من خراسان إلى الهاشمية. وحاول الخليفة أن يستعمل معهم الليـن والسياسة ولكنه لم يوفق في ذلك مما اضطره إلى التشدد معهم واستعمال العنـف والقوة. فحبس زعماؤهم ولكن الأمر تطور إلى أن قاموا بثورة هددت المنصور نفسه إذ كسروا السجن وأخرجوا أصحابهم واتجهوا نحو الخليفة الذي أظهر شجاعة نادرة في قتلهم والتنكيل بهم.

وسيظل حزب أبي مسلم هذا قائماً وسينضم إليه كثير من أهل البلاد. واتخـذ هذا الحزب المناوئ للدولة شعاراً مضاداً لشعار الدولة ألا وهو اللون الأبيض، وعلى ذلك أصبحوا يسمون بالمبيضة16.

هذا عن ثورات المشرق ذات الأفكار الخارجـة.

كذلك عرفت الدولة بعض الثورات مثل: ثورة الخوارج في الجزيرة، تلـك الثورة التي أخمدتها الدولة17. والثورة التي قام بها القائد الذي هزم سنباذ في سنة ١٣٨هـ وهو جمهور بن مرار العجلي، هذا الرجل بعد أن عزم سنباذ واستولى على خزائنه، رفـع راية العصيان. ولكن انتهى الأمر بهزيمة جمهور، ومقتل الكثير من أصحابه. وهرب جمهور إلی آذربیجان ولكن أصحابه قتلوه، وحملوا رأسه إلى المنصور18.

ثورة عبد الجبار بخراسان:


في سنة ١٤١هـ قام والي خراسان عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي بثورة، وسير إليه الخليفة ابنه ولي عهده المهدي، الذي تمكن من القضاء على الثــورة بسهولة. ولكن المنصور حرص على ألا يضيع نفقات الحملة التي كان قد جهد فـي تجهيزها فوجهها إلى بلاد طبرستان.

وفي سنة ١٤٢هـ قام والي السند، عيينة بن موسى بن كعب، الذي كـان بعيداً في أقصى المشرق بالثورة، ولكن الدولة استطاعت أن تقضي عليه، كما أنهـا أقرت الأمور وقضت على الثورة التي قامت في بلاد الديلم. وهذه الحملات حمت حدود الدولة وصانتها19.

موقف العلوييـن:


إن العباسيين كما نعرف - عندما قاموا بثورتهم إنما قاموا بها باسم آل البيت، وانتقاما وثأرا لمقتل العلويين واستغلوا عطف الناس على العلويين خاصةً في بـلاد الحجاز. وحين بدأ محمد بن علي بن عبد الله بن العباس دعوته السريـة كـان حذراً واستنـد في ادعائه بالخلافة إلى وصيـة أبي هاشم عبد الله، كمـا كـان شعار الدعوة إلى "الرضا من آل محمـد" واستطاع ابنه إبراهيم الإمام الذي خلفه في زعامة الدعوة أن يوجه جهوده إلى خراسان حيث توجد القبائل العربية المتذمرة من الإدارة الأموية. وكللت جهوده بالنجاح إلا أنه قتل قبل وصول الشيعـة العباسية إلى العراق واحتلالها الكوفة. وقد بايع زعماء الدعوة أبا العباس عبد الله بن محمد خليفة للدولة العباسية. وما أن تسلم العباسيون مقاليد السلطة حتى نظروا إلى العلويين نظرة ريبة باعتبارهم المنافسين لهم على الخلافة، ويشكلون مصدر خطر على الدولة الجديدة. أما الشيعة العلويون فقد نظروا إلى العباسيين كمغتصبين للسلطة من أصحابها الشرعيـن… وهكذا دخل النزاع حول الخلافة مرحلة جديدة حيث أصبح نزاعاً بين الهاشمييـن أنفسهم. بين العباسيين والعلويين20.

على أن العلويين لم يكونوا متحدين أو متفقين على زعامة واحدة تنظم كفاحهـم المسلح وغير المسلح تجاه العباسيين. ثم أن كثرة القيادات العلوية يعني بالتالـي أن ولاء الشيعة العلوية في تلك الفترة لم يكن باتجاه واحد واضح نحو فرع علوي معين21.

قامت حركة العلويين ضد أسرة بني العباس في المدينة، وكانت المدينـة مركز الأسرة العلوية الكبيرة. وكان المنصور، يعتقد أن للعلويين سلطاناً كبيــــــــــــــراً هناك، ولذلك فهو شديد الحرص على قمع حركتهم وعلى بسط سلطانه على الحرميـن بصفته الإمام. واجتهد المنصور في طلب مدبري الثورة وهما: محمد بن عبد الله بـن الحسن بن الحسن الذي يلقب "بالنفس الزكية" (وكان يدعى بالنفس الزكية لزهـده ونسكه) كما يقول المسعودي22، وأخوه إبراهيم. وكانت الدعوة للنفس الزكية والسبب في مطالبة محمد بن عبد الله بن الحسن بالخلافة أنه كان يری أحقيته في الملك وذلك من قبل أن يلي المنصور وربما قبل أخيه أبي العباس. وتقول الروايــــــات أن أبا سلمة كان قد راسل عبد الله بن الحسن أبو محمد هذا وأنه عرض عليه الخلافـة وأن عبد الله قبلها. وكان يراسل جعفر الصادق ولم يقبلها ولولا تأخر الرسول فـــي العودة لربما انتقلت الإمامة فعلاً إلى الفرع العلوي.

وتقول الرواية أن عبد الله عندما عرض عليه هذا الأمر قال: إنما يريد القوم ابني محمد لأنه مهدي هذه الأمة23.

وكان محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم قد تخلفا عن الحضور عند المنصور مـع من حضر عنده من بني هاشم مع من حج على أيام السفاح. والظاهر أن محمــداً ادعى أن المنصور كان قد بايعه في مكة في أواخر أيام مروان بن محمد. وعلى هـذا الأساس قام هو بالدعوة لنفسه. وهناك تفصيلات عن مطالبة المنصور لمحمد ولأخيــه إبراهيم منذ سنة ١٣٦هـ إلى سنة ١٤٠هـ حينما أعلن الثورة.

في هذه الفترة تجشم العلويان الكثير من المشاق واضطرا إلى التنقل بيـن البصرة والمدينة والسند والكوفة، كما أرسل محمد إخوته وأبناءه في سائر الأمصــار والبلدان للدعوة له، فأرسل ابنه علياً إلى مصر يدعو إليه ولكنه قتل بها24.

وحاول العلويون أن يدبروا موامرة لقتل المنصور في موسم الحج في سنة ١٤٠هـ ولكن هذه المؤامرة فشلت وراح ضحيتها بعض أصحاب محمد الذي كـــــــان قد عاد إلى المدينة وتمكن بفضل تساهل واليها من الخروج عنها. وعزل المنصور الوالي وعين مكانه محمد بن خالد الله القسري25، وأمده بالأموال، وفــوض إليه سلطات واسعة في كشف (تفتيش) المدينة، ولكنه لم ينجح في مهمته. فعيّن المنصور عاملاً آخر مكانه اسمه رياح بن عثمان بن حيان المري26 وذلك، في سنة ١٤٤هـ. وجد الوالي الجديد في طلب محمد ولكنه لم ينجح فلجأ إلى سجن كل العلويين مـن أبناء الحسن من الفرع الحسني وليس من الفرع الحسيني فقيدوا بالحديد والسلاسل وعذب بعضهم بقسوة في حضرة المنصور، بل وقتل البعض. ويسير بعدد منهم إلى الكوفة حيث حبسوا. وإزاء هذه الإجراءات التعسفية اضطر محمد أن يضـع حداً لهذه المأساة وذلك بأن أعلن الثورة في سنة ١٤٥هـ. وعلم الوالي بما يدبـره محمد فحاول تلافي الثورة، وحمل أهل المدينة المسئولية الجماعية. وكان يساند الحركة العلوية من الناحية الشرعية القانونية الفقيه مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي. من ذلك أن مالك بن أنس حلل الناس من البيعة ومن يمين الولاء للمنصور فقال لهم: "إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين"27. ولذلك لم يفلح التهديد وتشاور العلويون وكسروا السجن وحرروا أقاربهم ممن كانوا قد سجنوا وتوجهوا إلى دار الإمارة واستولوا عليها وأسروا الوالي.

وبعد أن استولى محمد على المدينة بدأ في تنظيمها الإداري، فاستعمـل والياً وقاضياً وصاحب بيت السلاح وصاحب الشرطة، وكذلك أنشأ ديواناً للعطاء، وسجل في الديوان أسماء أعوانه وأتباعه28.

وبدأ محمد يرسل الولاة إلى الأقاليم المختلفة، لدولته الناشئة، فأرسل والياً إلى مكة هزم واليها العباسي وبعث بآخر إلى اليمن، وثالث إلى بلاد الشام. ولكن هذا الأخير لم يستطع أن ينجح في مهمته.

ويمكننا أن ننظر إلى اختيار محمد للمدينة كمركز لثورته على أنه عمل لا يدل علـى بعد النظر السياسي، والظاهر أن محمد نفسه كان يعرف ذلك إذ تقول الرواية أنـه قال في خطبته في المسجد: "إن أحق الناس بالقيام في هذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار" وقال: "إني والله بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة ولا شدة ولكني اخترتكم لنفسي"29. هذا يعني أن المسألة في نظره كانت مسألة تقليد وسنة لا تقـوم على اعتبارات اقتصادية أو بشرية. وهذا لا يكفي بطبيعة الحال لأن الظــــــــروف كانت قد تغيرت عما كانت عليه في الفترة الأولى في بداية الإسلام.

وعندما بلغ المنصور خبر الثورة جزع وطلب النصح من كل من يمكنه نصحه رغم علمه بعدم خطورة ثورة محمد في المدينة، فإنه لجأ إلى استعمال السياسة والمداراة وكتب إلى محمد يطلب إليه العودة إلى الطاعة ويعطيه الأمان المطلـق له ولأهله ولكل من بايعه مع الوعد بالرزق والعطاء الجزيل، كما أنه سوغه ما أصاب من دم أو مال. ورد محمد بالرفض بطبيعة الحال.

وهذه المراسلات التي دارت بين المنصور وبين محمد النفس الزكية تبيّن الأسانيد الشرعية والجدل الفقهي الذي كان يستند إليه كل من الفريقين. فمحمد يقول: "فإن الحق قنا وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا وخرجتم له بشيعتنا، كما يقـول: "إن أبانا علياً كان الوصي وكان الإمام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟" ثم يقـــــــول: وأنا بنو أم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية، وبنو بنتـه فاطمة في الإسلام.

ثم هو بعد ذلك يؤمن المنصور إن دخل في طاعته وأجـاب دعوته على نفسـه وما له وعلى كل أمر أحدثت إلا حداً من حدود الله أو حقاً لمسلم أو معاهد فقد علمـت ما يلزمني من ذلك30.

وهذا الشرط الأخير يدل على صلابة في الرأي فيما يتعلق بالأمور الدينيـة وهو يدل في نفس الوقت على عدم بعد النظر السياسي. كما أنه يلاحظ أن أمــــــــان المنصور لا يعتد به ويذكر بالأمان الذي أعطاء لابن هبيرة ولعمه عبد الله بن علـي والأمان الذي أعطي لأبي مسلم.

ولم يكن من العسير على الخليفة العباسي أن يفند ادعاءات العلوي فهـــــــــو يلفت نظره إلى أنه يفخر بقرابة النساء لتضل به الجفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء كالعمومة لأن الله جعل العم أبا. يحتج أن العباس من أعمام النبـي صلى الله عليه وسلم أسلم تهماً لما تقوله الآية: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلْأَقْرَبِينَ، بينما لم يسلم أبو طالب. ثم هو يفند عقوق علي بن أبي طالب في الخلافة ويدفع بعدم كفاءته فإنه رغم سابقته في الإسلام دعا النبي عندما مرض غيره للصلاة بالناس ثم أنه لم ينتخب يوم السقيفة. ولما كان في الستة الذين عينهم عمر تركوه كلهم دفعاً له عنها ولم يروا حقاً له فيها31.

وبعد أن يروي له قصة جهاد العلويين وفشلهم على أيام علي الذي اجتمع الحكمان على خلعه، وحسن الذي باعها من معاوية وحسين الذي قتل ثم تقتيـل الأمويين لهم. ويقول أن العباسيين هم الذين طلبوا ثأرهم وأدركوا بدمائهم وأنـــه لا يجوز له أن يأخذ ذلك حاجة عليهم32.

هذا عن دفع العلويين وتفنيد حججهم ثم هو بعد ذلك يبيّن ادعـاءات العباسيين في مطالبتهم بوراثة خلافة النبي فيقول أن العباس كانت له سقايـة الحج وولاية زمزم في الجاهلية والإسلام ثم يذكر حقوق العباس التي لا تنازع فـي هذا الميراث وهو أنه لم يبق من بني عبد المطلب بعد النبي غيره بمعنى أنه يريـد أن يجعل الخلافة تركة يرثها أقرب الناس إلى النبي وهذه هي وجهة نظر أقـارب النبي والشيعة. وهي في الحقيقة بعيدة عن السنّة وعن روح الإسلام.

تلك كانت حجج كل من الفريقين. وكان على القوة أن تقرر لمن تكـــــــــــون الخلافة. وندب المنصور عيسى بن موسى ولي العهد لمحاربة العلوي وأرسل معه ابنه محمداً. واقترب عيسى من المدينة، واستشار محمد النفس الزكية أتباعه فأشار عليه البعض بالخروج من المدينة ولكنه أخذ برأي القائلين بالمقام ثــم أنهم بتفكيرهم المثالي التقليدي الساذج فكروا كما فعل النبي في حفر خندق يحميهم من المهاجمين. هذا مع أن بعضهم لم يغب عنه ضعف هذا الموقف من الناحيـة العسكرية الاستراتيجية. ولم يكن تأييد أهل المدينة لمحمد قوياً، كما خرج أناس من أهل المدينة بذراريهم وأهليهم إلى الأعراض والجبال وبقي محمد في شرذمة يسيرة. وأمـر المنصور نائبه ألا يقاتل أهل المدينة إلا فيما ندر وأن يتسامح معهم، ولكنه ألح عليـه في القبض على محمد وعدم تمكينه من الهرب وأن يعلن مسئولية جميع القبائل إذا تمكن النفس الزكية من الفرار. وعرف محمد خنوع المدنيين واتخذ معهم بعــــض الإجراءات العنيفة ولكنه سمح في آخر الأمر لمن يريد الخروج منهم أن يخرج. وحاصر عيسى المدينة وسد منافذها وتمكن جنده من الوصول إلى الخندق فردموه وتفــرق معظـم أتباع محمد النفس الزكية الذي سقط قتيلاً بعد قتال سريع مجيد وذلـك في منتصف رمضان سنة ١٤٥هـ / كانون أول (ديسمبر) ٧٦٢م33.

ولم يكن للثورة العلوية من رد فعل في المدينة إلا اضطراب السودان في البلد الذين استولوا على بعض أمتعة الوالي الجديد ولكن أمرهم انتهى إلى الهدوء34.

وهكذا قضى المنصور على محمد النفس الزكية ولكن بقي أخوه إبراهيم الـذي خرج في البصرة والتي كانت ثورته أشد خطراً على المنصور.

ثـورة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أخي محمد بالبصرة:


كان إبراهيم يدعو - كما سبق القول - لأخيه محمد، وأغلب الظن أن الأخوين كانا قد اتفقا على أن يعملا منفصلين، وذلك حتى تتم المباغتة للدولة وحتى إذا ما انهزم أحدهما نجا الآخر ولو عرف إبراهيم كيف يستغل الظروف ويسير بجيوشه ضد المنصـور وقت أن كان المنصور في ضعف نتيجة لانتشار قواته في أطراف الدولة لربما انتهــــت ثورته في البصرة بالنجاح.

وكما تقول الروايات اتخذ إبراهيم المشرق مجالاً لنشاطه وذلك في فارس وكرمـان والأهواز ذلك قبل قدومه البصرة واستقراره بها.

وبدأ إبراهيم حركته في البصرة في شهر رمضان سنة ١٤٥هـ35 بداية طيبة وكانت الظروف مواتية له إذ تقول رواية خليفة بن خياط، التي ترجع إلى شهود عيان للأحداث أن الوالي سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب سلم دار الإمارة إلـــــى إبراهيم من غير قتال36. ثم قوي أمره بما استولى عليه من دواب الجند وما أخذه من الأموال بعد الاستيلاء على دار الإمارة. واستطاعت طلائع قواته أن تحرز بعض النصر على القوات العباسية فاستولت على الأهواز بعد أن ألحقت الهزيمة بواليهـا، كما نجحت في دخول فارس وتمكنت من تملك مدينة واسط، وهي المركز الاستراتيجي الممتاز في ذلك الوقت.

ولم يكن لدى المنصور، إلا قلة من العسكر، إذ كانت جيوش الدولة موزعــة في الحجاز وفي خراسان وفي إفريقية التي كانت مضطربة أيضاً. وأحس المنصور بـحــرج موقفه فأظهر الزهد والتنسك والتقشف. ولكن سرعان ما استعاد رباطة جأشه، فاستدعى عيسى بن موسى من المدينة وطلب بعض جيوشه التي كانت بالري، وكتب إلـــى المهدي ابنه يأمره بإرسال القوات لاستعادة الأهواز ووجه عيسى بن موسى إلى قتال إبراهيم وطـلـب أهل الكوفة، من إبراهيم المسير إليهم ليستعين بهم، ولكـن النصوص تقول أنه كان مثالياً فخشي إن خرج أهل الكوفة إليه أن تفتك خيل المنصور بنسائهم وأطفالهم37.

أخيرا خرج إبراهيم من البصرة للقاء عيسى ونزل في مرضع يعرف باسم "باخمرا" على بعد ١٦ فرسخ من الكوفة. وحسب تقاليد هؤلاء الثوار المثاليين، وكما حـدث في المدينة رفضوا أن يقاتلوا فرقاً حتى إذا ما انهزمت فرقة خرجت فرقة غيرها للقتال، وأصروا على أن يقاتلوا صفـاً مثل أهـل الإسلام رغم ما قيـل لـهـم من أن الصــف إذا انهزم تداعى سائره واقتتل الناس قتالاً شديداً، وانتصر أصحاب إبراهيم في البداية، ولكن الأمر انتهى بهزيمتهم وبمقتل إبراهيم في ٢٥ من ذي القعدة سنة ١٤٥هـ38. وبذلك اندحرت الثورة العلوية وخلص الأمر للعباسيين.

بناء مدينة بغداد:


انصرف اهتمام المنصور، إلى تشييد حاضرة جديدة للدولة. وكان قد شرع في ذلك عقب توليه الخلافة مباشرة. فتقول النصوص أنه كان يبحث عن موضع مناسب لتلك العاصمة. وكان السفاح قد استقر في الأنبار وفي الهاشمية وهي التي استقر فيها المنصور في أول عهده. ولما كانت الهاشمية على الضفة اليسرى للفرات فإنهـا كانت قريبة من الكوفة. والكوفة كانت مركز العلويين وهي التي سببت الكثير من القلاقل للدولة الأموية، ربما كان هذا هو السبب في عدم اختيار ذلك الموضع لبناء العاصمة الكبرى.

وتجمع الروايات على أن المنصور لم يبن مدينته الجديدة في مكان قفـر خـال من السكان بل أن الكتّاب يذكرون عدداً من الأماكن العامرة بالقرب منها، ويذكـرون من بين هذه الأماكـن قرية بغداد على الضفة الغربية لنهر دجلة. وربما كانــــــــــت هذه القرية نواة عاصمة المنصور المستديـرة.

واسم بغداد يعني عطية الله. وتقول النصوص أيضاً أن المنصور عندما بناها سماها "مدينة السلام"، وكان يطلق على المدينة أيضاً اسم المنصورية وذلك نسبة إلى بانيها وكذلك، عرفت باسم الزوراء.

وكان اختيار المنصور لذلك الموضع موفقاً وذلك أن ازدهار المنطقة يرجــــع إلى مركزها الممتاز من نواح كثيرة، فالأرض في هذا المكان خصبة جيدة بسبب وقوعهـا بين دجلة والفرات في ذلك الموضع الذي تضيق فيه المسافة بين النهرين، فكان يمكن تهيئة وسائل الري فيها بسهولة عن طريق القنوات التي تصل بين النهرين والتي كانت صالحة للملاحة. ووجود هذه القنوات كان يجعل المدينـة فـي موضـــع استراتيجي حصين فتقول الرواية أنه قيل للمنصور عندما اختار هذا الموضع: أنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطـرة فإذا قطعت الجسر وأخربـت القنطرة لم يصل إليك، ودجلة والفرات والصراة خنادق هذه المدينة، وأنت متوسط للبصرة والكوفة وواسط والموصل والسواد، وأنت قريب من البر والبحر والجبل39.

ووضع المنصور بيده أول لبنة في بناء المدينة في سنة ١٤٥هـ وقال: "بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" ثم قـــال "ابنوا على بركة الله"40.

وبعد تخطيط المدينة، وبلوغ السور مقدار قامـة، قامت الثورة العلويـــــة في المدينة والبصرة فصرف المنصور كل همـه إليها وترك البناء حتى تم لـه القضــاء على النفس الزكية وأخيه إبراهيم.

واستلزم البناء جمع عدد كبير من الصناع والفعلة من مختلف الجهات. وهناك تفصيلات من العمال ومراتبهم من: الأستاذ الى الروزكاري. وأشـرف على البنـاء وحساب النفقات "قوم من ذوي الفضل والعدالة والفقه وذوي الأمانة والمعرفة بالهندسة". من هولاء الفقيه الشهير أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفي41.

وقسمت المدينة إلى أربعة مناطق تسمى أرباع وذلك تحت إشراف أربعة مــــن القواد يسهرون على العمل الذي استمر طوال أربع سنوات. وخططت المدينة ورسمت حسب خطة جعلتها تتسع في شكل دائري، فالنص يقول: "وجعل المدينة مــدورة لئلا يكون بعض الناس أقرب إلى السلطان من بعض"42. وبدئ ببناء قصر الخليفـة في وسطها، وإلى جانب القصر بني المسجد الجامع. ويفهم من النصوص أن مدينــة المدائن القديمة مدّت بغداد بكثير من مواد البناء الكبيرة التي قامت عليها. وحــول نـواة المدينة أي حول القصر والجامع تجمعت بغداد في شكل دائري وقسمت إلـى أحياء منفصلة تخترق هذه الأحياء طرق عريضـة مستقيمة، كان يبلغ عرض الطريق منها ٤٠ ذراعاً. واتسعت المدينة وعملت فيها مجاري المياه، وأقيمت فوقهـــا القناطر وانشئت الصهاريج، وحصنت المدينة تحصيناً قوياً حتى تكون الإقامة فيهـا مأمونة. ثم أحيطت بسورين أحدهما من الداخل والآخر خارجي، وكان السور الداخلي أعلى من السور الخارجي، وكانت المنطقة بين السورين تسمى الفصيل. وجعل للمدينة أربعة أبواب المسافة بين كل باب من أبوابها والباب الذي يليه تقدر بميل. من هذه الأبواب باب خراسان، وكان يسمى باب الدولة لإقبال الدولة العباسيـة مـن خراسان43، وهو في الشرق، وباب الكوفة الذي يسمى أيضاً باب الكرخ، اتجاه الكوفة وفي اتجاه الحجاز، وفي الغرب باب الشام، وفي اتجاه الجنوب بـاب البصرة، وهو يوصل إلى منطقة الأهواز وفارس وخوزستان. ويقال أن المنصور لم يصنع للمدينة أبواباً جديدة ولكنه استجلب لها الأبواب من مدينة واسط، باستثناء باب الشام الذي صنعه المنصور. وشعر المنصور بضيق قصره وسط المدينة التي تموج بالسكان، وبنى بعد الانتهاء من المدينة المدورة وخارج أسوارها الشرقية قصراً ثانياً هو قصر الخلد، وحدث شغب بين أهل السوق فاضطر الخليفة أن يخرج أهـل الأسواق من المدينة وأن يسكنهم في منطقة الكرخ في الجنوب. وبنى أيضاً المنصــور الجزء الشرقي من بغداد وأنشأ في هذا المكان الجديد وشمال القصر الذي خصص لیكون معسكراً لولي العهد المهدي قصر "الرصافة"44 ووزعت الأراضي المحيطة بالمدينة كإقطاعات لأقارب المنصور ولمواليه ولكبار رجال الحاشية.

ومن هذا الوصف يمكن أن نرجح أن المنصور عندما بنى مدينته كان يهدف إلى بناء معسكر لجنده الخراسانية بعيداً عن مدينة الكوفة. بمعنى أن نشأة بغــداد كانت أشبه ما تكون بنشأة المدن التي بنيت في صدر الإسلام مثل: الكوفة والبصرة والفسطاط والقيروان، التي أسست لتكون قواعد عسكرية للجند العربي في تلـك الأقاليم.

بـعـض مظاهر نظم الدولة:


وظهرت المدينة الجديدة بمظهر يختلف عن مدينة دمشق حاضرة الأموييـــن، فالخليفة العباسي ظهر بمظهر الإمام أولاً وقبل كل شيء. وكلمة الإمام هنا لها معنى دينياً أكثر من كلمة الخليفة أو كلمة أمير المؤمنين، فالإمام هنا مشتقة من إمامة الصلاة.

وعمل العباسيون على تأكيد صفتهم الدينية هذه فكانوا يرتدون البردة التي كان يلبسها الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا في الوقت الذي عهدوا فيه بجزء كبيـر من سلطانهم الزمني إلى الوزير. ووظيفة الوزير تعتبر تجديداً عباسياً فيما يتعلـق بإدارة الدولة، وذلك أن اللقب لم يعرف عند الأمويين قبل ذلك، كان اللقب عند الأمويين هو لقب الكاتب45.

وأحاط الخليفة العباسي نفسه بمظاهر الأبهة والعظمة. أما عن البلاط العباسي، فكان يظهر فيه إلى جانب أفراد الأسرة وآل النبـي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء كانوا يكونون طبقة الأعيان، إلى جانبهم كان يظهـر كبار رجال الدولة والموالي، كما كان هناك القراء والفقهاء والأطباء وعلماء الفلك والشعراء والموسيقيون والمضحكون والخصيان. كل هذا يعني أن خليفة بغداد لم يعد شيخ قبيلة بل أصبح وريث ملوك فـارس.

ولم تعد الوظائف الكبيرة في الدولة وقفاً على النبلاء بل أصبحت تمنح. وكذلك أصبحت الملابس الرسمية التي تعرف بالخلع هي السمة المميزة لأصحاب الرتب الكبيرة، وكذلك القلانس الطويلة التي أمر المنصور كبار موظفيه بلبسها.

وإذا كان الأمويون قد عرفوا وظيفة الحاجب وهو الرجل الذي ينظم مقابـــــــــلات الخليفة، فإن الخليفة العباسي أصبح بعيداً كل البعد عن العامة بفضل عدد الحجاب والموظفين ورجال الدولة الذين كانوا يزدادون عدداً مع مرور الوقت.

وإلى المنصور يرجع الفضل في وضع نظام الدولة العباسية فقد حافظ على النظام الساساني البيزنطي الذي كان معمولاً به على أيام الأمويين. كما أنه جدد بنـاء هـذا التنظيم فأصبح على كل ولاية عامل أو وال، وكان لأفراد الأسرة نصيب كبير في هـذه الولايات.

البريد:


وبفضل نظام البريد الذي عرفه الأمويون والذي توسع فيه المنصور، استطاع الخليفة أن يفرض رقابة شديدة على إدارة الولايات المختلفة.

وكان على أصحاب البريد أن يقوموا بكل الاستعلامات رغم أن عملهم كان يتركـز في إمداد الخليفة بالمعلومات المتعلقة بقيام الولاة بأداء مهام وظائفهم في أعمالهم وكانت تقارير أصحاب البريد لها أهمية خاصة فعن طريق هذه التقارير كانت تعـــرف حالة المحاصيل فتتخذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب عندما يكون الوقـت وقت جدب. وكانت إحصاءات أصحاب البريد هذه المصدر الذي استقى منه الجيل التالي علم الجغرافية الذي ازدهر عند العرب. وتقول النصوص أن المنصور قال: "ما أحوجني أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم هم أركان الدولة، ولا يصح الملك إلا بهم. أما أحدهــم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية فإني عن ظلمها غني" ثم عض على أصبعه السبابة ثلاث مرات يقول في كل مرة: آه آه قيل: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب خبر هولاء على الصحة46.

الفقه:


وضم المنصور إلى بلاطه كبار الفقهاء وأصحاب المعرفة بعلم الحديث والفقـه وكان تقريب الفقهاء يعني أن الدولة المثالية التي تعتني بنشر العدل والشرع أصبحت حقيقـة واقعـة.

وفي ذلك الوقت كان مؤسسا المذهبين الكبيرين ألا وهما: المذهب الحنفي والمذهب المالكي على قيد الحياة، وكانا يميلان إلى العلويين. يقال أن أبا حنيفة كان يميل إلى إبراهيم بن عبد الله عندما قام بثورته في البصرة.

وأبـو حنيفة النعمان بن ثابـت كـان مـن الموالـي هـذا ولو أن أصحابه وتلاميذه سيضعـون لـه نسباً يرجع إلى ملـوك آل ساسان.

وعاش أبو حنيفـة فـي الكوفـة وكـان يشتغـل بـتجـارة الحرير، وتوفي أبو حنيفة في سنـة ١٥٠هـ / ٧٦٧م في بغداد. وكـان قد قام بإلقـاء الدروس فـي الكوفة وكان لـه آراؤه الفقهية وفتاويه. وتتميــز مدرسـة أبـو حنيفـة فـي التوسـع فـي استعمال الـرأي وكذلك القياس47.

أما عن مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي بالمدينة فقد عرف بميله للعلويين أيضاً، والظاهر أنه عوقب وضرب بالسياط لهذا السبب وذلك بعد أن فشلت ثورة النفس الزكية. ولكن الخلفاء سيقدرون مالك فيما بعد وسيزوره هارون الرشيد عند أدائه فريضة الحج وذلك قبل موته بقليل. وبينما كان أتباع مالك ينشرون مذهبهـم في بلاد المغرب خاصة وفي الأندلس، دخل الحنفيون في خدمة الدولة وعملوا علـى نشر مذهبهم وخاصة بعد أن شغل أبو يوسف (أحد تلاميذ أبو حنيفة) منصب قاضـي القضاة، فأصبح المذهب الحنفي هو المذهب الرسمي.

ومدرسة مالك بن أنس مبنية على الأحاديث وذلك بسبب وجوده في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يهتم بالمتن أكثر من اهتمامه بالإسناد وهو علاوة على اتخاذه القرآن والسنة كأصلين للتشريع يضيف إليهما ما تعارف عليه أهل المدينة أي أنه يرى أن الاجماع هو إجماع أهل المدينة.

فتنة الموصل سنة ١٥٨هـ:


وبتأسيس العاصمة الجديدة بغداد أصبحت سياسة الدولة شرقية ورغم أن المنصور اهتم اهتماماً كبيراً بتأمين وصيانة حدود دولته فعمل على تعقب الخارجين والقضاء عليهم فإن هذه السياسة الحازمة لم تمنع قيام الثورات في كثير من الجهات. من ذلك، ثورة الخورج بالموصل سنة ١٥٨هـ والقلاقل التي أثارها الأكراد بهـذه الجهات مما جعل المنصور يستعمل خالد بن برمك على الموصل فقهر خالد المفسدين وكانت له هيبة في نفوس الناس48.

ثـورة أستـاذ سيس:


قامت بخراسان ثورة بقيادة رجل يعرف باسم أستاذ سيس وذلك في سنة ١٥٠هـ، وكانت هذه الثورة خطيرة مثلها في ذلك مثل الثورات المذهبية التي قامت بإيران. فيقال أن هذا الرجل ادعى النبوة وأن أصحابه أظهروا الفسق وقطـع السبيل، وانضم إلى جانب هذا الرجل كثير من الأتباع "وغلب على عامة خراسان" واستطاع أن يوقع الهزيمة بعدد من الجيوش العباسية، ولكن أمره انتهى بالهزيمـة بعد أن سبب للدولة متاعب شديدة49.

السياسة الخارجية:


الحرب ضد بيزنطــة:


أما عن السياسة الخارجية فإنها كانت تتلخص في الصراع الذي أصبح تقليدياً بين الإسلام وبين الدولة البيزنطية، ولقد طال الصراع ضد بيزنطة لمدة زادت علـى أربع قرون في التي بدأت بالتوسع الإسلامي وانتهت سنة ١١٩٥م بالحروب الصليبية. ورغم طول عذه الفترة كانت هذه الحرب سقيمة لم يستطع أحد طرفيهـا أن يحرز أثناءها انتصاراً حاسماً. وخلال هذه الفترة عرفت بيزنطة عصراً من القـــــــــوة على أيام الأباطرة الإيسوريين وكان هذا من أسباب رجحان كفة بيزنطـة ولكن أتـت مسألة النزاع الداخلي في بيزنطة من أجل عبادة الصور، ثم الاضطرابات التي تلتهـا فأضعفت من قوة بيزنطة. وهكذا كانت الفرصة مواتية للمنصور في سنة ١٤٩هـ لكي يوجه هجوماً ضد البيزنطيين.

والحقيقة أن الإمبراطورية البيزنطية لم تكن مهددة تماماً من جانب الخلافة كمـا أن الخلافة كانت أقل عرضة للخطر من جانب البيزنطيين ولهذا السبب يطلق بعـض كتاب الإفرنج على هذه الحرب اسم "حرب العظمة" فهو يرى أن هذه الحرب لم تكن ضرورية ولكن الإسلام كان عليه أن يشعر دولة الكفار بسطوته وهيبته ولهذا كانت تقوم القوات الإسلامية بتلك الحملات التي تعرف باسم "الصوائف والشواتـــــــــــي" وهو يرى أن المصالح الاقتصادية بين بيزنطة وبين الإسلام كانت توجب قيام اتفـاق ودي بين الطرفيـن.

وعلى أية حال كان مجال العمليات العسكرية ضد بيزنطة هي المحاذية لجبال طوروس في الشرق وهي المنطقة التي عرفت عند الكتاب باسم العواصم أو "الثغور" ومعناها الحد الذي يفصل بين دولة الإسلام وبين دولة الكفـر. خـلـف هذه المنطقة كانت توجد الممرات والمنافذ في الجبال وكانت هذه الممرات محميـة بالقواعد والقلاع، وهذه القواعد كانت مدناً إغريقية قديمة جددها العرب وأعادوا بناءها وحولوها إلى حصون. وأهم هذه الحصون: أدنة وطرطوس والمصيصة وسميساط وملطية، ومرج دابق. وخلف هذه القلاع كانت تمتد أقاليم آسية الصغرى وهـي أرض الروم. وهذه الأرض كانت هدف القوات الإسلامية خلال الصوائف والشواتـي ترعب بها الأعداء وترجع بالسبي والمغانم. أما عن الهدف الحقيقي للجيــــــــــوش الإسلامية فكان هو عاصمة الدولة البيزنطية. ولكن قوات الإسلام لم تستطع تحقيـق الاستيلاء على القسطنطينية.

والذي يلاحظ هو أن الصوائف لم تكن تذهب على أيام المنصور إلى بيزنطـة إلا إذا كان العسكر غير منشغلين في إخماد ثورة… تقول الرواية في سنة ١٣٧هـ، لم يكن للناس في هذه السنة صائفة لشغل السلطان بحرب سنباذ50. ولهذا السبب نجد أنه في السنة التالية يتمكن الإمبراطور قسطنطين من أخذ ملطية ويهدم أسوارها ولكن المسلمين استطاعوا أن يستعيدوها وأعـادوا بناءها وعمّروها.

وبعد ذلك، عقدت معاهدة في سنة ١٣٩هـ بين المنصور وبين قسطنطين وعلى ذلك فلم تعد الغارات إلا في سنة ١٤٦هـ بعد أن انتهى المنصور من حرب العلُويين51.

خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد والبيعة للمهدي:


اضطر عيسى في سنة ١٤٧هـ، أن يحل الناس من البيعة له، وذلك بعـد ضغط شديد من المنصور، استعمل فيه الكثير من الأساليب العنيفة. وأخذ المنصور البيعة لابنه المهدي بولاية العهد بدلاً من عيسى - الذي أصبح يلي المهدي فــي ولاية العهد - وتقول الرواية أن عيسى قال: "أنا ذا أشهدك أن نسائي طوالق ومماليكي أحرار وما أملك في سبيل الله تصرف ذلك فيمن رأيت يا أمير المؤمنين".

ويقال أن الناس تندروا بعد ذلك بقولهـم: "هذا الـذي كـان غـداً فصار بعد غد"52.

وفـاة المنـصـور:


وفي شهر ذي الحجة من سنـة ١٥٨هـ توفي المنصور وكان في طريقـه إلى الحج بالقرب من مكـة.

وكان المنصـور كمـا تصـفـه الروايات من الحزم وصـواب التدبيـر وحـسـن السياسية على ما تجاوز كـل وصف53. فقد كان يشغـل صدر نهـاره بالأمـر والنهي، والولايات والعـزل، وشحـن الثغور والأطراف، وأمـن السبـل، والنظر في الخـراج والنفقات ، ومصلحـة معاش الرعيـة… فإذا صلـى العصـر جلـس لأهل بيته، فإذا صلى العشاء الآخرة جلس ينظـر فيما ورد من كتـب الثغور والأطراف.. وشاور سماره، فإذا مضى ثلث الليل قام إلى فراشه وانصرف سماره، وإذا مضى الثلث الثاني قـام فتوضأ وصلى حتى يطلع الفجـر ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيجلس في إيوانه54.


  1. انظر، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج ۷، ص ٤٧١، انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٤٧، وقارن خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، ج ٢، ص ٢٩، المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٢٨.
  2. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٥٠.
  3. ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٥٠، وقارن المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ۱۳۹، حيث يقول: "فبعث إليه المنصور بيقطين بن موسى لقبض الخزائن، فلما دخل يقطين على أبي مسلم قال: "السلام عليك أيها الأمير، قال: " لا سلم عليـك يا ابن اللخناء أأوتمن على الدماء ولا أوتمن على الأموال".
  4. انظر ابن الأثير، ج ٤، ص ٣٥٠، ج ٥، ص ٢٤، أحداث سنة ١٤٧هـ، المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٦٠ - ١٦١.
  5. ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٥٠.
  6. انظر، العيون والحدائـق، ص ۲۱۳ - ٢١٤، ابن الأثير، الكامل ج ٤، ص ٣٤٥ - ٣٤٦.
  7. انظر، الجهشیاري، کتاب الوزراء والكتاب، ص ٩٤.
  8. ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٥٠.
  9. ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٥٠ – ٣٥١.
  10. ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٥٢ - ٣٥٤.
  11. ابن الأثير، ج ٤، ص ٣٥٤، وقارن المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٤٢ إذ يقول: "وكان قتله في شعبان من سنة ست وثلاثين ومائة، وفيها كانت بيعـة المنصور وهزيمة عبد الله بن علي".
  12. نفس المصدر السابق، ص ٣٥٥.
  13. ابن الأثير، ج ٤، ص ٣٥٦.
  14. المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٤٤.
  15. انظر، ابن الأثير، ج ٤، ص ٣٥٧.
  16. ابن الأثير، ج ٤، ص ٣٦٥ - ٣٦٦.
  17. ابن الأثير، ج ٤، ص ٣٥٨ - ٣٥٩.
  18. نفس المصدر السابق، ص ٣٦٦ - ٣٦٧.
  19. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٤، ص ٣٦٨.
  20. انظر، د. فاروق عمـر، بحوث في التاريخ العباسي، الطبعة الأولى، بيروت، لبنـان ۱۹۷۷، ص ۹۳ (موقف العلوييـن السياسي من العباسيين أولاً: الموقف كما تعكسه الرسائل المتبادلــة بـيـن المنصور ومحمد النفس الزكية).
  21. نفس المرجع، ص ۹۳.
  22. انظر، المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٤٥.
  23. المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٤٥.
  24. ابن الأثير، ج ٤، ص ٣٧٤.
  25. ابن الأثير، ج ٤، ص ۳۷۲.
  26. نفس المصدر السابق، ص ۳۷۳.
  27. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ۳.
  28. ابن الأثير، ج ٥، ص ۳.
  29. نفس المصدر السابق، ص ۳.
  30. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٥.
  31. ابن الأثير، ج ٥، ص ٦.
  32. ابن الأثير، ج ٥، ص ٦ - ۷.
  33. ابن الاثير، الكامل، ج ٥، ص ۸ – ۱۱.
  34. ابن الأثير ج ٥، ص ۱۳ – ١٤.
  35. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ١٦.
  36. انظر، تاريخ خليفة بن خياط، ج ۲، ص ٦٤٩.
  37. ابن الأثير، ج ٥، ص ١٥ - ١٨.
  38. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ١٩، وقارن خليفة بن خياط، ج ۲، ص ٦٥٠ حيث يذكر أن إبراهيـم خـرج من البصرة بعـد أن استخلف عليهـا ابنه الحسن بن إبراهيـم ونزل باخمرا من ســـواد الكوفة. هذا بينمـا يكتبها المسعودي في مروج الذهب، ج ٤، ص ١٤٨، في شكل "باخمـري" وهـو يقول وهو الموضع الذي ذكرته الشعــراء ممن رثـى إبـراهـيـم فممن ذكر ذكر ذلك دعبــل الخزاعي فقال في قصيدة له:
    قبور بكوفان وأخرى بطيبة
    وأخرى بفخ نالها صلواتي
    وأخرى بأرض الجوزجان محلها
    وقبر بباخمرا لدى العرمات
  39. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ١٤ (ذكر بناء مدينة بغداد).
  40. نفس المصدر السابق، ص ١٥.
  41. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ١٥.
  42. نفس المصدر السابق، ص ٢١.
  43. المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٣٥.
  44. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٣٣ - ٣٤.
  45. انظر، الجهشیاري، کتاب الوزراء والكتاب، ص ٢٤، ص ٨٤ – ٨٥.
  46. ابن الأثيـر، الكامـل، ج ٥، ص ٤٦.
  47. "أصل القياس أن يعلم حكم في الشريعة لشيء فيقاس عليه أمر آخر لاتحاد العلة فيهما، ولكنهم توسعوا في معناه أحياناً فأطلقوه على النظر والبحث عن الدليل في حكم مسألة عرضت لم يرد فيها نص، وأحياناً يطلقونه على الاجتهاد فيما لا نص فيه، وبعبارة أخرى جعلوه مرادفاً للرأي، يعنون بالرأي وبالقياس بهذا المعنى أن الفقيه من طول ممارستـه للأحكام الشرعية تنطبع في نفسه وجهة الشريعة في النظر إلى الأشياء، وتمرن ملكاته علـى تعرف العلل، فيستطيع إذا عرض عليه أمر لم يرد فيه نص أن يرى فيه رأياً قانونياً متأثراً بجو الشريعة التي ينتمي إليها وبأصولها وقواعدها التي انطبعت فيه من طول مزاولتها، ومـن أجل هذا ذموا الرأي الذي يصدر ممن ليس أهلاً للاجتهاد، والرأي الذي لا تسنده أصول الدين". انظر، أحمد أمين، ضحى الإسلام، طبع دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة العاشرة، ج ٢، ص ١٥٣ - ١٥٤.
  48. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٤١ - ٤٢.
  49. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ۲۸ – ۲۹.
  50. ابن الأثير، الكامل، ج ٤ ، ص ٣٥٨.
  51. نفس المصدر السابق، ج ٤، ص ٣٥٩ – ٣٦٠.
  52. نفس المصدر، ج ٥، ص ۲۲ – ۲۳.
  53. المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٦٣.
  54. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٤٧.