مجموع الفتاوى/المجلد الثالث عشر/سئل عمن نسخ القرآن والحديث بيده
سئل عمن نسخ القرآن والحديث بيده
[عدل]سُئِلَ شيخ الإسلام عن جندي نسخ بيده صحيح مسلم والبخاري والقرآن، وهو ناو كتابة الحديث والقرآن العظيم، وإن سمع بورق أو أقلام اشترى بألف درهم، وقال: أنا إن شاء الله أكتب في جميع هذا الورق أحاديث الرسول والقرآن، ويؤمل آمالا بعيدة، فهل يأثم أو لا؟ وأي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة؟ الزمخشري؟ أم القرطبي؟ أم البغوي؟ أو غير هؤلاء؟
فأجاب:
الحمد للّه، ليس عليه إثم فيما ينويه ويفعله من كتابة العلوم الشرعية. فإن كتابة القرآن والأحاديث الصحيحة والتفاسير الموجودة الثابتة من أعظم القربات والطاعات.
وأما التفاسير التي في أيدي الناس، فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبي، والتفاسير غير المأثورة بالأسانيد كثيرة، كتفسير عبد الرزاق، وعبد بن حميد، ووكيع وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.
وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها، فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي لكنه مختصر من تفسير الثعلبي وحذف منه الأحاديث الموضوعة والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك.
وأما الواحدي، فإنه تلميذ الثعلبي، وهو أخبر منه بالعربية، لكن الثعلبي فيه سلامة من البدع، وإن ذكرها تقليدًا لغيره، وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط والوسيط والوجيز فيها فوائد جليلة وفيها غَثٌّ كثير من المنقولات الباطلة وغيرها.
وأما الزمخشري، فتفسيره مَحْشُوّ بالبدعة، وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بِخلْق القرآن، وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد، وغير ذلك من أصول المعتزلة.
وأصولهم خمسة، يسمونها: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لكن معنى التوحيد عندهم: يتضمن نفي الصفات؛ ولهذا سمي ابن التومرت 1 أصحابه الموحدين، وهذا إنما هو إلحاد في أسماء الله وآياته.
ومعنى العدل عندهم: يتضمن التكذيب بالقَدَر، وهو خلق أفعال العباد وإرادة الكائنات والقدرة على شيء. ومنهم من ينكر تقدم العلم والكتاب، لكن هذا قول أئمتهم، وهؤلاء منصب الزمخشري، فإن مذهبه مذهب المغيرة بن علي وأبي هاشم وأتباعهم. ومذهب أبي الحسين والمعتزلة الذين على طريقته نوعان: مسايخية وخشبية.
وأما المنزلة بين المنزلتين فهي عندهم: أن الفاسق لا يسمى مؤمنًا بوجه من الوجوه، كما لا يسمى كافرًا، فنزلوه بين منزلتين.
وإنفاذ الوعيد عندهم معناه: أن فُسَّاقَ الملة مخلدون في النار، لا يخرجون منها بشفاعة ولا غير ذلك، كما تقوله الخوارج.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتضمن عندهم: جواز الخروج على الأئمة، وقتالهم بالسيف. وهذه الأصول حشا بها كتابه بعبارة لا يهتدى أكثر الناس إليها، ولا لمقاصده فيها، مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة، ومن قلة النقل عن الصحابة والتابعين.
وتفسير القرطبي خير منه بكثير، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد عن البدع، وإن كان كل من هذه الكتب لابد أن يشتمل على ما ينقد، لكن يجب العدل بينها، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري، وأصح نقلا وبحثًا، وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها.
وثمَّ تفاسير أخر كثيرة جدًا، كتفسير ابن الجوزي والماوردي.
هامش
- ↑ [هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت، الفقيه الأصولي الزاهد، كان لهجا بعلم الكلام، وألف عقيدة لقبها بالمرشدة، وكان فيه تشيع، أخذ عن أبي حامد الغزالي]