مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي/كتاب فصوص الحكم مع شرحه نصوص الكلم
﴿فص﴾١ الأمور التي قبلنا لكل منها ماهية وهو ية وليست ماهيته هويته ولا داخلة في هويته ولو كانت ماهية الانسان عين هويته لكان تصورك لماهية الانسان تصوراً لهويته فكنت اذا تصورت ما الانسان تصورت هو الانسان فعلمت وجوده٢ ولكان كل تصور للماهية يستدعي تصديقاً٣ بوجودها ولا الهوية داخلة في ماهية هذه الأشياء والا لكانت مقوماً لا يستكمل تصور الماهية دونه ويستحيل رفعه عن الماهية توهماً٤..ولو كان قياس الهوية من الانسان قياس الجسمية والحيوانية وكان كما أن من يفهم الانسان انسانا لا يشك في أنه جسم أو حيوان اذا فهم الجسم أو الحيوان كذلك لا يشك في أنه موجود وليس كذلك بل يشك مالم يقم حس أو دليل٥ .. فالوجود والهوية لما يينا من الموجودات ليس من جملة المقومات فهو من جملة العوارض٦ اللازمة وليس من جملة اللواحق التي تكون بعد الماهية وكل لاحق فإما أن يلحق الذات من ذاته ويلزمه واما أن يلحقه عن غيره ومحال أن يكون الذى لا وجود له يلزمه شيءٌ يتبعه في الوجود فمحال أن تكون الماهية يلزمها شيءٌ حاصل الا بعد حصولها ولا يجوز أن يكون الحصول يلزمه بعد الحصول والوجود يلزمه بعد الوجود فيكون انه قد كان قبل نفسه فلا يجوز أن يكون الوجود من اللواحق التي للماهية عن نفسها اذ اللاحق لا يلحق الشيء عن نفسه الا الحاصل الذي اذا حصل عرضت له أشياء سببها هو فان الملزوم المقتضى للازم علة لما يتبعه ويلزمه والعلة لا توجب معاولها الا اذا وجبت وقبل الوجود لا تكون وجبت٧ فلا يكون الوجود مما تقتضيه الماهية فيما وجوده غير ماهيته بوجه من الوجوه فيكون اذا المبدأ الذي عنه الوجود غير الماهية وذلك لان كل لازم ومقتضى وعارض فاما من نفس الشيء واما من غيره واذالم تكن الهوية للماهية التي ليست هي الهوية عن نفسها فهي لها عن غيرها فكل ما هويته غير ماهيته وغير المقومات لماهيته فهويته من غيره ينتهي الى المبدأ الذي لا ماهية له مباينة للهوية٨
﴿فص﴾ الماهية المعاولة لا يمتنع وجودها في ذاتها والا لم توجد ولا يجب وجودها بذاتها والا لم تكن معاولة فهي في حد ذاتها ممكنة الوجود ويجب بشرط مبدئها٩ وتمتنع بشرط الا مبدئها فهى في حد ذاتها هالكة ومن الجهة المنسوبة الى مبدئها واجبة ضرورة وكل شيء هالك الا وجهه
﴿فص﴾ الماهية المعاولة لها عن ذاتها أنها ليست ولها عن غيرها أنها توجد والأمر الذي عن الذات قبل الأمر الذي ليس١٠ عن الذات فالماهية المعلولة أن لا توجد بالقياس اليها قبل أن توجد فهي محدثة لا بزمان تقدم
﴿فص﴾ كل ما هية مقولة على كثير بن كالانسان وليس قولها على كثيرين لماهيتها والا لما كانت ماهيتها مقترنة بفرد فذلك عن غيرها فوجودها معلول لغير الذات
﴿فص﴾ كل واحد من أشخاص الماهية المشتركة فيها ليس كونه تلك الماهية هو كونه ذلك الواحد والا لاستحالت تلك الماهية بغير ذلك الواحد فاذا ليس كونها ذلك الواحد واجباً لها من ذاتها فهي بسبب خارج فهي معلولة
﴿فص﴾ الفصل لا مدخل له في ماهية الجنس١١ فان دخل ففي انيته أعنى ان طبيعة الجنس تتقوم بالفعل بذلك الفصل بل المقوم بالفصل هو الحصول في الأعيان ذاتاً موجودة قائمة بذلك الفصل كالحيوان مطلقاً انما يضير موجوداً بأن يكون ناطقاً أو أعجم لكنه لا تصير له ماهية الحيوان بأنه ناطق
﴿فص﴾ وجوب الوجود بالذات لا ينقسم بالفصول فلو كان له فصل لكان الفصل مقوماله موجوداً وكان داخلا في ماهيته وهو محال اذ ماهية الوجود نفسه
﴿فص﴾ وجوب الوجود لا ينقسم بالحمل على كثيرين مختلفين بالعدد والا لكان معاولا له وهذا أيضاً برهان على الدعوى الأولى
﴿فص﴾ وجوب الوجود لا ينقسم بأجزاء القوام مقدارياً كان أو معنوياً والا لكان كل جزء من أجزائه اما واجب الوجود فكثر واجب الوجود واما غير واجب الوجود فهو أقدم بالذات من الجمال فتكون الجملة أبعد من الجزء في الوجود
﴿فص﴾ واجب الوجود بذاته لا جنس له ولا فصل له ولانو ولا ند له .. واجب الوجود لا مقوم له ولا موضوع له ولا عوارض له ولا لبس له فهو صراح فهو ظاهر .. فص واجب الوجود مبدأ كل فيض١٢ وهو ظاهر على ذاته بذاته فله الكل من حيث لا كثرة فيه فهو من حيث هو ظاهر فهو بنال الكل من ذاته فعامه بالكل بعد ذاته وعلمه نفس ذاته فيكثر علمه بالكل كثرة بعد ذاته ويتحد الكل بالنسبة الى ذاته فهو الكل وحده فهو الحق وكيف لا وقد وجب هو الباطن وكيف لا وقد ظهر فهو ظاهر من حيث هو باطن و باطن من حيث هو ظاهر فخذ من بطونه الى ظهوره حتي يظهر لك ويبطن عنك
﴿فص﴾١٣ كل ما عرف سببه من حيث يوجبه فقد عرف نفسه واذار تبت الأسباب انتهت أواخرها إلى الجزئيات الشخصية على سبيل الايجاب فكل كلي وجزئي ظاهر عن ظاهريته الأولى ولكن ليس يظهر له شيء منها عن ذواتها داخل في الزمان والان بل عن ذاته والترتيب الذي عنده شخصاً فشخصاً بغير نهاية فعالم علمه بعد اته هو الكل الثاني لا نهاية له ولا حد وهناك الأمر
﴿فص﴾ علمه الأول لذاته لا ينقسم وعلمه الثاني عن ذاته إذا تكثر لم تكن الكثرة في ذاته بل بعد ذاته وما تسقط من ورقة / الا يعلمها .. من هناك يجري القلم في اللوح المحفوظ جرياناً متناهياً إلى يوم القيامة١٤ واذا كان مرتع بصرك ذلك الجنات ومذاقك من ذلك الفرات كنت في طيب ولم تدهش
﴿فص﴾ انفذ الى الأحدية تدهش الي الأبدية١٥ واذا سئلت عنها فهي قريب أظلت الأحدية فكان قلما أظلت الكلية فكانت لوحاً وجرى القلم على اللوح بالخلق
﴿فص﴾ امتنع مالا يتناهي لا في كل شيء١٦ بل في الخلق وماله مكانة ورتبة ووجب في الامر فهناك الغير المتناهي كم شئت
﴿فص﴾ لحظت الاحدية نفسها فكانت قدرة فلحظت القدرة فازم العلم الثانى المشتمل على الكثرة وهناك أفق عالم الربوبية يليها عالم الأمر يجرى به القلم على اللوح فتكثر الوحدة حيث يغتى السدرة ما يغشى ويلقى الروح والكلمة١٧ وهناك أفق عالم الأمر يليها العرش
والكرسى والسموات وما فيها١٨ كل يسبح بحمده ثم يدور على المبدأ وهناك عالم الخلق يلتفت منه الى عالم الأمر و يأتونه كل فرداً١٩
﴿فص﴾ لك أن تلحظ عالم الخلق فترى فيه أمارات الصنعة ولك أن تعرض عنه وتلحظ عالم الوجود المحض وتعلم أنه لا بد من وجود بالذات وتعلم كيف ينبغي أن يكون عليه الموجود بالذات فان اعتبرت عالم الخلق فأنت صاعد وان اعتبرت عالم الوجود المحض فأنت نازل تعرف بالنزول ان ليس هذا ذاك٢٠ وتعرف بالصعود ان هذا هذا سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
﴿فص﴾ اذا عرفت أولا الحق عرفت الحق وعرفت ماليس بحق٢١
وان عرفت الباطل أولا عرفت الباطل ولم تعرف الحق على ما هو
حقه فانظر الى الحق فانك لا تحب الأفلين بل توجه بوجهك الى
وجه من لا يبقى الا وجهه
﴿فص﴾ أليس قد استبان لك أن الحق الواجب لا ينقسم قولا على كثيرين ولا يشارك نداً ولا يقابل ضداً ولا يتجزء مقداراً ولا حداً ولا يختلف ماهيته وهو يته ولا يتغاير ظاهزيته وباطنيته فانظر هل ما تقبله مشاعرك وتمثله ضمائرك كذلك لا تجده فليس ذلك الامبايناً له فهذا منه فدع هذا اليه فقد عرفته
﴿فص﴾ كل ادراك فاما أن يكون الملائم أو لغير ملائم بل منافر واللذة ادراك الملائم والأذى ادراك المنافر ان لكل ادراك منافر كمالا فلذته ادراك ما يستطيبه والغضب الغلبة وللوهم الرجاء ولكل حس ما يعد له ولما هو أعلى هو الحق وخصوصاً الحق بالذات كل كمال من هذه الكمالات معشوق لقوة دراكة
(۲۱) ان النفس المطمئنة كمالها عرفان الأول بإدراكها فعرفانها
للحق الأول وهي برية قدسية على ما يتجلى لها هو اللذة القصوي ٢٢ صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/180 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/181 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/182 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/183 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/184 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/185 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/186 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/187 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/188 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/189 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/190 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/191 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/192 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/193 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/194 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/195 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/196 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/197 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/198 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/199 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/200 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/201 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/202 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/203 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/204 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/205 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/206 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/207 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/208 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/209 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/210 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/211 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/212 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/213 صفحة:مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي.pdf/214
- ↑ فص الشى عبارة عن خلاصة الشيء وزبدته ولما كانت المباحث المذكورة في هذه الرسالة عين الحكمة وخلاصة مسائلها عنون كل طائفة مخصوصة منها بالفص ليشعر بجلالة مكانها
- ↑ ملخص هذا ان ماهية الانسان لو كانت عين وجوده لكان العلم بالإنسان هو العلم بوجوده وليس كذلك اذ كثيراً ما نتصور الانسان ولا يخطر ببالنا معنى الوجود وماهيته وحيثيته اما الوجود الخارجي فظاهر واما الوجود العقلي فلان تعقل الانسان لا يستلزم تعقل تعقله .. فان قبل لا نسلم ان تعقل الماهية ينفك عن وجودها فان تعقل الماهية هو بعينه تعقل وجودها .. قلنا لو كان كذلك لكنا لا نشك في كونها موجودة عند حصولها في العقل وليس كذلك لانا تتعقل كثيراً من الماهيات ونشك في وجوداتها
- ↑ لأن تصور الماهية على هذا التقدير هو بعينه تصور الوجود فكما ان تصور العقل مثلا يكفي في العلم بأنه عقل من غير استعانة بنى اذ ثبوت الشيء لنفسه بين كذلك يلزم ان يكفي في العلم بكونه موجوداً لأنه عينه على هذا الفرض وليس كذلك اذ قد يحتاج العلم به الي براهين كثيرة المقدمات
- ↑ أي لو كان الوجود داخلا في الماهية لما أمكن ان يتوهم وفع الوجود مع بقاء الماهية كالواحد للاثنين اذ لا يمكن ان يتوهم ارتفاع الواحد مع بقاء ماهية الاثنين وليس كذلك وقد بين ذلك أن ارتفاع الجزء هو بعينه ارتفاع الكل لا انه ارتفاع آخر و من المستحيل ان يتصور انفكاك الشيء عن نفسه وفيه نظر لأن عدم العلة علة لعدم المعلول ولاشك ان الجزء علة لوجود الكل فيكون عدمه علة لعدمه وأيضاً العقل الصريح يحكم بصحة قولنا عدم الجزء فعدم الكل فيكون بينهما تقدم وتأخر ذاتي على ان الكل كالاثنين ان وجد يكون هناك موجودات ثلاثة متغايرة بالذات قطعاً الكل من حيث هو كل وكل واحد من الوحدتين فاذا انتفى واحد من بينك الوحدتين انتفى موجودان من تلك الموجودات الثلاثة وهما الكل من حيث هو كل وواحد من جزئيه فهناك عدمان ومعدومان متغايران بالذات فلا يكون أحدهما هو الآخر بل السر فيه ان الجزء علة لتحصيل ذات الكل من حيث هو و به قوام الكل أعنى انه داخل في ذاته ومن المستحيل ان يتوهم بقاء ماهية الكل بدون مالا تحصل تلك الماهية ولا تقوم من حيث هو الا به بخلاف العلل الأخر واللوازم اذ ليس لها مدخل في طبيعة الذات من حيث هي بل هي انما تكون خارجة عنها فيصح ان يتوهم انتفاؤها مع بقاء الذات
- ↑ تلخيص هذا الدليل ان الوجود لو كان جزءا من الماهية لوجب ان يحصل لنا التصديق بوجودها عند تصورها وليس كذلك وفي الأدلة المذكورة في نفي كون الوجود جزءا للماهية نظر اما الأول فبأن نقول ان اريد بقوله لا يستكمل تصورها أنها لا تحصل بكنها في العقل بدون الوجود فنفى التالي ممنوع وان أريد بها انها ل اتحصل مطلقا في العقل بدون الوجود فالملازمة ممنوعة واما الثاني فلانه ان اريد بقوله يستحيل وقعه الى ان يمتنع توهم ارتفاعه حين يلاحظ الماهية بالكنه فنفى التالي ممنوع وان أريد أنه يمتنع توهم ارتفاعه مطلقا سواء كانت تحصل بالكنه أو بالوجه فالملازمة غير مسلمة لأنه يجوز ان لا يتصور الماهية حينئذ على وجه يكون الوجود ملحوظاً فيها بالذاتية فيمكن للعقل ان يتوهم رفعه اذ منشأ استحالة هذا التوهم كونه ملحوظا بالجزئية وأما الثالث فلانه انما يتم ان لو كانت الماهية متصورة بكنها اذ لولم تكن كذلك جازان يحصل لنا الشك حينئذ في كونها موجودة لأنها اذا لم تكن متعقلة بكنهها جاز ان تكون ذاتياتها مجهولة فضلا عن التصديق بنبوتها لها الا برى ان النفس لما كانت متصورة باعتبار تدبير البدن تعرضوا لأثبات جوهريتها بالبرهان مع زعمهم ان الجوهر جنس لها .. وقوله فالوجود والهوية ٠٠لما بينا من الموجودات ليس من جملة المقومات متفرع على الأدلة التي ذكرت لنفي الجزئية واذا لم تكن من جملة المقومات وقد بين انه ليس عينا لها فهو من العوارض لان كونه غير مباين لها وعدم كونه معروضاً لها ظاهر
- ↑ فان قيل على هذا لا يمكن ان يكون الوجود من العوارض لأن ثبوت العارض المعروض فرع ثبوت المعروض ان ذهنا فذهنا وان خارجا مخارجا فذلك الثبوت المتقدم ان كان هو الثبوت المتأخر یلزم توقف الشيء على نفسه وان كان غيره ننقل الكلام اليه ويلزم التسلسل قلنا ان عروض الوجود الماهية وزيادته عليها في نظر العقل واعتباره بمعنى أنه يمكن للعقل ان يلاحظها من حيث هي هي من غير اعتبار الوجود والعدم سواء كان ذهنيا أو خارجيا وان كانت لا تنفك عن الوجود في العقل وينسب اليها الوجود فيجده زائداً عليها عارضاً لها ويجد الماهية قابلة له وهذا هو المراد بنبوت الوجود لها في الذهن لا ما هو المتبادر منه والا يلزم المحال المذكور واذا ثبت ان الوجود من العوارض فلا بد ان يكون من العوارض اللازمة لأنه يمتنع بديهة بقاء الماهية بدون الوجود فكلما انتفى الوجود لم تبق الماهية فيكون لازما لا يقال فحينئذ يلزم تقدم الوجود على الماهية لان ما ذكرتم يقتضي ان يكون كونها ماهية بسبب الوجود وليس كذلك اذ الوجود عارض لها لانا نقول لا يلزم مما ذكرتم تقدم الوجود عليها غايته أن يلزم منه استلزام كون الماهية ماهية للوجود ولا محذور فيه بل نقول ان الحق الصرح الذي لا يحوم حوله شائبة الريب ان الوجود والماهية متلازمان لا يتقدم أحدهما على الآخر ذاتا وزمانا اما انه ليس بينهما تقدم وتأخر زماني فظاهر لا سترة به واما أنه ليس بينهما تقدم وتأخر ذاتيه فلانه لو كان بينهما تقدم وتأخر ذاتي فلا يخلو اما ان تكون الماهية متقدمة على الوجود أو يكون الوجود متقدما عليها لا جائز ان تكون الماهية متقدمة عليه بالذات والا لوجب أن يصح قولنا صار الانسان السانا فوجد اذ التقدم الذاتي بين الشيئين مصحح لدخول الفاء على المتأخر المحتاج وليس كذلك لان اعتبار كونه مقدما على الوجود هو اعتبار كونه معدوما صرفا والمعدوم الصرف لا يكون السانا ولا مقدما على الوجود بل هو لا شيء محض يسلب عنه جميع المفهومات ولا جائز أيضاً ان يكون الوجود مقدما عليه لأنه لو كان مقدما عليه فلا يخلو اما ان يكون باعتبار وجوده في نفسه أو باعتبار ثبوته للماهية لا جائز ان يكون باعتبار وجوده في نفسه والالزم أن يوجد الموجود أولا في حد ذاته ثم يصير الانسان انسانا وهو باطل لان الوجود اذا صار موجوداً في نفسه لم يمكن ان يكون جوهراً لأنه أمر إضافي بل عرضا فيمتنع ان يصير وصفاً للإنسان مرتبطا به لان ثبوت الصفة الموجودة في حد نفسها للموصوف فرع على ثبوت موصوفها بداهة فالموصوف ان كان ثابتاً بهذا الثبوت يلزم الدور وان كان ثابتاً بغيره تنقل الكلام اليه ويلزم التسلسل ولا يمكن أيضاً ان يكون تقدمه على الماهية باعتبار ثبوته للماهية والا لزم صحة قولنا وجد الانسان فصار انسانا وهو باطل لان قولنا وجد الانسان يقتضى ان يكون الانسان انسانا و موجوداً وقولنا فصار انسانا يقتضى ان لايكون انسانا في تلك المرتبة فيتناقضان لا يقال تقدم الوجود على الماهية في الاعتبار بمعنى ان العقل يعتبر الوجود أولا والماهية ثانياً بان يحكم بأنه وجد فصار انسانا لا أنه وجد الانسان فصار انسانا حتى يتناقض كما يقال ان الجسم النامي بشرط الحساس يصير حيوانا .. لا نا نقول الوجود لا يتصور الا عارضاً مرتبطاً بغيره فلا يمكن للعقل ان يعتبره قبل اعتبار معروضه فلو لم يقدم على الوجود فلا أقل من ان يكون معه على أن قولكم وجــد يقتضى ارتباط الوجود بغيره فذلك الغير ان كان انسانا عاد المحذور وان كان غيره فاما ان يكون مبهما يصير بضميمة الوجود معينا أو لا يكون فان كان الأول يلزم ان يتغير التي في ذاته بسبب أمر. خارج عنه عارض له وهو باطل لان ذلك التغير لا يمكن الا من أمر داخل كالفصل بالقياس الى الجنس فان الحيوان اذا أخذ من حيت هو مبهم واعتبر الناطق فيه صار نوعا معينا هو الانسان فكونه انسانا انما يكون بالفصل الذي هو داخل لا بالوجود الذي بينا انه زائد وإن كان الثاني يلزم ان تتأخر انسانية الانسان عن وجود عيره لا عن وجود نفسه هذا خلف وأيضا الوجود من الصفات الاعتبارية المنتزعة عن الماهية فلو قدم عليها لزم تقدم الصفة الاعتبارية على موصوفها وهو محال .. قفان قيل ان الصورة متقدمة على الهيولى مع انها وصف لهاء . قلنا الصورة وان كانت من صفات الهيولي لكنها ليست من صفاتها الاعتبارية والمستحيل تقدم الوصف الاعتبارى على موصوفه . . فان قلت اذا جاز ان يكون وصف الشئ مقدما عليه في الجملة فليجز ذلك في الاوصاف الاعتبارية أيضاً .. قلت ان الصورة الجوهرية لما كانت غير محتاجة الى المحل في وجودها بل في عوارضها من قبول الاتصال والانفصال والشكل أمكن للعقل ان يعتبر تقدمها على الهيولي بخلاف الاوصاف الاعتبارية والاعراض التي في وجوداتها محتاجة الى المحل فانها يمتنع للعقل ان يعتبر تقدمها على موضوعاتها اهم يمكن تقــدم الوجود على الماهية على مذهب من قال أن الوجود حقيقة الحقائق وان امتياز بعضها عن بعض بعوارض مسماة في المشهور بالماهيات كما تقول ان حقيقة الانسان مثلا هو الوجود ويمتاز عما عداه بعارض هو الحيوان الناطق على عكس مذهب الجمهور وأما على المذهب المشهور بين القوم فلا
- ↑ اذا كان المراد بالوجوب هو الوجوب اللاحق فعدم تقدمه على الوجود ظاهر بل هو متأخر عنه لأنه ضرورة بشرط المحمول الذي هو الوجود وأما اذا كان المراد الوجوب مطلقا أو الوجوب السابق ففي عدم كونه قبل الوجود خفاء. . ويمكن أن يبين بان يقال انه أيضاً لا يمكن ان يكون قبل الوجود لأنه من الصفات الاعتبارية المتأخرة عن الوجود .. فان قيل الوجوب وان كان من الصفات الاعتبارية لكنها من الصفات التي تتقدم على وجود معروضها اذ الشيء مالم يجب إما بالذات أو بالغير لم يوجد فوجوب الشيء قبل وجوده.. قلنا ان تقدم العارض الغير المستقل في الوجود سواء كان له وجود كالإعراض أو لم يكن كالأوصاف الاعتبارية على وجود معروضه ممتنع كما سبق وأيضاً الوجوب اما بالذات أو بالغير فان كان الأول فهو لا يتقدم على وجود الواجب لأنه يستحيل تقدم أمر عليه وان كان الثاني فهو وان كان مقدماً علي فعلية نسبة الوجود الى الماهية كالإمكان لكنه ليس مقدماً على نسبة الوجود اليها لانا اذا اعتبرنا ماهية الممكن ونسبنا الوجود اليها وجدنا الإمكان كيفية لهذه النسبة وبواسطة تحقق علل الوجود تخرج هذه النسبة عن صرافة الإمكان وتنتهى الى الوجوب وهو الوجوب السابق ثم تصير موجودة بالفعل فهذا الوجوب مقدم على الاتصاف بالفعل ومتأخر عن الاتصاف بالإمكان كما ان الإمكان أيضاً مقدم على الاتصاف بالفعل ومؤخر عن مطلق الاتصاف اذ هو كيفية له وأما ان تأخر الوجوب عن هذا الوجود هل يكفى في الايجاد أم لا فكلام آخر لا دخل له في تقدم الوجود على الوجوب الذي هو عرضنا والظاهر أنه لا يكفي بل لا بد فيه من تأخر الوجوب عن الوجود بالفعل فتبوت بعض المفهومات يستدعى الوجود بالفعل وبعضها يستدعى الوجود مطلقاً على ما يقتضيه العقل الصريح وأما ما ليس فيه رائحة الوجود كالمعدوم الصرف فلا يثبت له شئ قطعاً فعلى هذا يجب ان يحمل الوجوب الذي في الدليل على الوجوب اللاحق حتى ينطبق الدليل علي الدعوي بقى ههنا شي وهو أن الامكان مستند الى ذات ممكن من حيث هي فيكون معلولا لها فيلزم أن تكون عليه التي هي الذات واجبة قبل ثبوت الامكان لها فهذا الوجوب لا يجوز ان يكون وجوبا ذاتيا والا لزم الانقلاب ولا يجوز أيضا ان يكون وجوبا بالغير لان الوجوب الغيري متأخر عن الامكان لما سبق وما قيل في الجواب عنه من أنا نختار كونه وجوبا ذاتياً وتمنع لزوم الانقلاب وانما يلزم ان لو كان وجوب الوجود وأما اذا كان وجوب الامكان فلا فالممكن ضرورى الامكان لا ضرورى الوجود في حــد نفسه ليلزم المحال فهذا الوجوب يجوز ان يتأخر عن اتصاف الماهية بالوجود كالامكان ويتقدم علي اتصاف الماهية بالامكان مدفوع بان الكلام في وجوب وجود العلة لا في وجوب أي محمول كان لها كما لا يخفى الا أن تفيد العلة بالوجود
- ↑ يريد ان تكون هويته عين ذاته لانها لا يمكن ان تكون خارجة عن ذاته كما تبين ولا يمكن أيضاً ان تكون جزءا لها اتفاقاً لما سنبينه عن قريب فتعين ان مبدأ الموجودات يجب ان يكون الوجود عينه ٠٠ قال بعض المحققين مراتب الموجودات في الموجودية بحسب التقسيم العقلى ثلاث لا مزيد عليها أدناها الموجود بالغير أي الذي يوجده غيره فهذا الموجود له ذات ووجود يغاير ذاته وموجد يغايرهما فاذا نظر الى ذاته وقطع النظر عن موجده أمكن في نفس الامر انفكاك الوجود عنه ولاشهة في أنه يمكن أيضاً تصور انفكا كه عنه فالتصور والمتصور كلاهما ممكن وهذه حال الماهيات الممكنة كما هو مشهور وأوسطها الموجود بالذات بوجود غيره أي الذي تقتضى ذاته وجوده اقتضاء تاما يستحيل معه انفكاك الوجود عنه فهذا الموجود له ذات ووجود يغاير ذاته فيمتح انفكاك الوجود عنه بالنظر الى ذاته لكن يمكن تصور هذا الانفكاك والمتصور محال والتصور ممكن وهذه حال الواجب الوجود تعالي على مذهب جمهور المتكلمين واعلاها الموجود بالذات موجود بوجود هو عينه أي الذي وجوده عين ذاته فهذا الموجود ليس له وجود يغاير ذاته فلا يمكن تصور انفكاك الوجود عنه بل الانفكاك وتصوره كلاهما محال ولا يخفى على ذى مسكة ان لا مرتبة في الموجودية أقوى من هذه المرتبة الثالثة التي هي حال الواجب تعالي عند جماعة ذوي بصائر ناقبة وأنظار صائبة ولم يريدوا بقولهم ان وجوده تعالى عين ذاته أن ذاته تعالى فرد من أفراد مفهوم الوجود المطلق المشترك العارض للاشياء حتى يرد عليهم ان تصور الانفكاك ليس بمستحيل حينئذ لأن الذات على هذا التقدير غير الوجود بحسب الواقع فيتصور الانفكاك بينهما كمرتبة الاوسط للموجود فيلزم انلا تحقق المرتبة الثالثة التى هى المرتبة العليا بل أرادوا به أنه تعالي هو الوجود المحض يعنى أنه بحيث لو حصل في العقل لما أمكن للعقل ان يفصله الي معروض غير الوجود وعارض هو الوجود كما انه يفصل الموجودات الممكنة اليهما كالانسان فانه عند التفصيل وجده العقل انه أمر يعرضه الوجود فهو شي موجود لا انه موجود من حيث هو بلا اعتبار شي معه ولذلك يحتاج الممكن الى علة تجعل ذلك الامر المغاير للذات مرتبطاً بها ولا يحتاج الواجب اليها لعدم المغايرة بين الذات والوجود فلا يتصور الانفكاك بين ذاته تعالى وبين كونه موجوداً وهو كونه بحيث تصدر عنه الآثار الخارجية بخلاف المرتبتين الاخيرتين واما تصور الافكاك بين الذات وبين مفهوم الوجود المطلق البديهي النصور فهو ممكن لانه يغاير الذات .. فان قبل المراتب الثلاث للموجود والموجود هو ماقام به الوجود فيكون مغايراً له فلا تحقق المرتبة الثالثة التي هى المرتبة العليا اذ كل غيرين يتصور الانفكاك بينهما .. قلت تقسيم الموجود الى هذه المراتب ليس بحسب معناه اللغوى حتي يرد ما ذكرتم بل بحسب معناه الحقيقى المعبر عنه بالفارسية بلفظة هست. ولاشك ان ذلك المعني لا يقتضي المغايرة بل يحتمل ان تحقق مع المغايرة ويدونها اذ ما له أنه أمر تظهر عنه الآثار الخارجية سواء كان ذلك الظهور لذاته من غير قيام شي به أو لاجل قيام شئ آخر به ولو سلم ان هذا التقسيم بحسب معناه اللغوى نقول القيام اعم من ان يكون حقيقيا كقيام الوصف بموصوفه أو غيره كقيام التي بذاته الذي مرجعه عدم القيام بالغير كما قيل في حد الجوهر انه أمر يقوم بذاته أي لا يكون قائماً بالغير وظاهر ان التجوز في معنى القيام لا يستدعى النجوز في وقوع الموجود على شئ ولو سلم أنه يستدعيه نقول ان الحكماء لا يتحاشون عن ذلك بل صرح الشيخ أبو علي في تعليقاته بذلك حيث قال اذا قلنا واجب الوجود موجود فهو لفظ مجاز معناه أنه يجب وجوده لا أنه في موضوع فيه الوجود
- ↑ وجه هذا ان الممكن الذى ليس له الوجود من ذاته لا يخلو من ان تكون علة موجودة أو معدومة فان كانت موجودة فالممكن واجب بالغير وان كانت معدومة فالممكى ممتنع بالغير اذ عدم علته علة العدمه والوجوب بالغير يسمي الوجوب السابق إذ كان مقدما على وجود المعلول لأنه وجب من علته ثم وجد والمراد بالسبق الذاتي فلا يلزم اتصاف الماهية بوجوب الوجود حال كونها معدومة
- ↑ قال الشيخ في الهيات الشفاء اذا كان شيء من الأشياء لذاته سبباً لوجود شئ آخر كان سبباً له دائماً مادامت ذاته موجودة فان كان دائم الوجود كان معلوله دائم الوجود فيكون مثل هذا من العلل أولى بالعلية لأنه يمنع مطلق العدم للشيء فهو الذى يعطى الوجود التام للشئ وهذا هو المعنى الذي يسمى ابداعا عند الحكماء وهو ابس الشي بعد ليس مطلقاً فان للمعلول في نفسه ان يكون ليس ويكون له عن علته ان يكون ايس والذى يكون للشيء في نفسه أقدم عند الذهن بالذات لا بالزمان عن الذي يكون عن غيره فيكون كل معلول ايسا بعد ليس بعدية بالذات انتهي ، وقد يتوهم من ظاهر كلام الشيخين في هذا المقام ان العدم مقتضى ذات الممكن وله تقدم بالذات على وجود الممكن واعترض عليه بان الممكن متساوي النسبة الى الوجود والعدم فكما أن وجوده يكون من الغير كذلك عدمه أيضاً يكون من الغير فلا يكون من ذاته وأيضاً لو كان عدمه مقتضى ذاته لكان ممتنعاً بالذات وقد فرضناه ممكنا بالذات هف وبان تقدم عدم الشيء على وجوده باطل اذ لا يصح ان يقال عدم الشيء فوجد ولنا ان تجيب عنه بان نقول الممكن الموجود لما كان وجوده من غيره فاذا قطع النظر عن الغير واعتبر ذاته من حيث هو لم يمكن له وجود قطعاً وهذا السلب للمغلول ثابت في حد ذاته لازم له من حيث هو هو سواء كان في حالة الوجود أو في حالة العدم وهو المراد بالعدم الذي قيل فيه أنه مقدم على وجود الممكن لان صريح العقل حاكم بان وجوده من الغير لاجل انه ليس موجود في حد ذاته اذ لو كان له وجود في حد ذاته لم يمكن ان يوجد من الغير والا يلزم تحصيل الحاصل لا ان اتصافه بالعدم الذي هو رفع الوجود ويستحيل اجتماعه معه من مقتضي ذاته ليلزم المحال فان ذلك بين البطلان لا يتفوه به عاقل فضلا عن عظماء الحكماء
- ↑ يعنى ان الفصل المقسم للجنس لا يدخل في ماهية الجنس من حيث هو جنس لا مطلقاً فان الفصل والجلس والنوع كلها واحد بالذات مغاير بالاعتبار فان المعنى الواحد اذا اعتبره العقل من حيث انه مبهم قابل لان يكون أشياء كثيرة هو عين كل واحد منها يكون الجنس واذا اعتبر من حيث أنه متحصل بشيء ليس خارجا عنه بإن يكون منطبقا على تمام حقيقته فذلك المحصل هو الفصل والمتحصل هو النوع فالفصل من حيث أنه فصل وهو كونه محصلا ومعينا لا يدخل في الجنس من حيث هو جنس وهو كونه مبهما لان ابهامه الذي هو تردده بين أشياء كثيرة انما هو لأجل عدم اعتبار الفصل فيه لأنه لو اعتبر فيه يلزم ان يكون محصلا غير مهم قال الشيخ في الاهيات الشفاء الذهن قد يعقل معنى يجوز ان يكون ذلك المعنى بعينه أشياء كثيرة كل واحد منها ذلك المعني في الوجود فيضم اليه معنى آخر يعـيـن وجوده بان يكون ذلك المعنى منضما فيه وانما يكون آخر من حيث التعين والابهام لا في الوجود مثل المقدار فانه معني يجوز ان يكون هو الخط والسطح والعمق لا على أن يقارنه شي فيكون مجموعهما الخط والسطح والعمق بل على ان يكون نفس الخط ذلك أو نفس السطح ذلك وذلك لان المقدار هو شئ يحتمل المساواة غير مشروط فيه ان يكون هذا المعني فقط فان مثل هذا لا يكون جلساً كما علمت بله بلا شرط غير ذلك حتي يجوز ان يكون هذا الشيء القابل للمساواة هو في فسه أي شي كان بعد ان يكون وجوده لذاته هذا الوجود أى يكون محمولا عليه لذاته انه كذا سواء كان في بعد أو بعدين أو ثلاثة ايعاد فهذا المعنى في الوجود لا يكون الا أحد هذه الاشياء لكن الذهن يخلق له من حيث يعقل وجوداً مفرداً ثم أن الذهن اذا أضاف اليه الزيادة لم يضف الزيادة على أنها معني من خارج لاحق بالشيء القابل للمساواة حتي يكون ذلك قابلا للمساواة في حد نفسه وهذا شئ آخر مضاف اليه خارجا عن ذلك بل يكون ذلك تحصيلا لقبوله للمساواة انه في بعد واحد فقط أو في أكثر منه فيكون القابل للمساواة في بعـــد واحد في هذا الشيء هو نفس القابل للمساواة حتى يجوز لك ان تقول ان هذا القابل للمساواة هو هذا الذي هو ذو بعد واحد وبالعكس وهاهنا وان كانت كثرة لاشك فيها فهي كثرة ليست من الجهة التي تكون من الاجزاء بل كثرة تكون من جهة أمر غير محصل وأمر محضل فان الامر المحصل في نفسه يجوز ان يكون من حيث هو غير محصل عند الذهن فتكون هناك غيرية لكن اذا كان محصلا لم يكن ذلك شيئاً آخر الا بالاعتبار المذكور الذي ذلك للعقل وحده فان التحصيل ليس يغيره بل يحققه
- ↑ قال الشيخ في تعليقاته الفيض انما يستعمل في الباري تعالى وفي العقول لا غير لانه لما كان صدور الموجودات عنه على سبيل اللزوم لا لارادة تابعة لغرض بل لذاته وكان صدورها عنه داعاً منع ولا كلفة تلحقه في ذلك كان الأولي ان يسمى فيضاً ولما كان جميع الممكنات من الازل الى الابد صادرة من الله تعالى إما بالذات أو اراسطة وامتنع ان يكون صدور الأفعال عنه معللا بالغرض لان الغرض هو شيء به يصير الفاعل فاعلا ومحال ان يكون أمر يجعل الواجب الذي هو تمام من جميع الوجوه على الصفة التي لم يكن عليها لاستلزامه ان يكون ناقصاً من تلك الجهة مستكملا بغيره فلا جرم أنه تعالى يجب ان يكون مبدأ لكل فيض وأيضاً نقول انه يستحيل ان يكون في فعله تعالى غرض لأنه يمتنع ان يحقق بدون الشوق كما اذا تصورنا شيئاً بانه نافع يحصل لنا شوق الى تحصيله لاجل ذلك النفع وهو الغرض ولا يمكن ان يكون له شوق لأنه اذا تمثل بني تبع ذلك التمثال الوجود يعنى ان مجرد علمه تعالى بالأشياء كاف في وجوداتها كما تقرر عندهم بخلاف علومنا فإنها غير كافية فيها فانا اذا تمثلنا بشي اشتقنا واذا اشتقنا تبع ذلك الاشتياق حركة الأعضاء لتحصيل الشيء
- ↑ هذا إشارة الى احاطة علمه تعالى بالأشياء وتقريره ابن الله تعالي عالم بذاته كما سبق وذاته تعالى علة وسبب الجميع ما سواه من الممكنات والعلم بالسباب التام من حيث يوجبه أي باعتبار خصوصية بها يتعين ويجب صدور المعلول عنه يستلزم العلم بالمعلول بلا ارتياب كما اذا فرضنا ان الشمس والقمر يتحركان بحركتهما الخاصة على مدار واحد هو منطقة البروج مثلا وعلمناهما كذلك مع العلم بان نور القمر مستفاد من الشمس فتكون الأرض في وسط الكل فلا شك انا نجزم بأنه في كل مقابلة ينخسف انخسافا تاما جزما يقينا بلا شبهة ولا شك ان ذاته تعالى سبب تام اواحد منها فيلزم من العلم بها العلم به والذات مع ذلك الواحد أيضاً عــلة تامة لآخر فيلزم من العلم بها العلم بذلك الآخر هكذا حتى يحصل له العلم بجميع المعلومات
- ↑ لان توقيت هويات الأشياء وتعيين أحوالها لا يذهب الى غير النهاية بإن يعين زمان وجود شي وأحواله ثم لشئ آخر وهكذا الى غير النهاية بل ينتهى الى القيامة الكبرى التي من جملتها فناء الممكنات بأسرها كما نطقت به الشرائع وورد به الكتاب كما قال الله تعالي﴿يَوۡمَ نَطۡوِی ٱلسَّمَاۤءَ كَطَیِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِۚ﴾ [الأنبياء:104] وجاء في الخبر الصحيح أيضاً أن الحق سبحانه يميت جميع الموجودات حتى الملائكة وملك الموت أيضاً وكون أوائل الموجودات من لوازم ذاته تعالى كما وقع الاشارة اليــه لا ينافى هذه القيامة لانه يجوز أن يكون لزومها له تعالى بواسطة عدم حادث فاذا وجد ذلك الحادث انتقى عليها التامة فانتفى المعلول أيضاً
- ↑ يعنى ان الواجب عليك أن تجتهد حتى تخرج عن موطن الطبيعة الظلمانية وتنمحق في نظرك الكثرة الامكانية التي هي العوائق عن التوجه الي الخير الأصلي والوصول الى الموضع الحقيقى بان لا تلتفت الى الأسباب والوسائط وتتوجه الى مسببها حق تصل الى أحدية الذات وبالجملة انك اذا طرحت ماسوى الحق الواجب عن نظرك وتوجهت بسرائرك اليه رأيت جميع الأوصاف الكمالية راجعة اليه وجميع الذوات مضمحلة عند ذاته فتحصل لك الدهشة وهي فناؤك عن نفسك وبقاؤك بذاته تقدست
- ↑ يعنى ان عدم التناهي إما أن يكون في البعد أو في العــدد أما الأول فقد دل على استحالته برهان تناهي الابعاد وأما الثاني ممتنع بشرطين اعتبرهما الحكماء أحدهما الاجتماع في الوجود الخارجي وثانيهما الترتب كما في العلل والمعلولات على ما يدل عليه برهان التطبيق فلا يمتنع ما لا يتناهي في كل شيء
- ↑ أى بسبب العلم الثاني وتعلقه بالمعاني يصير الروج وهو المعنى المجرد ملاقياً للكلمة يعني الظهور بحسب العين والوجود الخارجي فكما ان بالكلمة تظهر المعانى المختفية في النفس كذلك بحسب هذا الوجود تظهر المعاني وآثارها في الخارج ويحتمل أن يراد بالكلمة كلمة كن يعنى ان الروح يصير ملاقياً لكلمة كن يعنى الايجاد بسبب العلم الثاني ولما كانت المعاني المعقولة تخرج من العلم الى العين بمجرد كلمة كن عبر عنه بها لانه لازمها
- ↑ من الكواكب والمهيولي العنصرية وبسائطها ومركباتها مثلا فان الوجود اذا ابتدأ من عند الأول لم يزل كل ثال منه أدون مرتبة من الأول ولا تزال تحط درجات الوجود الى أن تنتهى الى الهيولي المشتركة العنصرية فأول مرتبة البدو درجة الملائكة الروحانية المجردة التي تسمى عقولا ثم مراتب الملائكة الروحانية التي تسمى نفوساً وهي الملائكة العالمية ثم مراتب الاجرام السماوية وبعضها أشرف من بعض الى أن يبلغ آخرها ثم بعدها يبتدى وجود المادة القابلة للصور الكائنة الفاسدة وتكون بعدها مراتب العود أعنى التوجه الى الكمال بعد التوجه منه فيلبس أولا صور العناصر ثم يتدرج يسيراً يسيراً فيكون أول الوجود فيها أخس وأرذل مرتبة من الذي يتلوه فيكون أخس ما فيها المادة ثم العناصر ثم المركبات الجمادية ثم الناميات الحيوانات وأفضلها الانسان وأفضل الناس من استكملت نفسه فصار عقلا بالفعل ومحصلا للأخلاق التي تكون فضائل عملية وأفضل هؤلاء هو المستعد لمرتبة النبوة كما ان أول الكائنات من الابتداء الى درجة العنصر كان عقلا ئم نفساً ثم جرماً فهنا يبتدئ الوجود من الاجرام ثم تحدث نفوس ثم تحدث عقول فيكون الحق الا حدي الذات مبدأ المراتب الموجودات من وجه ومعاداً لها من جهة اخرى كل ( يسبح بحمده ) قال الله تعالى ﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ﴾ [الإسراء:44] وتسبيحه إما بلسان الحال كما نقل عن المستعدين لسماعه أو بالدلالة على تنزيهه عن سمات النقص وتقدسه عن شوائب الإمكان
- ↑ يعنى ان كلا من الموجودات يرجع الى المبدأ حال كونه منفرداً من المواقع ومجرداً عن العوائق عن الرجوع اليه فيكما ان ابتداء وجود الموجودات من ذاته تقدست أعني توجهها من الكمال الى النقصان اذ صدور الخلق من الخالق يكون على هذا النمط كذلك عود وجوداتها أعنى توجهها من النقصان الي الكمال لان عود الخلق إلى الحق يتحقق على هذا النهج رجوعاً بغنائها عن نفسها الى ذاته تعالي وذلك إما طبيعي أو إرادي يعير عنه بالفاء في التوحيد ﴿ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [الروم:11] فالشيخ أشار الى هذه المراتب أما الى البدو فبقوله يليها عالم الأمر وأما الى العود فبقوله ثم يدور على للمبدأ وأما الى الفناء فبقوله يأتونه كل فرداً ويمكن أن تعتبر هذه المراتب الثلاث في كل موجود كما أنها اعتبرت بالقياس الي مجموع الموجودات من حيث هي جملة
- ↑ يعنى انك تعرف بالنزول من الوجود المحض الي مراتب الامكان ان هذه باطلة فى حدود ذواتها وذاك حق محض لان الطريقة التي سلكها الالهيون اعتبروا فيها كون الوجود عين الواجب لانهم بعد ما أثبتوا ان فى الوجود موجوداً هو الواجب بينوا ان وجوده لا يمكن أن يكون زائداً عليه كما في سائر الموجودات بل هو عينه بخلاف الطبيعيين والمتكلمين فانهم لم يتعرضوا لذلك بل بعضهم نفاه وبالجملة انك تعرف بالنزول الحق والباطل وتميز بينهما
- ↑ أي انك اذا علمت أولا الموجود علامت الموجود المحض وعلمت ما ليس بمحض الوجود من الأشياء التي هي باطلة في حدود أنفسها ثابتة بغيرها اذ فى الطريقة المختارة يكون الابتداء من العلة والانتهاء الى المعلولات التي هي ممكنات وتعلم ان كلا منها مستفيد الوجود من ذلك الوجود المحض
- ↑ لما ذهب جماعة الى انحصار اللذة القوية مطلقاً في الحسية كالأكل والشرب والجماع والغلبة فهؤلاء لا يتجاوزون مرتبة البهائم والسباع وذهب طائفة أخرى الي عدم انحصار اللذة القوية فيها فهم يثبتون اللذة العقلية أيضاً ولكن يستحقرونها بالقياس الي الحسية فأشار الشيخ الي ردها بإن قال اللذة العقلية هو اللذة القصوى وبيانه ان اللغة ادراك ما هو كمال وخير عند المدرك من حيث هو كذلك ولا شك في تفاوت الادراك في حد نفسه بالشدة والضعف وبالقياس الى متعلقه فتتفاوت اللذة . أيضاً وذلك إما بتفاوت الادراك أو المدرك أو المدرك أما يتفاوت الادراك فلانه كلما كان أتم كانت اللذة اكثر كما ان العاشق اذا رأي معشوقه من مسافة أقرب تكون لذته أكثر مما اذا رآه من مسافة أبعد وأما بتفاوت المدرك فلان لذة السمع الصحيح من الصوت الحسن أشد من لذة السمع المريض منه ويمكن أن يرجع هذا إلى تفاوت الادراك وأما بتفاوت المدرك فلان المعشوق المنظور كلما كان أحسن تكون اللذة في رؤيته أكثر ولا شك ان ادراك القوة العاقلة أقوي من الادراكات الحسية لان الادراك العقلي واصل الى كنه الشيء الذي هو أصعب المدركات حتى يميز بين الماهية وأجزائها ثم يميز بين الجلس والفصل وجلس الجنس وفصل الجنس ويميز بين الخارجي اللازم والمفارق وبين اللازم بوسط وبغير وسط والادراك الحسي لا يصل إلا الى المحسوس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى ى آله وأصحابه أجمعين (وبعد) فهذه حواش لطيفة سميتها (نصوص الكلم على كتاب فصوص الحكم) للإمام أبي نصر الفارابي تجمع شواردها وتقيد أو ابداها ان شاء الله