مجلة المقتبس/العدد 94/ري اطنة
مجلة المقتبس/العدد 94/ري اطنة
إقليم أطنة أو آذنة أو كيليكيا هو اليوم عبارة عن لواءي أطنة وأيج آيل وكانت العرب تقول لها الثغور واسم الثغر كما قال جغرافيو هم يشمل بلاداً كثيرة وهي البلاد التي كانت معروفة في القرن السابع للهجرة ببلاد ابن لاون ولا قصبة لها لأن أكثر بلادها متساوية وكل بلد منها كان أهله يرون انهُ أحق باسم القصبة فمن مدنها بياس ومنها إلى الاسكندرونة مرحلة ومن بياص إلى المصيصة مرحلتان ومن المصيصة إلى عين زربة مرحلة ومن المصيصة إلى آذنة مرحلة ومن آذنة إلى طرسوس يوم ومن طرسوس إلى الجوزات يومان ومن طرسوس إلى أولاس على بحر الروم يومان ومن بياس إلى الكنيسة السوداء وهي مدينة أقل من يوم ومن بياس إلى الهارونية مثله ومن الهارونية إلى مرعش وهي من ثغور الجزيرة أقل من يوم وهذه الثغور الشامية تدعى بالعواصم.
وقال جغرافيو الإفرنج في تحديد كيليكيا يحدها شمالاً ليكاونيا وكبادوكية وشرقاً سورية وغرباً بامفيليا وبيسديا وجنوباً البحر الرومي وهي سهول مخصبة منبسطة يسقيها وجيحان والبردان وكانت كيليكيا تقسم إلى قسمين شرقي وهو سهل كيليكيا وهو عبارة عن لواء أطنة اليوم وغربي وهو الجبل وهو عبارة عن لواء أيج آيل ومركز الشرقي منه طرسوس ومن مدنه سولس وماله وايسوس (اياش) وعين زربة وأهم مدن القسم الثاني سلفكة سيلنونتة (سلندي) كلندريس (كلندرة) أصل سكان هذه البلاد من السريان وكان يطلق عليهم اسم لوقو كيليكيان أي السريان البيض تمييزاً لهم عن أهل سورية وقد أعمر مهاجرة اليونان بعض سواحل هذه البلاد وجعلوها مدناً وفتحها كيخسرو وضمها إلى مملكة فارس وجاء الاسكندر فاتحاً ثم ضبطها بطالسة مصر وافتتحها بومبوس وضمها إلى المملكة الرومانية وكانت أصبحت ملجأ لقرصان البحر ووقعت من سهم المملكة الشرقية كما انقسمت المملة الرومانية إلى شرقية عاصمتها القسطنطينية وغربية عاصمتها رومه وقد فتح الأمويون هذا الإقليم وكان يحكمه على عهد الصليبين بنوليون الأرمن وافتتحها السلجوقيون بالتدريج ولما انقرضوا انقسمت بين أولاد قره مان ورمضان وحكومة ذو القدرية ثم أضيفت إلى المملكة العثمانية في عهد السلطان محمد خان الثاني وبايزيد الثاني ويازر السلطان سليم.
هذه نبذة من جغرافية كيليكيا وتاريخها أما الأنهار التي تجري فيها ويراد اليوم إصلاح ريه فهي سيحان وجيحان وبردان تسقي سهول آذنة البالغة على أقل تعديل مائتي ألف هكتار والهكتار (عشرة آلاف متر مربع) وينبع سيحان من قضاء عزيزية في ولاية سيواس ويجري إلى الجنوب الغربي ماراً بجبل قوزان وجبل بيك بوغاز في واد بديع ثم يمر بلواء قوزان فيضم إليه بعض الأودية المنسالة من تلك الجبال حتى يصل إلى لواء أطنة ثم ينضم إليه نهر آخر ينبع من قضاء عزيزية على اليمين ماراً من وراء جبال قوزان ويسمى هناك نهر زمنتي ثم قزيل ايرماق ثم قورشون صو ثم جكيدي فيجري إلى أطنة في سهول جقوراوة حتى يصل إلى البحر الرومي وطول مجراه 45. كيلو متراً وهو يصلح لسير السفن في مصبه ولكن الرمال هناك تمنع من سير السفن الكبرى فلا يتيسر غير سير السفن الصغرى أما جيحان فينبع من لواء ملاطية ويجري إلى البستان ويسمى هناك سكودلي صو ويتألف من نهر خرماجى الجاري من جبال قوزان فيمر في أودية وجبال كثيرة حتى إذا بلغ مرعش يضم إليه نهر أق صو فيدخل ولاية أطنة ثم يأتي إلى سهل أطنة ويجري على موازاة نهر سيحان.
أما بردان أو طرسوس جاي فينبع من حدود ولاية قونية ويتألف من عدة أودية تنساب من سفوح جبل بوغاطاغ ماراً بوادي جهنم ويضم إليه نهر كولك الآتي من مضيق كولك فيجري إلى السهل ويمر بالقرب من طرسوس وبعد أن يروي حدائقها. تتألف منه بحيرة ويصب في البحر الرومي غربي مصب نهر سيحان وطول مجراه 1. . كيلو متر على التقريب. وهذا هو النهر الذي اغتسل فيه الاسكندر المقدوني وهو قاصد إلى الشرق فمرض وكاد يقضي عليه كما حُمَّ المأمون العباسي لاغتساله بنهر قرب البدندون وحمَّ ومات هناك. وعدَّ المقدسي أنهار سيحان وجيحان وبردان من الأنهار ألفائضة في المملكة وقرنها إلى دجلة والفرات والنيل وجيحون ونهر الشاش ومهران ونهر الرس ونهر الملك ونهر الأهواز وقال إنه تجري فيها السفن قال: وأما سيحان وجيحان وبردان فإنهن أنهار طرسوس وآذنة والمصيصة يخرجن من بلد الروم ثم يفضن في البحر وكذلك سائر أنهار الشام إلا نهر بردى والأردن. وقال ابن حوقل: كانت المصيصة مدينتين إحداهما تسمى المصيصة والأخرى تسمى كفر بَيّا على جانبي جيحان وإنه يخرج من بلد الروم حتى ينتهي إلى المصيصة ثم إلى رستاق يعرف بالملون فيقع في بحر الروم وكان كثير الضياع غزير الكراع أي إن فيه خيلاً كثيراً وذلك لأن جقوراوة مشهور بمراعيه وكانت آذنة مدينة كأحد جانبي المصيصة على نهر سيحان في غربي النهر وسيحان دون جيحان في الكبر عليه قنطرة عجيبة البناء طويلة جداً ويخرج هذا النهر من بلد الروم أيضاً. وقال ياقوت إن سيحان نهر كبير بالثغر من نواحي المصيصة وهو نهر آذنة بين إنطاكية والروم يمر بآذنة ثم ينفصل عنها نحو ستة أميال فيصب في بحر الروم وإياه أراد المتنبي في مدح سيف الدولة
أخو غزوات ما تغب سيوفه ... رقابهم إلا وسيحان جامد
يريد انه لا يترك الغزو إلا في شدة البرد إذا جمد سيحان.
وقال في جيحان إنه نهر با المصيصة بالثغر الشامي ومخرجه من بلاد الروم ويمر حتى يصب بمدينة تعرف بكفر بيَّا بازاء المصيصة وعليه عند المصيصة قنطرة من حجارة رومية عجيبة قديمة عريضة فيدخل منها إلى المصيصة وينفذ منها فيمتد أربعة أميال ثم يصب في بحر الشام قال أبو الطيب:
سريت إلى جيحان من أرض آمِد ... ثلاثاً لقد أدناك ركض وأبعدا
وقال عدي بن الرقاع العاملي:
فبت أُلهى في المنام كما أرى ... وفي الشيب عن بعض البطالة زاجر
بساجية العينين خود تلدّها ... إذا طرُق الليل الصحيح المباشر
كأن ثناياها نبات سحابة ... سقاهن شؤبوب من الليل باكر
فهن معاً أو أقحواناً بروضة ... تعاوره صنوان طلٌّ وماطر
فقلت لها كيف اهتديت ودوننا ... دُلُوك وأشراف الجبال القواهر
وجيحان جيحان الملوك وإلى ... وحزن خزارى والشعوب القوا سر
وقال ياقوت في البردان إنه نهر بثغر طرسوس مجيئه من بلاد الروم ويصب في البحر على ستة أميال من طرسوس وهو الذي عناه الزمخشري بقوله:
ألا إن قلبي في جوى لا يبله ... قويق ولا العاصي ولا البردان
هذه هي البلاد التي تريد الدولة اليوم أن تعمرها بإصلاح طرق ريها والانتفاع من أنهارها الكبار التي تذهب جزافاً دون أن ينتفع بها حق الانتفاع فتصلح سهول هذا الإقليم الواسع وهي لا تقل عن مائتي ألف هكتارما عدا جقوراوة المشهور بمراعيه. ويقتضي ذلك أربعة ملايين ليرة عثمانية وينتهي العمل منه على الأكثر في عشر سنين إلا إن بعض فروعه تستثمر عقب إنجازها فيكون ألفرع الأول من هذا العمل معداً للانتفاع به بعد ثمانية عشر شهراً بمعنى إن كل فرع متى نجز ينتفع منه برأسه أما الأنهار التي يصلح مجراها فهي سيحان وجيحان والبردان.
وأراضي ذاك الإقليم صالحة جداً لزراعة القطن الجيد وقصب السكر فتخرج سهول آذنة إذ ذاك 5. . ألف طن الذي يفوق ما تخرج الآن كمية وكيفية والمملكة العثمانية كلها لا تخرج اليوم أكثر من 14. ألف بالة قطن دع ما يزرع بتلك المياه من البرتقال والليمون والزيتون.
ومعلوم أن الخط الحديدي البغدادي يشق هذا الإقليم طولاً ومرسين متصلة بآذنة بسكة حديدية ثم إن ولاية أطنة اليوم أكثر الولايات العثمانية استعمالاً للأدوات الزراعية المستحدثة من حراثة وزراعة وحصاده ودراسة فإذا أضيف إلى تلك الأسباب تعليم ألفلاح طرق استثمار أرضه بالطرق الحديثة وتسميدها بحسب طبائعها بالسماد الكيماوي والطبيعي وكثرت السكان هناك بمن ينزلها من المهاجرين الذين تأتي بهم الحكومة من بلاد الروم ايلي وتكون قد جفت المستنقعات وأمنت تلك البلاد من وطأة الحميات المهلكات تصبح أطنة مصراً ثانية وأخت العراق.
لا جرم أن أغوار الشام وسهول كيليكيا والعراق تخرج أجود الأقطان التي تفوق قطن مصر والهند فإذا تم هذا العمل نحمل معامل الغرب على أن تبتاع من حاصلاتنا لمعاملها بعد أن نعمل من قطننا ما يلزم للحياكة والنسج. بلاد كلها خيرات لا تحتاج إلا إلى اليد العاملة والعقول المدبرة وبقليل من المال يتيسر إصلاح زراعتها بحيث تكفي ملايين من البشر حتى يعيشوا براحة وهناء وكانت في القرون الحديثة بؤرة ألفتن والخلل تتنازعها العوامل المنوعة فهل تكون في هذا القرن الحديث دار سلام ومعهد خصب ورفاهة عيش وهذا ما نرجوه بفضل الناهضين للإصلاح من رجال الدولة العلية.