انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 94/الخطابة عند العرب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 94/الخطابة عند العرب

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 11 - 1914



تابع لما في الجزأين التاسع والعاشر

(1.) خطباء الجاهلية والإسلام

قال الجاحظ: كان التدبير في أسماء الخطباء وحالاتهم وأوصافهم أن نذكر أسماء الجاهلية على مراتبهم. وأسماء أهل الإسلام على منازلهم ونجعل لكل قبيلة منهم خطباء ونقسّم أمورهم باباً باباً على حدته ونقدم من قدمه الله عز وجل ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم في النسب وفضله في الحسب ولكني لما عجزت عن نظمه وتنضيده تكلفت ذكرهم في الجملة.

في الخطباء من يكون شاعراً ويكون إذا تحدث أو وصف أو احتج بليغاً مفوهاً بيناً وربما كان خطيباً فقط وشاعراً فقط وبين اللسان فقط ومن الشعراء الخطباء الأنبياء الحكماء قس بن ساعدة الأيادي والخطباء كثير والشعراء أكثر منهم. ومن يجمع الخطابة والشعر قليل ومنهم عمرو بن الأهتم المنقري وهو المكحل. ومن الخطباء الشعراء البعيث المجاشّعي واسمه خدّاش بن بشر بن لبد. ومن الخطباء الطّرماح بن حكيم الطائي وكنيته أبو نفر. ومنهم عمران بن حطّان وكنيته أبو شهاب رئيس القعدة من الصغّرية وصاحب فتياهم ومقرهم عند اختلافهم ومنهم دغفل بن حنّظلة النسابة الخطيب العلاّمة. ومنهم القعقاع بن شور. ومنهم نصر بن سيار أحد بني ليث بن بكر صاحب خراسان. ومنهم زيد بن جندب الأيادي وعجلان بن سحبان الباهلي وهو سحبان وائل وخطيب العرب.

ومن الشعراء العلماء أعشى همدان ومن الشعراء الخطباء عمران بن عصام العرني ومن خطباء الأمصار وشعرائهم والمولدين منهم بشار الأعمى وهو بشار بن برد وكنيته أبو معاذ. ومن الخطباء الشعراء ومن يؤلف الكلام الجليل ويصنع المناقلات الحسان ويؤلف الشعر والقصائد الشريفة مع بيان عجيب ورواية كثيرة وحسن دل وإشارة عيسى بن دأب أحد بني ليث بن وكنيته أبو الوليد. ومن الخطباء الشعراء ممن كان يجمع الخطبة والشعر الجيد والرسائل ألفاخرة مع البيان الحسن كلثوم بن عمر والعتابي وكنيته أبو عمرو. وممن جمع الشعر والخطب والرسائل الطوال والقصار والكتب الكبار المجلدة والسير الحسن المولدة والأخبار المدونة سهل بن هرون بن راهييوني الكاتب صاحب كتاب ثعلة وعف في معارضة كليلة ودمنة وكتاب الأخوان وكتاب المسائل وكتاب المخزومي والهذلية وغير ذلك من الكتب ومن الخطباء الشعراء علي بن إبراهيم بن جبلة بن مخرمة ولا أعلمه يكنى إلا أبا الحسن.

ذكر الجاحظ ثمامة بن أشرس فقال: ما علمت أنه كان في زمانه قروي ولا بلدي بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف. ولا من سهولة المخرج مع السلامة من التكلف ما كان بلغه وكان لفظه في وزن إشارته. ومعناه في طبقة لفظه ولم يكن لفظه إلى بأسرع من معناه إلى قلبك. قال بعض الكتاب: معاني الظاهرة في ألفاظه الواضحة في مخارج كلامه. كما وصف الخريمي شعر نفسه في مديح أبي دلف حيث يقول:

له كلم فيك معقولة ... إزاء القلوب كركب وقوف

كان ألفضل بن عيسى الرقاشي من أخطب الناس وكان متكلماً وكان قاضياً مجيداً وكان يجلس إليه عمرو بن عبيد وهشام بن حسام وأبان بن أبي عباس وكثير من ألفقهاء وهو رئيس ألفضيلة وإليه ينسبون. وكان يزيد بن أبان عم ألفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي من أصحاب أنس والحسن كان يتكلم في مجلس الحسن وكان زاهداً عائداً وعالماً فاضلاً وكان خطيباً وكان قاضياً مجيداً. قال أبو عبيدة: وكان أبوهم خطيباً وكذلك جدهم. وكانوا خطباء الأكاسرة فلما سبوا وولد لهم الأولاد في بلاد الإسلام وفي جزيرة العرب نزعهم ذلك العرق فقاموا في أهل هذه اللُغة كمقامهم في أهل تلك اللُغة وفيهم شعر وخطب وما زالوا كذلك حتى أصهر الغرباء إليهم ففسد ذلك العرق. ودخله الخور. ومن الخطباء زيد بن عالي بن الحسين وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر. وكان شاعراً بيناً وخطيباً لسناً. ومن أهل الدهاء والنكراء. ومن أهل اللسن واللقن. والجواب العجيب والكلام الصحيح. والأمثال السائرة والمخارج العجيبة هند بنت الحسن وهي الزرقاء وجمعة بنت حابس.

ومن الخطباء خالد بن سلمة المخزومي من قريش. وأبو ماضر وسالم وقد تكلم عند الخلفاء. ومن خطباء بني أسيد الحكم بن زيد بن عمّير وقد رأس. ومن أهل اللسن منهم البيان الحجاج بن عمّير بن زيد.

ومن الخطباء سعيد بن العاصي بن سعيد العاصي بن أمية قيل لسعيد بن المسيب من أبلغ الناس: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقيل له: ليس من هذا نسألك قال: معاوية وابنه وسعيد وابنه وما كان ابن الزبير بدونهم ولكن لم يكن لكلامه طلاوة مقبولة. فمن العجب أن ابن الزبير ملأ دفاتر العلماء كلاماً وهم لا يحفظون لسعيد بن العاصي وابنه العاصي من الكلام إلا ما له بال.

ومن الخطباء عمرو بن سعيد وهو الأشدق وسعيد بن عمرو بن سعيد وكان ناسباً خطيباً وأعظم الناس كبراً وهو خطيب ابن خطيب. ومن الخطباء سهيل بن عمرو الأعلم أحد بني حسل بن معيص. ومن الخطباء عبد الله بن عروة ابن الزبير قالوا وكان صفوان يشبه به وما علمت أنه كان في الخطباء أحد أجود خطباً من خالد بن صفوان وشبيب بن شبيبة الذي يحفظ الناس ويدور على ألسنتهم من كلامهما وما علمنا أن أحداً ولد لهما حرفاً واحداً.

ومن النسابين العلماء عتبة بن عمرو بن عبد الرحمن الحارث بن هشام وكان من ذوي الرأي والدهاء وكان ذا منزلة من الحجاج بن يوسف وعمرو بن الرحمن خامس خمسة في الشرف وكان هو الساعي بين الأزد وتميم في الصلح. ومن بني الحرقوس شعبة بن القلعم. وكان ذا لسان وجواب عارضة وكان وصافاً فصيحاً

. وبنوه عبد الله وعمرو وخالد كلهم كانوا في هذه الصنعة غير أن خالداً كان قد جمع بين بلاغة اللسان والعلم والحلاوة والظروف وكان الحجاج لا يصبر عنه.

ومن بني أسيد بن عمرو تميم أبو بكر بن الحكم كان ناسبة راوية شاعراً وكان أحلى الناس لساناً وأحسنهم منطقاً وأكثرهم تصرفاً ومنهم معلل بن خالد أحد بني أنمار بن الهجيم وكان نسابة علامة راوية صدوقاً مقلداً ومنهم من بني العنبر ثم من بني عمرو بن جندب أبو الخنساء عباد بن كسيب وكان شاعراً علامة وراوية نسابة وكانت له حرمة بابي جعفر المنصور ومنهم عمرو بن خولة كان ناسباً خطيباً وراوية فصيحاً من ولد سعيد بن العاصي والذي أتى سعيد بن المسبب ليعلمه النسب ومن خزاعة بن مازن أبو عمرو بن العلاء وأخوه أبو سفيان ومنهم أبو نوفل بن أبي عقرب كان نائباً خطيباً فصيحاً وهو رجل من كنانة أحد بني عريج ومن بني كنانة ثم من بني ليث ثم من بني الشداخ يزيد بن بكر بن دلب وكان يزيد عالماً ناسباً وراوية شاعراً. وولد يزيد بن يحيى وعيسى وهو الذي يعرف في العامة بابن داب وكان من أحسن الناس حديثاًَََ وبياناً وكان شاعراً راوية وصاحب رسائل وخطب وكان يجيدها جداً.

وكان أبو الأسود الديلي وأسمه ظالم بن عمر، وبن جندل ابن سفيان خطيباً عالماً وكان قد جمع شدة العقل. وصواب الرأي. وجودة اللسان وقول الشعر والظرف ومنهم زياد بن ظبيان التميمي العاشي وكذلك ابنه عبيد الله كان أفتك الناس وأخطب الناس. ومنهم صعصعة بن صوحان من خطباء الخوارج وعبيد الله بن زياد ويضرب به المثل. وكان عثمان بن عروة أخطب الناس وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيباً شاعراً، وفصيحاً جامعاً، وجيه الرأي كثير الأدب، وكان أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء.

ومن خطباء قريش خالد بن مسلمة المخزومي وهو ذو الشفة ومن خطباء العرب عطارد بن حاجب بن زرارة وهو كان الخطيب عند النبي . ومن الخطباء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان مع ذلك راوية ناسباً شاعراً. وكان الجارود بن أبي سبرة ويكنى أبا نوفل من أبين الناس وأحسنهم حديثاً وكان راوية علامة شاعراً مغلقاً. ومن الخطباء الذين لا يضاهون ولا يجارون عبد الله بن عباس ذكره حسان بن ثابت فقال:

إذا قال لم يترك مقالاً لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فضلاً

كفى وشفى ما في النفوس ولم يدع ... لذي أربة في القول جداً ولا هزلا

سموت إلى العليا بغير مشقة ... فنلت ذرها لا دنيا ولا وغلا

ومن خطباء بني هاشم أيضاً داود بن علي وكان يكنى أبا سليمان. وكان أنطق الناس وأجودهم ارتجالاً واقتضاباً لقول ويقال أنه لم يتقدم في تحبير خطبة قط وله كلام كثير معروف محفوظ. ومنهم عبد الله بن الحسن. ومن خطباء بني هاشم ثم من ولد جعفر بن سليمان سليمان بن جعفر والي مكة قال المكي: سمعت مشايخنا من أهل مكة يقولون انه لم يرد عليهم أمير منذ عقلوا الكلام غلا وسليمان لبين منه قاعداًن وأخطب منه قائماً. وكان داود بن جعفر إذا خطب استحقر ومضى مسرعاً فلم يرده شيء وكان في لسانه شبيه بالرثة وكان أيوب فوق داود في الكلام والبيان ولم يكن له مقامات داود في الخطب. وكان إسماعيل بن جعفر من أدق الناس لساناً، وأحسنهم بياناً. ومن خطباء بني هاشم جعفر بن الحسين بن علي وكان أحد من ينازع زيداً في الوصية فكان الناس يجتمعون ليسمعوا مجاوبتها فقط وجماعة من ولد العباس في عصر واحد لم يكن لهم نظراء في أصالة الرأي، وفي الكمال والجلالة وفي العلم بقريش والدولة، ولأقدار الرفيعة، وكانوا فوق الخطباء، وفوق أصحاب الأخبار، وكانوا يجلون من هذه الأسماء، إلا أن يصف الواصف بعضهم ببعض ذلك. منهم عبد الله بن صالح والعباس بن محمد واسحق بن عيسى واسحق بن سليمان وأيوب بن جعفر هؤلاء كانوا أعلم بقريش وبالدولة وبرجال الدعوة من المعروفين برواية الأخبار. وكان عبد الله بن علي وداود بن علي يعدلان بأمة من الأمم. ومن مواليهم إبراهيم ونصر ابنا السندي فأما بصر فكان صاحب أخبار وأحاديث وكان لا يعد، وحديث ابن الكلبي والهيثم. وأما إبراهيم فأنه كان رجلاً لا نظير له وكان خطيباً، وكان ناسباً، وكان فقيهاً، وكان نحوياً عروضياً، وحافظاً للحديث راوية للشعر شاعراً، وكان فخم الألفاظ، شريف المعاني.

ومن خطباء تميم جحدب وكان خطيباً راوية ومن ولد المنذر عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن المنذر وكان فقيهاً عالماً قاضياً، وكان راوية شاعراً، وكان خطيباً ناسباً، وكان حاضر الجواب مفوهاً، وكان لاجتماع هذه الخصال فيه يشبه بعامر الشعبي وكان يكنى أبا شبرمة. ومن الخطباء المشهروين في العوام والمقدمين في الخواص خالد بن صفوان الأهتمي. ومن خطباء بني ضبة حنظلة بن ضرار وقد أدرك الإسلام وطال عمره حتى أدرك وقعة الجمل ومن خطباء بني ضبة وعلمائهم مشجور ابن فيلان ابن خرشة وكان مقدماً في المنطق.

ومن خطباء الخوارج قطري بن الفجاءة وله خطبة طويلة مشهورة وكلام كثير محفوظ. ومن خطباء الخوارج ابن صديقة وهو القاسم بن عبد الرحمن بن صديقة وكان صغرياً خطيباً ناسباً ويشوبه ببعض الظرف والهزل ومن علماء الخوارج شبيل بن غرزة الصنبعي صاحب الغريب وكان راوية خطيباً وشاعراً ناسباً. ومن الخطباء المذكورين روح ابن زنباع والحجاج بن يوسف. ومن خطباء الخوارج وعلمائهم عمران بن حطان ومن علمائهم حبيب بن خدرة الهلالي. ومنهم المقعطل قاضي عسكر الأزارقة أيام قطري. ومنهم عبيدة بن هلال اليشكري ومنهم الضحاك بن قيس ونمهم نصر بن فلحان.

ومن الخطباء معبد بن طوق العنبري. ومن خطباء عبد القيس مصقلة بن رقبة ابن مصقلة وكرب بن رقبة. ومن الخطباء قيس بن خارجة. وكان أبو عمار الطائي خطيب مذبح كلها. ومن الخطباء أيوب القرية. ومن خطباء غطفان في الجاهلية خويلد بن عمر والعشراء بن جابر بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة وخويلد خطيب بوم ألفجار. ومن الخطباء الوضاح بن خشيمة ومن أصحاب الأخبار والنسب والخطب والحكام عند أصحاب النفورات نبو الكوأ. ومن الخطباء القدماء كعب بن لؤي وكان يخطب العرب عامة ويحض كنانة خاصة على البر فلما مات اكبروا موته فلم نزل كنانة تؤرخ بموت كعب بن لؤي إلى عام ألفيل.

ومن الخطباء الأنبياء العلماء الذين جروا من الخطبة على إعراق قديمة شبيب بن شبيبة قال أبو الحسن: كان أبو بكر خطيباً. وكان عمر خطيباً. وكان عثمان خطيباً. وكان علي خطيباً. وكان من الخطباء معاوية ويزيد وعبد الملك ومعاوية بن يزيد ومروان وسليمان بن الوليد ووليد بن يزيد والوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز. ومن خطباء بني هاشم زيد بن علي وعبد الله بن حسن وعبد الله بن معاوية خطباء لا يجارون. ومن خطباء النساك والعباد الحسن بن أبي الحسن البصري. ومطرف بن عبد الله الحرشي، ومورق العجلي، وبكر بن عبد الله المزني، ومحمد بن واسع الأزدي، ويزيد بن أبان الرقاشي، ومالك بن دينار السامي. وليس الأمر كما قال في هؤلاء القاص المجيد والواعظ البليغ وذو المنطق الوجيز فأما الخطب فأنا لا نعلم أحداً يتقدم الحسن البصري فيها وهؤلاء وإن لم يسموا خطباء فأن الخطيب لم يشق غبارهم. ومن الخطباء من بني عبد الله بن غطفان أبو البلا وكان راوية ناسباً. ومنهم هاشم بن عبد الأعلى الفزاري. ومن الخطباء حفص بن معاوية الغلابي. ومن بني هلال بن عامر زرعة بن ضمرة وكان ابنه النعمان بن زرعة بن ضمرة من أخطب الناس. ومن الخطباء عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي. ومن خطباء بني تميم عمرو ابن الأهتم وكان يدعى المكحل لجماله لم يكن في بادية العرب في زمانه أخطب منه ومن بني منقر عبد الله بن الأهتم وكان خطيباً ذا مقامات ووفادات. ومنهم صفوان بن عبد الله بن الأهتم وكان خطيباً رئيساً وابنه خالد بن صفوان. ومنهم عبد الله بن الأهتم وقد ولي خراسان ووفد على الخلفاء وخطب عند الملوك ومن ولده شبيب بن عبد الله بن الأهتم وعبد الله بن عبد الله ابن الأهتم وخاقان بن الأهتم. ومن خطبائهم محمد الأحول بن خاقان وكان أخطب بني تميم. ومن خطبائهم معمر بن خاقان. ومن مؤمل بن خاقان ومن خطبائهم خاقان بني صريم ابن الحارث الخرج بن الصدى. ومن خطباء بني تميم ثم من مقاعس عمارة بن أبي سليمان. ومن ولد مالك بن سعيد عبد الله والعباس ابنا رؤبة. وكان العباس علامة عالماً ناسباً راوية وكان عبد الله أرجز الناس أفصحهم وكان يكنى أنا الشعثاء وهو العجاج. ومن خطباء هذيل أبو المليح الهزلي أسامة بن عمير. ومنهم أبو بكر الهزلي كان خطيباً قاصاً وعالماً بيناً وعالماً بالأخبار والآثار.

ومن خطباء عمان مرة بن فهم التليد. ومن العتبك بشر بن المغبرة بن أبي صغرة ومن خطباء اليمن ثم من حمير الصباح بن ثقي الحميري كان أخطب العرب. ومنهم ثم من الأنصار قيس بن الثماس. منهم ثابت بن قيس بن الثماس خطيب النبي. ومنهم روح بن زنباع. ومن خطبائهم الأسود بن الكذاب كعب العنسي. وكان طليحة خطيباً وشاعراً وشجاعاً وكاهناً وناسباً. ومن خطباء الأنصار سعد بن الربيع. ومن القدماء في الحكمة والخطابة والرياسة عبيد بن شربة الجرهمي وأسقف نجران وأكيدر صاحب دومة الجندل وأفيعى نجران وذرب بن حوط وعليم بن مناب وعمرو بن ربيعة وهو الحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا، وجذيمة بن مالك الأبرش. ومن القدماء ممن كان يذكر بالقدر والرياسة والبيان والخطابة والحكمة والدهاء والنكراء لقمان بن عاد لقيم بن لقمان ومجاشع بن دارم وسليط بن كعب بن يربوع سموه بذلك لسلاطة لسانه ولؤي بن غالب وقس بن ساعدة وقصي بن كلاب. ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيغي وربيعة بن حذر وهرم بن قطبة وعامر بن الظرف ولبد بن ربيعة.

ومن النساك والزهاد من أهل البيان عامر بن عبد قيس وصلة بن أشيم وعثمان ابن أدهم وصفوان بن محرز والأسود بن كلثوم والربيع بن خيثم وعمرو بن عتبة بن فرقد وهرم بن حيان ومورق العجلي وبكر بن عبد الله بن الشخير الحرشي ومالك بن دينار وحبيب أبو محمد ويزيد الرقشي وصالح المزي وأبو حازم الأعرج وزياد مولى عيّاش بن أبي ربيعة وعبد الواحد بن زيد وحيان أبو الأسود ودهثم أبو العلا.

ومن النساء رابعة التيسية ومعاذة العدوية امرأة صلة بن أشيم وأم الدرداء ومن نساء الخوارج البلحاء وغزالة وقطام وحمادة وكحيلة ومن نساء الغالية ليلى الناعطية والصدوق وهند. وأبو الوليد الحكم الكندي ومحمد بن محمد الحمراني وكلاب وكليب وهاشم الأوقص وأبو هاشم الصوفي وصالح بن عبد الجليل والخطفي وهو جد جرير بن عطية بن الخطفي وهو حذيفة بن بدر بن سلمة.

ومن القصاص أبو بكر الهزلي وهو عبد الله بن أبي سليمان كان خطيباً بيناً صاحب أخبار وآثار وقص ابنه مطرف بن عبد الله بن الشخير في مكان أبيه. ومن كبار القصاص ثم من هذيل مسلم بن جندب وعبد الله بن عرادة بن عبد الله بن الوضين. ومن القصاص موسى بن الأسواري وكان من أعاجيب الدنيا كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية وكان يجلس في مجلسه المشهور به فيقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية ثم يحول وجهه إلى ألفرس فيفسرها لهم بالفارسية فلا يدري بأي لسان هو أبين واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منها الضيم على صاحبتها إلا ما ذكروا من لسان موسى بن سيار الأسواري.

قال أبو عثمان: وشأن عبد القيس عجب وذلك أنهم بعد محاربة إياد تفرقوا فرقتين فرقة وقعت بعمان وشق عمان وفيهم خطباء العرب وفرقة وقعت إلى البحرين وشق البحرين وهم من أشعر قبيلة في العرب ولم يكونا كذلك حين كانوا في سرة البادية وفي معدن معدن ألفصاحة وهذا عجب ومن خطبائهم المشهورين صعصعة بن صوحان وزيد بن صوحان وشيخان بن صوحان ومنهم صحار بن عياش وصحار من شيعة عثمان وصوحان من شيعة علي ومنهم مصقلة بن رقبة ورقبة بن مصقلة وكرب بن رقبة.

نقل ابن النديم من خط ابن مقلة أسماء الخطباء فإذا هم: أمر المؤمنين علي عليه السلام طلحة بن عبيد الله، خالد واسماعيل ابنا عبد الله القسري، عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب، جرير بن يزيد بن خالد، يزيد بن عبد الله بن خالد، خالد بن صفوان، عبد الله بن الأهتم، صعصعة بن صوحان، بن القرية، محمد بن قيس الخطيب، زياد بن أبي سفيان، قطري بن الفجاءة، الوليد بن يزيد، أبو جعفر المنصور، المأمون، شبيب بن شبيبة، العباس بن الحسن العلوي، محمد بن خالد بن عبد الله القسري وعبد الله ابنه، شعبة بن عقال.

(11) من خطب البلغاء

قال أبو جعفر النحاس: أن حفظ خطب البلغاء والتفنن في أساليب الخطباء من آكد ما يحتاج إليه الكاتب وذلك أن الخطب من مستودعات سر البلاغة ومجامع الخطب بها تفاخرت العرب في مشاهدهم وبها نطقت الخلفاء الأمراء على منابرهم بها يتميز الكلام وبها يخاطب الخاص والعام وعلى منوال الخطابة نسجت الكتابة وعلى طريق الخطباء مشت الكتّاب. قال أبو الهلال العسكري: الرسائل والخطب متشاكلتان في أهما كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية وقد يتشاكلتان أيضاً من جهة الألفاظ والفواصل فألفاظ الخطب تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة وكذلك فواصل الخطب مثل فواصل الرسائل والفرق بينهما أن الخطبة يشافه بها بخلاف الرسالة والرسالة تجعل خطبة والخطبة تجعل رسالة في أيسر كلفة لها.

وعلى هذا رأينا أن ننقل هنا نموذجاً من خطب الرسول وأصحابه وبلغاء الخطباء جاهليةً وإسلاماً ونحن نوصي القارئ أن لا يغفل خصوصاً عن خطب علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه فأن نهج البلاغة أكبر نهج للخطيب والكاتب يستقيان منه مادة عقل وعلم وأدب وبلاغة وسياسة وإدارة ونحن نضمن لما كان له طبع شفاف إذا استظهر نهج البلاغة وتفطن لما فيه من النكات العلمية معتمداً مثلاً على شرح أبي الحديد المطول وتمرن في أساليب الخطابة على مناحي البلغاء والعرب المستعربة والعاربة والعرباء يوشك أن يكون من لغة هذا الشأن في هذا العصر أيضاً فإن كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه لا تبلى ديباجته وجدته، وكلما كرر حلاً، ومهما تأملته علا، ففي كلامه عبقة من النور الآلهي، ونفحة من الروح النبوي، ولو لم يكن للسان العرب غير خطب الخليفة الرابع، لكان كافياً في شرفه وبيانه، أن يجر على لغات الشرق والغرب ذيول ألفخر والمباهاة.

خطبة رسول الله في حجة الوداع

أن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته واستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم أني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد علمي هذا في موقفي هذا. أيها الناس أن دمائكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت أللهم أشهد فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها. وأن ربا الجاهلية موضوع وأن أول ربا بدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب. وأن دماء الجاهلية موضوعة وأن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب. وأن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية.

والعمدقود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.

أيها الناس أن الشيطان قد يش أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس أنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحقرونه عاماً ليواطنوا عدة ما حرم الله. وأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وأن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله الموات والأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان ألا هل بلغت أللهم أشهد. أيها الناس أن لنسائكم عليكم حقاً وأن لكم عليهن حقاً لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرّح فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالعمروف وأنما النساء عندكم عون لا يملكن لأنفسهم شيئاً أخذ تموهن بأمانة الله وأستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في الناس واستوصوا بهن خيراً ألا هل بلغت ألله أشهد. أيها الناس إنما المؤمنين أخوة فلا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ألا هل بلغت أللهم أشهد فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فأني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لم تضلوا بعده كتاب الله وأهل بيتي ألا هل بلغت أللهم أشهد. أيها الناس أن ربكم واحد وأن أباكم واحد كلكم لآدم آدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب أيها الناس أن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من دعي إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فغليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نموذج من خطبة الوفود

لما فتح رسول الله مكة وفدت وفود العرب على حضرته الشريفة فقدم وفد بني تميم في جملة من وفد مع حاجب بن زرارة بن عدس وفيهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم والحتات ومعتمر بن زيد في وفد عظيم ومعهم عييتة بن حصن الفزاري فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله أن أخرج إلينا محمد فآذى ذلك رسول الله وخرج إليهم فقالوا جئنا نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا فأذن لهم فقام عطارد فقال: الحمد لله الذي له علينا ألفضل الذي جعلنا ملوكاً ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم عدداً فمن يفاخرنا فليعدد مثل عددنا فقال رسول الله لثابت بن قيس: أجب الرجل فقام ثابت فقال: الحمد لله الذي له السموات والأرض خلقة قضى فيهن بما أمره ووسع كرسيه عليه ولم يكن شيء قط إلا من فضله ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمهم نسباً وأصدقهم حديثاً وأفضلهم حسباً فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله تعالى من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس نسباً وأحسن الناس وجوهاً وخير الناس فعالاً ثم كان أول الخلق استجابة لله حين دعاه نحن فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن كفر جاهدناه في الله أبداً وكان قتله علينا يسيراً والسلام عليكم. فقالوا يا رسول الله ائذن لشاعرنا فأذن له فقام الزبرقان بن بدر فقال:

نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا ... منا الملوك وفينا تنصب البيع

وكم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب وفضل العرب يتبع

ونحن يطعم عند القحط مطعمنا ... من الشواء إذا لم ي} نس القرع

نما ترى الناس تأتينا سراتهم ... من كل أرض هوياً ثم نصطنع

فننحر الكوم غبطاً في أرومتنا ... للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا

فلا ترانا إلى حي نفاخرهم ... إلا استقادوا وكان الرأس ينقطع

إنا أبينا ولم يأب لنا أحد ... إنا كذلك عند ألفخر نرتفع

فمن يفاخرنا في ذاك يعرفنا ... فيرجع القول والأخبار تستمع

قال وكان حسان بن ثابت غائبا فدعاه رسول الله ليجيب شاعرهم قال حسان فلما سمعت قوله قلت على نحوه إن الذوائب من فخر وأخونهم ... قد بينوا سنة للناس تتبع

قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا التفع في أشياعهم نفعوا

يرضى بها كل من كانت سريرتهم ... تقوى الإله وكل البر يصطنع

سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع

إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لا دنى سبقهم تبع

لايرقع الناس ماأوهت أكفهم ... عند الدفاع ولا يوهون مارقعوا

إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم ... أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا

أعفة ذكرت في الحي عقتهم ... لا يطمعون ولا يزري بهم طمع

لا يبخلون على جار بفضلهم ... ولا يمسهم من مطمع طبع

إذا نصبنا لحي لم ندب لهم ... كما يدب إلى الوحشية الزرع

كأنهم في الوغى والموت مكتنع ... أسد ببيشة في أرساغها فدع

أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفرقت الأهواء والشيع

فإنهم أفضل الأحياء كلهم ... إن جد بالناس جد القول أو سمعوا

فلما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس إن هذا الرجل لأوتي له خطيبهم أخطب من خطيبنا وشاعرهم أشعر من شاعرنا ثم أسلموا وأجارهم رسول الله وفيهم أنزل الله تعالى إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون - انتهى عن الكامل لابن الأثير

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد اختلف الأنصار والمهاجرون في يوم السقيفة: (إن الله قد بعث فينا رسولا شهيدا على أمته ليعبدوه ويوحدوه وهم يعبدون من دون الله آلهة شتى من حجر وخشب عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم وتكذيبهم إياه وكل الناس لهم مخالف زار عليهم فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم فهم أول من عبد الله في هزه الأرض وآمن بالله وبالرسول وهم أوليائه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده لاينازعهم إلا ظالم وأنتم يامعشر الأنصار من لاينكر فضلهم في الدين ولاسابقتهم في الإسلام رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله وجعل غليكم هجرته فليس بعد الأولين المهاجرين عندنا بمنزلتكم نحن الأمراء وأنتم الوزراء لاتفاتون بمشورة ولاتقضى دونك الأمور).

فرد عليه حباب بن المنذر قائلاً: يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في ظلكم ولن يجترئ مجترى على خلافهم ولا يصدروا إلا عن رأيكم أنتم أهل العز وأولوا العدد والمنعة وذو البأس وإنما ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنكم أمير.

فأجابه عمر رضي الله عنه قائلاً: هيهات لا يجتمع اثنان والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبينا من غيركم ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ولنا بذلك الحجة الظاهرة من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته.

فأجابه حباب قائلاً: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبو عليكم فاجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فأنه بآسيافكم وأن الناس لهذا أدين أنا جذيلها المحك وعذيقها المرحب أنا أبو شبل في عرينة الأسد والله لئن شئتم لنعيدها جذعة.

وقال أبو بكر في هذا الموقف أيضاً من رواية أخرى:

يا معشر الأنصار لو شئتم أن تقولوا أنا آويناكم في ظلالنا وشاطرناكم في أموالنا لقلتم فنحن وأنتم كما قال طفيل الغنوي:

جزى الله عنا جعفراً حين ازلفت ... بنا نعلنا في الواطنين فزلت

أبوا أن يملوها ولو أن أمنا ... تلاقي الذي يلقون منا مللت

هم أسكنونا في ظلال بيوتهم ... ظلال بيوت ادفأت وأظلت

يا معشر الأنصار أن العرب لا تدين لهذا الحي من قريش فلا تنفسوا على أخوانكم المهاجرين ما منحهم الله من فضله.

إلى آخر ما ورد في هذا المقام على اختلاف الروايات فيه عند المؤرخين وكذلك ينسى الإسلام للخطابة صنيعها يوم اليرموك إذ خرج المسلمون متساندين فخطبهم خالد بن الوليد رضي الله عنه قائلاً: هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه ألفخر والبغي اخلصوا جهادكم وأرضوا الله بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده ولا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبية وأنتم متساندون. فأمروه عليهم ونبذوا التساند ظهراً فأنزل الله عليهم نصره وأيديهم بروح منه وهو ولي المؤمنين.

من خطب أكثم بن صيفي بني تميم:

يا بني تميم لا يفوتكم وعظي أن فاتكم الدهر بنفسي أن بين حيزومي وصدري لكلاماً لا أجد له مواقع إلا سماعكم ولا مقار إلا قلوبكم فتلقوه بإسماع مصغية وقلب واعية تحمدوا مغبته الهوى يقظان والعقل راقد والشهوات مطلقة والحزم معقول والنفس مهملة والرؤية مقيدة ولم يعدم المشار مرشداً والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل ومن سمّع سمع به ومصارع الرجال تحت بروق الطمع من سلك الجد أمن العثار ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه ويشغل فكره ولا نجاوز مضرته نفسه يا بني تميم الصبر على جرح الحلم أعذب من جنى ثمر الندامة ومن جعل عرضه دون مال استهدف للذم وكلم اللسان أنكى من كلم البيان والكلمة مرهونة ما لم تخرج من ألفم فإذا نجمت فهي أسد محرب أو نار تلهب ورأي الناصح دليل لا يجوز ونفاذ الرأي في الحرب أجدى من الطعن والضرب

ولما دعا النبي بمكة إلى الإسلام أرسل أكثم ابنه حبشياً فأتاه بجبره فجمع بني تميم وقال:

يا بني تميم لا تحضروني سفيهاً فإن من يسمع يخل أن السفيه يوهن من فوقه ويثبت من دمنه لا خير فيمن لا عقل له كبرت سني ودخلتني زلة فإذا رأيتم مني حسناَ فأقبله وأن رأيتم مني غير ذلك فقوموني استقم أن ابني شافه هذا الرجل مشافهة وأتاني بخبره وكتابه يأمر فيه المعروف وينهى عن المنكر ويأخذ بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله تعالى وخلع الأوثان وترك الحلف بالنيران وقد عرف ذو الرأي منكم أن ألفضل فيما يدعو إليه وأن الرأي ترك ما ينهى عنه أن أحق الناس بمعونة محمد ومساعدته على أمره أنتم فأن يكن الذي يدعو إليه حقاً فهو لكم دون الناس وأن يكن باطلاً كنتم أحق الناس بالكف عنه والستر عليه وقد كان أسقف نجران يحدث بصفته وسفيان بن مجاشع يحدث به قبله وسمّى ابنه محمداَ في أمره أولاً ولا تكونوا آخراً ائتوا طائعين قبل أن تأتوا كارهين أن الذي يدعو أليه محمد لو لم يكن ديناً لكان في أخلاق الناس حسناً أطيعوني وأتبعوا أمري اسأل لكم أشياء لا تنزع عنكم أبداً وأصبحتم أعز شيء في العرب وأكثرهم عدداً فأني أرى أمراً لا يجتنبه عزيز إلا زل ولا يلزمه ذليل إلا عز أن الأول لم يدع للآخر شيئاً وهذا أمر له ما بعده.

فقال مالك بن نويرة قد خرف شيخكم فقال أكثم ويل للشبحي من الخلي ولهفي على أمر لم أشهده ولم يسبقني. ومن أمثاله السائرة ما قاله في وصيته لبنيه

تباروا فإن البر يبقي عليه العدد، وكفوا ألسنتكم فإن مقتل الرجل بين فكيه، أن أقول الحق لم يدع لي صديقاً، الصدق مناجاة، لا ينفع الوقي مما هو واقع، وفي طلب المعالي يكون العناء، ومن قنع بما هو فيه قرت عينه، التقدم قبل التندم، اصبح عند رأس الأمر أحب إلي من أن أصبح ذنبه، لم يهلك من مالك ما وعظك، ويل لعالم أمر من جاهله، يتشابه الأمر إذا أقبل وإذا أدبر عرفه الكنيس والأحمق، البطر عند الخاء حمق والعجز عند البلاء أفن. ومنها: تباعدوا في اليار تغاربوا في المودة، لا تغضبوا من اليسير فأنه يجني الكثير، لا تجيبوا قيما لم تسألوا عنه، ولا تضحكوا مما لا يضحك منه، نعم لهو الحرة المتزل، حيلة من لا حيلة له الصبر، المكثار كحاطب ليل، من أكثر أسقط، لا تجعلوا سراً إلى أمة. ومن هذا النوع خطبته أمام كسرى وهي:

أن أفضل الأشاء أعاليها وأعلى الرجال ملوكها وأفضل الملوك أعمها نفعاً وخير الأزمة أخصبها وأفضل الخطباء أصدقها والصدق منجاة والكذب مهواة والشر لجاجة والحزم مركب صعب والعجز مركب وطيء الرأي الهوى والعجز مفتاح ألفقر، وخير الأمور الصبر حسن الظن، ورطة وسوء الظن عصمة، اصلاح فساد الرعية خير من اصلاح فساد الراعي، من فسدت بطالته كان كالغاص بالماء شر البلاد بلاد لا أمير بها، شر الملوك من خافة البريء، المرء يعجز لا المحالة أفضل الأولاد البررة خير الأعوان من لم يراء بالنصيحة، أحق الجنود بالنصر من حسنت سيرته، يكفيك من الزاد ما بلغلك المحل، حسبك من سماعه الصمت حكم، وقليل فاعله البلاغة الإيجاز من شدّد نفّر ومن تراخى تألف.

خطبة لقس بن ساعدة الأيادي أسف نجران:

لما قدم وفد أياد على رسول الله قال: أيكم يعرف قس بن ساعدة الأيادي قالوا كلنا نعرفه قال فما فعل قالوا هلك قال يرحم الله قساً أني لأرجو أن يأتي يوم القيامة أمة وحده أني لا أنساه بسوق عكاظ في الشهر الحرام على جمل له أحمر وهو يخطب الناس ويقول:

اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكا ما هو آت آت أن في السماء لخبراً وأن في الأرض لعبراً، سماء تمور ونجوم تغور في فلك يدور ويقسم قس قسماً أن لله ديناً هو أرضى من دينكم هذا مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون ارضوا بالإقامة فأقاموا أم تركوا فناموا. أيكم بروي من شعره. فأنشد بعضهم:

في الذاهبين الأولين ... من القروين لنا بصائر

لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر

لا يرجع الماضي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغر

أيقنت أني لا محا - لة حيث صار القوم صائر

وكان قس يفد على قيسر ويزوره في قصره فسأله يوماً ما أفضل العقل قال: معرفة المرء نفسه قال: فما أفضل العلم قال: وقوف المرء عند علمه قال: فما أفضل الموءة قال: استبقاء الرجل ماء وجهه قال: فما أفضل المال قال: ما قضي به الحقوق.

ومن خطبه في إياد قوله: تباً لأرباب الغفلة والأمم الخالية والقرون الماضية يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين المريض والعواد وأين ألفراعنة الشداد وأين من بني رشيد وزخرف ونجد وأين المال والولد، أين من بغى وطفى وجمع فأوعى وقال: أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول آجالاً طحنهم الدهر بكلكله ومزقهم بطوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله المعبود ليس بوالد ولا مولود.