مجلة المقتبس/العدد 89/المستشرقون ومؤتمرهم
مجلة المقتبس/العدد 89/المستشرقون ومؤتمرهم
الاستشراف أو علم المشرقيات هو كما عرفه لاروس علم من العلوم الحديثة ودائرته الحالية واسعة فإذا نظرنا إلى الألفاظ من حيث مفهومها نرى أن التعبير عن اللغات الشرقية لا يتناول غير اللهجات التي يتكلم بها في شرقي أوربا أي في آسيا وفي جزء من افريقية المتصل باسيا ولكن لفظ الاستشراق بطلق اليوم بتجوز على لغات أمريكا وافريقية الجنوبية والبلاد الشمالية وآدابها وأخلاق سكانها فترى اللغة اليونانية الحديثة واللغة الرومانية والروسية تدرس في مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريز كما تدرس لغات الشرق أي العربية والفارسية والتركية والصينية واليابانية والهندستانية والعبرانية والسريانية والحبشية والقبطية والامحرية بل أن اللغة المجرية نفسها بالنظر لعلاقتها باللغة التركية والمغولية تدرس هناك كما تدرس اللغات الشرقية.
لم يدخل علم الشرقيات في أسلوب علمي إلا في القرن التاسع عشر. وقد كان اليونان واللاتينيون يدعون اللغات الشرقية التي كانوا يعرفونها (كالفارسية والفينيقية وغيرهما) لغة البربر ولذا يهملون دراستها. وشاعت في القرون الوسطى لغتان فقط من لغات الشرق بين العلماء وهما اللغة العبرية التي كانت تعتبر لغة الإنسانية الأصلية واللغة العربية التي كانت مهمة لكثير البشر الذين يتكلمون بها ولشهرة فلاسفة الإسلام أمثال ابن رشد وابن سينا ولذلك أنشئ في باريز منذ أواسط القرن الثالث عشر للميلاد درس عام لتدريس اللغة العربية.
ثم أن المذهب البرتستانتي توخى البحث عن النص الأصلي للتوراة فحمل أشياعه على درس العبرية والكلدانية والسريانية. وأنشأ بعد ذلك البابا غريغوريوس الثالث عشر واوربانوس الثامن دروساً لتعليم اللهجات الشرقية بالعمل ليستفيد منها المبشرون بالنصرانية وفي سنة 1627 أنشئت مدرسة الإيمان. وطفق المبشرون منذ ذاك العهد يأتون بالآثار النفسية لخدمة الدروس الشرقية. ونشر اليسوعيون في القرن الثامن عشر في العالم الغربي مدينة الصين واليابان ولغتيهما. وأنشأ الوزير كولبر في فرنسا مدرسة الشبان لتعليم اللغات قاصداً بها تخرج تراجمة تستخدمهم حكومتهم في الشرق وانشأوا يدرسون اللغة الفارسية والتركية وانتشرت القصص والحكايات الشرقية أمثال قصة ألف ليلة وليلة والرسائل الفارسية وغيرها ثم أن فتح فرنسا وانكلترا للهند قد دعا إلى اكتشاف اللغة السنسكريتية.
وبعد نحو عشرين سنة تأسست طريقة نحو المقابلة فدخل درس اللغات في طور جديد حسن الأساليب وفي الجزء الأخير من القرن الثامن عشر اكتشفت انكتيل دويرون اللغة الزندية والبهلوية وكان من حملة بونابرت على مصر 1798 - 1799 أن بدأ بها دور السياحات العلمية الكبرى التي اشتهر بها القرن التاسع عشر وجيء إلى أوربا من مدينة رشيد في مصر بالحجر المشهور وكان حل خطه مبدأ درس الآثار المصرية وانحلت لغات دثرت منذ ألوف من السنين كاللغة الأشورية. وشرعت الحكومات تتفق على البعثات العلمية وتؤسس دروساً لتعليم تلك الأبحاث واللغات فترى فرنسا تعلم اللغات الشرقية الحية في مدرسة خاصة لذلك كما أن اللغات الشرقية القديمة دروساً في كوليج دي فرانس مدرسة فرنسا وكذلك في مدرسة الدروس العليا وفي الكليات. ومن أعظم العلماء الذين ساعدوا على الاستشراق في القرن التاسع عشر شامبليون في الآثار المصرية واوبرت ولفورمان وراولنسون وهنكس في الآثار الاشورية وبورنوف وجايمس دار مستتر وموللر ولاسن في الآثار الهندية وسانيسلاس جولين في الآثار الصينية.
وكانت رغبة الأوربيين أولاً في تعليم اللغات الشرقية عن باعث ديني فقد قضى مجمع فينا سنة 1311م المقتبس م7ص695 وكان برئاسة كلمنتس الخامس أن تؤسس في باريز واكسفورد وبولون وسلمنكة دروس عربية وعبرانية وكلدانية لتخريج وعاظ وأهل جدل أشداء لتنصير المسلمين واليهود وأنشأ الفرنسيسكانيون والدومينيكانيون من الرهبنات الكبرى في أديارهم دروساً في هذه اللغات فأصبحت ايطاليا مهد حركة نجحت في المشرقيات واخذوا بنوع خاص يدرسون العبرية للتعمق في فهم أسرار التوراة وتنصير اليهود واللغة العربية لتنصير المسلمين يأخذون العبرية عن اعلم العلماء الربانيين والعربية عن أناس من المسلمين أو من السوريين الموارنة أمثال بني السمعاني ومن مدارس ايطاليا نشأ العلماء الأول في اللغات القبطية والحبشية والامحرية ولكن دراسة اللغة العربية بقيت الحاكمة المتحكمة في شبه جزيرة ايطاليا فكان ينظر إلى تعلمها انه من الحاجات الماسة لكل تجار المدن البحرية كالبندقية وجنوه ونابل وبيترا وظلت اللغة العربية في بلاط ملوك تلك الأصقاع لغة العلم العالي والشعر والأدب.
كانت رومية أول مدينة في العالم طبع فيها كتاب عربي عقيب اختراع الطباعة وهو قانون ابن سينا وظلت حركة المشرقيات تختلف ضعفاً وقوة في بلاد الطليان بحسب الحكومات وهم الأفراد والمقصد الأصلي ديني والعلميات بالعرض. وكان لأسرة ميديسيس فضل على الآداب العربية كما لها فضل على الشعر والموسيقى والتصوير والهندسة.
وفي أواسط القرن الثامن عشر لما أخذت أوربا تتحفز لاستعمار الشرق اخذ علماؤها يبحثون في تأليف جمعيات لهذه الغاية فأنشئت جمعية العلوم والفنون في جاوة (1778) والجمعية الآسياوية في البنغال (1784) والجمعية الأسياوية في بومباي (1805) وأنشئت منذ ذاك العهد في أوربا وأمريكا عدة جمعيات للمستشرقين وأقدمها عهداً الجمعية الأسياوية في باريز التي أسست سنة 1822 بمعرفة شيخ المستشرقين من الفرنسيس سلفستردي ساسي وهو أعظم من خدم اللغة العربية من الاوربيين والفرنسيس خاصة وربما كان أعظم مستشرق نبغ ونفع (راجع كتابنا غرائب الغرب ص74) فأنشأت هذه الجمعية المجلة الآسياوية وهي خاصة بلغات الشرق وتاريخه وعلومه وآثاره تصدر مرة كل شهرين فيتألف منها مجلدان كل سنة وقد صدر منها إلى الآن زهاء 180 مجلداً ومن حواها فكأنما حوى أعظم مكتبة في هذه الأبحاث الجليلة.
تخرج في مدرسة اللغات الحية في باريز كثير من مستشرقي الفرنسيس والألمان والطليان والسويسريين وأنشأت معظم عواصم أوربا مدارس على مثالها وان سبقت هولانده فكانت أول من أسس جمعية شرقية في باتافيا كما تقدم سنة 1778 وكانت مطبعة ليدن الشرقية أقدم مطبعة طبعة الأمهات من كتب المشارقة والعرب منهم خاصة وذلك منذ زهاء ثلثمائة سنة.
أنشأ المستشرقون عدة جمعيات في أوربا وأسسوا عدة مطابع شرقية وطبعوا بها ألوفاً من كتب الشرق ولا سيما اللغة العربية فان ما طبع من أمهاتها عندهم هو القسم الهم من كتبنا العلمية والتاريخية والأدبية وما زالت الكتب التي طبعتها مطابع باريز وأكسفورد ولندن وليدن وغوتنغن وليبسيك ورومية ومجريط وغيرها من حواضر العلم والمدنية في أوربا باللغات العربية هي المفخر الذي يحق لمدنية القرن التاسع عشر والعشرين في ديار الغرب أن تباهي به الإعصار والأمصار.
وما برحت أسماء دي ساسي ووستنفيلد وفلوغل وريسك وبروكهار وكارليل وكاترمير ودي سلان وغوليوس وشولتنس وارينيوس وهيستما وشيد ودي بومباي ونيبوهر وزوزاريوو كولونبروك وجنستون وستونتن وفين وسيدليو وكوسان وكوسان دي برسفال وجوبرت وروزنمولر وكلايروت وهانجت ويولس وفراهن ومهران وهماكر وفرنيل ودي لاغرانج ودي فرجه ورينوومونك وبرنيه وكمباريل وبرون وموله وكازميرسكي وفريتاغ وكسغارتن وراك وبرنستين وارنلد ووتستشتين وفتزر وفولف وهاربوكو يورغستال وجونيبول وروردا وفايرس وكورتون وتاسولين وجونس وغوتوالد وكولسون وكريستيانوفتش وخانيكوف وكاينكوس وكودرا وموهل وبلن ودي تاسي وسولي وايفلد وديمانج وشرموا وبوتجانوف وبولديراف وسيانكوفسكي وسافليات وغريغورياف وبافسكي ونفروتسكي وبرايزين وسبنرجر وتورنبرغ وخانكوف ودوزي ووريخت - ما برحت أسماء هؤلاء الرجال تذكر بالحمد ويطلب لها أثواب عملها.
هؤلاء بعض أئمة المستشرقين في القرن التاسع عشر من الألمانيين والنمساويين والهولنديين والفرنسيين والايطاليون والروسيين والانكليز والاسبانيين والدانيمركيين والاسوجين والبولونيين والبلجيكيين والأميركيين ولو جئنا نعدد مشاهيرهم في هذا الربع الأول من القرن العشرين لطال بنا المطال ومن مشاهير شيوخهم بروكلمان وولهاوزن وغويدي وغولد صهير وهوار وبراون ومرجليوث وفمبري وهوتسما وباسمه وزترستين وسكيابارللي وناللينو وهوداس ودارانبرغ ونيكلسون وموسل وسيبولدوهور وفيتزوبيكر وهرتمن وديفو وموتلنسكي ولتمان ولامنس ومسنيون وهوغروني وديكوي واماري وكاركماريك وفولرس وشادوير وارنولدور وسكادامس وجيزوبار تولد ومور تمان ولشاتليه وبوفا وكاباتون وكور وهاليفي وماسبر وشيفر ومكدوبل ودوفال ودي منار وبارت ووسينار وليفي وكازانوفا وروزن وشوفين وشافان ودوسو ومونتيه وسبيرو وشيل وماهفي ودلبروك وكولنيون ودي غوبرناتيس وبزنبرجر ودافيدس وهوبت وكررهن وكايتاني ولامبروز ونافيل واولدنبرغ هؤلاء بعض من أشهر واثارهم من علماء المشرقيات واتوا على الخاطر ساعة كتابة هذه العجالة وهناك مئات منهم المشهور وآخر الحامل وما منهم ومن سبقوهم من الإعلام إلا الذي نشر الآثار النافعة بالعربية أو منقولة من العربية أو عن إحدى اللغات الشرقية وفيهم من نشر عشرات من المصنفات كانت بصحبتها وفهارسها مادة الآداب العربية وخدم بها بلاده أولاً وهذه اللغة الشريفة ثانياً ومنهم من ينشر الكتاب لقدماء مؤلفي العرب بنصه ويعلق عليه حواشي باللاتينية لغة العلماء أو يترجمه إلى اللاتينية وينشره بهذه اللغة فقط ومنهم من يعلق عليه أو يترجمه بلغته كالهولندية والألمانية والانكليزية والافرنسية والايطالية والاسبانية والروسية والسويدية ولمستشرقي كل امة كبرى عدة جمعيات مهمة راقية وأقدمها جمعية باريز وتليها جمعيات ألمانيا والاستشراف أرقى ما يكون في بلاد الجرمان الآن والى علماء المشرقيات منهم ومن الهولنديين يعزى الفضل الأكبر في نشر أهم كتب أجدادنا في العلم والتاريخ والجغرافيا والأدب واللغة والدين. والجرمانيون والهولنديون اقدر الأوربيين على النطق بالعربية وبالنظر لاختصاصهم أو أخصائهم جاء منهم أئمة قل نبوغ أمثالهم في الأمم الأخرى ومجلة المستشرقين الألمانية راقية جداً وتتألف منها مكتبة مهمة بحثت كالمجلة الآسياوية الافرنسية في علوم الشرق وآدابه ولغاته ولم تترك شاردة إلا أحصتها ولا مبحثاً إلا محصته وتجيء بعدها مجلة المستشرقين النمساويين ومجلة المستشرقين الانكليز والطليان وغيرهم من أمم الحضارة والولوع بالمشرقيات.
وقد اعتاد المشتغلون بالمشرقيات منذ سنة 1873 أن يعقدوا مؤتمراً لهم يحضره جلة منهم ويكون مقره في إحدى العواصم المشهورة وتنتدب الحكومات من يمثلها في تلك المؤتمرات فتتلى فيها الخطب المفيدة والمحاضرات التي تنم عن فضل بحث ودروس في لغات الشرق وعلومه وتاريخه واجتماعه ويتنافس أئمة هذا الشأن في هذا السبيل المحمود وكانت الحكومة العثمانية والحكومة المصرية تنتدب أناساً يمثلونها في المؤتمرات التي عقدت حتى الآن وكان بعضهم من العلماء والأدباء.
وقد عقد المؤتمر الأول سنة 1873 في باريز والثاني سنة 1876 في لندن والثالث سنة 1877 في بطرسبرج والرابع سنة 1878 في فلورنسة والخامس سنة 1881 في برلين والسادس سنة 1883 في ليدن والسابع سنة 1886 في فينا والثامن سنة 1889 في استوكهولم والتاسع سنة 1892 في لندرا والعاشر سنة 1894 في جنيف والحادي عشر سنة 1897 في باريز والثاني عشر سنة 1899 في رومية والثالث عشر سنة 1902 في هامبورغ والرابع عشر سنة 1912 في اثينة ويعقد السابع عشر سنة 1915 في أكسفورد وسيكون هذا المؤتمر برئاسة رئيس كلية أكسفورد وعهد برئاسة اللجنة المنظمة إلى الأستاذ مكدونل واللجنة العامة مؤلفة من أساتذة اللغات الشرقية أو من مدارس الدروس الشرقية في كليات ابردين وبريستول وكمبردج ودوبلن واديمبراج وغلاسكو وليفربول ولندرا ومنشستر ووسانت اندري وبلاد الغال في بريطانيا العظمى ومن لجان الجمعيات العلمية الانكليزية مثل الجمعية الأفريقية والجمعية التوراتية الأثرية والجمعية البوذية وجمعية آسيا الوسطى والجمعية الصينية وجمعية آثار مصر والجمعية اليابانية وجمعية الأبحاث الفلسطينية والجمعية الفارسية والجمعية الآسياوية الملكية وغيرها وستبدأ مداولات المؤتمر يوم 13 أيلول 1915 وتنتهي في 18 منه وسيكون أبحاثه في علم التعريف الإنسان والآثار وفي علم الآثار الأشورية وفي آثار آسيا الوسطى والشرق الأقصى ومصر وافريقية والهند واللغات والآداب الإسلامية وفي اللغات السامية وفي آسيا الغريبة وإيران وتكون اللغة التي يجوز هذه وجب عليه أن يطلب الترخيص له بذلك من رئيس اللجنة التي هو احد أعضائها أو يريد التكلم فيها وقيمة الاشتراك بالمؤتمر ليرة انكليزية تدفع سلفاً ويفاوض بكل ما يتعلق بشؤون المؤتمر القادم: ومن يشترك بالمؤتمر يأخذ كتاباً بأعمال رجاله ويحق للأعضاء أن يركبوا البواخر والسكك الحديدية وينزلوا في فنادق معينة بأجور متهاودة حقق الله نيات رجال العلم ونفع بهم على اختلاف الغايات واللغات.