انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 77/مدن العرب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 77/مدن العرب

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 7 - 1912


يظن بعض الجاهلين أو المتجاهلين لحسنات المدنية الإسلامية أن العرب إبان عزهم لم يأتوا شيئاً يذكر في أعمال العمران وأن قصاراهم أن تلقفوا بعض المدن الفارسية واليونانية وتمتعوا بها قرون ثم نقلوها إلى من بعدهم من أمم المدنية الحديثة في الغرب يقول بعضهم أنهم كانوا في فن البناء دون الرومان وأن قصورهم الباقية لا تشهد بتفنن عجيب في الهندسة عَلَى أن الباقي من آثارهم إلى اليوم في الأندلس ومصر والشام والعراق وفارس والهند شاهد أبد الدهر بإبطال دعوى المدعين وما يحيك في صدورهم من الأهواء.

ولقد رأينا بعضهم يتوكأُون في الحط من أدار العرب في العمران عَلَى الفصل الذي عقده ابن خلدون في مقدمته في إن العرب إذا تغلبوا عَلَى الأوطان أسرع إليها الخراب الذي قال في آخره وانظر إلى ما ملكوه وتغلبوا عليه من الأوطان من لدن الخليقة كيف تقوض عمرانه وأقفر سكانه وبدلت الأرض فيه غير الأرض فاليمن قراراهم خراب إلا قليلاً من الأمصار وعمران العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع والشام لهذا العهد كذلك وأفريقية والمغرب لما جاز إليها بنو هلال وبنو سليم منذ أول المائة الخامسة وتمرسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد لحقت بها وعادت بسائطه خراباً كلها بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمراناً تشهد به آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناءِ وشواهد القرى والمداشر.

هذا ما يحتجون به ولو علموا أن مقصد ابن خلدون بالعرب هنا البدو أو البادية أو العربان الرحل كما نسميهم لعهدنا لارتفع كل إشكال وإلا فإن المدن التي مدنها العرب أيام عزهم والأمصار التي مصروها والقرى التي عمروها لا تدخل تحت حصر في كل قطر دخلوه ولو أياماً مما يتيسر لغيرهم من الأمم كالترك مثلاً الذين حكموا الأقطار الواسعة العامرة بطبيعتها ستمائة سنة ولا تكاد تعرف مدينة لهم أسسوها ولا مواتاً أخصبوه ولا ماء أسالوه وشغلهم الشاغل حروب وغزوات هكذا مضوا أيام القوة وهكذا الحال زمن الضعف.

ومن قرأ كتب وصف البلاد تتجلى له مقدار عناية العرب ببناءِ مدنهم خذ لك عَلَى سبيل المثال ما رواه الأقدمون في كيفية بناء سامرا أو سُرَّ من رأى إحدى المن العباسية التي أنشئت عَلَى دجلة عَلَى مسافة ثلاثين فرسخاً من بغداد فقد قالوا أن السفاح أراد أن يبني سامرا فبنى مدينة الأنبار بحذائها وأراد المنصور بعد أن أسس بغداد بناءها فابتدأ بالبناء في البردان ثم بدا له وبنى بغداد وأراد الرشيد بناءها فبنى بحذائها قصراً وهو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ثم بناها المعتصم ونزلها في سنة 221 وكان الرشيد قد حفر نهراً عندها سماه القاطول وأتى الجند وبنى عنده قصراً ثم بنى المعتصم أيضاً هناك قصراً ووهبه لمولاه أشناس فلما ضاقت بغداد عن عساكره وأراد استحداث مدينة كان هذا الموضع عَلَى خاطره فجاءه وبنى عنده سر من رأى بنى داراً وأمر عسكره بمثل ذلك فعمر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد الله وبنى فيها مسجداً جامعاً في طرف الأسواق وأنزل أشناس بمن ضم إليه من القواد كرخ سامرا وهو كرخ فيروز وأقام ابنه الواثق بسامرا حتى مات بها ثم ولي المتوكل فأقام بالهاروني وبنى به أبنية كثيرة وأقطع الناس في ظهر سر من رأى في الحيز الذي كان احتجره المعتصم واتسع الناس بذلك وبنى مسجداً جامعاً فأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذنين فيها وحتى ينظر إليها من فراسخ فجمعوا الناس فيه وتركوا المسجد الأول واشتق من دجلة قناتين شتوية وصيفية تدخلان الجامع وتتخللان شوارع سامرا واشتق نهر آخر وقدره الدخول إلى الحيز فمات قبل أن يتمم وحاول المنتصر تتميمه فلقصر أيامه لم يتمم ثم اختلف الأمر بعده فبطل وكان المتوكل قد أنفق عليه سبعمائة ألف دينار.

ولم يبن أحد من الخلفاء يسر من رأى الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل فمن ذلك القصر المعروف بالعرس أنفق عليه ثلاثين ألف ألف درهم والجعفري المحدث عشرة آلاف ألف درهم والغريب عشرة آلاف ألف درهم والشيدان عشرة آلاف ألف درهم والبرج عشرة آلاف ألف درهم والصبح خمسة آلاف ألف درهم والمليح خمسة آلاف ألف درهم وقصر بستان الإيتاخية عشرة آلاف ألف درهم والتل علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم والجوسق في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم والمسجد الجامع خمسة عشر ألف ألف درهم وبراكون للمعتز عشرين ألف ألف درهم والقصر بالمتوكلية وهو الذي يقال له الماحوزة خمسين ألف ألف درهم والبهو خمسة وعشرين ألف ألف درهم واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم فذلك الجميع مائتا ألف ألف وأربعة وتسعون ألف ألف درهم.

وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصراً أو غيره أمر الشعراء أن يعمل فيه شعر فمن ذلك قول علي بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل: وما زلت أسمع أن الملو ... ك تبني عَلَى قدر أقدارها

وأعلم أن عقول الرجل ... ل تقضي عليها بآثارها

فلما رأينا بناء الإما ... م رأَينا الخلافة في دارها

بدائع لم تراها فارس ... ولا الروم في طول أعمارها

وللروم ما شيد الأولون ... وللفرس آثارهم أحرارها

وكنا نحس لها نخوة ... فطامنت نخوة جبارها

وأنشأت تحتج المسلمين ... عَلَى ملحديها وكفارها

صحون تسافر فيها العيون ... إذا ما تجلت لإبصارها

وقبة ملك كأن النجو ... م تضيء إليها بأسرارها

نظمن الفسافس نظم الحلي ... لعون النساء وأبكارها

ولو أن سليمان أدت له ... شياطينه بعد أحبارها

لا يقن أن بني هاشم ... تقدمها فضل أخطارها

وقال الحسين بن الضحاك:

سر من را أسر من بغداد ... قال عن بعض ذكرها العتاد

حبذا مسرح لها ليس يخلو ... أبداً من طريدة وطراد

ورياض كأنما نشر الزه ... ر عليها محبر الأبراد

وأذكر المشرف المطل من الت ... ل عَلَى الصادرين والوارد

وإذا روح الرعاء فلا تن ... س رواعي فراقد الأولاد

وله فيها وبفضلها عَلَى بغداد:

عَلَى سر من راَء المصيف تحية ... مجللة من مغرم بهواها

إلا هل لمشتاق ببغداد رجعة ... تقرب من ظليلهما وذراها

محلان لقى الله خير عباده ... عزيمة رشد فيهما فاصطفاهما

أفي كل يوم شفت عيني بالقذا ... حرورك حتى رابني ناظراهما

قال ياقوت ولم تزل كل يوم سر من رأى في صلاح وزيادة وعمارة منذ أيام المعتصم والواثق إلى آخر أيام المنتصر بن المتوكل فلما ولي المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالملك والثولية والعزل وانفسدت دولة بني العباس لم تزل سر من رأى في تناقض للاختلاف الواقع في الدولة بسبب العصبية التي كانت بيد أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكلية المعتضد بالله أمير المؤمنين كما ذكرناه في التاج وخربت حتى لم يبق منها إلا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة أن به سرداب القائم المهدي ومحلة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامرا وسائر ذلك الخراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكاً منها فسبحان من لا يزول ولا يحول.

وذكر الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه المسمى بالعزيزي قال وأنا اجترب بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد ما عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلا الأبواب والسقوف فأما حيطانها فكالجدد فما زلنا نسير إلى ما بعد الظهر حتى انتهينا إلى العمارة فيها وهي مقدار قرية يسيرة في وسطها ثم سرنا بعد الغد عَلَى مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناءِ إلى نحو الظهر ولا شك أن طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ.

وكان ابن المعتز مجتازاً بسامرا متأسفاً عليها وله كلام منثور ومنظم في وصفها ولما استدبر أمرها جعلت تنقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمر بها فقال ابن المعتز:

قد أقفرت سر من رأى ... وما لشيءٍ دوام

فالنقض يحمل منها ... كأنها آجام

ماتت كما مات فيل ... تسلُّ منه العظام

وكتب عَلَى وجه حائط من حيطان سامرا الخراب:

حكم الضيوف بهذا الربع أنفذ من ... حكم الخلائف آبائي عَلَى الأمم

فكل ما فيه مبذول لطارقه ... ولا ذمام به إلا عَلَى الحرم

وكتب عبد الله بن المعتز إلى بعض أخوانه يصف سر من رأى ويذكر خرابها ويذم بغداد وأهلها ويفضل سامرا: كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها واقعد جدرانها فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر فكأن عمرانها يطوى وكأن خرابها ينشر وقد وكلت إلى الهجر نواحيها واستحث باقيها إلى فانيها وقد تمزقت بأهلها الديار فما يجب فيها حق جوار فالظاعن فيها ممحو الأثر والمقيم فيها عَلَى طرف سقر نهاره أرجاف وسروره أحلام ليس له زاد فيرحل ولا مرعى فيرتع فحالها تصف للعيون الشكوى وتشير إلى ذم الدنيا بعدما كانت بالمرأى القريب جنة الأرض وقرارة الملك تفيض بالجند أقطارها عليهم أردية السيوف وغلائل الحديد كأن رماحهم قرون الوعول ودروعهم زبد السيول من خيل تأكل الأرض بحوافرها وتمد بالنقع سائرها قد نشرت في وجوهها غرراً كأنها صحائف البرق وأمسكها تحجيل كأسورة اللجين ونوطت عذراً كالشنوف في جيش يتلقف الأعداء أوائله ولم ينهض أواخره وقد صب عليه وقار الصبر وهبت له روائح النصر يصرفه ملك يملأ العين جمالاً والقلوب جلالاً لا تخف مخيلته ولا تنقض مريرته ولا يخطئ بسهم الرأي غرض الصواب ولا يقطع بمطايا اللهو سفر الشباب قابضاً بيد السياسة عَلَى قطار ملك لا ينتشر حبله ولا يتشظى عصاه ولا تطفى جمرته في سن شباب لم يجن مأثماً وشيب لم يراهق هرماً قد فرش مهاد عد له وخفض جناح رحمته راجماً بالعواقب الظنون لا يطيش عن قلب فاضل الحزم بعد العزم ساعياً عَلَى الحق يعمل به عارفاً بالله يقصد إليه مقراً للحلم ويبذله قادراً عَلَى العقاب ويعدل فيه إذ الناس في دهر غافل قد اطمأنت بهم سيرة لينة الحواشي خشنة المرام تطير بها أجنحة السرور ويهب فيها نسيم الحبور فالأطراف عَلَى مسرة والنظر إلى مبرة قبل أن تحث مطايا الغير وتسفر وجوه الحذر ومازال الدهر ملياً بالنوائب طارقاً بالعجائب يؤمن يومه ويغدر غده عَلَى أنها وإن جفت معشوقة السكنى وحبيبة المثوى كوكبها يقظان وجوها عريان وحصاها جوهر ونسيمها معطر وترابها مسك أذفر ويومها غداة وليلها سحر وطعامها هنيءٌ وشرابها مريءٌ وتاجرها مالك وفقيرها فاتك لا كبغداد كم الوسخة الومدة الهواء جوها نار وأرضها خبار وماؤها حميم وترابها سرجين وحيطانها نزور وتشرينها تموز فكم من شمسها من محترق وفي ظلها من غرق ضيقة الدار قاسية الجوار ساطعة الدخان قليلة الضيفان أهلها ذئاب وكلامهم سباب وسائلهم محروم وملهم مكتوم لا يجوز إنفاقه ولا يحل خناقه حشوشهم مسابل وطرقهم مزابل وحيطانهم أخصاص وبيوتهم أقفاص ولكل مكروه أجل وللبقاع دول والدهر يسير بالمقيم ويمزج البؤس بالنعيم وبعد اللجاجة انتهاءٌ والهم إلى فرجة ولكل سائلة قرار وبالله أستعين وهو محمود عَلَى كل حال.

غدت سر من را في الغناء فيالها ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وأصبح أهلوها شبيهاً بحالها ... لما سجتها من جنوب وشمأل

إذا ما امرؤٌ منهم شكا سوء حاله ... يقولون لا تهلك أسي وتجمل

ويطول بنا المقال إذا أردنا استقصاء أسماء المدن العربية كلها من شواطئ بحر الظلمات في الغرب إلى شواطئ المحيط الهندي في الشرق قال البلخي: ومن يحصي بناة المدن وواضعي القرى ومن يعلم مبادئ إنشائها إلا الله غز وجل وهبنا أخبرنا بمدن فارس عَلَى نحو ما نجد في كتبهم والمدن التي أُحدثت في الإسلام لقرب العهدة وجدة التاريخ فمن لنا بمدن مصر والهند والروم والترك وليس كل مدينة أو قرية مبنية منسوبة إلى بانيها لأنه قد تسمى المدينة باسم الباني أو باسم لها قبل حدوثها أو باسم ماء أو شجر أو شيءٍ ما وقد يجوز أن يجتمع قوم ما بموضع من المواضع فيصير ذلك مدينة فهذا يبين لك أن كل مدينة لا يوجب بانياً لها قاصداً إليها إلى أن قال والكوفة مصرها سعد بن أبي وقاص وكان بها رمل فسميت به ويقال لها الكوفان والبصرة مصرها عتبة بن غزوان وسماها بحجارة بيض كانت في موضعها وواسط بناها الحجاج ويقال لذلك واسط القصب ويقال بل توسعت الكوفة والبصرة وبغداد سميت باسم موضع كان قبلها ويقال لها الزوراء ويقال بغ اسم صنم وسمتها الخلفاء مدينة السلام وأول من بناها جعفر المنصور بنى بها قصر الخلد بناها في الجانب الغربي من دجلة وجعل حواليها قطائع لحشمه ومواليه وأتباعه كقطيعة الربيع والحربية وغيرها ثم عمرت وتزايدت فلما ملكها المهدي جعل معسكره في الجانب الشرقي فسمي عسكر المهدي وتزايدت بالناس والبناء.

قال البلخي: فاعلم أن المدن تبنى عَلَى ثلاثة أشياء عَلَى الماء والكلأ والحطب فإذا فقدت واحدة من هذه الثلاثة لم تبق. قال بعض الجغرافيين: مصرت البصرة عَلَى يد عتبة بن غزوان سنة أربع عشرة وعظم أمرها حتى سميت قبة الإسلام ولها نخيل متصلة من عبداس إلى عبدان نيف وخمسون فرسخاً ثم بني بعد ذلك واسط بناها الحجاج بن يوسف سنة ثمان وسبعين وهي جانبان بينهما جسر عَلَى دجلة طوله ستمائة وثمانون ذراعاً وفي الجانبين جامعان ولما استخلف الله من بني العباس السفاح بنى مدينة قريبة من الكوفة وسماها الهاشمية ثم رحل عنها إلى الأنبار فعمرها وسكنها ولم يزل بها إلى أن مات فلما ملك أخوه المنصور بنى عَلَى دجلة بغداد ويقال أن اسمها بك دار معناها دار العدل بالتركية كأنهم قالوا الحاكم العادل وسميت مدينة السلام لأنها يسلم فيها عَلَى الخلفاء ولأنها عَلَى نهر دجلة نهر السلام وفي تسميتها بغداد وبغذاد وبغداذ وكان ابتداء بنائها في سنة خمس وأربعين ومائة وتم بناؤها في سنة تسع وأربعين ثم ضاقت بالجند والرعية فبنى المهدي ولد المنصور مدينة تجاهها سماها الرصافة سنة إحدى وخمسين ولبغداد من المدن والبلاد صرصر وقصر ابن هبيرة مدينة بناها يزيد بن عمر بن هبيرة.

وإليك الآن شذرة قليلة مما عثرنا عليه بالعرض من مدن العرب وأمصارهم فمنها شيراز وهي مدينة إسلامية بناها محمد بن أبي القاسم الثقفي عَلَى أثر بناء قديم ومدينة قم كورها الرشيد وجعل لها اثنين وعشرين رستاقاً بنيت زمن الحجاج سنة ثلاث وثمانين وكان مكانها تسع قرى فجمعت وصارت محالاً وكان اسم إحدى القرى كميدان فأسقطوا بعض الحروف للإيجاز والاختصار وأبدلوا الكاف قافاً.

والمنصورية في الهند مدينة بنيت في صدر الإسلام وتسمى بالهندية تاميران كان موضعها غيضة يحيط بها خليج من نهر مهران. والحلة في العراق بناها سيد الدولة صدقة بن دبيس سنة خمس وأربعين وأرع مائة وتسمى الكوفة الصغرى لكثرة ما فيها من التشيع وأردوبل وتسمى أردبيل في بلاد أذربيجان ومصرت أيام الرشيد وإنما سميت باسم أردبيل بن أرميني ومراغة بناها محمد بن مروان بن الحكم وكانت قبل مراغة لدوابه فسميت بذلك ومرند بناها الأفشين عَلَى أثر بناءٍ قديم ومزيد بناها مراد بن الضحاك ومن بلاد أرمينية مدينة شكور وكانت مدينة قديمة أخربتها الصناوردية ثم جددها بغا سنة أربعين ومائتين وسماها المتوكلية. ومن مدن الجزيرة مدينة أذرمة بناها الحسن بن عمر بن الخطاب التغلبي. وبنى المنصور إلى جانب مدينة الرقة قصبة ديار مضر مدينة سماها الرافقة سنة خمس وسبعين فخربت الأولى وبقي الاسمان واقعين عَلَى مدينة واحدة ومنة مدن حضر موت في اليمن مدينة الشحر ولم تكن بمدينة وكان الناس ينزلون منه في أخصاص فبنى الملك المظفر صاحب اليمن مدينة به حصينة بعد سنة سبعين وتسعمائة. وكذلك بلاد المهرة ومصرها ظفار بناها أحمد بن محمد وسماها الأحمدية في سنة عشرين وستمائة.

وجدد قتيبة بن مسلم سمرقند وأحاط بها سوراً دوره سبعون ألف ذراع وذلك سبعة عشر ميلاً ونصف ميل هو بالفرسخ نحو ستة فراسخ ومدن بخارى كرمينية وبيكند والطواويس بناها قتيبة بن مسلم أيضاً. ومن مدن خراسان الجبلية ذوات الكور العريضة والأعمال الفسيحة سرخس وبورجان وسامان وبيورد مدينة وزوزن وكومن بناها عبد الله بن طاهر. كما مدينة شهرستان من أعمال خراسان وبنى في إقليم مازندران ودهسيان ثغراً عَلَى طرف مغارة كما بنى يزيد بن المهلب سنة ثمانٍ وتسعين مدينة بكر آباد في ذاك الصقع نفسه.

وبنى عمرو بن العاص الفسطاط (مصر) وبنى أحمد بن طولون القطايع ولما ملك العبيديون مصر بنى جوهر مولى المعز مدينة فوق القطايع وسماها القاهرة. وفي أفريقية مدينة المهدية بناها المهدي العبيدي سنة ست وثلاثمائة ومدينة بونة بنيت بعد الخمسين وأربعمائة ومدينة بجادته وهي مدينة حسنة البناء طيبة الفناء بناها الناصر بن علناس أحمد بني حماد سنة سبع وخمسين وأربع مائة. ومدينة وهران بنيت سنة تسعين ومائتين. ورباط الفتح في سلا من أعمال طنجة بناها عبد المؤمن وصر الفرج بناه المنصور من بني عبد المؤمن. والسوس الأقصى يقال أن أول من عمره وأجرى فيه الأنهار عبد الرحمن بن مروان بن الحكم وفيه مدن كثيرة وقصبتها تامدلت مدينة سهلية جبلية مسورة من بناءِ عبد الله بن إدريس. ومن بلاد السوس مدينة إيغلي بانيها عبد الله بن إدريس أيضاً ومراكش بناها يوسف بن تاشفين الصنهاجي سنة 490 ويلي مدوينة مراكش فاس وهي مدينتان إحداهما عدوت الأندلس بنيت سنة 292 والأخرى عدوة القرويين بنيت سنة ثلاث وتسعين ومائة. وسوق حمزة بناها حمزة بن سليمان العلوي وأشير بناها زيري والمسيلة بناها محمد بن عبيد الله المهدي المنعوت بالقائم وسماها المحمودية وقلعة بني حماد بن زيري والقيروان اختطها عقبة بن نافع ومدينة بطليموس بالأندلس بناها عبد الرحمن بن مروان ومدينة نطيلة بنيت أيام الحكم بن هشام والهارونية من أعمال الفاكية بناها هارون الرشيد.

وسلمية بالشام عَلَى سيف البرية بناها عبد الله بن صالح وعلي بن عبد الله بن عباس وطرابلس المستجدة بعد طرابلس الشام بجيش المسلمين في مملكة الملك المنصور وسيف الدين قلاوون الصالحي بنيت في سفح ذيل من أذيال جبل لبنان بكورة من أكوار طرابلس بعدها عن طرابلس القديمة الخربة نحو من خمسة أميال عَلَى شاطئ نهر يجري إلى البحر وهي المدينة المعروفة اليوم البعيدة عن الميناء المعروفة بمدينة طرابلس الشام والممصر لمدينة الطرسوس معاوية بن أبي سفيان في أيام عثمان بن عفان حين غزا قبرص ومدينة عكا بناها عبد الملك بن مروان ومرعش من بناء خالد بن الوليد وجددها مروان ابن الحكم ثم المنصور بعده وسميت الثغور لأن المتطوعين من أهل الحوزة كانوا يرابطون فيها ويغزون مدن الروم. وأذنة (أطنة) بناها الرشيد عَلَى نهر سيحان.

وطرسوس بنيت في أيام هارون الرشيد والمصيصة بناها المنصور وعسكر مكرم نزلها مكرم بن مطرف اللخمي فصارت مدينة ونسبت إليه.

ومدينة الأقلام بأفريقية مدينة أحدثها آل إدريس وسيله مدينة أحدثها علي ابن الأندلسي أحد خدم القائم بحانه وهي المرية من الأندلس محدثة ومدينة الزهراء بناها عبد الرحمن بن محمد خط فيها الأسواق كما قال ابن حوقل وابتنى الحمامات والخانات والقصور والمنتزهات واجتلب إلى ذلك بناء العامة وأمر منادية بالنداء إلى من أراد أن يبني داراً ويتخذ مسكناً بجوار السلطان فله أربعمائة درهم فتسارع الناس إلى العمارة فتكاثفت وتزايدوا فيها فكادت أن تتصل الأبنية بين قرطبة والزهراء.

هذا ما التقطناه في هذه العجالة ولعل بعض الباحثين يتوسعون في هذا الموضوع في رسالة عَلَى حدة يذكرون فيها جميع ما أقامه العرب من الأمصار والقرى وأعمال العمران كالطرق والجسور والأنهار والترع وغير ذلك مما يفيد في تصور المدينة العربية ويدعو الأخلاف إلى التطريس عَلَى آثار الأسلاف.