انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 74/اليمن وسكانها

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 74/اليمن وسكانها

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 4 - 1912



3

خيرات اليمن

أجمع جغرافيو العرب أن اليمن الخضراء من أخصب القطار وأكثرها مرافق وخيرات حتى قال القرماني أن أهلها يزرعون أربع مرات في السنة ويحصد كل زرع في ستين يوماً. وقال بعضهم:

اليمن ثلثة وثلاثون منبراً قديمة وأربعة محدثة وصنعاء أطيب البلدان وهي طيبة الهواء كثيرة الماء يشتون مرتين ويصيفون مرتين وأهل الحجاز واليمن يمطرون الصيف كله ويخصبون في الشتاء فيمطر صنعاء وما والاها في حزيران وتموز وآب وبعض أيلول من الزوال إلى المغرب يلقى الرجل الآخر منهم فيكلمه فيقول عجل قبل الغيث لأنه لا بد من المطر في هذه الأيام.

قال ابن الفقيه: وباليمن من أنواع الخصب وغرائب الثمر وظرائف الشجر ما يستصغر ما ينبت في بلاد الأكاسرة والقياصرة وقد تفاخرت الروم وفارس بالبنيان وتنافست فيه فعجزوا عن مثل غمدان ومأرب وحضر موت وقصر المسعود وسد لقمان وسلحين وصرواح ومرواح وبينون وهندة وهنيدة وفلثوم بريدة.

قال الأصمعي أربعة أشياء قد ملأت الدنيا لا تكون إلا باليمن الورس والكندر والعطر والعصب فأما المعرق من الجزع فإنه يتخذ منه الأواني لكبره وعظمه ولهم الحلل اليمانية والثياب السعدية والعدنية والشب اليماني وهو ماء ينبع من قلة جبل فيسيل عَلَى جانبه قبل أن يصل إلى الأرض فيجمد فيصير هذا الشب اليماني الأبيض ولهم الورس وهو شيء يسقط عَلَى الشجر كالترنجين ولهم البُنك ويقال أنه من خشب أم غيلان. قال الأصفهاني وكانت جمال عمان تحمل الورس من اليمن إلى عمان فتصفر.

وذكروا من خصائص تهامة أديم زبيد ونيلها الذي لا نظير له كانه لازورد شروب عدن تفضل عَلَى القصب ومسد المهجرة يسمى ليفاً وبرود سحولاً والجريب وأنطاع صعدة وركاؤها وسعيدي صنعاء وعقيقها وقفاع عثر وورس عدن ومغلق قرح. ومن أراد العقيق اشترى قطعة أرض بموضع صنعاء ثم حفر فربما خرج له شبه صخرة واقل ورب يخرج شيء منه. والعنبر يقع عَلَى حافة البحر من عدن إلى مخا.

قال المقدسي اليمن معدن العصائب والعقيق والأدم الرقيق فإلى عمان يخرج آلات الصيادلة والعطر كله حتى المسك والزعفران والساج والتاسم والعاج واللؤلؤ والديباج والجزع واليواقيت والأَبنوس والنارجيل والقند والاسكندروس (لعله السندروس) والصبر والحديد والرصاص والخيزران والغضار والصندل والبلور والفلفل وغير ذلك وتزيد عدن بالعنبر والشروب والدرق والحبش والخدم وجلود النمور.

مذاهب اليمن

كان عند ظهور الإسلام في اليمن من الديانة النصرانية واليهودية والمجوسية عَلَى رواية البلاذي وقد كتب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ملوك حمير وهم الحارث ابن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال وشرح بن عبد كلال وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعامر وهمدان. وكان المجوس في هجر واليمن. ودخل عامل اليمن في الدعوة الإسلامية قال ابن خلدون وهو باذان عامل كسرى واسلم معه أهل اليمن فأمر النبي عَلَى جميع مخاليفها وكان منزله صنعاء كرسي التبابعة ولمامات بعد حجة الوداع قسم النبي اليمن عَلَى عمال من قبله وجعل صنعاء لابنه شهربان بن باذان وقام الأسود العنسي فاخرج عمال النبي من اليمن وزحف عَلَى صنعاء واستولى عَلَى أكثر اليمن وارتد أكثر أهله ثم رجع عمال المسلمين إلى أعمالهم وقاتل أبو بكر الصديق المرتدين من أهل اليمن وولى اليمن عمال بني أمية ثم عمال بني العباس لأول أمرهم ثم تعاقبت الولاة عَلَى اليمن وكانوا ينزلون صنعاء حتى انتهت الخلافة إلى المأمون وظهرت دعاة الطالبين بالنواحي وظهر باليمن إبراهيم بن موسى الكاظم سنة مائتين ولم يتم أمره وكان يعرف بالجزار لسفكه الدم وبعث المأمون عساكره إلى اليمن فدوخوا حبه وحملوا كثيراً من وجوه الناس فاستقام أمر اليمن فولي محمد زياد عَلَى اليمن ضامناً له حياطتهم من العلويين فقدمها سنة ثلاث ومائتين وفتح تهامة اليمن وهي البلدة التي عَلَى ساحل البحر الغربي واختط بها مدينة زبيد ونزلاه وأصابها كرسياً لتلك المملكة وولى عَلَى الجبال مولاه جعفراً وفتح تهامة بعد حروب واشترط عَلَى عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل واستولى عَلَى اليمن أجمع وأدخل في طاعته أعمال حضر موت والشحر وديار كندة وصار في مرتبة التبابعة.

وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حمير بقية الملوك التبابعة استبدوا بها مقيمين بالدعوة العباسية ولهم من صنعاء سحان ونجران وجرش ولما بلغ عاملها أبا الجيش اسحق ابن إبراهيم قتل المتوكل وخلع المستعين واستبداد الموالي عَلَى الخلفاء مع ارتفاع اليمن ارتفع بالمظلة شان سلاطين العجم المستبدين وفي أيامه خرج باليمن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية جاء بها من السند وكان جده القاسم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبي السرايا فلحق القاسم بالسند وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين (ومائتين) ونزل صعدة وأظهر دعوة الزيدية وزحف إلى صنعاء فملكها من يد اسعد بن يعفر ثم استردها منه بنو أسعد ورجع إلى صعدة وكان شيعته يسمونه الإمام.

وفي أيام أبي الجيش بن زياد أيضاً ظهرت دعوة العبيديين (الفاطميين) باليمن فأقام بها محمد بن الفضل بعده لاعة وجبال اليمن إلى جبال المذيخرة سنة أربعين وثلثمائة ويقي له باليمن من الشرجة إلى عدن عشرون مرحلة ومن مخلافه إلى صنعاء خمس مراحل وهلك أبو الجيش سنة لإحدى وسبعين وثلثمائة بعد أن اتسعت جبايته وعظم ملكه قال ابن سعيد رأيت مبلغ جبايته وهو ألف ألف مكررة مرتين وثلثمائة وستة وستون ألفاً من الدنانير العثرية ما عدا ضرائبه عَلَى مركب السند وعَلَى العنبر الواصل بباي المندب وعدناَبين وعَلَى مغائص اللؤلؤ وعَلَى جزيرة دهلك ومن بعضها وصائف وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر يهادنوه ويخطبون مواصلته وانقرضت دولته سنة سبع وأربعمائة.

ثم ملك نجاح وقيس من موالي مرجان مولى الحسن بن سلامة وتغلب نجاح بعد أن قتل أخاه في خمسة آلاف من عسكره وضرب السكة باسمه وكاتب ديوان الخلافة ببغداد فعقد له عَلَى اليمن ولم يزل مالكاً تهامة وقاعدته زبيد قاهراً لأهل الجبال وانتزع الجبال كلها من مولاه الحسن بن سلامة ولم تزل الملوك تتقي صولته إلى أن قتله الصليحي القائم بدعوة العبيديين سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فقام الأمر بعده بزبيد مولاه كهلان.

أما الصليحي فكان مبدأُ أمره مثل السيد أحمد بن إدريس الذي كان قائماً في عسير في السنة الماضي عرف بالصلاح فالتف الناس حوله وأظهر الدعوة العبيدية فاستولى أولاً عَلَى حصن بذورة جبل الحمام محصن ذلك الحصن ثم ملك اليمن كله ونزل صنعاء واختلط بها القصور واسكن عنده ملوك اليمن الذين غلب عليهم وهزم بني طرف ملوك عثر وتهامة ومازال الأمر كذلك حتى استولى بنو أبي بركات عَلَى بني المظفر في شيح وحصونه ثم باع حصن ذي جبلة من الداعي الزريعي صاحب عدن بمائة ألف دينار ولم يزل يبيع معاقله حصناً حصناً حتى لم يبق له غير معقل تعز أخذه منه علي بن مهدي وبقي ملوك زبيد يخطبون للعباسيين والصليحيون يخطبون للعبيديين إلى أواخر المئة الخامسة والبلاد يتجاذبها ملوك حتى انقرض أمر آل نجاح سنة 554 وخلفهم غيرهم وبقي أمر اليمن في تقلقل والجبال لرجل وتهامة لآخر وعدن لغيرهم حتى جاء عبد النبي بن مهدي الخارجي من زبيد واستولى عَلَى اليمن أجمع وبه يومئذ خمس وعشرون دولة فاستولى عَلَى جميعها ولم يبق له سوى عدن ففرض عليها الجزية ولما دخل شمس الدولة تورانشاه بن أيوب أخو صلاح الدين سنة 566 واستولى عَلَى الدولة التي كانت باليمن ونزل زبيد واتخذها كرسياً لملكه ثم استوخمها وسار في الجبال ومعه الأطباء يتخير مكاناً صحيح الهواء يتخذ فيه سكناه فوقع اختيارهم عَلَى مكان تعز فاختلط به المدينة كما اختلط الصليحي سنة 458 حصن ذي جبلة ونزلها وبقيت كرسياً لملكه وبنيه ومواليهم بني رسول.

وذكر ابن سعيد أن اليمن تشتمل عَلَى سبعة كراسي للملك تهامة والجبال وفي تهامة مملكتان مملكة زبيد ومملكة عدن ومعنى تهامة ما انخفض من بلاد اليمن مع ساحل البحر من البرين من جهة الحجاز إلى آخر أعمال عدن دورة البحر الهندي واليمن أخصب من الحجاز وأكثر أهلها القحطانية وفيها من عرب وائل ودامت دولة بني رسول باليمن عَلَى رواية ابن إياس نحو مائتين وثلاثين سنة وكان سبب تسمية جدهم برسول أن الخلفاء كانت تبعثه رسولاً إلى البلاد الشامية وغيرها من البلاد فسمي رسولاً وما زال يرتقي حتى ملك بلاد اليمن.

ذكر المقدسي أن المذاهب المستعملة لعهده في الإسلام التي لها خاص وعام دعاة وجمع ثمانية وعشرون مذهباً أربعة في الفقه وأربعة في الكلام وأربعة في الحكم فيها وأربعة مندرسة وأربعة في الحديث وأربعة غلب عليها أربعة وأربعة رستاقية فأما الفقهيات فالحنفية والمالكية والنفعوية والداودية وأما الكلاميات فالمعتزلة والنجارية والكلابية والسالمية وأما الذين لهم فقه وكلام فالشيعة والخوارج والكرامية والباطنية وأما أصحاب الحديث فالحنبلية والراهوية والأوزاعية والمنذرية وأما المندرسة فالعطائية والثورية والإباضية والطاقية وأما التي في الرساتيق فالزعفرانية والخرمدينية والأبيضية والسرخسية وأما التي غلب عليها أربعة من شكلها فالأشعرية عَلَى الكلابية والباطنية عَلَى القرمطية والمعتزلة عَلَى القدرية والشيعة عَلَى الزيدية والجهمية عَلَى النجارية.

فهذه جملة المذاهب المستعملة اليوم (في عهد المؤلف) ثم تتشعب إلى فرق لا تحصى ولما ذكرنا ألقاب واسماء تتكرر ولا تزيد عَلَى ما ذكرنا يعرف ذلك العلماء وهن أربعة ممتدحة وأربعة منكورة وأربعة مختلف فيها وأربعة لقب بها أهل الحديث وأربعة معناهن واحد وأربعة يميزهن النحارير فأما الملقبة بالروافض والمحبرة والمرجئة والشكاك أو الممتدحة فأهل السنة والجماعة واهل العدل والتوحيد والمؤمنون واصحاب الهدى وأما المنكورة فالكلابية ينكرون الجبر والحنبلية ينكرون النصب ومنكرو الصفات ينكرون التشبيه ومثبتوها ينكرون التعطيل وأما المختلف فيها فعند الكرامية الجبر جعل الاستطاعة مع الفعل وعند المعتزلة جعل الشر بقدر الله تعالى وأن يقال أفعال العباد مخلوقة لله والمرجئة عند أهل الحديث من أخر العمل عن الإيمان وعند الكرامية من نفى فرض الأعمال وعند المأمونية من وقف في الإيمان وعند أصحاب الكلام من وقف في أصحاب الكبائر ولم يجعل منزلة بين منزلتين والشكاك عند أصحاب الكلام من وقف في القرآن وعند الكرامية من استثنى في الإيمان والروافض عند الشيعة من أخر خلافة علي وعند غيرهم من نفى خلافة العمرين وأما أربعة معناهن واحد فالزعفرانية والواقفية والشكاك والرستاقية وأما أربعة لقب بها أهل الحديث فالحشوبة والشكاك والنواصب والمجبرة وأما التي يميزهن كل نحرير فأهل الحديث من الشفقوية والثورية من الحنفية والنجارية من الجهمية والقدرية من المعتزلة.

قال واعلم أن أصل مذاهب المسلمين كلها متشعبة من أربع الشيعة والخوارج والمرجئة والمعتزلة وأصل افتراقهم قتل عثمان ثم تشعبوا ولا يزالون متفرقين ولم أر السواد العظم إلا من أربعة مذاهب أصحاب أبي حنيفة بالمشرق وأصحاب مالك بالمغرب وأصحاب الشافعي بالشاش وخزائن ونيسابور وأصحاب الحديث بالشام وأقور والرحاب وبقية الأقاليم ممتزجون.

وقال أيضاً أن اليمن قليل الفقهاء والمذكرين والقراء كما هو قليل النخيل والمياه الغزيرة والبحيرات واليهود به أكثر من النصارى ولا ذمة غيرهم وسواد صنعاء ونواحيها مع سواد عمان شراة غالية وبقية الحجاز واهلب الرأي بعمان وهجر وصعدة شيعة وشيعة عمان وصعدة وأهل السروات وسواحل الحرمين معتزلة إلا عمان والغالب عَلَى صنعاء وصعدة أصحاب أبي حنيفة والجوامع بأيديهم وبالمعافر مذهب أبي المنذر وفي نواحي نجد اليمن مذهب سفيان والأذان بتهامة ومكة يرجع إذا تدبرت العمل عَلَى مذهب مالك ويكبر بزبيد في العيدين عَلَى قول أبي مسعود أحدثه القاضي أبو عبد الله الصعواني وقت كوني ثم العمل بهجر عَلَى مذهب القرامطة وبعمان وأودية لهم مجلس.

ويؤخذ مما قاله الهمداني أن أهل عدن فيما يقال لم يدخل عليهم من الروم حد ولكن أهل الرهابنة ثم فنوا سكانها مهرة وقوم من الشراة وظهرت فيها دعوة الإسلام ثم كثر بها الشراة فعدوا عَلَى من بها من المسلمين فقتلوهم غير عشرة أناسية.

الزيدية

والزيدية هم اتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة عليها السلام ولم يجوزوا ثبوت إمامة في غيرهم إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين اللذين وعن هذا قالت طائفة منهم بإمامة محمد وإبراهيم الإمامين ابني عبد الله بن الحسن بن الحسين اللذين خرجا في أيام المنصور وقتلا عَلَى ذلك وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويبكون كل واحد منهما واجب الطاعة واقتبس زيد بن علي مذهب الاعتزال فصار أصحابه كلهم معتزلة وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الفضل فقال كوان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة تطييب قلوب العامة فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً وسيف أمير المؤمنين علي عليه السلام عن دماء المشركين من قريش لم يجف بعد والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كم هي فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد وكانت المصلحة أن يقوم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام والقرب من رسول الله ألا ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه زعق الناس وقالوا لقد وليت علينا فظاً غليظاً فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدة وصلابة وغلظ له في الدين وفظاظة عَلَى العداء حتى سكنهم أبو بكر رضي الله عنه وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماماً والفضل قائماً فيرجع إليه في الأحكام ويحكم بحكمه في القضايا.

ولما قتل زيد بن علي وصلب قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد ومضى إلى خرسان واجتمعت عليه جماعة كثيرة وخرج محمد وإبراهيم بالمدينة والبصرة واجتمع عليهما الناس فقتلا ثم رأوا أنه لا يجوز خروج واحد من أهل البيت حتى يأذن الله تعالى بزوال ملك بني أمية الذين يتطاولون عَلَى الناس حتى لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها وهم يستشعرون بغض أهل البيت فقتل زيد بن علي بكناسة الكوفة قتله هشام بن عبد الملك ويحيى بن زيد قتل بجوزجان خراسان قتله أميرها ومحمد الإمام قتله بالمدينة عيسى بن هامان وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة أمر يقتلهما المنصور.

ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الأطروش فطلب مكانه ليقتل فاختفى واعتزل إلى بلاد الديلم والجبل لم يتحلوا بدين الإسلام بعد فدعها الناس دعوة إلى الإسلام عَلَى مذهب زيد بن علي فدانوا بذلك ونشأوا عليه وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلي أمرهم وخالفوا بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الأصول ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول وطعنت في الصحابة طعن الإمامية وهم اصناف ثلاث جارودية وسليمانية وبترية والصالحية منهم والبترية عَلَى مذهب واحد.

وقال صاحب الفرق بين الفرق أن الزيدية ثلاث فرق وهي الجارودية والسليمانية وقد يقال الحرورية أيضاً والبترية وهذه الفرق الثلاث طيجمعها القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في أيام خروجه وكان ذلك في أيام هشام بن عبد الملك ويذهب الجارودية أولاً إلى أتباع المعروف بأبي الجارود وقد زعموا أن النبي نص عَلَى إمامة علي بالوصف دون الاسم وزعموا أيضاً أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي وقالوا أيضاً أن الحسن بن علي هو الإمام من بعد علي ثم أخوه الحسين كان إماماً بعد الحسن. وافترقت الجارودية في هذا الترتيب فرقتين فرقة قالت أن علياً نص عَلَى إمامة ابنه الحسن ثم نص الحسن عَلَى إمامة أخيه الحسين بعده ثم صارت الإمامة بعد الحسن والحسين شورى في ولدي الحسن والحسين فمن خرج منهم شاهراً سيفه داعياً إلى دينه وكان عالماً ورعاً فهو الإمام وزعمت الفرقة الثانية منهم أن النبي الذي نص عَلَى إمامة الحسن بعد علي وإمامة الحسين بعد الحسن ثم افترقت الجارودية بعد هذا في الإمام المنتظر فرقاً منهم لم يعين واحداً بالانتظار وقال كل من شهر سيفه ودعا إلى دينه ولد الحسن والحسين فهو الإمام ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ولا يصدق بقتله ولا بموته ويزعم أنه هو المهدي المنتظر الذي يخرج فيملك الأرض وقول هؤلاء فيه كقول المحمدية من الإمامية في انتظارها محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي ومنهم من ينتظر محمد بن عمر الذي خرج بالكوفة ولا يصدق بقتله ولا بموته فهذا قول الجارودية وتكفيرهم واجب لتكفيرهم أصحاب رسول الله عليه السلام.

ذكر السلمانية أو الجريرية منهم هؤلاء أتباع سليمان بن جرير الزيدي الذي قال أن الإمامة شورى وأنها تنعقد بعقد رجلين من خيار الأمة وأجاز إمامة المفضول واثبت غمامة أبي بكر وعمر وزعم أن الأمة تركت الصلح في البيعة لهما لأن علياً كان أولى بالإمامة منهما إلا أن الخطأ في بيعتهما لم يتوجب كفراً ولا فسقاً وكفر سليمان بن جرير عثمان بالأحداث التي نقمها الناقمون منه وأهل السنة يكفرون سليمان بن جرير من أجل أن كفر عثمان رضي الله عنه.

وذكر البترية منهم فقال هؤلاء أتباع رجلين أحدهما الحسن بن صالح بن حي والآخر كثير المغوا الملقب بالأبتر وقولهم كقول سليمان بن جرير في هذا الباب غير أنهم توقفوا في عثمان ولم يقدموا عَلَى ذمه ولا عَلَى مدحه وهؤلاء أحسن حالاً عند أهل السنة من أصحاب سليمان بن جرير وقد اخرج مسلم بن الحجاج حديث الحسن بن صالح ابن حي في مسنده الصحيح ولم يخرج محمد بن إسماعيل البخاري حديث في الصحيح ولكنه قال في كتاب التاريخ الكبير الحسن بن صالح بن حي الكوفي سمع سماك ابن حرب ومات سنة سبع وستين ومائة وهو من ثغور همذان وكنيته أبو عبد الله.

قال عبد القاهر: هؤلاء البترية والسليمانية من الزيدية كلهم يكفرون الجارودية من الزيدية لإقرار الجارودية عَلَى تكفير أبي بكر وعمر والجارودية يكفرون السليمانية والبترية لتركهما تكفير أبي بكر وعمر وحكي شيخنا أبو الحسن الشعري في مقالته عن قوم الزيدية يقال لهم اليعقوبية أتباع رجل اسمه يعقوب أنهم كانوا يتولون أبا بكر وعمر ولكنهم لا يتبرؤون ممن تبرأ منهم.

قال عبد القاهر اجتمعت الفرق الثلاث الذين ذكرناهم من الزيدية عَلَى القول بأن أصحاب الكبائر من الأمة يكونون مخلدين في النار فهم من هذا الوجه كالخوارج الذين ايأسوا أُسراء المذنبين من رحمة الله تعالى ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

إنما قيل لهذه الفرق الثلاث واتباعها زيدية لقولهم بغمامة يد بن علي بن الحسن ابن علي بن أبي طالب في وقته وإمامة ابنه يحيى بن زيد بعد زيد. وكان زيد بن علي قد بايعه عَلَى غمامته خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة وخرج بهم عَلَى والي العراق وهو يوسف بن عمر الثقفي قالوا له إننا ننصرك عَلَى أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب فقال زيد إني لا أقول فيهما إلا خيراً وما سمعت أبي يقول فيها إلا خيراً وإنما خرجت عَلَى بني أمية الذين قتلوا جدي الحسين واغاروا عَلَى المدينة يوم الحرة ثم رموا بيتاً لله بحجر المنجنيق والنار ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم رفضتموني ومن يومئذ رافضة وثبت معه نصر بن حريمة العنسي ومعاوية ابن اسحق بن يزيد بن حارثة في مقدار مائتي رجل وقاتلوا جند يوسف بن عمر الثقفي حتى قتلوا عن آخرهم وقتل زيد ثم نبش قبره وصلب ثم أحرق بعد ذلك وهرب ابنه يحيى ابن زيد إلى خراسان وخرج بناحية الجوزجان عَلَى نصر بن بشار والي خرسان فبعث نصر ابن بشار إليه مسلم بن أحوز المازني في ثلاثة آلاف رجل فقتلوا يحيى بن زيد ومشهده بجوزجان معروف.

هذا منشأ مذهب الزيدية باليمن وغيرها قال ابن فضل الله: إمام الزيدية باليمن وهو من بقايا الحسينيين القائمين بآمل الشط من بلاد طبرستان وقد كان سلفهم جاذب الدولة العباسية حتى كاد يطيح رداءها ويشمت بها أعدائها. وهذه البقية الآن بصنعاء وبلاد حضر موت وما والاها من بلاد اليمن وأمراء مكة تسر طاعته ولا تفارق جماعته والأمانة الآن فيهم من بني المطهر واسم الإمام القائم في وقتنا حمزة ويكون بينه وبين الملك الرسولي باليمن مهادنات ومفاسخات تارة وتارة وهذا الإمام وكل من كان قبله عَلَى طريقة ما عداها وهي إمارة عربية لا كبر في صدروها ولا شمم في عرانينها وهم عَلَى مسكة من التقوى وترد بشعار الزهد يجلس في ندي قومه كواحد منهم ويتحدث فيهم ويحكم بينهم سواء عنده المشرف والشريف والقوي والضعيف وربما اشترى سلعة بيده ومشى في أسواق بلده لا يغلط الحجاب ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع ولا تكثر غير مشبع هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل وفضل كامل اهـ.

نعم جاذب القوم الدولة العباسية كما قال العمري حتى كادوا يطيحون رداءها وكذلك فعلوا من بعد إلى عهدنا هذا وذلك شيء ناشئٌ ولا جرم من جودة هواء الجبال لأن الشدة تغرس في العادة نفوس الجبليين وما سكان الجبال من اليمانيين إلا أشبه بالإفريديين عَلَى حدود الهند وأفغانستان ولقد أوى الزيدية إلى الجبال كما أوى معظم أصحاب الدعوات إليها هكذا فعل الإسماعيلية والنصيرية فأووا إلى جبل اللكام والدروز إلى جبل الشوف والجبل الأعَلَى وجبال صفد وجبال حوران والشيعة المتاولة إلى جبل عامل وجبال بعلبك ولبنان من أرض الشام.

قال بعضهم صعدة مملكتها تلو مملكة صنعاء وهي في شرقيها وفي هذه المملكة ثلاث قواعد صعدة وجبل قطابة وحصن تلا وحصون أخرى وتعرف كلها ببني الرس وأما حصن تلا فمنه كان ظهور الموطئِ الذي أعاد إمامة الزيدية لبني الرضا بعد أن استولى عليها بنو سليمان فأوى إلى جبل قطابة ثم بايعوا لأحمد الموطئ سنة خمس وأربعين وستمائة.

وقال ابن فضل الله أيضاً في الزيدية: وأما الزيدية فهم أقرب القوم إلى القصد الأمم وقولهم أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أئمة عدل وأن ولايتهما كانت لما اقتضته المصلحة مع أن علياً رضي الله عنه أفضل منهما ويرون جواز ولاية المفضول عَلَى الفاضل في بعض الأحيان لما تقتضيه المصلحة أو لخوف الفتنة ولهذه الطائفة إمام باق إلى الآن باليمن وصنعاء داره وأمراء مكة المعظمة منهم وحدثني الشريف مبارك بن الأمير عطيفة بن أبي نمي أنهم لا يدينون إلا بطاعة ذلك الإمام ولا يرون إلا أنهم نوابه وغنما يتوقون صاحب مصر لخوفهم منه والإقطاع (؟) وصاحب اليمن لمداراته لواصل المكارم ورسوم وكانت لهؤلاء دولة قديمة بطبرستان فزالت إلا هذه البقية.

وقال ابن خلدون فأما الزيدية فساقوا الإمامة عَلَى مذهبهم فيها وإنها باختيار أهل الحل والعقد لا بالنص فقالوا بإمامة علي ثم ابنه الحسن ثم أخيه الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه زيد بن علي وهو صاحب هذا المذهب وخرج بالكوفة داعياً إلى الإمامة فقتل وصلب بالكناسة وقال الزيدية بإمامة ابنه يحي من بعده فمضى إلى خرسان وقتل بالجوزجان بعد أن أوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين السبط ويقال له النفس الزكية فخرج بالحجاز وتلقب بالمهدي وجاءته عساكر المنصور فقتل وعهد إلى أخيه إبراهيم فقام بالبصرة ومعه عيسى بن زيد بن علي فوجه إليهم المنصور عساكره فهزم وقتل إبراهيم وعيسى وكان جعفر الصادق أخبرهم بذلك كله وهي معدودة في كراماته وذهب آخرون منهم إلى أن الإمام بعد محمد بن عبد الله النفس الزكية هو محمد بن القاسم بن علي بن عمرو هو أخو زيد بن علي فخرج محمد بن القاسم بالطالقان فقبض عليه وسيق إلى المعتصم فحبسه ومات في حبسه وقال آخرون من الزيدية أن الإمام يحيى بن زيد هو أخوه عيسى الذي حضر مع إبراهيم بن عبد الله في قتاله مع منصور ونقلوا الإمامة في عقبه وإليه انتسب دعي الزنج وقال آخرون من الزيدية أن الإمام بعد محمد ابن عبد الله أخوه إدريس الذي فر إلى المغرب ومات هناك وقام بأمره ابنه إدريس واختط مدينة فاس وكان من بعده عقبة ملوكاً بالمغرب إلى أن انقرضوا وبقي أمر الزيدية بعد ذلك أمر غير منتظم وكان منهم الداعي الذي ملك طبرستان وهو الحسين بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن علي لن الحسين السبط أخوه محمد ابن زيد ثم قام بهذه الدعوة في الديلم الناصر الطروش منهم وأسلموا عَلَى يده وهو الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمرو وعمرو أخو زيد بن علي فكانت لبنيه بطبرستان دولة وتوصل الديلم من نسبهم إلى الملك والاستبداد عَلَى الخلفاء ببغداد.

ذوكر ابن ساعد من جملة فرق الشيعة الزيدية القائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين وغمامة من اجتمع فيه العلم والزهد والشجاعة ظاهراً وهو من ولد فاطمة رضي الله عنها ويخرج لطلب الإمامة ومنهم من زاد صباحة الوجه وأن لا يكون مؤوفاً ويجوزون قيام إمامين معاً بمكانين ومن رفض زيداً هذا أطلق عليهم اسم الرافضة أولاً وهؤلاء الثلاث طوائف من الشيعة أعني الإمامية والإسماعيلية والزيدية هم رؤوس فرقهم.

قال ابن حزم اتفقت الأمة كلها عَلَى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم لقول الله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ثم اختلفوا ثم اختلفوا في كيفيته فذهب بعض أهل السنة من القدماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم إلى أن الغرض من ذلك إنما هو في القلب فقط أو باللسان إن قدر عَلَى ذلك ولا يكون باليد ولا بسل السيوف ووضع السلاح أصلاً وبهذا قالت الروافض كلهم ولو قتلوا كلهم إلا أنها لم تر ذلك ما لم يخرج الناطق فإذا خرج وجب سل السيوف حينئذ معه وإلا فلا واقتدى أهل السنة بعثمان وغيره من الصحابة وبمن رأى لقعود منهم إلا أن جميع القائلين بهذه المقالة من أهل السنة إنما رأو ذلك ما لم يكن عدلاً فإن كان عدلاً وقام عليه فاسق وجب عندهم بلا خلاف سل السيوف مع الإمام العادل. وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك قالوا فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع ولا يبأسون من الظفر ففرض عليهم.

وبعد فإن شيعة علي رضي الله تعالى عنه زيدي ورافضي وبقيتهم بدد لا نظام لهم قالت علماء الزيدية وجدنا الفضل في الفعل دون غيره ووجدنا الفعل كله في أربعة أقسام أولها القدم في الإسلام حين لا رغبة ولا رهبة إلا من الله تعالى وإليه ثم الزهد في الدنيا فإن أزهد الناس في الناس أرغبهم في الآخرة وآمنهم عَلَى نفائس الأموال وعقائل النساء وإراقة الدماء ثم الفقه الذي يعرف به الناس مصالح دنياهم ومراشد دينهم ثم المشي في السيف كفاحاً في الذب عن الإسلام وتأسيس الدين وقتل عدوه وإحياء وليه فليس فوق بذل المهجة واستغراق القوة غاية يطلبها طالب أو يرتجيها راغب ولم نجد قولاً خامساً فتذكره فلما رأينا هذه الخصال مجتمعة في رجل دون الناس كلهم وجب علينا تفضيله عليهم وتقديمه دونهم. وذاك إنا سألنا العلماء والفقهاء وأصحاب الأخبار وحمال الاثار عن أول الناس إسلاماً فقال فريق منهم من هذه علي وقال قوم زيد بن حارثة وقال قوم خباب ولم نجد قول كل واحد منهم من هذه الفرق قاطعاً لعذر صاحبه ولا ناقلاً عن مذهبه وإن كانت الرواية في تقديم علي أشهر واللفظ به أكثر وكذلك إذا سألناهم عن الذابين في الإسلام والماشي إلى الأقران في بسيوفهم وجدناهم مختلفين فمن قائل يقول علي رضي الله تعالى عنه ومن قائل يقول ابن عفراء ومن قائل يقول محمد بن مسلمة ومن قائل يقول طلحة ومن وقائل يقول البراء بن مالك عَلَى أن لعلي من قتل الأقران ما ليس فيهم فلا اقل من أن يكون علي في طبقتهم وإن سألناهم عن الفقهاء والعلماء رأيناهم يعدون علياً ممن كان أفقههم لأنه كان يُسأل ولا يسأل ويفتي ولا يستفتي ويُحتاج إليه ولا يحتاج إليهم ولكن لا أقل من أن نجعله في طبقتهم وكأحدهم وإن سألناهم عن أهل الزهادة وأصحاب التقشف والمعروفين برفض الدنيا وخلعها والزهد فيها قالوا علي وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وأبو ذر وعمار وبلال وعثمان بن مظعون عَلَى أن علياً أزهدهم لأنه شاركهم في خشونة الملبس وخشونة المأكل والرضا باليسر والتبلغ بالحقير وظلف النفس ومخالفة الشهوات وفارقهم بان ملك بيوت الأموال ورقاب العرب والعجم فكان ينضج بيوت المال في كل جمعة ويصلي فيه ركعتين ورقع سراويله ما فضل من ردائه عن أطراف أصابعه بالشفرة في أمور كثيرة مع أن زهده أفضل من زهدهم لأنه أعلم منهم وعبادة العالم ليست كعبادة غيره كما أن زلته ليست كزلة غيره فلا اقل من أن نعده في طبقتهم ولا نجدهم ذكروا لأبي الدرداء وأبي ذر وبلال مثل الذي ذكروا له في باب الغناء والذب وبذل النفس ولم نجدهم ذكروا للزبير وابن عفراء وأبي دجانة والبراء بن مالك مثل الذي ذكروا له من التقدم في الإسلام والزهد والفقه ولم نجدهم ذكروا لبي بكر وزيد وخباب مثل الذي ذكروا له من بذل النفس الغناء والذب بالسيف ولا ذكروهم في طبقة الفقهاء والزهاد فلما رأينا هذه الأمور مجتمعة فيه متفرقة في غيره من أصحاب هذه المراتب وهذه الطبقات علمنا أن أفضلهم وإن كان كل رجل منهم قد اخذ من كل خير بنصيب فإنه لم يبلغ ذلك مبلغ من قد اجتمع له جميع الخير وصنوفه. قال الحافظ بعد كلام عَلَى هذا النحو وإنما قصدت إلى هذا المذهب دون مذهب سائر الزيدية في دلائلهم وحججهم لأنه أحسن سيء رأيته لهم وإنما أحكي لك من كل نحلة قول حذاقهم وذوي أحلامهم لن فيه دلالة عَلَى غيره وغنى عما سواه.

الخاتمة

تبين للقارئ من هذا البحث كيف كانت اليمن وكيف كان سكانها وما هي مذاهبهم وما نخال أن الداعي إلى كل ما وقمعن الفتن سوى المظالم التي دكت العمران أذعر بها السكان وهذا واقع بهم منذ القرون الوسطى إلى اليوم وقد أصابهم منه في عهد الدولة العلية ما لم يصب معظم الولايات لبعد ديارهم في القاصية ولأنه لم يكن يقدم عَلَى الخدمة هناك من جيش الدولة وعمالها إلا من جعل الاغتناء بأي طريقة أول همه وهمامة نفسه.

قال المقبلي اليماني: ولقد حكي عن باشا من أمراء الروم يسمى سناناً في صنعاء حين وطأتهم اليمن وخبره أشهره واكبر قد أنسى أهل اليمن ضرب المثل بالحجاج وصار علماً للظلم والفتك كأنه مولع بسفك الدماء والتفتن فيه بالسلخ والصلب والخنق والكرباج فبينا هو في خاصته يتأوه ويبتهل إلى الله في طلب المخرج من نفس مسلم قتله في الروم إذ قيل له هؤلاء الجماعة الذين أرسلت لهم فأشار أن اقتلوهم من دون اكتراث ولا نظر ولا استثبات في شأنهم فقال له بعض الحاضرين في ذلك فقال إنما أتأوه من قتل مسلم محترم وهؤلاء زيدية يحل دماؤهم إلى أن قال وكنت أن هذا شيء نادر في سنان المشؤم وجماعة قليلين وإذا هو مطبق عليه في من هو في دولة الأروام كان هذا شيء يتبع الدولة وكأنها نسخت الشريعة اهـ. كذا قال وهو عَلَى غلو فيه لا يخلو من حقيقة تاريخية فقد أثر عن الولاة المتأخرين أعمال كهذه يتناقلها اليمانيون بينهم ويدونونها في أخبارهم ولذلك قلما رأينا يمانياً ثاب إلى سكونه فعسى أن تعرف حكومتنا الحاضرة كيف تؤكل الكتف تسكن نأمة تلك الشرور المستطيرة قروناً في مملكو التبابعة وحمير.