انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 60/أخبار وأفكار

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 60/أخبار وأفكار

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 2 - 1911



الجمعية الخلدونية

في الشام ومصر وتونس جمعيات إسلامية كثيرة غايتها تعليم ناشئة الأمة وبث روح العلم والفضيلة في النفوس وأهما فيما نرى جمعية مآثر التربية والمقاصد الخيرية في بيروت والجمعية الخيرية في القاهرة وجمعية العروة الوثقى في الاسكندرية والجمعية الخلدونية في تونس، وأمامنا الآن الخطاب السنوي لرئيس الخلدونية ألقاه في الاجتماع السنوي لانتخاب رئيس وأحد عشر عضواً كما يقضي بذلك نظامها قال فيه أنه لا تسمو كلمة الأمة ولا يتقدم لها شأن إلا باشتراكها في السعي والعمل والقول والفكر وأنه من أجل هذا تألفت في العالم المتمدن الشركات والجمعيات الأدبية والعلمية واتحدت أفراداً أعلى شعوراً وإحساساً، فالرغبة في الحصول على هذه الغاية الشريفة سعى نخبة من فضلاء الأمة التونسية فوقفوا لتأسيس الجمعية الخلدونية العلمية التي مضى عليها الآن مدة تناهز أربعة عشر عاماً لم تزل في غضونها دائبة على القيام بوظيفتها من توسيع نطاق المعارف ونشر العلوم العصرية بين الشبيبة التونسية عامة وتلامذة الجامع الأعظم خاصة لاعتبار هذا المعهد العلمي كفرع للكلية الزيتونية.

ومع قيامها بتلك الوظيفة السامية لم تزل أيضاً تبحث عن الوسائل الموصلة لاستكمال ذلك وترتب الدروس في الفنون غير المزاولة بالجامع الأعظم زيادة على التاريخ والجغرافيا والحساب والهندسة من بقية العلوم الرياضية والطبيعية التي لا يحسن الجهل بها في الأوقات الحالية.

وقال: إن مادة بقاء الجمعية هي إعانة المشتركين من ذوي الغيرة والمروءة الذين قدروا المشروع حق قدره واستمروا على مساعدته بمالهم وعملهم، وعناية أعضاء لجنة إدارتها ورؤسائها الفضلاء السابقين الذين يحق للجمعية أن تفتخر بحزمهم وسعيهم في ترقية الجمعية وتصييرها من أرقى الجمعيات العلمية في شمالي إفريقية وخص من بينهم بالذكر سيدي محمد الاصرم الذي بذل جهده في هذا السبيل وأنفق وقتاً ثميناً من حياته لتحسين تراتيبها وأساليب تعليمها، ثم اهتمام السادة المدرسين الذين قاموا بما نيط بهم أحسن قيام وساعدوا الجمعية على نشر العلوم التي كانت مفقودة في تونس وترجمتها من اللغات الأجنبية إلى لغتنا العربية ونذكر في مقدمتهم سيدي البشير صفر والسيد حسن عبد الوهاب والسيد صادق التلاتلي والسيد عبد الرزاق الغطاس وغيرهم.

وقال: إن أهم نتيجة لعمل اللجنة في السنة السالفة مضاعفة الإعانة المالية المخصصة للجمعية من إدارة الأوقاف وما قررته بموافقة الجلسة العامة من تغيير مدة التعليم وتصييرها عامين بعد أن كانت عاماً واحداً حرصاً على أن يكون المتخرجون من مدرسة الجمعية أكثر علماً وأوفر استعداداً لتلقي الدروس العالية أو مباشرة الخدم المعاشية ومن تنظيم نظام التعليم بما يشمل بعض فنون عصرية كالحكمة والكيمياء وحياة الحيوان والإنشاء العربي ومبادئ اللغة الفرنسوية الخ.

هذا أهم ما ورد في خطاب الرئيس ولعل بعض قرائنا يودون الاطلاع على الغرض الحقيقي من تأسيس هذه الجمعية الراقية فنقول لهم نقلاً عن تقريرها سنة 1956 وهو يصدر باللغة الافرنسية أن أول من اقترح تأسيسها المسيو ريبيليه الملحق العسكري بالمقيم العام في تونس وكان من المتبحرين في المسائل الإسلامية والواقفين على حركة النهضة المصرية فوقع في نفسه أن في مكنة شبان تونس المتعلمين في المدارس الفرنسوية أن ينشروا في القطر التونسي الأساليب الحديثة المتبعة في بعض بلاد الشرق ويصلحوا جامع الزيتونة على ما يناسب حال النهضة العلمية الحديثة فإذا صلحت حال هذا الجامع الأعظم يصبح كما كان مبعثاً للنور في العالم الإسلامي ولا سيما في شمالي إفريقية، وهكذا سعى إلى تأسيس هذه الجمعية فأنشأها زمرة من الفضلاء والمفكرين ودعوها بالخلدونية نسبة إلى ابن خلدون المؤرخ الفيلسوف الذي وضع في مقدمته أصول التعليم والإصلاح العلمي.

ومن نظامها فتح دروس وإلقاء محاضرات في التاريخ والجغرافيا واللغة الافرنسية والاقتصاد السياسي وحفظ الصحة والطبيعة والكيمياء خاصة وأن تسهل على من فيهم استعداد لسلوك سبل الارتقاء في العلم وتنشط على أحداث خزائن كتب وأن تنشئ مجلة بالعربية والافرنسية تعرف العرب بالمدنية الفرنسوية والفرنسيس بالحضارة العربية.

وبعد تأسيسها بمدة أعطيت مدرسة من المدارس القديمة جعلتها محلاً لصفوفها ومسامراتها ومكتبتها التي كانت تحتوي سنة 1906 على 690 مصنفاً بالعربية والافرنسية وقعت في 1153 مجلداً وفيها الامهات الممتعة ولا سيما ما يتعلق بتاريخ تونس وعمرانها ومدنية الإسلام.

وقد لقي هذا المشروع معاكسات قوية بادئ بدء وكثرت فيه الظنون والتخرصات على نحو ما يلقى في العادة كل مشروع في الشرق ولكن عرف القوم بعد حين سلامة قصد القائمين وسكتت الألسن عن تناول الخلدونيين بسوء خصوصاً لما يرون من حماية سمو الباي والدولة المستعمرة لجمعيتهم ولأن المتخرجين في مدرستها إذا كانت بأيديهم شهادة يفضلون على غيرهم في الوظائف.

والدروس والمحاضرات التي تلقى في تلك المدرسة هي الحساب والهندسة والتاريخ والجغرافيا والطبيعة والكيمياء وقد أقاموا معملاً كيماوياً في مكتبة المدرسة ليطبقوا العلم على العمل ثم أضافوا إلى هذه الدروس علم المساحة ورسم الأراضي (الطبوغرافيا) والرسم والجبر، وأهم ما تدور عليه المحاضرات تدبير الصحة العلمية والنظام القضائي في تونس وقانون العقارات وعلم الحقوق الإسلامي والفرنسوي والاقتصاد السياسي والاقتصاد الزراعي يلقيها في الغالب أعضاء الجمعية وفيهم العلماء والكاتبون والباحثون باللغة العربية وكان المستمعون قلائل جداً بادئ الرأي قلما ثبتت الجمعية ارتقوا من العشرات إلى المئة والمئتين وكانت واردات الجمعية سنة 1906 - 6889 فرنكاً ونفقاتها كذلك ولا شك أنها زادت الآن بحسب حاجة العصر وارتقاء مدارك أهله، وقد انتخب لرئاسة الخلدونيين هذه السنة السيد عبد الجليل الزاوش من علماء تونس وأرباب الأفكار فيها.

بلغ مجموع إيراد هذه الجمعية الخيرية في سنة 1910 - 22340 جنيهاً و 76 مليماً منها 997 ج و 200 م اشتراكات و7172 ج 225 م إيجار أطيان و 2917 ج و 891 م للاحتفال السنوي منه مبلغ 2237 ج و 376 م لسنة 1909 و 524ج و 672 م تبرعات و 203 ج إيجار مباني الجمعية بيتي مزار وطنطا و75ج مرتبات خيرية وجنيه ومائة مليم إيرادات متنوعة عمومية و 6773ج و 500م أجور تعليم و1378ج و 561م ثمن كتب وأدوات مبيعة و1450ج مرتبات خيرية و 82ج و375م إيراد وقف المرحوم أحمد أفندي شاكر و663ج 78م تبرعات و 45ج جائزتا المرحوم علي باشا مبارك وحضرة عبد الرحمن بك رضا 55ج و765مليماً، وبلغ إجمالي المصروفات 18552 ج و 648م وبلغ الباقي بعد نفقات سنة 1910وهي نفقات التعليم والإعانة والصدقة الخصوصية والنفقات العامة 11034 جنيهاً و 328 مليماً.

التعليم الدنيوي

نشر المسيو كومبايري من علماء الفرنسيس مقالة في مجلة المجلات الباريزية بشأن التعليم الدنيوي (العلماني) في فرنسا وحاضره ومستقبله جاء فيها أن حكومة الجمهورية تصرف كل سنة 120 مليون فرنك على المعلمين والمعلمات عدا ما تنفقه على بناء البيوت لمعلمي المدارس ومعلماتها وأن عددهم يبلغ 53276 معلماً و 59315 معلمة بحسب إحصاء سنة 1905 يتخرجون ويتخرجن من 175 داراً للمعلمين يتقنون فيها ما يلزمهم تخريج الصبيان والبنات وكان عدد المتعلمين سنة 1907 في مدارس الحكومة الدنيوية 4، 542، 631 فتى وفتاة ما عدا 522947 ولداً في مدارس الأمهات العامة و 811231 تلميذاً في المدارس الخاصة و 228213 في مدارس الرهبنات وهكذا زادت فرنسا مدارسها في الثلاثين سنة الأخيرة فكثرت فيها كما كثرت كنائسها في القرون الوسطى وانتشرت المدارس حتى في القرى البعيدة فكان عدد مدارس القرى أو مدارس الشعب سنة 1843 بلغت 3800 مدرسة فأصبحت سنة 1907 - 68128 مدرسة.

ومع ما بذل من العناية لم توفق فرنسا إلى إخراج الأمة كلها من ظلمات الأمية فكان عدد الأميين من الجنود الذين كانوا تحت السلاح سنة 1908 - 9853 لا يقرأون ولا يكتبون و 4175 يقرأون فقط على حين كان في الجند العامل سنة 1872 - 56000 أمي وفرنسا مع كل ذلك لم تبلغ مبلغ جاراتها في قلة عدد الأميين في أبنائها، فإن في الجيش السويسري العامل وقدره 28 ألفاً عشرين أمياً فقط وفي الجيش الألماني واحد في الألف يعد في الأميين والسبب في كثرة الأميين في فرنسا بالنسبة لغيرها جهل بعض الآباء وإهمال الأولاد على كثرة تشديد المعارف والبلديات على أولياء الأولاد الذين يهملون إرسال أولادهم إلى المدارس الابتدائية يتعلمون ثلاث سنين ما يخرجهم عن حد الأمية، والسبب الاجتماعي الذي يدعو في الغالب إلى تخلف الأولاد عن دخول المدارس قلة ذات أيدي آبائهم فلا يستطيعون أن يظهروا في بزة تناسب حالهم بين أترابهم ولكن الحكومة تداركت الأمر وأنشأت منذ مدة صناديق للمدارس يضع فيها المحسنون صدقاتهم ومنها ينفق على الأولاد المحاويج ما يلزمهم من كسوة وطعام مغذ في الشتاء ولكن لم تعم هذه الطريقة أقطار فرنسا كلها وبلغ عدد الصناديق المدرسية 17 ألف صندوق 371 ألف مديرية أو مقاطعة.

وبعد أن قال أن الفقر هو من الدواعي الكبرى التي تحول بين أولاد الفلاحين والاختلاف إلى المدارس ذكر أن بعض الذكور يحتاجون أن يعملوا ليطعموا بعض أسرتهم ومن الإناث من يقمن على تربية أخواتهن وإخوتهن مدة تغيب والداتهن في الحقول وإن أولاد الفلاحين ينقطعون عن المدرسة لأنك تراهم معظم السنة يشتغلون بحش الحشيش أو الزرع أو الحصاد أو قطف الكروم.

ومن أعظم ما يحول دون تعميم المدارس الدنيوية طغمة رجال الدين فإنهم حرموا في فرنسا من يختلف إلى مدارس الحكومة لأنها لا تعلم الدين وطردوا أولاداً لم يرقهم أمرهم ومنعوا تلاوة كتب لم تؤلف على هواهم فالتعليم الدنيوي لم ينجح على ما يجب بعد لضعف الوازع الأخلاقي ولأنه من الصعب أن تعلم أمة بأسرها تعاليم العقل وتطبق نفسها على نظامه وإشراب التعليم الأخلاقي الآن لفتيان صغار في عقولهم لا يتأتى لهم أن يقدروا نتائجها حق قدرها.

ومن الطرق التي ارتآها بعض الأساتذة في إصلاح هذا الحال أن يعلم الكبار الذين لم يسعدهم الحظ بدخول المدرسة في صغرهم كما تفعل ألمانيا في تعليم جندها الأمي حتى يكون القرن العشرون قرن العناية بالشبان كما كان القرن التاسع عشر عصر العطف على الأطفال.

ويرون أن خطط الدروس الابتدائية كثيرة المواد يختلط بها ذهن التلميذ فالأولى الإقلال منها ما أمكن وطبع صورة إجمالية في ذهن التلميذ تعده فقط لمادئ طفيفة لا يتعب بها ذهنه وتكون برزخاً له إلى الانتقال إلى تعلم الصناعات المفيدة والتعليم الثانوي فالعالي.

وقد نصح الكاتب للأساتذة أن لا يدخلوا غمار السياسة ولا يسمعوا لكلام من ساءهم فصل الحكومة عن الكنيسة ويطمحون إلى أن ترفع الحكومة يدها من التعليم وتمنح المعارف استقلالاً حتى تكون للأمة مباشرة يريدون بذلك أن يجعلوا حكومة في حكومة فقال لهم ما قاله جول فري مؤسس التعليم الدنيوي لبعض الأساتذة: إياكم أن تأملوا أن يكون منكم رجال سياسة فخير لكم أن تنشئوا عشرين وطنياً صالحاً من أن تساعدوا على انتخاب نائب في مجلس الأمة.

وليس معنى المدارس الدنيوية أنها ضد الأديان بل معناه أنها على الحيدة لا يحب القائمون بأمر الأمة أن يلقي المعلم في المدرسة رأياً خاصاً له أو رأياً من الآراء التي تروج في الشوارع والأزقة بل تريده على أن يترك من وكل إليه تعليمهم أن يفكروا كما يشاؤون فإذا خالف ذلك وأورد لهم مبدأ دينياً يخون وطنه وأمته فالمدارس الدنيوية ليست مدارس الحاد فإذا كانت لا يذكر فيها اسم الله فليس الغرض منها أنها تخالف الله.

البعثة العلمانية

أصدرت البعثة العلمانية أو الدنيوية في بيروت مجلة يكون لسان حالها باللغات الثلاث العربية والتركية والافرنسية سمتها الرابطة وكل قسم من أقسامها منفصل عن الآخر فقرأنا فيها مطالب هذه البعثة في الشرق وقد أسست لتنفيذها مدارس في القاهرة والاسكندرية وسلانيك وبيروت وغيرها من البلاد والحواضر، وهي ترجو أن تتعدد في هذه البلاد التي فرقها التعصب دهراً طويلاً المدارس العلمانية مدارس التساهل والاتحاد والسلم التي يجتمع على مقاعدها الموسوي والعيسوي والمحمدي جنباً إلى جنب فيتعلمون كيف يحب بعضهم بعضاً ويخادع بعضهم بعضاً ويتضارسون؟!

وقد جاء في هذه النشرة أن البعثة العلمانية الافرنسية أنشئت لنشر التعليم اللاديني في غير فرنسا سنة 1902 وعدد أعضائها من الفرنسيس اليوم نحو عشرة آلاف يقسمون إلى عدة فروع منهم من يدفع فرنكين في السنة ومنهم من يدفع خمسة ومنهم من يدفع عشرة ومنهم عشرين والغرض من ذلك بث التساهل لا الطعن بالأديان وتعلم الحضارة الافرنسية والحضارة الشرقية بحسب حالة البلاد وأن عملها إنساني تقصد به تحسين حالة الناشئة في الماديات والمعنويات وتكميل الإنسانية في المعقولات والاجتماعيات، وذكرت كلاماً للفيلسوف ادغار كينه (1803 - 1874) أحد المبشرين الأول بالتعليم العلماني قال في الجمعية العلمانية: أنها تعيش بمبدأ حب الوطنيين بعضهم بعضاً بقطع النظر عن معتقداتهم فعسى أن تكون كما قال وأكده مئات بعده من أنصار الجمهورية وأحباب الاستعمار وبث الأفكار.

فلسفة أديسون

خالف هذه المرة أديسون الأميركاني مخترع الكهربائية جميع الفلاسفة الإلهيين في الاعتقاد بخلود النفس فصرح ولم يجمجم باعتقاده المادي وأنكر الخلود محاولاً أن يورد حجة على دعواه في حوار له مع أحدهم فقال: ليس الإنسان إنساناً بذاته بل هو بالخلايا التي فيه فالدماغ الإنساني هو كآلة فلا سبيل لنا من ثم إلى الاعتقاد بخلود الروح كما لا سبيل إلى الاعتقاد بخلود اسطوانة من اسطوانات آلتي الفوتوغرافية على أننا لم نجد حتى الآن أحداً قال بخلود الاسطوانة فلماذا نطالب به للأدمغة أو للقوة التي فيها، لا جرم أن ذلك ناشئ من كوننا لا نعرف هذه القوة التي نعتقد بخلودها إذاً فلنحكم بأن الكهربائية خالدة أيضاً لأنها قوة نجهلها.

هذا ما قاله الفيلسوف بالحرف وقد أحدثت تصريحاته اضطراباً شديداً في الولايات المتحدة وانطلقت الألسن في شرح أقواله في الأندية وقد صرح أديسون في خلال مقالاته أن خصومه يعثرون على حجج تؤيد ما ادعاه في كتاب من تأليف الدكتور طومسون اسمه الدماغ والشخصية إلا أن مصنف هذا الكتاب نفسه سئل عن رأيه في هذا الشأن فأجاب جواباً لم يكن ينتظر منه فقال: إن آراء أديسون مخالفة للعلم فالأمة التي لا تعتقد بخلود النفس يختل أمرها وقد رد بعض القسيسين على أديسون في معنى الخلود بقولهم إذا كان الإنسان كما يدعي أديسون مجموع مواد مختلفة متلاحمة من الخلايا فلا يكون أديسون مخترع الفوتوغراف بل مجموع خلايا فقط.

الفقراء في ألمانيا

نشأ عن كثرة الولادات وقلة الوفيات في ألمانيا أن كانت هذه الامبراطورية سنة 1870 أربعين مليوناً فأصبحت الآن أربعة وستين مليوناً وتزيد الولادات عن الوفيات تسعمائة ألف في السنة ولذلك نرى الفقراء كثاراً فيها وكذلك الاشتراكيون لأن معامل البلاد وصناعاتها وزراعتها لا تعول سوى أربعين مليوناً فقط ولذا يتوسل الألمان بجميع مالهم من الأسباب أن يقللوا من الشقاء في المدن والقرى فما تقوم به ألمانيا في برلين مثلاً لتخفيف شقاء الفقراء إنها افتتحت أربعة أسواق لا تباع فيها اللحوم إلا من الفقراء ويحظر رجال الشرطة والصحة دخولها على غيرهم من أهل السعة، والسبب في هذا الحظر هو أن اللحوم كلها سواء كانت لحم بقر أو عجل أو خروف أو خنزير لا تخلو من شبهة ولذلك لا يسمح ببيعها من الفقراء إلا إذا جعلت في معمل كيماوي يعقمها التعقيم العلمي فيقتل منها الجراثيم الضارة، وهذه الرخصة بالسماح ببيع اللحوم الملوثة قد لا يسمح بها في البلاد الراقية ولكن الألمان بالعلم أقسموا أن ينتفعوا حتى مما يضر ولا يطرحون شيئاً مهما بلغ من تفاهته وبذلك ينتفع جماهير المحاويج بتناول اللحوم اللازمة لهم في جهاد الحياة هناك.

تعلم اللغات

أقرب طريقة لدرس لغة من اللغات أن يتلقفها الطالب من أفواه أبنائها أو ممن يحسنها كأحدهم ولما كان هذا متعذراً على بعض الأشخاص ممن لم يسعفهم الحظ بوجود معلم ليدرسهم اللغة التي يطلبونها في بلدهم اخترع أحد الأميركيين آلة على نسق الحاكي يستطيع أن يدرس ابن أميركا اللغة الافرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية بواسطتها مع قليل من الكتب دون أن يتكبد نفقات الأستاذ أو عناء السفر إلى تلك البلاد ليدرس لغاتها.

أصل التصوير الشمسي

اخترع روجر باكون سنة 1297 م الغرفة السوداء المستعملة للتصوير الشمسي وفي سنة 1556 لاحظة بعض الكيماويين تأثير النور في الفضة وقام بروغام بعد حين وادعى إمكان حصول التأثير في العاج الحساس وذلك بمحلول الفضة.

والذي اخترع اكتشاف التصوير الشمسي في الحقيقة هما رجلان فرنسويان اسمهما نيبس وداكرونالا جائزة من حكومة فرنسا جزاء نشرهما طريقتهما وأقدم الصور الفوتوغرافية محفوظ في متحف شالون سورسون في فرنسا مسقط رأس نيبس وكان دوروتي درابر أول شخص رسم بالتصوير الشمسي وكذلك شقيقه رسم سنة 1829، وظل التصوير الشمسي يرتقي إلى أيامنا هذه حتى أعلنوا مؤخراً اختراع طريقتين جديدتين للتصوير البارز الناتئ وأنهما نجحتا وأعلنوا خبر اختراع التصوير الملون وهكذا لا ينتهي الاكتشاف والاختراع ما دام العقل البشري يعمل ويفكر.

أسباب الهجرة النبوية

أيها السادة:

كلمتي إليكم اليوم في أسباب الهجرة النبوية ونتائجها الأدبية

تعلمون أن كل مصلح قام في العالم سواء كان من الأنبياء الكرام أو العلماء الأعلام ناله من قومه اضطهاد ولاقت دعوته في بادئ الأمر صداً وإعراضاً والكتب الإلهية والتواريخ الاجتماعية شاهد حق على ما نقول.

إن أمام المصلحين وخاتم النبيين الذي نحتفل بعيد هجرته الشريفة اليوم لاقى كذلك فوق ما يلاقيه كل مصلح للهيئة الاجتماعية وعانى من أهل الحسد والبغضاء من بني عمه وغيرهم ما لم يعانيه نبي من قبل ومع هذا فقد كان منذ بعث إلى أن هاجر صابراً على الأذى لا يفتأ يدعو قومه إلى الإسلام ويعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج ويدعوهم إلى دينه وحمايته من حسد قومه ليتمكن بعد المنعة من بث الدعوة ونشر دين الهدى والحق ووضع قواعد الترقي الاجتماعي على أساس مكين.

لكن الذين يريدون الحقيقة نفسها ويقبلون الحق لأنه حق قليلون في البشر لا سيما في ذلك العصر وفي قوم حالهم من الجهالة معروف لذا لم تصادف دعوته قبولاً إلا من جماعة قليلين من قريش وغيرهم إلا أنه كان فيمن اتبعه من قريش مفر من وجوههم وأهل المكانة والعقل فيهم مثل أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأشباههم من السابقين الأولين وصناديد قريش الذين أيدوا الدعوة المحمدية ورفعوا بعد ذلك شأن الأمة العربية بل شأن الشرق كله على وجه بهر أنظار العالم وقلب نظام الاجتماع في كثير من أنحاء الأرض على ما تعلمون.

كان في إسلام هؤلاء ما يكفي أن يثير غيظ قريش وغضبهم وخوفهم على أوثانهم فاشتدوا في اضطهاد النبي وأصحابه فألجأوه في نهاية الأمر للهجرة إلى المدينة مع ذلك النفر من المؤمنين.

وذلك بعد أن دعا جماعة من الأوس والخزرج من سكان المدينة إلى الإسلام في أحد المواسم سنة عشر للبعثة وجاءه في السنة القابلة والتي بعدها جماعة منهم ببيعة قومهم فبايعوه بيعة العقبة الثالثة وقيل هي الثانية واستوثق له منهم عمه العباس بن عبد المطلب فأقسموا على نصرته وعاهدوه على تأييد دعوته ثم نصروه بالقول والفعل وسموا بعد ذلك أنصاراً ونعم هذا الاسم وحبذا الفخر بنصرة الحق والحقيقة والعدل.

أمر بعد ذلك أصحابه بالهجرة إلى المدينة فأخذوا يهاجرون ارسالا إلى جماعات مستخفين إلا بطل قريش وأشجع شجعانهم المهاجر بدعوة الحق رغماً عن أنوف المكابرين فخر الأمة الإسلامية بل فخر التاريخ عامة عمر بن الخطاب فإنه أعلن هجرته وخرج مهاجراً على ملاء جبابرة قريش فلم يسعهم منعه أو الوصول إليه بسوء.

اتصل بعد ذلك بالنبي خبر تآمر قريش على قتله فاتفق مع صاحبه أبي بكر على الخروج في نفس تلك الليلة التي عينوها لقتله وترك على فراشه علياً ابن عمه وخرج والقوم يرصدونه فزاغت أبصارهم عنه وأنقذه الله منهم رحمة بالإنسانية وإنقاذاً لكثير من الأمم من ظلمات الشرور.

وكان خروجه عليه السلام في مثل هذا اليوم المبارك ومن جميل المصادفات أنه كان يوم الاثنين كيومنا هذا الذي نحتفل فيه وذلك سنة ثلاث عشرة للبعثة فسلمه الله وصاحبه من كيدهم وبلغ مأمنه بسلام في قصة طويلة معروفة في التاريخ.

هذه أسباب الهجرة فما هي نتائجها الأدبية؟

عجيب أيها السادة أمر هذا الإنسان القوي الضعيف بينما يتطال أحياناً إلى أن يتناول بمداركه كل ما تحت السماء ينحط حيناً حيناً آخر إلى حضيض الغبراء، فمحمد إنما كان يريد حياة هؤلاء القوم ولكنهم كانوا يريدون قتله فما هذا التباين العظيم وكيف بلغت بهم قوة التمييز من الضعف هذا الحد؟

أريد حياته ويريد قتلي ... ولو علم الحقيقة ما أرادا

نعم جهلوا حقيقة النبي لا لنقص في ذكائهم الفطري واستعدادهم لقبول الفضيلة لأن ما ظهر منهم بعد بضع سنين من ذلك التاريخ يؤيد أنهم كانوا أذكى الشعوب وأعظمها قابلية للخير والفضيلة لكن الانصراف لعبادة الأوثان يدعو من طبعه للانصراف عن التفكر في خالق الوجود ويوجد الكمال في الطبيعة فيقف بالفكر عند حد محدود من التصور ويصده عن درك كثير من الحقائق عند عرضها عليه أو مفاجأته بما لم يألفه منها وهكذا كان شأن قريش والعرب عامة مع النبي في بادئ الأمر.

ولقد تحقق بعد لقريش وللعرب والناس كافة أن سلامة النبي من غائلة قريش في ذلك اليوم واستقرار الدعوة في مدينة يثرب هو مبدأ سعادة قريش أنفسها وسعادة مئات الملايين من البشر ونهاية القضاء في قسم عظيم من الأرض على عبادة الأوثان وعلى سلطة أفراد من سدنة الهياكل وكهنتها، سلطة لا حد لها لا على النفوس فقط بل على الضمائر والعقول أيضاً، أقول على الضمائر والعقول لأن احتكار العلم الذي يراد به احتكار السيادة الدينية ما عرف إلا بين جدران الهياكل حيث كانت تقيم طائفة من الناس تزعم أنها وارثة ايزيس واوزيريس وبعل وجوبيتر واللات والعزى وما لا يعد من الآلهة تسحر هذه الطائفة بما احتكرته من العلم عقول الشعب فتقوده حيث تشاء ولا تعطيه منه إلا بمقدار ما يستطيع مئات الألوف من البشر أن يبنوا هيكلاً للشمس أو قبراً لابن الشمس مكرهين مسخرين.

إن أطلال تلك الهياكل الفخمة وبقايا تلك القبور الهائلة الماثلة إلى اليوم تدل على أن ذلك النور الضئيل الذي كان ينبعث من وراء جدران الهياكل إنما كان من أجل الهياكل لا من أجل الشعب ولا أبالغ إن قلت أن بعض المدنيات القديمة للأمم البائدة احر بها أن تسمى مدنيات الهياكل بفضل أولئك السدنة الذين كانوا يحجبون عن العقول نور العلم الصحيح ونور الحقيقة الإلهية استعباداً للنفوس والأرواح وقد أخبرتنا الكتب المقدسة وأخبرنا التاريخ من أحاديث أولئك الطائفة من الناس بما يغني عن طول الشرح.

هذا هو السر في أن قريشاً وهي سدنة البيت العتيق اهتزت أعصابها واستشعرت الخطر على سيادتها الدينية لأول دعاء دعا به النبي وهو التوحيد أي قول لا إله إلا الله ولا عبودية لأحد سواه فأظهروا له العداوة والبغضاء وما زالوا به حتى ألجأوه وأتباعه إلى الهجرة عنهم ولو علموا أن هذه الدعوة مخبوء لهم تحتها فوق ما يزعمون من السيادة الوهمية وهي سيادة العلم والمدنية والسلطان العظيم في الأرض بما سيكون إليهم من ميراث الأمم لما فعلوا معه ما فعلوه ولكن أكثر الناس أعداء ما جهلوه.

ومهما كان الحال فقد كانت هجرته الشريفة خيراً لقريش وللعرب والانسانية جمعاء إذ تمكن بعد امتناعه بالأنصار من جمع كلمة العرب ووضع قواعد شريعته الغراء التي قيدت قيود عبودية البشر للبشر وفسحت للعقل مجال النظر في الكائنات فجعلت العلم مشاعاً بين بني الإنسان من الطبقات فندبت عامة الناس إلى تعلم العلم وتعلم اللغات والاستفادة من قواميس الكون وأسرار الطبيعة وجعلت قاعدة التفاضل بين المسلمين التقوى والعلم فلا يفضل عالم جاهلاً إلا بعمله، ولا يفضل تقي شقياً إلا بعمله.

فكان من هذا نذير عظيم بالتبدل العتيد لشكل المدنية القديمة والعلم الناقص انتفض له جسم الإنسانية الهامد تحت ضغط الخرافات الوثنية التي شيبت به علوم الأقدمين ونشطت النفوس إلى تناول حقها الطبيعي من هذا الوجود بما قرره الإسلام من مبادئ الاشتراكية العامة الصحيحة التي مبناها أن العقل رأس مال كل فرد فمن حق كل فرد أن يتناول من العلم ما استطاع ليتساوى مع أخيه في الاشتراك بمرافق الحياة.

وهذا هو السر في أن المدنية العربية كانت أرقى مدنية سبقتها وأن العرب فعلوا في قرنين ما لم يفعله غيرهم في قرون وكانوا أسرع الأمم سيراً في سبيل المدنية وتبسطا في الحضارة فما لبثوا بفضل الإسلام جيلاً وبعض جيل آخر حتى نشروا سيادتهم ودينهم ولغتهم في أحسن أجزاء المعمور ولما توطدت لهم دعائم على عهد الدولتين دولة الخلفاء الراشدين ودولة الأمويين وقبضوا على زمام السيادة السياسية في معظم الممالك القديمة صرفوا عنايتهم للأخذ بأزمة السيادة العلمية فلم يكفهم ما كتبوه واشتغلوا به من علوم الشريعة والأدب واللغة والتاريخ وسائر فنون العربية بل اهتموا بترجمة كتب اليونان في الفلسفة والفلك والهندسة والكيمياء والطبيعة وغيرها فكان اهتمام عامتهم بنقل هذه العلوم إلى اللغة العربية كاهتمام خاصتهم وخلفائهم ووزرائهم فكما كان الخليفة المأمون يعطي حنين بن اسحق المترجم عن كل كتاب ينقله إلى العربية زنته ذهباً مثلاً بمثل ما كان بنو موسى بن شاكر المهندسون وهم من عامة الشعب يعطونه كل شهر خمسمائة دينار من أجل الترجمة هذا فضلاً عما كانوا ينفقونه من الأموال على الكتب التي كانوا ينفذون في طلبها من بلاد الروم والأصقاع البعيدة بالثمن الباهظ.

وكما كان كذلك محمد بن عبد الملك الزيات الوزير ينفق على المترجمين من ماله الخاص نحو ألفي دينار في الشهر وكثيرون غير هؤلاء من الخلفاء والوزراء والعلماء من كانوا ينفقون على استحضار كتب العلم وترجمتها.

لم يقف بهم الأمر عند هذا الحد من تعلم العلم وتعليمه ونشره عملاً بأوامر صاحب الهجرة وواضع أساس المدنية الصحيحة عليه الصلاة والسلام بل عمدوا إلى تأسيس المدارس فأنشأ العباسيون أول كلية جامعة في بغداد على عهد الرشيد والمأمون سميت دار الحكمة وكانت تدرس فيها سائر العلوم الحكمية كالفلسفة والطب والكيمياء والهندسة والفلك وغيره ثم المدرسة النظامية ثم المستنصرية في بغداد أيضاً وحذا حذوهم في ذلك الأمويون في الأندلس والفاطميون في مصر حتى وصلوا سلسلة المدنية المنقطعة من عهد سقوط دولة الرومان بحلقة من المدنية العربية كان لها الفضل العظيم على العالم المتمدن لهذا العهد لأنها كانت الصلة المتممة لترقي الإنسان وترقي المدنية بما مهدته لعلماء أوروبا من سبل المدنية الحديثة.

عجيب أمر هذه الأمة أيها السادة ولقد يكاد يظن القارئ لإخبارها أن رقيها السريع من الخوارق وما هو كذلك بل هو نتيجة الإفراج عن العلم وإخراجه من بين أسوار الهياكل وجعله مشاعاً مشتركاً بين الناس يتناول عقل كل فرد نصيبه منه وحقه أن يتناول ذلك ما دام العلم ثمرة من ثمرات العقل.

عرف المسلمون في إبان مجدهم ومدنيتهم هذه القاعدة وحرصوا على مبدأ الاشتراكية العامة فلكي لا يكون العلم محتكراً لطائفة أو قاصراً على فريق دون فريق تغالوا في إنشاء المدارس المتنوعة بتنوع المشارب والعلوم تغالياً لم تجارهم في أمة من قبل فجعلوا مدارس لتلقي علم الحديث سموها دور الحديث ومدارس لفروع الشريعة على عدد المذاهب فمدارس الشافعية غير مدارس الحنفية ومدارس المالكية غير مدارس الحنابلة ثم مدارس الحكمة التي يدرس فيها الطب والفلسفة والرياضيات والفلك وغيره من العلوم الحكمية وكانت أكثر هذه المدارس داخلية ذات غرف يأوي إليها الطلبة ولم يكن التعليم فيها مجاناً فقط بل كان للطلبة فوق ذلك جرايات ومرتبات تغنيهم عن العمل لغير العلم.

ومن أدلة تغالي هذه الأمة في إنشاء أمثال هذه المدارس كتاب خطي موجود في مكتبتي اليوم في نحو ألف صفحة وهو خاص بمدارس دمشق وحدها من القرن الخامس إلى التاسع وفيه تاريخ مائتي مدرسة أو تزيد على ذلك منها ثلاث مدارس طبية أنشئت في عصر واحد في مدينة واحدة من المدن الكبرى الإسلامية كحلب والموصل وبغداد وسمرقند والقاهرة وتونس ومراكش وطليطلة وإشبيلية وغرناطة وغيرها من المدن الشهيرة التي كانت تفيض أنوار العلم والمدنية على الشرق والغرب.

أما تأثير هذه المدارس وعلوم العرب وآدابهم التي كانت تدرس فيها في أهل الغرب وعلوم المدنية الحديثة فمما لا يتسع لذكره هذا المقام ويكفي فيه شهادة علماء الافرنج أنفسهم فإذا سمحتم لي أتلو عليكم شيئاً من شهادة عالم محقق كبير من علماء أوروبا فيما للعرب من الفضل على المدنية وهو العلامة سديو صاحب تاريخ العرب.

قال هذا النصف المحقق في مقدمة كتابه المذكور بعد أن أثنى على أخلاق نبينا وعمله الجليل في جمع كلمة العرب: وأما تواريخ الخلفاء الراشدين وكذا الأموية في دمشق وقرطبة والعباسية في بغداد والفاطمية في مصر ووصف تمزيق الممالك الإسلامية التي أغار عليها المغول فدونها الافرنج تدويناً حسناً وأضفنا إليها ما تركوه من أصولها وهو وصف المدنية العربية التي تمكنت أصولها في آفاق الدنيا القديمة أقوى تمكن ولا نزال إلى الآن نرى آثاره حين نبحث عن مستمد مبادئ ما نحن عليه من المعارف الأوروبية فإن العرب في غاية القرن الثامن من الميلاد تركوا صفاتهم الحربية وشغفوا بنيل المعارف حتى أخذت عما قليل مدائن قرطبة وطليطلة والقاهرة وفاس ومراكش والرقة وأصفهان وسمرقند تفاخر بغداد في حيازة العلوم والمعارف وقرئ ما ترجم إلى العربية من كتب اليونان في المدارس الإسلامية وبذل العرب همتهم في الاشتغال بجميع ما ابتكرته الافهام البشرية من العلوم والفنون، وشهروا في غالب البلاد خصوصاً البلاد النصرانية من أوروبا ابتكارات تدل على أنهم أئمتنا في المعارف.

ولنا شاهداً صدق على علو شأنهم الذي يجهله الافرنج من أزمان مديدة الأول ما أثر عنهم من تواريخ القرون المتوسطة وأخبار الرحل والأسفار والقواميس ما اشتهر من الأمكنة والرجال والمجاميع الشاملة لكثير من الفنون الفاخرة، والثاني ما كان لديهم من الصناعات الفائقة والمباني الفاخرة والاستكشافات المهمة في الفنون وما أوسعوا دائرته من علوم الطب والتاريخ الطبيعي والكيمياء الصحيحة والفلاحة والعلوم الصحية التي مارسوها بغاية النشاط من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر من الميلاد أي من القرن الثالث إلى القرن العاشر الهجري.

إلى أن قال بعد تخطئة بعض علماء الافرنج الذين قالوا أن الهنود والصينيين أعلم من العرب:

وأما المدرسة البغدادية المدونة للعلوم التمدنية في الفترة التي بين عصر يونان الاسكندرية والأعصر الأخيرة فكانت مساعدة على استيقاظ أهل أوروبا من رقدة الجهالة ونشر أنوار المعارف في جميع ممالك آسيا.

وبعد أن ذكر كيفية انتقال العلوم من العرب أو بواسطتهم إلى ممالك آسيا، الصين، والهند، والتركستان وغيرها قال: ثم اطلع أهل الغرب من أوروبا على أسرار تلك العلوم فأخذوا يشتغلون بها حتى جددوا في البلاد الافرنجية المدنية واللغة العربية وفنونها الأدبية التي أخذت كل يوم في زيادة الانتشار بين الافرنج وما زلنا إلى الآن نستكشف أموراً مهمة (يريد من القضايا العلمية) من الكتب العربية القديمة وأن عزي ابتكارها زوراً إلى بعض المتأخرين من الإفرنج.

هذه شهادة عالم أجنبي عن أوطاننا ولغتنا وديننا تشعر أن المدنية العربية وآدابها عمت منافعها الشرق والغرب وأن العرب كانوا أساتذة العالم بلا نزاع وبالتالي كان لهم الفضل على العالم أجمع وقد شهد كثير من علماء أوروبا ومحققيها مثل هذه الشهادة كالعالم دساسي والعالم دربي والعالم كوستاف ليون وغيرهم ولمن كان الفضل في هذا كله؟ كان لصاحب الشريعة الإسلامية الذي نحتفل بعيد هجرته اليوم ولأمته النجيبة التي خدمت العلم والمدنية والإنسانية جمعاء خدمة لا ينكرها إلا العوام الجاهلون الذين في قلوبهم مرض وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون.

فسلام على يثرب وسلام على ساكنها العظيم وسلام على أمته النجيبة وعليكم أجمعين.

رأس السنة الهجرية

هل الهلال فحيوا طالع العيد ... حيوا البشير بتحقيق المواعيد

يا حرف شك ستلقانا على ثقة ... وقد عقدنا المنى في نون توكيد

كأن حسنك هذا وهو رائعنا ... حسن لبكر من الأقمار مولود

لله في الخلق آيات وأعجبها ... تجديد روعتها في كل تجديد

  • * *

فتيان مصر وما ادعو بدعوتكم ... سوى مجيبين أحرار مناجيد

سوى الأهلة من علم ومن أدب ... مؤملين لفضل غير مجحود

المستسر شعار المقتدين به ... العاملين بمغزى منه مقصود

في العين رمز لميقات يحد به ... وفي النهى رمز جد غير محدود

ما زال من مبدأ الدنيا ينبئنا ... أن التمام بمسعاة ومجهود

فإن تسيروا إلى الغايات سيرته ... إلى الكمال فقد فزتم بمنشود

  • * * اليوم عيد به معنى السرور لكم ... ولم يكن بدؤه يوماً لتعييد

رسالة الله لا تنهى بلا نصب ... يشقى الأمين وتغريب وتنكيد

رسالة الله لو حلت على جبل ... لاندك منها وأضحى بطن أخدود

ولو تحملها بحر لشب لظى ... وجف وانهال فيه كل جلمود

فليس بدعاً إذا ناء الصفي بها ... وبات في ألم منها وتسهيد

ينوي الترحل عن أهل وعن وطن ... جاراً عليه بقلب منه مكمود

يكاد يمكث لولا أن تداركه ... أمر الإله لأمر منه موعود

  • * *

فإذا غلا القوم في إيذائه خطلا ... وشردوا تابعيه كل تشريد

دعا الموالين إزماعاً لهجرته ... فلم يجبه سوى الرهط الصناديد

مضى هو البدء والصديق يصحبه ... يغامر الحزن في قفراء صيخود

مولياً وجهه شطر المدينة في ... ليل أغر على الأدهار مشهود

حتى إذا اتخذ الغار الأمين حمى ... ونام بين صفاء نوم مجهود

حنا عليه فما مثواه منه سوى ... مثوى الجنين من البكرية الرود

ياللعقيدة والصديق في سهر ... تؤذيه أفعى ويبكي غير منجود

إن العقيدة إن صحت ولزلزها ... مفني القرى فهي حصن غير مهدود

أما الذين بقوا من صحبه فتلوا ... سارين في كل مسرى غير مرصود

ماجند قيصرا وكسرى إذا افتخروا ... كهؤلاء الأعزاء المطاريد

كأنهم في الدجى والنجم شاهدهم ... فرسان رؤيا لشأن غير معهود

في حيطة الله ما شعت اسنتهم ... فوق الظلال على المهرية القود

  • * *

عانى محمد ما عانى بهجرته ... لمأرب في سبيل الله محمود

وكم غزاة وكم حرب تجشمها ... حتى يعود بتمكين وتأييد

كذا الحياة جهاد والجهاد على ... قدر الحياة ومن فادى بها فودي

أدنى الكفاح كفاح المرء عن سفه ... للاحتفاظ بعمر رهن تحديد وضل زاعم سوء لا اضطلاع له ... فالمجد إذ قال من يخلق فقد عودي

ليغنم العيش طلقاً كل مقتحم ... وليبغ في الأرض شقا كل رعديد

ومن عدا الأجل المحتوم مطلبه ... عدا الفناء بذكر غير ملحود

  • * *

لقد علمتم وما مثلي ينبئكم ... لكن صوتي فيكم صوت ترديد

ما أنتجت هجرة الهادي لأمته ... من صالحات أعدتها لتخليد

وسودتها على الدنيا بأجمعها ... طوال ما خلقت فيها بتسويد

بدا وللشرك أشياع توطده ... في كل مسرح باد كل توطيد

والجاهليون لا يرضون خالقهم ... إلا كعبد لهم في شكل معبود

مؤلهون عليهم من صنائعهم ... بعض المعادن أو بعض الجلاميد

مستكبرون أباة الضيم غر حجى ... ثقال بطش لدان كالأماليد

لا ينزل الرأي منهم في تمزقهم ... إلا منازل تشتيت وتبديد

ولا يضم دعاءً من اوابدهم ... إلا كما صيح في عقر ابابيد

ولا يطيقون حكماً غير ما عقدوا ... للذي لواء على الأهواء معقود

بأي حلم مبيد الجهل مرهقه ... وأي عزم مذل القادة الصيد

أعاد ذاك الفتى الأمي أمته ... شملاً جميعاً من الغر الأماجيد

لتلك تالية الفرقان في عجب ... بل آية الحق إذ يبغي بتأكيد

صعبان راضهما توحيد معشرهم ... وأخذهم بعد إشراك بتوحيد

وزاد في الأرض تمهيداً لدعوته ... بعهده للمسيحيين واليهود

وبدئه الحكم بالشورى يتم به ... ماشاءه الله عن عدل وعن جود

هذا هو الحق والإجماع أيده ... فمن بفنده أولى بتفنيد

أي مسلمي مصر دين الجد دينكم ... وبئس ما قيل شعب غير مجدود

طال التقاعس والأعوام عاجلة ... والعام ليس إذا ولى بمردود

هبوا إلى عمل يجدي البلاد فما ... يفيدها قائل يا أمتي سودي

سعياً وحزماً فود العدل ودكم ... وإن رأى العدل قوم غير مودود لا تتعبوا لا تملوا إن ظمأتم ... إلى غدير من الأقوام مورود

تعلموا كل علم وانبغوا وخذوا ... بكل خلق نبيه أخذ تشديد

فكوا العقول من التصفيد تنطلقوا ... وما تبالون اقداماً بتصفيد

مصر الفؤاد فإن تبغوا سلامتها ... فالشرق ليث وقد صحت بمفؤد

الشرق نصف من الدنيا بلا عمل ... سوى المتاع بما يضني وما يودي

الغرب يرقى وما بالشرق من همم ... سوى التفات إلى الماضي وتعديد

تشكو الحضارة من جسم أشل به ... شطر بعد وشطر غير معدود

  • * *

أبناء مصر عليكم واجب جلل ... لبعث مجد قديم العهد مفقود

فليرجع الشرق مرفوع المقام بكم ... ولتزه مصر بكم مرفوعة الجيد

ما أجمل الدهر إذ يأتي وأربعنا ... حقيقة الفعل والذكرى بتمجيد

والشرق والغرب معوانان قد خلصوا ... من حاسد كائد كيداً لمحسود

صنوان بران في علم وفي عمل ... حران من كل تقييد وتعبيد

لا فعل يخطئ فيه الخير بعضهما ... إلا تداركه الثاني بتسديد

ولا خصومة إلا في استباقهما ... لما يعم بنفع كل موجود

  • * *

هذي الثمار التي يرجو الأنام لها ... من روضكم كل نام ناضر العود

لمصر والشرق بل للخافقين معاً ... دع زعم كل عدو الحق مريد

جوزوا على بركات الله عامكم ... فقد تبدل منحوس بمسعود

رجاؤكم أبداً ملء النفوس فما ... ينفى بحسنى ولا يوهى بتهديد

بدا الفلاح وفي هذا الهلال لكم ... بشرى التمام لوقت غير ممدود

غداً نرى البدر في طرس السماء محا ... بخاتم النور زلات الدجى السود

الصيد في انكلترا

لا يخفى ما في الصيد من المنافع الاقتصادية فإن بعض الأقطار تتوقف حياتها على الإكثار منه فإن في إنكلترا مثلاً 456 سرب كلاب وتكلف النفقة على كل واحد منها 25 ألف فرنك في السنة وبقدر ما يصطادون من المرات في الأسبوع، فإذا صادوا أربع مرات في الأسبوع مثلاً يكلف في السنة مئة ألف فرنك كل سرب من الكلاب ومجموع ما تنفقه إنكلترا على كلابها 18، 250، 000 فرنك ويلزمها مائتا ألف حصان للصيد وثمن كل واحد منها تعدل قيمته بألف وخمسمائة فرنك فمجموع قيمتها إذاً اثنا عشر مليون فرنك وتكلف نفقة كل حصان في السنة ألف فرنك أي ثمانية ملايين فرنك من حيث المجموع ويقدرون ما يأتي من أرباح الصيد في إنكلترا للتجار وأرباب المزارع وغيرها بخمسين مليون فرنك يستفيد منها الفلاحون وتجار الخيل والسياس والسروجيون والخياطون وسكك الحديد والحوذيون وأرباب الفنادق والقصابون والحراس وغيرهم وإذا بطل الصيد يفقد هؤلاء ملايين من الفرنكات ينتفعون بها لقوام حياتهم.

طلبة السوريين

بلغ عدد طلاب سورية الذين يتلقون العلوم المختلفة في مدارس أوروبا ولا سيما في فرنسا خمسين طالباً أكثرهم من دمشق وبيروت.

تبدل الاهوية

لا يزال الشيوخ في بلاد الشام يذكرون أن الأمطار والثلوج كانت تتصل سلسلتها منذ خمسين عاماً أياماً وليالي تمنع الناس عن الخروج في الأسواق في المدن والفلاحين عن تعهد حقولهم وحدائقهم في القرى مدة طويلة وقد بطل ذلك اليوم فتبدلت تلك الثلوج والأمطار الغزيرة ببرد وجليد يدوم أسابيع فيهلك الزرع والضرع كما حدث في الشهر الماضي فدام الجليد المضني زهاء شهر ونزلت درجة الحرارة إلى سبعة تحت الصفر في المحال المعتدلة كدمشق مثلاً وذلك بالميزان المئوي وهلك نحو ثلث الماشية في بعض أنحاء سورية لقلة المراعي وتضررت المزروعات الشتوية والأشجار المثمرة بالجليد المتصل وقلة الأمطار المنعشة وإذا دام الحال في احتطاب الغابات على هذا المنوال تصبح سورية جرداء مرداء على ما ورد في مبحث غابات سورية من هذا الجزء، وهناك الضرر العظيم في قلة المياه في الصيف فتجف الجداول والأنهار وتصبح أكثر الأصقاع المخصبة قاحلة كل هذا والحكام غافلون أو متغافلون والسكان جاهلون أو متجاهلون.

شجرة الماء بحث بعض العلماء في أميركا هذه الآونة في شجرة الماء التي يكثر وجودها في الأصقاع القطبية من أميركا وذكرها كثير من أرباب الرحلات في سياحتهم وهي شجر كالصبار يحتوي جذعه كمية مهمة من الماء الذي يشرب وأشهر هذه الأشجار شجرة البيزناكا وفيها عصير مائي بكثرة ويستخرج الماء منها بأداة حادة من مدية أو فأس تقطع بها رأس الشجرة وإذا لم يجد السائح أداة قاطعة بكسر الأشواك منها ثم يحطم رأسها بحجر كبير وبهذا ترفع طبقة غلظها من 15 إلى 20 سنتمتراً فينزع لباً مغشى في ثقب يحوي نحو عشرة لترات من الماء فيسحقون اللب باليدين فيخرج منه سائل لذيذ يروي الظمأ وهو أرق من الهواء، وفي كل صبارة لتراً إلى ثلاثة لترات من الماء ويتخذ هنود أميركا من هذا الشجر ما يروون به ظمأهم بعض أشهر السنة ويفضلون ماءها على كل ماء ويستعملونه لطبخ البط وغيره من الطيور التي يصيدونها في تنقلاتهم، ومن هذا الشجر نوع اسمه ساكوارو له مثل خاصية الشجر المتقدم ذكره ولكن يمازج ماءه شيء من المواد المرة، قالت المجلة التي ننقل عنها وقد دلت التجارب أن السياح لو كان معهم إنبيق أو آلة للتقطير لما صادفوا في سبيلهم صعوبة في اختيار الماء الجيد وقد صنع أحدهم آلة تحمل مع السائح تفي بهذا الغرض فيقطر بها في الحال من ثلاثين إلى أربعين لتراً من الماء المقطر السالم من مضار الماء الملوث في مثل هذه الواحات.

هجرة الأوروبيين

الظاهر أن قد اكتفت الولايات المتحدة الأميركية بمن نزلها من الأوربيين مهاجرين إليها منذ قرن إذ قد خف معدل قاصديها من أهم الممالك الأوربية، فقد كان عدد من هاجر إليها من النمسا والمجر سنة 1907 - 300 ألف فأصبح سنة 1909 - 170ألفاً وكان عدد المهاجرين من إيطاليا 285 ألفاً تلك السنة فنزل إلى 183 ألفاً وكان المهاجرون الروسيون 258ألفاً فتناقص إلى 130ألفاً والانكليز من 56 ألفاً إلى 32 والفرنسيس من 9700 إلى 6700 وسكان جنوبي أوروبا يقصدون في الغالب الجمهورية الفضية في جنوبي أميركا ففي تلك الجمهورية نصف مليون من الاسبانيول وثمانمائة ألف من الطليان في حين أن سكانها لا يتجاوزون السبعة ملايين منهم خمسة ملايين من الأهالي الأصليين.

مدرسة الفنادق عزمت باريزان تنشئ لها مدرسة لتعليم أرباب الفنادق وليست باريز هي التي ابتكرت هذا الفكر بل سبقتها إليه سويسرا وألمانيا وإيطاليا يعلمونهم كيف يرفهون السائحين والنازلين ويستجمعون صفات الراحة والهناء وفيها تلقى دروس نظرية وعملية يفهمها كل سامع فيتعلم فيها الطلبة علم سرعة الاستملاء والحساب والجغرافيا الوصيفية وبعد دراسة ثمانية أشهر يطبقون ما تعلمونه بالنظر على العمل تحت نظارة العارفين والفاضلين.

البساط المدفئ

اخترعوا بساطاً من نسيج أسلاك الحديد أشبه بشعرية معدنية ذات حلق مسردة يمد على أرض الغرفة التي يراد تدفئة أرجل الجلوس فيها خصوصاً الزوار الذين يدخلون مخدع الضيوف وأرجلهم ترتجف من البرد، وهذا البساط يمس المجرى الكهربائي بوساطة آلات التنوير أو الجرس الكهربائي، وهذه الآلة مغشاة بنسيج ملطف يمنع المعدن مما يضربه، ونفقة هذا البساط في الساعة لا تتجاوز الخمسة سنتيمات، وهكذا لم يكتف أهل الغرب بما لديهم من أدوات الدفء من المواقد المنوعة ومنها بالكهرباء وأخرى بالغاز وبعضها بالبترول وأخرى بالفحم الحجري أو بالحطب بل رأوا أن تدفأ الأرجل أيضاً في الحال وما ندري ماذا يهديهم إليه البحث بعد ذلك للرفاهية والراحة.

المعارف في يابان

بلغ عدد المدارس الابتدائية في يابان 28 ألف مدرسة وعدد مدارس المعلمين للقسم الابتدائي 64 وعدد المدارس الثانوية 370 و 3 مدارس عالية لتخريج معلمي المدارس الابتدائية والثانوية و 8 مدارس عالية للطلبة الذين لا يريدون الدخول إلى كليتي طوكيو وكيوتو اللتين تحتويان على 12 مدرسة عالية، هذا عدا 49 مدرسة عالية للبحرية والحربية والطب والصناعات المختلفة، وعدد المدرسين في هذه المدارس كلها 125 ألف مدرس وعدد الطلبة 5، 565، 495 طالباً منهم 5، 144، 000 في المدارس الابتدائية الإجبارية، ولا يعلم الدين في مدارس الحكومة.

تدبير الغذاء

الصحة هي الثروة الأولى التي يجب الدفاع عنها ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتدقيق في تدبيرها بالتغذية المعقولة والسير في العمل والراحة على ما يقتضيه تركيبنا وما خص به الخالق بني البشر من القوى الطبيعية والعقلية، فنحن لا نحسن استنشاق الهواء ولا السير على الأقدام ولا المنام للراحة ونهمل أمر عضلاتنا ونسيء استعمال أعصابنا فنفتح بصنعنا الباب للجراثيم الضارة فتهاجمنا وتحيط بنا خصوصاً وهي مستعدة إلى التسرب على الدوام إلى خلايانا لتعبث بها وتعيث، ولكن إذا أحسنا الغذاء والعمل والراحة والنزهة والنوم وكانت لنا إرادة قوية يكون لنا من الصحة ما نتغلب به في معترك هذه الحياة الاجتماعية.

فقد قال الحكيم اليوناني: اعرف نفسك فإذا عرفت نفسك وعرفت مزاجك تضع لها تدبيراً صحياً من الغذاء والرياضة ينفعها، ومعلوم أن أمزجة الناس أربعة المزاج اللمفاوي أو البلغمي والمزاج الدموي والمزاج العصبي والمزاج الصفراوي، ومن النادر أن يخرج الإنسان عن أحد هذه الأمزجة الأربعة بل يكون مزاجه مؤلفاً من اثنين أو ثلاثة منها ويكون أحدهما متغلباً على الآخر وهذا هو الذي تجب مراعاته في تدبير الغذاء والأعمال، والجهل بالمادة الغذائية من كل طعام من الأمور التي لا تحتقر ومعرفتها أهم في قوام البنية مما يتوهم بعض العامة وذلك من الوجهتين الصحية والمنزلية.

وما المعدة إلا بيت نار وقوده الأطعمة وعملها الكيماوي مع استنشاق الهواء يحدث الحرارة اللازمة لبقاء الجسم وتحويل ما يدخل فيه وما يخرج منه بقدر ما يتناوله من الغذاء، وقد حسب علماء منافع الأعضاء هذه الحرارة بحساب الكالوري فهم يقدرون معدل ما يلزم لرجل بالغ أشده من 2800 إلى 3000 من الكالوري أو قياس الحرارة، وإليك الآن كميات الكالوري التي تنشأ من الطعام الأكثر استعمالاً وهي مقدرة بمئة غرام أي أنك إذا تناولت 100 غرام من السمك تحصل على 113 من الكالوري: ففي السلطة 12 من الكالوري وفي الملفوف 27 وفي الثمار اليابسة 31 وفي البقول الخضرة 37 وفي اللبن (الحليب) 62 وفي البطاطا 83 وفي اللحم 94 وفي البيض 153 وفي الخبز 255 وفي الأرز 345 وفي البقول اليابسة 362 وفي السكر 380 وفي الشوكولاتا 415 وفي الجبن 466 وفي الزبدة 751.

فلك أن تحصل على 2800 من الكالوري إذا تناولت 600 غرام من الخبز والمعجنات يكون منها (1530) من الكالوري و 280 غراماً من اللحم منها 363 و 50 غراماً من السمك و 30 من البيض و 200من البقول الطرية و50 من البطاطا و40 من البقول النشوية و40 من الثمار و20 من الزبدة و10 من الجبن و20 من السكر الخ أي نحو كيلوغرامين من الغذاء كل يوم وهو ما يلزم المرء في الأربع وعشرين ساعة.

ويستثنى من هذا التدبير من يعمل وهو جالس فإن تناول هذا القدر ضار به بل يلزمه 350 غراماً من الخبز و 150من اللحم و 100من البقول الطرية و200 من البطاطا و 250 من اللبن و40 من السكر و25 من الزبدة و 15 من الأرز و100 من الثمار أي ما يكون منه 2100 كالوري وعلى العكس فمن يعمل أعمالاً تحتاج إلى أتعاب الجسم فإنه يحتاج أن يرفع درجة الكالوري من 3200 إلى 3600 لا بزيادة ما يتناوله من اللحم فإنه لا يحصل منه سوى عشرة في المئة مما يجب لقوام بنيتنا من الدهن والكربون والزلال بل يتناول الخبز واللبن والبيض واللوبياء والعدس والفواكه والسكر وفيها 23 في المئة مما يجب لنا، وإن كيلوغراماً واحداً من البقول كالباقلاء واللوبيا والعدس والحمص لتساوي ثلاث لبرات ونصفاً من اللحم واللبرة خمسمائة غرام.

ويحتوي الخبز واللبن والبيض على جميع المواد اللازمة للتغذية في غذاء تام ثم يجيء الأرز واللحم على اختلاف أنواعه والبقول الطرية وهي أقل في التغذية من الأصناف الثلاثة الأولى والسكر غذاء العامل ومولد القوة والمعوض عما فقده الجسم من التعب والسمك نافع في التغذية لما فيه من الفوسفور وللفوسفور دخل في تركيب بنيتنا وأعصابنا فمن كانت أشغالهم عقلية أو من كانوا في سن الطفولة من الأولاد ينبغي لهم أن يتناولوا من السمك أكثر من غيرهم ليساعد ذلك على نموهم، ويقول الدكتور متشنكوف الشهير أن من يشرب مصل الحليب كل يوم يطول عمره ولا يهرم بالشيخوخة لأن فيه باشلساً أو جراثيم صغيرة تهلك الجراثيم المضرة التي يعيش منها ملايين في الأحشاء.

والحرشف (الأرضي شوكي) تكثر فيه المادة القابضة وهو مقو يمنع الإسهال ومدر للبول، والملفوف صعب الهضم لا يلائم المعد الضعيفة، والسبانخ ملين للبطن ويسميه الافرنج مكسنة الأحشاء ومن خصائصه هو والكراث أنهما يصفيان اللون، والبقلة الحامضة (الحميض) تسهل الهضم ومن كان فيهم استعداد لمرض الحصاة ينبغي لهم الامتناع عنها بالكلية، والبندورة مقبلة ومرطبة وعلى المصابين بالنقرس والحصاة والرثية (داء المفاصل) أن يمتنعوا عن تناولها، والكرفس النيء عسر الهضم والأخذ منه باعتدال يقوي من ضعفت أعصابهم وإذا تناول منه المصاب بالنقرس يكون له كالتوابل اللطيفة، والهليون مدر للبول ويجب تناوله طرياً، والبطاطا نافعة لأرباب المعد القوية وأرباب المعد المتعبة ينبغي لهم تناولها ممروثة، والخس مرطب ونافع لالتهاب الأحشاء وأمراض الكلى، والبقدونس فهو مهيج معرق مدر للبول قاتل للديدان دافع للحمى يقوي الشهوة للطعام ويسهل الهضم، وإياك أن تسلق البقول بالماء الغالي جداً لئلا تفقد أملاحها وموادها الآزوتية المركبة منها وفي التوت الافرنجي (الفريز) كمية من حامض الساليسيليك ينفع المصابين بضعف المجموع العصبي وداء المفاصل، ومنقوع التوت الافرنجي من أحسن المقويات للأعصاب وهو من أفيد ما يكون لمن أنهكتهم الأشغال العقلية، والتوت الشوكي كالتوت الافرنجي وهو أيسر على الهضم، والكرز نافع للمصابين بالسويداء (هيستيريا) ومقاوم للرثية، والخوخ نافع للمصابين بالبول السكري وللمصابين بقروح بالمعدة، والتفاح نافع في تشنج الأعصاب ومعرق، ويكثر في التين الأصل المهضم (البيسين) وهو نافع للمصدورين والإجاص تغلب عليه البرودة فيضر ببعض المعد، والليمون يقي من الحمى وإذا أضيف للقهوة ينفع كما تنفع الكينا، وهو أحسن علاج لفساد الدم، والبرتقال أخف الفواكه على المعدة، واللوز اليابس مغذ جداً وهو غذاء طبيعي نادر المثال، ويرى الدكتور اوندرهيل أن لب العنب يؤكل وحده إذا كانت صحة المرء حسنة فوهو أحسن علاج لفساد الدم، والبرتقال أخف الفواكه على المعدة، واللوز اليابس مغذ جداً وهو غذاء طبيعي نادر المثال، ويرى الدكتور اوندرهيل أن لب العنب يؤكل وحده إذا كانت صحة المرء حسنة فإذا كان في البطن اطلاق يؤخذ اللب مع القشر ويطرح البزر وإذا كانت المعدة منقبضة ويراد به تسهيل الطبيعة يتناول اللب والبزر ويطرح القشر وبهذه الواسطة يكون العنب دواء وفاكهة لا نظير لها.

والقهوة تورث الجسم قوة فهي من مضادات السموم ومقوية للقلب والشاي في الصباح يقوي ويورث نشاطاً ويسهل التنفس وإذا شرب بعد المشي أو عمل متعب يورث راحة سريعة وينبه النشاط والأقدام، وأرباب الأمزجة البلغمية يتطلبون مواد مقوية تصلح أجسامهم فعليهم بلحم البقر والغنم مشوياً ولحوم الأرانب والحمل والتدرج (الديك البري) وأن يتناولوا الخبز ناضجاً جداً بكمية وافرة وبقولاً مرة مسهلة ويقللون من المواد النشائية وتضر بهم الأطعمة غير الناضجة والخس والهندباء والسبانخ والجزر وجميع البقول المرطبة والمسهلة.

وعلى أرباب الأمزجة الدموية أن يعتدلوا في مآكلهم ويتقشفوا بحيث لا يزيدون الكريات الحمراء في دمهم ويتناولون من اللحوم لحم العجل والفراخ والأرنب واللبن ويكثرون من البقول والثمار المرة وتنفعهم القهوة الخفيفة ويتخلون عن الأبازير والتوابل، وكل ما يورث الحرارة في الجسم وإذا كانوا مستعبدين للعرق فالأولى أن لا يأتوا عملاً من شأته منعه.

وعلى أرباب الأمزجة العصبية أن يستعملوا المواد اللطيفة اللذيذة لغذائهم مثل البيض والفراخ واللبن المطبوخ وأسماك الأنهار ويمتنعوا عن المهيجات مثل القهوة والشاي وغيرهما والخس والكرفس من أنفع البقول لهم فإن في عصير الخس مسكناً لأعصابهم وفي الكرفس النيء وقاية لهم من الاضطرابات فهو يقوي الأعصاب وربما نفع في ضربات القلب، وعليهم أن يقللوا من تناول الطعام أي يعتدلون جداً ولا يأخذون ما لا يوافق أذواقهم من الطعام بتة.

وعلى أرباب الأمزجة الصفراوية أن يفضلوا الأطعمة الغليظة ويمتنعوا عن المواد الدهنية والنشائية ويتناولوا من البقول والأرز ولا يتناولون القهوة، والثمار الناضجة اللذيذة توافق أمزجتهم، والخس والبندورة نافعان لهم والبندورة محسنة الكبد.

والأجدر بسكان البلاد الحارة أن يكثروا من البقول وبسكان البلاد الباردة أن يكثروا من اللحوم والمواد الدسمة نافعة لهم أيضاً.

والخبز الطري غير نافع للصحة لأنه لا يجود علكه فيعسر على المعدة هضمه وربما أحدث مع الزمن اضطراباً في الدورة الدموية أو أوجاعاً في الرأس وآلاماً في المعدة وسوء هضم، والخبز السخن الذي يتناوله بعضهم في الصباح وعليه شيء من الزبدة سم ناقع.

ومن المشهيات للطعام الثريد البارد الخالي من الدهن يتناول قبل الأكل بساعة فيكثر به سيلان اللعاب في المعدة فتستدعي الطعام ورأى بعض العلماء أن أحسن مقبل ما يعمل من منقوع ملعقتين من بزر الجزر في نصف لتر من الماء الغالي يؤخذ بين الطعام والطعام محلى بالعسل فيجود الهضم وتزيد الشهوة للطعام.

وإذا ساء الهضم معك فخير دواء سريع قريب أن تشرب شراباً حاراً، فقد قالت إحدى المجلات الطبية أن من خصائص المشروبات الحارة أن تسكن الغشاء المخاطي في المعدة وتعدل أحياناً التأثيرات المؤلمة التي يشعر بها بعد الأكل فهي تقوي الوظائف المعدية، والظاهر أن اليابانيين بلغوا ما يبلغوه من الصبر وجودة الصحة باستعمالهم الأشربة الحارة لأنهم يتناولون في كل المواسم ماءً حاراً أو شراباً حاراً ويقولون أن الماء البارد يشد الأطراف والرعامى (فص الكبد) والرئة ويحدث السعال ويطفئ الحرارة الطبيعية التي تديم الحياة.

وعليك يا هذا أن تنظم أوقات طعامك فبذلك يسهل على الحواس أن تأخذ حظها من الطعام والهضم وتعمل عملها وتستعد لقبول غيره إذا وقت لها وقتاً وعليك أن لا تسرع في هضم طعامك وقضمه بل أن تمضغ كثيراً حتى لا تضطر المعدة أن تعمل ما كان من شأن أسنانك أن تعمله من طحن الطعام، ومن الضروري أن تقلب أسنانك على اللقمة عشرين مرة وكل طعام علك جيداً كان أكثر في التغذية من طعام ازدرد ازدراداً سريعاً فقد ورد في الأمثال الافرنجية من تأنى في أكله طال عمره وهاك الآن معدل الساعات اللازمة لهضم أنواع الطعام الأكثر استعمالاً.

دقيقة ساعة

1 الأرز

30 1 البيض النيء، السمك المنقوش وسمك سليمان

45 1 النخاع المسلوق

30 2 اللوبيا والبطاطا المقلوة، الدجاج الهندي والبط المشوي

45 2 البيض المسلوق والفراخ المحمصة

3 اللبن المطبوخ ولحم الضأن المشوي والبفتيك

15 3 النقانق الباردة

30 3 السمك المقلي ولحم البقر المشوي

30 3 الخبز الطري والبيض المقلي والجبن

ولحم الصيد ماعدا الطيور ثقيل على الهضم يحتاج من 4 إلى 5 ساعات، هذا ما لقفناه من أقوال أحدث علماء الصحة من الغربيين وعلى المرء أن يكون حكيم نفسه في تحميل معدته ومزاجه ما يطيق وأن يراقب خروج الطبيعة مراقبة تامة فإن أمراض التهاب الكلى وسوء الهضم والتهاب الأمعاء والزائدة الدودية كلها تنشأ من القبض وإذا رأى الخروج قد أبطأ في الصباح فعليه أن يستعمل التمسيد قبل أن يقوم من سريره وذلك بأن يضع رجليه تحت ظهره ويضغط بيده على بطنه فيبدأ بغمز الموضع القريب من السرة ثم يصل إلى الحالب فيمر يده على صورة قوس حتى ينتهي إلى الحالب الأيسر.

وهنا أمر يجب التنبه له لأنه داخل في صحة الجسم وهو أن المسكرات على اختلاف أنواعها ضارة بالصحة بحسب رأي علماء أوروبا أنفسهم يضل قليلها وكثيرها خلافاً لمن يهرفون بما لا يعرفون ويقلدون على العميا وهم جاهلون ولا سيما في هذه البلاد المعتدلة الجيدة المياه القليلة الغش في المأكولات على الجملة.