انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 56/رسالة ابن القارح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 56/رسالة ابن القارح

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1910


إلى أبي العلاء المعري

(إلى القارئ مخطوطاً من أندر المخطوطات ظفرنا به في خزانة كتب أستاذانا الشيخ طاهر الجزائري كتبه أبو حسن علي بن منصور الحلبي المعروف بالقارح إلى أبي العلاء المعري فأجاب عنها هذا في رسالة خاصة سماها رسالة الغفران طبعت بمصر سنة 1321_1903 في مطبعة هندية. أما ابن القارح وكان يلقب بدوخلة فكان شيخاً من هل الأدب رواية للأخبار حافظاً لقطعة كبيرة من اللغة والأشعار قؤوماً بالنحو وكان ممن خدم أبا علي فارس في داره وهو صبي ثم لازمه وقرأ عليه وكانت معيشته التعليم بالشام ومصر. قال ابن عبد الرحيم وشعره يجري مجرى شعر المعلمين قليل الحلاوة خال من الطلاوة وكان آخر عهدي به بتكريت سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فإنا كنا مقيمين بها واجتاز بنا وأقام عندنا مدة ثم توجه إلى الموصل فبلغتني وفاته من بعد وكان يذكر أن مولده بحلب سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. قال ياقوت وعلي بن منصور هذا يعرف بابن القارح وهو الذي كتب إلى أبي العلاء المعري الرسالة المعروفة برسالة ابن القارح فأجابه أبو العلاء برسالة الغفران وذكر اسمه فيها).

بسم الله الرحمن الرحيم.

استفتاحاً باسمه واستنتاجاً ببركته والحمد لله المبتدي بالنعم المنفرد بالقدم الذي جل عن شبه المخلوقين وصفات المحدثين ولي الحسنات المبرأ من السيئات العادل في أفعاله الصادق في أقواله خالق الخلق ومبديه ومبقيه ما شاء ومفنيه وصلواته عَلَى محمد وأبرار مترته وأهليه صلوة ترضيه وتقربه وتدنيه وتزنفه وتخطيه كتابي أطال الله بقائي مولاي الشيخ الجليل ومد مدته وأدام كفايته وسعادته وجعلني فداءه وقدمني قبله عَلَى الصحة والحقيقة وبعد القصد والعقيدة وليس عَلَى مجاز اللفظ ومجرى الكتابة ولا عَلَى تنقص وخلابة وتحبب ومسامحة كما قال بعضهم وقد عاد صديقاً له كيف تجدك جعلني الله فداك وهو يقصد تحبباً ويريد تملقاً ويظن أنه قد أسدى جميلاً يشكره صاحبه أن ينهض واستقل ويكافئه عليه إن أفاق وأيلَّ عن سلامة تمامها بحضور حضرته وعافية نظامها بالتشرف بشريف عزته وميمون نقيبته وطلعته ويسلم الله التكريم تقدست أسماؤه إني لو حننت إليه أدام الله تأييده حنين أواله إلى وكرها وذات الفرخ إلى وكرها والحمامة إلى إلفها أو الغزالة إلى خشفها لكان ذلك مما تغيره الليالي والأيام والعصور والأعوام لكنه حنين الظمآن إلى الماء والخائف إلى الأمن والسليم إلى السلامة والغريق إلى النجاة والقلق إلى السكون بل حنين نفسه النفيسة إلى الحمد والمجد فإني رأيت نزاعها إليهما نزاع الإستقسات إلى عناصرها والأركان إلى جواهرها فإن وهب الله لي ملأ من العمر يؤنسني برؤيته ويعلقني بحبل مودته مرت كساري الليل ألقى عصاه وأحمد مسراه وقر عيناً ونعم بالأوكان من لم يمسسه سوء ولم يتخوفه عدو ولا نهكه رواح ولا غدو وعسى الله أن يمن بذلك بيومه أو بثانيه وبه الثقة وأنا أسأل الله عَلَى التداني والنوى والبعاد إمتاعه بالفضل الذي استعلى عَلَى عاتقه وغاربه واستولى عَلَى مشارقه ومغاربه فمن مر عَلَى بحره الهياج ونظر في لألآء بدره الوهاج خليق بأن يكبو قلمه بأنامله وينبو طبعه عن رسائله إلى أن يلقي إليه بالمقاليد أو يستهويه إقليداً من الأقاليد فيكون منسوباً إليه ومحسوباً عليه ونازلاً في شعبه وأحد أصحابه وحزبه وشرارة تياره وقراضة ديناره وسمك بحره وثمد غمره وهيهات ضاق فتر عن مسير ليس التكحل في العينين كالكحل خلقوا أسخياء لا متساخين وليس السخي من يتساخى ولاسيما وأخلاق النفس تلزمها لزوم الألوان للأبدان لا يقدر الأبيض عَلَى السواد ولا الأسود عَلَى البياض ولا الشجاع عَلَى الجبن ولا الجبان عَلَى الشجاعة قال أبو بكر العزرمي:

يفر جبان القوم عن أم رأسه ... ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه

ويرزق معروف الجواد عدوه ... ويحرم معروف البخيل أقاربه

ومن لا يكف الجهل عمن يوده ... فسوف يكف الجهل عمن يواثبه

ومن أين للضباب صوب السحاب وللغراب هدى العقاب وكيف وقد أصبح ذكره في مواسم الذكر أذاناً وعلى معالم الشكر لساناً فمن دافع العيان وكابر الأنس والجان واستبد بالأفك والبهتان كان كمن صالب بوقاحته الحجر وحاسن بقباحته القمر وهذي هذر وتعاطى فعقر وكان كمحموم بلسم فعفر ونادى عَلَى نفسه بالنقص في البدو والحضر وكان كمن قال من يعنيه ولا يشك فيه:

كناطح صخرة يومأً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

وروي أن رسول الله وزاده شرفاً لديه قال لعن الله ذا الوجهين لعن الله ذا اللسانين لعن الله كل شقار لعن الله كل قتات. وردت حلب ظاهرة حماها الله تعإلى وحرسها بعد أن منيت بربضها بالدرخمين وأم حبركري والفتكرين بل رميت بآبدة ألاباد والداهية النآد فلما دخلتها وبعد لم تستقر بي الجار وقد نكرتها لفقدان معرفة وأنشدتها باكياً:

إذا زرت أرضاً بعد طول اجتنابها ... فقدت حبيباً والبلاد كما هي

كان ابو القطران المرار بن سعيد الفقعسي يهوى ابنه عمه بنجد واسمها وحشية فهتداها رجل شامي إلى بلده فغمه بعدها وساءه فراقها فقال من قصيدة:

إذا تركت وحشية النجد لم يكن ... لعيني مما تبكيان طبيبا

رأى نظرة منها فلم يملك البكا ... معاوز يربو تحتهن كثيب

وكانت رياح الشام تكره مرة ... فقد جعلت تلك الرياح تطيب

فحصلت من الرباح عَلَى الرياح كما حصل لابن قطران من حشية ثم وثم وثم وثم أجري ذكره أدام الله تاييده من غير سبب جره وغير مقتض اقتضاه فقال الشيخ بالنحو أعلم من سيبويه وباللغة والعروضمن الخليل فقلت والمجلس بأزز بلغني أنه أدام الله تأييده يصغر كبيره وينزر صغيره فيصير تصغيره تكبيراً وتحقيره تكثيراً وهكذا شاهدت ما شاهدت من العلماء رحمهم الله أجمعين وجعله وارث أطول أعمارهم وأمدها وأنضرها وأرغدها وما ثم له حلجة دعت إلى هذا قد تفتح النور وتوضح النور وإرضاء الصبح لدى عينين أبو الفرج الزهرجي كاتب حضرة نصر الدولة أدام الله حراسته كتب رسالة إليَّ أعطانيها ورسالة إليه أدام الله تأييده استودعنيها وسألني إيصالها إلى جليل حضرته وأكون نافثها لا باعثها ومعجلها لا مؤجلها فسرق عديلي رحلاً لي الرسالة فيه فكتبت هذه الرسالة أشكو أموري وأبث شقوري وأطلعه طلع عجري وبجري وما لقيت في سفري من أقيوام يدعون العلم والأدب والأدب أدب النفس لا أدب الدرس وهم إصغار منها جميعاً ولهم تصحيفات كنت إذا رددتها عليهم نسبوا التصحيف إلي وصاروا إلباً علي لقيت ابا الفرج الزهرجي بآمد ومعه خزانة كتبه فعرضها علي فقلت كتبك هذه يهودية قد برئت من الشريعة الحنيفية فأظهر من ذلك إعظاماً وإنكاراً فقلت له أنت عَلَى المجرب ومثلي لا يهرف ما لا يعرف وأبلغ تيقن فقرأ هو وولده وقال صغر الخبرِ الخبر وكتب إلي رسالة يقرظني فيها بطبع له كريم وخلق غير ذميم قال المتنبي: لأذم إلى هذا الزمان أهليه صغرهم تصغير تحقير غير تكبيل وتقليل غير تكثير فنفث مصدوراً وأظهر ضميراً مستوراً وهو سائغ في مجال الشعر وقائله غير ممنوع من النظم والنثر ولكنه وضعه غير موضعه وخاطب به غير مستحقه وما يستحق زمان ساعده بلقاء سيف الجولة أن يطلق عَلَى أهله الذم وكيف وهو القائل يخاطبه:

أسير إلى أقطاع في ثيابه ... عَلَى طرفه من داره بحسامه

وقد كان من حقه أن يجعلهم في خفارته إذا كانوا منسوبين إليه ومحسوبين عليه ولا يجب أن يشكو عاقلاً ناطقاً إلى غير ناطق إذ لزمات حركات الفلك إلا أن يكون ممن يعتقد أن الأفلاك تعقل وتعلم وتفهم وتدري بمواقع أفعالها بقصود واردات ويحمله هذا الاعتقاد عَلَى أن يقرب لها القرابين ويدخن الدخن فيكون مناقضاً لقوله:

فتباً لدين عبيد النجو ... م ومن يدعي أنها تعقل

أو أن يكون كما قال الله تعإلى في كتابه الكريم مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ويوشك أن تكون هذه صفته.

حكى القطربلي وابن أبي الأزهر في تاريخ اجتمعا عَلَى تصنيفه وأهل بغداد وأهل مصر يزعمون أنه لم يصنف في معناه مثله لصغر حجمه وكبر علمه يحكيان فيه أن المتنبي أخرج ببغداد من الحبس إلى مجلس أبي الحسن علي بن عيسى الوزير رحمه الله فقال له: أنت أحمد المتنبي فقال أنا أحمد المتنبي وكشف عن بطنه فأراه سلعة فيه وقال هذا طابع نبوتي وعلامة رسالتي فأمر بقلع جمكه وصفعه به خمسين وأعاده إلى محبسه ويقول لسيف الدولة:

وتغضبون عَلَى من نال رفدكم ... حتى يعاقبه التنغيص والمنن

كذب والله لقد كان يتحرش بالمكارم ويتحكك بها ويحسد عليها أن تكون إلا منه وبه وهذا غير قادح في طلاوة شعره ورونق ديباجته ولكني أغتاظ عَلَى الزنادقة والملحدين الذين يتلاعبون بالدين ويرومون إدخال الشبه والشكوك عَلَى المسلمين ويستعذبون القدح في نبوة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين ويتطرفون ويبتذئون إعجاباً بذلك المذهب تيه مغن وظرف زنديق. وقتل المهدي بشاراً عَلَى الزندقة ولما شهر بها وخاف دافع عن نفسه بقوله: يا ابن نهيا رأسي عَلَى ثقيل ... واحتمال الرأسين عبءٌ ثقيل

فادعوا غيري إلى عبادة ربي ... ن فإني بواحد مشغول

وأحضر ثالح بن القدوس وأحضر النطع والسياف فقال علام تقتلني قال عَلَى قولك:

رب سر كتمته فكأني ... أخرس أو ثنى لسان عقل

ولو إني أظهرت للناس ديني ... لم يكن لي في غير حبسي أكل

يا عدي الله وعدي نفسه:

الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون لخير من ستر

فقال قد كنت زنديقاً وقد تبت عن الزندقة قال كيف وأنت القائل:

والشيخ لا يترك عاداته ... حتى يوارى في ثرى رمسه

إذا أرعوى عاد إلى غيه ... كذي الضنى عاد إلى نكسه

وأخذ غفلته السياف فإذا رأسه يتدهدأ عَلَى النطع. زظهر في أيامه في بلد خلف بخارا وراء النهر رجل قصار أعور عمل له وجهاً من ذهب وخوطب برب العزة وعمل لهم قمراً فوق جبل ارتفاعه فراسخ فأنفذ المهدي إليه فأحيط به وبقلعته فحرق كل شيءٍ فيها وجمع كل من في البلد وسقاهم شراباً مسموماً فماتوا بأجمعهم وشرب فلحق بهم فعجل الله بروحه إلى النار. والصناديقي في اليمن فكانت جيوشه بالمديخرة وسفهنه وخوطب بالربوبية وكوتب بها فكانت له دار أفاضة يجمع إليها نساء البلدة كلها ويدخل الرجال عليهن ليلاً قال من يوثق بخبره دخلت إليها لأنظر فسمعت امرأة تقول يا بني فقال: يا أمه نريد أن نمضي أمر ولي الله فينا وكان يقول: إذا فعلتم هذا لم يتميز مال من مال ولا ولد من ولد فتكونون كنفس واحدة فغزاه الحسني من صنعاء فهزمه وتحصن منه في حصن هناك فأنفذ إليه الحسني طبيباً بمبضع مسموم ففصده به فقتله. والوليد بن يزيد أقام في الملك سنة وشهرين وأياماً وهو القائل:

إذا مت يا أم الحنيكل فانكحي ... ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإن الذي حدثته من لقائنا ... أحاديث طسم تترك العقل واهيا

ورمى المصحف بالنشاب وخرقه وقال:

إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا رب خزقني الوليد وأنفذ إلى مكة بناءاً مجوسياً ليبني له عَلَى الكعبة مشربة فمات قبل تمام ذلك فكان الحجاج يقولون: لبيك اللهم لبيك لبيك يا قاتل الوليد بن يزيد لبيك وأحضر بنايجة من الذهب وفيها جوهرة جليلة القدر وصورة رجل فسجد له وقبله وقال اسجد يا علج قلت ومن هذا قال هذا ماني شأنه كان عظيماً اضمحل أمره لطول المدة فقلت لا يجوز السجود إلا لله فقال قم عنا وكان يشرب عَلَى سطح وبين يديه باطية كبيرة بلور وفيها أقداح فقال لندماءه أين القمر الليلة فقال بعضهم: في الباطية فقال: صدقت أتيت عَلَى ما في نفسي والله لأشربن الهفتجة يعني شرب سبعة أسابيع متتابعة وكان بموضع حول دمشق يقال له البحرا فقال:

تلعب بالنبوة هاشمي ... بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقتل بها ورأيت رأسه في الباطية التي أراد أن يهفتج بها وأبو عيسى بن الرشيد القائل:

دهاني شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهراً بعده آخر الدهر

ولو كان يعديني الإمام بقدرة ... عَلَى الشهر لاستعديت دهري عَلَى الشهر

عرض له في وقته صرع فمات ولم يدرك شهراً غيره والحمد لله. والجنابي قتل بمكة ألوفاً وأخذ ستة وعشرين ألف جمل خفاً وضرب آلاتهم وأثقالهم بالنار واستملك من الغلمان والنساء والصبيان من ضاق بهم الفضاء كثرة ووفوراً وأخذ حجر الملتزم وظن أنها مغناطيس القلوب وأخذ الميزاب قال: وسمعت قائلاً يقول لغلام دحسمان طوال إنها في برديه وهو فوق الكعبة يا رحمة اقلعه وأسرع يعني ميزاب الكعبة فعلمت أن أصحاب الحديث صحفوه فقالوا يقلعه غلام اسمه رحمة كما صحفوا عَلَى علي رضي الله عنه قوله تهلك البصرة بالريح فهلكت بالزنج لأنه قتل علوي البصرة في موضع بها يقال له العقيق أربعة وعشرين ألفاً عدوهم بالقصب وحرقوا جامعها وقال في خطبته يخاطب الزنج لنكم قد أعنتم بقبح منظر فاشفعوه بقبح مخبر اجعلوا كل عامر قفراً وكل بيت قبراً. قال لي بدمشق أبو الحسين اليزيدي الوزيرين عَلَى نسب جدي دخل وإياه ادعى قال. أبو عبد الله محمد بن علي بن رزام الطائي الكوفي: كنت بمكة وسيف الجنابي قد أخذ الحاج ورأيت رجلاً منهم قد قتل جماعة وهو يقول يا كلاب أليس قال لكم محمد المكي ومن دخله كان آمناً أي أمن هنا فقلت له يا فتى العرب تؤمنني سيفك أفسر لك هذا قال: نعم قلت: فيها خمسة أجوبة الأول من دخله كان آمناً من عذابي يوم القيمة والثاني من فرض الذي فرضت عليه والثالث خرج مخرج الخبر وهو يريد الأمر كقوله والمطلقات يتربصن بِأنفسهن والرابع لا يقام عليه الحد فيه إذا حتى في الحل والخامس من الله عليهم بقوله إنا جعلنا حرماً آمنا ويتخطف الناس من حولهم فقال صدقت هذه اللحية إلى التوبة؟ فقلت: نعم فخلاني وذهب.

والحسين بن المنصور الحلاج من نيسابور وقيل من مرو ويدعي كل علم وكان متهوراً جسوراً يروم إقلاب الدول ويدعي فيه أصحابه الإلهية ويقول بالحلول ويظهر مذاهب الشيعة للملوك ومذاهب الصوفية للعامة وفي تضاعيف ذلك يدعي أن الإلهية قد حلت فيه وناظره عيسى الوزير فوجده صفراً من العلوم وقال تعلمك لطهورك وفرضك أجدى عليك من رسائل أنت لا تدري ما تقول فيها كم تكتب إلى الناس تبارك ذو الغور الشعشعاني الذي يلمع بعد شعشعته ما أحوجك إلى أدب حدثني أبو علي الفارسي قال رأيت الحلاج واقفاً عَلَى حلقة أبي بكر الشبلي أنت بالله ستفسد خشبة فنفض كمه في وجهه وأنشد:

يا سرسر يدق حتى ... يجل عن وصف كل حي

وظاهراً باطناً تبدي ... من كل شيءٍ لكل شيء

يا جملة الكل لست غيري ... فما اعتذاري إذاً إلي

وهو يعتقد أن العارف بن الله بمنزلة شعاع الشمس منها بدا وإليها يعود ومنها يستمد ضوءه أنشدني الظاهر لنفسه:

أرى جيل التصوف شر جيل ... فقل لهم واهون بالحلول

أقال الله حين عشقتموه ... كلوا أكل البهائم وارقصوا لي

وحرك يوماً يده فانثر عَلَى قول مسك وحرك مرة أخرى فانتثر دراهم فقال له بعض من حضر ممن يفهم أرني دراهم معروفة أؤمن بك وخلق معي أن أعطيتني درهماً عليه اسمك واسم أبيك فقال وكيف هذا وهذا لا يصنع قال من أحضر ما ليس بحاضر صنع ما ليس بمصنوع وكان في كتبه أني مفرق قوم نوح ومهلك قوم عاد وثمود فلما شاع أمره وعرف السلطان خبره عَلَى صحته وقع بضربه ألف سوط وقطع يديه ثم أحرقه بالنار في آخر سنة تسع وثلثمائة وقال لحامد ابن العباس: أنا أهلكك فقال حامد: الآن صح أنك تدعي ما قرفت به. وابن أبي العذافر أبو جعفر محمد بن علي الشلمغان أهله من قرية من قرى واسط تعرف بشلمغان وصورته صورة الحلاج ويدعي عنه قوم أنه إله وأن الله حل في آدم ثم في شيث ثم في واحدٍ واحد من الأنبياء والأوصياء والأئمة حتى حل في الحسن بن علي العسكري وأنه حل فيه وكان قد استغوى جماعة منهم ابن أبي عون صاحب كتاب التشبيه ومعه ضربت عنقه وكانوا يبيحونه حرمهم وأولادهم يتحكم فيهم وكان يتعاطى الكيمياء وله كتب معروفة.

وكان أحمد بن يحيى الراوندي من أهل مرو الروز حسن الستر جميل المذهب ثم انسلخ عن ذلك كله بأسباب عرضت له ولأن علمه كان أكثر من عقله وكان مثله كما قال الشاعر:

ومن يطيق مرداً عند صبوته ... ومن يقوم لمستور إذا خلعا

صنف كتاب التاج يحتج فيه لقدم العالم فنقضه أبو الحسين الخياط.

الزمرد يحتج فيه لإبطال الرسالة نقضه الخياط.

نعت الحكمة سفه الله تعإلى في تكليف خلقه أمره. نقضه الخياط.

الدامغ يطعن فيه عَلَى نظم القرآن.

القضيب يثبت أن علم الله محدث وأنه كان غير عالم حتى خلق لتنفسه علماً نقضه الخياط.

الفريد في الطعن عَلَى النبي عليه الصلوة والسلام.

المرجان في اختلاف أهل الإسلام.

علي بن العباس بن جريج الرومي قال أبو عثمان الناجم دخلت عليه في علته التي مات فيها وعند رأسه جام فيه ماء مثلوج وخنجر مجرد ولو ضرب به صدر خرج من ظهر فقلت: ما هذا قال: الماء ابل به حلقي فقلما يموت إنسان إلا وهو عطشان والخنجر إن زاد عليَّ الألم نحرت نفسي ثم قال: أقص عليك قصتي تستدل بها عَلَى حقيقة تلفي أردت الانتقال من الكرخ إلى باب البصرة فشاورت صديقنا أبا الفضل وهو مشتق من الأفضال فقال إذا جئت القنطرة فخذ عَلَى يمينك وهو مشتق من اليمن واذهب إلى سكة النعيمة وهو مشتق من النعيم فاسكن دار ابن المعافي وهو مشتق من العافية فخالفته لتعسي ونحسي فشاورت صديقنا جعفراً وهو مشتق من الجوع والفرار فقال: إذا جئت القنطرة فخذ عَلَى شمالك وهو مشتق من الشؤم واسكن دار ابن قلابة وهي هذه لا جرم قد انقلبت بي الدنيا وأضر ما علي العصافير في هذه السدرة تصيح سيق سيق فها أنا في السياق ثم أنشدني:

أبا عثمان أنت قريع قومك ... وجودك للعشيرة دون لومك تمتع من أخيك ما أراه ... يراك ولا تراه بعد يومك

وألح به البول فقلت له البول ملح بك فقال:

غداً ينقطع البول ... ويأتي الوبل والعول

إلا أن لقاء الله ... هو دونه الهول

ومات من الغد فأرجو أن يكون هذا القول توبة له مما كان اعتقده من ذبحه لنفسه والرسول عليه الصلوة والسلام يقول من وجأ فسه بحديدة حشر يوم القيامة وحديدته بيده يجأ بها نفسه خالداً مخلداً في النار من تردى من شاهق حشر يوم القيامة يتردى عَلَى منخريه في النار خالداً مخلداً من تحسي سماً حشر يوم القيامة وسمه بيده يتحساه خالداً مخلداً في النار.

قال الحسن بن رجاء الكاتب جاءني أبو تمام إلى خراسان فبلغني أنه لا يصلي فوكلت به من لازمه أياماً فلم يره صلى يوماً واحداً فعاتبته فقال: يا مولاي قطعت إلى حضرتك من بغداد فاحتملت المشقة وبعد الشقة ولم أره يقل علي فلو كنت أعلم أن الصلاة تنفعني وتركها يضر في ما تركتها فأردت قتله فخشيت أن يحمل عَلَى غير هذا.

وفي تآريخ كثيرة أنه أحضر المازيار إلى المعتصم وقبل قدومه بيوم سخط عَلَى الإفشين لأن القاضي ابن أبي داود قال للمعتصم: اعزل ويطأ امرأة عربية وهو كاتب المازيار وزين له العصيان فأحضر كاتبه وتهدده المعتصم فأقرانه كتب إلى المازيار لم يكن في الأرض ولا في العصر بلية إلا أنا وأنت وبابك وقد كنت حريصاً عَلَى حقن دمه حتى كان من أمره ما كان ولم يبق غيري وغيرك وقد توجهت إليك عسكر من عساكر القوم فإن هزمته وثبت إنا بملكهم في قرار داره فظهر الدين الأبيض فأجاب المازيار جواب هو عنده سفط أحمر فجمع بين الإفشين والمازيار فاعترف المازيار بما حكي عنه وقيل لمعتصم أن وراء المازيار مالاص جليلاً فأنشد:

إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

ذكروا أن اثنين قتلوا ثلاثة آلاف ألف وخمسمائة ذباح بالثياب الحمر والخناجر الطوال وأنهم وجدوا أسماؤهم في وقعة وقعة وفي بلد بلد وكانوا يأخذون من كل واحد خاتمه أو ثوبه أو منديله أو تكته أتى الوادي فطم عَلَى القرى.

قد لقيت من يجادلني أن علياً رضي الله عنه وكذلك الحاكم وقد ظهر بالبصرة من يدعي أن جعفراً بن محمد عليهما السلام وأنه متصل به وروحه فيه ومتصلة به ولو استقصيت القول في هذا الفن لطال جداً ولكن:

لا بد للمصدور أن منفثاً ... وللذي في الصدر أن يبعثا

بل لو قلت كل ما أعلمه أكلت زادي في محبسي بل كنت أنشد:

أحمل رأساً قد مملت حمله ... إلا فتى يحمل عني ثقله

وأستريح إلى أن أنشد:

ليس يشفي كلوم غير كلومي ... ما به ما به وما بي ما بي

إن شكوت العصر وأحكامه وذممت صروفه وأيامه شكوت من لا يشكي أبداً وذممت من لا يرضي أحداً شيمته اصطفاء اللئام والتحامل عَلَى الكرام وهمته رفع الخامل الوضيع ووضع الفاضل الرفيع إذا سمح بالحياء فأبشر بوشك الاقتضاء وإذا أعار فأسحبه قد أغار فما بين أن يقبل عليك مستبشراً ويولي عنك متجهماً مستبشراً إلا كلمح البصر واستطارة الشرر لم يخترق ذكر الوفاء مسامعه ولم يمسس ماء الحياء مدامعه ظاهره يسر ويونس باطنه يسوء ويؤنس يخيب ظن راجيه ويكذب أمل عافيه لا يسمع الشكوى ويشمت بالبلوى قد ذممت سيئاً ووقعت فيه أنا كالغريق يطلب معلقاً والأسير يندب مطلقاً وأستحسن قول علي بن العباس ابن جريج الرومي:

ألا ليس شيبك بالمنتزع ... فهل أنت عن غية مرتدع

وهل أنت تارك شكوى الزما ... ن إذا شئت تشكو إلى مستمع

نشيت أخي الشيب أمنية ... إذا ما تناهر إليها هلع

كنت في حال الحداثة أقرب الناس إليَّ وأعز عليَّ وأقربهم عندي وأجلهم في نفسي مرتبة من قال لي نسأ الله في أجلك جعل الله لك أمد الأعمار وأطولها فلما بلغت عشر الثمانين جاء الجزع والهلع فمم ارتاع والتاع وأخلد إلى الأطماع وهو الذي كنت أتمنى ويتمنى لي أهل أمن صدوف الغواني عني فأنا والله عنهن أصدف وبهن أدوائهن أعرف إذ لست ممن ينشد تحسراً عليهن:

للسود في السود آثار تركن بها ... لمعاً من البيض ثنتي أعين البيض

وقول آخر: ولما رأيت النسر عز ابن داية ... وعشش في وكريه جاشت له نفسي

ولا أنشد لأبي عبادة البحري:

إن أيامه من البيض بيض ... ما رأين المغارق السود سودا

وإذا المحل ثار ثاروا غيوثاً ... وإذا النقع قار ثاروا أسوداً

بحسن الذكر عنهم والأحادي ... ث إذا حدث الحديد الحديدا

بلدة تنبت المعالي فما يت ... غر الطفل فيهم أو يسودا

وهذه صفة معرة النعمان أدام الله تأييده لأخلت منه ومن النعمة عليه وعنده فقد وجدت أهلها معترفين بعوارفه خلا أبي العباس أحمد بن خلق الممتع أدام الله عزه فأني وجدت آثار تفضله عليه ظاهرة ولسانه رطباً بشكره وذكره وقد ملأ السماء دعاء والأرض ثناء. قالت قريش للنبي عليه الصلوة والسلام أتباعك من هؤلاء الموالي كبلال وعمار وصهيب خير من قصي وكلاب وعبد مناف وهاشم وعبد شمس فقال نعم والله لئن كانوا قليلاً ليكثرن ولئن كانوا وضعاء ليشرفن حتى يصيروا نجوماً يهتدى بهم ويقتدى فيقال هذا قول فلان وذكر فلان فلا تفاخروني بآبائكم الذين موتوا في الجاهلية فلما يدهده الجعل بمنخره خير من آبائكم الذين موتوا فيها فاتبعوني أجعلكم أنساباً والذي نفسي بيده لتقتسمن كنوز كسرى وقيصر فقال له عمه أبو طالب أبقِ علي وعلى نفسك فظن عليه الصلوة والسلام أنه خاذله ومسلمه فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر قي شمالي عَلَى أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله وأهلك فيه ما تركته ثم استعبر باكياً ثم قام فلما ولى ناداه اقبل يا ابن أخي فأقبل فقال اذهب وقل ما شئت فو الله لا أستلمك لسوء أبداً فكان عليه الصلاة والسلام يذكر يوماً ما لقي قومه من الجهد والشدة وقال لقد مكثت أياماً وصاحبي هذا يشير إلى أبي بكر بضع عشرة ليلة ما لنا طعام إلا البرير في شعب الجبال وكان عتبة بن غزوان وإن يقول إذ ذكر البلاء والشدة التي كانوا عليها بمكة لقد مكثنا زماناً ما لنا طعام إلا ورق البشام أكلناه حتى تقرحت أشداقنا ولقد وجدت يوماً تمرة فجعلتها بيني وبين سعد وما منا اليوم أحد إلا وهو أمير عَلَى كورة وكانوا فيمن وجد تمرة فقسمها بينه وبين صاحبه أن أسعد الرجلين من حصلت النواة في قسمه يلوكها يومه وليلته من عدم القوت وكذا قال رسول الله لقد رعيت غنيمات أهل مكة لهم بالقراريط وابتدأ أمره أنه وقف عَلَى الصفا ونادى يا صاباحاه فجاءوا يهرعون فقالوا: ما دهمك ما طرقك قال: بما تعرفونني قالوا محمد الأمين قال: أرأيتم أن قلت لكم أن خيلاً قد طرقتكم في الوادي وأن عسكراً قد غشيكم من الفج أكنتم تصدقوني قالوا: اللهم نعم ما جربنا عليك كذباً قط. قال: فإن الذي أنتم عليه ليس الله ولا من الله ولا يرضاه الله قولوا لا إله إلا الله وإني رسول واتبعوني تطعكم العرب وتملكون العجم وإن الله قال لي أستخرجهم كما استخرجوك وابعث جيشاً وابعث خمسة أمثاله وضمن لي أن ينصرني بقوم منكم وقال لي: قاتل بمن أطاعك من عصاك وضمن لي أن يغلب سلطاني سلطان كسرى وقيصر ثم أنه عليه الصلاة والسلام غزا تبوك في ثلاثين ألفاً وهذا من قبل الله الذي يجعل من لا شيء كل شيء ويجعل كل شيءٍ لا شيء يجمد المائعات ويميع الجامدات يجمد البحر ثم يفجر الصخر وما مثله في ذلك إلا كمثل من قال هذه الزجاجة الرقيقة السخيفة أحك بها هذه الجبال الصلدة الصلبة المنيفة فترضها وتفضها وهذه النملة الرقيقة اللطيفة تهزم العساكر الكثير المعدة وكذا حقيقة أمره عليه الصلاة والسلام حتى لقد قال عروة بن مسعود الثقفي لقريش وكان رسولهم إليه بالحديبية لقد وردت عَلَى النجاشي وكسرى وقيصر ورأيت جندهم وأتباعهم فما رأيت أطوع ولا أوقر ولا أهيب من أصحاب محمد لمحمد هم حوله كأن الطير عَلَى رؤوسهم فإن أشار بأمر بادروا إليه وإن توضأ اقتسموا وضوءه وإن تنخكم دكوا بالنخامة وجوههم ولحاهم وجلودهم وكانوا له بعد موته أطوع منهم في حياته حتى لقد قال بعض أصحابه لا تسبوا أصحاب محمد فإنهم اسلموا من خوف الله وأسلم الناس من خوف أسيافهم فتأمل كيف استنتج دعوته وهو ضعيف وحده بأن هذا سيكون فرآه العدو والولي وما كان مثله في ذلك إلا مثل من قال هذه الهباءة تعظم وتصير جبلاً يغطي الكعبة فدفعه عثمان بن طلحة العبدري فقال: لا تفعل يا عثمان فكأنك بمفتاحها بيدي استعين بعصمة الله وتوفيقه وأجعلهما معينتي عَلَى دفع شهواتي أشكو إليه عكوفي عَلَى الأماني وأسأله فهماً لمواعظ عبر الدنيا فقد عميت عن كلوم غيرها بما جشم عَلَى خواطري من الشعف ولست أجدر مني منصفاً لي ولا حاجزاً لرغبتي فيها عنها وأين ودائع العقول وخزائن الأفهاء يا أولي الأبصار صفحنا عن مساوئ الدنيا إغماضاً لعاجل موفق التنغيص وترمي إليه يد الزوال وتكمن له الآفات قال كثير: كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تحشي بها العصم زلت

وأقول عَلَى مذهب كثير بادنيا في كل لحظة لطرفي منك عبرة وفي كل فكرة لي منك حسرة يا مرنقة الصفا ويا ناقضة عهد الوفا ما وفق لحظة من عرج ولا سعد من أثر المقام عَلَى حسن الظن بك هيهات يا معشر أبناء الدنيا لكم في الظاهر اسم الغني وفي الباطن أهل التقلل لهم نفس هذا المعنى كم من يوم لي أغر كثير الهلة قد أصحت سماؤه وامتد عليَّ ظله تمدني ساعاته بالمنى ويضحك لي عن كل ما أهوى حتى إذا اتصل بكل أسبابي وامتزج سروره بفرحي وروحي وأترابي نفست علي به الدنيا فسعت بالتشتيت إلى ألفته والنقص إلى مدته فكسفت بهجته كسوفاً وأرهقت نضرة وحشته الفراق وقطعتنا فرقاً في الآفاق بعد أن كنا كالأعضاء المؤتلفة والأغصان اللدنة المتعطفة وا حسرتي في يوم يجمع شرتي كفن ولحد.

ضيعت ما لا بد منه ... بالذي لي منه بد

وأنشد ابن الرومي:

ألا ليس شيبك بالمنتزع ... فهل أنت عن غيه مرتدع

فأقلق وابكي بكاءً غير نافع ولا ناجع ويجب أن ابكي عَلَى بكائي وأنشد:

لساني يقول ولا أفعل ... وقلبي يريد ولا أعمل

وأعرف رشدي ولا أهتدي ... وأعلم لكنني أجهل

عرض عليَّ بعض الناس كأس خمر فامتنعت منها وقلت خلوني والمطبوخ عَلَى مذهب الشيخ الأوزاعي وقلت لهم عرض إبراهيم ابن المهدي عَلَى محمد بن حازم الخمرة فامتنع وأنشد:

ابعد شيبي أصبو ... والشيب للجهل حرب

سن وشيب وجهل ... أمر لعمرك صعب

يا ابن إمام فألا ... أيام عودي رطب

وإذ مشيبي قليل ... ومنهل الحب عذب

وإذا شفاء الغواني ... مني حديث وقرب

فالآن لما رأى بي ... العذال ما قد أحبوا وآنس الرشد مني ... قوم أعاب وأصبو

آليت أشرب خمراً ... ما حج لله ركب

وأبلت عَلَى نفسي مخاطباً لها ومعاتباً والخطاب لغيرها والمعنى لها لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم أما تستحيون من طول ما لا تستحيون فكن كالوليد تقلبه يد اللطف به عَلَى فراش العطف عليه تصرف إليه المنافع بغير طلب منه لصغره وتصرف عنه المضار بغير حذر منه لعجزه أما سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام إذ يقول في دعائهم اللهم أكلأني كلأة الوليد الذي لا يدري ما يراد به ولا ما يريد إلا متعلق والإذلال أذيال دليله إلا معد معطية ورحلا ليوم رحيله يا هلاه الدلجة الدلجة أنه من يسبق إلى الماء يظمأ إنما منعتك ما تشتهي ضناً بك وغيرة عليك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا وأنت تشكوني إذا حميتك وتكره صيانتي إذا صنتك إلا لائذ بفنائنا ليعز إلا فارٌ إلينا لا فار منا يا من له بد من كل شيءٍ ارحم من لا بد له منك عَلَى كل حال يغني بشيءٍ عن شيء فلهذا قال جبريل للخليل ألك حاجة قال: أما إليك فلا الله يستحق أن يسأل وإن أغنى لأنه لا يغنى بشيءٍ عنه أطعه لتطيعه ولا تطعه ليطيعك فتفر وتمل. من ترك تدبيره لتدبيرنا أرحناه جل من لوالب القلوب والهمم بيده وعزائم الأحكام والأقسام عنده:

أنسيت ذكر أحبة ... ينسون ذنبك عند ذكرك

وجفوتهم ولطالما ... كانوا خلافك طوع أمرك

وصبرت عند فراقهم ... ما كان عذرك عند صبرك

تترك من إذا جفوته ونسيت ذكره وتعديت حده

تترك من إذا جفوته ونسيت ذكره وتعديت حده وتركت نهيه وضيعت أمره وتبت إليه وعولت في تفضله عليك عليه وقلت: يا رب قال: لك لبيك وإذا سألك عبادي عني فإني قريب وإذا كان الذباب بوجهك فاتهمك وإن قطعت أنا أعضاءك تتهمني أنت الذي إذا أعطيتك ما أملت تركتني وانصرفت وإذا أنعمنا عَلَى الإنسان أعرض ونأى بجانبه يا واقفاً بالتهم كم كم أليس يقول لك ما غرك بي تقول حلمك وإلا لو أرسلت عليَّ بقة لجمعتني عليك إذا أردت أن تجمعني:

أمن بعد شربك كأن النهى ... وشمك ريحان أهل التقى عشقت فأصبحت في العاشقي ... ن أشهر من فرس أبلقا

أدنياي من غمر بحر الهوى ... خذي بيدي قبل أن أغرقا

أنا لك عبد فكوني كمن ... إذا سره عبده أعتقا

كان ببغداد رجل كبير الرأس فيلي الأذنين اسمه فاذوه رأسه في الأزمنة الربعة مكشوف لا يتورع عن ركوب مخزية يقال له يا فاذوه ويلك تب إلى الله فيقول يا قوم لم تدخلون بيني وبين مولاي وهو الذي يقبل التوبة عن عباده فكان في بعض الشوارع يوماً ذاهباً والشارع قد اتسع أسفله وضاق أعلاه والتقت جناحان فيه فناولت جارة جارتها مهراساً انسل من يدها عَلَى رأس فاذوه فهرس رأسه وخلط كخلط الهريسة وأعجله عن التوبة وكان لنا واعظ صالح يقول لنا احذروا ميتة فاذوه.

قال جبريل في حديثه خشيت أن يتم فرعون الشهادة والتوبة فأخذت قطعة من حال البحر فضربت بها وجهه يعني طينه والحال ينقسم ثمانية أقسام منها الطين فكيف يصنع من عنده أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإقامة عَلَى آخر فلا حول ولا قوة بلغني عن مولاي الشيخ أدام الله تأييده أنه قال وقد ذكرت له أعرفه جزاً هو الذي هجا أبا القاسم علي ابن الحسين المغربي فذلك منه أدام الله عزه رائع لي خوفاً أن يستشر طبعي وأن يتصورني بصورة من يضع الكفر موضع الشكر وهو بتعريف التنكير عنده لجلالة قدره ودينه ونسكه وأنا أطلعه طلعه ليعرف خفضه ورفعه وفراداه وجمعه.

كنت أدرس علي أبي عبد الله بن خالويه رحمه الله واختلف إلى دار أبي الحسين المغربي ولما مات ابن خالويه سافرت إلى بغداد ونزلت عَلَى أبي علي الفارسي وكنت أختلف إلى علماء بغداد إلى أبي سعيد السيرافي وعلي بن عيسى الرماني وأبي عبيد الله المزرباني وأبي حفص الكتاني صاحب أبي بكر بن مجاهد وكتبت حديث رسول الله وبلغت نفسي أغراضها جهدي والجهد عاذر ثم سافرت منها إلى مصر ولقيت أبا الحسن المغربي فألزمني إن لزمته لزوم الظل وكنت منه مكان المثل في كثرة الإنصاف والحنو والتجاف فقال لي سراً أنا أخاف همة أبي القاسم أن تنزو به إلى أن يوردنا ورداً لا صدر عنه وإن كانت الأنفاس مما تحفظ وتكتب فأكتبها وأحفظها وطالعني بها فقال لي يوماً ما نرضى بالخمول الذي نحن فيه قلت وأي خمول هنا تأخذون من مولانا خلد الله ملكه في كل سنة ستة آلاف دينار وأبوك من شيوخ الجولة وهو معظم مكرم فقال: أريد أن تصار إلى أبوابنا الكتائب والمواكب والمقانب ولا أرضى أن يجرى علينا كالولدان والنسوان فأعدت ذلك عَلَى أبيه فقال: ما أخوفني أن يخصب أبو القاسم هذه من هذه وقبض عَلَى لحيته وهامته وعلم أبو القاسم بذلك فصارت بيني وبينه وقفة.

وأنفذ إلي القائد أبو عبد الله الحسين بن جوهر فشرفني بشريف خدمته فرأيت الحاكم كلما قتل رئيساً أنفذ رأسه إليه وقال: هذا عدوي وعدوك يا حسين فقلت من ير يوماً ير به والدهر لا يغتر به وعلمت أنه كذا يفعل به فاستأذنته في الحج فأذن فخرجت في سنة سبع وتسعين وحججت خمسة أعوام وعدت إلى مصر وقد قتله فجاءني أولاده سراً يرمون إلى الرجوع إليهم فقلت لهم خير مالي ولكم الهرب ولأبيكم ببغداد خمسمائة ألف دينار فاهربوا وأهرب ففعلوا وفعلت وبلغني قتلهم بدمشق وأنا بطرابلس فدخلت إلى إنطاكية وخرجت منها إلى ملطية وبها المسايسطكرية خولة بنت سعد الدولة فأقمت عندها إلى أن ورد علي كتاب أبي القسم فسرت إلى ميافارقين فكان يسر حسواً في ارتغاءٍ قال لي يوماً من الأيام: ما رأيتك قلت: أَعرضت حاجة؟ قال: لا أردت أن ألعنك قلت فالعني غائباً قال: لا في وجهك أشفى قلت: ولم قال: لمخالفتك إياي فيما تعلم. وقلت له ونحن عَلَى أنس بيني وبينه لي حرمات ثلاث البلدية وتربية أبيه لي وتربيتي وتربيتي لإخوتي قال هذا حرم مهتكة البلدية نسب بين الجدران وتربية أبي لك منة لنا عليك وتربيتي لإخوتي بالخلع والدنانير أردت أن أقول له: استرحت من حيث تعب الكرام فخشيت جنون جنونه لأنه كان جنونه مجنوناً وأصح منه مجنون وأجن منه لا يكون وقد أنشد:

جنونك مجنون ولست بواحد ... طبيباً يداوي من جنون جنون

بل جن جنانه ورقص شيطانه:

به جنت مجنونة غير أنها ... إذا حصلت منه ألب وأعقل

وقال لي ليلة أريد أن أجمع أوصاف الشمعة السبعة في بيت واحد وليس يسنح لي ما أرضاه فقلت أنا أفعل من هذه الساعة قال أنت جذيلها المحك وعذيقها المرجب فأخذت القلم من دواته وكتبت بحضرته:

لقد أشبهتني شمعة في صبابتي ... وفي هول ما ألقى وما أتوقع نحول وحرق في فناء ووحدة ... وتسهيد عين واصفرار وأدمع

فقال كنت عملت هذا قبل هذا الوقت فقلت تمنعني سرعة الخاطر وتعطيني علم الغيب وقلت: أنت ذاكر قول أبيك لي ولك ولبتي الشاعر ولمحسن الدمشقي ونحن في الطارمه اعملوا قطعةً قطعة فمن جود جعلت جائزته كتبها فيها فقلت:

بلغ السماء سمو به ... ت شيد في أعلى مكان

بيت علا حتى تو ... ر في ذراه الفرقدان

فأنعم به لا زلت من ... ريب الحوادث في أمان

فاستجاد سرعتها وكتبها في الطارقة وخلع عَلَى وكان أبو القسم ملولا والملول ربما مل الملال وكان لا يمل أن يمل ويحقد حقد من لا تلين كبد ولا تنحل عقده وقال لي بعض الرؤساء معاتباً: أنت حقود ولم يكن حقوداً فقلت له أنت لا تعرف والله ما كان يحنى عوده ولا يرجى عوده وله رأي يزين له العقوق ويمقت إليه رعاية الحقوق بعيد من الطبع الذي هو للصد صدود وللتآلف ألوف ودود. كأنه من كبره قد ركب الفلك واستوى عَلَى ذات الحبك ولست ممن يرغب في راغب عن وصلته أو ينزع إلى نازع عن خلته فلما رأيته سارواً جارياً في قلة إنصافي عَلَى غلوائه محوت ذكره عن صفحة فؤادي واعتددت وده فيما سال به الوادي.

ففي الناس إن رثت حبالك واصل ... وفي الأرض عن دار القلى متحول

وأنشدت الرجل أبياتاً اعتذر بها في قطعي له:

فلو كان منه الخير إذ كان شره ... عتيداً لقنا إن خيراً مع الشر

ولو كان إذ لا خير ولا شر عنده ... صبرنا وقلنا لا يريش ولا يبري

سبو لكنه شر ولا خير عنده ... وليس عَلَى شر إذا دام من صبر

وبغضي له شهد الله حياً وميتاً أوجبه أخذه محاريب الكعبة الذهب والفضة وضربها دنانير ودراهم وسماها الكعيبة وأنهب العرب الرملة وخرب بغداد وكم دم سفك وحريم انتهك وحرة أرمل وصبي أيتم وأنا معتذر إلى الشيخ الجليل من تقريظه مع تقريظي فيه لأنه قد شاع فضله في جميع البشر وصار غرة عَلَى جبهة الشمس والقمر خلد ذلك فيه بدائع الأخبار وكتب بسواد الليل عَلَى بياض النهار وأنا في مكاتبة حضرته بمنظوم ومنثور كمن أمد النار بالشرر وأهدى الضوء إلى القمر وحب في البحر جرعة وأعار سير الفلك سرعة إذ كان لا يحل النقص بواديه ولا يطور السهو بناديه.

ولقد سمعت من رسائله عقائل لفظ أن نعتها فقد عبتها وإن وصفتها فما أنصفتها وأطربتني يشهد الله إطراب السماع وبالله لو صدرت عن صدر من خزانته وكتبه حوله يقلب طرفه في هذا ويرجع إلى هذا فإن القلم لسان اليد وهو أحد البلاغتين لكان ذلك عجيباً صعباً شديداً ووالله لقد رأيت علماء منهم ابن خالويه إذ قرأت عليهم الكتب ولاسيما الكبار رجعوا إلى أصولهم كالمقابلين يتحفظون من سهو وتصحيف وغلط والعجب العجيب والنادر الغريب حفظه أدام الله تأييده لأسماء الرجال والمنثور كحفظ غيره من الأذكياء المبرزين المنظوم وهذا سهل بالقول صعب بالفعل من سمعه طمع فيه ومن رامه امتنعت عليه معانيه ومبانيه.

حدثني أبو علي الصقلي بدمشق قال: كنت في مجلس ابن خالويه إذ وردت عليه من سيف الدولة مسائل تتعلق باللغة فاضطرب لها ودخل خزانته وأخرج كتب اللغة وفرقها عَلَى أصحابه يفتشونها ليجيب عنها وتركته وذهبت إلى أبي الطيب اللغوي وهو جالس وقد وردت عليه تلك المسائل بعينها وبيده قلم الحمرة فأجاب به ولم يغيره قدرة عَلَى الجواب وقال أبو الطيب: قرأت عَلَى أبي عمر الفصيح وإصلاح المنطق حفظاً وقال لي أبو عمر كنت أعلق اللغة عن ثعلب عَلَى خزف وأجلس عَلَى دجلة أحفظها وأرمي بها وأنا تعبت وحفظت نصف عمري ونسيت نصفه وذاك أني درست في بغداد وخرجت عنها وأنا طري الحفظ ومضيت إلى مصر فأمرجت نفسي في الأغراض البهيمية والأغراض المؤثمية وأردت بزعمي وخديعة الطبع المليم أن أذيقها حلاوة العيش كما صبرت في طلب العلم والأدب ونسيت أن العلم غذاء النفس الشريفة وصيقل الأفهام اللطيفة وكنت أكتب خمسين ورقة في اليوم وأدرس مائتين فصرت الآن أكتب ورقة واحدة وتحكني عيناني حكاً مؤلماً وأدرس خمس أوراق وتكل ثم دفعت إلى أوقات ليس فيها من يرغب في علم ولا أدب بل في فضة وذهب فلو كنت إياساً صرت باقلاً وأضع كتاباً عن يميني وأطلبه عن شمالي وأريد مع ضعفي أن أرتاد لنفسي معاشاً يظهر غير ظهير بل كسير عقيل وصلب غير صليب إن جلست فهو كالدمل وإن مشيت فجملتي دماميل ومعي بقية نزرة يسيرة من جملة كثيرة لو وجدت ثقة أعطيته إياها ليعود علي بما أرفه به جسمي من الحركة وقلبي من الشغل وأنا أجد من أدفعها إليه وبقي أن يردها إلي.

دفع رجل إلى صديق له جارية أودعها عنده وذهب في سفره فقال بعد أيام لمن أنس به وتسكن نفسه إليه: يا أخي ذهبت أمانات الناس أودعني صديق لي جارية في حسابه أنها بكر جربتها فإذا هي ثيب. ومن ظريف الأخبار أن ابنة أختي سرقت لي ثلاثة وثمانين ديناراً فلما هددها السلطان أطال الله بقاءه ومد مدته وأدام سموه ورفعته وأخرجت إليه بعضها قالت: والله لو علمت أن الأمر يجري كذا كنت قتلته فأعجبوا من هريستي وزبوني والله لولا ضعفي وعجزي عن السفر لخرجت إليه متشرفاً بمجالسته ومحاضرته فأما مذكراته فقد يئست منها لما قد استولى علي النسيان واحتوى عَلَى قلبي من الهموم والأحزان وإلى الله الشكوى لا منه وليس يحسن أن أشكو من يرحمني إلى من لا يرحمني وليس بحكيم من شكا رحيماً إلى غير رحيم وكان أبو بكر الشبلي يقول: ليس غير الله ولا عند غير الله خير. وقال يوماً: يا جواد ثم أمسك مفكراً ورفع رأسه ثم قال: ما أوقحني أقول لك يا جواد وقد قيل في بعض عبيدك:

لو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله

وقد قيل في آخر:

تراه إذا جئته متهللاً ... كأنك معطيه الذي أنت سائله

ثم قال: بلى أقول يا جواد فاق كل جواد وبجوده جاد من جاد. ودخل ابن السماك على الرشيد فقال له عظني وفي يد الرشيد كوز ماء فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين أرأيت أن أقدر الله عليك مقدراً فقال لن أمكنك من شربة إلا بنصف ملكك أكنت فاعلاً ذلك قال: نعم قال: اشرب هنأك الله فلما شرب قال: أرأيت يا أمير المؤمنين أن لو أسفت نفس هذا المقدر عليك فقال: لن أمكنك من إخراج هذا الكوز إلا بأن أستبد بملكك دونك أكنت فاعلاً ذلك قال: نعم قال: فاتق الله في ملكك لا يساوي الإبولة وكيف أشكو من قاتني وعالني نيفاً وسبعين سنة كان قميصي ذراعين فوكل بي والدين حدبين مشفقين يتناهيان في دقته ورقته وطيبه فلما صار اثني عشر ذراعاً تولاه هو وطعامي فما أجاعني قط ولا أعراني والذي هو يطعمني ويسقين خاطب ربه بالأدب فقال فإذا مرضت فهو يشفين فنسب المرض إلى نفسه لأنها تنفر من الأعراض والأمراض وكل شيءٍ يطرأ على الإنسان لا يقدر على دفعه مثل النوم واليقظة والضحك والبكاء والغم والسرور والخصب والجدب والغنى والفقر فهو منه تقدست أسماؤه ألا ترى أنه لا يتوعد على فعله ولا يعاقب عليه وما يقدر على دفعه فهو منه مثل أن يريد الكتابة فلا يقع منه البناء ويريد البناء فلا تقع منه الكتابة ومن به الرعشة لا يقدر على إمساك يد ومن ليست به يقدر على إمساكها.

كنت بتنيس وبين يدي إنسان يقرأ ويحزن: يوفدون بالنذر ويخافون ويبكي فخطر لي خاطر فقلت أنا بضد هؤلاء القوم صلوات الله عليهم أنا لا أنذر ولا أفي ولا أخاف شقاء ولا عناء ولو كنت أخاف ما أصبحت محموماً وكنته وحدثني من أثق به ولا أتهمه عن أبيه وكان زاهداً قال: كنت مع أبي بكر الشبلي ببغداد في الجانب الشرقي بباب الطاق فرأينا شاوياً قد أخرج حملاً من التنور كأنه بسرة نضجاً وإلى جانبه قد عمل حلاوى فالوذجاً فوقف ينظر إليهما وهو ساه مفكر فقلت يا مولاي: دعني آخذ من هذا ورقاقاً وخبزاً ومنزلي قريب تشرفني بأن تجعل راحتك اليوم عندي فقال: يا هذا أظننت أني قد اشتهيتهما وإنما فكري في أن الحيوان كله لا يدخل النار إلا بعد الموت ونحن ندخلها أحياء.

يا رب عفوك عن ذي شيبة وجل ... كأنه من حذار النار مجنون

قد كان ذمم أفعالاً مذممة ... أيام ليس له عقل ولا دين

تمت الرسالة والحمد لله ذي الأفضال وصلواته على محمد وخيرة الآل ما فرغت من هذه السوداء حتى ثارت بي السوداء وأنا أعتذر من خطل فيها أو زلل فإن الخطأ مع الاعتذار والاجتهاد والتحري موضوع عن المخطئ ومن ذا الذي يؤتى الكمال فيكمل. قال عمر بن الخطاب: رحم الله امرأ اهتدى إلى عيوبي وأسأله أدام الله عزه تشريفي بالجواب عنها فإن هذه الرسالة على ما بها قد استحسنت وكتبت عني وسمعت مني وشرفتها باسمه وطرزتها بذكره والرسالة التي كتبها الزهرجي إليَّ كانت أكبر الأسباب في دخولي إلى حلب وإذا جاء جواب هذه سيرتها بحلب وغيرها إن شاء الله وبه الثقة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.