انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 35/طبقات الأطباء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 35/طبقات الأطباء

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 12 - 1908



من الكتب ما لو ظفر به المرء أغناه وكم من مكتبة لا تغني عن كتاب. والكتب كالناس واحد بألف وألف لا يساوي واحد. ومن الكتب التي تعد بألف كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لمؤلفه موفق الدين أبي العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668 بصرخد من أعمال جبل الدروز في بلاد الشام ألفه في دمشق برسم أمين الدولة بن غزال بن أبي سعيد وزير الملك الصالح ابن الملك العادل.

صاحب هذه الطبقات من الأطباء العلماء منقح الفكر والعبارة منظم الأسلوب حسن الطريقة ذكر في كتابه كما قال نكتاً وعيوناً في مراتب المميزين من الأطباء القدماء ونوادرهم ومحاوراتهم وشيئاً من أسماء كتبهم ليستدل بذلك على ما خصهم الله تعالى به من العلم قال فإن كثير منهم وإن قدمت أزمانهم وتفاوتت أوقاتهم فإن لهم علينا من النعم فيما صنفوه والمنن فيما قد جمعوه في كتبهم من هذه الصناعة ما تفضل المعلم على تلميذه والمحسن على من أحسن إليه. وقد أودع كتابه جماعة من الحكماء والفلاسفة ممن لهم نظر وعناية بصناعة الطب وجملاً من أحوالهم ونوادرهم وأسماء كتبهم وجعل ذكر كل واحد منهم في الموضوع الأليق به على حسب طبقاتهم ومراتبهم وقسمه إلى خمسة عشر باباً.

الباب الأول في كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها. الثاني في طبقات الأطباء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطب وكانوا المبتدئين بها وهم ثلاثة.

الثالث في الأطباء اليونانيين الذين هم من نسل اسقيلبيوس وهم ستة. الرابع في الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم صناعة الطب وهم تسعة. الخامس في الأطباء الذين كانوا من زمان جالينوس وقريباً. والسادس في الأطباء الاسكنداريين ومن كان في أزمنتهم من الأطباء النصارى. السابع الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب وغيرهم وهم عشرة. الثامن في الأطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس وهم أربعة وثلاثين.

التاسع الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم وهم سبة وثلاثون. العاشر الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة ودياربكر وهم اثنان وثمانون طبيباً. الحادي عشر الأطباء الذين ظهروا في العجم وهم ثلاثة وعشرون. الثاني عشر الأطباء الذين كانوا في الهند وهم ستة. الثالث عشر الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها وهم تسعة وثمانون. الرابع عشر الأطباء المشهورون من أطباء مصر وهم سبعة وخمسون.

الخامس عشر الأطباء المشهورون من أطباء الشام وهم تسعة وخمسون. ورتبهم المؤلف على سنين وفياتهم.

كل من استعملوا عقولهم جادت والأطباء هم ممن يستعملون عقولهم ولذلك كان في ما كتبه ابن أبي أصيبعة برهان على صحة العقل وجودة التأليف بحيث أنك تقرأ كتابه وهو في ستمائة صفحة فلا تكاد تجد فيه مغمزاً اللهم إلا بعض ألفاظ وأشعار قليلة بذيئة رواها لبعض المترجم بهم ولعل ذلك لم يكن نكراً في عصره أو إطالة في إيراد بعض التراجم مثل إطالته في ترجمة أبي الحكم الأندلسي ونقل شعره وسديد الدين ابن رقيقة وشعره وأكثر ما رواه من الشعر لأبي القاسم هبة الله ابن الفضل وغيرهم ممن جاد شعرهم ولكنه لا يخلو من بعض سخافات وعذره في ذلك أنه يريد التنويه بالأطباء كيف كان حالهم ويود لو أتى لهم بكل ما قالوه.

قلت مرة لأحد أساطين العلم ما بال ابن أبي أصيبعة استعمل بعض أشعار ونوادر سخيفة نقلها كأنه راضٍ عنها على حين أنه غاية في الكمال والعلم الصحيح فقال إن المؤلف أراد أن يجعل كتابه مرجعاً كبيراً ومورداً فائضاً في كل أطروفة وأطروبة وذلك لما أهدى نسخاً لبعض من يغلب عليهم الوقار حذف هذه الزائدات ومن رآهم يحبون الأشياء على أصلها استنسخ لهم من كتابه نسخة تامة وهذا هو السبب في اختلاف النسخ التي ظفر بها طابع الكتاب.

وقصارى القول أن هذه الطبقات هي من الكتب الممتعة فلا تعد كتاباً للطب والأطباء بل هي كتاب في الحكمة والحكماء والمفننين من العلماء يتمثل فيه المطالع طرفاً من مدنية الإسلام ويقرأ فيه براهين دامغة على إن الناس في تلك القرون السبعة الأولى كانوا سواء على اختلاف مللهم ونحلهم يصف المؤلف المخالف بأنه أوحد العلماء فاضل كامل ويذكر له من الصفات ما يتراءى معه لقليل الخبرة بإخبار تلك الأزمنة أن المؤلف ينقل عن أهل دين المترجم بهم ويأتي بصفاتهم مجردة دون أن يلحقه شيء من تبعتها على أن ذلك كله من بنات أفكار المترجم.

ساوى العلم في نظره بين ابن دينه ومخالفه مساواة لم يغم طبها حقاً لمخالف ولم يبالغ بمن يود ويحالف كما يرى في ترجمة جبرئيل بن بختشيوع ويحنا بن ماسويه ومفق الدين بن مطران وأمين الدولة ابن التلميذ وحنين بن اسحق وهناك تجد كثير من تراجم العلماء ممن كان الطب بعض علومهم مثل الرئيس ابن سينا وأبي نصر الفارابي وابن الهيثم ويعقوب ابن اسحق الكندي وثابت بن قرة وكمال الدين ابن يونس وأبي بكر الرازي وأبي بكر ابن زهر وأبي الوليد ابن رشد والسهروردي وعبد اللطيف البغدادي وغيرهم من الأعلام الذين ترجمهم فأحسن ترجمتهم حتى لم يبق حاجة في النفس من أمرهم.

تقرأ في هذا السفر تعريب التراجمة الأول في الإسلام مشفوعاً بنبذة من أخبارهم وتتراوح بين تلاوة الحكم المستعذبة والأشعار اللطيفة والنثر البديع بحيث تحكم بين الطبقات هي كتب أدب ومحاضرة كما هي كتاب حكمة وطب تتنقل بين الاستفادة من هذا وترويح النفس بتلك فمن الحكم ما أوصى به أبقراط الأطباء فقال: ينبغي أن يكون المتعلم للطب في جنسه حراً وفي طبعه جيداً حديث السن معتدل القامة متناسب الأعضاء جيد الفهم حسن الحديث صحيح الرأي عند المشورة عفيفاً شجاعاً غير محب للفضة مالكاً لنفسه عند الغضب ولا يكون تاركاً له في غاية ولا يكون بليداً وينبغي أن يكون مشاركاً للعليل مشفقاً عليه حافظاً للأسرار لأن كثير من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم وينبغي أن يكون محتملاً للشتيمة لأن قوماً من المبرسمين وأصحاب الوسواس السوداوي يقابلونا بذلك وينبغي بنا أن نحتملهم عليه ونعلم أنه ليس منهم وأن السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق الرأس معتدلاً مستوياً لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قص أظافر يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه بيضاً نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلاً لأن ذلك دليل على الطيش ولا متباطئ لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعاً ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا يقلق واضطراب فإن هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره. هذا ما قاله أبو الطب ولو عمل الأطباء طراً بمشورته لما ساءت ظنون العامة والخاصة ببعضهم.

ومن مواعظ أفلاطون: إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فهرب من.

وقال من لا يواسي الإخوان عند دولته خذلوه عند فاقته. وسئل من أحق الناس أن يؤتمن على تدبير المدينة فقال من كان في تدبير نفسه حسن المذهب. وقال الملك هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغيرة فإن كان عذباً عذبن وإن كان ملحاً ملحت وإذا أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوف الملتذ أبداً بل دع فيه فضلاً تدم لك اللذة. وقال لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده فإن الناس ليس يسألون في كم فرغ من هذا العمل وإنام يسألون عن جودة صنعته وقال إذا طابق الكلام نية المتكلم حرك نية السامع وإن خالفها لم يحسن موقعه مما أريد به. وقال رجل جاهل لأفلاطون كيف قدرت على كثرة ما تعلمت فقال لأني أفنيت من الزيت بمقدار ما أفنيته من الشراب. وقال إذا صادقت رجلاً وجب عليك أن تكون صديق صديقه وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه. وقال الإفراط في النصيحة يهجم بصاحبها على كثير من الظنة.

ومن حكم أرسطو أن من علامة تنقل الدنيا وكدر عيشها أنه لا يصلح منها جانب إلا بفساد جانب أخر ولا سبيل لصاحبها لعز إلا بالإذلال ولا استغناء إلا بافتقار وأعلم ربما أنها أصيبت بغير حزم في الرأي ولا فصل في الدين فإن أصبت حاجتك منها وأنت مخطئ أو أدبرن عنك وأنت مصيب فلا يستخفك ذلك إلى معاودة الخطأ ومجانبة الصواب. وقال لا تبطل لك عمراً في غير نفع ولا تضع لك مالاً في غير حق ولا تصرف قوة في غير غناء ولا تعدل لك رأياً في غير رشد فعليك بالحفظ لما أتيت من ذلك والجد فيه وخاصة في العمر الذي كل شيءٍ مستفاد سواه وإن كان لا بد لك من إشغال نفسك بلذة فلتكن في محادثة العلماء ودرس كنب الحكمة. وقال: العالم أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعاً لك.

وقال: العلم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً والجاهل يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً. وقال من نازع السلطان مات قبل يومه. وقال أي ملك نازع السوقة هتك شرفه. وقال أي ملك يسف إلى المحقرات فالموت أكرم له.

كتب إلى الإسكندر في وصايا له أن الأردياء ينقادون بالخوف والأخيار ينقادون بالحياء فميز بين التطبيق واستعمل في أولئك الغلظة والبطش وفي هؤلاء الأفضال والإحسان. وكتب أيضاً أن الأمور التي يشرف بها الملوك ثلاثة سن السنن الجميلة وفتح الفتوح المذكورة وعمارة البلدان المعطلة.

ومن كلام عبد اللطيف البغدادي: اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزاً فصيحاً في معنى مهم أو مستحسن فيه الغاز ما وإيهام كثير أو قليل ولا تجعله مهملاً ككلام الجمهور بل رفعه عنهم ولا تباعده عليهم جداً. وقال وإياك والهذر والكلام فيما لا يعني وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضيلة وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام وتبتير الكلام بل اجعل كلامك سرداً بسكون بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه وأنه عن خميرة سابقة ونظر متقدم.

وقال: وإياك والغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويجلب الضغائن ويمحق المودات ويصير القائل مستثقلاً سكوته أشهى من السامع من كلامه ويثير النفوس إلى معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته وقال لا تترع بحيث تستثقل ولا تتنازل بحي وتستحقر.

ومن كلام رشيد الدين بن خليفة: احترم المشايخ ولو سكتوا عن جواب سؤالك فلعل ذلك لبعد العهد وكلال القوى أو لأنك سألت عما لا يعنيك أو معرفتهم بعجز فهمك عن الجواب أو إن فوائدك أكثر من ذلك. وقال: اشتغل بكلام المشهورين الجامعة أولاً فإذا حصلت الصناعة فاشتغل في الكتب الجزئية من كلام كل قائل.

وقال: خذ كلام كل قائل عارياً عن محبة أو بغضة ثم زنه بالقياس وامتحنه إن أمكن بالتجربة وحينئذ اقبل الصحيح وإذا أشكل فأشرك غيرك فيه فإن لكل ذهن خاصية بمعان دون معان.

قال: الأمراض لها أعمار والعلاج يحتاج لمساعدة الأقدار وأكثر صناعة الطب حدس وتخمين وقلما يقع فيه اليقين وجزآها القياس والتجربة لا السفسطة محب الغلبة ونتيجتها حفظ الصحة إذا كانت موجودة وردها إذا كانت مفقودة وفيهما يتبين سلامة الفطر ودقة الفكر ويتميز الفضل من الجاهل والمجد في الطلب عن المتكاسل والعمال بمقتضى القياس والتجربة عن المحتال على اقتناء المال وعلو المراتب. وقال ما أكثر الملتذين بالآمال من غير الشروع في بلوغها.

وقال: الآمال أحلام اليقظان وكنب بعضهم إلى شيخه يشكو إليه تعذر أموره فكتب إليه أنك لن تنجو مما تكره حتى تصبر عن كثير مما تحب ولن تنال ما تحب حتى تصبر على كثير مما تكره ومما كاد يخلص إليه كتاب الطبقات أنك قد تأتي على ترجمة الرجل والرجلين لا تفهم مذهبه إذا لم يكن في اسمه أو كنيته أو لقبه ما يشعر بأنه مسلم من غير مسلم وربما اشتبه الاسم أيضاً فإن من الصابئة من اسمه حسن ومن المجوس من اسمه عثمان وعلي والعباس والنصراني يكنى بموفق الدين وقطب الدين.

ومن عجب ما قرأت أن قسطا بن لوقا البعلبكي وكان مسيحي النحلة كتاباً له في علة الموت فجأة لأبي الحسن محمد بن أحمد كاتب بطريقة البطارقة والغالب أن اسم هذا أبو غانم العباس بن سنباط. وقد استفدت منه ألفاظ لم تكن مألوفة لزمننا مثل الجوارشنات للحبوب لمستعمله والأقراباذينيات أي تركيب الأدوية والساعور وهو مقدم النصارى في الطب وفي التاج وأن أصله ساعوراً ومعناه متفقد المريض وقد اشتق منه فعلاً فقال: كان جميعاً يسعران المرضى أي يتفقدانها إلى غير ذلك من الفصح والشوارد مثل قوله عن اسم كتاب لأحد مشاهير (المنمس) أي المحتال بالدين ونحوه على شيء يستره.

والغلاب إن المؤلف لم يدخر وسعاً في تنقيح كتابه وتصحيحه إلى أن هلك فجاء زبده في موضوعه فيه كل ما طالب وحلا فمن منظومة وهو مما تأخذه فيه وخير الشعر ما زاد معناه على لفظه وقصدت به غاية كما قال يعقوب بن اسحق الكني

أناف النابي على الاروس=فغمض جفونك أو نكس

وضائل سوادك واقبض يديك=وفي قعر بيتك فاستحلس

وعند مليكك فبغي العلو=وبالوحدة اليوم فاستأنس

فإن الغني في قلوب الرجال=وأن التعزز بالأنفس

وكائن ترى من خي عسرة=غني وذي ثروة مفلس

ومن قائم شخصه ميت=على انه بعد لم يرمش

فإن تطعم النفس ما تشتهي=تقيك جميع الذي تحتسي

وكما وصى يحيى بن عدي أن يكتب على قبره

رب ميت قد صار حيا ... ومبقى قد مات جهلاً وعيا

فاقتنوا العلك كي لا خلودا ... لا تعدوا الحياة في الجهل شيا

وكما قال أبو طاهر بن البرخشي وقد رأى إنساناً يكتب كتاباً إلى صديق له فكتب في صدرة العالم.

لما انمحت سنن المكرم والعلى ... وغدا الأنام بوجه جهل قاتم

ورضوا بأسماء ولا معنى لها ... مثل الصديق تكاتبوا بالعالم

وكما قال العنتري

الحق ينكره الجهول لأنه ... عدم التصور فيه والتصديق

فهو العدو لكل ما هو ... فإذا تصوره يعود صديقا

أو كما قال

كن غنياً إن استطعت وإلا ... كن حكيماً فما عدا ذين غفل

إنما سودد الفتى المال والعمل ... لم وما ساد قط فقر وجهل

وقوله

ومن نكد الدهر الغشوم وصرفه ... يجاور رغماً فيلسوف لأحمق

وكقول أبي بكر الرازي

نهاية أقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في غفلة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبان

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وكم قد رأينا من رجال ودولة ... فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا

وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فزالوا والجبال جبال

وكقول أمية بن عبد العزيز

مارست دهري وجربت الأنام فلم ... احمدهم قط في جد ولا لعب

وكم تمنيت أن ألقى به أحداً ... يسلي من الهم أو يعدي على النوب

فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا ... كانت مواعيدهم كالآل في الكذب

وكان لي سبب قد كنت أحسبي ... أحظى به وإذا دائي من السبب

فما ملقم أظفاري سوى قلبي ... ولا كتائب أعدائي سوى كتبي

وكقول عبد المنعم الجلياني

من لم يس عنك فلا تسألن ... عنه ولو كان عزيز النفس وكن فتى لم تدعه حاجة ... إلى امتهان النفس إلا نفر

وكقوله

قالوا نرى نفراً عند الملوك سموا ... وما لهم همة تسمو ولا روع

وأنت ذو همة في الفضل عالية ... فلم ظمئت وهم في الجاه قد كرعوا

فقلت باعوا نفوساً واشتروا ثمناً ... وصنت نفسي فلم أخضع كما خضعوا

قد يُكرم القرد إعجاباً بخسته ... وقد يهان لفرط النخوة السبع

ومثل قول أمين الدولة بن التلميذ

سق النفس بالعلم نحو الكمال ... تواف السعادة من بابها

ولا ترج ما لم تسبب له ... فإن الأمور بأسبابها

وكقوله

لا تحقرن عدواً لان جانبه ... ولو يكون قليل البطش والجلد

فللذبابة في الجرح المدّ يد ... تنال ما قصرت عنه يد الأسد

وكقوله

وأرى عيوباً العالمين ولا أرى ... عيباً لنفسي وهو من اقرب

كالظرف يستحلي الوجوه ووجهه ... منه قريب وهو عنه مغيب

وكقول سعيد بن عبد ربه وكان جميل المذهب معبضاً عن الملوك

أمن بعد غوصي في علوم الحقائق ... وطول انبساطي في مواهب خالقي

وفي حين إشراف على ملكوته ... أرى طالباً رزقاً إلى غير رازقي

وأيام عمر المرء متعة ساعة ... تجيء حثيثاً مثل لمحة بارق

وقد أذنت نفسي بتقويض رحلها ... وأسرع في سوقي إلى الموت ساقي

وإني وأن أوغلت أو صرت هارباً ... من الموت في الآفاق فالموت لاحقي

وكقول أبي فرج بن هندو

قوض خيامك من أرض تضام بها ... وجانب الذل إن الذل يجتنب

ورحل إذا كانت الأوطان منقصة ... فمندل الهند في أركانه حطب

وكقوله أطال بين البلاد تجوال ... قصور مالي وطول آمالي

إن رحت عن بلدة غدوت إلى ... أخرى فما تستقر أحمالي

كأنني فكرة الموسوس لا ... تبقى مدى لحظة على حال

وكقوله وكتبها على عود

رأيت العود مشتقاً ... من العود بإتقان

فهذا طيبٌ أناف=وهذا طيب آذان

وكقوله

لا ملك ما فيه كملوك آلة ... سوى أنه يوم السلاح متوج

وقيم لإصلاح الورى وهو فاسدٌ ... وكيف استواء الظل والعود أعوج

وكقول الرحبي:

إذا تقضى شباب المرء في نغص ... فما له في بقايا العمر من إرب

وهناك من المنظومات الطويلة ما هو السحر الحلال. أما المنثور فطريقته طريقة التسجيع التي غلبت على أهل اقرن الخامس فمن بعدهم إلا أن فيه المرسل مثل كلام لأمين الدولة ابن التلميذ كتبه في ضمن رسالة على ولده وكان يعرف برضي الدولة أبي نصر قال والتفت هناك عن هذه الترهات إلى تحصيل مفهوم لتميز به وخذ نفسك من الطريقة بما كررت بذهنك عليه وإرشادك إليه واغتنم الأماكن واعرف قيمته وتشغل بشكر الله تعالى عليه وفز بحظ نفسي من العلم تثق من نفسك بأن عقلته وملكته لأقرته ورويته فإن بقية الحظوظ تتبع هذا الحظ المذكور وتلزم صاحبه ومن طلبه من دونه فإما أن لا يجدها وإما أن لا يتعمد عليها إذا وجدها ولا يثق بدوامها وأعوذ بالله أن ترضى لنفسك إلا بما يليق بمثلك أن يتسامى إليه بعول همته وشدة أنفته وغيرته على نفسه ومما قد كررت عليك الوصاة به على أن لا تحرص على أن لا تقول شيئاً لا يكون مهذباً في معناه ولفظه ويتعن عليك إيراده فأما معظم حرصك فتصرفه إلى أن تسمع ما تستفيده لا ما يلهيك ويلذ للاغمار وأهل الجهالة نزهك الله عن طبقتهم فإن الأمر كما قال أفلاطون الفضائل مرة الورود حلوة الصدر والرذائل حلوة الورد مرة الصدر وقد زاد أرسطوطاليس في هذا المعنى فقال: عن الرذائل لا تكون حلوة الورود عند ذي فطرة فائق بل يؤذه تصور قبحها إذا يفسد عليه ما يسلتذه غيره منها وكذلك الصحة يكفي حسه في تعريفه النافع والضار فلا ترض لنفسك حفظك الله إلا بما تعلم انه يناسب طبقة مثالك واغلب خطرات الهوى بعزمات الرجال الراشدين واطمح بنفسك إليها تتركك في طاعة عقلك فإنك تسر بنفسك وتراها في كل يوم مع اعتماد ذلك في رتبة عليا ومرقاة من سماء.

ومن رسالة في السعادة كتبها المؤلف إلى رشيد الدين الصوري وقد أهدى إليه تأليفاً له يحتوي على فوائد ووصايا طبية وهي من السجع على خلاف عادته: أدام الله أيام الحكيم الأجل الأوحد الأمجد العالم العامل الفاضل الكامل الرئيس رشيد الدنيا والدين معتمد الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين بلغه في الدارين نهاية سؤله وكبت حسدته وأعاديه ولا زالت الفضائل مخيمة بفنائه والفواضل صادرة منه إلى أوليائه والألسن مجتمعة على شكره وثنائه والصحة محفوظة بحسن مرعاته والأمراض زائلة بتدبيره ومعالجاته المملوك ينهي ما يجده من الأشواق إلى خدمته والتأسف على الفائت من مشاهدته ووصلت المشرفة الكريمة التي وجد بها نهاية الأمل والإرشاد إلى المطالب الطبية الجامعة للعلم والعمل وقد جعلها المملوك أصلاً يعتمد عليها ودستوراً يرجع إليه لا يخليها من فكره ولا يخص بما تتضمنه في سائر عمره ومال المملوك ما يقابل به إحساناً مولانا إلا الدعاء الصالح والثناء الذي يكتسب من محاسنه النشر العطر الفائح وكيف لا أشكر أنشر محاسن من لا أجد فضيلة إلا به ولا أنال الراحة إلا بسببه فالله يتقبل من المملوك صالح أدعيته ويجزي مولانا كل خير على كمال مروءته إن شاء الله.

وأما فوائد الكتاب الطبية والاجتماعية فما ينبغي أن يفرد بالبحث ولا يسع الطبيب والأديب جهله فمن ذلك ما قال به ثابت بن سنان قال ولما كان سنة تسع عشرة ثلاثمائة اتصل بالمقتدر إن غلطاً جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل فأمر إبراهيم بن محمد___بمنع سائر المتطببين من التصرف إلا من امتحنه والدي سنان بن ثابت وكتب له رقعة بخطه بما يطلق له من الصناعة فصاروا إلى والدي وامتحنهم وأطلق لكل واحد ما يصلح أن يتصرف فيه وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة رجلاً ونيفاً وستين رجلاً سوى من استغنى عن محنته باشتهاره بالتقدم في صناعته وسوى من كان في خدمة السلطان. قلت وهذه الشهادة الطبية نالها من أطباء بغداد بعد العلم والعمل ولا عجب أن يكون لبغداد هذا العدد الدثر من الأطباء والقاهرة على ما بلغت إليه من الحضارة في هذا العهد لا يتجاوز أطباءها نصف هذا القدر. وقد ذكر ابن أبي أصيبعة أن سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب وما والاها كان إذا أكل الطعام حضر على مائدته أربعة وعشرون طبيباً وكان فيهم من يأخذ رزقين لأجل تعاطي علمين ومن يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم.

ونقل المؤلف من كلام لأبي نصر الفارابي في معنى اسم الفلسفة قال اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية وهو على مذهب لسانهم فيلسوفياً وعناه إيثار الحكمة وهو في لسانهم مركب من فيلا ومن سوفيا ففيلا الإيثار وسوفيا الحكمة والفيلسوف مشتق من الفلسفة وهو على مذهب لسانهم فيلسوفوس فإن هذا التغيير هو تغير كثير من الاشتقاقات عندهم ومعناه المؤثر للحكمة والمؤثر بالحكمة عندهم هو الذي يجعل الوكد من حياته وغرضه من عمره الحكمة. وحكى أبو نصر الفارابي في ظهور الفلسفة ما هذا نصه: قال إن أمر الفلسفة اشتهر أيام الملوك اليونانيين وبعد وفاة أرسطوطاليس إلى أخر أيام المرأة وأنه لما توفي بقي التعليم فيها على حاله إلى أن ملك ثلاثة عشر ملكاً وتوالى في مدة ملكهم من معلمي الفلسفة اثنى عشر معلماً أحدهم معروف باندرنيقوس وكان هؤلاء الملوك المرأة فغلبها أوغسطس الملك من أهل رومية وقتلها واستحوذ على الملك فلما استقر له نظر في خزائن الكتب وصنعها فوجد فيها نسخاً لكتب أرسطوطاليس قد نسخت في أيامه وأيام ثاوفرسطس ووجدوا المعلمين والفلاسفة قد عملوا كتباً في المعاني التي عمل فيها أرسطو وتلاميذه وأن يكون التعليم منها وأن ينصرف عن الباقي وحكم أندرونيقوس في تدبير ذلك وأمره أن ينسخ نسخ يحملها معه إلى رومية ونسخاً يبقيها في موضع التعليم في الإسكندرية وأمره أن يستخلف معلماً يقوم مقامه بالإسكندرية ويسير معه إلى رومية فصار التعليم في موضعين وجرى الأمر على ذلك إلى أن جاءت النصرانية فبطل التعليم من رومية وبقي بالإسكندرية إلى أن نظر ملك النصرانية في ذلك واجتمعت الأساقفة وتشاوروا فيما يترك من هذا التعليم وما يبطل فرأوا أن يعلم من كتب المنطق إلى أخر الأشكال الوجودية ولا يعلم ما بعده لأنهم أن في ذلك ضرراً على النصرانية وإن فيما أطلقوا تعليمه ما يستعان به على نصرة دينهم فبقي الظاهر من هذا التعليم هذا المقدار وما ينظر فيه من الباقي مستوراً إلى كان الإسلام بعده بمدة طويلة فانتقل التعليم من الإسكندرية إلى أنطاكية وبقي بها زمناً طويلاً إلى أن بقي معلم واحد فتعلم منه رجلان وخرجا ومعهما الكتب فكان أحدهما من أهل حران والآخر من أهل مرو فأما الذي من مرو تعلم منه رجلاً. أحدهما إبراهيم المروزي والأخر يوحنا بن حيلان وتعلم من الحراني إسرائيل وسارا إلى بغداد فتشاغل إبراهيم بالدين وأخذ قدري في التعليم وأما يوحنا فإنه تشاغل أيضاً بدينه وانحدر إبراهيم إلى بغداد وأقام بها وتعلم منه متى بن يونان وكان الذي يتعلم في ذلك الوقت إلى أخر أشكال الوجودية. وكان ما يسمى ما بعد الأشكال الوجودية الجزء الذي لا يقرأ إلا أن قرأ ذلك وصار الرسم بعد ذلك حيث صار الأمر إلى معلمي المسلمين أن يقرأ من الأشكال الوجودية إلى حيث قدر الإنسان أن يقرأ فقال أبو نصرانه قرأ إلى أخر كتاب البرهان.

ومن فوائد التاريخية في الكتاب ما ذكره صاعد بن بشر في مقالته في مرض البراقيا ما عاينه في ذلك الزمان من أهوال وجدها ومخاوف شاهدها. هذا نصه وقال وأنه عرض لنا من نضايق الزمان علينا والتشاغل بالتماس الضروري ولما قد شملنا من الخوف والحذر والفزع واختلاف السلاطين وما قد بلينا به مع ذلك من التنقل في المواضع وضياع كتبنا وسرقتها ولما قد أظلنا من الأمور المذعرة المخوفة التي لا نرجو من كشفها إلا الله نقدس اسمه قال ابن أبي أًصيبعة هذا ما ذكره أي صاعد وما كان في أيامه إلا الاختلاف ملوك الإسلام بعضهم مع بعض وكان الناس سالمين في أنفسهم آمنين من القتل والبغي فكيف لو شاهد ما شاهدناه ونظرا ما نظرناه في زماننا من التتار الذين أهلكوا العباد وخربوا البلاد وكونهم إذا أتوا إلى مدينة فما لهم إلا قتل جميع من فيهم من الرجال وسبي النساء والأولاد ونهب الأموال وتخريب القلاع والمدن لكن استصغر ما ذكره واستقل ما عاينه وحقره ولكن ما الطامة إلا ما فوقها طامة أعظم منها ولا حادثة إلا غيرها تكبر عنها والله الحمد على السلامة والعافية

ومن فوائده التاريخية أيضاً ما ذكره في ترجمة ابن بطلان قال إن مشاهير الوباء في زمانهم وباء سنة ست وأربعين وأربعمائة فإنه دفن في كنسية لوقا بعد أن امتلأت جميع المدافن التي في القسطنطينية أربعة عشر ألف نسمة في الخريف فلما توسط الصيف في سنة سبع وأربعين لم يوف النيل فمات في الفسطاط والشام أكثر أهلهما وجميع الغرباء إلا ما شاء الله وانتقل الوباء من العراق فأتى على أكثر أهله واستولى عليه الخراب بطرق العساكر المتعادية واتصل ذلك بها إلى سنة أربع وخمسين وأربعمائة وعرض للناس في أكثر البلاد قروح سوداوية وأورام الطحال وتغيير الترتيب نوائب الحميات واضطراب نظام البحارين قال وتكامل خراب العراق والموصل والجزيرة واختلت ديار بكر وربيعة ومضر وفارس وكرمان وبلاد اليمن والمغرب والفسطاط والشام واضطربت أحوال ملوك الأرض وكثرت الحروب والغلاء والوباء.

ومن فوائده الاجتماعية ما ذكر في ترجمة اسرائيل بن الطيفوري أن الوزير الفتح ابن خاقان كا كثير العناية به فقدمه عند المتوكل ولم يزل حتى انس به المتوكل وجعله في مرتبة بختيشوع وعظم قدره وكان متى ركب إلى دار المتوكل يكون موكبه مثل موكب الامراء وأجلاء القواد وبين يديه أصحاب المقارع. قلت ولعل أصحاب المقارع مثل الذين يمشون أمام عجلات الأعيان والامراء ومركباتهم في هذا القطر وهذه العادة من أبشع العادات التي أبقتها الأيام. كما أنه كان يحمل بين يدي الكبراء مشاعل في الليل كما ذكره في ترجمة أبي الفرج بن توما ومن فوائده الأدبية قوله: ذكروا أن الأصل كان في اسم جالينوس غالينوس ومعناه الساكن او الهادي وقيل أن ترجمة اسم جالينوس معناه بالعربي الفاضل وقال أبو بكر محمئد بن زكريا الرازي في كتاب الحاوي أنه ينطلق في اللغة اليونانية ان ينطق بالجيم غينا وكافا فيقال مثلا جالينوس وغالينوس وكالينوس وكل ذلك جائز وقد تجعل الالف واللام لاماً مشددة فيكون ذلك أصح في اليونانية أقول وهذه فائدة تتعلق بهذا المعنى وهي حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد الكريدي قال حدثني ابنا غانوس المطران بشوبك وكان أعلم أهل زمانه بمعرفة لغة الروم القديم وهي اليونانية إن في لغة اليونان كل ما كان من الأسماء الموضوعة من أسماء الناس وغيرهم فآخرها سين مثل جالينوس وديسقوريدس وانكساغورس وأرسطو طاليس وديوجانيس واريباسيوس وغير ذلك وكذلك مثل قولهم قاطيغورياس وبارينتياس ومثل اسطوخودس واناغالس فان السين التي في آخر كل كلمة حكمها في لغة اليونان مثل التنوين في لغة العرب الذي هو في آخر الكلمة مثل قولك زيد وعمرو وخالد وبكر وكتاب وشجر فتكون النون التي تتبين في آخر التنوين مثل السين في لغة أولئك أقول ويقع لي أن من الالفاظ التي في لغة اليونانيين وهي قلائل ما لا يكن في آخره مثل سقراط وأفلاطون وأغاثاذيمون واغلوقن وتامور وياغاات وكذلك من غير أسماء الناس مثل انالوطيقيا ونيقوماخيا والريطورية ومثل جند بيدستر وترياق فإن هذه الاسماء تكون في لغة اليونانيين لا يجوز عندهم تنوينها فتكون بلا سين وذلك مثل ما عندنا في لغة العرب وأن من الأسماء ما لا ينون وهي الأسماء التي لا تتصرف مثل إسماعيل وإبراهيم وأحمد ومساجد ودنانير هذه كتلك

إما فوائد الكتاب الطبية فكثيرة جداً فمنها ما رواه عن جالينوس إن كل بيت لا تدخله الشمس يكون وبيئاً وهو مثل قول الفرنسيس في أمثالهم حيث لا تدخل الشمس يدخل الطبيب ومما ذكره ابن بختويه في كتاب المقدمات صفة لتجميد الماء في غير وقته زعم أن إذا أخذ الشب اليماني الجيد رطل ويسحق جيداً ويجعل في قدر فخار جديدة ويلقى عليه ستة أرطال ماء صافي ويجعل في تنور ويطين عليه حتى يذهب منه الثلثان ويبقى الثلث لا يزيد ولا ينقص فإنه يشتد ويرفع في قنينة ويسد رأسها جيداً فإذا أردت العمل به أخذت تلجية جديدة وفيها ماء صافي الماء عشرة مثاقيل من الماء المعمول بالشب ويترك ساعة واحدة فإنه يصير ثلجاً وكذلك أيضاً زعم بعض المغاربة في صنعة تجميد الماء في الصيف.

قال: اعمل إلى بذر الكتان فانقعه في خل خمر جديد ثقيف فإذا جمد الماء فألقه في جرة أو اوجب مليء ماء قال فإنه يجمد ما كان فيه من الماء ولو انه في حزيران أو تموز.

بقي في الكتاب كثير من النكات المضحكة ننقل بعضها للأحماض وترويحاً للنفوس فمما رواه يوحنا بن ماسويه العالم الطبيب المشهور وكان فكهاً ادعابة وظرف قال: شكا إليه رجل جرباُ قد اضرّبه فأمره بقصد إلا كحل من يده اليمنى فأعمله أنه قد فعل فأمره بقصد الأكحل أيضا من يده اليسرى فذكراه قد فعل فأمره بشرب الطبوخ فقال قد فعلت فأمره بشرب الاصطمخيقون فاعلمه انه قد فعل فأمره بشرب ماء الجبن أسبوعاً وشرب مخيض البقر أسبوعين فأعلمه انه قد فعل فقال له لم يبق شيءٌ مما أمر به المتطيبون إلا وقد ذكرت انك فعلته وبقي شيءٌ مما لم يذكره بقراط ولا جالينوس وقد رأيناه يعمل على التجربة كثيراً فاستعمله فغني أرجو أن ينجح علاجك إن شاء الله فسأله ما هو فقال ـــــ زوجي قراطيس وقطعهما رقاعاً صغاراً واكتب في كل رقعة رحم الله من دعا لمبتلى بالعافية والق نصفها في المسجد الشرقي بمدينة السلام والنصف الآخر في المسجد الغربي وفرقها في المجلس يوم الجمعة فأني أرجو أن ينفعك الله بالدعاء إذ لم ينفعك بالعلاج.

وعلى الجملة فالكتاب مادة واسعة في علوم واسعة في علوم الحضارة فنشكر لناشره العالم الألماني الذي سمى نفسه امرأَ القيس الطحان وهذا الاسم ترجمة اسمه الحقيقي ماكس ماللر فقد طبعه في مصر وصححه على عدة نسج وأمهات صحيحة وألحقه بفهرس الإعلام بحيث جاء مفيداً يكاد غلطه لا يذكر وبذل وقته وماله فيه حتى نفع العلم والأدب وجلا كثيراً من الحقائق التي كانت مستورة وها قد اخذ الألمان اليوم يترجمونه إلى لغتهم وسيتم طبعه قريباً وأني لأوصي كل طالب علم وعاشق معرفة أن يقتنيه فهو من الكتب التي لا يليق بمنضدة أن تكون خالية من نسخة منه يأخذ كل مطالع منها ما يغلب عليه دع عنك ما هنالك من تاريخ يلقح كل حين فكراً جديداً ولو كان في موضوع هذا المصنف المفيد مئة كتاب من أمهات كتبنا جميلة الطبع والوضع لعدت العربية في التاريخ والسير من أغنى لغات العصر.