انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 26/تاريخ ابن الساعي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 26/تاريخ ابن الساعي

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1908



وقفنا على قطعة من كتاب الجامع المختصر في عنوان التاريخ وعيون السير قال في كشف الظنون أنه تأليف الشيخ تاج الدين علي بن أنجب بن الساعي البغدادي المتوفى سنة 674 (خازن الكتب المستنصرية) وهو تاريخ كبير في خمسة وعشرين مجلداً بلغ فيه إلى آخر سنة 656 والتاريخ مرتب على السنين وهذا الجزء وهو مخروم من أوله وآخره ويبدأ من حوادث سنة 595 وينتهي في حوادث سنة 606 أي أن فيه حوادث عشر سنين تامة ذكر فيه ما وقع فيها من الكوائن السياسية والطبيعية وترجم كثيراً ممن توفوا في تلك الحقبة من الزمن ولاسيما القاضي الفاضل والعماد الكاتب والفخر الرازي وأبو السعادات ابن الأثير الجزري صاحب النهاية وهو موجز العبارة سهل الإنشاء.

ومعلوم أن الدولة العباسية كانت على ذاك العهد آخذة في الضعف ولذلك تقرأ نموذجاً من هذا الضعف في مسطور هذا التاريخ منها أن ابن ليون صاحب أرمينية أغار على أطراف حلب وغنم ونهب وقتل ومنها أن صاحب الكرج كان يغير على بلاد المسلمين ومنها أن ملوك الطوائف كصاحب غزنة وهراة والشام ومصر كانوا يتقربون لبغداد تقرباً ظاهرياً وفي تلك المدة بدأ الصوفية يرد ذكرهم مع الفقهاء والوعاظ والقراء. وأخذت العادة تسري بتقبيل العتبة الشريفة بباب النوبي الشريف حتى أن نظام الدين محمد بن عبد الكريم السمعاني لما أنفذ رسولاً من علاء الدين محمد خورازمشاه وتلقى بموكب الديوان العزيز ونزل بباب النوبي الشريف وأريد على تقبيل العتبة امتنع عن تقبيلها فأهين ألزم بتقبيلها مكرهاً ولما جاء رئيس علماء بخارى قبل تلك العتبة أسوه غيره من العامة والخاصة. وفي هذا التاريخ ألفاظ واصطلاحات لذاك العصر منها ما ورد في ترجمة بي منصور بن نقطة المشحبر وأنه كان مجيداً في صنعة الغناء وعمل الكانو منها ما ذكره في ترجمة الأمير قيصر العوني نسبة إلى الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة كان مملوكاً إفرنجي الجنس إلا أنه كان موصوفاً بالحسن والملاحة واللطف فقدمه على جميع مماليكه وكان يخرج في الأعياد في صدور موكبه بالقباء والعمامة القصب الكحلية وإلى جانبه خادم له من خدم الوزير بالأهبة أيضاً.

وقد كذر فيه ما وقع سنة 597 في مصر من الغلاء العظيم الذي أهلك معظم أهلها وهو جملة من كتاب الاعتبار في أخبار الديار المصرية لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي.

وهذا الكتاب طبع قديماً في مصر وترجم كثيراً من المسيحيين والإسرائيليين وغيرهم من غير أهل الإسلام ووفاهم حقهم وإليك مثالاً على ذلك بالحرف: أبو سعيد الحسن ابن خالد بن المبارك بن محضر النصراني المارديني الملقب بالوحيد كان مؤثراً للوحدة والانقطاع واظب على الاشتغال بالعلم في أول شبابه وأتقن علم الأوائل وبرز فيه ثم رفض الاشتغال وكان بينه وبين قطب الدين بن إيلغازي بن ارتق ملك ديار بكر صحبة في سن التربية فكان يعاتبه على الانقطاع عنه ويندبه إلى خدمته إلى أن أجاب فتقدم عنده وصارت له المنزلة الرفيعة والاحترام والتقدم وندبه بارق شاه بن قلج لوزارته فأبى ثم قصد بغداد وأقام بها مدة عند الجاثليق أبي حكيم ماري بن إيليا بن الحديثي ثم عاد إلى بلده وكان قد رزق طبعاً في نظم الشعر فمن ذلك قوله:

ومعتدلٍ ساجي الجفون كأنما ... بعينيه سيفٌ سُلَّ للقتل والفتك

إذا رام عند الوصل ترك دلاله ... ترد عليه طبعه صولة الترك

وما عذل العذال إلاّ جهالة ... إذا لم أزل معزى الحشاشة بالهلك

وما تركت مني الصبابة في الهوى ... سوى جسد مثل الخلال أم السلك

أشفعه فيما يريد بحسنه ... ولا أتعدى في الهوى طاعة النسك

ولكنني أرعى مباسم ثغره ... وألثم لآلئها موضع الضحك

وقوله:

لقد أثرت صدغاه في لون خده ... ولاحا كفيءٍ من وراء زجاج

ترى عسكراً للروم في الزنج قد بدت ... طلائعه تسعى ليوم هياج

أم الصبح بالليل البهيم موشح ... حكى أبنوساً في صفيحة عاج

لقد غار صدغاه على ورد خده ... فسيجه من شعره بسياج

وقوله في جواب كتاب:

وقفت على فحوى كتابك معلناً ... بشكرك أني بالثناء خليق

وما خلته إلا كأكناف روضة ... تناثر فيها لؤلؤ وعقيق

وراق بسمعي منه لفظ كأنما ... معانيه سحر للقلوب وثيق

وإن تك أفعال الجميل تقدمت ... فإنك في بحر الوفاء غريق فلا تولني فوق الوداد تفضلاً ... فليس بأعباء الثناء أطيق

ولم يك لبدعاً ما قصدت من العلى ... فإنك بالطبع الكريم خليق

وقوله في مثله:

أتاني كتاب أنشأته أنامل ... حوت أبحراً من فيضها يغرف البحر

فواعجباً أنَّى التوت فوق طرسه ... وما عودت بالقبض أنمله العشر

وكان مولد أبي سعيد هذا في سنة سبع وأربعين وخمسمائة وتوفي في سنة ستمائة

وللمؤلف عناية بأخذ التقاليد الصادرة عن الملوك وغيرها من الصكوك الرسمية ولو كتب لكتابه كله البقاء لانتفع به كثيراً في هذا الباب لأن فيه ولا شك ما يغفله أكثر المؤرخين.

ومما ذكر تقليد فخر الدين أبي الحسن محمد بن محمد المختار الكوفي نقابة الطالبين ببغداد قال المؤرخ: وقد وقفت عليه وهو بخط لنكين أبي الحسن محمد بن محمد بن عبد الكريم القمي كاتب ديوان الإنشاء المعمور حينئذ ومن إنشائه ومن خطه نقلت. وهنا أورد العهد وهو في أربع ورقات ولولا أن في بعض الكتب المطبوعة ما يماثله من التقاليد وربما فاقه بأسلوبه وبلاغته لاقتبسناه.

ومن فصول الكتاب المهمة ما ذكره في نقل الفتوة وما تجدد فيها سنة أربع وستمائة والفتوة كما في التاج لغة الكرم والسخاء وفي عرف أهل التحقيق أن يؤثر الخلق على نفسه بالدنيا والآخرة وصاحب الفتوة يقال له الفتى ومنه لا فتى إلا علي وقول الشاعر:

فإن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدوٍّ أو نفع صديق

وعبر عنها في الشريعة بمكارم الأخلاق ولم يجيء لفظ الفتوة في الكتاب والسنة وإنما جاء في كلام السلف وأقدم من تكلم فيها جعفر الصادق ثم الفضيل ثم الإمام أحمد وسهل والجنيد ولهم في التعبير عنها ألفاظ مختلفة والمآل واحد. قلنا والفتوة فيما نرى كما يظهر من هذا التقليد الصادر عن الناصر أشبه بجمعية سياسية. والعهد الصادر عن الخليفة الناصر لدين الله الذي نحن بصدده هو في هذه السنة أهدرت الفتوة القديمة وجُعل أمير المؤمنين الناصر لدين الله رضي الله عنه القبلة في ذلك والمرجوع إليه فيه وكان هو قد شرف عبد الجبار بالفتوة إليه وكان شيخاً متزهداً فدخل في ذلك الناس كافة من الخاص والعام وسأل ملوك الأطراف الفتوة فنفذ إليهم الرسل وقد ألبسهم سراويلات الفتوة بطريق الوكالة الشريفة وانتشر ذلك ببغداد وتفتى الأصاغر إلى الأكابر واتفق أن الفاخر العلوي كان رفيقاً للوزير ناصر بن مهدي وكان له رفقاء فاختصم أحد رفقائه مع رفيق لعز الدين نجاح الشرابي وصار بذلك فتنة عظيمة بمحلة قطفتا حتى تجالدوا بالسيوف فانتهى ذلك إلى الإمام الناصر لدين الله رضي الله عنه فأنكره وتقدم إلى الوزير يجمع رؤوس الأحزاب وأن يكتب في ذلك منشور يؤمرون فيه بالمعروف والألفة وينهون عن التضاغن ويقرأ بمحضر منهم ويشهد عليهم بما يتضمنه فمن خالفه أخذ سراويله وأبطلت فتوته وعوقب بما يرى من العقوبة وأحضر الفاخر العلوي وقال الوزير للحاضرين اشهدوا عليّ أني قد نزلت عنه وقرأن المنشور عليهم لنكين أبو الحسن محمد بن محمد القمي كاتب ديوان الإنشاء المعمور وهو من إنشائه وهذه نسخته:

بسم الله الرحم الرحيم، من المعلوم الذي لا يتمارى في صحته ولا يرتاب في وضوح براهينه وأدلته أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو أصل الفتوة ومنبعها ومنجم أوصافها الشريفة ومطلعها وعنه تروى محاسنها وآدابها ومنه تشعبت قبائلها وأحزابها وإليه دون غيره ينسب الفتيان وعلى منوال مؤاخاته الشريفة النبوية نسج الرفقاء والأخوان وأنه كان عليه السلام مع كمال فتوته ووفور رجاحته يقيم حدود الشرع على اختلاف مراتبها ويستوفيها من أصناف الجناة على تباين جناياتها ومللها ومذهبها غير مقصر عما أمر به الشرع المطهر وقدره ولا مراقب فيما رتبه من الحدود وقرره امتثالاً لأمر الله تعالى في إقامة حدوده وحفظاً لمناظم الشرع وتقويم عموده فإنه عليه السلام فعل ذلك بمرأى من السلف الصالح ومسمع ومشهد من أخيار الصحابة ومجمع فلم يسمع أن أحداً من الأمة لامه ولا طعن عليه طاعن في حد أقامه وحقيق بمن أورثه الله مقامه وناط به شرائع الدين وأحكامه وانتمى إليه عليه السلام في فتوته واقتفى شريف شيمته وكريم سجيته أن يقتدي به عليه السلام في أفعاله ويحتذي فيما استرعاه الله تعالى واضح مثاله غير ملوم فيما يأتيه من ذلك ولا معارض فتوة ولا شرعاً فيما يورده ويصدره وقد رسم الله على المراسم العلية المقدسة النبوية الإمامية وزادها نفوذاً معضوداً بالصواب وتأييداً ممتد الأطناب محكم الأسباب على كل من تشرف بالفتوة برفاقة الخدمة الشريفة المقدسة المعظمة الممحدة المكرمة الطاهرة الزكية الإمامية الناصرة الدين الله تعالى شرف الله مقامها وخلد أيامها وأعلى كلمتها ونصر رايتها أن من قتل له رفيق نفساً نهى الله تعالى عن قتلها وحرمه وسفك دماً حقنه الشرع المطهر وعصمه وصار بذلك ممن قال الله تعالى في حقه حيث ارتكب هذا المحرم واحتقب عظيم هذا المأتم ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ثلاثة أن ينزل عنه في الحال في جميع الفتيان عند تحققه لذلك ومعرفته ويبادر إلى تغيير رفقته مخرجاً بذلك عن دائرة الفتوة التي كان متسماً بها مسقطاً له عداد الرفاقة التي لم تعم نواحيها ذلك خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم وإن كل فتى يحوي قاتلاً ويخفيه ويساعده على أمره ويؤويه تنزل كبيرة عنه ويغير رفاقته ويتبرأ منه وأن من حوى ذا عيب فقد عاب وغوى ومن آوى طريد الشرع فقد ضل وهوى والنبي عليه السلام يقول من آوى محدثاً فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا حدث أكبر من قتل النفس عدواناً وظلماً ولا ذنب أعظم منه وزراً وإثماً فإن الفتى متى قتل فتى في حزبه سقطت فتوته ووجب أن يؤخذ منه القصاص عملاً بقوله وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص وإن قتل غير فتى عوناًُ من الأعوان أو متعلقاً بديوان في بلد سيدنا ومولانا المفترض الطاعة على كافة الأنام الناصر لدين الله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين فقد عيب هذا القاتل في حرم صاحب الحرب بالقتل فكأنما عيب على كبيرة فسقطت فتوته بهذا السبب الواضح واجب القصاص منه عند كل فتى راجح وليعلم الرفقة الميمونة ذلك وليعملوا بموجبه وليجروا الأمر في أمثال ذلك على مقتضى المأمور به وليقفوا عند المحدود في هذا المرسوم المطاع ويقابلوه بالانقياد والاتباع إن شاء الله تعالى وكتب في صفر من سنة أربع وستمائة وسلم إلى كل واحد من رؤوس الأحزاب منشور بهذا المثال فيه شهادة ثلثين من العدول ثم كتب تحت كل مرسوم ومنشور ما هذا صورته: قابل العبد بما تضمنه هذا المرسوم المطاع وقابله بما يجب عليه من الانقياد والاتباع والامتثال وهو الذي يجب العمل به فتوة وشرعاً وهذا المعروف من سيرة الفتيان المحققين نقلاً وسمعاً وقد ألزمت نفسي إجراء الأمر على ما تضمنه هذا المرسوم الأشرف فمتى جرى ما ينافي المأمور به المحدود فيه كان الدرك لازماً لي والمؤاخذة مستحقة على ما يراه صاحب الحرب ثبت الله دولته وأعلى كلمته وكتب فلان بن فلان في تاريخهأهـ.

ومن العهود ما صدر عن الخليفة العباسي لرئيس اليهود قال ابن الساعي: وفي تاسع ذي القعدة المذكور ولي ابن وهبة رأس مثنية اليهود وكتب عهده بذلك وسلم إليه فقرأه على اليهود في الكنيسة وهذه نسخته: بسم الله الرحمت الرحيم الحمد لله الواجب شكره الغالب أمره العلي شأنه القوي سلطانه السابغة نعمته البالغة حكمته المتفرد بالجلال والاقتدار والمصرف على مشيئته مجاري الأقضية والأقدار الدال على وحدانيته ببديع فطرته المانع لعجائب صنعته من أن تتعذر في الأوهام كنه معرفته الهادي إلى سبيل الرشاد من شاء من خلقه الهاي سحاب فضله على كل مقر بربوبيته عارف بحقه الذي اصطفى محمداً صلى الله عليه وعلى آله من أكرم أرومة وأعلى محتد وجرثومة وأشرف العرب منصباً وأمجدها أماً وأباً وأعزها قبيلاً وأوضحها في المكارم سبيلاً وأرسه إلى الأحمر والأسود نبياً اختاره من أصناف الأمم عربياً وأيده بالحكم أمياً وجعله منصوراً بملائكته محمياً وابتعثه بالبرهان الساطع والدليل القاطع ونسخ بشريعته المطهرة مالل السالفة والشرائع فلم يزل وعلى آله بأمر الله صادعاً ولأنف الباطل جادعاً ولما أنزل الله مبلغاً ولجهده في نصح الأمة مستفرغاً فصلى الله عليه وعلى آله وعلى سلالة عمه ووارثه وصنو أبيه العباس الذي طهره من الأدناس وفرض مودتهم وطاعتهم على جميع الناس الخلفاء الراشدين وأئمة الحق المجتهدين صلاة لا انقشاع لغمامها ولا انقطاع لتوصل دوامها والحمد لله الذي أصار إلى خليقته في أرضه ونائبه في خلقه الإمام المفترض الطاعة على سائر الأمم الناصر لدين الله أمير المؤمنين ووارث الأنبياء والمرسلين حجة الله على الخلق أجمعين من مواريث أنبيائه ومآثر خلفائه في أرضه وأمنائه ما هو أحق بحيازة مجده وارتداء علائه وأخذ ميثاق طاعته على الأمم في الأزل ألزم أواخر منهم ما ألزم الأول وفرض على خلقه الاقتداء به والائتمام وحاز له وراثة الخليفة عن الخليفة والإمام عن الإمام زاده الله شرفاً إلى شرفه وأدام على العالمين ما منحهم به من شمول عدله وحصانة كنفه فالمسلم والذمي والمعاهد في ظل أياديه الشريفة وادعون وفي رياض الآمنة راتعون ومما يكلأهم من عين رأفته اليقظى هاجعون لا يكدر لهم شرب ولا يذعر لهم سرب وحكم عدله يوجب النظر العام في مناظر أمرهم وجوامع مصالحهم ورعاية جمهورهم لما وطله الله تعالى إليه من سياسة عباده وناطه بشرف آرائه واجتهاده. ولما ضرع دانيال بن ألعازر بن هبة الله في ترتيبه رأس مثنية عوضاً عن ألعازر بن هلال بن فهد الدارج على قاعدته وجاري عادته وانتهى ما يتحلى به عند أهل نحلته ويتصف به واستحقاقه لما ضرع فيه بحسن طريقته فيهم وسلامة مذهبه رسم أعلى الله تعالى المراسم الشريفة المقدسة المعظمة الممجدة المكرمة النبوية الإمامية الطاهرة الزكية الناصرة لدين الله زادها الله إجلالاً ممتد الرواق ونفاذاً في الأقطار والآفاق ترتيبه رأس مثنية على عادة الدارج المشار إليه حيث كان ابن الدستور رأس مثنية أيضاً وأن يكون له النظر في الولاية عليه في جميع الأماكن التي جرت عادته بتوليها والتصرف فيها وأن يتميز عن نظرائه وأشكاله باللبسة التي عهدت لأمثاله وسبيل طوائف اليهود وحكامهم بمدينة السلام وكناف العراق الانتهاء في ذلك إلى المأمور به والرجوع إلى قوله في توسط أمورهم والعمل بموجبه وأن يخرجوا إليه من الرسوم التي جرت عادة من تقدمه بها بالأماكن التي كان يتصرف فيها من غير معارضة له في ذلك مع قيامه فيما يأتيه ويدبره بشرائط الذمة والتزامه ومحافظته بالامتثال وبواجب الاعتصام والإجلال إن شاء الله تعالى وبه الثقة وكتب في تاسع ذي القعدة من سنة خمس وستمائة والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الذي ختم النبيين وهو سيد المرسلين المصطفى على سائر الخلق أجمعين.

والخليفة الناصر لدين الله هذا هو الذي تقدم كما قال ابن الساعي بإنشاء دور ضيافة لفطور الفقراء في شهر رمضان في سائر محال بغداد شرقيها وغربيها فوقع الشروع في ذلك على يد قوام الدين نصر بن ناصر صدر المخزن المعمور وسلم إلى كل ثقة أهل محله مقدار من العين وأمر بإثبات فقراء أهل كل محلة وأن يجري لكل واحد في كل يوم رطلين من الخبز الفائق وقدح طبيخ فيه نصف رطل لحم ضأن فأثبت في كل دار مقدار خمسمائة نفس زائداً وناقصاً فعم الفقراء والضعفاء هذه الصدقة وانتفعوا بها وتفرغ بالهم في هذا الشهر واستراحوا من السعي في تحصيل القوت والاهتمام به فالله تعالى يجعل ذلك نوراً يسعى بين يديه هذا سوى ما يفرق على الفقهاء في جميع المدارس والصوفية في سائر الربط والمنقطعين في الجوامع والمساجد والزوايا م الغنم والدقيق والذهب أجزل الله بذلك ثوابه وخفف به حسابه.