مجلة المقتبس/العدد 20/نقد المقتبس
مجلة المقتبس/العدد 20/نقد المقتبس
كان معظم النقد الذي ورد على هذه المجلة في عامها الأول مقصوراً على الألفاظ والوضع اما نقد هذه السنة فأكثره على المعاني والمقاصد. وقد كتب إلينا احد أهل العلم في القاهرة يقول (كنت آليت على نفسك أن لا تتعرض في المقتبس للمباحث المتعلقة بالدين أو السياسة لئلا يظهر منك ما يشتم منه رائحة التعصب للملة أو الدولة ثم رأيتك كانك نسيت عهدك حتى نبهك احد أدباء بغداد على ذلك. وقد رأيتك عدت إلى مثل ذلك فأكبرت الأمر في مثل مسألة بسيطة لا توجب شدة ولا حدة كمسألة التقية ورحت بنحي فيها على الشيعة وإن كان ما أوردته منقولاً عن غيرك حتى أحرجت بذلك صدورنا دع عنك صدورهم. وكذلك فعلت في مسألة السموأل فإنها مسألة طفيفة فما بالك أعظمت الأمر فيها ولعلك تقول أن المقصد بذلك تنقيح البحث في التاريخ وهو من مباحث العلم على أن الاعتراض جاء من غيري فنشرته. أقول نعم كان الخطب سهلاً لو لم يكن في المقالة شدة. وصاحب المجلة مسؤول عما يكتب في مجلته. والمأمول أن لا تعود إلى مثل ذلك او تبين عذرك المقبول في هذا الشأن والسلام عليك)
هذا ما تناولناه بيد المنة لكاتبه وكنا نود أن نكتفي بنشره ونترك الحكم فيه للقراء كما فعلنا حتى الآن في جميع ما جاءنا من هذا القبيل لولا أن كثر مثل هذا النقد علينا وجاءنا شيء من نوعه من مصر والشام والعراق فأصبح السكوت عن الأجابة ضرباً من ضروب الأهمال. وبعد فالمجلة لا تزال جارية على الخطة التي رسمتها في أول جزء صدر من التمحص للعلم المحض والانطلاق في الفكر والتجوز في الاقتباس والنشر. وما يبدر منافي بعض الموضوعات مما قد يحمله بعضهم على نزعة دينية أو سياسية فإنما يكون في الغالب من مؤزاري المجلة الكرام أو مما نقتبسه من غيرنا أو يقع لنا بالعرض لا بالقصد ولا نبرئ النفس من الذهول في بعض الأحيان فالإنسان محل النسيان.
ليس معنى نشرنا في السنة الماضية لمقالتين في حريق الأسكندرية أحدهما معربة عن التركية والأخرى عن الإنكليزية مما يستدل منه على أننا نريد الغض من الرفع لآخر فالمسألة تاريخية صرفة تعاورتها الأقلام ولا تزال تتعاورها من أهل كل نحلة وجنس. وكذلك درجنا بحث (شعراء النصرانية في الجاهلية) وهو من المباحث التي لامنا بعضهم على القبول بنشرها ولو علم اللائمون بأن الناقد والمنتقد عليه متحدان في النحلة والمشر لخففوا من اللائمة. وهكذا قل في نشرنا مقالة التقية فإنا لم نقصد إلى الحط من فرقة معينة فيما كتبنا وعذرنا إلى من تألموا مما نقلناه في التقية عند الشيعة أن ليس لدينا كتاب من كتب محققيهم ننقل عنه ما يتم به البحث. ولو تفضل أولئك الناقدون فوافونا بما أثر عن أهل العلم من الشيعة لكانوا أحسنوا صنعاً. وقد كان وعدنا احد أفاضلهم أن يوافينا بما قاله علماؤهم ثم عاد فاعتذر بان شواغل شغلته عن ذلك أهم من هذه المسألة.
ولايفوتنا النظر بان تعلق العلوم بعضها ببعض يقضي علينا في الأحايين أن ندخل في مبحث اجتماعي أو علمي شيئاً من مسائل الدين تيمماً للبحث كما وقع لنا في بحث البقية وما كان في وسعنا أن نصور للقارئ هذا الموضوع لو لم نعتمد إلى كتب التفسير والكلام ونقتبس منها ماله اتصال بالبحث.
اما قول المنتقد المشار إليه بان صاحب المجلة مسؤول عما ينشر ولا يعذر فكلام لا يخلو على اطلاقه من نظر. ذلك لأنه لا يتيسر تقييد حرية المكاتبين إذا كانوا مخلصين فيما يكتبون ما لم يتجاوز قلمهم الحد في التنكيت والتبكيت فأن ذلك مما يلام فيه الكاتب والناشر على أننا كثيراً ما نعدل مثل هذه السقطات مالم نذهل او نجد الأمر فيه غير جلل على أنا قد اشرنا إلى العذر في مثل ذلك في نبذة نشرناها منذ شهرين تحت عنوان المترجمات وحكم المترجم فيها. فهل فيما أوردناه مقنع؟
اقترحنا منذ مدة على احد أصدقائنا أن يعرب لنا عن الإنكليزية شيئاً من مقالات القاضي أمير علي الهندي نظراً لشهرة المؤلف في بلاد الإنكليز فعرب لنا مقالة المرأة في الإسلام فنشرنا نصفها في الجزء الخامس من هذه السنة وقد وردت علينا من احد فضلاء سورية رسالة شديدة الوطأة ينقد فيها مقال القاضي الهندي وبنى نقده على أمرين أحدهما ضعف الأخبار التي نقلها وأنها لا تعرف في كتب الثقات من علماء الأثر والثاني تعليله بعلل لا تعقل فأن كثيراً من علماء الإسلام بل وغيرهم من المحامين عنه قد أوردوا في ذلك عللاً محكمة فيها مقنع للناظر. ولما كان نشرها برمتها يوجب الدخول في تفصيل قضايا يباين ما أنشئت له المجلة من الأبحاث رأينا أن نكتفي بالإشارة إلى تلك الرسالة شاكرين للمنتقد عنايته منبهين على أن المنتقد عليه حسن النية فيما كتب وكثيراً ما يكبو الجواد.