مجلة المقتبس/العدد 2/نفاضة الجراب
مجلة المقتبس/العدد 2/نفاضة الجراب
تفقه في ساعة
من مضحكات الوهراني مقامة في قصة عجوز تزوجت بإسكافي فجعلته بتعليمها فقيهاً وقالت له كن فقيهاً فكان. قال عيسى بن حماد فقلت للراوي مثلك من أفاد، وشفى بحديثه الفؤاد، فكيف تمشي حاله، وتغطي على الفقهاء محاله، فقال أعلم أنه لما أجمعت العجوز على تعليمه، ورده إلى المدرسة وتسليمه، تخوف من ذلك الأمر، وبات ليلته على الجمر، فلما أصبح قال لها: اعلمي يا هذه أني كنت في بلدي إسكافياً. . . فكيف لي بالمدارس، وأنا كالطلل الدارس، ومن أين لي بالتخبيز (كذا) وأنا مثل حما العزيز، والله ما أفرق بين الحروف، وقرن الخروف، فقالت أيا أعلمك العلم كله، إلا أقله، وأعلمك فصلاً في التدريس، تغلب به محمد بن إدريس، فقال لها يا هذه والله ما أرجو من المدرسة نفعاً، وإني أخاف أن يقتلوني صفعاً، فدعيني في. . . فقالت أريد إخراجك من المدابر، وأرفعك على رؤوس المنابر، فاحضر ذهنك، وافتح لهذا الدرس أذنك، والعم أن الألف قائم كالمعول، وهو كتاب المنزل، والباء كالصنارة، أو كرجل المنارة، والهاء كالثقالة، وفيها شيء كالعرقالة، والطاء كالخف، أو كطائرة الدف، وكل مدور ميم، وكل معوج جيم، والصاد تشبه نعالك، والذال تشبه قذالك، وأن القاف والكاف، يشبهان الاكاف، فاحفظ هذا الكلام، وقد أصبحت مفتي العراق والشام، واحذر اعتزالي، والعم أن بهذا الفصل تقدمة الغزالي.
فأقبل التيس يكرر لفظه، حتى أجاد حفظه، وعندها خرج في القمة والغمة (كذا) وعزم على مدرسة جمال الأئمة، فخرجت تبخره من العين، وتقرأ عليه المعوذتين، وقالت له إذا جلست فتربع، ولا تتقنع، وانشر أكمامك، واظهر للناس أعلامك، فإن الغريب ابن ثويبة، والمقيم ابن جديبة (؟) فقال لها: أوصيني يرحمك الله. فقالت له إذا حضرت فانفخ حضنك، وبطنك، وانفش بين الفقهاء ذقنك، وباكر المدرسة عند الصباح، وسابقهم في الرواح، وإن غلبوك في العلم فلا يغلبوك عند الصياح، فقال والك، أخاف أن افتل باللوالك ولكن أوصيني فقالت خذ اللفظ بأناملك بين شفتيك، وزاحم الفقهاء بمنكبيك، وازعق في وجه الشيخ ولا جناح عليك. قال فهاتي إذا شيئاً من قماشك، أرد به صفع الشماشك، فقالت اجسر على القوم، فما هو الأبياض اليوم، واعلم أن الفقه ليس هو إلا النفاق والزعاق، وتلويث وجه الخصم بالبزاق، فقال لها إن صدقت، فأنا أكون أمام الوقت، وقام في ذلك الأوان، حتى دخل على الفقهاء في الإيوان، فهايته قلوب الجماعة، وخافوا أن يكون من أهل البراعة، فأنصفوه في السلام، وبسطوه في الكلام، وآنسوه بالمحاضرة، حتى جاء وقت المناظرة.
شكر المقتبس
نرفع إلى من كاتبونا وشافهونا من رجال الأمة أجمل شكر وحمد لما تكرموا به من عبارات التنشيط على نشر المقتبس سواء كان بالخطاب أو بالكتاب كما نثني أطيب الثناء على الصحف العربية على اختلاف نزعاتها وموضوعاتها التي ذكرت صدور هذه المجلة ونوهت بها ونسأل الله أن يحقق آمالهم وآمالنا ويصلح أحوالهم وأحوالنا.
وهنا ننشر تتميماً للفائدة ما تفضل به صاحب المقتطف وصاحب المنار الغراوين من نقد المقتبس عملاً بالتماسنا منهما وهاك ما قاله المقتطف في معنى النقد:
وفي باب تدبير الصحة شرح أسلوب الإنكليز في الإكثار من طعام الصباح وحث بعض الفرنسيين قومهم على اقتفاء آثار الإنكليز في ذلك لكن علماء الصحة من الإنكليز يخطئون قومهم ويقولون أن الإكثار من الطعام في الصباح ضرر محض ولنجاح الإنكليز أسباب أخرى ولا علاقة لطعام الصباح به. . . وأما ما ذكره في باب مقالات المجلات الذي قال أنه زبدة ما وقع عليه اختياره من أهم أبحاثها فيدل على أن مقام المجلات العربية ليس في عينيه على ما يرام. وهو أسمح من ذلك وأكرم. هذا محل النقد من مقال المقتطف وإليك محله من مقال المنار:
وقد انتقدنا عليه أموراً لا يسلم من مثلها المبتدئ بالعمل منها أنه كتب عن ابن حزم في ثلاثة أبواب وتكلم عن الوهراني في غير ما موضع. ترجم ابن حزم في الباب الأول ثم ذكر شيئاً من نصائحه في باب الصحف المنسية ثم ذكر الكتاب الذي اقتبس منه النصائح في باب المطبوعات وكان يحسن أن يذكر في باب واحد من هذا الجزء وكذلك يقال في تكرار ذكر الوهراني والكلام في العملة. ومنها أن ما ذكره من النصائح لم يعد من الصحف المنسية وقد طبع الكتاب قبل وجود المجلة. فإن أراد بالصحف المنسية ما أهمل الناس العمل به فالباب واسع يدخل فيه كثير من المجلدات العظيمة في التفسير والحديث والرقائق وغير ذلك فالانتقاد على الباب نفسه أولى. ومنها أنه لم يكن يحسن ذكر منشآت الوهراني والتشويق إليها والتصريح بتعمد كتمان مكانها لأن هذا يغري أهل الولوع بأمثال هذه المسائل إلى البحث عنها ومن بحث عن الموجود ظفر به غالباً. ومنها أن بعض المباحث لم توضع في الأبواب التي هي أليق بها فقد أدخل في باب التربية والتعليم الكلام في العملة والصناع وأخرج منه بحث تعليم اللغات. وذكر شيئاً من مقاطيع الشعر في باب النقالات دون باب الصحف المنسية. ومنها أن المقول في بعض المواضع لم يتميز بنسبته إلى الكتب والعلماء تميزاً ظاهراً يعرف أوله وآخره بلا اشتباه كما يرى المدقق في ترجمة ابن حزم وما نقل منها الذخيرة لابن بسام. ومنها الاختصار المخل في بعض المباحث كمبحث الأمية والكتاتيب فالظاهر أنه يريد الكلام على الأمية في الإسلام وكيف انتقلت العرب من بعده منها إلى التعلم حتى إنشاء الكتاتيب قديماً وحديثاً ولكنه جعل نحو ربع ما كتبه في معنى لفظ الأمي وفي تفسير ما ورد في أهل الكتاب من قوله تعالى ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني (وقد ذكر في المقتبس لفظ يقرؤون بدل يعلمون سهواً فليصحح) وكان المناسب أن يذكر تفسير قوله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فقد فسر الكتاب هنا بالكتابة وهما مصدران لكتب. ثم ذكر شأن الكتابة في الجاهلية وذكر أمماً أخرى بالإيجاز ولم يذكر عن الإسلام بعد ذلك إلا سطراً ونصف سطر وقال بعد ذلك هذه زبدة ما يقال في معنى الأمية في الإسلام الخ والسبب في هذا الاختصار المخل رغبة الكاتب في إيداع الجزء مباحث كثيرة. وأمثال هذه الأمور التي انتقدناها مما يسهل تلافيها لاسيما بعد التنبيه إليها ومنها ما تبع فيه اصطلاح مجلات أوربا وإن لم يكن عندنا مألوفاً.