انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 13/مطبوعات ومخطوطات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 13/مطبوعات ومخطوطات

مجلة المقتبس - العدد 13
مطبوعات ومخطوطات
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 2 - 1907



عقلاء المجانين

مهما اختلفت التقلبات على العقل البشري لا تزال مادة خواطره واحدة على تباين الأعصار والأمصار. فما يجول في أفكار أبناء هذا العصر الجديد من الموضوعات قد جال في خيال أهل القرون الخالية. وما كل ما اخترع اليوم واستنبط كُشف سرّه في جيل أو قرن بل إن التصورات تكاد تكون واحدة وإن اختلفت ضعفاً وقوة وكل ما يبهرنا من أسباب الحضارة هو عمل قرون كثيرة.

من كان يظن أن بعض سلفنا خطر له أن يُطرف أبناء عصره بكتاب في نكات المجانين وحكم البله والمتبالهين. هذا المصنف هو للعلامة الثبت الناقد الحجة الرحلة أبي القاسم الحسن بن حبيب المفسر النيسابوري بدأه بمقدمة في الجنون وما ورد فيه في الكتاب العزيز وما احتالت به قريش على الرسول صلوات الله عليه من نسبته إلى الجنون لما دعاها إلى الحق شأن كل قبيل ينسب للجنون كل عاقل يخالف قوله وفعله ما هو فيه وتوارثه بالتقليد الأعمى.

قال المؤلف: لقد سألني بعض أصحابي عوداً على بدء أن أصنف كتاباً في عقلاء المجانين وأوصافهم وأخبارهم وكنت أتغامس عنه إلى أن تمادى به السؤال فلم أجد بداً من إسعافه بطلبته وإجابته إلى بغيته تحرياً لرضاه وتوخياً لهواه وكنت في حداثة سني سمعت كتباً في هذا الباب مثل كتاب الحافظ وكتاب ابن أبي الدنيا وأحمد بن لقمان وأبي علي سهل بن علي البغدادي رحمهم الله فوقع كل كتاب منها في جزءٍ ما يقارب جزءاً تتبعتها وتيقنتها وضممت إليها قرائنها وعزوتها إلى أصحابها وألفت هذا الكتاب على غير سمت تلك الكتب وهو كتاب يكفي الناظر فيه الترداد وتصفح الكتب وأرجو أني لم أسبق إلى مثله.

ثم ذكر المؤلف أصل الجنون وأسماء المجنون في اللغة أورد منها الأحمق واستشهد بقول الشاعر:

سبحان من نزَّل الأشياء منزلها ... وصير الناس مرفوضاً ومرموقا

فعاقل فطن أعيت مذاهبه ... وجاهل حمق تلقاه مرزوقا

ومنها المعتوه والأخرق والمائق والرقيع والمرقعان واستشهد بقول عبيد الله بن عبد الله: وما الناس إلا وعاة العلوم ... وسائرهم غنم في قطيع

وإنا بلينا ببله حمير ... ومحنة دهر رفيع رقيع

ومنها الموسوس والأنوك والبدهة والذولة والموتة والعرهاة والأولق والمهوس واللهلباجة واللكع والجذب والهجاجة والرشاع ثم ذكر الأمثال المضروبة في الحمق والحمقى فمنها قولهم تحسبها حمقاء وهي باخس أي أنها مع حمقها تظلم غيرها. ومن أمثالهم أحمق بلغ أي أنه مع حمقه يبلغ حاجته ومن أمثالهم فيه خرقاء ذات نيقة أي أنها حمقاء وهي في ذلك تتأنق في الأمور. ومن أمثالهم أحمق من رجلة وهي البقلة الحمقاء وحمقها أنها تنبت في السروح ومسايل الأودية فيجيء السيل فيجرفها. ومن أمثالهم أنه لأحمق من ترب العقد والعقد عقد الرمل وحمقه أنه ينهار ولا يثبت فيه الترب يضرب للذي لا يثبت ولا يستقر على حال. ومن أمثالهم أنه لأحمق من دعة وهي امرأة عمرو بن جندب بن العنبر ومن أمثالهم أحمق من الممهورة إحدى حدمتيها (هما الخلخالان) وتقول العرب للمبالغ في الجنون مجنون ولبعض أصحاب الشافعي:

جنون مجنون ولست بواجد ... طبيباً يداوي من جنون جنون

ومنها خامري أم عامر (كنية الضبع) ومنها أنه لأحمق من العقعق قال ابن الكلبي تقول العرب أنه لأحمق من حماقة عقعق وذلك لأنها تبيض على الأعواد فربما وقع بيضها فأنكر. والمجانين على ضروب فمنهم المعتوه والممرور والممسوس والعاشق قال الإصمعي: لقد أكثر الناس في العشق فما سمعت بأوجز ولا أجمل من قول بعض نساء الأعراب وسئلت عن العشق فقالت داء وجنون. وكانت العرب تقول الشباب شعبة من الجنون.

وهنا تم القسم العلمي من الكتاب وبدأ المؤلف يورد القصص والحكايات الكثيرة على المجانين وأشعارهم وذكر أمثلة ممن اعتقد بدعة وارتكب كبيرة فأدركه شؤمها فجنّ ومن جُنّ من خوف الله ومن تجانّ وتحامق وهو صحيح العقل وهم ضروب فمنهم من تعاطى ذلك ليري شأنه ويستره على الناس ومنهم من تحامق لينال غناء ومن تحامق ليطيب عيشاً ومن تحامق لينجو من بلاء وآفة.

ولم تخل هذه الحكايات من حكم وأمثال لا يتأتى مثلها إلا لأرباب العقول وأشعار لطيفة قلما تجدها فيما بين أيدينا من الكتب كقول علي بن محمد بن قادم.

عذلوني على الحماقة جهلاً ... وهي من عقولهم ألذُّ وأحلى

لو لقوا ما لقيت من حرفة العل ... م لساروا إلى الجهالة رسلا

ولقد قلت حين أغروا بلومي ... أيها اللائمون في الحمق مهلا

حمقي قائم بقوت عيالي ... ويموتون إن تعاقلت هز

وذكر كثيراً من أخبار أويس القرن أول من نسب إلى الجنون في الإسلام ومجنون ليلى وسعدون المجنون وبهلول وعليان وغيرهم.

ومن حكاياتهم أن رجلاً آلى بيمين أن لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس لما قاسى من بلاء النساء فاستشار تسعة وتسعين نفساً وبقي واحد فخرج على أن يسأل أول من نظر إليه فرأى مجنوناً قد اتخذ قلادة من عظم وسوّد وجهه وركب قصبة فأخذ رمحه فسلم عليه وقال: مسألة. فقال: سل ما يعنيك وإياك وما لا يعنيك. فقلت: مجنون والله ثم قلت: أني أصبت من النساء بلاء وآليت أن لا أتزوج حتى أستشير مائة نفس وأنت تمام المائة. فقال: أعلم أن النساء ثلاثة واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك فأما التي لك فشابة طرية لم تمس الرجال فهي لك لا عليك إن رأت خيراً حمدت وإن رأت شراٌ قالت كل الرجال على مثل هذا وأما التي عليك فامرأة ذات ولد من غيرك فهي تسلخ الزوج وتجمع لولدها وأما التي لا لك ولا عليك فامرأة قد تزوجت قبلك فإن رأت خيراً قالت هكذا تجب وإن رأت شراً حنت إلى زوجها الأول. فقلت: ناشدتك الله ما الذي غير من أمرك ما أرى قال ألم اشترط عليك أن لا تسأل عما لا يعنيك فأقسمت عليه فقال: إني رُشّحت للقضاء فاخترت ما ترى على القضاء. قلت: وقد فعل ابن الهيثم الرياضي الفيلسوف المشهور مثل هذا وترك الوزارة وتجانّ ليكون له حرية يتمتع بها في خدمة العلم.

وقال الإصمعي: قال عمي: دخلت بعض أحياء العرب فرأيت شيخاً موسوساً يهذي وقد اجتمع إليه الناس فقلت: من هذا؟ فقالوا: حساس الموسوس لا يزال ينام ليله ونهاره وربما ينتبه فزعاً مرعوباً فيجلس ساعة ثم يصيح ويهيم على وجهه ثم يعود إلى نومه فبت ليلة هناك وهو على الحال الذي وصفوه فلما أصبحنا أتيته فقلت: ما اسمك يا شيخ أنت أنوم من فهد مالك تنام دهرك فقال: النوم لا تبعة عليّ فيه وفي مجالستك ومجالسة أضرابك تبعات.

قلت: وأي تبعة عليك في مجالستي؟ قال: اشتغل بك عمن أنشأني ثم أنشد يقول:

لقد أغنيت عن هذا السؤال ... وعما أنت فيه من المقال

فإن كنت الغداة تريد قولا ... فما فيه رضى مولى الموالي

ثم عدا هائماً على وجهه في تلك الرمال قائلاً: ما أكثر فضول أهل الحضر.

قال الإصمعي: بينا أنا ذات يوم عند والي الكوفة وهو يسألني عن أهل البصرة إذ أقبل مجنون بالباب يتكلم بالشعر فقال: أدخلوه فدخل فإذا هو رجل كأنه نخلة سحوق نتن الأطراف موسوس فسلم على الأمير فرد عليه السلام وقال: من أنت؟ فقال: إني أنا أبو الشريك الشاعر من يسأل عني فأنا ابن الفاغر فقال الوالي: ما أمدحك لنفسك!! فقال:

لأنني أرتجل ارتجالاً ... ما شئت يا من ألبس الجمالا

قال الإصمعي: فقال لي الأمير ما هذا مجنون فألق عليه ما عندك فقلت له ما الري؟ فقال: الريم فضل اللحم للجزار ينحره للفتية الأيسار فقلت ما الحلوان فقال:

أليس ما تعطي على الكهانة ... والحر لا يقنع بالمهانة

فقلت ما الدكاع فقال:

إن الدكاع هو سعال الماشية ... والله لا يخفى عليه خافية

قلت فما التوله فقال:

عوذة عنق الطفل عندي توله ... وقد تسمى العنكبوت توله

قلت فما الرفة فقال:

الرفة البيت فسل ماشيتا ... لقد وجدت عالماً خرّيتا

قال الإسمعي: فاستحييت من كثرة ما سألته فقال: قل ما الهلقس والسحساح والحل الرادح لا براح قلت: الهلقس الطمع الحريص والسحساح الذي لا يستقر في موضع والرادح المهزول فقال:

ما أنت إلا حافظ للعمل ... أحسنت ما قلت بغير فهم

فقال الوالي: فحبذا كل مجنون مثل هذا ثم أمر له بعشرة آلاف درهم فلما قُدم إليه المال قال:

أكل هذا هو لي بمرة ... تم سروري واعترتني شرة ثم أقبل على الأمير فقال:

رِشت جناحي يا أخا قريش ... أقررت عيني وأطبت عيشي

والكتاب معظمه من هذا النسق وهو يقع في نحو مئة صفحة منصفة القطع مكتوب بخط جميل تغلب عليه الصحة. والغالب أنه نقل عن نسخة صحيحة ووقع في أيدي جهابذة نقّاد فقوّموا منآده وأوده أما إنشاؤه المئة الثالثة والرابعة سلاسة بلا تكلف وطبع بلا تصنع.

طبقات الشافعية الكبرى - أهدانا مصطفى أفندي فهمي الكتبي نسخة من هذه الطبقات لمؤلفها شيخ الإسلام تاج الدين بن تقي الدين السبكي المطبوعة في مصر على نفقة مولاي أحمد بن عبد الكريم القادري الحسني الفاسي فجاءت في ستة مجلدات حوت من الفوائد التاريخية والاجتماعية والأدبية والمذهبية والخلافية والمناظرات والمطارحات والفكاهات والحكايات ما لا يسع المتعلم جهله فضلاً عن المشتغلين بفقه الشافعي لأن الوقوف على سير أرباب هذا المذهب مما لا غنية لطالب عنه.

ابتدأ المؤلف كتابه بمقدمة طويلة عريضة بلغت زهاء مئة وعشر صفحات من كتابه لا تخلو من مغامز وفوائد جاءت عرضاً. ولابد أن تقع فيما ينقله المكثار ويرويه على طرفة تستطرفها وفائدة تقتطفها. ولذلك قالوا المكثار كحاطب ليل ويجمع بين الجيد والرديء. ولا ذنب في ذلك على التاج السبكي بل الذنب في الأكثر على عصره فقد كان عصر المشاغبات والمماحكات وضعف ملكة التأليف.

قسم المؤلف كتابه إلى طبقات سبعٍ الأولى طبقة من جالسوا الإمام الشافعي وعددهم نحو أربعين فقيهاً والثانية وهي فيمن توفي بعد المائتين للهجرة ممن لم يصحب الشافعي وإنما اقتفى أثره، ويبلغ عددها نحو ثلاثين رجلاً. والطبقة الثالثة فيمن توفي بين الثلثمائة والأربعمائة وعددها نحو 170 مترجماً والطبقة الرابعة فيمن توفي بين الأربعمائة والخمسمائة وهي نحو 270 فقيهاً. والطبقة الخامسة من مات بعد الخمسمائة وعددها نحو 470 فقيهاً. والطبقة السادسة فيمن توفي بين الستمائة والسبعمائة وهي قرابة 250 فقيهاً. والطبقة السابعة فيمن توفي بعد السبعمائة وتبلغ نحو 135 فقيهاً. وقد ساق المؤلف أسماءهم كلها على حروف المعجم وأكثر من الكلام على من ارتضاهم وربما أدخل في غمار الفقهاء من ليس منهم كما يفعل بعض مؤلفي الطبقات في الغالب حباُ بتكثير سوادهم.

وقد أورد التاج طرفاً كبيراً من الكوارث والفتن التي حدثت في بعض تلك الأدوار واستطرد إليها لأدنى مناسبة وأكثر ما شاء وشاءت قريحته فلم يكن منها غير تكبير حجم الكتاب على غير طائل. وطبقات الرجال لا دخل فيها لحوادث الأجيال وهذه من خصائص كتب التاريخ السياسي. ومن يقرأ المناظرات التي ذكرها المصنف وهي مما وقع بين بعض الفقهاء المترجمين وبين غيرهم ممن ليسوا على مذهبهم يتضح له ما كان ثمة من تعصب بين المتخالفين وكيف صرف أرباب المذاهب أوقاتهم في الجدال والقيل والقال.

وإنا لم نر عبارة لوصف هذه الطبقات أجمل من التي كتب بها إلينا أحد كبار شيوخ العلم في الشام عندما صدر الجزء الأول منها قال: قد سررت بطبع طبقات التاج السبكي لقلة ما طبع من كتب التاريخ في مصر وإن كان السبكي شديد التعصب كما يظهر من مقدمة الكتاب التي أفردها لذم التعصب، والمتعصبين وجعل من المفرطين فيه شيخه الحافظ الذهبي فزعم أنه أفرط على الأشاعرة ومدح فزاد في المجسمة يريد بالمجسمة الحنابلة وعلماء الحديث وهي عبارة تدل على فرط السخافة فإن كان الذهبي متعصباً فتعصبه نشأ عن خطاءٍ في الاجتهاد وتعصب التاج عن عناد ولجاج غير أن الزمان سيسقط كل مموه أياً كان فينتفع بكتابه بمثل ذكر ما للمؤلف من مؤلَّف ونحو ذلك.

والكتاب جيد الطبع على الجملة يطلب من مكتبة مصطفى أفندي فهمي بخمسين قرشاً مصرياً فنحث على اقتنائه فإن حسناته كثيرة ولا يجوز أن يزهد في عقد من اللؤلؤ إذا كان فيه بعض الخرز. والصيرفي الحاذق ينقد الدينار الخالص من الستوق الزائف. ونثني على طابعه أجمل ثناء.

سياحة في القطر المصري - هو كتاب في نحو 150 صفحة فيه مباحث اجتماعية وتاريخية عن البحيرة والشرقية والفيوم وأسيوط وغيرها ومباحث عمومية عن العربان والأمن العام وغير ذلك مما له علاقة بحياة هذه المديريات المهمة في القطر المصري ساح فيها عوض أفندي واصف صاحب مجلة المحيط ورئيس تحرير جريدة مصر وتكلم عن شؤونها بما دله عليه اختباره وفضله وقد نشرها أولاً في مصر ثم جعلها ملحقاً لمجلة المحيط وأرسلها لمشتركيه في العام الماضي وهي تطلب من مؤلفها وفيها من الفوائد ما يرغب فيه كل مصري أديب فنحث على اقتنائها ونشكر لرصيفنا عنايته وهديته.