انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 13/النعام في الحضارة المصرية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 13/النعام في الحضارة المصرية

مجلة المقتبس - العدد 13
النعام في الحضارة المصرية
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 2 - 1907



عن مجلة الطبيعة الفرنسوية

النعامة أعظم الطيور وأضخمها يبلغ علوها نحو مترين ووزنها أربعين كيلوغراماً أحياناً. سمعها دقيق ونظرها حاد وحاسة الذوق والشم فيها غليظة بحيث لا تتخير غذاءها وقلما تميز بين جيده ورديئه. فهي وإن تكن من الحيوانات آكلة العشب تخضم أغذية نباتية وتحتك بكل ما يقع نظرها عليه من حديد وقرمد وخشب وتصدمه حتى يكاد يتناثر. ساقاها مستويتان مستطيلتان متينتان حتى أنها لتقطع نحو 280 كيلومتراً في أقل من عشر ساعات فتبذُّ بذلك الصافنات الجياد في حلبة الطراد. وريش جسم ذكر النعام أسود فاحم وريش الأجنحة والذنب أبيض وعنقها أجرد لا ريش له وهو أحمر كساقيها وعينها زرقاء ومنقارها أصفر ورجلاها سنجابيتان وهي كالجمل تنزل المناطق الحارة المنعزلة عن الناس.

عرف القدماء النعام وورد ذكرها في التوراة أكثر من مرة وسماها اليهود ابنة الصياح وكثيراً ما تزعق في المطارح النائية الواسعة في ظلمات الليل وتنخر نخيراً ممزوجاً بعويل محزن يرمض القلوب ويجلب الكروب. وهي من البلاهة بحيث لا يضاهيها حيوان حرمها الخالق تعالى من الحكمة ولم يجعل لها حظاً من الذكاء كما ورد في التوراة. ويذكر بلين أن الصيادين يضطرونها إلى أن تقبع رأسها وتخفيه ظناً منها بأن لا يراها أحد ومتى طاردها المطاردون تستخدم رجليها بمثابة مقلاع وترمي بهما أحجاراً بغلظ الكف.

هذا الطائر مشهور منذ القرون العريقة في القدم ويبيض في الرمل ولا تحضن أنثاه بيضها إلا من الليل لأن حر النهار ينقفها. وإنك لتراها إرسالاً وعصائب على مقربة من الواحات في رمال أفريقيا وبلاد العرب وتُرى في الصحراء من جبال الأطلس إلى ضفاف النيل وفي رمال صحراء ليبية ومصر الوسطى وفي القفر الواقع في الجنوب الغربي من الإسكندرية.

رأينا النعامة مرسومة في مصانع الفراعنة والحبشان آخذين بزمامها وقد لزَّت في قرن مع الأسود والفهود وغيرها من حيوانات تلك الأرجاء. ويروى عنها في أساطير الأولين روايات من مثل اختيارها دون سائرا لحيوانات لإنقاذ إله الخمر لما ذهب هذا إلى الهند على رأس جيشه الجرار مجتازاً صحاري ليبيا حتى إذا اشتد به الظمأ استغاث بالمشتري فدله على نعامة فتبعها حتى قادته إلى مكان حفرت فيه الأرض بمنقارها فنبضت منها عين.

ولما كان الصيادون يطاردون النعام مطاردة شديدة وكثيراً ما كانوا يلبسون جلودها ويقلدونها في حركاتها فيقتربون منها ويباغتونها. يستعملون لحمها غذاء لهم ويستخدمون جلدها تروساً أو ثياباً أو مضاجع وفرشاً. وإذا تمكنت النعامة من صيادها نفثت فيه سماً قتالاً وعضته عضة يقاسي منها أنواع الألم فلا تكون عاقبتها عليه سوى الموت. أما توم (بيض) النعامة فكان الصيادون يأكلون ما في داخلها فإذا أتوا عليه يستعملون القشرة أقداحاً وأكواباً وإذا رأوها ضخمة يقسمونها شطرين يكونان قبضتين لرجلين يستران بهما رأسيهما.

ومازال بعض السكان في أفريقيا إلى يومنا هذا يقتاتون من لحم النعامة وشحمها وتومها ويبيعون ريشها أو يستخدمونه زينة لرؤوسهم. ويستخدم النعام لحمل الأثقال. وشاعت عادة ركوب النعام في القديم كل الشيوع. ويؤخذ مما قاله بوزانياس القائد الإسبارطي المشهور (477 ق. م) أنه رئي على جبل هيليكون من بلاد اليونان تمثال لارسينوي الأميرة المصرية التي تزوجت بطليموس محمولاً على نعامة من النحاس. ويقول اتينيه الكاتب اليوناني الذي جاء في القرن الثالث للمسيح أنه كان في الاحتفال بظفر فيلادلف الذي قام في الإسكندرية ثمانية قطارات من النعام في كل قطار نعامتان وقد رُسمت صورة جماعة يتعاطون الشراب مرسومة على كوب وفيها ست نعامات يركب متونها فتيان ويسير أمامهم رجل مستور الوجه ووراء هم موسيقار يمشي الهوينا ضارباً بمزماره.

ومما يقصونه من الأخبار عن فيرموس ماركوس الجبار المصري أنه كان يركب نعاماً ضخمة ويستوي على ظهورها فتنساب به انسياباً سريعاً حتى كنت تخاله يطير وكان أكولاً يطعم كل يوم نعامة. وذكر أن هليوكابال الإمبراطور الروماني وضع مائدته ستمائة مخ نعامة. وكان موسى على العكس يكره لحم النعام وحظر على بني إسرائيل استعماله. واستعمل النعام في نينوى صوراً لطيفة في الثياب المطرزة والمشالح الآشورية. وفي بعض النقود الرومية صور مقلوبة تمثل نعامة تسير إلى الشمال والكلب يهم بها. وفي صور قدماء المصريين أشياء كثيرة تدل على استخدامهم النعام في كثير من المهام.

ورد في كتب التاريخ أقاصيص عن حسن تخلص النعام في الحروب مما يرجع الفضل فيه لشكلها لأنها تشبه الطائر وتشبه ذوات الأربع ولها من كل فصيلة من هذه الفصائل أحسن ما فيها. وكان لريشها أثر وأي أثر في أساطير وادي النيل لم يصل إليه الجعلان ولذلك نرى من جملة الجُزى التي كان الفراعنة يضربونها على سكان الحبشة جزية وافرة من الريش وبيض النعام زيادة على ما كانوا يفرضونه عليهم من خرائط التبر.

يقول هورابولون إن المصريين كانوا يمثلون للرجل العادل بريش النعام بدعوى أن هذا الطائر هو الوحيد من بين الطيور في تساوي ريشه. ولذلك أمثلة كثيرة في تاريخهم القديم. وترى في الخط الهيروغليفي أن ريش النعام إشارة إلى صوتين مختلفين (ما وسو) فيستخدم الأول لكتابة الحقيقة. ويفهم من مغزى الفلسفة المصرية أن معنى (ما) العدل فمن ثم كانت ريشة النعامة رمزاً إلى ربة الحقيقة والعدل.

ترى هذه الريشة التي تمثل الحقيقة والعدل ماثلة أحياناً وقد جعلت رأساً لجسد امرأة وكثيراً ما تظهر في صورة رشيقة متجلببة برداء ضيق وقد جعلت في ذراعيها وكاحليها أساور وفي إحدى يديها إشارة الحياة وفي الثانية صولجاناً تريد بذلك الحقيقة والعدل. وكثيراً ما كنت ترى أمثال هذه الصور ماثلة بعضها أما بعض وقد. . . .