انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 994/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 994/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 07 - 1952



صلاح الدين الأيوبي

مسرحية

للداعية الأستاذ عبد الرحمن البنا

للأستاذ محمد رجب البيومي

الأستاذ عبد الرحمن البنا مؤلف مسرحية (صلاح الدين الأيوبي) داعية غيور متحمس لعروبته وإسلامه، وخطيب ساحر تعرفه منابر الأخوان المسلمين في عواصم المديريات ومراكز القطر المصري، وهو - فوق ما يتمتع به من البيان الجزل، والأدب الرصين - يستمد من إيمانه العميق ينبوعا دافقا للحديث المؤثر الخلاب، وقبسا ساطعا للهداية الملهمة الرشيدة، وأنت تجلس إليه في حديث عام فتسمع كلمات: (العروبة والقرآن ومحمد) تتزاحم مطردة في غير سأم ونشاز على لسانه، فتدرك أن معانيها الحبيبة قد تحولت دما يجري في عروقه، وعاطفة تتأجج في جوانحه، وعصبا تمتد شباكه في رأسه، ورغم دراسته المدنية، ق حفظ القرآن الكريم حفظاجيدا، وفهم شروحة المتنوعة فهما واعيا مستنيرا، وحفلت ذاكرته بمدد زاخر من الأحاديث النبوية المنتقاة ودراسة وافية للتاريخ الإسلامي في شتى عصور، فتهيأ له من ذلك مادة غزيرة تنصره في ارتجال الخطابي الذي يتكرر في اليوم الواحد عدة مرات، وترفعه إلى مستوى يتطلع إليه الكثيرون من أصدقائه ومر يديه.

وقد رأى أن يخدم دعوة الأخوان (التي حمل لوائها شقيقه الأمام الشهيد (رضي الله عنه) - بقلمه كما خدمها بلسانه، فأظهر عدة روايات إسلامية تبرز العناصر الهامة في تاريخ الدعوة المحمدية وتصور للقراء انتصار الفكرة المخلصة، والعقيدة الصادقة، وقد مثلت جميعا في فترات متقاربة، وحظيت بإقبال الجمهور وتزاحم برغم بعدها الشديد عن التدجيل المسرحي الوضيع، والذي يتملق الغرائز ويستثير العواطف، بل قيد الكاتب نفسه في كل كلمة وحركة بآداب الإسلام، وتعاليمه المنتقاة، وهذه روايته الرائعة (جميل بثينة) - مع ما يلوح من بعدها عن محيط الفكر ة الإسلامية - قد حلقت في هذا الأوج الطاهر الرفيع، فصورت معاني الوفاء والمروءة والصدق والشرف، ورسمت - في فصل طويل - مناظر الحج والعمرةوالطواف والسعي والاستلام، والنسك ورمي الجمرات والأضحية والتلبية، وقد أطال الكاتب في ذلك إطالة ممتعة ومشوقة، يهب منها شذى إسلامي عاطر ينعش الأفئدة ويجذب الأرواح.

وحين تقدمت الجيوش العربية إلى نجدة فلسطين الشقيقة رأى الأستاذ أن يهتبل الفرصة، فيذكي الحماس، ويثير الحمية فأخرج مسرحيته الموفقة (صلاح الدين الأيوبي)، ومثلتها الفرقة الإسلامية لمسرح بدار الأوبرا الملكية إبان اشتعال المعركة منذ أعوام، فتركت أثرها القوى في نفوس الشبيبة الطاهرة من كتائب الأخوان، واندفعوا إلى حومة الاستشهاد باذلين أرواحهم رخيصة في سبيل الله، وقد شاء المؤلف أن ينشر مسرحيته اليوم على الناس، فأبرزها في حلة زاهرة قشيبة، وقد حفلت بثلاث فصول قوية محكمة. . . وإذا كان العمل الفني يشوه بالتلخيص تشويها يذهب بأصالته وعمقه وجدته، فنحن نكتفي بذكر العنوان الموجز لكل فصل من الفصول فالأول منها يصف المؤامرة الخبيثة التي دبرها الفاطميون لمحق الدولة الأيوبية لمصر، والثاني والثالث يصوران المعارك الحامية التي شنها بطل الإسلام صلاح الدين على أعداء العروبة من الصليبيين. وقد وفق الكاتب حين عمد إلى إبراز الأوضاع السياسية الغابرة التي تشترك مع أوضاعنا الراهنة في كثير من الأمور، فالهدنة المعقودة، ونقضها المتكرر، وقتل النساء، والأطفال والشيوخ، وتحالف الدولة الغربية مع الباطل أمام الحق، وتدفق الكتائب الإسلامية من مصر وسوريا وفلسطين. . . كل ذلك كان بالأمس كما هو اليوم!! وإذا كان النصر النهائي قد حالف صلاح الدين القوي المتسامح في وثبته الظافرة، فما زالت معركة اليوم تتطلب فصلا أخيرا يرجع الحق إلى نصابه، ويقشع عن فلسطين كابوس السفلة الأنذال، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فتحقق الآمال، وتتفق المعركتان!!

وإني لأهنئ الأستاذ المؤلف بجهاده وإيمانه، وأبارك جهوده الموفقة في سبيل دينه ووطنه ولازلت أنتظر على يده السداد المأمول، فهو صدى شقيقه الإمام وشعاعا من شمس أنارت الظلمات، ثم صعدت إلى ملئها الرحيب في جنات النعيم، راضية مرضية برضوان الله وثوابه العميم.

محمد رجب البيومي -