انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 978/علي مشرفة باشا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 978/علي مشرفة باشا

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 03 - 1952



(بمناسبة ذكرى وفاته)

للأستاذ أحمد علي الشحات

عالم من خيرة علماء مصر، ونابغة من النوابغ الذين ظهروا في هذا العصر، وأول عميد مصري لكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول - ظهر نبوغه منذ فجر الشباب، فنراه يتخرج في مدرسة المعلمين العليا عام 1917 وهو إذ ذاك في التاسعة عشر من عمره، وتوفده الحكومة للخارج، فيحصل على درجة البكالوريوس في العلوم عام 1920، وعلى درجة دكتوراه الفلسفة عام 1923، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، يرجع إلى بلده العزيز مصر ليعين أستاذا للرياضيات في المعهد الذي تخرج فيه وهو المعلمين العليا، لكن نفسه التواقة تشغف بالتطلع إلى أعلى درجة جامعية في العام ويرى أن بلده لم ينل فخر الحصول عليها بعد وهي دكتوراه العلوم؛ فيتصدى مشرفة لها ويطلب من وزارة المعارف أن تعطيه الفرصة ليحصل عليها من أجل مصر، لأنه كان يؤمن أن مجد البلاد إنما يقوم على العلم، وأن الأمم العظيمة هي التي اهتمت بالعلم وبالعلماء فاخرجوا لها الاكتشافات والاختراعات، ولقد صدق شوقي رحمه الله حين قال

كل يوم آية دلت على ... أن للعلم القوى والغلبا

لو بنوا فوق السها مملكة ... لوجدت العلم فيها الطنبا

سلم الناس إلى المجد إذا ... طلبوا سلمه والسببا

ولكن أني لمشرفة أن يعطى الفرصة لهذا المجد والذين بيدهم السلطة في ذلك الوقت كانوا الإنجليز، وأنه ليس مما يسر خاطرهم أن يظهر النبوغ المصري أمام العلماء في الخارج، فيعقدوا الأمور له. وأخيرا يتحدونه بشكل مستتر فيوافقون على سفره على شرط أن يحصل على هذه الدرجة التي لا يتطلع إليها في العالم إلا القلائل ممن وهبهم الله ملكه عالية في الرياضيات أن يحصل عليها في فترة الإجازة الصيفية. ويقبل مشرفة التحدي، وبنصره الله نصرا عزيزا وتحدوه المعجزة، ويمنح هذه الدرجة العليا من بلاد الإنجليز ومن جامعة لندن وهو في السادسة والعشرين

ويرجع مشرفة إلى مصر ليجد أن عاهل مصر العظيم المغفور له فؤاد الأول ينشئ الج المصرية من كليات الآداب والطب والحقوق وكلية رابعة لم يكن لمصر بها عهد من قبل وهي كلية العلوم، ويطلب مشرفة أن يعين أستاذا في هذه الكلية فترفض الجامعة مع اعترافها بأنه حائز لأرقى درجة جامعية في العالم، ولكن هناك مانع قانوني يقف في سبيله؛ هذا المانع هو أن سنه صغيرة ويجب في نظر الجامعة ألا يقل سن الأستاذ عن الثلاثين عاما، وترضى الجامعة أن تعينه أستاذا مساعد فقط، وتثار هذه المسألة - الأولى من نوعها - في البرلمان ويتدخل الزعيم الراحل سعد زغلول باشا ليقنع الجامعة بأن صغر سن مشرفة يجب أن يقابل بالتقدير، وأنه هو دليل النبوغ. وأخذت الجامعة بوجهة نظر الزعيم ويرقى مشرفة إلى درجة أستاذ بالجامعة 1926 وتمضي سنوات عشر فإذا به ينتخب عميدا لهذه الكلية وهو دون الأربعينمن عمره، إذ كان في الثامنة والثلاثين آنئذ. وقد حصل على رتبة البكوية في هذا الوقت. ويتابع مشرفة نشاطه العلمي وبحوثه الرياضية وتنتشر في الخارج في أمهات المجلات العلمية

ويزداد تقدير العلماء له فيدعوه انيشتين ذو الشهرة العالمية في الرياضيات وصاحب نظرية النسبية وأحد أقطاب القنبلة الذرية أن يحاضر كأستاذ زائر في جامعة برنستون عام 1947، وأن ينزل ضيفا على الحكومة الأمريكية؛ وتوافق الجامعة على طلب العلامة الأمريكي، ولكن تجد ظروف خاصة تمنع مشرفة من الذهاب ويبقى في مصر

وكان مشرفة من المؤمنين بأن العالم يجب ألا يبقى في برجه بين جدران معامله، بل يجب أن يساهم في بناء المجتمع وفي نشاطه وفي تبسيط العلم لجمهرة من الناس، فنراه يلبي دعوة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية ويلقي سلسلة من الأحاديث عن الذرة والقنبلة الذرية وعن (العلم والدين) (والعلم والمال) (والعلم والسياسة) (والعلم والصناعة) (والعلم والأخلاق) وغيرها. كما لم تخل صحيفة يومية أو مجلة ثقافية من مقالاته وآرائه، وفي مقدمتها مجلة الرسالة الغراء

واتسع نشاطه فنراه يخرج للناس عدة كتب علمية منها النظرية النسبية الخاصة

- ومطالعات علمية - والذرة والقنبلة الذرية - ونحن والعلم - والعلم والحياة - ويهتم بدراسة علماء العرب فيساهم في إخراج كتاب الجبر والمقابلة لمحمد بن موسى الخوارزمي، ويؤلف عدة كتب في الميكانيكا والهندسة والرياضيات لوزارة المعارف العمومية، كما عهدت إليه الوزارة في ترجمة بعض المؤلفات العلمية الأجنبية

ويساهم في إنشاء الهيئات المختلفة من علمية أو اجتماعية، فنراه بالمجمع المصري للثقافة العلمية، وبالأكاديمية المصرية للعلوم وباللجنة الأهلية للرياضة البدنية، وبمجلس فؤاد الأول الأهلي للبحوث، وبالجمعية المصرية للثقافة العلمية، وبالجمعية المصرية لهواة الموسيقة، وبجمعية القرش للصناعات المصرية، وجماعة إنقاذ الطفولة المشردة والمجلس الأعلى لشؤون الموسيقى بوزارة المعارف

وفي عام 1946 انتخب وكيلا لجامعة فؤاد الأول وحظي بعطف الملك وتقديره فانعم عليه برتبة الباشوية، وأخيرا كان على مشرفة أن يسير في الطريق التي لا بد أن يسير فيها كل كائن حي حين يستوفي أجله

جاء إلى هذه الدنيا في يونيه 1868 وتركها في يناير سنة 1950 وبين هذين التاريخيين أظهر من آيات النبوغ ورجحان العقل ما يجعل ذكراه تخلد على الدهر

أحمد علي الشحات