انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 970/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 970/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 02 - 1952



صلاة جنازة

للأستاذ عبد اللطيف النشار

هذي صلاة جنازة: الله أكبر ... فتياننا قتلوا وهل يبقي المعمر

سبق المقدم منهمو والله أكبر ... ومش على آثاره من سبق المؤخر

الله أكبر

الله أكبر ما الطغاة بمدركي ... قتل الجميع. وهبهمو فالله أكبر

لن يخضع المصري بعد لبغيهم ... فليأخذوها بلقعا والله أكبر

الله أكبر

وعزاؤنا أن العدى نكبوا بأكثر ... ورجاؤنا أنا بإذن الله نثأر

شهداؤنا سنوا لنا ما ينبغي ... لمجاهد والعمر في قدر مقدر

والله أكبر

جيش من الأعداء دبر ثم قدر ... واختار خطته التي تخزي المدبر

فرمى العدو جنازة تسعى إلى ... قبر ولولا أمنه منها تقهقر

الله أكبر

أمن العواقب فانبرى يعوي ويزائر ... فانسل منا كل قسورة غضنفر

جملوا العدو على الفرار مغادرا ... قتلي ولكن بين ضباط وعسكر

الله أكبر

لم يدفنوا من شيعوه ميتا: ... من قبله دفن العدى حيا تنمر

والموت يخفى نفسه حينا ويظهر ... والموت بعلن نفسه وسط المعسكر

الله أكبر

بين الضحايا من بنى مصر فتى ... دون البلوغ فعمره تسع وأشهر

شق الصفوف إلى العدو مقاتلا ... فأصاب ضعفي بطولة فيهم وأكثر

الله أكبر

ترك النعوش حماتها وتدفعوا ... كالسيل في ثغرات جيشهم المظف فإذا جنود المعتدين تفرقوا ... ومشيعو الموتى على النكبات أصبر

الله أكبر

ومجلبب طفل رمى جلبابه ... بالنقط وحي التو لا أمرا مدبر

ماذا تحاول يا (نبيل) فلم يجب ... أيجيبني من جسمه لهب مستعر؟

الله أكبر

وتلقفت منه خيام عدونا ... مثل الشرارة في لظى نارتزمجر

فحما غدا أعداؤنا متضرما ... وغدت خيامهمو بمقلبهم تذكر

الله أكبر

يا رب لا تغفر ولا ترحم ولا ... ترسل على الدنيا سوى اللهب المدمر

كاد الحليف حليفه في عالم ... معروفه هذا وفي المعروف منكر

الله أكبر

عبد اللطيف النشار

في موكب الشهداء. . .

للأستاذ محمد علي جمعة الشايب

قلوب دهاها الحزن فهي تذوب ... ودمع، ولكن جمرة ولهيب

أرى النيل يسعى باكيا ملء جفنه ... وللموج لطم موجع ونحيب

وتلك المروج الخضر تبدو كأنها ... مواكب موتى في البلاد تجوب

فلا الزهر بسام يميل صبابة ... ولا تطير نشوان الجناج طروب

أعيني مالي أبصر الطير شاديا ... ولكنه في مسمعي تعيب

طوى الروض من أحزانه ثوب عرسه ... وران على وجه النهار شحوب

سل الوادي الولهان ماذا أصابه ... يرد أسيفا والدموع نجيب:

بواكير من زهر الشباب تساقطت ... وصوح دوح للبلاد رطيب

أسود سعوا نحو الخلود بهمة ... لها بين أنياب الحتوف وثوب

مضوا شهبا تحيي الأمان بنورها ... وتهوى إلى قلب العدا فتصيب بأي ذنوب قد أراقوا دماءهم ... وليس لهم إلا الفداء ذنوب

لئن كان حب النيل ذنبا يرونه ... فلسنا ورب النيل منه نتوب

ألا إن شعبا قد أناموه قد صحا ... ولابد من بعد المنام هبوب

محمد علي جمعة الشايب

الينابيع الجديدة

للشاعر محمد الفيتوري

أتخمت قيثاري بهذا الحب، هذا الضعف، هذي اللعنة السوداء

واليوم يوم المحرقين دماءهم ... في مذبح الحرية الحمراء

لا تلهمينيه غناء. . مائعا ... متناوحا متماوت الأصداء

لكن أعاصير ممردة الذرى ... وحرائقا ممتدة الأرجاء

فالويل كل الويل للشادين بين مآتم الأموات والأحياء

الراقصين على الطريق، مشيدا بجماجم التعساء والبؤساء

والويل للمتوشحين بنورهم ... وربيعهم في ظلمة الفقراء

الباسمين إلى الحياة وحولهم ... أمواج نهر الأدمع الخرساء

والويل للمتوحشين صباحهم ... ومسائهم في حيرة الضعفاء

الراقدين على الحرير وغيرهم ... متوسدين سواعد الظلماء

لا تلهمينيه غناء مائعا ... متناوحا متماوت الأصداء

فالويل للفن الذي لم يستجب لموجع البشرية الصفراء

والويل للنسيم الذي لم يحترق ... ليعود عاصفة من الأنواه

والويل للنهر الوديع المستحم بضعفه من قوة الدأماء

والويل للسفح المجلل بالدجى ... من سخريات القمة الشماء

والويل للميت الذي لم ينتفض ... في قبره ليعود في الأحياء

يا أيها الشعب العظيم وإنما ... أدعو ألوهة روحك المتمرد

القيد قيدك أنت نار حديده ... لا صنع جبار ولا مستعبد فإذا تشاء سحقته فتلقفت ... ذراته ريح العتاد الأسود

وإذا تشاء غصصت أفواه الردى برمائم المعبود والمتعبد

فاهتف بأشواق الحياة تجبك أصوات الحياة بقلبها المتوقد

وازحف على ظلمات يومك ينبثق ... نور الغد القدسي من قبل المتوقد

تلك النباتات المدنسة التي ... كم عانقتك بشوكها المتجرد

لست الذي يثنيه شوك جذوعها لا كنت إن لم تقتلعها باليد

أنا لن أنوح عليك لن أبكي على ... نيران المستغرقات الهمد

لا زلت المح في رمادك قوة ... إن تنطلق تطفئ صباح المعتدى

وأحس في معنى سكونك رعدة ... ياويح أحلامي إذا لم ترعد

يا رعشة الأشواق أشواق إلى ... جيشان أرضك بالدم المتسعر

ولو ائك المخضوب يخفق شامخا ... كجناح نسر في الأصائل مبحر

والأوجه السمراء في جبهاتها ... وعيونها إبماضة المتجبر

والأزرع المتجمدات وقد ... تعرقها انتقام المارد المتحرر

حقل من النيران والدم صارخ ... بزوال مجد الغاصب المستعمر

وبناء إنسانية لم تحتقر ... ضعف الضعيف ولا أنين المعسر

لم تبن جنتها الجميلة بين ... آلام الأجير وضحكة المستأجر

لم تبتدع يوما رسوم سقوفها ... فرشاة مصدور ولا متكدر

لم تجر أنهرها وخلف سياجها ... تفني الألوف من الهجير الأكبر

لم تزه كرمتها ويحن نخيلها ... والجوع يعصف بالجسوم الضمر

فهناك يا شعبي ستنبت فرحتي ... في مهجتي وتعود رقة مزهرى

ويعود بلبلك الجميل معطرا ... بغنائه قلب الربيع الأخضر

محمد مفتاح القيتوري

جارتي

للأستاذ عثمان حلمي كان لي جارة بلوت أذاها ... ساء ني صبحها وساء مساها

تسبق الطير في الصباح بصوت ... صاخب يسلب العيون كراها

صخب ما له حدود فقد قص ... ر فيه أضرابها عن مداها

كل يوم لها عراك جديد ... ورضاء وما يطول رضاها

وإذا ما انتهى العراك فما نس ... مع إلا عويلها وبكاها

وعلا صوتها على كل مذيا ... ع ودوى فما سمعت سواها

كلبها وابنها إذا هي صاحت ... صيحة الشر يحكيان صداها

ولها طفلة أجارك منها الل ... هـ إن أعملت على الصبح فاها

ولها خادم لها كل يوم ... وقعة بالجوار من جراها

وكأني بديكها حينما يص ... رخ يحكي من النداء نداها

كل تلك الأصوات مجتمعات ... توفر النفس أو تزيد شقاها

ولقد حرت مثلما حار جيرا ... ني فيها وكلهم من عداها

إن ضحكنا من حادث أزعجتنا ... بطريف في أي كرب تناهي

وظللنا ندعو الذي خلق الخل ... ق جميعاً أن لا يطيل بقاها

بيديه الخلاص إن شاء منها ... وإذا شاء ردها لهداها

وتفقدت جارتي ذات يوم ... وسألت الجيران ماذا عراها

فاصطخابات جارتي لا تدري ... لا ولا رجع الفضاء صداها

وتساءلت ما دهاها فلم أل ... ق مجيبا يجيبني ما دهاها

غير أني أسفت لما رأت عي ... ني في دارها عجوزا سواها

فهي قد سافرت إلى غير رجعي ... غير ما يستعاد من ذكراها

وأكيد فراقها وأكيد ... أنني قد حرمت من ضوضاها

وكذا ساءني نواها كأن ال ... نفس من بعدها يعز عزاها

عادة المرء في الحقيقة جزء ... منه حتى في الشر لا ينساها

عثمان حلمي