مجلة الرسالة/العدد 969/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 969/البريد الأدبي
رحم الله الدكتور زكي مبارك
في مساء يوم الأربعاء الماضي انتقل إلى رحمة الله الدكتور زكي مبارك. أدركته المنية على أثر كبوة شديدة شجت رأسه ورجت مخه، ففقد كاتبا من كتاب الطليعة له جهاده الطويل وأسلوبه الجميل وأثره الباقي، كان رحمه الله من الأدباء القلائل الذين شقوا طريقهم في الصخر بالعمل الدائب والدرس المتصل والتحصيل المستمر. ثم قضى زهرة عمره في التعليم والتأليف والكتابة على خير ما يكون العامل الصادق من المثابرة والجد. فلو أنه انتهى كما ابتدأ لكان له في تاريخ الأدب والفكر شأن غير هذا الشأن. ولكن عوائق من طبيعته اعترضت طريقة الوعر فلم يبلغ الغاية التي هيأه لها اجتهاده واستعداده. هذه العوائق نفسها هي التي جعلته آخر الأمر يعفي طبعه ويوفر جهده، فلا يكتب إلا عفو الساعة وفيض الذاكرة. على أن له من المؤلفات القيمة والمقالات الممتعة ما يثبت اسمه في سجل الخالدين.
وكان رحمه الله من المخضرمين المخلصين الذين ربطوا الجديد بالقديم، ووصلوا الشرق بالغرب. وكان لهذه الطبقة الفضل العظيم على النهضة الأدبية بما وطدوا من أساس وأقاموا من قواعد وحققوا من توازن. وبهذه الميزة كان للفقيد الكريم نصيب في بناء مجد الرسالة حينا من الدهر.
جزاه الله على ما قدم أحسن الجزاء، وعزى عنه أهله وصحبه خير العزاء.
في كتاب الديارات للشابشني
نشر الأستاذ كوركيس عواد كتاب الديارات للشابشني وطبع أخير في سنة 1951 ميلادية ببغداد. والكتاب في غنى عن التعريف، وكذلك ناشره الفاضل الذي طالما أمتعنا ببحوثه الأدبية على صفحات الرسالة. ولكن على الرغم من الجهد الذي بذله في التحقيق وقع في أوهام كنت أود تنزيهه عنها، وهذه بعض الأمثلة:
1 - في ص 57 جعل قافية البيت الأول من بيتي أبي العيناء (بالدال المهملة وشرح الكلمة بأنها (أد الأمر أثقله وعظم عليه) وهذا من أعجب ما رأيت من الأوهام، فالكلمة بالذال المعجمة من الأذان، وذلك كما جاء في ص 127 من ديوان علي ابن الجهم طبع المجمع العلمي بدمشق سنة 1369 إذ قال من قصيدة (الله أكبر الخ. .) وفي الهامش أن مروان بن أبي الجنوب قال لما ابتدأ على قصيدة بهذا المطلع - ثم ذكر البيتين اللذين نستهما الشابشني إلى أبي العيناء. ولو تأمل الأستاذ كوركيس لرأي البيت الثاني يذكر الإقامة والطهر وهما مستلزمات الأذان. ومطلع الأذان الله أكبر وهو مطلع قصيدة علي ابن الجهم؛ فالكلمة إذن (فأذنا) بتشديد الذال المعجمة وليست بالمهملة وهم الأستاذ الناشر.
2 - ذكر في ص 29 الحاشية 10 أن يوم الشك هو اليوم الثلاثون من شعبان إذا غم الهلال بعد تسعة وعشرين يوماً من شعبان ولو كان اليوم المذكور أول يوم من رمضان لما كان هناك أدنى شك ولوجب صومه.
3 - في ص 24 الحاشية - 2 ذكر أن الحد تأديب المذنب، وذلك عند الكلام على معنى (فجلدها حدا) مع أن المراد هو حد القذف وهو أحد الحدود الستة التي نص القرآن الكريم على بيان عقوبتها وأنها ثمانون جلدة. وهناك فرق كبير بين الحد في القذف وبين التعزير الذي يقصد منه تأديب المذنب.
هذا بعض قليل مما في الكتاب - وإذا اتسعت لنا صفحات الرسالة نفذناه إن شاء الله نقداً وافياً يستوعب أوهامه وأخطاءه المطبعية مع الإشارة إلى كثير من الأبيات التي وردت مختلة الوزن وغير ذلك - على أن كل هذا لا يمنع من تقدير الأستاذ الناشر على مجهوده الرائع الذي بذله في تحقيق هذا الكتاب وطبعه لأول مرة وإضافة هذه الدرة إلى عقد المطبوعات العربية الخالدة.
عبد السلام النجار
هنات عروضية
في الظلام الرهيب. . في غفلة الدهر. . في يقظة الدم المخمور في انتفاض الغصون في عاصف الريح، في فورة اللظى المسجور زهرة النيل. . وابنة الشاطئين. . ونجوى الحمام للصفصاف وتهادي النشيد. . في مزهر الأفق في هدأة الليالي الرهيبة حان يوم الخلاص فابسط ذراعيك للأفق للسماء الرحيبة في الأبيات السالفة من قصيدة (قصة الحرية) للأستاذ محمد فوزي العنتيل هنات عروضية تحتاج إلى تصويب طفيف، كما تحسن مبنى كما حسنت معنى.
صارو
من عيوب القافية:
حتى إذا بلغت به أقصى المدى ... وإنجاب عنه ركامها المتلبد
. . هذا بيت ورد في قصيدة الأستاذ عثمان حلمي بالعدد (955) من الرسالة، وحركة رؤية الضمة مخالفا بذلك سائر أبيات القصيدة إذ هي مكسورة الروى، واختلاف (المجرى) بالضم والكسر - كما هنا - عيب من عيوب القافية يسمى (الإقواء). . . فهل يجد الأستاذ حلمي مقيلا من هذا العيب في البيت؟ وهل له أن يصلح هذا الشطر:
. . (يجري وما تدري النهى المقصد). في القصيدة نفسها!
يصمد ليست بمعنى يثبت
شاع التعبير بهذه الكلمة (يصمد) في الدلالة على معنى الثبات. وهذا هو الأستاذ قطب في العدد (966) يقول: (أمكن أن تصمد للاستعمار) وسياق حديثه يشعر بإرادته للمعنى المذكور، ولكني أقرر أن (يصمد) بمعنى يقصد والصمد بسكون الميم القصد، ومن معانيه الضرب والنصب كما في القاموس المحيط، والصمد والصمد بفتح الميم السيد لأنه يقصد، وفي تفسير الكشاف المزخشري: (الصمد) فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده، هو المصمود إليه في الحوائج. .
هل التلاشي بمعنى الضياع؟:
إنني أسائل فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت، هل وردت كلمة (التلاشي) في اللغة العربية بمعنى الضياع، إذ قد وردت في مقالة بالعدد (966) مرادا بها هذا المعنى! وهي كثيرة الذيوع على ألسنة المعبرين، وأقلام الكاتبين، وقد رأيت في القاموس المحيط: (لشا) خس بعد رفعة، فهل يمكن صوغها من الفعل؟ وهل لها وجود في بعض الأحاديث النبوية، والشواهد العربية؟.
محمد محمد الأبشيهي (الرسالة) فعل لا شيء صاغه المولدون من (لا شيء) وهي صياغة لا تقرها أصول اللغة.
التصحيف والتحريف:
سألني سائل في رسالة خاصة: (لقد جاء في كلمتك الأخيرة في رسالة الزاهدة قولك (التصحيف ولا أقول التحريف). فهل ثم فرق بين التصحيف والتحريف)؟
وإني إذ أشكر للسائل الفاضل سؤاله واهتمامه بلسان العرب ولغة القرآن أرجو أن يتفضل فيعلم أن (التصحيف غير التحريف) وإن كان بعض الكاتبين بجمع بينهما على معنى. .
فالتصحيف مصدر صحف أي أخطأ في الكلمة - كتابة أو قراءة أو الرواية - لتشابه وتجانس في صورة كلمتين واختلاف في النقط. ولقد رقع التصحيف منذ قديم في كلام بلغاء العرب ورجال الأدب وأشعار القدامى وسائر الأمثال حتى أن أبا عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني وضع في ذلك كتابا سماه (التنبيه على حدوث التصحيف).
وأمثلة التصحيف بالنقط أكثر من أن تحصى، ومن أطرف التصحيفات التي تذكرها التواليف ما قيل من أن جماعة من المخنثين كانوا في المدينة في خلافة سليمان بن عبد الملك الأموي فأرادوا أن ينفيهم منها فكتب إلى عامله فيها - وكان وقتذاك أبا بكر عمر بن حزم - أن (أحص) من عندك من المخنثين. وصادف أن نقطة من السطر الأعلى من كتاب الخليفة وقفت أو وقعت فوق الحاء من لفظة (إحص) المهملة فصارت (إحص) بالمعجمة، فما كان من أبي بكر إلا أن خصاهم أجمعين.
وكذلك يقع التصحيف من تشابه رسم الحروف وهو من آفات العربية. وفي ذلك يقول البيروني في كتابه (الصيدنة) (ولكتابة العربية آفة عظيمة هي تشابه صور الحروف المزدوجة فيها! واضطرها في التمايز إلى نقط المعجم، وعلامات الإعراب التي إذا تركت استبهم المفهوم منها. .) الخ.
جاء في لسان ابن منظور في مادة (سوف). السواف بفتح السين: الفناء وفي القاموس السواف كسحاب: القثاة فأين الفناء من القثاء؟ ولكنه التصحيف يقع فيه القاموس ويسلم منه اللسان لينقلب الفناء قثاء كما انقلب المخنثون خصيانا!.
ومما أذكر في هذا الباب ما جاء في تعقيب لي على كلمة لإمام العربية المحقق المدقق المرحوم إسعاف النشاشيبي قس تحقيقه لكتاب (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) وتصحيحه لفظة (الأدب) من (والأدب من ذي الغيبة) إلى (الغنم) ثم تعقيبي (والأدب من ذي الغيبة) بالواو وهو الأصل الذي صحف عنه (الأدب) واستحسانه - رحمة الله - التعقيب والتصويب شاكراً ومقدورا في قوله: (لا ريب في أن أصل (والأدب من ذي الغيبة) والدليل على ما ذهب إليه أنت قريب وإن تباعد مني، فإن الناسخ القديم البارع (سامحة الله) استبدل بالواو دالا ثم جاء الطابع فطبع)
وأما التحريف فهو وقوع اختلاف في الحركة أو السكون مع تشابه أحرف الكلمة في النوع والشكل والعدد والترتيب.
فلفظة (الحب) مثلاً تأتي الكسر على معنى المحبوب والمحب، وبالفتح البزر المعروف، بالضم الجرة الضخمة. فاختلاف الحركة - كما ترى - نتج عنه اختلاف المعنى اختلافا واضحا ووقوع القارئ أو الكاتب أو الراوي في مثل هذا الاختلاف هو المقصود بالتحريف حركة أو سكونا. . .
وقد يجتمع التصحيف والتحريف معا في الكلمة الواحدة فيزيد الكشف سوء كيلة، والطين بلة، والداء علة. مثال ذلك ما ورد في القاموس في مادة (برقش) (أبو براقش طائر صغير يرى (كالقنفذ) والخطأ بالتصحيف ظاهر في لفظة التشبيه لا يحتاج إلى تنبيه. والصواب (كالقنبر) ذلك لأن القنفذ ليس بطائر باثنين حتى يشبه طائر به، وإنما هو دابة تدب على أربع. (راجع المقتطف39: 488 في أبي براقش)
وبعد: فمجمل القول في التصحيف والتحريف أن التصحيف يكون أكثر ما يكون باختلاف الحرف واختلاط النقط إهمالا وإعجاما، وأن التحريف يكون باختلاف الحركة أو السكون في الكلمة قراءة أو كتابة أو رواية. وقى الله لسان العرب وأصحاب القلم من الخلط ومصحفاً ومحرفا والسلام.
الزيتون
عدنان
1 - خطأ قديم كتب الكاتب القدير الأستاذ أحمد محمد بربري مقالا قيما بجريدة الأساس تحت عنوان (خطأ مشهور) أجرى فيه الحوار بينه وبين شيخه على طريقته المعهودة. وقد جاء على لسانه: (ويأتي بهذا النص الذي تقول أنه منعدم)؛ فأتى باسم الفاعل من (انعدام) الذي أقول أنه معدوم. وهذا خطأ قديم وقع في كلام كثير من الكتاب والفقهاء والمتكلمين.
وأغلب الظن أن هذه هفوة من الأستاذ بربري، وإلا فكيف غاب عن شيخه وعنه أن صيغة (انفعل) لا تؤخذ من (العدم) لأنها مختصة بما هو علاجي محس، وواضح أن العدم لا يلمس ولا يحس. وزيادة في الإيضاح ولأن الأستاذ بربري لا يؤمن إلا بما نقل عن العرب وورد فيه نص صريح فإني أحيله إلى قول (المنجد): (ولا يبنى انفعل إلا مما فيه علاج وتأثير، ولهذا لا يقال علمت المسألة فإنعلمت، ولا ظننت الأمر فأنظن لأن العلم والظن مما يتعلق بالباطن وأثرها ليس محسوساً)، وإلى (محيط المحيط) ففيه: (يقول المتكلمون والفقهاء وجد فأنعدم والصواب وجد فعدم لأن الانفعال للعلاج والتأثير، وليس العدم والإعدام في شيء من ذلك كما لا يقال علم فإنعلم).
فكان الواجب عليه أن يقول: (ويأتي بهذا النص الذي نقول أنه معدوم).
2 - خطأ نحوي
جاء في مقال بالهلال (عدد يناير) للدكتورة الفاضلة (بنت الشاطئ) تحت عنوان (الثائرة): (ولم تك النميمة سوى رصاصة. .)، وفي هذا التعبير مجال للقول والنقد؛ لأن من القواعد المتقررة أنه لا يصح حذف النون من (يكن) إذا وقع بعدها ساكن؛ ولهذا ثبتت في قوله تعالى: (لم يكن الله ليغفر لهم)، وقوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب)، وأما قول الشاعر:
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم
أحمد مختار عمر