انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 967/في سبيل الله!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 967/في سبيل الله!

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 01 - 1952



للأستاذ محمد محمود زيتون

(قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم، وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم، وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره. والله لا يهدي القوم الفاسقين) القرآن الكريم

القتال غريزة في البشر، لا معدي عنها، ولا مفر منها، ولو تركت الغرائز وشأنها انهدم سلم التربية، وارتكست الإنسانية في مهاوي الضلال من غير أن تقوم لها قائمة، ولكن الإسلام الحنيف كفل للنفس منافذ الطموح إلى العزة والشرف، فهذب الغرائز، وارتفع بها على خير وجه مسنون.

وليس أدل على ذلك من علاجه لغريزة القتال، وتوجيهها نحو المثل الأعلى لصالح الفرد والجماعة، فلم يترك أمامها باب شر إلا أوصده، ولا منفذ خير إلا سلكه، وصدق الله العظيم: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم)

ومن هنا كان القتال الإسلامي ذا صبغة خاصة لم نعهد لها شبيها في الأمم قديما وحديثا، وذلك لأنه لا ينتهج سبيل الفتك والطغيان، ولا يتذرع بالعصبية والحزبية، بل يمضي في خط مستقيم لا عوج فيه، سليما في بدايته ونهايته، شريفا في مبرراته وغاياته، سديدا في خطواته ومشكلاته، فلا عجب أن يكون (الجهاد) معهدا عاليا للتربية المثلى، تبذل فيها النفس جهودا شاقة بكل ما لديها من جوارح، وتمتحن فيها الغرائز الأخرى مجتمعة ومفترقة: من تملك للدنيا، وتمسك بزخرفها، إلى الحرص على صلة الدم من عصابة وقرابة وجوار.

وذلك السبيل لن يكون فريدا إلا إذا تناسقت هذه القوى سالبها وموجبها على سواء بحيث تنأى عن النقص والدون، وتنهض على أساس من التضحية والتعلية والفداء والصبر. وهذا هو الجهاد في سبيل الله، وهو شريعة لها خصائصها وميزاتها، ودعوة لها فلسفتها ومنهاجها، تقوم الأجيال وتقعد وما تزال للجهاد الإسلامي روعته وقوته، وبهما ترتد الأذهان الكليلة الهزيلة إلى القصد والرشاد.

ولو حشدنا أمام الإسلام جيشا جرارا قوامه كل ما في اللغات من كلمات استفهامية تدور بالخلد سرا وجهرا للتزود من ذخيرة هذا الجهاد، ولتثبيت الإنسان الكريم على قواعد العزة لكان للإسلام المكانة التي لا يتطاول إليها رأي أو مبدأ أوفلسفة أو زعامة ولو كان أصحابها بعضهم لبعض ظهيرا.

متى نجاهد؟ وكيف؟ وبمن؟ ومن. . وبكم؟ وفيم؟ وبم؟ ولم؟ وأي في سبيل الله؟. . هذه كلها يستجيب لها الإسلام في هدوء ومضاء ومن غير تعثر.

والإسلام يتمشى مع طبيعة الأشياء أن يتصل ولا ينفصل، وأن يدوم مع الحياة الفردية والجماعية من المهد إلى اللحد. وهذا ما يؤكده منطوق الآية الكريمة في حكمها المطلق (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيط ترهبون به عدو الله وعدوكم) وقوله تعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال).

والإرهاب هنا أمر مفروض، وصفة لازمة لا تبرج المسلم أبدا، ولا ينبغي له أن يتخلى عنها يوما دون آخر، ولا يأتيها لظرف طارئ ويدعها من بعده، وتصدق في أحاديث النبي الكريم (الجهاد ماض إلى يوم القيامة) والجهاد هنا على العكس من الهجرة، إذ يقول الرسول الأعظم. (لا هجرة بعد الفتح ولكن نية وجهاد) ولقد حسب المسلمون - بعد تبوك - أن الجهاد قد انقطع فأخذوا يبيعون أسلحتهم لأهل الغنى والفضل، فنهاهم عن ذلك رسول الله وقال (لا تزال عصابة من أمتي ظاهرين يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال) ولن يخرج الدجال إلا في آخر هذا الزمان، يوم يرث الله الأرض ومن عليها.

ذلك بأن الجهاد من أشد مظاهر الإيمان لصوقا بهذا الدين المتين، وهو - على التحديد - أقرب ما يكون إلى دستوره ومصدر تشريعه، فالنبي يقول (من تعلم القرآن ثم نسيه فليس مني) وكذلك يقول (ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه) ويقول (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل)

هذا الجهاد إذن لا مقطوع ولا ممنوع، بل هو موصول غير مفصول، وذلك ما تقتضيه قوانين علم النفس فيما يتعلق بخصائص الغريزة، وهي التي لا سبيل مطلقا إلى هدمها أو تعطيلها لأنها قوة محركة للسلوك، ولن يظفر الإنسان بنعمة (العافية الاجتماعية) إذا تخلى عن قوة الدفاع عن النفس، وهذا ما يجري في دمه، وهو يدفع جيوش الميكروبات الوافدة، ويصدها عن كيانه الحصين.

والمجتمع كالفرد كلاهما لا غنى له عن الدفاع ضمانا للبقاء، ويم يتخلى الكائن الحي عن مقومات صراعه مع الفناء، تنمحي مظاهر وجوده وتنهدم أسباب حقيقته، فلا عجب إذا كان الجهاد من ألزم ما يلزم المجتمع السليم الذي دعائمه الراسخة حقائق دين الله.

والجهاد يستجيب لدواعي الخلود حين يستخف المجاهدين إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها الثواب المدخر، والجزاء المنتظر، لكل من خلص نفسه من مثقلاتها ومعوقاتها، ولن تستقيم دعوة إلى خير وحق إلا إذا اقترنت بالترضية والجزاء الوفاق، والتخويف من المرتع الوخم الذي تتردى فيه الشهوات بأصحاب الرذيلة، وهذا الإعلاء في غريزة القتال هو ما يسميه رسول اللهبالجهاد الأكبر، وما أشقه على النفس.

وتحرير الوطن من الغاصبين من صميم رسالة الجهاد في الإسلام (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف) والتمكين في الأرض مقرون بالعقيدة العلمية والعملية، الدافعة الرافعة معا (ألم تر إلى الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. قال: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله، وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا. فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين).

ولقد أعد الله تعالى للشهداء في سبيل الله الجزاء الأوفى. بعد أن اتجروا مع الله وباعوا أنفسهم وأنفقوا في سبيله أموالهم (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي ما بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم).

والحرص على الحياة لا يرتفع بها عما تردت فيه، ولهذا قيل (أحرص على الموت توهب لك الحياة) من غير مبالاة بشيء من هذا الحطام الفاني. كما يقول الشاعر المجاهد في سبيل الله:

ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله، وإن يشأ ... يبارك على أجزاء شاو ممزع

وهذا عبد الله بن الزبير يتلقى الدرس من أمه أسماء بنت الصديق، وهو في طريقه إلى قتال الحجاج بن يوسف، فرعون زمانه، إذ دخل ابن الزبير على أمه يوم مقتله، وقد رأى خذلان الناس له فقال لها:

يا أمه، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صير ساعة، والقوم يعطونني من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت ذات النطاقين لابنها:

يا بني، أنت والله أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق، وإليه تدعو، فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن رقبتك يتلعب بها غلمان بنى أمية. وإن كنت أردت الدنيا، فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على حق، فلما وهن أصحابه ضعفت، فليس هذا من فعل الأحرار ولا أهل الدين. وكم خلودك في الدنيا؟

. . القتل أحسن

قال عبد الله: إني أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي.

فقالت: يا بني إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها فدنا منها وقبل رأسهما وقال:

هذا والله رأيي والذي قمت به داعيا إلى يومي هذا، مار كنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمه، ولكني أحببت أن أعلم رأيك فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه، إني مقتول من يومي هذا فلا يشتد حزنك، وسلمى الأمر لله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عمل بفاحشة ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي. اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي. أنت أعلم بي ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني.

فقالت أمه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني، وإن تقدمتك ففي نفسي حرج حتى أنظر إلام يصير أمرك.

فقال ابن الزبير: جزاك الله خيرا، فلا تدعى الدعاء لي قبل وبعد.

فقالت: لا أدعه أبدا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النجيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبي. اللهم قد سلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين.

وقاتل عبد الله بن الزبير حتى قتل ومعه صفوة من أصحابه، قطعت رءوسهم جميعاً، وبعث بها إلى الحجاج في المدينة، ونصبت للناس وعبثت بها الأيدي الملوثة.

وفي الجهاد الإسلامي تنطلق النفس من عقال الحياة لتسبح في ملكوت حر فسيح، كما أنها تنبثق من طاقة خصبة هي الحق ولا شيء سواه.

هذا ما يستمسك به الزبير بن العوام وهو في موقعة صفين إذ يقول:

(والله لو هزمونا حتى أوصلونا سغفات هجر، لعرفنا أننا على الحق وأنهم على الباطل) وهذا عمر بن الخطاب، وهو ما يزال حديث عهد بالإسلام، والنبي ما يبرح مستخفيا بدعوته في دار الأرقم فيقول:

يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ فيقول النبي: (بلى، والذي نفسه بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم) فيقول عمر: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق، ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإسلام غير هائب ولا خائف. والذي بعثك بالحق لنخرجن يا رسول الله. لا ينبغي أن تكتم هذا الدين، أظهر دينك، والله لا نعبد الله سراً بعد اليوم.

وخرج الرعيل الأول من المسلمين وعدتهم أربعون في صفين يتقدمها حمزة وعمر، كلاهما متوشح سيفه، والغبار يثور حولهما، وللجمع كديد ككديد الطحين، وهم يطوفون بالكعبة، يرهبون عدو الله وعدوهم، وقد أخزاه الله بعد أن رأى ما رأى، وأصبحت القلة التي على الحق تقرأ القرآن جهرة، وتصلى بالمسجد علنا، وأنف الكثرة في الرغام.

سأل إعرابي رسول الله: إن الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فأيهم في سبيل الله؟ فيقول عليه السلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.

الحق إذن هو الباعث على الجهاد وهو بالتالي غايته ومرماه، أي أنه يدفع بأصحاب الدين إلى الأعلى، ويجذب أصحاب الدنيا من أسفل، لهذا فهو وحدة تامة لا تتوزع ولا تعدد، (فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال) وليس من الجهاد أن نقاتل عن حسب أو نسب أو عصبية، بل ما ارتضاه هذا الدين لأهله من الاتحاد (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص).

من أجل هذا الصف المتسق الملتصق. . حكم رسول الله على (قزمان) بأنه من أهل النار، وهو عديد بنى ظفر وقد حرضته نساؤهم على القتال مع المسلمين يوم أحد، فأخذ سلاحه، وجاء من خلف الصفوف حتى كان في الطليعة وظفر بعشرة من أصحاب الألوية المشركة صرعهم جميعا واحدا بعد الآخر، وأخذ يقول (دافعوا عن الأحساب والأنساب) ولما أثبتته الجراحة بشره المجاهدون بالجنة فسخر منهم وقال (والله ما قاتلت على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ أن تسير قريش إلينا حتى تطأ سعفنا. ويقول: يا للأوس، قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثلما أصنع، وأخيرا انتحر منافقا، فلما ذكر للنبي قال (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاسد).

ومن أجل هذا الصف المتساند المتعاضد. . يصمد مصعب ابن عمير أمام الفئة الباغية يوم أحد وقد تفرق شمل المسلمين وأشاع ابن قميئة أن محمدا قد قتل، وانفض عنه من كان معه، فيدعوهم مصعب فيتذرءون بقتل محمد للفرار فيقول لهم (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) ويتنزل بذلك القرآن الكريم

ومن أجل هذا الصف الواحد المتحد (يأبى النبي كتيبة خشناء لابن أبي بن سلول قوامها أمثاله من المنافقين وأحلافه من يهود، فيردها النبي قائلا: (لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك) والله تعالى يؤيده (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين).

ومن أجل هذا الصف المنتظم المنسجم. . يرد النبي يوم بدر خبيب بن يساف، وقيس بن الحارث عن القتال في صفوف المسلمين، لأنهما على غير دين الله، ولا يبغيان غير الغنيمة، وهما في القتال أعظم غناء وأشد نكاية، ولكن النبي يقول لهما (لا يخرجن معنا رجل ليس على ديننا) ويأبى عليهما القتال حتى يسلما. فلما أسلم خبيب قال له النبي أمض، أما قيس فقد تأخر إسلامه إلى أحد).

ومن أجل هذا الصف المتشابك المتماسك. . يؤخر النبي - يوم بدر - الأنصار ليقدم المهاجرين السابقين إلى الإسلام هم وعشيرته، ويقول لهم: (يا بني هاشم قوموا فقاتلوا عن دينكم الذي بعث الله به نبيكم، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا به نور الله) فوثبوا إلى الجنة سراعا، فرحين بما أتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم.

ومن أجل هذا الصف الرابط المترابط. . يسابق المسلم أخاه وأباه وابنه وخاله إلى الجنة. .

فيتنافس سعد بن خيثمة أباه، ومعوذ بن الحارث أخاه عوف وهما غلامان على جانبي عبد الرحمن ابن عوف يوم بدر يتربصان للأبي جهل فرعون العرب. ويركض عمرو بن الجموح بعرجته وعبثا يحاول أولاده الأربعة أن يثنوه عن عزمه وقد عذره الله، ولكنه يتوق إلى الجنة ويسأل الله أن يرزقه الشهادة وألا يرده إلى أهله خائبا، ويستأذن أبو بكر قائده في أن يقتل ابنه عبد الرحمن، وعبد الله ابن رأس النفاق يسأل النبي أن يسمح له بقتل أبيه، وسعيد بن العاص يتجلد إذ يرى أباه صريع الشرك، وعمر بن الخطاب يصرع خاله العاص بن هشام، ومصعب بن عمير يأمر بالتشديد في فداء أخيه الأسير في يد المسلمين، وسعد بن أبي وقاص تراوده أمه عن إسلامه وتمتنع عن الطعام والشراب حتى يكفر، فلا يعبأ بها وهو لها الابن البار (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما).

ومن أجل هذا الصف المتكامل غير المتفاضل. . يقف أصغر المجاهدين علي بن أبي طالب إلى جانب أكبرهم سنا أبي عبيدة بن ابن الحارث، ولا فارق بين حمزة القرشي وبلال الحبشي وصهريب الرومي وسلمان الفارسي، ولا بين المهاجري والأنصاري، كل وبلاؤه (إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة، والأنفال تقسم بما أمر الله بين الضعفاء والأقوياء على السواء، لكل منها نصيب حسب جهاده، فالمشاة والرماة والسقاة، والقادة والسادة، والركبان والعبدان جميعا في درجات مرتبة في الحياة والموت، فقد كان النبي يقدم في دفن الشهداء أعلمهم بدين الله وأقرأهم للقرآن.

ومن أجل هذا الصف الزاحف الجارف. . كانت المرأة تسقى الجرحى، وتضمدهم وتمونهم بالذخيرة، وتتري عن رسول الله، وتحمي الظهور، وتدفع بأفلاذ كبدها إلى الفردوس الأعلى، وتحتسبهم جميعا عند الله، ولا يهمها إلا أن تسأل عن سلامة رسول الله، وجيش حزب الله.

ويدعوا النبي إلى الجهاد بينما عمير بن الحمام بيده ثمرات يأكلها، فيخشى أن تعوقه عن الجنة، فيرميها ويقول: ويحكن، والله إن بقيت حتى آكل ثمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ويرتجز:

ركضا إلى الله بغير زاد ... إلى التقى وعمل المعاد

وكل زاد عرضة النفاد ... غير التقى والبر والرشاد وفي سبيل الله. . يتعطل ركن من أركان الدين، كما أمر النبي بالإفطار في رمضان وهو في غزوة بدر، وأمر بتأخير العصر حتى يدرك بني قريظة في غزوة الأحزاب.

وفي سبيل الله. . تتحرك القلة المؤمنة لتقاتل الكثرة المشركة، (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) ويقاتل المسلم بما معه والله ناصره، فقد رمى سعد بن أبي وقاص بعرجون فارتد سيفا، وكذلك عبد الله بن جحش وعكاشة بن محض، والعبرة بالإيمان لا بالسلاح، إذ تعجب المسلمون من سيف الزبير بن العوام يوم الخندق وقد ضرب بسيفه نوفل بن عبد الله بن المغيرة فشقه نصفين ووصلت الضربة إلى كاهل فرسه فقال: والله ما هو السيف ولكنها الساعد.

وثبت الله المجاهدين في سبيله بالملائكة والريح والمطر والنعاس آمنة منه وظلوا على الحق ظاهرين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله عز وجل، إذ يقول نبي الجهاد (لا يبقين دينان بأرض العرب) ومن أجل هذا يكون الجهاد في سبيل الله.

محمد محمد زيتون